الاحتفالية في المسرح العربي - الـجـذور .. والمنطلقات

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

مدرس بشعبة الفنون المسرحية قسم الإعلام التربوي کلية التربية النوعية جامعة الزقازيق

المستخلص

ملخص البحث
 إنه لم يتح للمسرح العربي الظفر بحرکة مسرحية منظمة أو دعوات ذات بيان تنظيري ممنهج تم استقراؤه وتمحيصه وصياغته من واقع خبرة إبداع مسبق کالتي ظفرت به الاحتفالية ولقد أثبت نفسها بکل ما أثمرته من أعمال وتجارب, تتراوح درجة انطباقها مع تعليماتها ومبادئها ما بين الاجتزاء الکامل وبين التحرر المبدع دوراناً في فلکها الکلي.
 فالاحتفالية تيار مسرحي يعتمد علي مجموعة من الضوابط الفنية المخزونة في الذاکرة الجماعية للإنسان العربي, کمسألة توظيف جماليات التعبير الشعبي بما فيه من إشارات ايجابية سمعية وبصرية وحرکية ونفسية, وهي في هذا الموقف تعمل علي تقريب الخطاب المسرحي من الإنسان البسيط, فلا وجود لحواجز تحول بين من يعطي الفرجة والجمهور, ويرکز هذا المسرح الاحتفالي علي (المسرح الفقير) وما يتلاءم معه من بساطة في الديکور والإکسسوار.
 ولقد تعددت أسباب رفض الاحتفالية للمسرح القائم فهي تري أن المسرح العربي منذ نشأته وهو يحمل ثوباً أوربياً, مما جعل الحياة الثقافية التي يعيشها المواطن من خلال أحد معابرها وهو المسرح تقع خارج مرکزها, بعيداً عن عقل ووجدان الأمة.
 وکانت لهزيمة حزيران 1967 دور هام في قيام الاحتفالية, کما کان للمجهودات التي قام بها عبد الکريم برشيد منذ 1971 وجماعة المسرح الاحتفالي في المغرب في مجال النقد والمتابعة والابداع والتأهيل والتنظير دوراً في هذا القيام کذلک ظهور المسرح الشعبي في أوربا, فکان الاتجاه للاحتفالية کبديل للمسرح السائد بشقيه الهاوي والاحترافي.
ولقد تأثر الاحتفاليون بشکل واضح بالمفکرين والمسرحيين المصريين: يوسف إدريس, توفيق الحکيم علي الراعي, وهذا التأثر کان هو الأساس في محاولتهم لتقديم نظرية مسرحية ذات
طابع عربي.

 وبالرغم من أن عبدالکريم برشيد أکمل الخط الذي بدأه إدريس والحکيم والراعي والصديقي, والمدني من أجل إيجاد صيغة واضحة وهوية مستقلة للمسرح العربي, وما زال يثري هذا الخط سواء بالتنظير أو الإبداع إلا أن مسرحاً العربي سيقف عاجزاً دون أن يملک مقومات وجوده ودون أن يکون أداة تغير وبناء إذا ظل متقوقعاً علي نفسه.

الموضوعات الرئيسية


مقدمــة

عرفت شعوب العالم شکل الاحتفالية في وقت مبکر.. وما الرقصات التعبيرية الکورالية في اليونان أو بابات خيال الظل والمحبظين والحکائيين والحکواتي وعازف السيرة الهلالية وأرباب المساخر والسامر والأراجوز , والاحتفالات الدينية المذهبية کالتعازي الشيعية والمنشدون والزار وعروض الحواة وحفلات الغناء واحتفالات الأفراح وصندوق الدنيا والاحتفالات الجماعية , وکذلک فنون وألوان الموسيقي الشعبية , والفنون الأدبية الإبداعية کالمقامة والحکاية والملحمة کأبوزيد الهلالي وعنتر بن شداد وذات الهمة وعلى الزيبق وسيف بن ذي اليزن وفيروز شاه , إلا شکل من أشکال الاحتفالية التي ما تزال تمارسها الشعوب حتى الآن والتي يظل الجمهور فيها هو أهم عنصر من عناصرها .

 لقد نشأت الدراما الإغريقية من تلک الاحتفالات الشعبية أو الدينية التي کان يقيمها الإغريق في المناسبات المختلفة , وخاصة أعياد ديونيزوس والتي تقوم على الرقصات الکورالية , کما کان لدى العرب والشعوب التي اندمجت في العروبة احتفالاتهم الشعبية والدينية, مثل تلک التي يقيمونها في مواسم الحج ويوم عاشوراء والمولد النبوي الشريف ووفاء النيل وتهليل الطواف حول الکعبة کما کانت الطقوس تؤدي في المعابد المصرية القديمة في المناسبات الدينية ولدي الکثير من الشعوب الأخرى .

 لهذا فمن المعروف أن" کل طقس له خصائص مسرحية ما , وکل مسرح يتضمن طقساً , کما يؤکد کل من ( ريتشارد ششز) و ( فيکتور فيراني ) في دراستهما حول المسرح والأنثروبولوجيا .. لکن يظل الاحتفال والطقس شيء والمسرح شيء آخر, فقد نشأت الدراما - بالمفهوم العربي – من الحوار, وتطورت مع تطور المتحاورين , والعلاقة بينهم, وبالتالي عرفنا کلمات الصراع والحبکة ونمو الشخصيات الموجودة في النص المسرحي , هذا النص الذي يطالب ( أنتونان أرتو ) في کتابة ( المسرح وقرينه ) بوضع حد لاستبداده - فالمؤلف الذي يستخدم الکلمات لا مکان له - ويطالب ( أرتو) بنبذ القالب الدرامي بشکله الغربي القائم على النص المکتوب , والبحث عن شکل مسرحي جديد يعيد إلى المسرح طابع المواسم والشعائر والطقوس والاحتفالات الدينية والسحر.. لکن تظل هذه الأشکال الاحتفالية التي ذکرناها ليست أکثر من ملامح مسرحية أو مواد مسرحية خام أولية " . (1)

الـجذور والتأصيل

في عالمنا العربي قامت محاولات في سبيل تأصيل وتجذير المسرح العربي , الذي ظل منذ التأريخ له ( بمارون النقاش 1848) تابعاً للمسرح العربي رافضاً للتبعية , محاولاً الانفلات من هيمنة المسرح الغربي بحثاً عن القالب الاستقلالي الذي يستنطق الفنون الشعبية الأصلية , وعن ولادة جديدة لمسرح عربي يستنبت من الثقافة العربية وتراثها , لتوظيف الحکايات الشعبية والاعتماد علي أسلوب الفرجة الدرامية التي تتعامل مع المخزون الشعبي من الأشکال والمظاهر الأنثروبولوجية , والترکيز على العمل الجماعي وکسر التضاد التقليدي , والاعتماد علي الحلقة والخط الدائري ليصبح الجمهور طرفاً أساسياً في العرض المسرحي .

 إن " هذه الصيغة العربية للمسرح في استلهامها لتراثنا وفنوننا الشعبية المرتجلة , وتطويرها إلى مفاهيم فلسفة الذوق والجمالية المعاصرة , وتعبيرها عن شخصيتنا الدرامية المتميزة وجذبها لأکبر مساحة ممکنة من الجماهير العربية لا بقصد ( الفرجة ), ولکن بهدف ( المشارکة ) في العرض المسرحي – إنما تلقي بالبذور الحقيقية في أرض الدراما العربية ( تأصيلاً ) لها في باطن هذه الأرض و( تعصيراً ) لها في وجدان هذه الجماهير " .(2)

 لقد ترددت قضية تأصيل المسرح العربي واستلهام التراث الشعبي في الستينيات من القرن الماضي "ففي مرحلة الستينيات من القرن العشرين ظهرت العديد من الجهود المتضافرة في الحياة الثقافية تحاول أن تتجاوز في النشاط المسرحي العلاقة التقليدية التي نشأت بالتراث , خاصة مع إنجاز الاستقلال الوطني من الاستعمار في أعقاب ثورة يوليو 1952, والسعي لفض علاقة التبعية بالثقافة الأوروبية , وفي الوقت نفسه الوعي بالذات القومية الجديرة بالثقة على نحو يسمح لها بنقد تراثها وتخليصه من عناصر التخلف التي تعوق الانطلاق به, واکتسابه شرعية الحياة المعاصرة , وفي هذا السياق لم يعد التراث مادة محکية في التاريخ أو الروي شبه التاريخي أو في مثل ألف ليلة وليلة, بحيث تقبل المعالجة الدرامية بصورة أو بأخرى تصب في القوالب الغربية الوافدة , ولکن أصبح التراث أيضاً أشکالاً وقوالب فولکلورية وثيقة الصلة بالذوق والثقافة الشعبية ومضامينها , ومن ثم ظهرت دعاوى التأصيل للمسرح العربي في الشکل والقالب بوصفه تعبير عن النشاط الحيوي والفکري والوجداني والمادي للإنسان ويشکل البيئة الأصلية لثقافة المجتمع" .(3)

 بدأت المحاولات في مصر عندما نادي يوسف إدريس ( بمسرح السامر) 1964(4), وتطوير هذا الفن الشعبي وإعادة هيکلته ليفرز شکلاً مسرحياً متحضراً , وفي مسرحيته( الفرافير) دعا يوسف إدريس إلى استلهام فنوننا الشعبية المرتجلة , کما هي ممثلة في شکل السامر الذي تتم فيه المشارکة المسرحية بين الممثلين والحضور , أو بين المشخصين والجمهور , وکذلک حاول رشاد رشدي في مسرحية ( أتفرج يا سلام ) استدعاء خيال الظل من المأثور الشعبي , وتوظيفه توظيفاً درامياً , ثم نادي توفيق الحکيم بشکل يقوم على الاستفادة من فن الحکواتي الذي يعود إلي ما قبل السامر وإدخال الفنون الشعبية مثل الرقص والغناء , والتي تدور أحداثها في العراء .. في الجرن أو المصطبة , ويعتمد علي فکرة الحکواتي والمقلداتي والمداح .

 کما أن توفيق الحکيم سمح في کتابه ( قالبنا المسرحي )أن يتطعم المسرح العربي بإيقاعات غربية ممزوجة وغنية , مکنته من تخطي عتبات الاقتباس والتقليد , مشترکاً بذلک مع من سبقوه , واستطاع أن يستوعب في قالبه المسرح الغربي , وبوعي منه يمثل اتجاهاته وتقاليده , محاولاً أن يمزجها بثقافته العربية مزجاً ذکياً وأصيلاً يتلاءم مع حالة مجتمعه العربي ونشأته ".(5)

 وجاء من بعدهم على الراعي الذي نادي بنبذ النص المسرحي المکتوب إذا ما أردنا بالفعل أن نعيد الجمهور حول المسرح المرتجل کما عرف في السنوات العشرين الأولي من القرن العشرين, ونبذ تقاليد الدراما الغربية بمفهومها الأرسطي والعودة إلي المنابع الشعبية المصرية , وتوالت من بعدهم الدعوات في العالم العربي لتأصيل وتجذير المسرح وتجاوز التنظير الأرسطي .

