معالجة بيلا بارتوک للألحان الشعبية ( دراسة تحليلية)

مقدمة

 لقد وجد العديد من المؤلفين الموسيقيين ضالتهم في آلات موسيقاهم وألحانهم الشعبية , حيث وجدوا فيها ألواناً مميزة من الرنين الموسيقي تصلح لتطعيم التلوين , فانطلقوا في تجاربهم واستنبطوا ما استطاعوا من الحلول الهارمونية والبوليفونية لتلائم المقامات الشعبية والکنسية وطوعوا البناء الموسيقي لملامح شعبية غير مألوفة وخرجوا من هذا کله بلهجات موسيقية أبدعوا بها أعمالاً محلية في جوهرها وقومية في روحها وموضوعات أوبراتها وأغانيها , ولکنها غريبة في أساليبها بحيث يستطيع المستمع في أي مکان أن يستمتع بها ويتعرف علي مصدرها .

ويعتبر المؤلف الموسيقي بيلا بارتوک (1881-1945م) " من أهم مؤلفي القرن العشرين الذين ساهموا بالعديد من المؤلفات التي تحمل الطابع القومي المعبر عن موسيقي بلاده الشعبية بما أضافه من أسلوبه الشخصي لها جعلت لأعماله طابع خاص .

ويمکن القول بأن أسلوبه يقوم علي محاور ثلاث:

1- الموسيقي الفنية الأوربية .

2- الموسيقي الشعبية .

3- طبيعته الإبتکارية . (6-10:8)

 ولقد رأت الباحثة أن تقوم بدراسة بعض أعمال بارتوک القائمة علي ألحان شعبية لتوضيح کيفية تناول المؤلف لها وأسلوب معالجتها .

مصطلحات الدراسة

1-   الأغنية الشعبية Folk SONG

أغنية تنشأ بين الناس في منطقة ببلد ما وتکون في الغالب غير مدونة وتنتقل من جيل لآخر وتتکون من بيتين شعريين أو أکثر قائمين علي نفس اللحن وأحياناً يفصل بينهما تيمه لحنية, وهي أغنية تکتب من قبل مؤلف معروف.

2-   أسلوب Style

هو مصطلح يستخدم للتعبير عن طريقة معالجة المؤلف الموسيقي لعناصر العمل الموسيقي مثل اللحن , الإيقاع , الهارموني وما إلي ذلک ويؤثر في ذلک خبرة المؤلف الموسيقية .

3-   أسلوب الأداء Performance Style

 هو الصفة المميزة للمؤلفة الموسيقية والتي تعبر تعبيراً واضحاً عن الغرض الذي يريد المؤلف أن يعبر عنه ويوضحه کما يرمز إلى الصفات المميزة لأسلوب کل مؤلف .

4-   التونالية Tonality

هي التقيد بسلم معين يسيطر علي المقطوعة الموسيقية المؤلفة في هذا السلم وتشمل التونالية أساس السلم کما تشمل علاقات الدرجات بينها وبين بعضها وکذلک نحو المرکز التونالي وهذه العلاقات تعطي شخصية السلم .

مشکلة الدراسة 

کثير من المؤلفين العالميين قد تناولوا عناصر الموسيقي الشعبية في بعض أعمالهم لإبراز مفهوم القومية بأشکال مختلفة إلا أن بيلا بارتوک اهتم بالعنصر الشعبي في غالب مؤلفاته _لذا وجب تناولها بالبحث والدراسة النظرية والتحليلية_ من حيث أسلوب التأليف وطرق معالجتها .

ويمکن تحديد مشکلة الدراسة الحالية قي محاولتها الإجابة عن التساؤل الرئيسي التالي:

ما مميزات أسلوب بيلا بارتوک في التأليف الموسيقى من خلال معالجته للألحان الشعبية ؟

ويتفرع من هذا التساؤل الرئيسي الأسئلة الآتية:

1-     ما خصائص الموسيقي الشعبية المجرية ؟

2-     ماأساليب المعالجة التي استخدمها بارتوک قي العينة المختارة ؟

3-     ما الجديد الذي أضافه بارتوک للألحان الشعبية ؟

أهداف الدراسة

تسعى الدراسة الحالية إلى تحقيق الأهداف التالية:

التعرف علي أسلوب بيلا بارتوک في معالجة الألحان الشعبية

أهمية الدراسة

 تسهم الدراسة الحالية في إلقاء الضوء على الموسيقي الشعبية في المجر من خلال بعض أعمال بيلا بارتوک , ومدى الاستفادة من التعرف علي أسلوبه الموسيقي في معالجة الألحان الشعبية لدى المؤلفين المبتدئين والدارسين المتخصصين بما تعود عليهم من فهم کيفية معالجة اللحن الشعبي عند بارتوک , وإثراء ثقافتهم الفنية .

