مسرحة الشهادات الشفوية توثيق الأحداث السياسية مسرحيًا ما بين ثورتي 25 يناير و 30 يونيو

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

مدرس الدراما والنقد المسرحي کلية الآداب/ جامعة عين شمس

الموضوعات الرئيسية


المقدمة:

ترتبط الشهادات بتقديم تجربة ذاتية لذات ما عن المجتمع، هذه الذات ربما تعاني ضغط لحظة حديّة تجبرها على الدلو بنصها في هذا العالم للکشف عن وقائع مر بها المجتمع. لذا يمکن القول إن الشهادة الشفوية، هي لحظة معرفية للذات الإنسانية، قد يکون لها بُعد أخلاقي- يرتبط بالکشف عن فضاء المجتمع من خلال ثنائية الصدق/ الکذب للروايات المصاحبة للأحداث المعاشة لأنها لا تتناسب مع تصورها الأخلاقي من جهة، بعد معرفي يرتبط بکشف التناقضات الأيديولوجية لبعض الروايات حول الواقع الذي تعيشه الذات التي تکتب الشهادة، من جهة أخرى.

ما بين عامي 2011  و 2013، قدمت عروض مسرحية مصدرها الأساسي شهادات شفوية لأشخاص عايشوا اللحظات السياسية المحتدمة في مصر، فغزا الشأن العام المسرح من جديد، وظهرت بعض الشهادات من أشخاص بوصفهم "خبراء في الأحداث السياسية"، وتم تجسيد هذه الشهادات من خلال أداء الحکي السير ذاتي في عديد من التجارب المسرحية في تلک الفترة. مما جعل الشهادات تخرج من بعدها الإبلاغي - الذي ينحصر کاتبها/ شاهدها في البعد السياسي - إلى بعدها الجمالي طبقًا لمقتضيات الکتابة المسرحية وطبيعة المسرح الفرجوية، فتراوحت الشهادات بين الحکي الذاتي والحکايات الجماعية، وبين الجمالي والسياسي.

من هذا المنظور، يمکن القول إنه عندما تُمسرح الشهادة الشفوية يحدث تغير في بنية الشهادة الشفوية، ذلک أن المسرح يتأسس على کتابة دراميةتحمل وسائل تأثير وتشويق وجذب، تکشف عن نموذج إنساني - يقوم به مؤدي يُمَثَّل الشهادة في مکان مسرحي بحضور المتلقي - يمکن أن يساهم في إيجاد مساحة مشترکة بين المرسل والمتلقي لتبادل المعارف والکشف عن الحقائق المسکوت عنها في الوقائع الاجتماعية. ويرى الباحث أن هذه النقطة تساهم في معرفة رأي الجمهور في الشهادات عبر رد الفعل المباشر باستحسانه لها عبر التصفيق.

إن مسرحة الشهادة تحدث تحولات في ترکيبتها لأن طبيعة الشهادة عن أحداث ما غرضها کشف الحقيقة وتحقيق العدالة، ولکن عند مسرحتها تتحول الشهادة إلى حدث/ أداء أي تخرج من بعدها السردي إلى منطق أدائي، يعتمد على الحکي. هذا ما يجعل الشهادات تتراوح بين الواقع والخيال نتيجة طبيعة تأويل الأحداث نفسها. کما يجعل مسرحة الشهادات يتصل بأکثر من دائرة منها دائرة والموروثات الشفهية وتقاليد الحکي في الثقافة العربية ولکن بشکل معاصر، ودائرة أخرى ترتبط بابتکار أشکال مسرحية جديدة کحالة مسرح السردي التمثيلي.

مشکلة البحث:

تنطلق الدراسة من دراسة إنتاجية الشهادة الشفوية في العروض المسرحية، وطرق تحويلها من بعدها الإبلاغي إلى بعدها التعبيري، مما يجعل الدراسة تطرح تساؤلا أساسيًا هو ما هي طبيعة التغيرات التي تطرأ على الشهادة من خلال دخولها إلى المسرح، وتحولها من طابعها السردي إلى طابعها الأدائي/ الحکائي؟ ويتفرع من هذا التساؤل المرکزي سؤالان فرعيان هما:

1.   ما هي التحولات التي تطرأ على مفهوم الشاهد/ الراوي في الشهادة إلى مفهوم المؤدي/ الراوي في وسيط المسرح؟

2.   ما هي التغيرات التي تطرأ على الشکل المسرحي نتيجة اعتماده على الشهادة کمصدر من مصادر الاستلهام.

أهمية الدراسة

تکمن أهمية الدراسة في محاولة رصد العروض التي تعتمد على تأريخ لحظة تاريخية ما، خاصة أن مصر مرت بثورتين في الآونة الأخيرة، وهما 25 يناير 2011 و 30 يونيو 2013. جدير بالذکر، تنتمي الشهادات الشفوية إلى التاريخ الشفوي الذي يهتم بتوثيق شهادات المشارکين في الأحداث الکبرى التي تمر بحياة الشعوب. لقد سبق الأدب المسرح في توثيق الشهادات المختلفة وظهر ما يسمى بأدب الشهادات، حيث حرص المبدعون في المجال الأدبي على توثيق اللحظات الکبرى التي تمر في حياة الشعوب والتي تتعلق بالعرق والدين، مثلما فعل جان جينه في "صبرا وشاتيلا"، والأديب الفلسطيني غسان کنفاني في تدوين مأساة شعبه.

منذ بداية 2011 اهتم المسرحيون بتوثيق الأحداث السياسية، لقد ألقت هذه اللحظة بظلالها على فن المسرح، سواء من ناحية استلهامها على مستوى الأفکار من جهة، ومن جهة أخرى من خلال النموذج المسرحي المقدم ذاته، فظهرت نماذج مسرحية تعتمد على الحکي وتجميع شهادات أفراد المجتمع المشارکين فيها، وساهم هذا المنحى في إعادة بعض المبدعين النظر في الموضوعات المتناولة في المسرح ووسائلهم الفنية وطرق التواصل مع الجمهور بما يتناسب مع اللحظات الحديّة. ذلک بهدف أن يواکب المسرح ما يموج به المجتمع بوصفه - المسرح - مؤسسة معرفية منوط بها تعيين الوضع المجتمعي الطارئ.

من ثم، يرکز الباحث على دراسة العروض المسرحية بشکل فني والاهتمام بتقنياتها الفنية وخاصة الراوي بصرف النظر عن الدعاوى الأيديولوجية التي تروج لها. خاصةً إن مسرحة الشهادات في شکل لغوي/ ادائي من خلال تقنيات الکتابة المسرحية، تنتج الشهادة الشفوية في شکل جديد وتتحول إلى حکاية تتم في مکان مسرحي له قيمه الجمالية والمعرفية.

أهداف الدراسة:

1.    رصد الاتجاهات المختلفة للعروض المسرحية التي اعتمدت على الشهادات الشفوية

2.    رصد مسرحة الشهادات والتقنيات التي استخدمها راوي الشهادة

3.    التعرف على استراتيجية کتابة الشهادة في العرض المسرحي

4.    رصد العناصر الفنية المختلفة في العرض المسرحي والتي صاحبت الشهادة لکي تجعلها أکثر تأثيرًا في المتلقي

منهج الدراسة:

تنتمي الدراسة إلى الدراسات الوصفية التي تعتمد على المنهج التحليلي الوصفي، حيث يقوم الباحث بتحليل العروض المسرحية من خلال عينة عمدية من العروض التي استلهمت شهادات المشارکين فيها للإجابة عن تساؤلات البحث، کما يستفيد الباحث من الأدوات النقدية التي طبقها جيرار جينيت لفحص تقنيات راوي الشهادات في حالة مسرحة وجوده أمام الجمهور.

عينة الدراسة

 راعى الباحث في اختياره للعروض المسرحية معيارين:

أ‌-      معيار فني:

 يتوقف على طبيعة الاتجاهات المختلفة للعروض المسرحية التي اعتمدت على الشهادات:

1.عروض توثيقية بحتة للشهادات الشفوية وهي التي تقوم على توثيق الأحداث بشکل حرفي من خلال وثائق حقيقية. مثل عرض "مش باقي مني" الذي يقوم بتوثيق حادثة موت "أحمد بسيوني"، عن طريق الشهادات الشفوية المختلفة. وعرض "لا وقت للفن" للمخرجة ليلى سليمان والذي تعرض فيه شهادات لمحاکمات عسکرية لمدنيين أثناء أحداث الثورة.

2.عروض الحکي للشهادات الشفوية والتي اعتمدت على أداء أصحاب الشهادات وتحولهم إلى حکائين، وفي تلک العروض التي يشارک فيها هذا الحکاء مشارکة فعلية تعبر عن تجربة ذاتية في إطار مسرحي يجمع بين ما نستطيع إطلاق عليه توثيقية وأيضّا طابع احتفالي، مثل عرض حواديت التحرير لداليا بسيوني، وعرض ببساطة کده لريم حاتم، عرض تحت ضوء قمر الثورة لهاني عبد لناصر.

ب‌-   معيار زمني:

   يتوقف على أن العينة المختارة تمثل الفترة السياسية والأحداث الکبرى التي مرت بها مصر من 2011 إلى 2013

عروض العينة:

1.    عرض لا وقت للفن  للمخرجة ليلي سليمان 2011

2.    عرض "حواديت التحرير" للمخرجة داليا بسيوني 2011

المصطلحات المستخدمة في البحث:

1-     الشهادة الشفوية:

هي تجربة ذاتية يقوم بها الإنسان لتدوين لحظة وجودية ما يکون شاهدًا عليها، وفيها يتداخل الحکي وکتابة التاريخ والسيرة الذاتية. وتنتمي الشهادة الشفوية إلى التاريخ الشفوي حيث تجمع شهادات حول الأحداث الکبرى التي تمر بها المجتمعات مثل الأحداث الطائفية أو العرقية. 

2-     مسرحة الشهادة الشفوية

إذا کانت الشهادة الشفوية هي وسيلة شفاهية وقد تدوّن في شکل لغوي، فإن مسرحتها يحولها إلى شکل لغوي/ أدائي نابع من تقنيات الکتابة المسرحية، تتحول فيه الشهادة الشفوية إلى حکاية أو حدوتة تتم في مکان مسرحي له قيمه الجمالية والمعرفية، مما يستلزم تغييرات في بنية الشهادات سواء بعلاقتها بالمرجع الواقعي والتاريخي أم في تکوين الراوي الذي يقوم بالقاء الشهادة.

الإطار النظري

أولاً: الشهادة الشفوية کوسيط اتصالي:

تعتمد الشهادة الشفاهية على الروايات أو الحکايات الشخصية لبعض الأفراد الذين عايشوا حدثًا تاريخيًا أو ثقافيًا أو سياسيًا ما، يتوجهون بها إلى متلقي لتنويره بوقائع مسکوت عنها. لذا فإن الشهادة الشفوية هي وسيط اتصالي تعتمد على:

1.   مرسل يقوم بأداء شهادة عن حدث تاريخي أو ثقافي ما من وجهة نظر معينة في حالة أشبة بلقطة الکاميرا.