 " فإذا کانت قضية البحث عن صيغة عربية للمسرح قد تردد صداها في ( المشرق العربي ) , فقد وجدت صدى أکبر وأخطر في ( المغرب العربي ) حتى بدت کما القضية الأولي والأخيرة في فنونهم المسرحية , وحتى لقد شبهها بعضهم ( باللغز الأديبي ) الذي لا بد لهم أن يتصدوا لحله: فإما أن يموتوا دونه ويفترسهم الوحش , أو يحلَو اللغز ويقتلوا الوحش , ويستنقذوا مسرحهم العربي . ففي تونس تصدى الأديب طاهر قيقة لهذه القضية, کما تصدى لها في الجزائر المخرج مصطفي کاتب , والکاتب والفنان المسرحي عبد القادر علوله , وربما کانت أنضج وأوعى تجربة شهدتها محاولات (تأصيل) المسرح في المغرب العربي , تلک التي قام بها الطيب الصديقي وعبد الله سنوفي وأحمد الطيب العلج وعبد الکريم برشيد , کل بطريقته الخاصة وأسلوبه المتميز, وجميعها بهدف تأصيل المسرح في التراب العربي". (6)

 " إن تبلور هذا الاتجاه - تأصيل وتجذير المسرح - لم يکن إلا نتيجة حتمية لکل الاجتهادات المسرحية التي بدأت في مصر عام 1964 علي يد يوسف إدريس ثم انتقلت إلى المنطقة العربية , کما أن ميلاد هذا الاتجاه في مصر والعالم العربي لم يکن سوى تعبير جدلي عن طبيعة الظروف التي کانت تعيشها المنطقة العربية في محاولة للعودة إلى الماضي من أجل ألقاء الضوء علي الحاضر في محاولة لتجاوز الأزمات العسکرية والسياسة ".(7)

 فلقد کان للواقع السياسي بعد هزيمة يونيو 1967 أن يستثير الحس الأيديولوجي, ويدفع لتعبئة الجماهير الشعبية وتحريضها والالتحام بها لتجاوز محنة الوجود التي ألحت على العقل والوجدان العربي , مما دمج في الممارسة المسرحية بين المطالب الأيديولوجية والأشکال الشعبية , فلم يدخر الکاتب المسرحي العربي جهداً في إعادة قراءة وتأويل المادة التاريخية وتفسيرها بحيث تتشبع بظلال الواقع المعاصر, وتعلق عليه من خلال الأشکال الشعبية التي عُرفت في أماکن التجمعات کالمقاهي أو ليالي السمر في الريف , عامداً في الوقت نفسه إلى تنشيط ملکات الإدراک عند الجمهور الشعبي وتحفيزه على الفعل التاريخي بالاندفاع معه خارج جدران مسرح العلبة الايطالية وکسر مفهومها الطبقي والسلطوي .

 " ولکن علي الرغم من تعدد الدعوات الفکرية لتأصيل المسرح العربي والمصري علي أرضية من تراثه الکامن في الأشکال والقوالب الفنية الشعبية , إلا أن المحاولات العلمية - ولا سيما في مجال الإخراج المسرحي - افتقرت إلى الثقافة الجادة والدراسة الواعية والنظرة الصحيحة إلى الفنون الشعبية غالباً إما عن جهل بها أو عدم إدراک لأهميتها في تعميق رؤية الإنسان (العربي المصري) المعاصر لواقعه وربطه بالسياق التاريخي والحضاري الذي ينتمي إليه , وربما اتخذ البعض موقفا استعلائيا من هذا التراث وآدابه باعتباره أنه لا يروج إلا بين العامة ومحدودي الفهم وبسطاء العقول الذين تطويهم موجات التخلف , فوضعوا حدا فاصلاً بين الثقافة الأوروبية التي انبهروا بها واستسلموا لتأثيرها عليهم وعلي إنتاجهم , وروافد الثقافة الشعبية التي راوحوا ينفرون منها ويتأذون من استمرار بقائها ولو في أشکال متحولة ".(8) ومع ذلک تواصل اتجاه توظيف الأشکال والمواد الشعبية في المسرح , تحت راية التجريب التي راحت تخفق رايته منذ أواخر الثمانينات من
القرن العشرين .

نشأة الاحتفالية

 إن کل الدعوات التي انطلقت للمناداة بالتأصيل للمسرح العربي والعودة لاستلهام وتوظيف التراث في المسرح , هي في الحقيقة دعوة صريحة للمسرح الاحتفالي أو الاحتفالية, والتي تقوم علي الإفادة من الاحتفال الشعبي في الحياة العربية کتصور بديل للمسرح الأوروعربي القائم , ويستمد مادته من مفردات الاحتفال الشعبي بإعادة هيکلته أو صياغة هذه المفردات بمفهوم عصري يمکًن المسرح الاحتفالي من التأريخ للوجدان الشعبي ومخاطبة العقل الجمعي بطريقة مباشرة تؤدي إلى التناغم والتوحد ما بين المسرح والجمهور العريض .

 " والحديث عن نشأة المسرح الاحتفالي أو التيار والاتجاه الاحتفالي في المسرح العربي يبدأ من مصر أيضاً وبالتحديد من محاولات يوسف إدريس للبحث عن مسرح مصري في عام 1964, لأننا نجد في مقالات هذا الکاتب الرائد أول حديث عن الاحتفالية , کما نجد استخداما صريحاً ومباشراً لکلمة (الاحتفال) .

 يقول يوسف إدريس: " تلک الأشکال المسرحية أي الأشکال الجماعية التي يشارک فيها الناس تلقائياً , کثيرة الحدوث في حياتنا اليومية في الأفراح والمآتم والمناسبات , في الاحتفالات الکثيرة التي ابتکرها الجنس البشرى کحجه للتجمع . فالمسرح ليس هو المکان أو الاجتماع الذي ( تتفرج ) فيه علي شيء , إن هذا ابتکر له شعباً کلمة ( فرجة ) أو رؤية أو مشاهدة , أما المسرح فهو اجتماع لابد أن يشترک فيه کل فرد من أفراد الحاضرين , مثله مثل الرقص من بدائيته إلى احتفالات قصر الملکة فيکتوريا, لا يسمي رقصاً إلا إذا اشترک في الرقص کل الحاضرين , وکذا الأغنية الجماعية لا تُعد جماعية إلا إذ غناها کل الناس معا , لأنه في کل تلک الأشکال المسرحية لابد من توفر عنصرين: أولا الجماعة والحضور الجماعي , وثانياً قيام الجماعة کلها بعمل ما . وقد نسأل : وماذا عن الأشکال التي نذهب لنتفرج فيها علي راقص أو نسمع مغنية تغنى أو نشاهد فيها فيلماً ؟ أليست أشکالاً مسرحية ؟! والجواب: لا ليست أشکالاً مسرحية وليست إلا إشباعا فردياً لا يمکن أن يُغني أو يحل محل الإشباع الجماعي ". (9)

 ليست المسألة مجرد ورود لفظ ( الاحتفال ) فالأهم من هذا إن يوسف إدريس توصل إلي فکرة المشارکة بين المتفرج والمبدع , وهي الفکرة المحورية في المسرح الاحتفالي .

 وهذا المعني هو بالضبط ما نراه عند عبد الکريم برشيد - المُنظر الأول للاحتفالية في المسرح العربي- في مقاله ألف باء الواقعية في المسرح حين يقول: " إن الاحتفال يسعي إلى إيجاد الآخر المشارک في الإبداع .. ومتى أصبح مشارکاً فإنه يتخلى عن التفرج , الشيء الذي يعطي العرض تلقائيته وعفويته وبذلک يصبح المسرح کرنفالا يشخص فيه الکل ". (10)

 إن عبد الکريم برشيد يعتبر الإنسان في أصله مجموعه من الاحتفالات المتصلة بعضها بعضا , احتفال في الموت , واحتفال في الميلاد , واحتفال في الختان والعرس, وحتى حينما تغيب المناسبة فإن الإنسان يخلقها , ومن هنا تکون الحياة احتفالاً کبيراً .

" فالمسرح الاحتفالي ينطلق من نقطة أساسية وهي أن الإنسان کائن احتفالي بطبعه, فهو قبل أن يکتشف الکلام فقد أکتشف الحفل , اکتشفه ليعبر عن حاجاته وأحاسيسه الداخلية, فالحفل ضرورة حتمية.(11) إنه "عصر الاحتفال والإنسان الاحتفالي, هذه الصفة هي الأقرب لتشخيص العصر الذي نعيش والإنسان اليوم, فالدراسات الأنثروبولوجية أکدت علي أن صفة (الاحتفال) هي الطاغية على الإنسان. (12)

لقد أظهرت الاحتفالية تياراً مسرحياً يسعي إلى تأسيس خطاب درامي متميز في المسرح المغربي والثقافة العربية عموماً,وقد أکد المسرح بالمغرب الوجود الفاعل للتنظير المسرحي الاحتفالي,واهتمامه المستمر بمسألة تأسيس السؤال النقدي حول الممارسة المسرحية في الوطن العربي, فالاحتفالية إذن تعلن مشروعها لتأسيس مسرح ذي هوية مغربية إبداعا , ثم نقداً , ثم بعد ذلک تنظيرا , في محاولة لتجاوز الشکل الکائن وتصور الشکل الممکن الذي يساهم في خلق صيغة مسرحية تنطلق من معطياتنا نحن. (13)

جهود عبد الکريم برشيد في التأسيس والتنظير للاحتفالية

 عبد الکريم برشيد کاتب ومخرج وناقد ومنظر مسرحي , مواليد 1943 بمدينة ( أبرکان) بشرق المغرب , اشتغل أستاذا بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالمغرب , اشتهر ببياناته الاحتفالية التي بدأت في الصدور ابتداء من عام 1976. أسس جماعة المسرح الاحتفالي بمدينة مراکش في 27 مارس 1979الذى يوافق مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح من کل عام , کان مديراً لمهرجان ربيع المسرحي العربي وعضو مؤسس لمجلة الثقافة الجديدة , اخرج العديد من المسرحيات للکتاب العرب , وفازت مسرحياته بالعديد من الجوائز على مستوى العالم العربي. (14)

 من مسرحياته: عطيل , والخيل والبارود , لونجا , النمرود في هوليود , اسمع يا عبد السميع , غريب وعجيب , صياد النعام , مشاهدات صعلوک , الناس والحجارة , عرس الأطلسي , جحا في الرحال, شطحات جحجوح, حکاية العربة , ليالي المتنبي , علي باب الوزير , الحکواتي الأخير , فاوست والأميرة الصلعاء, امرؤ القيس في باريس... وغيرها من المسرحيات, وله من الکتب النقدية حدود الکائن والممکن في المسرح الاحتفالي , الاحتفالية مواقف ومواقف مضادة , الاحتفالية في أفق التسعينيات , کتابات على هامش البيانات , غابة الإشارات... وغيرها من الکتب النقدية التي تؤسس وتُأصَل وتنظَر للاحتفالية في المسرح العربي.

 وعبد الکريم برشيد من أهم الرواد المسرحين العرب الذين نادوا وتبنوا قضية الرجوع إلى مصادرنا الشعبية وفنوننا التعبيرية وصيغنا الاحتفالية التي أفرزها الوجدان الشعبي , من أجل إيجاد لغة فنية شاملة ومتکاملة وصولاً إلي شکل لمسرحنا العربي. جاء برشيد بکتاباته التنظيرية والإبداعية في المسرح الاحتفالي ليکمل الخط الذي بدأه في مصر کل من توفيق الحکيم في قالبنا المسرحي , ويوسف إدريس في نحو مسرح مصري أصيل, وعلى الراعي والدعوة إلى الکوميديا المرتجلة .