إجراءات الدراسة

• ·   منهج الدراسة

 تتبع هذه الدراسة المنهج الوصفي (تحليل محتوى) وهو المنهج الذي يحاول توضيح الإجابة على الظاهرة الخاصة بموضوع البحث ويشتمل تحليل بياناتها وبيان العلاقة بين مکوناتها.

• ·   عينة الدراسة

 تقوم الدراسة الحالية على دراسة عينة منتقاة من بعض الأعمال الخاصة ببيلا بارتوک والتي تقوم علي ألحان شعبية .

• ·   أدوات الدراسة

- المراجع والدراسات السابقة.

- مدونات الأعمال المنتقاة .

- التسجيلات السمعية .

الدراسات السابقة المرتبطة بموضوع البحث

أولاً الدراسات العربية

1-دراسةهدى سامى القطب (1993)

بعنوان " البوليفونية عند بيلا بارتوک فى مجموعة الميکروکوزموس"

 تناولت هذه الدراسة البوليفونية المستخدمة في مجموعة الميکروکوزموس لبارتوک بالدراسة التحليلية وکذلک الفنون الکنترابنطية المستخدمة کما ألقت الضوء علي أسلوب بارتوک وحياته وأعماله.

2- دراسة ابتسام مکرم ابراهيم (1994)

بعنوان "بيلا بارتوک ومقطوعات الميکروکوزموس للبيانو - دراسة تحليلة من الناحية العزفية"

تناولت هذه الدراسة حياة بارتوک وأهم أعماله وأسلوبه , کما تناولت اتجاهات بارتوک في تدريس البيانو, وقد تناولت بعض المقطوعات المختارة من الميکروکوزموس بالتحليل العزفي لإظهار العناصر التالية :

- التونالية وتعددها .

- الطرق الهارمونية .

- الإيقاعات .

- البناء والتکنيک وأشکال المصاحبة .

وأسفرت الدراسة عن:

1.   التعرف علي حياة بارتوک الفنية من خلال تناول بعض مؤلفاته بالدراسة التحليلية سوف يؤدي إلي فهم خصائص أسلوبه بوجه عام .

2.   التعرف علي الأساليب الفنية والتکنيکية المختلفة في بعض مقطوعات الميکروکوزموس کذلک مبادئ بارتوک في عزف وتدريس البيانو .

3.   تناول مقطوعات الميکروکوزموس بالدراسة والتحليل العزفي وتذليل صعوبات الأداء يساعد علي أدائها أداءً فنياً صحيحاً .

4.   تميز بارتوک في مؤلفاته باستخدام کل الأساليب المتبعة في الموسيقي المعاصرة مثل " الموتيفات الصغيرة وتکرارها ، الاعتماد علي النغمات الظاهرة ، استخدام السنکوب بکثرة والموازين الغير منتظمة، اعتماد المقطوعات علي الإيقاع أکثر من اللحن ، کثرة تغيير الموازين في المقطوعة الواحدة ، ابتکار بارتوک لمقامات وصيغ خاصة به ، استخدام السرعات المختلفة داخل المقطوعة ، اعتماده علي المساحات التعبيرية العريضة

ثانياً : الدراسات الأجنبية

1)     دراسة ماکسين ديفيس (1957)

بعنوان " دراسة تحليلة لمؤلف الميکروکوزموس لبارتوک"

 تناولت هذه الدراسة الإمکانيات الموسيقية والأساليب الحديثة فى مؤلفات الميکروکوزموس عن طريق تحليل 153 مقطوعة من مجموعة الميکروکوزموس وکيفية استغلال جميع فنون الکنترابنط مثل الکانون والإنقلاب والتداخل والکنترابنط المزدوج , وتتضح العلاقات الکنترابنطية بصورة أکبر بزيادة التنافرات فهي تتميز بالأسلوب الکنترابنطي الحر.