2.   رسالة عبارة عن نسيج مفهومي متشکل من لغة الشهادة تؤدي إلى معنى معين.

3.   متلقي له خلفية ثقافية وفکرية تختلف باختلاف قيم کل ثقافة.

من خلال التعامل مع الشهادة الشفاهية على أنها وسيط اتصالي في الأساس فهي تحمل سمة إنتاجية للحوداث التاريخية، لذلک تعد الشهادة الشفوية وخصوصًا في الأحداث الکبرى التي تمر بها المجتمعات مثل ثورة 25 يناير، عنصرًا حاسمًا في الکشف عن الحقائق، وبمنزلة شکل اتصالي لا غنى عنه. إن ما يفسر الشهادة الشفوية کشکل اتصالي في السرد التاريخي عدة عوامل نحصرها في بعدين أساسيين هما(1):

1 – معاصرة الدراما المعيشية على مستوى الشعبي الذي عاصر ثورة 25 يناير، وتکشف وجهات النظر المتعددة التي تجعلنا نرى الحدث بصورة متکاملة.

2- مناهضة سيادة وسائل الاتصال السمعية والبصرية التي ترسخ لوجهات نظر خاضعة لوجهات نظر تخدم مصالح فئات معينة.

من هذا المنظور، فإن الشهادة الشفوية بوصفها تاريخًا بديلًا، فإنها يمکن أن تمثل إعلامًا بديلًا متعددًا بتعدد صانعي الشهادات الشفوية للمساهمة في الکشف عن تاريخ بديل. إن دراما الشهادة الشفوية جهد اجتماعي هادف يسعى إلى تعيين المجتمع، تعبيرًا عن قناعة ذاتية يُعبّر فيها الفرد عما يريد الإفصاح عنه، إنطلاقًا من ذاتيته وليس بهدف مصلحة أو منفعة، وبناء على مستجدات الواقع التي تتفرع وتنجز فيه الشهادة الشفوية وفق تفاعل الإنسان مع الزمان والمکان.  

کانت الشهادات الشفويةفي مصر بمثابة الدراما المعيشة للثورة المصرية على المستوى الشعبي، وفي حاجة إلى وسائط إعلامية أکثر انتشارًا لتصل إلى الشعب من أجل تبادل المعارف بين مواطنيه. کما تجعلها تبني دراما بديلة متعددة نابعة من أفراد الشعب وثقافته وحضارته بدلًا من دراما وسائل الإعلام نفسها التي ترسخ قيمًا أحادية وتؤسس على قيم المنفعة وتتحکم فيها علاقات القوى مثل رجال المال والاقتصاد.

إن الربط بين الشهادة بوصفها شکلًا اتصاليًا والإعلام عنها لا يکفيان من أجل التأثير في المتلقي والمساهمة في إنشاء تاريخ بديل. وإنما يجب أن يشکل أداتها الأساسية في ترکيبته لأنها تُعلم عن حدث ما. إلى حد أننا يمکن أن نقول أنه لولا الإعلام ومحاولة توصيل الشهادة إلى المتلقي لما کان هناک معنى لها. من ثم، فإنه يجب اللجوء إلى عمليات أخرى لنجعلها تحافظ على تعدديتها وقوتها وإحداثها ثغرة في التاريخ الرسمي ومنطقه.

لذا، يرى الباحث، أن المسرح يمکن أن يکون أحد الوسائط من أجل الإعلام عن هذه الشهادات. وينبع هذا الاعتقاد من أن فن المسرح فن شعبي جماهيري يعتمد على الحضور الحي لتخرج الشهادة من بُعدها السکوني إلى البعد التفاعلي وتصبح (الشهادة .. الآن .. هنا)(2). تتحول الشهادة الشفوية إلى حالة فرجة وتشکل کل شهادة للمهمش مشهدية تَأوَّل. هذا ما حدث بالفعل في مصر في أثناء ثورة 25 يناير حتى ثورة 30 يونيو 2013، حيث ظهرت مجموعة من الشهادات الشفوية تحاول تعيين الحدث الثوري في حدود خبرات أفرادها المعرفية ومشارکتهم فيها، ما جعل من المسرح وسيطًا مهمًا لتداول الشهادات الشفوية عن الحدث الثوري في مصر والمنعطفات الحديّة التي مرت بها وتدوينها. کما استطاع إنتاج الشهادة عبر تناصات جديدة تخرجها من طابعها الفولکلوري وأنواعه الشفوية والقريبة من الحکاية الشعبية(3) إلى طابع شعبي جماهيري، ومن طابعها السردي إلى طابعها الحدثي.

لذا، يعتقد الباحث أن الاستعانة بفن المسرح يعطي قوة للشهادة الشفوية من أجل بناء تاريخ بديل، ويجعلها أکثر تأثيرًا على المتلقي وتجعله أکثر أنشدادًا إلى الواقع اليومي وأکثر التصاقًا بالأحداث الجزئية. لأن قيم المسرح تعتمد على المساءلة والمراجعة، على عکس وسائل الإعلام التي ترسخ قيم الامتثالية وإنتاج وجهة نظر واحدة والقضاء على تعددية وجهات النظر. ذلک أن کل وسيلة إعلامية تتبنى وجهة نظر واحدة. من ثم يمکن أن نجمل فائدة العرض المسرحي في تقديم الشهادات الشفوية:

أولًا: تتحول الشهادة إلى عنصر تفاعلي وتتخلى عن بعدها السکوني، مما يساهم في القضاء على التلقي السلبي للشهادة الشفوية، وتجعل الجمهور متورطًا في الحدث، لأن ترکيبة العرض المسرحي تعمل على إبراز التناقض القائم في المجتمع، والمصالح المتعارضة، والأهواء المتنافرة.

ثانيًا: تجعل الشهادة الشفوية متماشية مع قيم العصر الحالي الذي تسيطر عليه الثقافة البصرية الذي يشيع مجموعة من القيم منها أن قوة الأحداث لا ترجع إلى صدقها بل إلى جملة العمليات التي تنتهجها في سبيل الإعلام عنها(4).

يمکن أن ندمج النقطتين السابقتين، في مفهوم واحد وهو مسرحة المسرح للشهادة الشفوية، فالأولى تختص بمنطق درامية الشهادة الشفوية وهي الخطوة الأولى التي تعطي للشهادة حيوية وحرکة وتدفق لتصبح مؤثرة على المتلقي. ذلک أن کتابة الشهادات بطريقة درامية تخرج من منطق الإخبار إلى منطق التمثيل المعرفي، کما تتخلص اللغة من بعدها الإبلاغي إلى بعدها التعبيري، فيصاحب ذلک تغيير على مستوى بنية الشهادة الشفوية نتيجة الاستعانة ببعض الأساليب الفنية منها:

ا- تصبح الشهادة المتعلقة بالسيرة الذاتية، ذات معانِ إنسانية، تحاول صنع بطل أو نموذج إنساني من أجل الاقتداء به، لتأکيد مفاهيم الوطنية والانتماء.

ب – تقدَّم شهادات ذات خلفية غير مباشرة (أي کشاهد عيان مثل شخصية رضا رماد المسجل الخطر) بالحدث الثوري ونستدل من قيم خلالها على ومبادئ أخلاقية، ويجب أن تؤدي أحداث إلى إيصال هذه القيم بأسلوب بسيط للمتلقي.

ج-  تستخدم تقنية الفلاش باک Flashback، وهي طريقة لاسترجاع الأحداث تجعل المتلقي يتفاعل مع الحدث وکأنه يعيش مع مرسل الشهادة، ذلک أن المرسل يبدأ باللحظة الآنية أمام الجمهور ويصطحبه في غمار شهادته، وهذا الأسلوب يساهم في شرح الحدث الثوري بدقة، وهو وسيلة تساهم في اعطاء المتفرج دروسًا مستفادة من الوقائع.

د- تعطي الشهادة مسحة مثالية في أنها تهدف إلى بناء مجتمع نموذجي، وأن الشخص يريد بناء مدينة تدعو إلى المعرفة والعدالة، ومن ثم تمتاز الطريقة الدرامية للشهادة بالتوجه المباشر إلى المتلقي ومخاطبته من أجل جذبه إلى سياق مرسل الشهادة؛ وهي أنه لو کان مکان مرسل الشهادة لقال ذلک. فهي طريقة يدمج فيها مرسل الشهادة بين الحاضر المتخيل وزمن الشهادة، ويقدم الشهادة في تفصيلاتها کلها، فيساعد في إحداث شعور بأنها حاضر درامي مستمر. هذا يجعل للشهادةالشفوية وظيفتين أساسيتين: الأولى وظيفة أخلاقية تتفق مع قيم أنواع الفولکلور ووظائفها في أنها وسيلة تعليمية وتربوية محملة بقيم ثقافة معينة لتوطينها في نفوس الأجيال الأخرى، والثانية: وظيفة معرفية تهدف إلى نقض الروايات التاريخ الرسمي حول بعض الأحداث التاريخية.

أما النقطة الثانية تختص بمسرحة الشهادة، وهي طبيعتها الاحتفالية؛ إذ تخرج الشهادة من منظور ماذا تقول؟ إلى منظور کيف تقدم؟ من أجل التأثير على المتلقي.

جدير بالذکر تعد الشهادة تدويَن ذاکرة المجتمعات وثقافاتها، فلکل مجتمع وسائله، فعند الإغريق أديُت لعبت الطقوس التي يحتفلون بها بأعياد الحصاد عند الإغريق (ديونيسيوس)(5)، معينة کانت هذه الاحتفالات بالحرکة والإيماءة والإشارة، وکانت تحمل بين طياتها سمة الشهادة الجماعية على أحداث معينة ويتم نقل قيم الجماعة في شکل کرنفالي.

وأدى المسرح دورًا مهمًا في بقاء والحفاظ على روايات التاريخ الشفوي عندما مسرحها، ونلمح ذلک في حالة الدراما الإغريقية التي کان أقطابها مثل ايسخيلوس(6) وسوفوکليس(7) يسردون أحداثهم التاريخية في مسرحياتهم، ويستعينون بالموروثات الشفاهية مثل الأساطير، فکانت نصوصهم الدرامية عبارة عن شهادات في حالة تدوين للموروثات الشفاهية الإغريقية، التي ساهمت في بقاء الأحداث التاريخية وتوصيلها مع الأجيال المختلفة.

أما في القرن العشرين  بدأت العودة إلى فنون السرد في مجال المسرح على يد أقطاب المسرح الأوروبي، مثل بريخت وبيسکاتور، بعد الإطلاع على الشرق ووجدوا فيه أشکالاً وأنواعًا من استراتيجيات القص موجودة في ثقافاتهم، خاصة بأفريقيا واسيا الحافلة بالحکايات المختلفة. وبدأ اهتمام العرب وخاصة في مصر بالموروثات الشفاهية من أجل تأصيل المسرح العربي ولجأ بعض المبدعين العرب إلى حضور بعض الأنماط السردية والحکائية في أعمالهم مثل حسن الجريتلي ومحمود أبو دومة. 