 والهدف من هذا کله هو إيجاد لغة مسرحية تفيد التراث العربي والتراث الإنساني عامة , حيث تمت معانقة هذه النظرية في أعمال تطبيقية عند سعد الله ونوس في سوريا ومحمود دياب في مصر, وعز الدين المدني والمنصف السويسي في تونس وقدري النعيمي في الجزائر , وعليه فقد جعل برشيد العمل المسرحي احتفالاً إنسانياً يلتقي فيه المبدع بالجمهور. (15)

بيانات جماعة المسرح الاحتفالي

 الاحتفالية اجتهاد مسرحي وفلسفي نشأ في المغرب العربي الکبير في النصف الثاني من السبعينيات, - وله جذوره الأولي الممتدة في مصر- وسجل أصحاب هذا الاجتهاد رأيهم في مجموعة بيانات أصدروها ونشرتها مجله البيان الکويتية , " ففي عام 1976 صدر البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي بتوقيع : عبد الکريم برشيد مؤلفاً وناقداً , والطيب الصديقي مخرجاً وممثلاً , وعبد الرحمن بن زيدان ناقداً ومؤلفاً , ومحمد البتولي مخرجاً وناقداً , وعبد الوهاب عيدوبيه مخرجاً , وثوريا جبران ممثلة.

 صدر البيان الأول ليعلن ميلاد جماعة المسرح الاحتفالي الرافضة للأسس التي يقوم عليها المسرح العربي حالياً باعتبارها أسساً زائفة ومتخلفة , وفي هذا البيان ترى الجماعة أن الاحتفالية ليست مجرد شکل مسرحي قائم على أسس وتقنيات فنية مغايرة , بل هي في الأساس فلسفة تحمل تصوراً جديداً للوجود والإنسان والتاريخ والفن والأدب والسياسة والصراع ". (16)

 ويعد هذا البيان وثيقة ميلاد هذه الجماعة بشکل تنظيري , إيمانا منها بأن المسرح فن شامل ومتکامل وأنه عمل جماعي.

 ثم توالت بعد ذلک بيانات جماعة المسرح الاحتفالي , والتي ترى من خلالها أن أزمة المسرح تکمن أساساً في افتقاره لنظرية واضحة الأفق والهدف , لذا سعت هذه الجماعة إلى إبداع أشکال فنية جديدة من خلال تجارب عديدة برزت في السبعينيات, ومن ثم تتحرک تلک المجموعة لخلق مسرح جديد يعتمد علي الاحتفال , ذلک الاحتفال الذي تتحقق فيه الجماعة وتذوب فيه الذاتية التي ميزت الأدب العربي بأکمله .

رفض القائم والثورة عليه والعودة للتراث

 جاءت المحاولات التنظيرية لجماعة المسرح الاحتفالي لتبرز لحظة أخري من لحظات الممارسة المسرحية المغربية , إنها لحظة الرفض الصريح للمسرح على الطريقة الإيطالية المستوردة والبحث عن أساليب مغربية محلية تصل بها إلى صيغة درامية خاصة بالمسرح المغربي لتأکيد الوجود الملموس والنوعي . يقول عبد الکريم برشيد إن البحث عن المسرح الاحتفالي يمر عبر: الحفر في الثقافة العربية وذلک بحثاً عن المواد الخام التي يمکن توظيفها وتصنيعها مسرحياً . (17)

 فالاحتفال تمرد علي القواعد التقليدية- کما يري جماعة المسرح الاحتفالي- وزلزلة فروع المسرح الأرسطي, ولا يتمثل تأثير هذه الخطوات في تکوين المسرحية کنص فقط وإنما في الإخراج والتمثيل وفن الفرجة أيضاً من حيث الترکيبة والمونتاجية , وهذا التمرد الاحتفالي ليس وجوداً فضائياً .. إنما يرتبط في جذوره بأصوله الغربية والعربية وهذا ليس عيبا,ً إذ أن بريخت – نفسه - ليس المتمرد الوحيد أو الأول في حرکة التجديد المسرحية والدرامية المعاصرة, إنما هي عبارة عن تجميع لکثير من التجديدات والتجارب التي أحدثها في عالم المسرح والدراما متمردون أکفاء في أمکنة وأزمنة مختلفة . لذلک فعبد الکريم برشيد لم ينفصل عن المعرفة الإنسانية التي هي ملک للإنسانية لإعطاء هوية للمسرح العربي , هوية متحررة من الزيف والتکلف والتملق في العمل الأدبي .

 يقول عبد الکريم برشيد: " ولأن هذا التيار الاحتفالي الجديد قد کفر بالأفکار الجاهزة والمعلبة والمحنطة , سواء منها تلک التي کانت تستورد من الشرق أو تلک التي کانت تجلب من الغرب , فقد راح يؤسس أفکاره الخاصة , وقد تنامت هذه الأفکار, وتناسلت حتى أصبحت فعلا تنظيرياً , وحتى أنتج هذا الفعل منظومة فکرية تسمي الاحتفالية ".(18)

 يرفض المسرح الاحتفالي أيضاً المفهوم الکلاسيکي للعملية الإبداعية: أي التمثيل للجمهور, ويرفع بدلاً منه شعار: التمثيل مع الجمهور , فالمسرح في المنظور الاحتفالي هو مؤسسة شعبية , مؤسسة يمتلک فيها الشعب وسائل الإنتاج , کما يساهم في الإنتاج عملياً ونظرياً , الاحتفالية تسعي في الأساس لخلق مسرح شعبي , ومفهوم الشعبية في المنظور الاحتفالي يتحدد بأنه ليس المسرح الذي يستهلکه الشعب , ولکن ذلک الذي يساهم في إنتاجه وإبداعه , والذي تکون وسائل هذا الإنتاج بين يديه وملکه. إذن برزت مهمة جماعة المسرح الاحتفالي في أن تستخدم من الهدم وسيلة لبناء الجديد والمختلف والمغاير القائم علي نقد التجارب المسرحية العربية, التي کانت ممارستها تقوم علي الروح الفردية, وثنائية المؤلف/المخرج, وعبادة الشخصية والنجومية,في غياب العناصر المکونة للتجربة المسرحية کعمل جماعي يشارک في إبداعه الکل بدء من الکتابة الأدبية إلى الإبداع السينوجرافي إلي اللقاء بالجمهور".(19)

 إن الخطاب التأسيسي الاحتفالي جاء بعد أن سقط الخطاب القومي في نکسة 1967, وبعد أن تعري الخطاب الأوروبي والأمريکي حول الديمقراطية , وذلک نتيجة التدخل الأمريکي في فيتنام ونتيجة ثورة الطلبة في باريس ربيع عام 1968 , ونتيجة التدخل السوفيتي في براغ , کما جاء في أجواء الثورة الثقافية في الصين , وبذلک فقد کان هذا الخطاب خطاباً ثورياً, وکانت ثوريته غير إقليمية, وغير شعوبية, وکانت ثوريته ثورية وجودية عامة يدخل فيها السياسي والاجتماعي والفکري, والجمالي والأخلاقي.

وإذا کان الواقع (20) هو المصدر الأول للمسرح الاحتفالي, فالتراث هو المصدر الثاني, لذا نجد الاحتفالين منذ بيانهم الأول يتحدثون عن التاريخ والتراث الشعبي , وتعاملهم مع التراث التاريخي ينطلق من نفس المنطلق الذي يتعاملون به مع الواقع , والاحتفالية تصنف نفسها مسرحاً شعبياً , ولا يمکن لمسرح شعبي أن يبتعد عن تراث الشعب .

 فالعودة إلى التراث لبنة أساسية لقيام المشروع الاحتفالي , اعتبارا منه أن حضور التراث هو في جوهره حضور أشکال قادرة على إيجاد الصيغة المسرحية المتميزة التي تتجاوز نمطية الشکل الغربي ذي الأصول الإغريقية کـ ( دراما ) وذي الشکل الايطالي کـ ( خشبة ) , هذه الأشکال التي يمکن استخراجها من التاريخ العربي عموماً , من خلال حکاياته وأساطيره الشعبية والأمثال والحکم السائدة والأزياء والوشم والألعاب والاحتفالات والأعياد .

 وحسب التنظير الاحتفالي " فهناک مجموعة من الفنون لم يتم تناولها, مع أنها تمتلک مؤهلات هائلة في خلق التواصل بين المبدع والجمهور, وتمکن بالتالي من مخاطبة وجدان الشعب عبر تراثه الفني والأدبي والفکري , وعبر قراءة هذا التراث قراءة ثانية تفجر المختلف داخل المؤتلف , وتقتلع الممکن من تحدي الکائن وتجاوز الجاهز, تبقي فقط ضرورة تحويل هذه الأشکال التراثية تحويلاً فنيا وتوظيفها توظيفا مسرحياً , وإلا ستظل أشکالاً عمياء صماء لا تمتلک إمکانية المسرحة".(21)

 إن هذا التحويل الفني والتوظيف المسرحي للتراث لا يمکن أن يتم کفعل مرور في المادة إلى الشکل إلا عبر طرح تساؤلات منهجية مثل : کيف نعالج المواد الأولية معالجة مسرحية احتفالية ؟ معالجة تحررنا من الماضي والغائب والوهمي لتفسح المجال أمام الحاضر والملموس والحقيقي؟ , کيف نحول الشفهي إلى مکتوب وذلک حتى يصبح اللا مسرح مسرحاً , وتتحول الحکاية إلى واقع حي؟

 عبر هذه التساؤلات المنهجية يرمي التنظير الاحتفالي إلى استلهام التراث وصولاً إلى إقرار صيغة مسرحية جديدة هي الصيغة الاحتفالية ذات التنظير لمسرح شعبي , لذلک ارتبطت التراثية بالشعبية في المنظور الاحتفالي , ومن ثم کان الاعتماد علي التراث أداة لمخاطبة الذاکرة الشعبية من خلال أشکال وطقوس شعبية لتشکيل المشروع المسرحي الاحتفالي .

 إن المسرح العربي قد مر بعدة مراحل أساسية سعي فيها إلى تحقيق هذا الإبداع الأصيل والمعاصر منذ مارون النقاش , وهذه المراحل هي :(22)

  • ·  أولاً: مرحلة البحث في المواد الخام العربية في التاريخ والأسطورة والحکايات والأمثال والأغاني والملاحم الشعبية.
  • ·  ثانياً: مرحلة دخول المسرح الأوروبي وتأثيره من خلال الترجمات والاقتباسات عن الغرب .
  • ·  ثالثاً: مرحلة البحث عن نظرية مسرحية بالعودة إلى أشکال التراث الأدبي والفنون الشعبية لاستحداث مسرح عربي الهوية .

 فالمسرح الاحتفالي يعمل علي استلهام التاريخ والتراث العربي, ويعتمد على الأشکال الشعبية والاحتفالية لما قبل مسرحية کالقراقوز واحتفالات الأسواق العربية , والراوي , والاحتفالات التمثيلية ذات الأصول التاريخية . " فالتراث في المنظور الاحتفالي هو ذاکرة الجماعات والمجتمعات والشعوب والأمم الحية , وفي هذه الذاکرة يخبئ الإنسان تجاربه دائماً ويخبئ حکمته وعبقريته ويخبئ علومه وفنونه , ويخبئ أحلامه وأوهامه وأساطيره ومعتقداته المختلفة ". (23)

 ومهما کانت الأسباب الکامنة وراء استلهام التراث , فإن إعادة قراءة التراث مسرحياً أثمرت بروز تجارب تعاملت معه باعتباره مکوناً يصلح للتوظيف الجمالي, بالنظر إلى حمولته الثقافية والفنية التي تنطوي عليها الرموز التراثية والحکايات الشعبية والمواقف التاريخية والعادات والتقاليد , وإعادة إنتاج هذا الکم التراثي إنتاجاً فنياً يؤسس جمالية مسرحية متميزة .