2)    دراسة آن ريفيز فيورانس (1983) (17)

 بعنوان " معالجة بارتوک للتنافر والتوافق في بعض الأعمال المتأخرة للموسيقي الآلية "

 تناولت هذه الدراسة العناصر الموسيقية التي تؤثر علي الصوت وأنواع الأصوات التي استخدمها بارتوک کتنافرات وتوافقات وعلاقتهم بالتونالية ومدي تأثير التنافر والتوافق في الشعور بالقفلات.

3)    دراسة بيرل جورج (1990) (32)

بعنوان " دراسة تحليلية للرباعي الوتري الرابع لبيلا بارتوک "

تناولت الدراسة الرباعي الوتري رقم 4 لبيلا بارتوک من حيث تحليل أسلوب بارتوک المميز في التأليف من خلال استخدام الکانون وعدم التقيد بالموضوع التقليدي فنجد أن االعمل موضوع الدراسة مبني بالکامل علي استخدام الأشکال الإيقاعية وتطورها داخل العمل ويتضح ذلک في الحرکة الثالثة والرابعة واللتان تشترکان في الأشکال الإيقاعية .

تعليق عام علي الدراسات السابقة

بعد الاطلاع علي الدراسات السابقة العربية والأجنبية والتعرف علي أهداف ونتائج کل دراسة , وجدت الباحثة أن لتلک الدراسات علاقة ترتبط بالبحث الراهن , ويظهر هذا الارتباط في أن تلک الدراسات قد تناولت أهم الأساليب الموسيقية والتکنيکية لبيلا بارتوک وأيضاً التعرف علي مراحل حياته الفنية , وأسلوبه في التأليف الموسيقي من خلال اللحن والإيقاع والهارموني والتونالية , وکذلک التعرف علي موسيقي القرن العشرين بما فيها من تغيرات موسيقية , وتختلف تلک الدراسات عن البحث الراهن من حيث تعرضها بالدراسة التحليلة لأعمال بارتوک تختلف عن عينة البحث الراهن .

مما تقدم أسهم بدوره في توضيح الصورة کاملة عن بيلا بارتوک مما ساهم في إتمام هذا البحث .

مصطلحات الدراسة

1. الأغنية الشعبية Folk SONG

أغنية تنشأ بين الناس في منطقة ببلد ما وتکون في الغالب غير مدونة وتنتقل من جيل لآخر وتتکون من بيتين شعريين أو أکثر قائمين علي نفس اللحن وأحياناً يفصل بينهما تيمه لحنية, وهي أغنية تکتب من قبل مؤلف معروف.(21-54)

2. أسلوب Style

هو مصطلح يستخدم للتعبير عن طريقة معالجة المؤلف الموسيقي لعناصر العمل الموسيقي مثل اللحن , الإيقاع , الهارموني وما إلي ذلک ويؤثر في ذلک خبرة المؤلف الموسيقية . (6-45)

3. أسلوب الأداء Performance Style

 هو الصفة المميزة للمؤلفة الموسيقية والتي تعبر تعبيراً واضحاً عن الغرض الذي يريد المؤلف أن يعبر عنه ويوضحه کما يرمز إلى الصفات المميزة لأسلوب کل مؤلف . (19-106)

4. التونالية Tonality

هي التقيد بسلم معين يسيطر علي المقطوعة الموسيقية المؤلفة في هذا السلم وتشمل التونالية أساس السلم کما تشمل علاقات الدرجات بينها وبين بعضها وکذلک نحو المرکز التونالي وهذه العلاقات تعطي شخصية السلم .

5. اللاتونالية Atonality

هي عکس التونالية وهي اصطلاح يشير إلي غياب المرکز التونالي في المقطوعة الموسيقية ومن هذا المعني فالتونالية هي إنکار التونالية وهي تعني القضاء علي السلالم الکبيرة أو أي نوع آخر من السلالم وذلک بعد الاستغناء عن الدور التي تلعبة العلاقة الوظيفية بين درجات السلم والقفلات الهارمونية.(33-248, 261)

6. تعدد المقامية Poly Modality

تعني استخدام مقامين مختلفين أو اکثر في نفس الوقت يجمع بينهم مرکز تونالي واحد أو مراکز تونالية مختلفة ويمکن الإحساس بالمقام من خلال الهارمونية أو الميلودية .(28-52)

الإطار النظري

أهم التغيرات التي طرأت علي الموسيقي في النصف الأول من القرن العشرين

1-الإيقاع Rhythm

يعتبر الإيقاع من أهم العناصر التي حدث فيها تغير في موسيقي القرن العشرين , وقد اجتهد المؤلفون الموسيقيون في جعل الإيقاع مرناً واسع الإمکانيات عن طريق :

- استخدام الموازين ذات الوحدات غير متساوية التي تشمل مجاميع زمنية مثل 2+3+3 في المازورة الواحدة بعد أن کان الإيقاع قاصراً علي استخدام موازين ثنائية أو ثلاثية أو رباعية داخل المازورة .