ثانياً: مفهوم المسرحة(8):

ظهر مفهوم المسرحة في بدايات القرن العشرين، وکان الغرض منه تمييز المسرح عن باقية الفنون على اعتبار على أنه فن يتميز بالحضور الحي. إلا أن التدقيق في هذا المفهوم يجعلنا نلاحظ أنه ملازم للفعل الإنساني منذ بداية الخليقة، ولا يقتصر على فن المسرح ذاته ونستدل على ذلک من خلال ميل الإنسان البدائي – بغريزته إلى التمسرح – وللتظاهر(9) في کافة تعاملاته مع الطبيعة من حوله، ومع أخيه الإنسان، بل مع کل الکائنات والموجودات من حوله، عندما کان يأتي لعشيرته آخر النهار ليحکي – مشخصًا – لهم کيف يصطاد فريسته، مستخدمًا عناصر جسده التعبيرية من إيماءات، وإشارات، وحرکات داله، تحمل معاني ما يسرده لهم.

ونتفق مع نيکولاي إفرينوف على تسمية فعل الإنسان البدائي للمسرحة ومحاکاة نقل تجاربه إلى أفراد قبيلته والتي سمّاها إرادة المسرح بوصفها غريزة لا تقاوم وتوجد لدى جميع البشر مثلما الحال مع اللعب مع الحيوانات، وهي قائمة لدى الإنسان قبل أي فعل جمالي. فالمسرحة من وجهة نظر إفرينوف هي "حس التنکر والمتعة في خلق الوهم وعکس صور النفس والواقع على الآخر"(10). مما دفعه إلى اعتبار المسرحة غريزة تحول مظاهر الطبيعة، فهي عملية قبل جمالية وتسبق الإبداع بوصفه فعلًا جماليًا متکاملًا(11). فدفع هذا الکسندر باکشي إلى تعريف الغريزة بأنها "دافع طبيعي للحدث الدرامي يتواجد عند البشر جميعًا، إنها المجهود الذي يبذله الفرد کي يبدو مختلفًا عن حقيقته، إنها ممارسة للتصنع، فنحن نسعى في هذه الحياة لتحقيق هذا التنکر الجزئي، أو الکلي کي نحقق مجموعة من النتائج العملية بعضها يکون حسن النية، وبعضها يکون ذا نوايا سيئة، بعضها يکون جادًا، وبعضها يکون ذا طبيعة مازحة، ولکن أيًا کانت النتيجة فالفعل الدرامي يشکل جزءًا من تصرفاتنا، وربما نمارسه بلا وعي على الإطلاق .."(12).

من هذا المنظور تعتمد المسرحة في الأساس على الإنسان الذي يقدم صورًا عن ذاته. تحول مظاهر الطبيعة والواقع إلى کيان مفهومي، وهذه الحالة تنطبق على قائل الشهادة الشفوية وصناعتها من حيث:

1.  اللعب أنه يقدم شهادته التي هي بمثابة تجربة وجودية عن حدث تاريخي ما

2.  التخييل أنه يقدم صورة عن ذاته عبر مسرحة لتجربته وتدون بشکل لغوي، وتعکس صورة الذات على الواقع والآخر

3.  المحاکاة للواقع وخلق صورة عنه طبقًا لثقافته وأفکاره وميوله وانتماءاته.      

من ثم، يمکن القول إن المسرحة أحد الوسائل المهمة لفهم الإنسان للعالم المحيط به، وخاصية ملازمة لقائل الشهادة الشفوية في قراءته للأحداث التاريخية وفعل تحويلي يتکوّن من الغريزة مضافة إليها التقنيات المسرحية التي تعينها في توظيف الحدث التاريخي. من ثم، عندما يتم مسرحة الشهادات الشفوية في عرض مسرحي يدخل المتلقي طرفًا في اللعبة المسرحية، تستند على عناصر محددة(13):

1- حرفية الشيء من خلال الوجود المادي للأشياء والأشخاص على الخشبة.

2- هدف العرض وهذا الوجود وهو محاکاة الأشياء والأشخاص وهي تحاکي أو تقلد الواقع.

3- الشمولية الفنية،  کل الفنون تلقي على الخشبة.

4- علاقة المواجهة أو المواجهة الجسدية وبالعين بين ما يُرى ومن يرى.

أي عندما نمسرح الشهادةالشفوية نعتمد على أربع عناصر (النص، الخشبة، المؤدي، المتلقي):

اولًا: مرسل الشهادة / المؤدي:

ا- التحولات البنيوية من الشاهد/ الکاتب إلى المؤدي/ الراوي

في البداية، هناک مسافة دلالية کبيرة في أدائية الشهادة الشفوية وبعد مسرحتها، نظرًا لاختلاف طبيعة المادة المعروضة، لأن في الحالة الأولى تعتمد على الروي وإيصال معلومة ونقل الأخبار. أما الحالة الثانية بعد مسرحة الشهادة الشفوية يحدث تحول في بنيتها، مما يستتبع ولادة صورة جديدة لمرسل الشهادة وينتقل من حالة الرويّ التي يصنعها المؤدي/ السارد بوصفه جسد غريزي، إلى حالة الممثل أو حالة المؤدي/ الممثل بوصفه جسد غريزي رمزي ويصبح مرسل الشهادة الشفوية مجبرًا على دخول في مجال التمثيل ويصبح کممثل المونودراماأو ممثلًا يلقي مونولوجًا. وفيها تتحول الشهادة أيضًا من التجربة اللغوية إلى تجربة لغوية وفيزيقية يجسدها مؤدي الشهادة جسديًا عبر الإشارة والحرکة والإيماءة لتعطي معان ودلالات متعددة ترتبط بثقافة وحضارة المجتمع أي أن مسرحة الشهادة عن طريق المؤدي يحولها إلى "بنيات رمزية مشفرة تمامًا، بسيطة الاستدلال من قبل الجمهور بوصفها نمطًا من المعرفة أو الخبرة"(14)، من ثم تصبح وظيفة مرسل الشهادة لا تتوقف على إيصال معلومة بل يتحول إلى جسد معرفي حيث تتحول رغبته من الإدلاء الشهادة إلى أداء وتجسيد شخصية إنسانية.

ب- التمثيل:

وهي تعتمد على خلق فضاء آخر طبقًا لقواعد فن التمثيل، وتقنيات أدائه المختلفة مثل الکرشندو(15) أو الروندو(16)، وهي وسائل لها القدرة عن التعبير عن اللحظات الإنسانية المختلفة مثل (الفر من الشرطة أو الانتصار على عدو أو لحظة إعلان تنحي نظام الحکم في مصر) أو يستخدم المؤدي الصمت ليکشف على أن اللغة قد لا تعبر عن کل ما بداخل مکنونات الشخصية، کل هذه الوسائل تساهم في إحداث التشويق والتأثير على المتلقي وتساعده في إنتاج معنى للشهادة الشفوية بالإضافة إلى مشارکته إيجابيًا في ملء فراغات النص.

يتوقف أداء الشهادة بشکل أساسي على خبرة المؤدي ومهاراته؛ لأنه يؤدي عدة أدوار في أداء واحد، ويتقمص حالات متعددة، ويوحي بوجود شخصيات أخرى غائبة يتعامل معها، ولعل السبب الرئيسي وهذه التقنيات المختلفة قد تساهم في إدماج الخيال عند مسرحة الشهادة الشفوية في بناء عقد ضمني مع المتفرج ألا وهو عقد حضور فعل محاکاة يدخل في زمان مغاير للحياة اليومية(17).

ثانيًا: النص

ا- البناء الدرامي:

إن وجود أکثر من شهادة الشفوية في العرض المسرحي تخرجها من طبيعتها الفردية التي تکون أشبه بلقطة الکاميرا يرصدها مؤدي الشهادة، لتکتسب طبيعة جديدة نتيجة وجودها مع شهادات أخرى، وتدخل في بناء بانورامي يؤسس لوحدة جمالية ومعرفية للشهادات نظامًا مشهديًا، حيث يجمعها علاقة واحدة حسب مقتضيات کل عرض مسرحي وهي إسقاط النظام، ويصبح بناء کل شهادة هي لقطة کاميرا منفصلة ومتصلة بالنسبة إلى الشهادات الأخرى بأمرين:

1.  حرکة ذاتية: تتمثل باختلاف أحداث کل شهادة عن أخرى.

2.  حرکة خارجية: ترتبط مختلف الشهادات فيها بالربط بينها بعنصر مسرحي کالموسيقى.

ب - الشخصية

تتطلب المسرحة حضور نموذج إنساني يکون بمثابة مرکز لمسرحة الشهادة الشفوية، فمن الملاحظ أن معظم الشهادات في العروض المختلفة تقدم نموذج إنساني، مما يجعل من الشهادة أکثر قدرة في التأثير عن حالتها قبل المسرحة، لأن الشخصية تکون فيها مؤدية، أکثر من کونها شخصية سردية نمطية تتسم بالثبات.کما أن النموذج الإنساني يقدم في صورة متکاملة الأبعاد – الجسمية والنفسية والاجتماعية – لشخصية المهمش، وتتجسد شخصيته عبر مجموعة من الصفات قريبة من عالم الحواس، أو متفرقة في مختلف الأشخاص. وهو ما تطلبه الدراما في الشخصية.


ج – اللغة الدرامية:

إن اللغة في مسرحة الشهادات تکمن في أنها "تحمل طاقة حرکية درامية لا تقف عند حدود إظهار القدرة اللغوية أو البلاغية، وإنما تتعانق مع الحدث والشخصية، توحد بينهما، وربما تقف "بطلًا دراميًا" إلى جانب بطل الشهادة نفسها لتؤثر في المتلقي.

ثالثًا: الخشبة أو مکان العرض

إن حالة الشهادة الشفوية تستدعي مفهوم المجلس، أما مسرحة الشهادة الشفوية في المسرح الذي يوجد في المدينة وتصبح أکثر ديناميکية لأنها تقوم بحالة مسرحة للواقع، کما تقسم الواقع إلى فضائين: فضاء الحدث التاريخي وهو بمثابة الفضاء المتخيل، والفضاء المعاش وهو الفضاء الذي ينتمي إلى زمن أداء الشهادة نفسها. لأن تمثيل الشهادة الشفوية عبر المکان المسرحي يعطي مصداقية لها، وتکتب لها حياة جديدة وتساهم في تعديل القيم السياسية والثقافية والاجتماعية للمتفرج، نتيجة الجدل القائم بين الخيال والواقع، يساهم في انشطار الفضاء ليؤسس الخيال، والعالم المتخيل يفضي إلى عنصر الفرجة، ويعاد بذلک تمثيل الفضاء الواقعي(18). ومن ثم يرى الباحث أن الوسائط المستخدمة لها دورًا بارزًا في سرد الأحداث التاريخية مما يدعم من تأثير الشهادة الشفوية مع وجود المؤثرات المسرحية المختلفة من إضاءة وديکور وملابس ومکياج.

