النزعة الصوفية في الفن المصري القديم وأثرها على فناني التصوير الحديث

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلفون

1 باحث ماجستير

2 أستاذ مساعد التصوير ووکيل کلية الفنون الجميلة لشئون التعليم والطلاب جامعة أسيوط

3 أستاذ مساعد التصوير بکلية الفنون الجميلة جامعة أسيوط

المستخلص

الملخص
إن التصوف کفکرة ومضمون إنما نشأ مع نشأه الإنسان, حيث أن الإنسان منذ نشأته وهو يتطلع إلي عالم ما وراء الطبيعة, بل وإلي الاتصال بهذا العالم ومحاولة الوصول إلى سر الوجود وخالقه, ومحاولة التقرب إلي هذا المبدع بالعبادات والشعائر والطقوس المختلفة, ويلاحظ هذا في الحضارات المختلفة وخاصة المصرية القديمة, حيث أن المصريين القدماء أسسوا لمفهوم التصوف منذ آلاف السنين. فقد قال المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي زار مصر سنة 500 قبل الميلاد إن من بين شعوب العالم المصريين وهم اکثر شعوب العالم صحة وسعادة وتديناً, والتدين في مصر القديمة کان محورة الرئيسي الوعي الکوني وهو ما يعرف الأن في الثقافات الشرقية بالصوفية. وتستعرض هذه الورقة البحثية النزعة الصوفية في الفن المصري القديم. . حيث يتناول هذا البحث بالدراسة والتحليل النقاط التالية :

مقدمة ( مشکلة البحث – أهداف البحث – أهمية البحث – حدود البحث – المنهج المتبع ) .
المفاهيم والمصطلحات والتعاريف .
السمات الفنية للفن المصري القديم .
الصوفية في الفن المصري القديم .
الرمز في الفن المصري القديم والمقاربة الدلالية في الفکر الصوفي


· رمزية الأنثى .
· البا الفرعونية .
· رمزية الغزالة .


نماذج فنانين من العصر الحديث تأثروا بالنزعة الصوفية في الفن المصري القديم.
نتائج وتوصيات.

الموضوعات الرئيسية


أولاً: مقدمة البحث:-

ارتبطت الحضارة الفرعونية بفکرة البعث والخلود ووجود آلهة واجبة التقديس والتبجيل, ولقد أسهم هذا اسهاماً کبيراً في الارتقاء بالحضارة الفرعونية, حيث أن ما أنتجه الفنان المصري حمل بين طياته مظاهر معتقده الفکري, فالعمل الفني لديه ارتبط بالصوفية من خلال النظرة التأملية للکون و عناصره، حيث أنه منذ نشأته وهو يتطلع إلي عالم ما وراء الطبيعة, بل وإلي الاتصال بهذا العالم ومحاولة الوصول إلي سر الوجود وخالقه, ومحاولة التقرب إلي هذا المبدع بالعبادات والشعائر والطقوس المختلفة, "وکانت الرسوم الأولي والتماثيل والأغاني والرقصات جزءاً من الشعائر، وإنما انفصلت مؤخراً عن العبادة وأصبحت توجد مستقلة. فعندما رسم الإنسان البدائي الحيوان الذي يعتزم صيده. فيما يسمى «سحر الصيد» کان هذا نوعاً من العبادة، صلوات لکي ينجح في مهمته"([1])

إن المصريين القدماء أسسوا لمفهوم التصوف منذ آلاف السنين فقد "قال المؤرخ اليوناني هيرودوت الذي زار مصر سنة 500 قبل الميلاد إن من بين شعوب العالم المصريين وهم اکثر شعوب العالم صحة وسعادة وتديناً, والتدين في مصر القديمة کان محورة الرئيسي الوعي الکوني وهو ما يعرف الأن في الثقافات الشرقية بالصوفية"([2])

ومن هنا کان لابد من دراسة النزعة الصوفية في الفن المصري القديم ودراسة بعض نماذج من الأعمال الفنية لفنانين تأثروا بتلک النزعة في أعمالهم

مشکلة البحث:

تتلخص مشکلة البحث في التساؤل الآتي: ما مدي تأثير النزعة الصوفية في الفن المصري القديم علي فن التصوير الحديث.

فروض البحث:

يفترض الباحث أن هناک علاقة إيجابية بين بعض فن التصوير في العصر الحديث والنزعة الصوفية في الفن المصري القديم.

أهداف البحث:

- التعرف علي النزعة الصوفية في الفن المصري القديم, وعلاقتها بالرؤية الفنية.

- التعرف علي بعض النماذج الفنية التي تأثرت بالنزعة الصوفية في الفن المصري القديم.