الاحتفالية جوهر النظرية المسرحية العربية

إن دعوة الاحتفاليين إلى اعتبار الاحتفال جوهر العرض المسرحي العربي , تعد من ناحية رغبة منهم إلى عودة هذا المسرح إلى ينابيعه الأولي عندما کان طقساً شعبياَ احتفالياً يعبر عن الميل الغريزي والاجتماعي لدي الإنسان للمحاکاة , من أجل التواصل مع الآخرين لتبادل المعرفة والخبرة الإنسانية کما في احتفالات بعث أوزوريس الفرعونية , وفي احتفالات الديثرامبية بالإله ديونيزوس في الإغريق وفي احتفالات الفينيقيين بذکرى الإله أدونيس, تلک الاحتفالات التي کان الجمهور فيها متفرجاً ومؤدياً في آن واحد .

 ومن ناحية أخري " تعد هذه الدعوة سيراً على هدي من شغلتهم قضية اعتقال العرض المسرحي لجمهوره في صالة العلبة الايطالية بعيداً عن المشارکة فيه, من أمثال جان جاک روسو الذي کان يطالب بالمشارکة الجماعية في الإبداع الجماعي للخروج من هذا الاعتقال, وأنتونان أرتو الذي نادي بمسرح يتخذ الاحتفال السحري بل والصوفي أساسا لعروضه , وجان فيلار الذي أخرج عروضه إلى الهواء الطلق , والفريد سيمون في کتابه العلامات والأحلام بحث في المسرح والاحتفال, والذي رأي أن المسرح من خلال رجوعه حفلاً يمکن أن يعثروا على دوره کوسيلة للتواصل بين الناس, وهي فکره کان يعتنقها العديد من المنظرين والمخرجين المسرحين أمثال أدولف أبيا وجوردون کريج وجاک کوبو , ومايرهولد وآخرين" .(24)

 إذن فالاحتفالية الجديدة " ليست نبته برانية أو لقيطاً لا أصل ولا فصل له , أو وهماً يبحث له عن مکان في فضاء الواقعي والحقيقي والأصيل , وإنما هي ثمرة شجرة معلومة أصلها ثابت الأشکال( ما قبل مسرحية ) وفروعها في السماء تؤتي أکلها منذ أن کانت وإلي أن تبقي حين ظهرت لأول مرة کاصطلاح في إحدى الندوات الهامة بمدينة الدار البيضاء" .(25)

 فالمسرح في المنظور الاحتفالي هو ظاهرة شعبية عامة , ولأنه کذلک فلا يمکن فصله عن الواقع اليومي لنجعل منه مجرد حلم أو وهم, والمهم في المسرح الاحتفالي هو تغير الإنسان وتحريره من ذاته أولاً, ثم مما يحيط به من مخلفات الماضي , ومتى أوجدنا الإنسان الجديد سهل علينا أيجاد الواقع الجديد, فالوظيفة الأساسية للمسرح الاحتفالي کما جاءت في بيانات الاحتفاليين هي تغير الإنسان , ففي الفقرة [27] من البيان الأول نجد نصا واضحاً بهذا المعني :

 " إن المهم هو تغير الإنسان , تحريره من ذاته أولاً , ثم مما يحيط به من مخلفات الماضي , وفي البيان الأول أيضاً يري الاحتفاليون أن التفسير ليس مهماً وأن الشيء المهم حقاً هو التغيير, ففي الفقرة[26]:

 " المهم ليس في التفسير ولکن التغيير " . (26)

 إلا أنهم يعيدون النظر في الأمر في البيان الثالث فيقولون إن : وظيفة المسرح الاحتفالي هي وظيفة ذات حدين متکاملين : التفسير والتغير, إن الفهم هو المنطلق , أنه المفتاح الأساسي لفتح کل مغلق لفک کل الرموز , وان الفهم الذي نقصده هو بالأساس فعل لا حالة ويتجسد هذا الفعل في إحداث انقلاب جذري في هندسة الواقع والتاريخ والإنسان .

يقول عبد الکريم برشيد في مقالة ( ألف باء الواقعية الاحتفالية في المسرح ) : (27)

"إن وظيفة المسرح الاحتفالي ليست في تفسير الواقع وإنما في تجاوزه وأن التغير لا يمکن أن يتم إلا عن طريق العقل الشاعر".

 والواقعية الاحتفالية تقوم لدي جماعة المسرح الاحتفالي علي" رصد الواقع لمعرفة قوانينه ومفاتيحه من أجل تغييره , ومن ثم يکون اللجوء إلى التاريخ روحاً وجوهراً وفلسفة , والى التراث کذاکرة للشعب ووليد شرعي لوجدانه طريق لمعرفة تلک القوانين التي تشکل فلسفة هذا الواقع .. ويتجاوز هذا المسرح الدرامي الأرسطي من حيث کونه مسرحاً ( يروي ) الفعل الإنساني إلى المسرح الاحتفالي الذي يعمل علي ( إحياء ) فعل ما يخلق مظاهرة آلية , مظاهرة تتم في حضور الجميع و( بمشارکة ) الجميع. (28)

 فجوهر الاحتفالية هي( المشارکة ) , فالاحتفالية " لا تقوم على أساس ثنائية : الممثل/ المخرج , بل تعتمد على ( المشارکة ) , فالإنسان في حالة المشارکة يرفع عنه الأقنعة التي يرتديها في الحياة اليومية وتظهر حقيقته وجوهره الذي طمسته روتينية الأيام , فالإنسان في حاله المشارکة يتحرر من المکان باعتباره مجرد أبعاد محددة وجامدة , کما يتحرر من الزمان , ومن شروط الاحتفال إلى جانب المشارکة : الجماعية والتلقائية والتحدي ( تحدي قوانين الطبيعة مثلما نرى في لاعبي السيرک الذين يروضون الوحوش ويسيرون على الحبال ) , والإدهاش ( وهو مرتبط إلى حد کبير بالتحدي , فحين نرى أحداً يکسر أو يتحدي ما هو مستقر لا بد أن نصاب بالدهشة ) , والشمولية وتعرية الواقع الاجتماعي. (29)

 إن الاحتفالية وقبل کل شيء هي رؤية للعالم , رؤية فکرية وجمالية وأخلاقية وعن هذه الرؤية الکلية , يمکن أن تتأسس- وقد تأسست بالفعل- رؤى واجتهادات في الفعل المسرحي فالاحتفالية " هي تأسيس ثان للمسرح , فالاحتفالية والتأسيس کلمتان لا تنفصلان, فنحن نعرف أن التأسيس عربياً له بدايتان : الأولي في القرن قبل الماضي وقد تمت مع مارون النقاش والقباني ويعقوب صنوع , أما الثانية فتتم الآن على يد جماعة المسرح الاحتفالي وبهذا أمکن – وفق رأي عبد الکريم برشيد- أن نقول عن هذا الفعل الجديد بأنه إعادة لفعل التأسيس الأول أنه تأسيس آخر له اختياراته وأسسه المنهجية ". (30)

 ويري عبد الکريم برشيد أن المسرح الاحتفالي قد مر بعدة مراحل أساسية سعي فيها إلى تحقيق هذا الإبداع الأصيل والمعاصر منذ مارون النقاش, ويلخص هذه المراحل في ثلاث : (31)

  • ·  أولا: مرحلة البحث في المصادر.. المواد الخام مثل القرآن الکريم, کما عالج توفيق الحکيم مسرحيته أهل الکهف من المصادر القرآنية , ثم المصدر الفرعوني من حيث توظيف هذا المصدر الأسطوري مسرحياً کما في مسرحية أخناتون لعلى أحمد باکثير, أو من حيث انعکاس الرموز الأسطورية علي المسرح المعاصر مثل أنت اللي قتلت الوحش لعلي سالم , ويعتبر برشيد أن المصادر الفرعونية هي أحد مصادر الاحتفالية , وبينما يعتبر هذا تخليصاً للمسرح العربي من التيارات الأوروبية .
  • ·  ثانياً: مرحلة البحث عن شکل مسرحي , وهي مرحله يبدأ فيها البحث عن شکل مسرحي من خلال محاورة المدارس الغربية المعاصرة وهي اتجاهات تنطلق من التجريب .
  • ·  ثالثاً: مرحلة البحث عن نظرية المسرح الاحتفالي , وقد ظهر التنظير الاحتفالي للاحتفالية عام 1976, وهو العام الذي ظهر فيه البيان الأول للمسرح الاحتفالي في البحث عن هوية
    للمسرح العربي.

 إذن فالاحتفالية ( تيار فني قائم علي أساس فلسفة معينة وعلى أساس نظرية جمالية ) والاحتفال لغة تعبر بها الحياة عن کينونتها , فالاحتفال هو التعبير عن مظاهر الحياة المختلفة من فرح وألم وعذاب وحرمان من لغة شاملة وهي لغة الرقص والغناء والتعبير الجسدي والإيماء والإشارة وغير ذلک من وسائل التعبير.

 إن العلاقة بين المسرح والفلسفة کما تري جماعة المسرح الاحتفالي علاقة وطيدة , فلا يمکن أن تؤسس مسرحاً في غياب فلسفة ترى علي ضوئها الناس والتاريخ والأخلاق والفن والسياسة , ولا يمکن أن تبدع فناً جديداً في غياب فلسفة جمال تحدد من خلالها رؤيتک لماهية الفن والمسرح .(32)

 فالاحتفالية عند جماعة المسرح الاحتفالي ليست مجرد شکل مسرحي قائم علي أسس وتقنيات فنية مغايرة , بل هي بالأساس فلسفة تحمل تصورا جديداً للوجود والإنسان والتاريخ
والفن والأدب والسياسة , ومن ثم يستهدف المسرح الاحتفالي أثارة الأسئلة الأساسية أکثر من
الإجابة عليها.

 ويتحرک المسرح الاحتفالي لإحداث ثورة في الذوق العربي المستلب أکثر منه استخدام ألاعيب تکنيکية مستحدثة أو متطورة تأليفاً وإخراجا , ولا يهبط إلى الذوق الشعبي المستلب, هذا بهدف ترضية بشتى المغريات کالفکاهة والجنس والتناول السطحي للقضايا وفقاً لمنطلق (الجمهور عاوز کده ) الشهير, وأيضاً دون الاستعلاء علي هذا الذوق الشعبي باسم (الطبيعية) و (التجريبية) التجريدية.(33)

 إن الاحتفالية تؤسس ذاتها – نظرياً- بالبيانات, وتؤسس وجودها- إبداعياً – بالاحتفالات المسرحية وفي هذه الإبداعات تلتقي الکتابات الدرامية والکتابات المشهدية , فالبيانات الاحتفالية تبني خطابها التنظيري علي ثلاثة أسئلة کبري هي :

1- أي مسرح تريد الاحتفالية ؟

2- أي مسرح تعني ؟

3- کيف تري تغيير المسرح العربي ضمن إنتاج سياق جذري وشامل للحياة العربية في شتي وجودها ومظاهرها ؟

 فالمسرح الاحتفالي يقوم علي الأبعاد الثلاثة ( هنا والآن ونحن ) وتشکل هذه الأبعاد موقفاً فکرياً من الزمن وفعله في التغير, وتقوم الاحتفالية على التجدد الذي لا يتوقف والاکتشاف ومحاولة کسر الحواجز الجمالية بين الجمهور والممثلين.