رابعًا: المتلقي

إن مسرحة الشهادة الشفوية تجعلها أکثر تأثيرًا على المتلقي عبر استخدام المسرح کوسيط سمعي - بصري في سرد الأحداث التاريخية الکبرى عبر مسرحة بعض الشهادات التي تناهض التاريخ الرسمي، والقصد بالمسرحه هو تحويل الشهادة الشفوية من البعد الشفاهي إلى البعد السمعي البصري وهو تحويل من وسيط إلى وسيط آخر يستتبع ذلک تغير على مستوى بنيتها خاصة على مستوى أدائها حينما يؤديها کاتب الشهادة أو مؤدي ينوب عنه ويتبع طرق أداء معين للتأثير على المتفرجين لإدخالهم في سياق شهادته. وهناک نقطة لا تقل أهمية وهي وضعية المتلقي في الشهادة الشفوية يتوجه مرسل الشهادة إلى المتلقي، على العکس حينما نمسرح الشهادة الشفوية وفيها يتوجه المتلقي نفسه إلى المؤدي ومتحکمًا في أدائها مما يساهم في بناء علاقة حيوية بينهما عکس الحالة الأولى.

ولعل مشارکة المتلقي ايجابيًا في عملية أداء الشهادة يمکن تشبيهها – لتتضح الصورة أکثر- بتفاعله في مسرح الشارع(19) الذي ينبني على الجدل بين المشاهد والمؤدي، وأما أداء المؤدي يصبح قريبًا من مسرح السرد التمثيلي (20). من ثم تساهم حالة مسرحة الشهادات الشفوية في مشارکة المشاهدين وإحضارهم على خشبة المسرح ( کما سنوضح فيما بعد أثناء تحليل نموذج لمسرحة الشهادات الشفوية من خلال العرض المسرحي) في الحدث الدرامي من جهة، ومن جهة أخرى استخدام المتفرجين جميعهم في نشاط جماعي يصور انفعالاتهم.

من خلال ما سبق، يمکن القول إن مسرحة الشهادات الشفوية، يعطي قوة لها والاستعانة بوسيط کالمسرح يجعلها أکثر حضورًا وتأثيرًا، وتتزايد أهميتها عندما نضعها في شکل بصري يساهم في التفاعل معها، مما يعطي بعدًا جديدًا للتاريخ الشفهي ليصبح أکثر تأثيرًا على المجتمع عندما يتم مسرحة الشهادة الشفوية:

1.   إن مسرحة الشهادة تساهم في تحويل لغتها من بعدها الإبلاغي الذي يتصف بالإخبار إلى بعد تعبيري للتأثير على المتلقي بصريًا/ سمعياً.

2.تصبح الشهادة الشفوية بمثابة تاريخ موازٍ ومقاومة استراتيجيًا عن طريق تثوير وعي المتلقي وتأکيد قيم المشارکة، على عکس قبل مسرحتها والاکتفاء بنقض التاريخ الرسمي عن طريق المضمون.

3.تجعل المتلقي عنصرًا إيجابيًا مشارکًا، عکس الحالة الأولى تجعل المتلقي عنصرًا سلبيًا، يمکن رصد تأثيرها المباشر على الجمهور بما لها من تأثير على المتلقي بوصفه فن حي يعتمد على الحضور المباشر، فتصبح الشهادة الشفوية هي تجسيد معاش للدراما التي يعيشها المواطن في الأحداث الکبرى کثورتي 25 يناير 2011 ، و30 يونيو 2013 في مصر.

4.  تساهم في توحيد بنية تلقي الشهادة الشفوية مما يعزز الانتماء خاصة في حالة الأخطار التي تواجه المجتمع.

الإطار التحليلي

نماذج تطبيقية لمسرحة الشهادات الشفوية:

مسرحة الشهادات الشفوية: تحولات رواي الشهادات الشفوية

مما سبق، يمکن القول إن الشهادة الشفوية تعطي نصها للعالم من خلال أنها شکل الحقيقة الخاصة بقائلها، ولأنها اعتمدت على شکل الحقيقة فإنها تقدم طريقة خاصة لتمثيل العالم عبر تحديد الواقع والفضاءات والعلاقات التي تربط الشخصيات بعضها البعض. لذا، تدخل الشهادة في العالم صانعة تناصات جديدة معه(21)، وتلقي ظلالّا من المساءلة على ما هو موجود. لأن صاحب الشهادة اثناء صناعة نص شهادته يُدوّن التاريخ عبر حالته الشفاهية، ويتحول إلى ذات منفعلة به ومنقسمه على نفسها:

1.  ذات مؤلف يکتب الواقع، يفحص أحداثه التاريخية، ويعيد تراتبية القيم بداخلها، فيُولّد النص المختلف المغاير.

2.وذات قارئ/مؤول لهذا العالم/ النص ويبحث في هوامشه وما استبعدته بعض الشهادات، وما کبتته ومنعته من الحضور، ليحول التاريخ الرسمي المُدوّن إلى مفهوم الوثيقة، لينقض الثقافة من أجل تدوين جديد لها.

أما عندما تُمسرح الشهادات الشفوية في عروض مسرحية تبني تناصّا جديدّا مع العالم، نظرّا لاختلاف وسيط الاتصال ذاته. فإذا کانت الشهادة الشفوية قد تدوّن في شکل لغوي أو تؤدى في مکان يشبه المجلس، فإن مسرحتها في شکل لغوي/ أدائي نابع من تقنيات الکتابة المسرحية، تتحول الشهادة الشفوية إلى حکاية أو حدوتة تتم في مکان مسرحي له قيمه الجمالية والمعرفية، مما يستلزم تغييرات في بنية الشهادات سواء بعلاقتها بالمرجع الواقعي والتاريخي أم في تکوين الراوي نفسه ووظيفته:

أولّا: التغيير في علاقة الشهادة بالمرجع التاريخي:

تتغير علاقة الشهادة الشفوية بالمرجع التاريخي، نظرّا لانتقال موقع النظر إلى صدقها من شخصية مرسلها وصدقه الواقعي إلى نص الشهادة نفسه المرتبط بالصدق الفني. من ثم يمکن القول إن الصدق الواقعي يتأکد بواسطة الصدق الفني الذي يعتمد على معايشة تجربة إنسانية ما، والکتابة عنها نتيجة التأثر بها والانفعال بتفصيلاتها.

من هذا المنظور، تصبح الشهادة الشفوية في حال المسرحة أکثر قوة في طريقة صنعها للتاريخ لتداخل البُعد الذاتي (في أن الشهادة تحمل سمات نموذج إنسانية ويقوم بأدائها بتقنيات فنية) مع البعد الموضوعي ( في أنها ترصد واقع ما). من هنا، لا تتوقف قوة الشهادة من خلال مسرحتها على صدق تعيينها للواقع فقط، بل على جملة العمليات التي تنتهجها من أجل التأثير على المتلقي(22).

ثانيّا: تکوين الراوي ووظيفته:

نتيجة تحول التاريخ إلى نص لغوي/ أدائي، بواسطة وسيط المسرح، تتحول وظيفة مؤلف الشهادة الشفوية من البعد الإخباري/ الإبلاغي المنفعل بالواقع إلى البعد الإبداعي/ التعبيري مطلوب منه تحقيق الفعالية في إنتاجه لواقع ما(23). في تلک الحال تنتقل ظاهرة الشهادة الشفوية من المؤلف أو نصه المعزول إلى جدلية العلاقة بين المتلقي والشهادة نفسها، وتصبح للشهادة أهمية أکثر، نظرّا لانقسام ذات مؤلف الشهادة إلى راوٍ ومروىِّ له(24).

ومن خلال ما رُصده، يمکن القول إن مسرحة الشهادات الشفوية تعتمد في الأساس على حضور الراوي له، وتختلف وضعيته طبقّا لعلاقة الراوي بالمروي (المؤدي/ الممثل)، وطبيعة الشهادة المکتوبة وعلاقاتها بالراوي التي يمکن رصدها من خلال بُعدين(25):

1.المنظور Perspective: أن لکل شهادة مستوى ما في تعيينها للواقع طبقّا لموقع القارئ وخبراته المعرفية إزاء الأحداث والشخصيات. وتناولت شهادات مختلفة في العروض المسرحية نفس اليوم ولکن کل قائل شهادة ينقله بالقدر الذي استوعبه وکما شاهد هو.

2.المسافة Distance: التي تفرضها طبيعة العرض المسرحي في وضعية الراوي والمتلقي، وهي وضعية تتحقق عبر إدخال الراوي المتفرج في لعبة الإيهام المسرحي، وهي المختصة بتقنيات أداء الراوي.

تعددت صيغ وجود الشهادات الشفوية في العروض المسرحي منذ ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وکان الهدف من مسرحة الشهادات الشفوية هو تنمية الوعي السياسي في هذه اللحظة الحدية التي يمر بها المجتمع. وترکزت الشهادات الشفوية حول موضوعين أساسيين:

ا- حول أحداث ثورة 25 يناير، والمنعطفات التي مرت بها وخاصة في يومي 25، 28 يناير 2011.

ب- تناول الوضع في مصر بعد تنحي الرئيس حسني مبارک، ورأي المشارکين في الأحداث السياسية في الاستقطاب الدائر في کافة أنحاء المجتمع بين قوى النظام السابق والقوى الثورية.

تمحور خطاب الشهادات الشفوية حول نظام سابق استبدادي کبَّل حرية الفرد وفرض وجوده عبر جهاز الأمن، وأشاع القهر ونَکَّل بکل مغاير. ورکزت معظم شهادات العروض على بعض المهمشين الذين کانوا وقود الثورة مثل (الطالب الجامعي، الروائي، بائعة الشاي التي کانت موجودة في ميدان التحرير، المسجل الخطر، وغيرهم من المهمشين). من هنا اتخذت مسرحة الشهادات الشفوية صورّا عدة  يمکن أن نقسمها إلى نوعين:

1.عروض توثيقية بحتة للشهادات الشفوية وهي التي تقوم على توثيق الأحداث بشکل حرفي لإظهار تناقض السلطة الحاکمة من خلال وثائق حقيقية. مثل عرض "مش باقي مني" الذي يقوم بتوثيق حادثة موت "أحمد بسيوني"، عن طريق الشهادات الشفوية المختلفة. وعرض "لا وقت للفن" للمخرجة ليلى سليمان والذي تعرض فيه شهادات تمت أثناء أحداث الثورة.

2.عروض الحکي للشهادات الشفوية والتي اعتمدت على أداء أصحاب الشهادات وتحولهم إلى حکائين، وفي تلک العروض التي يشارک فيها هذا الحکاء مشارکة فعلية تعبر عن تجربة ذاتية في إطار مسرحي يجمع بين ما نستطيع إطلاق عليه توثيقية وأيضّا طابع احتفالي، مثل عرض حواديت التحرير لداليا بسيوني، وعرض ببساطة کده لريم حاتم، عرض تحت ضوء قمر الثورة لهاني عبد لناصر.

هکذا يمکن القول إن مسرحة الشهادات الشفوية من خلال العرض المسرحي، هي بمنزلة استلهام لها نتيجة کتابتها بطريقة درامية، مما يجعلها أکثر جمالّا ومتعة، ذلک أن تمثيلها للعالم يصبح مقترنّا بالتخييل.