أهمية البحث:

يسهم هذا البحث في تسليط الضوء علي علاقة الصوفية بالفن قديماً وحديثاً. وتبصرة الباحثين وطلاب الفنون بأهمية التوجه للفنون القديمة والارتباط بالتراث وإحيائه من خلال رؤية فنية حديثة.

حدود البحث:

  • حدود مکانية:

-يتناول البحث بالدراسة والتحليل مختارات من الفن المصري القديم, والتي تحتوي علي بعض سمات النزعة الصوفية.

-يتناول البحث بالدراسة والتحليل مختارات من أعمال الفنانين الأجانب والمصريين والتي تحتوي أعمالهم علي بعض ملامح النزعة الصوفية.

  • حدود زمانية:

-يقتصر البحث علي دراسة أثر النزعة الصوفية في الفن المصري القديم وفن التصوير في العصر الحديث.

منهج البحث :

يعتمد هذا البحث علي المنهج التاريخي في معرفة تاريخ الفن المصري القديم والتعرف علي أمثلة مختلفة تتعلق بالفنانين الذين استفادوا من النزعة الصوفية في الفن المصري القديم.

ثانياً : المفاهيم والمصطلحات والتعاريف :-

  • الصوفية:

 هي الارتقاء من المعطيات التجريبية ومظاهر العالم المادي والحسي الي عوالم روحية مثالية تکشف عن الحقائق الخفية الکامنة في الاشياء.([3])

التصوف لغوياً:

 (تصَوَّفَ) فلانُ: صار من الصُّوفيَّة, (التَّصَوُّفُ): طريقة سلوکية قوامها التقشف والتحلي بالفضائل, لتزکو النفس وتسمو الروح. و(علم التصوف): مجموعة المبادئ التي يعتقدها المتصوفة والآداب التي يتأدبون بها في مجتمعاتهم وخلواتهم.([4])

  • التصوف:

 التصوف نزوع ذاتي تأملي يعتمد على خيال الفرد وتجربته وذوقه ويهتمعلى الخصوص بالنفس وصفاتها.([5])

السمات الفنية للفن المصري القديم:

تميز الفن المصري القديم بمجموعة من السمات الفنية التي جعلته يأخذ طابعاً متميزاً وکان من أهمها:

 1- أنه فن تسجيلي في المقام الأول فقد اتجه الفنان المصري الي تسجيل کل صغيرة وکبيرة في حياته بواقع خاص.

 2- دائماً ما کان يرسم الملک اکبر من عامة الشعب ومن زوجاته واولاده. وکانت غالباً ما ترسم الأجسام من الجنب, والصدر والعين من الأمام.

 3- أهتم بالرمز فالرمز دلالة خاصة في الفن المصري القديم حيث کان يغلب عليه  الرمزية في التعبير وجمال الخطوط.

 4- کان للعقيدة الدينية الأثر الواضح علي الفن المصري القديم.

 5- لم يکن في الفن المصري القديم تجسيم أو منظور في التصوير والألوان کانت تأخذ طابع الزخرفة فهي صريحة تعتمد علي التنوع والتناغم.

الصوفية في الفن المصري القديم:-

لقد ساعدت فکرة وجود إله لدي المصري القديم في أن تنمي لديه وعيه بما حوله فاتجه لمحاولة فهم ما يحيط به من ظواهر, وقد أدي ذلک إلى أن معظم ما أبدعته يده من أعمال فنية جاءت نابعة من إحساسه ووعيه بما حوله فظهر تأثير ذلک کله في مخرجاته الفنية والتي ظهرت محملة بحس صوفي وروحانية عالية مفعمة بمفاهيم خفية للتواصل مع القوي الکونية "فقد اعتمد قدماء المصريين في نشر الوعي الروحي بين جموع الشعب علي تجميع الفلسفة والحکمة القديمة في شکل قصص ميثولوجيه تتناول نشأة الکون وتطوره ومنها الأسطورة الشهيرة (أسطورة بعث أوزيريس) و(أسطورة حورس وست)."([6])

إن الأسس المکونة للديانة والمفاهيم الکونية والآلهة في مصر القديمة "لم تکن قائمة علي أسس منطقية بقدر ما کانت رمزية الطابع. وقد سعى المجاز الذي تم توظيفه لتفسير الکون والآلهة إلي تصغير الظواهر الکونية, وما لا يمکن معرفته بالتالي إلى مقياس أرضى. وکانت الآلهة ماعت واحدة من الأسس الجوهرية للاهوت المصري, وتشخيصاً للنظام الکوني والحقيقة. وکان التوازن الذي تمثله ماعت ضد قوى الاضطراب يتم التأکيد عليه عبر ممارسات طقسية للملک وممارسات يومية لرعاياه."([7])