اتجه المؤلفون إلي استخدام التعدد الإيقاعي "polyrhythm" باستخدام أکثر من نموذج إيقاعي مختلف في وقت واحد, کذلک استخدام إيقاع واحد يسمع طوال المقطوعة الموسيقية دون توقف علي نمط الباص المستمر المعروف باسم "ostinato" .

هناک أيضاً استخدام أکثر من ميزان داخل العمل الواحد بعد أن کانت المؤلفة تعتمد علي ميزان واحد مستمر أصبح الميزان يتغير بکثرة ربما حتي بين المازورة والأخرى , وداخل المازورة نفسها.

تحرر الموسيقيون من قيود النبر القوي “Accent”الذي کانت تعتمد علي موسيقي القرن الثامن عشر من بداية المازورة ، فأصبح المؤلف يضع النبر القوي في المکان الذي يشعر به دون التقيد بحدود المازورة .

مزج الإيقاع الموسيقي بعناصر إيقاعية غريبة عن الموسيقي الأوروبية مثل استخدام الإيقاعات الأسيوية والإفريقية والهندية وغيرها من ايقاعات الموسيقي الشعبية ، وقد کان لإيقاعات موسيقي الجاز أکبر الأثر في موسيقي القرن العشرين ، وکذلک کثرة تغيير السرعة باستخدام المصطلحات الموسيقية الخاصة بتغيير السرعة .

2-اللحن

طرأت علي الألحان في الموسيقي الحديثة تطورات عديدة کما هو الحال بالنسبة لعنصر الإيقاع ومن أمثلة هذه التطورات :

-     استخدام المسافات الواسعة فأصبح اللحن يتحرک في مناطق صوتية بعيدة عن بعضها البعض بحيث يصعب علي الصوت البشري غنائها بسهولة .

-     صياغة الألحان يشکل غير منتظم وغير متوقع مما أدي إلي صعوبة تذوقها من الوهلة الأولي حيث يجب تکرار الاستماع إليها مع الترکيز والفهم حتى يمکن استساغتها من الناحية الجمالية .

-     استعمال السلم الخماسي penta tonic، والسلم السداسي whole tone والمقامات المستخدمة في الألحان الشعبية المبتکرة مثل الألحان العربية والإفريقية والأسيوية إلي جانب المقامات التي استعملت في العصور الوسطي وعصر النهضة والمقامات الکنسية ، واشتهر استخدام الازدواج المقامي .

-     التوسع في طريقة التأليف بالاثني عشر نغمة dodecaphony المبني علب الخطوط الکنترابنطية .

الهارموني

کان لظهور العديد من التيارات الموسيقية المختلفة مع بداية القرن العشرين دوراً أساسياً في تغيير الهارموني التقليدي تدريجياً وفقاً للمفاهيم الموسيقية الجديدة وذلک علي النحو التالي :

-     ظهور الکتابة البوليفونية التي عرفت في عصر الباروک حيث کانت الأصوات تعالج في حرية تامة ولا تهتم بالترابط الهارموني وهو ما يعرف بالکنترابنط المتنافر .

-     استخدام تآلفات الحادية عشر والثالثة عشر لزيادة حدة التنافر.

-     استخدام التآلفات ذات المسافات الواسعة التي ينتج عنها عدم وضوح درجة الأساس .

-     إلغاء العلاقات بين التآلفات التي تحتم تصريف تآلف إلي آخر من نوع معين ، فأصبحت المؤلفة تنتقل من تآلفات متنافرة إلي هارمونيات أکثر تنافراً .