أولّا: مسرحة الشهادة الشفوية في عرض "لا وقت للفن"

قدمت المخرجة ليلى سليمان(26) عرضها المسرحى "لا وقت للفن"(27) بعد ثورة يناير للتنديد بالمحاکمات التى حدثت من خلال شهادات موثقة حقيقية لبعض الأشخاص. تدور الأحداث حول الممثل على صبحي الذي اعتقل بتهمة البلطجة بعد ثورة 25 يناير. وشغلت القضية الشعب والفنانين، ونتيجة لذلک أطلقت حملات إلکترونية تندد باعتقاله وأبرزها "على صبحى فنان مش بلطجى".

1-استراتيجية کتابة الشهادة الشفوية:

يتکون العرض المسرحي من جزأين: الجزء الأول يبدأ بتمجيد شهداء يناير عبر ذکر اسمائهم والوقوف حدادًا على أرواحهم والمطالبة بالقصاص من المسئولين عن مقتلهم. أما الجزء الثانى يدور حول حکاية شابين حُکم عليهما بموجب قانون الطوارىء فحُکٍم على الشاب الأول قبل الثورة والآخر بعد الثورة (علي صبحي) وتتقاطع الأحداث فى سرد الظلم الذى وقع عليهم فى الوقت الذى يستعرض فيه احتفال بعض قنوات التلفزيون في مصر بالقبض على هؤلاء الشباب مطلقين عليهم اعداء النظام وبلطجية الوطن.

من أجل مسرحة الشهادات الشفوية لجأ العرض إلى تجسيدها من خلال صاجبي القضية الحقيقيين قصتهما أمام الجمهور، فعرض الشابان أوضاع اعتقالهما عن طريق الحکي مع عرض مستندات الحکم وعرضها على الجمهور المشارک.

وتدين ليلى سليمان الاعتقال من خلال تلک الوثائق والمستندات والأحداث الموثقة، وتستخدم شهادة أخرى لشاب تم اعتقاله على يد الشرطة منذ أربعة سنوات على قيام الثورة للتنديد بقانون الطوارئ بالإضافة إلى محاکمة على صبحى فى القضية الأخرى مما يمثل توثيق لحادثة معاصرة توضح ممارسات الشرطة قبل وبعد الثورة من وجهة نظرها.

1-     التوثيق البصري:

استخدمت ليلى سليمان تقنية الشرائح السينمائية بالعرض حيث قامت بعرض فيديو لاعتقال وتعذيب على صبحى ومن معه بتهمة البلطجة واحتفاء الإعلام فى الفيديو بانتصار الجيش المصرى على البلطجية المزعومين مع صوت المذيع الذى يعلق قائلا:-"انه فى يوم 9 مارس تم القبض على هؤلاء البلطجية وفى حوزتهم أداوت إثارة الشغب والبلطجة"(28).

2-    تداخل الأزمنة:

من خلال إقامة علاقة بين الحاضر والماضى، ربطت "ليلى سليمان" بين حادثة اعتقال الشاب الأول على يد الشرطة قبل الثورة وحادثة اعتقال الشاب الثانى "على صبحى" على يد السلطة بعد الثورة، وذلک لتوضيح أن السلطة تستخدم الوسائل نفسها فى الماضى والحاضر، عن طريق ربط حادثة اعتقال الشاب الأول فى 2008 وسرد وقائع اعتقاله من خلال رسائل تسردها أخته والتى أرسلها لها من السجن، ويتداخل ذلک الحدث مع القصة الأخرى للشاب الآخر الذى تم اعتقاله من قبل السلطة بعد الثورة والذى يقوم بسردها بنفسه وذلک لصناعة علاقة ربط جدلية بين الحادثتين لتحريض الجمهور.

3-    تفاعل الجمهور مع العرض

استخدمت ليلى تقنية محاکمة تُشرک الجمهور فى الأحداث، إذ شارک الجمهور في العرض من خلال تلاوة اسماء الشهداء وأماکن قتلهم، مطالبًا بمحاکمة المسئولين عن تلک المذابح. وهو الذى ظهر فى العرض أشبه بمحاکمات سياسية، إذ کان الجمهور بمنزلة هيئة محلفين تطالب بمعاقبة المسؤولين. ويجري العمل في إطار تفاعلي مع الممثلين الذين يسمعون شهادات الجمهور ويضعون علامات على خريطة مصر التي نصبت على المسرح للإشارة إلى أماکن استشهاد الثوار. وهو الأمر الذى يوضح کيف حاولت "ليلى سليمان" من خلال مسرحة الشهادة التحريض السياسى للجماهير.

4-    نقض الروايات الرسمية:

لجاءت مخرجة العرض المسرحي "لا وقت للفن" إلى کشف تناقض الروايات التى تروجها وسائل الإعلام عبر إبراز المتناقضات فى هذه القضية من أجل  التحريض السياسى عن طريق عرض فيديو من التلفزيون المصرى فى أثناء الثورة يؤکد تعامل السلطة مع الشعب بشکل محترم وهو ما قاله المذيع فى الفيديو على النحو الاتى :-"وقد أکدت السلطة على ثقتها فى الشرطة والجيش وطالبتهم بحسن المعاملة حتى تسود حالة الاحترام المتبادل بين الشرطة والمواطنين"(29). ويعرض لنا "العرض" فيديو يناقض هذا التصريح ويظهر فيه تعذيب وتعدى على الثوار ومعهم الممثل "على صبحى" واحتفاء الإعلام المصرى بالقبض على هؤلاء الشباب بحجة أنهم أعداء الوطن وبوصفهم أنهم بلطجية بعد أن تم تلفيق التهم لهم – من وجهة نظر العرض المسرحي - وهو ما يؤکد على التناقض فى السلطة التى تصدر أقوال بإصدار أوامر بحسن معاملة الشعب فى الوقت التى تقوم بعمل أفعال أخرى تهين الشعب وتلفق ضده التهم، وهذه التقنية المسرحية تهدف إلى کشف تناقض الروايات الرسمية من جانب، إلا أنها من جانب آخر تهدف إلى أحداث التأثير على الجمهور من أجل إنشاء تاريخ بديل عن التاريخ السائد، وکانت التقنيات المستخدمة سواء أفلام توثيقية أو صور معروضة تعطي للشهادة امتدادّا بصريّا مما يزيد من فاعليتها.

 تقنيات تقديم شهادة علي صبحي في العرض المسرحي:

1- التقديم البانورامي: حيث نجد (الراوي) مطلق المعرفة، حينما يروي صاحب الشهادة شهاداته بنفسه.

2- التقديم المشهدي: حيث نجد (الراوي) غائبّا، والأحداث تُقدّم مباشرة للمتلقي.

3– اللوحات: حيث تترکز الأحداث على حوادث مماثلة لما حدثت لصاحب الشهادة.

ثالثًا: مسرحة الشهادات الشفوية في عرض حواديت التحرير

يعد عرض "حواديت التحرير"(30) للمخرجة "داليا بسيونى"(31) من أبرز العروض التى تعتمد على إبراز الشهادات الشفوية لتوثيق أحداث ثورة يناير 2011. وقد تم عرضه فى مهرجان "ليالى الميدان" الذى تضمن عروض عن الثورة المصرية بساحة مسرح الهناجر فى الهواء الطلق. وکان العرض يجمع بين توثيق الأحداث وسمات الاحتفالية تعبيرًا عن شعور جمعى بالاحتفال بالثورة والحرية وهى مسرحيات النوع الثانى التى نحن في صددها.

يبدأ العرض بشهادة فتاة شارکت في المظاهرات وکيف تجمع الأصدقاء للذهاب إلى ميدان التحرير، ثم شهادة للروائية سحر الموجي(32) قامت بأدائها راوية تتحدث فيها عن أحداث ثورة 25 يناير وتلاحم الثوار في التحرير في الکفاح من أجل استرداد حريتهم والدفاع عن ثورات الوطن المتمثلة في المتحف المصري. وشهادة أخرى من نبيل بهجت(33) قام بأدائها راوٍ عن موقعة الجمل موضحّا قوة الشعب المصري في الصمود أمام هذه الهجمة البربرية التي تعيد البلد للقرون الوسطى وعدم يأس الثوار في الدفاع عن ثورتهم. وشهادة المخرجة داليا بسيوني في نزولها إلى المظاهرات والدور التنويري الذي قام به أساتذة الجامعة في الذود عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. وغيرها من الشهادات.

 

ا-مسرحة الشهادات الشفوية

1-المکان

اقيم العرض المسرحي "حواديت التحرير" في ساحة الهناجر ديکور المسرح کان بسيطاً: سجادتان قطنيتان، وکراسٍ مصنوعة من القشّ اُتيَ بها من المنازل. ووفر مسرح "الهناجر" ثلاثة ميکروفونات، للمساعدة على بث الصوت في فضاء الهواء الطلق. وکانت ساحة غير مجهزة بالإضاءة المسرحية تعتمد على مصادر النور الطبيعي الخافتة ويفصل بين الرواة والجمهور الشموع ورائحة البخور من بداية العرض، کأن العرض حالة للکشف عن الطقوس التي استخدمها الثوار من أجل التحرر. ووجود ألة الناي بما لها من دلالة الحزن أو البکائية على أرواح الشهداء واناء معدني صغير يعطي دلالة فاصل جديد من أجل حکي اللحظات الفارقة في الثورة أو ليعطي العرض سمة طقسية لإيذان البدء في رثاء الشهداء والاحتفاء بتجارب النضال الثورية.

2-المتلقي

من هذا المنظور اعتمد عرض "حواديت التحرير" على المفهوم الأساسي لفن المسرح من دون مفاهيمه الراسخة عن أصول صنعته، وأنه فن أدائي في الأساس يجري الآن في وضعية اجتماعية محددة بنشوء الثورة، والنحن بين راوي وجمهور، والهنا في مکانّا ما، فتحولت الشهادة من بُعدها المعرفي فحسب في السمة الشعبية إلي بُعدها الوجودي ناجم عن وجود الراوي الذي عاش الأحداث وسط الجمهور. وما بين جسد الراوي وکُتاب الشهادات الذين عايشوا هذه الأحداث بأجسادهم وأجساد المتفرجين، يجري استدعاء حکاية أجساد الثوار في وجود أجساد الرواة والمتفرجين من أجل تأبينهم، کما حدث ذلک في نهاية العرض بتلاوة اسماء الشهداء، ليُکشف على أن لکل منهم قصة يجب تذکرها وتکريمها لأن جسد الشهيد کان علامة لتحرر بقية أجساد افراد المجتمع، ومن دونهم ما کان هذا العرض موجودًا.

ب- استراتيجية کتابة الشهادات الشفوية(34):

رکز عرض "حواديت التحرير" على مجموعة من الشهادات/ الحکايات لنماذج المجتمع کلها؛ من الطالب إلى العامل إلى المثقف والأم التي تحکي عن ابنها الشهيد واعتمدت مسرحة الشهادة في استراتيجيتها، تعتمد على تقنية الحکاية داخل الحکاية، فکانت تتناول حدثي الحکاية الأساسيين: المشارکة في الحدث الثوري وأنها شهادة تحوي حکاية أخرى ذات بُعد إنساني. ما يعطي للشهادة بُعدّا مهمّا في إنسنة الثورة حتى تکتسب مصداقية وقوة للتأثير على المتلقي. ومن الملاحظ أن معظم الشهادات الشفوية الموجودة في العرض تؤکد على قيمة إنسانية هامة ألا وهي التعاون والتواصل بين أفراد المجتمع لتحقيق التخلص من النظام الفاسد. ومن هنا تنبع درامية الشهادة وکتابتها من خلال:

1.   جعل من صاحب الشهادة نموذج إنساني، وفتح مفهوم الأب من بعده الفردي إلى بعده المجتمعي لکي يؤثر في المتلقي.