لقد کان المصري القديم دائم التأمل, مشغول بالرمز والروحانيات, فقد کانت له طرقه واساليبه ورياضاته الروحية في الوصول للمعرفة والتي کانت تشبه الي حد کبير في تکوينها وترکيبها ورياضاتها الروحية الرياضات الروحية للصوفية, وان ما ترکه لنا المصري القديم من لوحات وتماثيل تزخر بمظاهر التأمل, حيث حاول الفنان المصري أن يعبر من خلال الفن عن معتقداته الدينية وأفکاره عن أصل الکون, فقد کان للدين دافع قوي ومحرک رئيسي وراء أعماله الفنية, فکان منجزه الفني مجند لإيضاح المبهم, حيث لجاء "الي العمل وفق آلية منهجية تجاوزت في حدودها الواقع وعبرت عنه برؤى رمزية (تجريدية) أضفت الي التماثيل والرموز تلک العظمة والجلال والسمو الروحي, فکان بذلک فناً أستقراطياً خالصاً غير ان هناک اسلوباً فنياً انسحب علي الطبقات الدنيا من المجتمع المصري نتيجة لغياب المحددات والاوامر المتزمتة. فبعد استشعار الفنان بالحرية أنطلق يعبر عما تجيش به مشاعره وأحاسيسه تجاه الواقع المعاش فأخذ يجسد الحياه اليومية بجميع عناصرها وتفاصيلها وفق رؤية واقعية تشخيصية."([8]) فالفنان المصري القديم في نتاجه الفني نجد أنه حينما أراد التعبير سلک ثلاثة أساليب فنيه کانت بمثابة تلخيص لکل ما أنجزه وهي کالاتي:

"1-التعبير المباشر الذي تجلي من ملاحظته للطبيعة بجميع عناصرها من حيوانات ونباتات واختلاف مناشط الإنسان فيها وتصوير ذلک کله تصويراً صادقاً لا يشوبه تحوير ما, مقترباً من النموذج الطبيعي محافظاً علي واقعيته, شکل (4)

2-تعبير ارتقي الي مستوي الفلسفة والسمو الفکري علي نحو ما يتجلى في مقابر نفر من الأشراف امثال (خع-إم-حات), و(رعموسي), و(خرو-إف), شکل (5)

3- تعبير رمزي لا تدل فيه الاشکال دلالة صريحة ظاهرة بل دلالة فنية وغامضة, شکل ( 6 )."([9])

 

    

          شکل ( 4 )                            شکل ( 5 )

 

شکل ( 6 )

الرمز في الفن المصري القديم والمقاربة الدلالية في الفکر الصوفي:-

أبدع المصري القديم في استخدامه للرموز حيث تعددت في الحضارة الفرعونية الرموز وتنوعت, وقد کان للرمز استخدامات کبيرة في حياتهم, فالرموز لدي المصري القديم کانت تحمل الکثير من المعاني والدلالات, فقد کان "المصريون القدماء يستخدمون صور الکائنات کرموز تدل علي أمور معنويه, ومن هذه الرموز ( الحية ) التي تمثل رمز الحکمة, والتي تصور علي صولجان ( أوزيريس ) وتکلل تاج ( ايزيس ) وکانت کائنات ( العالم الإلهي ) بالنسبة للعقلية المصرية, تدرک بـ ( الرمز ) الذي يحول عناصر ذلک العالم إلي مظهر ملموس, يدرک بالحواس."([10])

لقد أمعن المصري القديم في استخدام الرمز "فالرموز بطبيعتها هي بؤرة للتأملات الخيالية والعواطف وقد شاعت الرمزية في الفکر المصري القديم فالعين مثلاً رمزاً للقوة المدمرة وللضوء المغشى للأبصار وللنار والعواطف التي يمکن أن توصف بتلک الصفات, والعين علي کوکبنا الأرضي رمزاً للملکية بمعناها الدال علي القوة المجردة بينما کانت في الکون عيناً للرب وتمثيلاً لحرارة الشمس اللافحة."([11]) ولقد کان للفنان المصري القديم فلسفته الخاصة مع عالم الأرقام والرموز وعلم الرياضيات فقد أبدع ما أبدع من أعمال فنية بحسابات دقيقة مستنداً الي الظواهر الکونية وحساباتها فقد کان لعلم العدد والرمز لديه قدسية خاصة, ساهم في انشاء حضارة ذات طابع فلسفي صوفي تهتم ببواطن الأمور. فالفنان المصري عندما صاغ أعماله الفنية لم يکن ذلک من قبيل الصدفة أو الهوس الفني وانما کان وفق قواعد ونسب "فيذکر أفلاطون أنه أعجب بالتصوير الذي وجده في آثار قدماء المصريين, لأنه کان يعتمد علي أقدم النسب المعبرة عن حقيقة الشيء, والأمثلة کثيرة من التصاوير الجدارية التي عبر فيها الفنان عن موضوعات الحياة اليومية يتمثل فيها حب الفنان المصري القديم علي تسجيل أدق تفاصيلها مراعياً في ذلک المحافظة علي عنصر الإتزان شکل ( 7, 8 ), کذلک التنوع داخل التصميم الواحد وتنغيم الفراغ مع الأشکال, کل ذلک في إطار تکوينات متزنة متناسقة متناسبة کما في شکل ( 9 )."([12])