المرتکزات الأدبية للمسرح الاحتفالي

 إن الکاتب والمؤلف للمسرح الاحتفالي يضع نصب عينه مجموعة من المبادئ الأساسية في أثناء شروعه في الکتابة المسرحية, فالمؤلف يدرک أن " التلقي نشاط اجتماعي يخضع لآليات المجتمع ومؤسساته المختلفة , کما يخضع لتراث وثقافة الجماعات الاجتماعية المختلفة داخل المجتمع , وأنه يکتب من أجل قارئ ما , هذا القارئ يقوم بدور رئيسي في تشکيل النص أثناء الکتابة وأن القارئ هو المسئول عن ترکيب العمل وإنتاج دلالته , فالمعني ليس کامنا في النص وإنما يقدم النص شبکة من العلاقات , والقارئ هو الذي يختار الشبکة التي تتضح له , وليس بالضرورة أن تکون هي الشبکة الوحيدة في النص , کما أن القارئ موجود خارج النص وداخله أيضاً ".(34)

 لقد فرضت نظريات الاستقبال أو القراءة أو جماليات التلقي , وکلها أسماء لنوع واحد من الدراسات النظرية التي يجلس صاحبها في مقاعد المتفرجين , فرًقت بين القارئ الحقيقي والقارئ الضمني , کما أنها کشفت عن دور القارئ في تشکيل النص المسرحي " کما ترمي إلي استجلاء کل العناصر البنائية والتکوينية للمسرح الاحتفالي نصاُ وعرضاً والتي نجدها في مجموعة الأسس الفکرية والإيديولوجية والفنية والجمالية مثل التحدي والإدهاش والتجاوز والشمولية
والتجريبية والتراث والشعبية , والإنسانية , والتلقائية والمشارکة , والواقع والحقيقة والنص واللغة الإنسانية ". (35)

 إن المبدع في الاحتفالية لا يقف في منتجه الفني عند حدود الواقع السطحي بل يعمل علي سبل أغواره ليکشف جوهرة الحقيقي , ذلک الجوهر المتعلق بالخير والجمال والعدل , والذي طمسته بعض مظاهر الواقع المزيف مثل الظلم والاستغلال وضياع العدل, ولما کان الواقع في عرف الاحتفاليين غير ثابت ودائم التغير, فإن محاکاة الواقع لا تعني النقل الفوتوغرافي للحظة ثابتة في الحياة , بل أن المحاکاة الفنية لديهم تعني مبدأ الخلق في الطبيعة وليس تکراراً لما تخلفه الطبيعة من مظاهر متغيرة . ولذلک فالمبدع الاحتفالي لا يطابق بين الحياة والفن تحت مفهوم المرآوية ولا ينقل الأحداث التاريخية نقلاً حرفياً لأن ذلک دور المؤرخ الذي يهتم بما وقع ". (36)

 لکن کيف يکون الکاتب الاحتفالي مؤرخاً حقيقياً للحياة بکل أبعادها : الظاهر والخفي والنفسي والاجتماعي .. الواقع والحقيقي , أي أن يرصد المتغيرات في السطح والعمق وان ينفذ إلى الواقع التاريخي ليعطينا وجهي هذا الواقع وذلک حتى نلمس ونحس المحرک والمتحرک .

 إن الکتابة في الواقع عن الواقع تتطلب بما هو جوهري وحقيقي في هذا الواقع " فالکتابة الاحتفالية تنطلق من (الآن), ولکن هذا (الآن) لا يستبعد ما هو غائب- زمنياً أو مکانياً – لأن الأساس هو أن يکون هذا ( الآن ) هو الملتقي , ملتقي الحاضر والغائب والآني والأبدي والمادي والمعنوي , الواقعي والحلمي – الحقيقي والوهمي – الظاهر والخفي , السطح والغور, ومن غير هذا تصبح الکتابة سطحية , أي أنها ترصد المتغير من غير التفات للثابت .(37)

 والنص المسرحي الاحتفالي يشير إلى تعدد مؤلفيه (المؤلف – الممثل – الجمهور) حال کونه احتفالاً مسرحياً, فالنص عند جماعة المسرح الاحتفالي مشروع أو( اسکريبت ) لمسرحية أو عدة مسرحيات تتمطط أو تتقلص , حسب ظرف الحفل وزمنه ومکانه والحالة المزاجية للمشارکين فيه ودرجة وفاعلية الارتجال داخله, على أن يتحقق للفعل آنيته وحيويته وانتسابه للناس وقضاياهم الحية, ومن ثم يتحتم تقسيم النص بعيداَ عن التقسيم التقليدي له في فصول ومشاهد أو لوحات, إلي تقسيمه في (أنفاس), مما يضفي عليه سمات کائن حي يتنفس ويتردد أنفاسه مع أنفاس الجمهور.

 کما توصي جماعة المسرح الاحتفالي بأن لا تعتمد المسرحية علي حکاية لها بداية ووسط ونهاية کما توصي بألا تنتهي المسرحية بما يرضى الذوق السائد بالحل السعيد , فلا حل ولانهاية في المسرح الاحتفالي , کما تجمع المسرحية الاحتفالية بين الکوميديا والتراجيديا لأن التعبير في المسرحية بالکوميديا فقط أو المأساة فقط يعد تزييفاً للحقيقة لأنه يسجن المتفرج في حالة واحدة, فالوجود الإنساني يتميز بالتعدد والتباين والتداخل بين مستوياته المختلفة التي تعبر عن تناقضات الواقع السعيد منه أو التعس.(38)

 کما يختلف الاحتفاليون مع( أرسطو) الذي يعتبر أن أهم ما في التأليف المسرحي کله هو بناء الأحداث ويتفقون مع ( لايوش اجري ) في أن الشخصية أهم العوامل في أي نمط من أنماط الکتابة مهما کان نوعها , ولذ يرکز المبدع الاحتفالي على بناء الشخصية الإنسانية قبل أن يبنى الحدث , ولذا نجد أن جماعة المسرح الاحتفالي قد سموا العديد من مسرحياتهم بأسماء شخصيات لها وجود في الواقع والتاريخ والأسطورة مثل ابن الرومي , الحراز, سيدي عبد الرحمن المجذوب , قراقوش الکبير, امرؤ القيس , أبو حيان التوحيدي , هرما , السندباد الحمال , و المتنبي ... وغيرهم.

 کما يري الاحتفاليون أن التمثيل هو أساس الظاهرة المسرحية , وأن النص المسرحي هو بالتأکيد ليس مسرحية وإنما هو مشروع مسرحية أو مسرحيات متعددة , وبهذا فإن المسرحية ليست هي النص ولکن ما يمکن أن يصير إليه هذا النص . فالبذرة بالأساس هي مشروع سنابل, وللوصول إلى هذه الصورة فلا بد من المرور من فعل أو أفعال متعددة هي الزرع والسقي والرعاية , فالمسرح عمل ترکيب أساسه النص الأدبي. فالنص بداية للفعل المسرحي وليس نهايته , ويبني النص في المسرح الاحتفالي على أساس أنه فعل حي , وأنه کائن حي له قلب وکبد ورئتان وجوارح , فلا يستجيب أبداً لما يسمي التقطيع التقني, فإن أي بتر لأي جزء منه مهما کان بسيطاً هو في حقيقته قتل لهذا النص کله , فالموتى فقط هم وحدهم من يدخلون غرفه التشريح, أما النص الأدبي فلا يمکن أن تکون حياته إلا في سلامته العضوية.(39)

 فالأساس في المسرح الاحتفالي ليس هو النص في ذاته ولذاته ولکن في الموقف منه , هذا الموقف الذي يفجر الحياة الکامنة في النص ويعطيه المعاصرة .

 ويدًعوا جماعه المسرح الاحتفالي أن البناء الدرامي للمسرحية وأن الحديث عن المسرحية من الداخل أي کمجموعة بنيات تکوًن فيما بينها بناء واحد , وأن هذه البنيات لا يمکن أن نرده - کما في المسرح التقليدي- إلي مجرد حکاية تروي , فلا يمکن أن نختصره داخل مکان واحد بدعوى وحدة المکان ومماثلة الواقع , کما لا يعقل أن يکون موضوعاً واحداً مستقلاً بذاته ومنفصلاً عما سواه من المواضيع الأخرى , کما أنه لا يمکن أن يکون زمناً واحداً هو نفس الزمن / الواقع لأن الزمان الاحتفالي کالمکان الاحتفالي ملتحم بالحالة أکثر من التحامه بالساعة , والحالة لها امتداد إلي الداخل وآخر إلى الخارج کما أن وقوع الحدث الواحد في الزمن الواحد شيء لا وجود له , فالمسرحية عالم فسيح رحب وداخل هذا العالم تتعدد الأحداث بتعدد الزمان وتتعدد الأزمان بتعدد الشخصيات وحالاتها المختلفة کما أن الفصل بين اليقظة والحلم – کما في المسرح الکلاسيکي- تعسف على الحقيقة , ولهذا ينتفي في المسرحية الاحتفالية کل تميز بين الحلم واليقظة , بين الواقع والتخيل, بين الحقيقي والوهمي , کما أن الحدث لا يسير داخل خط مستقيم , فهو لا ينطلق من نقطة ليصل إلى أخرى , ولا يصعد من تحت إلى أعلي نحو التأزم والانفراج, إنه خطوط غير متوازية تتداخل فيما بينها متبادلة التأثر والتأثير, هذه الخطوط عبارة عن دوائر صغري وهي دوائر غير مقفلة لأنها تستمر في حرکتها راسمه بذلک دوائر أخرى أکبر من الأول, الشيء الذي يجعلها تشکل خطوطاً حلزونية هي الخطوط الحقيقية للشخصيات داخل المسرحية والحياة معاً.

 کما أنه لا وجود للبداية في المسرحية الاحتفالية, لأن الذي يمکن أن يکون له بداية ونهاية هو دخولنا المسرح وخروجنا منه, أما المسرحية الحياة فتستمر من حضورنا وغيابنا, وبهذا کان لابد للستار أن يختفي لأنه يعين بدءاً وختاماً وهمين, وهو بهذا يعزل المسرحية / الاحتفال عنا ويحولها إلى مجرد فرجه.