2.   الربط بين الخاص والعام.

3.   الکشف عن مکنونات الشخصية وجعل الحدث الثوري أکثر إنسانية.

4.   التأکيد على أن الثورة بمثابة فعل يدل على التواصل بين الأجيال وتعاون الکبار مع الشباب.

تتناول کل شهادة من شهادات المشارکين في أحداث الثورة وأهم اللحظات الفارقة التي مرت بها، وتحمل کل شهادة صوتّا خاصّا بها للتعبير عن نفسها ورؤيتها للحدث الثوري من حيث کونه ذاتّا مستقلة، ولکنها ترتبط معرفيّا ووجوديّا مع الشهادات الأخرى في أنها تقاوم القهر والاستبداد. وکانت الشهادات مجموعة من اللحظات الإنسانية يسمعها الجمهور، ويقولها الرواة في العرض المسرحي. اعتمد العرض المسرحي على المؤلف الجماعي مما ساهم في تحرير العرض من المفهوم التقليدي للمسرح الذي يعتمد في الأساس على وجود الحبکة. فمن خلال تعدد الحکايات والأصوات والمؤلفون، تم هدم الحبکة التقليدية التي تعتمد على البناء العمودي، والتنظيم التراتبي للأحداث الذي يناسب وجهة النظر المعروفة في الدراما، واستخدم بدلّا منها بناءً دائريّا، تختلف کل شهادة عن أخرى لکن هناک رابط يجمعهم وهو مقاومة القهر. وتسکن کل شهادة لحظة هامة وفارقة في نجاح الثورة وتنطلق من فراغ خطاب النظام السابق لتعري سلطويته وتفک انغلاقيته.

ج- الراوي/ المؤدي

أسس العرض على محاولة تدوين ذاکرة الثورة من خلال مجموعة شهادات حُولت إلى حواديت بما لهذا النوع الشعبي من قواعد أساسية تؤسس على راوٍ يقوم بالحکي إلى مستمع/مروي له، فاستعين عرض "حواديت التحرير" بالراوي في أيضًا لإيصال شهادته، لکن مع تغيير وظيفة الراوي من الحکي الذي يمتع الجمهور عبر التسلية إلي الحکي الذي يعتمد على المکاشفة وهتک الحجب، وإکساب راوي "حواديت التحرير" بوظيفة الممثل في المسرح الذي يقوم بأداء شخصية ما. ومن ثم يمکن الترکيز على أدائية الشهادة في العرضين المسرحيين سواء من کان کاتبها قام بأدائها أم قام شخص آخر قام بذلک. فهي تتکون من ثلاث أطراف: الراوي "کاتب الشهادة"، والمروي "المؤدي"، المتلقي. وبناءُ على ما سبق اختلفت طبيعة العلاقة بين الراوي والمروي في شهادات العرض المسرحي، نتيجة لأن الراوي أصبح مرويًا أو شخصًا ينوب عنه في شهادات أخرى من جهة، ومن جهة أخرى تدخل اللغة کبعد تکويني فيصاحب ذلک تقنيات أدائية للشهادة لتغير العلاقة بين الراوي والمروي لکي يؤثر على المتلقي أو المتفرج. ويمکن تقسيم الشهادات بناء على ما سبق:

1.ينوب عن الراوي کاتب الشهادة راوٍ متخيلّا وهو المروي الذي يعد بمثابة أنا ثانية للراوي، وهو أسلوب مُقنَّع صياغة الشهادة يُظهر الراوي الأصلي متخفيًا، ما يُعطي صدقية للشهادة، عن طريق الإيهام، مثل شهادات سحر الموجي، نبيل بهجت، حسن أبوبکر، زياد بکير.

2.يصبح کاتب الشهادة ذاتّا منقسمه على نفسها فهو الراوي والمروي، وتنبع مسرحة الشهادة من خلال تنوع الأداء اللغوي للشهادة وفي انتقال الراوي بين ضميري الغائب والحاضر، مثل شهادات ندى طالبة بورسعيد، ومصطفي طالب الجامعة المشارک في الحدث، شهادة منار زين مشارکة في الحدث.

ويمکن تصنيف أدائية الراوي في الشهادات المختلفة:

1-الراوي بضمير المتکلم

إن استخدام تقنية الراوي بضمير الأنا، يمکّن من ممارسة لعبة مسرحية تُعطيه وجودّا وحضورّا. مثل شهادة ندى طالبة الجامعة من بورسعيد، وتبدأ شهادتها بضمير المتکلم "أنا ندى من بورسعيد ساکنة جانب القسم، في يوم 28 يناير کان في بلطجية عايزين يحرقوه زي ما حصل في باقي الأقسام"(35). وهي تقنية تستخدم لتعطي دلالة أن الشخصية تروي قصتها، لکن بوساطة مسافة تصنعها، ذلک أن الراوية هي مَنْ تتکلم في زمن حاضر عن شخصية کأنه هو الراوي. وقد وقعت أفعالها في زمن مضى، على الرغم أن ندى هي البطلة إلا أن هناک ثمة مسافة زمنية بين ما کانت فيه ماضيُا وما وهي عليه الآن، أي بين البطل الشخصية في الزمن الماضي والراوي في الزمن الحاضر.

2-الراوي الخارجي

کاتب الشهادة وروايها هما خارجا شهادة الشخص، المروي هنا يروي من خارج، فهو غير حاضر، ومعرفته غير مکتملة.. والراوي هنا يروي على مسافة بما يروي، فيبقى خارج ما يروي، إذ إن ما يرويه من أحداث لم يقع في حضوره، فهو ليس شاهدّا على ما يروي، وإنما يروي ما يرويه الآخرون وما سمعه منهم. مثل شهادة الشهيد زياد بکير التي کتبت بناءُ على رواية زوجته وأحد اصدقائه الذي کان معه في ميدان التحرير، وکان المروي محمد مبروک يروي شهادة عن شخص إنه کان بمثابة العين التي تکتفي بنقل المرئي في حدود ما عرف عن موت الشهيد زياد بکير، وبمنزلة الأذن التي تکتفي بنقل المسموع في حدود ما يسمح به السمع.

3-الراوي الشاهد

وهو راوٍ حاضر، لکنه لا يتدخل. إنه يروي من خارج، على مسافة بينه وبين مَنْ يروي عنه. من ثم، فإن کتابة الشهادة بمنزلة مجموعة من الصور مرکبة بطريقة أشبه بالمونتاج السينمائي، ومثل هذه الشهادة لا تکشف عن حضور مباشر للراوي، بل هو ناتجة عن بنية کتابة الشهادة، ومن ثم يتطلب هذا النوع مهارة عالية في أدائه الصوتي ليعلن عن حضوره، مثل شهادة مصطفي في بداية العرض المسرحي، حينما يصف يومي 25 و28 يناير.

 منظور اداء شهادة د. حسن أبو بکر

يقول حسن أبو بکر في شهادته: "نورا بنتي کان الدکتور محدد لها معاد الولادة يوم 25 يناير .. وهي ماکنتش بتولد .. کانت بعتبانة قوي، لکن مفيش ولادة. وده مکنش مخليني أعرف أبات في الميدان لأني کنت عايز أطمن عليها يوم الجمعة روحنا نصلي الجمعة في الحسين وأعدنا نبص على الناس، با ترى مين اللي جي يصلي بس ومين اللي رايح المظاهرة. وفي الساحة اللي قدام الجامع بدأ الهتاف بالشعار العظيم "الشعب يريد اسقاط النظام" المظاهرة بدأت صغيرة وبعدين بدأت تکبر .. تکبر. عند کوبري الأزهر بدأ الضرب ... کان فيه قنابل کثير قوي متهيألي هما بطلوا في آخر النهار عشان الدولة خلصت مخزونها من القنابل المسيلة للدموع. وسط الدخان قعدت أتأمل في زي جنود الأمن المرکزي .. الهدوم والخوذة والدرع والصديري الواقي والحاجات اللي کانوا بيضربونا بيها. تکلفة الحاجات دي يکفي بکسي أطفال کتيير" (36)

اهتمت الشهادة الممسرحة بتجسيد الأنموذج الإنساني للشهادة في أنها ربطت بين مخاض الابنة واستعدادها للولادة في لحظات قيام الشعب بالتظاهر من أجل التخلص من النظام. ويضيف: "تاني يوم نزلت جاد واشتريت واشتريت بکل الفلوس اللي معايا أکل وازايز ميّه للولاد المعتصمين في التحرير. عند الميدان لقيت شباب قلتلهم أنا عاوز أدخل الأکل لإخواتک اللي جوا وفجأة لقيت کتيبة من الشباب بيشيلوا معايا، وقعدت أقولهم سيبوني أشيل معاکم .."(37)

جسّدت الشهادة مفهوم الأب وأخرجته من دلالته الفردية إلى دلالة جماعية بوصفه أبًا لکل من في الميدان يخاف على أولاده، واعتبر الموجودين في الميدان بمنزلة أولاده. وانتهت الشهادة بأن کانت ليلة تنحّي حسني مبارک ولادة ابنته مولودًا جديدًا، وهذا إسقاط على ما يحدث، وهي أن الولادة الجديدة لطفل ولادة جديدة للمجتمع.

أما تفنيات أداء الراوي في شهادة حسن أبو بکر، فلم يقم کاتب الشهادة بأداء شهادته، مما يجعلنا نحاول رصد العلاقة بين مرسل الشهادة والراوي نفسه، فنلاحظ اختفاء مرسلها وراء الراوي الذي ينطق بلسانه، فأصبح الراوي تقنية مسرحية توظف لصالح الشهادة، حيث تداخل الُبعدين الذاتي والموضوعي معّا في أداء الشهادة ذاتها، وغدا إيصال الشهادة مسئولية الراوي نفسه والتي تتوقف على وعيه ومواقفه تجاه القضايا، واستخدم الراوي تقنيات الأداء التمثيلي من الکروشندو إلى الروندو للتعبير عن اللحظات المختلفة التي يمر بها النموذج الإنساني صاحب الشهادة.