التونالية

-     استخدام التونالية المتعددة poly tonality أي استخدام أکثر من سلمين

-     استخدام التونالية المزدوجة pitonalityأي استخدام سلمين مختلفين معاً

-     استخدام اللامقامية Atonalityأي عدم التقيد بمقام معين عند الـتأليف

بيلا بارتوک

حياته
   ولد بارتوک في اﻟﻤﺠر سنة ١٨٨١ بمدينة ناجسنت مکلوش Nagysrentmiklos" "وکان والده (1855-1888) عاشقاً للموسيقي حيث نظم أورکسترا للهواة وعزف فيه التشللو , توفى والده وهو في الثامنة , واضطرت والدته بولا فويت PoulaVoit (1857-1939) والتي کانت تعمل مدرسة وعازفة بيانو لکسب عيش أسرتها بالتدريس في مدن مختلفة مما أتاح للصبي فرصة التعرف على الموسيقى الشعبية, وظهرت علامات موهبته الموسيقية مبکرة فلقنته والدته أول درس للبيانو وفي التاسعة کتب مقطوعات صغيرة للبيانو , وفي عام 1891 ذهب إلي بودابست في أکاديمية الموسيقي وهناک أکد کارلي أجازى Karloly Agyhary علي موهبته, وعرض عليه أن يتبناه موسيقياً, ولکن والدته فضلت أن يستکمل دراسته في مدينته . وعندما استقرت الأسرة أخيراً في براتسلافا Bratislave سنة ١٨٩٣ وکانت وقتها جزءاً من اﻟﻤﺠر بدأ دراسته الجدية للموسيقي, ويکتب بارتوک أنه حين بلغ الثامنة عشرة کان على معرفة طيبة بالموسيقى من باخ إلى برامز وبعض أعمال فاجنر. والتحق بارتوک بکونسرفتوار بودابست حيث درس البيانو وتفوق فيه ودرس التأليف على يد کوسلر Koessler وإن کانت علاقتهما متقلبة.(11-112)

وکتب بارتوک أثناء الدراسة مؤلفات مبکرة , ففي عام 1903 کتب القصيد السيمفوني کوسوت "Kossoth Symphony" متناولاً الأحداث السياسية والأجتماعية في بلاده فلاقي نجاحاً کبيراً في بودابست وفي عام 1904 نشر بارتوک 4 أغاني "Pasa songs" وأربع قطع للبيانو ، وفي نفس العام بدأ أولي رحلات الجمع الميداني لأغاني الفلاحين المجريين ولکنه لم يقتصر عليها وحدها حيث انه تخطى الحدود السياسية الفاصلة بين اﻟﻤﺠر وجاراتها , وامتدت رحلاته إلي رومانيا وسلوفاکيا وأوکرانيا ويوجوسلافيا وبلغاريا وترکيا والجزائر, واستغرقت عدة سنوات کانت سنوات تبلور للعناصر الشعبية التي شکلت أسلوبه الخاص فيما بعد وقد عاونته منحة حکومية من اﻟﻤﺠر على بحوثه الفولکلورية ورحلات الجمع والتسجيل , ولکنه توقف بعدها عن التأليف لفترة کان فيها يبحث عن وجهته الفنية .(29-19)

 وفي الکونسرفتوار التقى بزميله سلطان کوداي Kodaly الذي کان مثله مشغولا بالبحث والکتابة عن الموسيقي الشعبية اﻟﻤﺠرية , وأثارت بحوثه لدى بارتوک تطلعاً لمعرفة المزيد عن تلک الموسيقي ليستمد منها الإلهام في العديد من أعماله , وهکذا بدأت صداقتهما الوطيدة ورفقتهما الموسيقية التي تآزرا فيها على کشف النقاب عن الموسيقي الشعبية اﻟﻤﺠرية الأصيلة , ثم أصدرا مجموعات کثيرة منها مدونة ومحققة لم تکن معروفة ولا منشورة من قبل وبهذه اﻟﻤﺠموعات القيمة استطاعا أن يصححا الفکرة الخاطئة السائدة عن تلک الموسيقى , وجدير بالذکر أن أبحاثهما في هذا اﻟﻤﺠال کانت انعکاساً لوجه التحرر الوطني والاهتمام بإحياء اللغة اﻟﻤﺠرية وکل ما يؤکد الهوية الثقافية اﻟﻤﺠرية.

 وفي عام ١٩٠٧ عين أستاذا للبيانو بکونسرفتوار بودابست وظل يشغل هذا المنصب حتى عام ١٩٣٤ کما أنه أصبح عضواً نشطاً في أکاديمية العلوم اﻟﻤﺠرية من ١٩٣٥ حتى ١٩٤٠ وخلال هذه السنوات توفرت له فرصة مراجعة وإعداد اﻟﻤﺠموعة الکبيرة من الموسيقي الشعبية اﻟﻤﺠرية للنشر .