          

         شکل (7)- تقديم القرابين للآلهة    شکل (8)- الإله أنوبيس يرحب

                  ( رع حور أختي)- وادي الملکات                     بالملک حور محب 1327ق.م

                   للأسرة (19) طيبة

 

شکل (9) - نقش حائطي يمثل الأمير (نخت) يصطاد الطيور والسمک ومعه أولاده من مقبرته بطيبة – بالأقصر- الدولة الحديثة 1500ق.م.

رمزية الأنثى:

 کان للرمز الانثوي في الحضارة الفرعونية مکانة متميزة فقد حُمَّلَ کثير من المعاني والدلالات فظهرت المرأة کمعبودة من المعبودات جسدت معاني العدل فکانت الآلهة (ماعت) والحب فکانت (حتحور) والوفاء والإخلاص فکانت (إيزيس) والقوة فکانت (سخمت) وقد حَملَّ المصري القديم المرأة من القيم والدلالات الرمزية ما جعلها وعاء الحکمة, فالجوهر الأنثوي انما کان عند المصري القديم رمزاً لما تتضمنه المرأة من معان واسرار فقد کانت إيزيس "الآلهة الکبرى, والرمز المقدسي الذي يثير انطباعات وايحاءات ارتبطت بتعاقب الفصول والحرکة الدورية للأفلاک, وبالخصب والنماء, وکانت رمزاً لتعليم المصريين الزراعة والصيدلة التي تستخرج بها عصارة النباتات التي تعالج الأدواء وتشفي الأسقام, أما الدموع التي کانت تذرفها فأنها تزيد ماء النيل الذي ما أن يفيض حتي يخصب الأرض بالغرين الوفير. وقد اعتقد المصريين أن روحها تسکن الشعرى اليمانية star Sirius , التي کان يعد ظهورها في الإنقلاب الصيفي للشمس علامة علي عودة الفيضان."([13])

کان الجوهر الأنثوي بالنسبة للمصري القديم رمزاً موحياً لکثير من الدلالات والتي أتفق في بعض الأحيان معها الفکر الصوفي فقد نظر الصوفية للجوهر الأنثوي رمزاً موحياً دالاً علي الحب الالهي وتجلياته, فالجوهر الأنثوي لدي الصوفية " قد أشرب رمزاً معرفياً, لأنه لما کانت الأنثي في التصورات الصوفية تجسيداً للنفس, ولما کانت معرفة النفس هي معراج الإنسان الي معرفة الرب, لزم أن تکون معرفة المرأة من خلال عاطفة الحب المتوهج موصلة الي الله."([14]) فالصوفية قد أعتبروا المرأة صورة للنفس فبثوا اليها شکواهم ووجدهم.

البا الفرعونية:-

 صور المصري القديم البا علي شکل طائر اللقلق يحمل رأس المتوفي (شکل 10), وکان لاختيار الفنان المصري لذلک الطائر مدلوله الباطني المحمل بالنزعة الصوفية, فاللقلق معروف بأنه من الطيور المهاجرة والطيور المهاجرة معروفه بحنينها الي الموطن الأصلي "وبقدرتها علي تذکر طريق العودة الي الوطن عن طريق الحدس فبمجرد انتقال الإنسان الي العالم الأخر تخرج منه البا علي شکل طائر اللقلق لکي تقوم بإرشاد الأنسان لطريق العودة الي الوطن الأم الي عالم الروح."([15]) وهذا يتفق مع ما نظرت به العرفانية الصوفية للطير بصفة عامة, فقد کان للطير في الفکر الصوفي نظرة ومدلول خاص حيث عبر بعض شعراء الصوفية بالطير عن الروح وأکسبوا الطير نفس الدلالة الفرعونية , ففى تراث الشعر الصوفي اکتسبت صورة الطائر نفس الدلالة "ورمز الشعراء بها الي تذکر الروح عالمها المثالي الأول وحنينها اليه حنين الغريب الي وطنه, وتظهر هذه الدلالة في قصيدة ابن سينا العينية وفي رسائل الطير والمنظومات المطولة کالقصيدة المعروفة (بمنطق الطير) لفريد الدين العطار, والقصائد الغنائية التي استلهمت هذه الدلالة عند ناصر خسرو وجلال الدين الرومي ومحي الدين بن عربي وغيرهم من الشعراء."([16])