لعل البعد الدرامي الناشئ في العرض المسرحي(38) متولد من علاقات عده أبرازها ثنائية الممثل/ الدور، لکن في عرض "حواديت التحرير" ينبع من ثنائية الکاتب/ الراوي مع تفعيل الراوي مخيلته وذاکرتها الانفعالية التي کوَّنها من أحداث الثورة وشارک فيها. فأصبح للراوي وظيفة مزدوجة فهو راوٍ/ مروي له الشهادات للجمهور ومروي له من قبل کتاب الشهادات کأنه يقوم بدور ما لإيصال الشهادات عبر مفهوم الحواديت کشکل فني شعبي إلى الجمهور. واستعان الراوة في عرض "حواديت التحرير" في أدائهم بمفهوم الذاکرة الانفعالية لدى الممثل في المسرح الواقعي وساهمت مخيلته في تصعيد الشخصية المحکي عنها إلى مستوى شعري ودرامي معتمدّا على التلوين الصوتي لکي يُحدث الأثر المطلوب في الجمهور، ويجتذابهم إلى سياقهم الحکائي. ليرفع الشخصية المحکية إلى مستوى روحي عند الترکيز على تضحيته بجسده من أجل تحرير الآخرين للتخلص من النظام السابق.

4-وظيفة راوي الشهادة

من خلال ما سبق يمکن تحديد وظائف راوي الشهادات في العرضين المسرحيين:

ا-الوظيفة الوصفية:

التي يقوم فيها (الراوي) بتقديم مشاهد وصفية للأحداث، والأماکن، والأشخاص، بوصفه مشارکّا في الحدث الثوري، ويساهم عن طريق تقنيات أدائه في جعل المتفرج کأنه مشاهدّا للحدث.


ب -الوظيفة الأيديولوجية:

هي التي يقوم فيها الراوي بتأصيل شهاداته في التاريخ، لکشف تناقضات الشهادات الرسمية لاکتشاف شهادات بديلة عنها أدى الراوي في العرضيين هذه المهمة.

ج -الوظيفة التوثيقية:

وهي التي يقوم فيها بتوثيق بعض شهاداته، رابطّا إياها بالتوثيق البصري بواسطة وسائل الإعلام، مما يساهم في زيادة إيهام الراوي بأنه يروي تاريخّا موثقّا. وقد يجمع الراوي في الشهادة الشفوية بين التوثيق التاريخي والتخييل الفني.

1-     سمات توظيف مسرحة الشهادات الشفوية في العرض المسرحي "حواديت التحرير":

ا-الکشف عن تناقض الروايات التي تروجها وسائل الإعلام من خلال شهادات المشارکين في الأحداث السياسية والکشف عن تناقضاتها.

ب- تفاعل الجمهور مع الشهادة، کما حدث في عرض "حواديت التحرير" حين أشعل الشموع ودليلًا على تفاعله مع العرض المسرحي، وتدخله في  أثناء الحدث ليبدي رأيه.

ج- تداخل الأزمنة في الشهادات والتي تتناول لحظات مختلفة من الثورة تعطي للمتفرج فرصة لإعمال العقل ومراجعة الروايات المختلفة.

د- التوثيق البصري من خلال حضور قائل الشهادة وأدائه التمثيلي يساهم في دخول المتفرج إلى سياق شهاداته، ما يؤثر فيه ويحضه على اکتساب معرفة جديدة.

ه- تجسيد الشهادة بشکل بصري من خلال المکان المسرحي، يمنحها صدقية، خصوصًا في ظل ثقافة بصرية، أصبحت العين فيها الحاسة الأولى للتلقي.

خاتمة البحث

يخلص هذا البحث إلى أن المسرح ومبدعيه لعبوا دورًا مهمًا في توثيق الأحداث السياسية في الفترة ما بين 2011 و 2013 عن طريق تجميع شهادات المشارکين فيها، وساهمت العروض المسرحية في صناعة صورة ذهنية تکشف عن طبيعة الصراع الدائر بين القوى المختلفة في المجتمع. ومن ثم،  کان هدف البحث رصد مسرحة الشهادة الشفوية وتحويل المبدعون لها إلى نص تفاعلي في الأساس، منطلقين من أن الشهادة الشفوية شکل اتصالي لأنها تتکون من (مرسل/ رسالة/ مؤدي)، إذا المسرحة غريزة مرتبطة بالإنسان الذي يدلي بشهادته عن واقعه، لذا، تدخل المسرحة في صلب تکوين الشهادة الشفوية عند قراءتها للواقع.

إن مسرحة الشهادات الشفوية وتوظيفها في عرض مسرحي ضرورةُ مهمة للتاريخ الشفوي لاستمرار بقائها من أجل کتابة تاريخ بديل مناهض للتاريخ الرسمي في ظل سيطرة الصورة ووسائل الإعلام في العصر الحديث. لعل هذا المنحى يهدف إلى توطين الشهادة الشفوية في المجتمع المعاصر عبر التواصل المباشر مع المتلقي. کما تساهم مسرحة الشهادات الشفوية في عرض مسرحي في خروجها من بُعدها الفولکلوري الشعبي إلى الُبعد الشعبي الجماهيري، ليعطي لها بُعدّا إعلاميّا جماهيريّا. إضافة إلى أنه يدخل في صلب تکوينها، فعندما تعرض في عرض مسرحي مکتوب دراميّا واستخدام عناصره الفرجوية لتصبح "الشهادة .. الآن .. هنا" في حالة مشاهدة مما يساهم في قياس رد فعل متلقيها من جهة، ومن جهة أخرى تساهم في تعديل القيم الموجودة في المجتمعات أو زيادة الوعي السياسي في مصر کما حدث عندما تم مسرحتها على خشبة المسرح وتفاعل الجمهور معها مما يساهم في إثراء التاريخ الشفوي.

من خلال ما سبق، يمکن القول إن مسرحة الشهادات الشفوية تمنحها قوة، کما أن الاستعانة بوسيط کالمسرح يجعلها أکثر حضورّا وتأثيرّا، وتتزايد أهميتها عندما نضعها في شکل بصري يساهم في التفاعل معها، مما يعطي بُعدّا جديدّا للتاريخ الشفهي ليصبح أکثر تأثيرّا على المجتمع عندما يتم مسرحة الشهادة الشفوية:

1-تساهم مسرحة الشهادة تساهم في تحويل لغتها من بعدها الإبلاغي الذي يتصف بالإخبار إلى بعد تعبيري للتأثير على المتلقي

2-تصبح مسرحة الشهادة الشفوية مقاومة استراتيجية عن طريق تثوير وعي المتلقي وتأکيد قيم المشارکة ونستدل على ذلک على تفاعل الجماهير مع العرض المسرحي، على عکس قبل مسرحتها والاکتفاء بنقض الروايات التي تروجها وسائل الإعلام عن طريق المضمون.

3-تجعل مسرحة الشهادات الشفوية المتلقي عنصرّا إيجابيّا مشارکّا، مثلما حدث في عرض "حواديت التحرير" حيث شارک الجمهور في العرض سواء عن طريق التعليق والتفاعل مع شهادات المشارکين، وهذه الحالة لا تجعل المتلقي عنصرّا سلبيّا، وبالتالي يمکن رصد تأثير الشهادات المباشر على المتلقي، فتصبح الشهادة الشفوية هي تجسيدًا معاشًا للدراما التي يعيشها المواطن في الأحداث الکبرى التي تمر بها المجتمعات.

4-کشف تناقضات الروايات الرسمية عن طريق التمثيل البصري، وإحلال تاريخ بديل عبر مسرحة الشهادة بصريّا / سمعيّا، مثلما حدث في عرض "لا وقت للفن" عن طريق الاستعانة بالتوثيق البصري عبر الوسائط المختلفة مثل الفيديو، واستخدام تقنيات مصر التداخل الزمني.