 وظلت شهرته کعازف فيرتيوزو للبيانو طاغية على شهرته کمؤلف في اﻟﻤﺠر وکان نشاطه في العزف قد توسع فيما بعد الحرب العالمية وحقق فيه شهرة عالمية في أوربا وأمريکا وجاء الاعتراف بموسيقاه من أوربا عامة في أواخر العشرينات حيث قدمت أعماله بها قبل تقديمها في اﻟﻤﺠر وکان يحز في نفسه أن مواطنيه لم يعرفوا قدره کمؤلف إلا متأخراً وکان من أسباب معاناته النفسية انه اتخذ موقفاً أخلاقياً نابعاً من حبه للحرية إذ أعلن مناهضته للفاشية إلى حد أنه منع عزف مؤلفاته في إيطاليا وألمانيا النازية.

 وعندما تعاونت معهما حکومة اﻟﻤﺠر قرر أن يغادر البلاد وأن يهاجر في نفي اختياري إلى أمريکا حيث وصل إليها عام 1945 تارکا وطنه الذي کان حبه له نورا أضاء حياته وهناک عاونته منحة للبحث من جامعة کولومبيا على إنجاز دراسته عن الموسيقي الشعبية کما منحته تلک الجامعة الدکتوراه الفخرية واستمر يکتب مؤلفاته الکبيرة الأخيرة مثل کونشيرتو البيانو الثالث الذي کتبه لزوجته الثانية وکونشيرتو للأورکسترا وغيرهما ولکن ضيق موارده ومرضه ألقيا ظلالاً قاتمة على سنواته الأخيرة وتوفى سنة ١٩٤٥ بنيويورک تارکاً وراءه عملين کبيرين أنجزهما بعده تلميذه تييور سيرلي Serlyمن مسوداته وشيعه لمثواه الأخير عدد ضئيل .

 الإطار العملي

الدراسة التحليلية لعينة البحث

عينة البحث هي السلسة الأولي من أغاني الکريسماس الرومانية "کوليند" "Romanian Christmas Carlos Colinde"وهي عبارة عن تنويعات لعشر أغاني شعبية رومانية,أغاني عيد الميلاد الرومانية کانت تغني من قبل مجموعات من الناس الذين يزورون رومانيا خلال احتفالات موسم الشتاء وکلمات الأغاني ممکن أن تکون ذات طابع ومعني تاريخي أو أسطوري أو ديني , ومن خلال جولات بارتوک في ترانسيلفانيا وجد العديد من الأغاني ذات الطابع التاريخي والأسطوري , وکذلک قصص الإبداع في سفر التکوين ,قام بارتوک بتجميع کوليند في الفترة من عام 1909 حتى عام 1918 وقام بعزفها لأول مرة بنفسه في أکتوبر عام 1922 في کلوج ترانسيلفانيا .

• ·   الأغنية الأولي

شکل رقم (1) يوضح اللحن الأصلي للأغنية الأولي

• ·  السلم : مقام دوريان علي درجة مي
• ·  السرعة : Allegro
• ·  الميزان : 2/4 و 3/8

1-            التنويع الأول

الأغنية عبارة عن جملة في مقام دوريان من م (9:1) قفلة علي الدرجة الثانية فا دييز .

يمکن تقسيمها إلي عبارتين :

العبارة الأولي من م ( 5:1)

 العبارة الثانية تکرار للعبارة الأولي مع تغيير المازورة رقم 3 .

 درجة الرکوز في العبارتين 1, 2 هي فا دييز .

ظهر اللحن الأساسي في صوت الکمان والتشيللو من م (9:1)

شکل رقم (2) يوضح التنويع الأول للأغنية الأولي

المصاحبة في صوتي الفيولا والبيانو هي نفس المصاحبة وهي عبارة عن صوت متصل لنغمة مي من م (6:1) وفي هذا التنويع نجد أن صوت اللحن الأساسي هو المسيطر والمسموع حيث أن بارتوک أراد إبراز اللحن الأصلي باستخدام مصاحبة بسيطة .

2-            التنويع الثاني

ظهر اللحن الأساسى في صوت البيانو " اليد اليمني" فقط من م (9:1) .