 

"شکل (10 ) روح "آني" (البا) ترفرف فوق المومياء وتمسک برمز الأبدية"([17])

رمزية الغزالة:

 ظهرت صور الغزال في رسومات المصري القديم علي جدران المعابد, کما استخدمت کأشکال لأواني وملاعق تجميل وعلي القلائد الفرعونية, ولقد کان يرمز الغزال لدي المصري القديم "الي الموطن الذي توجد فيه أرواح الأحباب الراحلين, ويعود ذلک الرمز في التراث المصري الي نصوص الأهرام (منذ حوالي 4500 ق.م) حيث جاء فيها أن حورس و إيزيس و تحوت کانوا يبحثون عن أوزوريس وبعد البحث عثر حورس علي أبيه أوزوريس في (أرض الغزلان). وفي عيد ال (حب- سد) السنوي (حيث کان الملک يبعث من أوزيريس الي حورس) نجد أن مقدمة القارب الذي کان يحمل موکب الاحتفال کانت تأخذ شکل رأس الغزالة لترمز الي المکان الذي رحلت اليه روح أوزوريس. شکل ( 11 )"([18])

 

 شکل ( 11 )

ان مما لاشک فيه أن الصوفية قد استندت في تناولها للرموز والاشکال والالوان الي الموروث الحضاري للحضارات السابقة والتي کان من بينها الحضارة الفرعونية وهي الحضارة التي کان لذو النون المصري وهو من الصوفية الأوائل محاولات في فک شفرة اللغة الهيروغليفية, فقد "برع في فنون التنجيم وفک الطلاسم. وکان من المنشغلين بحل رموز ورق البردي في إخميم, التي کانت حافلة بالرسوم القبطية القديمة. وقد تمکن بالفعل من حل کثير من رموزها ونقوشها, فصارت معلومة للناس بعد جهل, وواضحة بعد غموض."([19]) ولعل هذا يفسر تقارب الرؤي بين الصوفية ورياضاتها وبين العلوم الروحية للحضارة الفرعونية.

نماذج فنانين تأثروا بالنزعة الصوفية في الفن المصري القديم وظهر ذلک عبر منجزهم الفني:

تتمثل النزعة الصوفية في الفن المصري القديم في البحث عن المعاني الدفينة وراء المظاهر الشکلية للمنجز الفني, ولقد سعا کثيرٌ من فناني العصر الحديث نحو الاستلهام من الجذور المصرية وشغلتهم تلک الحضارة لما لها من ثقل فني وفکري, فالحضارة الفرعونية مليئة بالدلالات والقيم التي کانت منهلاً عذباً لهؤلاء الفنانين. وقد کان (جوجان) أحد هؤلاء الفنانين الذين استمدوا من عبق الماضي المصري القديم مفردات منجزهم الفني, فقد کان جوجان "معروفاً باستخدام الطابع المصري في کثير من لوحاته, ففي لوحته ( السوق ) (شکل 12) (تصوير زيتي) منظر في تاهيتي لخمس سيدات يجلسن في وضع متراص, وفي حالة وقار حالمة, أو صارمة, ويؤدين حرکات أشبه بالطقوس, وهذا العمل يذکرنا بالجداريات المصرية بشکل کبير, ونلاحظ حرکات الأيدي للجالسة في أقصي اليسار ما يؤکد بوضوح تأثير الفن المصري القديم علي جوجان"([20])

 

شکل ( 12 ) لوحة السوق للفنان جوجان

 

 شکل ( 13 ) تفصيلة من جدارية بمقبرة "نب آمون " المتحف البريطاني([21])

ويتضح من خلالها مدي التقارب بينها وبين لوحة الفنان بول جوجان ( السوق).

والأمر لم يقتصر علي جوجان في تأثره بالفن المصري القديم, فنجد الفنان (بابلو بيکاسو) قد تطرق إلي المعالجات الفنية لدي الفنان المصري القديم في رسم الأشکال, والسمات المميزة لهذا الفن المصري, فنراه قد استلهم من الفن المصري القديم تعدد الزوايا في الرؤية, واتجه "إلي تصوير المشخصات عموماً في حالة حرکة, بناءً علي معرفة الفنان بحقيقة الجسم وليس علي ما يراه من خلال المنظور الهندسي الوهمي, لهذا رسمة من عدة زوايا في وقت واحد, ورسم الإناء بفوهة دائرية وکأنه يطل عليه من أعلي وبقاعدة علي خط مستقيم وکأنه يراه في مستوي نظره".([22])