 أيضاً فالحدث في المسرح الاحتفالي ليس رواية أو قصة أو حکاية , ومن هنا وجب غياب الراوي - في شکله التقليدي – فالحفل لا يحيل إلى حياة أخري ولا إلى مکان آخر ولا إلى زمان آخر, ففي المسرح الاحتفالي لا وجود إلا لزمن واحد هو( الآن) فما نعيشه مسرحياً( الآن) يقع الآن فهي ليست رواية نرويها ولا حکاية نحکيها وليس نصاً کتبه مؤلف , فلا وجود إلا لهذا (الآن) المتجدد باستمرار, ولا مکان إلا هذا الفضاء المسرحي السحري , هذا الفضاء الذي يمتلک سلطة کل الأزمنة موجودة في (الآن) وکل الأمکنة مختصرة في (الآن) .(40)

 فالزمان والمکان في المسرح الاحتفالي يتسم بالآنية, ويعني تحرر الإنسان من الزمان والمکان, فهناک زمن لدي الاحتفاليين يسمونه الزمن الاحتفالي, وهذا الزمن ليس فيه التقسيمات الزمنية المعروفة (ماضي/ حاضر/مستقبل) إنه زمن غير آلي زمن حي, يعتمد على المصادفة والمفاجأة حتى لا يخضع لحتمية توصل لنهاية محددة تتسم بالسعادة أو الحزن, فالمسرح الاحتفالي يلتزم رمزية معينة تعتمد على ضغط الزمن المترامي الأطراف داخل فسحة زمنية وعلي تقليل المسافات المکانية داخل حيز مکاني ضيق.(41)

 وبناء عليه ... فالمسرح يوجد في النص ويوجد به , منه يبدأ واليه ينتهي. ولکي نضمن للنص المسرحي هذه الفاعلية لابد وان يکون حيوياً ومتجدداً باستمرار, فالنص المسرحي الاحتفالي ينتقل من وظيفة النص المسرحي التقليدي (ممارسة اللغة المحنطة) إلى الوظيفة الحداثية (ممارسة اللغة الحيوية) .

 ولهذا تساءلت الاحتفالية وتتساءل بإصرار عن مصادر اللغة المسرحية : من أين أتتنا؟ وکيف أتتنا؟ ومتى عرفناها أو عرفتنا؟ کيف وظفناها ونوظفها؟ وقبل هذا وذاک هل استطعنا خلق لغة مسرحية تشبهنا ؟ فاللغة الإبداعية تخلقها الحاجة الفنية والجمالية ولا تستورد کما تستورد البضائع , إنها إفراز اجتماعي نابع من صلب التربة , ومن هذا المنطلق ترى الاحتفالية أن النصوص الدرامية التي نسجت علي منوال ومقياس غربي لا تنتمي إلى روح المسرح العربي وبالتالي لا تعبر عن أحلام وطموحات وواقع الإنسان العربي . الاحتفالية لا تعتبر إلا النص الحقيقي الأصيل الذي ليس مجرد جمع شتات نصوص أخري مجتثه من ثقافات أخري وبيئة أخري ومنتجين آخرين.(42)

 فاللغة في النصوص الاحتفالية لا تعتمد على الکلمات , بل تعتمد علي جميع مفردات العرض المسرحي , بحيث تصبح الاحتفالية کلها لغة , فالاحتفال بالأساس لغة , لغة أوسع وأشمل وأعمق من لغة اللفظ ( الشعر / القصة ) ومن لغة اللحن ( الغناء الموسيقي ) ولغة الإشارات والحرکات ( الإيماءة ), وهي لغة جماعية تقوم على المشارکة الوجدانية الفعلية .

 کما أن اللغة في المسرح الاحتفالي ليست طبقية , إلا إذا کانت الطبقة تحمل مدلولاً معنوياً , وليست مادياً , کما أنها ليست ظرفية لأنها ترصد ما هو حقيقي , فهي متجذرة في لحمة الزمن وفي نسيجه , ويبقي أن هذه اللغة أيضاً غير إقليمية ولا بشرية لأنها ارتباط بالحياة المتجسدة في البشر والطير والحيوانات والحشرات , وبذلک فقد يحدث أن تتکلم الطيور في المسرح الاحتفالي , کما تتکلم الحيوانات والحشرات والأشياء تماماً کما يحدث في الأساطير والحکايات حيث کل حي يتکلم وينطق. (43)

المرتکزات السينوجرافيا وتقنيات الصورة البصرية للمسرح الاحتفالي

 إن المسرح الاحتفالي باعتباره تمرداً على القواعد التقليدية وزلزلة فروع المسرح الأرسطي. ولا يتمثل تأثير هذه الخطوات في تکوين المسرحية کنص فقط .. وإنما في الإخراج والتمثيل وفن الفرجة أيضاً من حيث الترکيبة والمونتاجية والاعتماد على العقل والسببية , وهذا التمرد الاحتفالي ليس وجوداً فضائياً وإنما يرتبط في جذوره بأصوله الغربية والعربية .

 ولقد حاول التيار التأسيسي الاحتفالي أن يعيد تأسيس کل مفردات وکل مکونات الفعل المسرحي , کما حاول أن يمس الاجتهاد الفکري الجمالي لهذا التيار کل العناصر المکونة للفعل المسرحي والتي يتمثل أساساً في : (44)

- في الکتابة الدرامية .

- في الإخراج المسرحي , باعتباره کتابه أخري , وذلک بلغات وأبجديات ومفردات أخري .

- في التمثيل , وذلک باعتبار أنه يجسد ويشخص فعل الاحتفال , والذي يحي اللحظة العيدية ويخرجها من حال التجريد إلى التجسيد .

- في الأزياء , وذلک باعتبار أن هذه الأزياء عنوان على الشخصية وأنها عنوان على الحالة الوجدانية أيضاً , وأنها عنوان على النفسيات والذهنيات .

- في الإضاءة , وذلک باعتبار وظيفتها في الکشف عن الأجساد وعن الأشياء وعن الحرکات وعن الألوان , وأيضاً باعتبار جماليتها التي تعطي للعيد والاحتفال معناه الحق , وهل هناک احتفال حقيقي دون شموع ولا قناديل ولا مصابيح مضاءة ؟

- في الأقنعة , وذلک باعتبار أن هذه الأقنعة التي نختارها قد تُظهر مالا تقدر الوجوه
علي إظهاره .

- وأيضاً في الإکسسوارات وفي المعمار المسرحي وفي الاحتفال وفي الجمهور والتلاقي وفي الاستراحة المسرحية وفي النشوء إلى الارتقاء في الفضاء المسرحي کذلک .

 ويتصدر الفضاء المسرحي قمة هذه العناصر, وتعود هذه الصدارة إلي ثوريته باعتبار أن الاحتفالية جاءت ثورة علي الخشبة الايطالية المعلبة , ومن البديهي أن يحتل الفضاء المسرحي هذه المکانة لأنه قبل تحديد العناصر الأخرى التي تشغل الفضاء وتملؤه وتحدد معالمه. لابد من تناول الوعاء أو الإطار الذي يحوي هذه العناصر وينظم علاقاتها المتنوعة والمختلفة , وقد سعي الاحتفاليون في تأصيل الفضاء المسرحي , والانتقال من الخشبة المستطيلة إلى فضاء مفتوح رحب شاسع , حتى تستجيب للرؤية الاحتفالية والمنظور الاحتفالي .

 " فأطروحات التنظير الاحتفالية ترفض خشبه المسرح الإيطالية , والتي تفصل بين أفراد الحضور في منصة تمثيل وآخرين في صالة العرض , باحثة عن مساحة تجمع المحتفلين مؤدين ومتلقين في مکان واحد بلا حدود فاصلة , وقد اختلف التوجه نحو رفض العلبة الإيطالية إلى أسباب فنية وأخرى فکرية , فمن الناحية الفنية حتى تقترب مساحة الحضور مما کان في فنون فرجتنا الشعبية حيث لا فاصل بين أفراد الحضور, فالکل يشارک في اللعبة وإن تفاوتت الدرجة في صالح الممثلين. ومن الناحية الفکرية فإن خشبه المسرح الايطالي تقوم علي الإيهام المسرحي الذي يقيد المبدع والمتلقي ويجعل الأول عارضاً والثاني مستهلکا غير فاعل في العملية المسرحية , ويصبح العرض فرجة معتمدة على الخداع الذي يخاطب الحس وليس العقل. (45)

 والبعد عن شکل العلبة الإيطالية , يحدث المشارکة الواعية لکل أفراد الحفل انطلاقاً من أن المسرح تظاهرة شعبية عامه وأن تحقيق هذه التظاهرة الشعبية لا يتأتى إلا من خلال الحوار الديمقراطي بين کل أفراد الحضور للخروج من استلاب السلطة للمتفرج , ومن استلاب المؤسسات المسرحية التي تلعب علي الغرائز الدنيا في الإنسان وتقدم له المسرح کسلعة استهلاکية .

 وإذا کان الفراغ المسرحي في دعوات التنظير الاحتفالي هو أي مساحة حضور يلتقي فيها الجمهور بالمؤدين , فهذا لا يعني عدم وجود خشبة مسرح مرتفعة وثابتة عن مکان الجمهور من أجل الرؤية الجيدة , بل تطالب جماعة المسرح الاحتفالي بتعدد منصات التمثيل في مساحة الحضور الواحدة , انطلاقاً من طبيعة اللقاءات والتجمعات العربية في الأسواق والجوامع وأماکن العلم , فقديماً کان يقوم نظام التعليم علي تعدد الحلقات بجوار أعمدة الجوامع حيث ينتقل الطالب في حرية بين هذه الحلقات ليختار ما شاء منها لتلقي العلم في رحاب أساتذتها , وبالمثل فإن الفرجة في الأسواق والساحات العامة لا تنحصر في إطار مکان واحد .

 أما بالنسبة للديکور, فإن الاحتفالية تتجه نحو کسر الإيهام عبر الوحدات الديکورية المحددة للمنظر, فهي ترفض البناء الواقعي للديکور في کل مفرداته سواء علي مستوي الشکل الطبيعي أو في اللون الطبيعي أو القياسات الطبيعية , وعوضاً عن ذلک يستخدمون مجموعة من المکعبات الهندسية في أشکال وأحجام مختلفة لترکيبها في بنيات مختلفة , تحقق الحالة المسرحية المطلوبة في لحظة درامية ما . فالديکور لا يتميز ببناء واقعي ثابت , فهو دائماً في حالة دينامية , فالمسرح الاحتفالي مسرح مفتوح بلا ستائر ولا حواجز وکل شيء يرکب فيه أمام الجمهور وبمشارکته والاقتصاد في المناظر بل قد يصل لدرجة الاستغناء عنها .

إن الديکور في المنظور الاحتفالي يقوم علي الأسس الأولية التالية : (46)

  • ·  إنه لا شيء في المسرح يمکن أن يکون خارج المسرح , فالکواليس- کعالم ميتافيزيقي ماورائي- لا وجود له , فلا وجود إلا لما نري ونحس ونلمس ونسمع , فالازدواجية التقليدية بين الظاهر والخفي تصبح وحدة واحدة متکاملة اسمها المسرح کعالم واحد له مستويات متعددة متداخلة ومتکاملة فيما بينها .
  • ·  إن الممثل في المسرح الاحتفالي وجدان وفکر وعضلات , لهذا وجب إحداث تغيرات أساسية في العلاقة بين الممثل والديکور, ويؤدي کل منهما دور مميزاً , الديکور يعني شيئاً أو أشياء والممثل يعبر عن إحساس وقضايا .
  • ·  إن تجديد الاحتفال کحدث متغير يدور حول محور ثابت يتطلب بالتأکيد تجديد الأدوات والملحقات المرتبطة بهذا الحدث ومن بين هذه الملحقات نجد الديکور والملابس والإضاءة .
  • ·  إن أجواء المسرح الاحتفالي التي ليست طبيعية , القائم على المزج بين الواقع والحلم وإغراق الحقيقي في الأسطوري هذه الأجواء لابد أن تعرض في ديکور غير طبيعي , وذلک حتى يتم التوافق والتجانس بين الفضاء العام لهذا الواقع المسرحي , والوحدات الأساسية التي
    تکونه وتشکله .
  • ·  العمل علي تحرير العين من کل ما هو عادي ومألوف , فالعين لا ترى إلا ما کان مثيراً ومدهشاً وجديداً , لهذا فإن الطريق إلى الإدهاش لا يمکن أن يمر إلا من خلال التمرد علي الشکل واللون والحجم والقياسات الطبيعية للديکور , الشيء الذي يجعل الجمهور عند رؤية الديکور لا يري العالم ولکنة يعيد اکتشاف هذا العالم من جديد .