المصاحبة في صوت الکمان والفيولا نفس المصاحبة اعتمد بارتوک فيها علي الإيقاع باستخدامه للسنکوب , القفلة في مصاحبة صوت الکمان والفيولا والتشيللو في م (9) علي تآلف کبير سي ري دييز فا دييز .

شکل رقم (3) يوضح التنويع الثاني للأغنية الأولي

3-            التنويع الثالث

اللحن الأساسي في صوت الکمان والبيانو " اليد اليمني واليسرى معاً " من م (9:1) يظهر في هذا التنويع التکثيف الصوتي للحن الأساسي من خلال ظهوره في أکثر من صوت .

المصاحبة في صوتي الفيولا والتشيللو نفس فکرة المصاحبة في التنويع الأول "الباص المتصل لنغمة مي " مع تغيير القفلة في م (9) بالنسبة للمصاحبة واستخدام تآلف کبير سي ري دييز فا دييز مثل التنويع الثاني .

شکل رقم (4) يوضح التنويع الثالث للأغنية الأولي

• ·   الأغنية الثانية

شکل رقم (5) يوضح اللحن الأصلي للأغنية الثانية

• ·  السلم : سلم صول / ک
• ·  السرعة : Allegro
• ·  الميزان : 2/4 و 3/8 و 5/8

1-            التنويع الأول

ظهر اللحن الأساسي في صوت البيانو" اليد اليمني " من م (7:1) , وهو عبارة عن جملة تنتهي بقفلة تامة في سلم صول / ک .

المصاحبة في صوت التشيللو والبيانو " اليد اليسرى في صوت الباص " نفس اللحن المصاحب , استخدم بارتوک المسافات المتنافرة في المصاحبة مثل مسافة ثانية صغيرة في المصاحبة لصوت البيانو وکذلک مسافة الرابعة التامة.

شکل رقم (6) يوضح التنويع الأول للأغنية الثانية

2-            التنويع الثاني

ظهر اللحن الأساسي في صوت التشيللو والبيانو " اليد اليسري " من م (7:1) .

في هذا التنويع قام بارتوک بتقسيم اللحن الأساسي من م (2:1) ثم من م (7:3) علي بعد أوکتاف صاعد , لمس الدرجة السابعة لسلم مي/ص في م (4 , 5) .المصاحبة المستخدمة عبارة عن تآلفات لتأکيد درجات السلم .

 شکل رقم (7) يوضح التنويع الثاني للأغنية الثانية

• ·   الأغنية الثالثة

شکل رقم (8) يوضح اللحن الأصلي للأغنية الثالثة

• ·  السلم : مقام دوريان علي درجة صول
• ·  السرعة : Allegro
• ·  الميزان : 4/8 و 3/8

1- التنويع الأول

ظهر اللحن الأساسي في صوت البيانو " اليد اليمني "

يتکون من جملة مطولة من م (10:1) تنتهي بقفلة نصفية في مقام دوريان .

تنقسم إلي عبارتين :

 العبارة الأولي من م (5:1) قفلة نصفية في مقام دوريان .

 العبارة الثانية من م (10:6) قفلة نصفية في مقام دوريان .

اللحن الأساسي عبارة عن لحن قصير مکرر.

المصاحبة في صوت الکمان والفيولا هي نفس المصاحبة علي بعد مسافة ثالثة , أما بالنسبة للمصاحبة في صوت التشيللو استخدم بارتوک نغمة سي بيمول کباص متصل مما يزيد التنافر .

شکل رقم (9) يوضح التنويع الأول للأغنية الثالثة

2-            التنويع الثاني

ظهر اللحن الأساسي في صوت البيانو " اليد اليسرى " من م (10:1)

قام بارتوک بتکرار نفس المصاحبة المستخدمة في صوت التشيللو في التنويع الأول واستخدامها في صوت الکمان والتشيللو وتکرارها علي بعد مسافة ثانية هابطة في صوت الفيولا .

3-            التنويع الثالث

ظهر اللحن الأساسي في صوت البيانو " اليد اليمني " من م (10:1)

استخدم بارتوک في مصاحبة اليد اليسري للبيانو نفس المصاحبة في التنويع الأول والثاني نغمة سي بيمول کباص متصل ونغمة فا , نلاحظ أيضاً أن لحن المصاحبة في کل الأصوات اعتمد علي نغمتين فقط هما سي بيمول وفا.