لقد وقع بيکاسو أسيراً للفن المصري القديم فنراه قد وضع "رأس الطائر علي جسم انسان مفتول العضلات وهو منظر کثيراً ما کان يفعله الفنان المصري القديم في تماثيله ورسوماته, وقد ظهر هذا الکائن من الأمام وظهرت رجلاه من الوضع الجانبي کما فعل المصري القديم. ففي الشکل ( 14 , 15 ) بعض الرسوم التي نفذها بيکاسو لهذا الکائن (حورس), أما في الشکل ( 16 ) فنجد بيکاسو قد رسم صورة لنفسه وهو يرتدي قناعاً مصرياً."([23])

     

                 شکل ( 14 )          شکل ( 15 )

 

 

 

شکل ( 16 )

ولم يقف الفنان المصري القديم الحديث دون أن ينهل من عبق ماضية ويستشف القيم الجمالية في ذلک الفن المصري الخالص, فجاء نتاجه الفني محمل بنزعة صوفية ذات إرث مصري خالص. ومن هؤلاء الفنانين الفنان ( صبري منصور ) حيث ارتبط "بالحضارة المصرية القديمة فى بعض اللوحات التى رسمها عقب زيارته للأقصر فى عام 1989 تقريبا، حيث نراه يستلهم بعض الأشکال الآدمية والآلهة التى نجدها مصورة على جدران المعابد القديمة بصورة مباشرة، وهذا ما يظهر واضحا فى لوحة ” زيارة لمعبد قديم ” فنراه يرسم حطاما لصورة جدارية يظهر فيها شکل آدمى يأخذ الوضع التشريحى نفسه فى الفن المصرى القديم، کما نجد شکلا من أشکال الآلهة الفرعونية حيث يظهر بجسم إنسانى ورأس طائر، ويأخذ قدرا من التجسيم.. وبالإضافة إلى ذلک نجد أشخاص ( صبرى منصور ) الخاصة مثل المرأة ذات الشعر الکثيف المسترسل تظهر منحنية إجلالا لذلک الإنسان المقبور فى تابوته، أو تقف تعظيما لذلک الإنسان المصرى القديم."([24]) ومن أعماله الفنية التي توضح تأثره بالفن المصري القديم شکل ( 17 )

 

 شکل ( 17 ) من أعمال الفنان صبري منصور([25])

ويعد الفنان ( عبدالوهاب مرسي )أحد الفنانين الذين ظهر في إنتاجهم الفني التأثر الواضح بالفن المصري القديم فقد اتخذ "طريقه الصعب نحو تطوير الموتيف الفرعوني والتزم کمصور عصري بالتعامل مع سطح اللوحة التصويرية والايهام بالتجسيم الخفيف أسوة بالجداريات الفرعونية.. تمسک عبد الوهاب مرسي بالتيمة المصرية إلى أبعد الحدود ثم قام بتحريک الموتيف وأحيانال يکون الموتيف بطلا أو يصبح جزءا من تکوين تجريدي مرة أخرى.. تميز الفنان عبد الوهاب مرسي بکثافة اللون واستخدام سکين المعجون بمهارة وعفوية وتوافر لديه عنصر القصد في کل تکويناته مما جعل لشخصيته الفنية المتکاملة مذاقا حارا وخاصا لا يباريه فيه أحد بألوانه الساخنة المعبرة عن الطبيعة المصرية."([26])

 

 شکل ( 18 ) لعبة مصرية 1963م للفنان (عبدالوهاب مرسي)([27])

الفنانة ( عقيلة رياض ) کانت احدي الفنانات اللاتي تأثرن بالفن المصري القديم وظهر ذلک جلياً عبر منجزهم الفني فکانت تحاکي أعمال القدماء "وقد وجدت عند الاقتراب من هذا الفن والبحث في تفاصيله أنه يوحى بتکوينات تبدو بعد معالجاتها الفنية الخاصة منتمية إلى التفکير الحداثي في فن التصوير ويحمل في الوقت نفسه روح البساطة والتجريد، ولهذا فالعلاقة بين الأشکال والمساحات التي تحکمها علاقات خطية تبدو تجريدية إلى حد بعيد وکذلک تبسيط الأشکال واختزال البعد الثالث للطبيعة، فتبدو العناصر على اختلاف مستوياتها ومواضيعها وکأنها تقع في مستوى النظر. وباستخدام الخط والأشکال ومعالجة ملامس الأسطح التي تبدو مستوحاة من شکل الجدران القديمة باستخدام العجائن اللونية مما يضفى على العمل الفني قدرا من الغموض والإيهام."([28])

 

 شکل ( 19 ) من أعمال الفنانة (عقيلة رياض)([29])

النتائج والتوصيات :

أولاً : النتائج:

انتهت هذه الدراسة إلى نتائج أهمها:

1- اتضح من خلال الدراسة أن الصوفية بمفهومها الروحي هي أعم واشمل من أن  تنحصر في بوطقة الاسلام وانها بدأت مع المصرية القديمة.