 أما بالنسبة للإضاءة المسرحية لدي جماعة المسرح الاحتفالي , فإنه إذا استخدمت الألوان في الإضاءة فليس بقصد رمزي ولکن من أجل تعميق الإحساس بجو الاحتفالات الشعبية وطقوسها ومناخها ويجمعوا علي ألا يکون هناک تعتيم دائم في الصالة , وألا تحصر الإضاءة مکان التمثيل بالعزلة عن المحيط وتنفيذ الإضاءة يکون مکشوفاً أمام المتفرج .

 " فکل شيء کان يتم في الخفاء , وکل شيء في الاحتفالية ظاهراً متجلياً فالاحتفالية لا تؤکد علي الإثارة بقدر ما تؤکد علي الفعل , هذا الفعل الذي تجعله مکشوفاً ظاهراً . الشيء الذي يجعل المسرحية تتخلي عن طابعها السحري لتصبح فعلاً مرکبا يساهم فيه عمال عديدون - فالإضاءة المسرحية – في الاحتفالية لا تنحصر في الصندوق السحري إنما تتوزع علي حلقات الحدث الموزعة في جسم المسرح .

 إن الظلام في الصالة لا يکون متصلاً , لأن استمرار الظلام قد يعطي الرغبة في النوم , لذلک کان لابد من إضاءة الصالة بين لحظة وأخري , کما أنه ليس من المهم أن تکون الإضاءة حمراء أو صفراء أو خضراء ولکن المهم هو أن تشعرنا بالبرودة أو الحرارة وبالفتور أو الدفيء. (47)

 أما بالنسبة للملابس والإکسسوار والماکياج , فجماعة المسرح الاحتفالي تسعي إلي تحقيق الفرجة اليقظة عبر الملابس , وتعمل علي تطويرها , فإذا کان المسرح التقليدي يؤکد علي اللباس کشيء ملتصق بالشخصية , لدرجة أن الرداء يصبح عنوانا لها ومؤشراً أساسياً علي مرکزها الاجتماعي أو الديني أو المهني , فإن الاحتفالية تعمل علي تحقيقا للفرجة اليقظة أن يظهر ممثلوها وملابسهم کحقيقيين منفصلين عن بعضهما , وذلک بأن تظهر عملية ارتداء الممثل لثوبه أمام المتفرج علي أن يتوافر السمات الآتية في الملابس :

  • ·  الاقتصاد في الملابس إلى الحد الذي تصبح فيه خوذات أو عمائم أو أشياء بسيطة تضاف إلى اللباس لتوحي بتغير الدور.
  • ·  أن تکون الملابس ظاهرة وباطنة حتى إذا انقلبت الشخصية انقلب اللباس والعکس.
  • ·  الابتعاد عن الرمزية المبتذلة لأن الأساس في اللباس هو أن يوحي ليس أن يصور أو يرمز
    وبذلک لا مجال أن يکون ثوب الجلاد أحمر, لأن الدم في الواقع المسرحي ليس ضرورياً أن يکون
    أحمر. (48)

 أما الإکسسوارات , فإن الاتفاق بين جميع المنظرين علي الاقتصاد فيها وتعدد الدور الوظيفي الذي يمکن أن تلعبه وحدة واحدة منها, حتى تقترب من تقنيات الراوي الشعبي , عندما يستخدم عصاه أو قوسه ليکون تارة رمحاً وتارة أخري سيفاً أو قوساً أو غلاماً أو امرأة يحدثها ذلک الدور الوظيفي وتعدده يعتمد علي مخيلة الممثل والمتفرج , حيث يمنح الأول تصوره للدور الوظيفي لوحدة الإکسسوار فيستجيب له الثاني مکملاً إياه عبر خياله أو مقنعاً بما منحه الممثل لوحدة للإکسسوار من دور.

 فالشيء الأساسي في المسرح الاحتفالي ليس هو الإکسسوار في ذاته لأن حقيقة الشيء وظيفته , وبهذا کان لابد من الاعتماد علي الإکسسوار الخام , أي علي الشيء الذي يمکن أن يعطي کل شيء ويتحول إلى ما يريده الممثل ويقتضيه الموقف وتبقي أن حقيقة الأشياء النهائية
متوقفة علي شيئين: قدرة الممثل علي الإقناع, وقابلية الجمهور – بما يمتلکه من خيال – علي الإقناع الواعي. (49)

 أما الماکياج , فإن جماعة المسرح الاحتفالي لا تفضل استخدام الماکياج الصناعي الذي يوهم بواقعية الشخصية السنية أو الجنسية وتفضل ما تسمية (الماکياج الداخلي) الذي ينعکس علي وجه الممثل ونبرات صوته أو حرکاته أو إشاراته نتيجة لتطور الحالة النفسية للشخصية الدرامية في مواقفها المختلفة .

 وإذا کان الاحتفاليون قد تحفظوا علي استعمال الماکياج الصناعي من أجل الماکياج الداخلي الذي ينعکس علي وجه الممثل حسب حالات الشخصية الدرامية , فإن في رأيهم هذا مقاربة مع رأي (جروتوفسکي) الذي يرفض استعمال الماکياج الصناعي لأنه کي يحصل الممثل علي تقمص مسرحي أخاذ عليه أن يحقق ماکياج الشخصية عبر عضلات وجهه ودوافعه الباطنية. (50)

 ثم يستدرک الاحتفاليون موقفهم من الماکياج الصناعي والظاهري ويبيحونه فقط في حالة التزين ولتدل به علي الزيف وعلي أن الأصباغ أصباغ فقط ومن ثم يتم فعل التزين, يقول الاحتفاليون في البيان الثاني:

" الماکياج قد يکون له دور تزيين , کما قد يکون له دور تعبيري أيضاً , والمسرح الاحتفالي لا يُزين , لأنه لا يسعي للتمويه علي الجمهور, ولکنة بالعکس يکشف لهذا الجمهور عن کل مظاهر الزيف , لهذا فإن استخدام المکياج في بعده التزيني کان لابد أن يظهر جانب الصورة ما قبل الماکياج وما بعده , وحتى يکون کشفاً وليس إخفاء للحقيقة , فقد وجب الترکيز ليس علي الزينة ولکن علي فعل التزين وعلبة الماکياج نفسها أمام المتفرج . أما المکياج في جانبه التعبيري فشيء ضروري أيضاً ولکن بشرط ألا يکون بديلاً عن المکياج الداخلي , لهذا کان المکياج الداخلي هو الأول, أي أن تکوين الإحساس داخلياً يسبق تلوين الوجه وعندما يکتسب هذا الداخل ألوانا معينة ويتشبع بها فإن هذه الألوان لابد أن تنعکس ليس علي الوجه فقط ولکن علي کل الجوارح .(51)

 بهذا يمکن القول إن الاحتفالية تأخذ نوعي المکياج الداخلي والخارجي معاً , مع إعطاء الأهمية للأول لتدل به علي الصدق , أي إلى التوافق بين الإحساس والتعبير , وتستخدم الثاني لتدل علي الزيف وعلي أن الأصباغ أصباغ فقط .

 أما بالنسبة للإخراج المسرحي, فترى جماعة المسرح الاحتفالي أنه کما أن التمثيل يقتل التمثيل باعتباره فعل شرطه التحرر والانطلاق والصدق والبساطة , فإن الإخراج أيضا من الممکن أن يقتل الإخراج, خصوصاً إذ لم يکن هذا الإخراج , شفافاً بالقدر الذي يظهره ويخفيه في نفس الوقت , يظهره کفعل ونبض وأنفاس ويخفيه کتقنيات جامدة وآليات وتعليمات خاصة .

 فلا مکان في المسرح الاحتفالي إلا للممثل , أما المؤلف والمخرج فلا وجود لهما إلا خارج الفعل المسرحي , إن اللباس الذي نرتديه هو فعلاً من صناعة الخياط , ولکن لا أحد يلبس الخياط حين يلبس الثوب , فعل الخياط – مثل عمل المؤلف والمخرج يبتدئ وينتهي قبل بدء الحفل
وليس أثناءه .

 حقاً إن المخرج هو في الخلق المسرحي هو الصانع الثاني , ولکن ليس شرطاً أن کل ما هو أساس لابد أن يظهر, إن الدم في العروق وهو يعطي النبض والحياة والانطلاق ولکنه مع ذلک لا يظهر نسمع دقات القلب ولا نراه وإذا حدث أن خرج من دائرة الکمون إلى دائرة الظهور فإن ذلک مؤشر سيئ , فيما يهم إذن هو أن ترى الحرکة , ووجود الحرکة دليل حسي علي وجود المحرک .(52)

الممثل الاحتفالي والاندماج المنفصل

 ويحتل التمثيل أهم موقع في المسرح الاحتفالي , لذلک کان حظه وافرا من اهتمام الاحتفاليين وقد ناقشوا في بياناتهم مسألة الاندماج بالتحديد مناقشة مستفيضة , ورفضوا الاندماج طبقاً لمفهوم ستانسلافسکي لأنه اندماج يذيب الشخصية في شخصية الدور الذي يؤديه , ورفضوا طريقة الأداء البريختية لأن الممثل فيها لا يعيش الأحداث بل يرويها , وتوصلوا إلى مفهوم جديد للاندماج وهو أن التمثيل الاحتفالي يقوم علي الاندماج أي علي تحقيق الوحدة مع الدور والشخصية والجمهور, وفي ضوء هذا تتم عملية الاندماج أمام الجمهور لأن الدور مثله مثل اللباس يمکن أن يلبس أمام الجميع .

 والذاکرة في المسرح الاحتفالي ليست عماد الممثل , فمن الممکن أن ينسي الممثل , أو يضيف من عنده , ولابد أن يتحلي الممثل بحضور البديهة حتى يکون فعالاً في تحقيق المشارکة .