الهوامش:
1-    استفاد الباحث من بحث وسائل الاتصال والعالم الدرامي: من الفولکلور إلى العرض الواحد
عبد الرحمن عزي: دراسات في نظرية الاتصال نحو فکر إعلامي متميز، مرکز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 2009، ص 71: 100
2-يعتمد المسرح على الحضور الحي بصرف النظر عن سمته الأدبية التي رأي النقاد السيميولوجيينبأن النص المسرحي في الأساس يکتب من أجل العرض، لأن المسرح ينهض على ثلاثية وهي (نحن .. الآن .. هنا)
نهاد صليحة: نافذة على المسرح، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للکتاب، مکتبة الأسرة، 1995
3-تشترک الحکاية الشعبية مع الشهادة الشفوية بعلاقة تناصية، حيث أنهما يکشفان عن خبر، ويتم محاکاته، ولکن الحکايات الشعبية مؤلفها مجهول أم الشهادات فمؤلفها معلوم. بخصوص الحکاية الشعبية
عبد الحميد يونس: الحکاية الشعبية، الأعمال الکاملة (ج 1)، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2007، 419
4-    عبد السلام بنعبدالعالي: لعقلانية ساخرة، دار توبقال للنشر، المغرب، 2003، ص22
5-    ديونيسيوس من آلهة جبل أوليمبوس، وهو إله الخمر والجنون، والمهرجانات، وهو أبن زيوس.
6-    ايسخيلوس: ( (525 - 452 ق.م،ومن أشهر مسرحياته الفرس، والضارعات، وسبعة ضد طيبة، وبروميثيوس مقيدّا.
7-    سوفوکليس:( 496 : 405) ق.م في أثينا کتب العديد من المسرحيات وأشهرها أوديب ملکّا وانتيجون ، ونساء تراخيس.
8-ترى ماري إلياس بخصوص المسرحة على خشبة المسرح هي مکان له وجود مادي حقيقي فارغ مرئي يمثل أو يستحضر بشکل رمزي مکانّا آخر غائبّا. ومن التعريف نستخلص التالي: من غير المهم، في هذا السياق، تحديد ما إذا کانت هذه الفکرة هي نتيجة لوجود المسرح أم أن المسرح انبثق عنها، المهم أنه بالنتيجة يمکننا القول أن المسرح هو المکان الأمثل الذي نرى فيه الشيء غير الموجود هنا- الآن (أو نستحضره)، وهذا الشيء الغائب- الموجود من خلال المسرح يؤثر فينا ويضاف إلى تجربتنا الحياتية. وبالتالي فإن فکرة المسرحة غير مرتبطة جوهريّا (وإنما تقنيّا) بتحويل شيء أو فکرة أو حادثة إلى مسرح وإنما بشکل إدراکنا لهذا الشيء، وهي مرتبطة ارتباطّا وثيقّا بنظرتنا إلى الأمور وبشکل إدراکنا للعالم (فنحن نرى في الحلم مشهدّا).  وبالتالي  يمکن لتعبير المسرحة أن يتجاوز ما هو مرتبط بشکل مباشر بالمسرح. لذا فإننا نعتبر ظهور المسرحة في المسرح کان کرد فعل على قواعد وفلسفة المسرح الغربي والفنون (المحاکاة والإيهام والتمثل).
9-    ماري إلياس: مفهوم المسرحة، مجلة الفن المعاصر، اکاديمية الفنون، القاهرة، ع6، 2007
10-    جوزيت فيرال: المسرحانية، ت: صالح راشد، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للکتاب، مجلة فصول، مجلد 14، ع1، ربيع 1995، ص62
11-    م.ن، ص 62
12-    م.ن، ص 62
13-    أدوين ديور: فن التمثيل الآفاق والأعماق(ج 1)، ت: مرکز اللغات والترجمة بأکاديمية الفنون، القاهرة، 1998، ص 30: 31
14-    جوزيت فيرال: المسرحانية، م.س، ص 70.
إذا کانت مسرحة المسرح تتأسس على وجود الممثل، فإننا من منطق مماثل عندما ندرس الشهادة الشفوية نرکز على وضعية الراوي في المسرح من خلال موقعه من طبيعة الشهادة/ النص ومنظوره الحکائي من جهة، ومن جهة أخرى وموقعه في الحضور الآني وتقنياته الأدائية لأحداث التفاعل مع الجمهور. بالتالي عندما نمسرح الشهادة الشفوية نعتمد على أربع عناصر (النص، الخشبة، المؤدي، المتلقي)
15-    م.ن،ص64
16-    الکريشندو: وهو مصطلح موسيقي أساساً، أما في حالة المسرح معناه أن يتدرج صوت الممثل من طبقة الصوت العالية ثم يبدأ بالتدرج في الصعود
17-    الروندو وهو مصطلح عکس الکريشندو ويبدأ بالصوت الممثل المعتاد ثم يأخذ في الهبوط.
18-    جوليان هيلتون: نظرية العرض المسرحي، ت: نهاد صليحة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للکتاب، 1994،ص 241: 270
19-    جوزيت فيرال: المسرحانية، م.س، 70
20-مسرح الشارع هو المسرح الذي يقام في الأماکن العامة، ويناقش مشاکل الحياة اليومية للمواطن البسيط، وهو عبارة عن موقف أو مشکلة ما يعرضها الممثلين ثم يتوجهون بخطابهم نحو الجمهور للمشارکة في حلها، وهو مسرح يتأسس على مفهوم مسرح المقهورين لاجستوبوال.
اوجستو بوال: مسرح المقهورين، ت: نورا أمين، القاهرة، مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، 1994
21-يعرف فرانسيسکو جارثون تبسيدس مسرح السرد التمثيلي، بأنه فن الرواة على مر العصور، منذ رواة القبيلة إلى رواة القرى والمدن، منذ الراوي الذي يتوجه بحکاياته إلى المجتمع بأسره إلى راوي الأسرة والعائلة، إنها شهادة يحکيها سارد الحکايات، إنها المعجزة ذات الوجوه المتعددة للمشعوذ الأسيوي وراوي الملاحم العربي ورواة العصور الوسطى بأوروبا، هؤلاء قادرون على أداء وظائف ومهام نطلق عليها بشکل عام الرواة، وکل من يشابههم أو انضم إليهم کي يحکي وتتلألأ کلماته وتسطع إيماءاته.
فرانسيسکو جارثون ثيبيس: مسرح السرد التمثيلي، ت: سمير متولي، أصدارات أکاديمية الفنون، القاهرة،ع 17، ط2، ص5
22-مفهوم التناص، وهو مصطلح نقدي ابتکرته الناقدة الفرنسية جوليا کريستيفا واستوحته من مفهوم الکرنفالية للناقد الروسي ميخائيل باختين، وحدث تطور لهذا المفهوم على يد رولان بارت وجيرار جينيت، ويعني المصطلح عن انتقال علامات نص في نص آخر.
محمد عناني، معجم المصطلحات الأدبية، دار لونجمان للنشر، القاهرة، 1997.
23- تتماشى التغيرات التي تحدثها المسرحة مع قيم الإعلام المعاصر، لذا يرى الباحث في أن المسرحة هي وسيلة ضرورية من أجل تأثيرها على المتلقي وتوطينها في المجتمع مرة أخرى لأنها تعطي للشهادة الشفوية مفهومّا جديدّا للصدق يرتبط بالصدق الفني لا بالصدق الواقعي.
رولان بارث وآخرون: الأدب والواقع، ت: عبدالجليل الأزدي ومحمد معتصم،تينمل للطباعة النشر، المغرب، 1992، ص45: 47
24-    بخصوص تغير وظيفة اللغة طبقّا لأطراف العملية الاتصالية ، يمکن النظر إلى:
رومان جاکبسون: قضايا الشعرية، ت: محمد الولي، مبارک حنون، دار توبقال للنشر، المغرب، 1988، ص 27: 33
25-     استفاد الباحث في تعيينه لتحديد تقسيم لراوي الشهادات الشفوية من کتاب
جيرار جينيت: خطاب الحکاية، ت: محمد معتصم، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1997
26-     م.ن، ص 178، 179
27-تميزت عروض المخرجة ليلى سليمان بتوثيقها للثورة المصرية، وتجميع الشهادات الشفوية في عروض مسرحية، وحصلت على جائزة "الحزب الاشتراکى الالمانى" فى عام 2011 عن مجمل اعمالها التوثيقية للثورة المصرية کما أنها تقوم بدارسة المسرح بالمأنيا
28-    عرضت المسرحية على مسرح روابط بالقاهرة في يونيو 2011
29-    مقطع فيديو من العرض المسرحي
30-    مقطع فيديو من العرض المسرحي
31-    عرضت المسرحية في ساحة مسرح الهناجر 2011
32-     داليا بسيوني: کاتبة ومخرجة مسرحية واستاذه جامعية، أسست فرقة "سبيل للفنون" في القاهرة 1997، أخرجت حوالي 18 مسرحية.
33-    سحر الموجي روائية واستاذة جامعة، لها العديد من الروايات منها رواية نون، ولها مجموعة قصصية باسم سيدة المنام.
34-    نبيل بهجت: استاذ جامعي، وله اسهام في تقديم الأشکال الشعبية مثل خيال الظل وفن الارجوز.
35-    عن طريق تجميع الشهادات، تقول داليا بسيوني عن تجربتها في هذا العرض
يقع "مرکز الهناجر للفنون" على أرض مبنى الأوبرا، الذي يبعد مسافة نصف ميل عن ميدان التحرير. وقد کان مقفلّا بغرض تجديده، خلال السنتين الماضيتين. فاقترحت مديرة ذلک المجمع المسرحي د. هدى وصفي أن يستخدم فنانون مستقلون مهتمون بعرض أعمال مستوحاة من روحية التحرير، المساحة المفتوحة في الهواء الطلق، والواقعة أمام المبنى قيد الإنشاء. وهکذا کان. نظّمتُ سلسلة من خمس نشاطات فنية تحت عنوان "ليالي الميدان"، تضمنت عروضّا موسيقية ومسرحية. حازت العروض بنسبة حضور جيدة، ولم يمانع الجمهور الوقوف لمشاهدة العروض، کما لم يمانع رؤية الرمال والحصى، في خلفية العروض، إذ أعادت إحياء الجو المألوف عن ميدان التحرير، عن غير قصد. عرضت جمعية "سبيل للفنون" مسرحية "حواديت التحرير" للمرة الأولى، في سياق تلک السلسلة. ولم يتح لنا الوقت اللازم للتمارين، نظرّا لکون معظمنا يشارک في المسيرات، وتشکيل التحالفات، والرکض من اجتماع سياسي إلى آخر، في محاولة لتنشيط الثورة، کلٌّ من ميدانه.التحدّي الأبرز الذي واجهنا خلال آلية التمرّن، تمثّل في تنظيم المادة التي قمنا بجمعها. فقررنا اعتماد تسلسل زمني للمشاهد، على الرغم من أن معظم الشهادات تتنقّل في الزمان، بين الماضي والحاضر، ساردّا أکثر من حدث واحد. حلّت الشهادات حول تظاهرات يومي 25 و28 کانون الثاني / يناير في البداية. وقد تلتها روايات عن الأهوال التي واجهها المتظاهرون ليحتلوا ميدان التحرير، ويدافعوا عن المتحف المصري. وتضمن المشهد الثالث شهادة عن الهجوم المسلّح على المتظاهرين في الثاني من شباط / فبراير، في ما عرف لاحقّا باسم موقعة الجمل. وقد روى المشهد الأخير قصصّا عن الخسارة وعن الشهداء، لتختتم المسرحية باحتفالات طعمها حلو ومرّ، احتفاءً بخلع الرئيس السابق. وقد تداخل عدد من التقارير، إلا أن کلّّا منها قدّم عنصرّا فريدّا في فسيفساء سرديات الثورة المصرية.
مقابلة شخصية بتاريخ 18 أکتوبر 2013
36-    مقطع من شهادة في عرض حواديت التحرير
37-    مقطع من شهادة حسن أبوبکر في عرض حوايت التحرير
38-    م.ن
39- يرى داوسن الدرامية هي الحيوية والحرکة قبل کل شئ، ولما کانت الأشياء حية على الإطلاق فإن الدرامية تنبث في کل زمان ومکان على الإطلاق، بحيث يسعنا أن نقول دونما تحفظ بأن ما هو برئ من الدرامية براءة متطرفة، بل مطلقة هو الجنة، حيث تسترخي القوة الروحية وکأنها في سبات أبدي".
س.و. داوسن: الدراما والدرامية،ت: صادق الخليلي، منشورات عويدات، بيروت، ب.ت، ص29
المراجع:
أولاً:المصادر الأساسية
1.     عرض حواديت التحرير،  مرکز الهناجر للفنون،2011
2.     عرض لا وقت للفن،  مسرح روابط، 2011
3.     عرض ببساطة کده، مرکز الهناجر للفنون 2012
ثانياً: المصادر الثانوية
1.      أدوين ديور: فن التمثيل الآفاق والأعماق(ج 1)، ت: مرکز اللغات والترجمة بأکاديمية الفنون، القاهرة، 1998
2.      اوجستو بوال: مسرح المقهورين، ت: نورا أمين، القاهرة، مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، 1994
3.      جوليان هيلتون: نظرية العرض المسرحي، ت: نهاد صليحة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للکتاب، 1994
4.      جوزيت فيرال: المسرحانية، ت: صالح راشد، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للکتاب، مجلة فصول، مجلد 14، ع1، ربيع 1995
5.      جيرار جينيت: خطاب الحکاية، ت: محمد معتصم، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1997
6.      رولان بارث وآخرون: الأدب والواقع، ت: عبدالجليل الأزدي ومحمد معتصم،تينمل للطباعة النشر، المغرب.
7.      رومان جاکبسون: قضايا الشعرية، ت: محمد الولي، مبارک حنون، دار توبقال للنشر، المغرب، 19881992
8.      س.و. داوسن: الدراما والدرامية،ت: صادق الخليلي، منشورات عويدات، بيروت، ب.ت.
9.     عبد الحميد يونس: الحکاية الشعبية، الأعمال الکاملة (ج 1)، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2007.
10.   عبد الرحمن عزي: دراسات في نظرية الاتصال نحو فکر إعلامي متميز، مرکز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 2009.
11.   فرانسيسکو جارثون ثيبيس: مسرح السرد التمثيلي، ت: سمير متولي، أصدارات أکاديمية الفنون، القاهرة،ع 17، ط2
12.   عبد السلام بنعبدالعالي: لعقلانية ساخرة، دار توبقال للنشر، المغرب، 2003.
13.   ماري إلياس: مفهوم المسرحة، مجلة الفن المعاصر، اکاديمية الفنون، القاهرة، ع6، 2007
14.   محمد عناني، معجم المصطلحات الأدبية، دار لونجمان للنشر، القاهرة، 1997.
15.   نهاد صليحة: نافذة على المسرح، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للکتاب، مکتبة الأسرة، 1995