2- أن الفن الفرعوني يتمتع بقدر من النزعة الصوفية في نتاجه الفني.

3- أن العمل الفني حينما يتأثر بالنزعة الصوفية فأنه لا يلتزم بالتمظهرات الشکلية  وإنما يأخذ طابعاً روحياً وفلسفياً.

ثانياً: التوصيات:

1-  الاهتمام بدراسة التصوف ومظاهرة في الحضارة الفرعونية القديمة.

2- إجراء المزيد من البحوث والدراسات التي تهتم بالتنقيب عن أثر النزعة الصوفية  في الفن المصري القديم علي فنون العصر الحديث.

3- الاهتمام بمزيد من الدراسة حول القيم المستقاه من الصوفية وأثرها علي الابداع.

4- إجراء مزيد من البحوث حول النزعة الصوفية لدي فناني العصر الحديث.



[1]) علي عزت بيجوفيتش: الإسلام بين الشرق والغرب, ترجمة: محمد يوسف عدس, مؤسسة العلم الحديث – بيروت, 1994م, ص146

2) Moustafa Gadalla, Egyptian Mystics, Tehuti Research Foundation, United States of America, 2003,page8

 ([3]ماهر کامل نافع الناصري: النزعة الصوفية في الرسم العراقي الحديث, مجلة بابل- العلوم الإنسانية, العدد5, المجلد22, 2014م, ص1226

[4]) مجمع اللغة العربية: المعجم الوجيز, الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية, طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم, مصر, 1995م, ص374

([5]محمد عباسة: التصوف الإسلامي بين التأثر والتأثير, مجلة حوليات التراث, العدد 10, 2010م, ص5

[6]) مواتا آشبى: اليوجا المصري (الجزء الأول) فلسفة التنوير (المعرفة الروحانية), ترجمة/ صفاء محمد, ص15

[7]) دوجلاس بريور- إيملى تيتر: مصر والمصريون, ترجمة/ عاطف معتمد- محمد رزق, الهيئة المصرية العامة للکتاب, مکتبة الأسرة, 2015م, ص 167

[8]) عبدالکريم عبدالحسين الدباج: جدلية التشخيص والتجريد في الفن الإسلامي, دار الرضوان للنشر والتوزيع, عمَّان, الأردن, مؤسسة دار الصادق الثقافية, العراق, 2013م, ص156

[9]) عبدالکريم عبدالحسين الدباج: جدلية التشخيص والتجريد في الفن الإسلامي, مرجع سابق, ص154

[10]) محسن محمد عطية: الفن وعالم الرمز, دار المعارف, مصر, الطبعة الثانية, 1996م, ص45

[11]) لمياء محمود قطب حسن: دور الکتابة في صياغة العمل الفني في الحضارة المصرية القديمة ( دراسة تحليلية نقدية), رسالة دکتوراه, کلية الفنون الجميلة, جامعة حلوان, 2015م, ص76

[12]) ياسر محمد فضل ابراهيم: تطور مفهوم التناسبات العددية في مختارات من الفنون القديمة والحديثة والإفادة منها في إبداع تصوير مصري معاصر. رسالة دکتوراه, کلية التربية الفنية , جامعة عين شمس, 2005/2006م, ص 94,93

[13]) عاطف جودة نصر: الرمز الشعري عند الصوفية, دار الأندلس, دار الکندي, 1978م, ص126

[14]) عاطف جودة نصر: الرمز الشعري عند الصوفية, مرجع سابق, ص152

[16]) عاطف جوده نصر: الخيال مفهوماته ووظائفه, الهيئة المصرية العامة للکتاب, 1984م, ص250

[17]) برت إم هرو: کتاب الموتي الفرعوني, ترجمة عن الهيروغليفية/ السير: والس بدج, الترجمة عن العربية/ فليب عطية, مکتبة مدبولي, 1988م, ص280

 1)Moustafa Gadalla, Egyptian Mystics, Tehuti Research Foundation, United States of America, 2003,page135

[19]) عمار علي حسن: فرسان العشق الإلهي, الدار المصرية اللبنانية, القاهرة, الطبعة الرابعة, 2015م, ص328

[20]) إيناس صالح حسني: جسر الصورة, المجلس الأعلى للثقافة, مصر, 2016م, ص62

1) http://collectingegypt.blogspot.com.eg/2013/06/british-museum-part-b-where-i-am-blown.html