• ·    الأغنية الرابعة

شکل رقم (10) يوضح اللحن الأصلي للأغنية الرابعة

• ·  السلم : ري / ص
• ·  السرعة : Andante
• ·  الميزان : 2/4 , 3/8 , 3/4

1- التنويع الأول

ظهر اللحن الأساسي في صوت الکمان من م (11:1) في سلم ري / ص وينتهي بقفلة نصفية في سلم ري / ص .

في هذا التنويع استبعد بارتوک آلة البيانو .

المصاحبة في صوتي الفيولا والتشيللو نفس المصاحبة علي بعد مسافة ثالثة .

شکل رقم (11) يوضح التنويع الأول للأغنية الرابعة

2-التنويع الثاني

ظهر اللحن الأساسي في صوت الفيولا من م (11:1) واقتصرت المصاحبة في هذا التنويع علي آلة التشيللو فقط , واستخدم فيها مسافات الثانية والثالثة والأوکتاف .

• ·   الأغنية الخامسة

شکل رقم (12) يوضح اللحن الأصلي للأغنية الخامسة

• ·  السلم : مقام أيوليان علي درجة صول
• ·  السرعة : Allegro moderato
• ·  الميزان : 2/4

1-            التنويع الأول

ظهر اللحن الأساسي في صوت الکمان من م (8:1) وينتهي بقفلة تامة في مقام أيوليان .

استبعد دور آلة البيانو في المصاحبة , قام بارتوک بإضافة لحن مصاحب مکرر في صوتي الفيولا والتشيللو علي بعد مسافة ثالثة .

شکل رقم ( 13) يوضح التنويع الأول للأغنية الخامسة

2-            التنويع الثاني

ظهر اللحن الأساسي في صوت البيانو " اليد اليمني " من م (8:1) .

استبعد بارتوک في المصاحبة الفيولا واليد اليسري للبيانو .

المصاحبة في صوتي الکمان والتشيللو عبارة عن استخدام نفء س اتجاه لحن المصاحبة باختلاف المسافات , استخدم بارتوک اللحن علي بعد مسافتي الثالثة والرابعة .

شکل رقم (14) يوضح التنويع الثاني للأغنية الخامسة

3-            التنويع الثالث

ظهر اللحن الأساسي في صوتي الکمان والبيانو من م (8:1) .

المصاحبة في صوتي الفيولا والتشيللو من م (3:1) نفس اللحن المصاحب علي بعد مسافة ثانية , تم من م (8:4) استخدم مسافات الثالثة والأوکتاف .

تم تکرار نفس اللحن المصاحب في صوتي التشيللو والبيانو " اليد اليسري " .

 شکل رقم ( 15) يوضح التنويع الثالث للأغنية الخامسة

نتائج البحث

- کما هو ملاحظ أم کل أغنية من التنويعات مبنية أساساً علي لحن کوليند , وبارتوک لم يعدل أياً من ألحانها خلال التنويعات , حيث قام بتقديم الألحان الأصلية في بداية المدونة الموسيقية لنسخة البيانو .

- الألحان الأصلية التي جمعها بارتوک الخاصة بأغاني الکريسماس الرومانية ليست بالضبط کما دونها بارتوک في نسخة البيانو حيث قام بإزالة الحليات والنغمات المرورية کما في المثال التالي :

 شکل رقم ( 16) يوضح اللحن الأصلي للأغنية الرابعة کما جمعه بارتوک

شکل رقم ( 17) يوضح اللحن الأصلي للأغنية الرابعة کما دونه بارتوک

- أراد بارتوک أن يحافظ علي جوهر الأغنية الأصلية من خلال التنويعات مع التأکيد علي السلم الأساسي والإيقاع الأصلي بدلا من تقديم تنويع يقوم علي استعراض للآلات المختلفة علي حساب اللحن الأصلي .

قام بارتوک بالربط بين سلسلة الأغاني عن طريق تعاقبها بدون توقف واستخدام اللحن الموصل " لينک" .

- اعتمدت المصاحبة علي الإيقاعات الشاذة المستخدمة في التجميع الإيقاعي واستخدام السنکوب .

- الهارموني أخذ شکلاً کلاسيکياً .

توصيات البحث

• ·   الاستفادة من الألحان الشعبية المحلية عن طريق إعادة توزيعها بشکل جديد يلاءم الموسيقي المعاصرة .
• ·   عمل رحلات استکشافية للبحث عن الأغاني الشعبية والتراثية .