[22]) عز الدين نجيب: موسوعة الفنون التشکيلية في مصر - الفن المصري القديم, نهضة مصر للطباعة والنشر, 2007م, ص14

[23]) إيناس صالح حسني: جسر الصورة, مرجع سابق, ص209

1) http://fenon.com/sabry-mansour/

2) http://sabrymansour.com/gallery.html

1) http://www.artmorsi.com/ArticlesA.aspx

2) http://www.artmorsi.com/GalleryA.aspx

1) http://www.fineart.gov.eg/arb/cv/About.asp?IDS=3833

2) http://www.fineart.gov.eg/arb/cv/Works.asp?Ids=3833&whichpage=1&pagesize=12

المراجع:
أولاً : المراجع العربية
أ‌-   الکتب والمراجع العربية:
1- إيناس صالح حسني: جسر الصورة, المجلس الأعلى للثقافة, مصر, 2016م.
2- عاطف جوده نصر: الخيال مفهوماته ووظائفه, الهيئة المصرية العامة للکتاب, 1984م.
3- عاطف جودة نصر: الرمز الشعري عند الصوفية, دار الأندلس, دار الکندي, 1978م
4- عبدالکريم عبدالحسين الدباج: جدلية التشخيص والتجريد في الفن الإسلامي, دار الرضوان للنشر والتوزيع, عمَّان, الأردن, مؤسسة دار الصادق الثقافية, العراق, 2013م
5- عز الدين نجيب: موسوعة الفنون التشکيلية في مصر - الفن المصري القديم, نهضة مصر للطباعة والنشر, 2007م.
6- عمار علي حسن: فرسان العشق الإلهي, الدار المصرية اللبنانية, القاهرة, الطبعة الرابعة, 2015م.
7- محسن محمد عطية: الفن وعالم الرمز, دار المعارف, مصر, الطبعة الثانية, 1996م
ب‌-           المراجع المترجمة:
8- برت إم هرو: کتاب الموتي الفرعوني, ترجمة عن الهيروغليفية/ السير: والس بدج, الترجمة عن العربية/ فليب عطية, مکتبة مدبولي, 1988م.
 9- دوجلاس بريور- إيملى تيتر: مصر والمصريون, ترجمة/ عاطف معتمد- محمد  رزق, الهيئة المصرية العامة للکتاب, مکتبة الأسرة, 2015م.
10- علي عزت بيجوفيتش: الإسلام بين الشرق والغرب, ترجمة: محمد يوسف عدس, مؤسسة العلم الحديث – بيروت, 1994م.
 11- مواتا آشبى: اليوجا المصري (الجزء الأول) فلسفة التنوير (المعرفة الروحانية),  ترجمة/ صفاء محمد.
ج- الرسائل العلمية:
 12- لمياء محمود قطب حسن: دور الکتابة في صياغة العمل الفني في الحضارة المصرية القديمة ( دراسة تحليلية نقدية), رسالة دکتوراه, کلية الفنون الجميلة, جامعة حلوان, 2015م.
 13- ياسر محمد فضل ابراهيم: تطور مفهوم التناسبات العددية في مختارات من الفنون القديمة والحديثة والإفادة منها في إبداع تصوير مصري معاصر. رسالة دکتوراه, کلية التربية الفنية , جامعة عين شمس, 2005/2006م.
د- المجلات والدوريات العلمية المتخصصة:
 14- ماهر کامل نافع الناصري: النزعة الصوفية في الرسم العراقي الحديث, مجلة بابل- العلوم الإنسانية, العدد5, المجلد22, 2014م.
 15- محمد عباسة: التصوف الإسلامي بين التأثر والتأثير, مجلة حوليات التراث, العدد 10, 2010م.
هـ- قواميس ومعاجم عربية:
 16- مجمع اللغة العربية: المعجم الوجيز, الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية, طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم, مصر, 1995م.
ثانياً: المراجع الاجنبية
أ- الکتب والمؤلفات:
17- Moustafa Gadalla, Egyptian Mystics, Tehuti Research Foundation, United States of America, 2003.
ب- مواقع الإنترنت:
19- http://collectingegypt.blogspot.com.eg/2013/06/british-museum-part-b-where-i-am-blown.html
20- http://fenon.com/sabry-mansour/
21- http://sabrymansour.com/gallery.html
22- http://www.artmorsi.com/ArticlesA.aspx
23- http://www.artmorsi.com/GalleryA.aspx
24- http://www.fineart.gov.eg/arb/cv/About.asp?IDS=3833
25- http://www.fineart.gov.eg/arb/cv/Works.asp?Ids=3833&whichpage=1&pagesize=12