 فالممثل في المسرح الاحتفالي شريک المؤلف والمخرج في الإبداع,ولذلک فإن الفرصة متاحة له لفعل ما يراه قادراً علي تحقيق التواصل الحي مع جمهوره,أما التمثيل طبقاً لـ(موديل) فإنه يحول الممثل إلي کينونة ثابتة بينما الواجب أن يکون کينونة متحرکة , فالممثل في المسرح الاحتفالي هو الاحتفال نفسه. (53)

وفي البيان الثاني يطرح الاحتفاليون فکرة الاندماج المنفصل بقولهم :

"إن ما تسعي نحوه الاحتفالية هو تحقيق التشابه إلى حد الفناء , فناء الدور في الممثل وليس العکس , وتحقيق الاختلاف أيضاً إلى الحد الذي يصبح فيه الممثل واعياً بأنه يمثل دوراً مسرحياً , وأن يکون بإمکانه أن يفک الاندماج متى شاء. (54)

 فالممثل في الاحتفالية هو المعبر وأداة التعبير, فهو الجسد الذي يترجم هموم الجسد إلى لغة الجسد , يترجمها رقصاً وغناء وإشارات وإيماءات وتراتيل , لذا تسعي الاحتفالية إلى اکتشاف لغة مسرحية أکبر من اللفظ وأرحب من الأصوات , لذلک فالاحتفاليين يرفضون لفظ تمثيل لأنها تقليد لهذا الفعل ويستعيضون عن لفظة تمثيل بکلمة احتفال ويطلق علي هؤلاء المشارکين لفظة المحتفلين بدلاً من الممثلين , کما أن" جماعة المسرح الاحتفالي ترفض الممثل الدمية الذي يحرکه المخرج کما يشاء بعيداً عن ذاته الإبداعية حيث يتقوقع في تعليمات لا يحيد عنها فلا يتفاعل مع جمهوره عبر علاقة ارتجالية في الاحتفال المسرحي فيحقق حيويته , ومن ثم تؤکد الاحتفالية علي هذا الممثل الذي يحي حفلاً وليس ذلک الذي يکرر طقساً , الذي يتحکم في المکتوب عوض أن يتحکم فيه المکتوب , لا يحيا الحالات والموقف الخام وإنما يصنعها داخله لتصبح ملکاً له , عليها بصماته وطابعه واجتهاده 0

 کما ترفض الاحتفالية الممثل الذي يختزل تعبيره في جسده فقط دون أدواته التعبيرية الداخلية , لأن هذا الممثل يعرض الجسد في ذاته بعيداً عن دنيا الحياة الداخلية للشخصية , تلک الشخصية التي هي ظاهر وخفي , کما ترفض الممثل الحرفي الذي يسقط ذاته في العملية الإبداعية ويعتمد علي أدواته الحرفية لتصنيع الدور المسرحي الذي يتفق وذوق المتلقي , وعلية تصبح أدواره المسرحية معلبات جاهزة التصنيع , لها وجود سابق في ذهن المتفرج ويصبح ممثلاً لا يفعل سوي أن يمثل بالتفويض والنيابة عن الجمهور.(55)

 کما تري جماعة المسرح الاحتفالي أن أداء الممثل لدور معين يتوقف علي مدي اتفاق أو اختلاف الدور علي طبيعة الممثل , فقد يکون ارتباط ممثل مع دور نتيجة للتقارب النفسي بين الممثل ودوره , فيؤدي إلي فناء المتشابهات بعضها في البعض الآخر, أوهي علاقة تضاد وتقابل بينهما , الأمر الذي يقود الممثل إلي الإبعاد وبالتالي الاغتراب , لکن ما تسعي إليه الاحتفالية هو تحقيق التشابه إلي حد الفناء , فناء الدور في الممثل وليس العکس , کما أن أداء الممثل يجمع بين الاندماج والإبعاد أثناء العرض حيث يکون بإمکان الممثل أن يدخل أو يخرج من إيهاب الشخصية متى شاء , وأن يکون بإمکانه أيضاً أن يفک الاندماج متى شاء .

 إذن تتحدد مميزات الممثل في المسرح الاحتفال ومرتکزاته الأساسية المتمثلة في اعتماد الممثل الاحتفالي علي البديهية ونبذ النص الجاهز, والاندماج المنفصل وتوزعه بين جدلية الانفصال والاتصال أثناء التمثيل التي ترجع إلي الأشکال الاحتفالية الشعبية .(56)

الجمهور في المنظور الاحتفالي

 لما کان الجمهور هو الضلع الرابع, الذي بتوافره بجوار النص الدرامي والمؤدي الممثل إضافة إلي مکان العرض الذي يحقق مساحة حضور مشترکة تربط المتفرج بالمؤدي بصورة مباشرة في حيز واحد , هم أساس الظاهرة المسرحية , فإن دراسات الاحتفالية علي هذا الجمهور لتحديد طبيعة علاقته بالعرض المسرحي يمکن بلورتها في أن" الاحتفالية تبرر مشارکة کل أفراد الحضور في أداء الحفل , انطلاقاً من أن الحفل هو المعادل الموضوعي للحياة التي فيها الفکر والاختيارات والقرارات لعبة جماعية, لا أن تنبع من القاعدة وليس من القمة . وإذا کان الأمر کذلک فإن علي
الجمهور بصفته قاعدة أي قرار أن يشارک في أحداث المسرحية طالما أن الخطاب المسرحي موجهه إليه في الأساس.

 ولکي يشارک المتفرج في الظاهرة المسرحية , فإن جماعة المسرح الاحتفالي تسقط کل الجدران التي تفصل منطقة اللعب عن منطقة الفرجة باعتبار أن الجمهور صاحب الموضوع نفسه , وکذلک استخدام کل وسائل کسر الإيهام بجذب الجمهور إلي منطقة اللعب, مؤدياً من أجل تفجير الذاکرة الشعبية له أثناء الاحتفال بما تحمله من موروثات تتماشي علي ما يطرحه الممثل من قضايا آنية, تدفع المتفرج إلي المشارکة فيها سواء بالخيال أو بالفکرة أو بالتعليق أو حتى بالفعل المادي لتحقيق فکرة الاحتفال. (57)

 إن المسرح من المنظور الاحتفالي هو ظاهرة شعبية عامة , ولأنه کذلک " فالمسرح بالأساس موعد عام يجمع في مکان واحد وزمن واحد بين فئات مختلفة ومتباينة من الناس, موعد يتم انطلاقاً من وجود قاسم مشرک يوجد بين الناس ويجمع بينهم داخل فضاء وزمان واحد , يتجسد هذا الموعد في احترام الفن المسرحي للمتفرج وذلک من خلال التحليق به في أجواء عالية بعيداً عن النزول بالذوق الشعبي المستلب والعمل علي ترضيته بشتى المغريات , الفکاهة , الجنس , التناول السطحي للقضايا, بحجة أن الجمهور عاوز کده, وبهذا يتحقق نوع من الشعبية, لکنها شعبية زائفة , کذلک البعد عن التعالي علي الجمهور, الشيء الذي يجعل الجمهور ينکر ما يراه , وهذا شيء طبيعي لأنه غير مشابه لما تعود عليه , فجماعة المسرح الاحتفالي ترفض السقوط بالجمهور أو التعالي عليه .(58)

 وتذکر جماعة المسرح الاحتفالي في بيانها الثاني :

 " إن کلمة الاحتفال تعني الامتلاء والتجمهر, فالمدن ممتلئة بالناس , والمقاهي بالرواد , والشواطئ بالمستحمين, والمستشفيات بالمرضي , والقطار بالرکاب فأينما توجهت تجد الازدحام والامتلاء والتجمهر, لهذا کان لابد للجماهير أن تکون طاقة کبري , باعتبارها المقياس الحقيقي لتقويم کل شيء والحکم عليه , فالشيء الذي يقبل عليه الناس أکثر من غيره هو الأنجح . فالمسرحية الناجحة هي التي يقبل عليها الناس وتکون عروضها متتالية (ممتلئة) ومزدحمة , وبهذا تکتسب الجماهير خطورتها , فهي تتحول من مجرد کم إلي طاقة فاعلة متغيرة , فهي التي تعطي القيمة والشرعية للأشياء. (59)

المنطلقات

يحدد الاحتفاليون منطلقاتهم للدعوة إلى الاحتفالية في المسرح العربي في عدة
نقاط هي
:
(60)

- ضرورة الخروج من الفوضى الفکرية التي شتتت المسرح العربي وتصوراته وطموحاته, وجعلته حائراً بين مجموعه من المدارس التي تروج للثقافة الاستسلامية والأيديولوجية الامبريالية التي تجعل الإنسان العربي بمعزل عن حرکية التاريخ .

- حتى نعطي للمسرح العربي وجهه الحقيقي , وهويته السليمة التي تکسبه أصالته وتجعله مستفيداً من جدل المسرح بالواقع العربي .

- من أجل إرساء قواعد مسرح عربي تعيد له اعتباره وقدسيته , ليتحمل مسؤوليته في
معرکة البناء .

- إحداث ثورة في الذوق العربي الذي يتعرض للاستلاب , سواء من طرف السينما أو من خلال المسلسلات التليفزيونية .

 ولعل ما دفع جماعة المسرح الاحتفالي إلي القول بهذا , الواقع المسرحي المحيط بهم في الوطن العربي باعتبار أن تجاوز هذا الواقع يمثل سبباً أساسياً لقيام حرکتهم .

بالإضافة إلي ما سبق ينطلق المسرح الاحتفالي من عدة منطلقات هي:

- إن هذه الاحتفالية تحمل بديلها أو بدائلها في الفکر والفن في اليومي والتاريخي . فقد کان ضرورياً إحداث ثورة جذرية علي المسرح التقليدي السائد تمس کل عناصر المؤسسة المسرحية, لأن الاحتفال أکبر من أن تسعه جدران البناية التقليدية , وهذا يعني نقد المسرح الأرسطي والبريختي وغيرهما.

- إن المسرح يجب أن يصدر عن تراث الشعب العربي حتى يجدها صبغة جديدة تتجاوب وتتفاعل مع الواقع العربي, بعيداً عن الاستلاب والاغتراب الحضاري والثقافي والتبعية الفکرية للغرب , وهذا يعني الاعتماد علي التراث العربي کمادة للإنشاء الأدبي , وهذا يتطلب دراسة الأصول ورصد الثابت في المجتمع , مع تبني شکل مسرحي مستمد من أشکال الفرجة الشعبية التراثية, کالسامر وفنون الأراجوز وخيال الظل والطقوس الشعبية .

- إن المسرحيات الاحتفالية تدور في مساحات عامة , حيث يلتقي الناس بالناس وحيث تولد القضايا في العراء , وهذا أدعي إلي کسر الحواجز بين الجمهور والممثلين واعتبار الطرفين مشارکين في خلق العمل المسرحي , فالمسرح يتحول إلى تظاهرة اجتماعية احتفالية يقيمها الإنسان للإنسان من أجل إظهار الحقيقة عارية , ودراسة قضايا الناس من خلال الساحات والمواسم والتجمعات وغيرها, لإخراج المسرح من المکان المغلق إلي الساحات العمومية والدعوة إلى العمل الجماعي وخلقة, في وقت يسعي فيه المجتمع إلي تکريس الأنانية والعمل الفردي .

- إيجاد لغة مسرحية شاملة ذات أبعاد إنسانية . کما أنه ليس للمسرحية الاحتفالية بداية ووسط ونهاية , ولکن المسرحية هي حياة تؤدي إلي احتفال. فهي تسعي إلي تغيير الواقع عن طريق العقل وليس وصفه أو تفسيره فقط , کما أنها رغم ذلک تهتم بروح الواقع, ويتجلي ذلک في التداخل بين الواقع الحلم من خلال الاعتماد علي الجمع بين الرواية والتمثيل والملحمة والمسرح .

- اعتبار أن التجديد لا ينصب علي التأليف المسرحي وحده , بل يشمل أيضاً أساليب التمثيل والإخراج . فالاحتفالية تقدم تصورات عن التمثيل والفضاء المسرحي والإخراج , فاهتمام الاحتفالية قد امتد ليشمل حتى هندسة المسرح ومعماره بحيث يتفق وطابع العمارة العربية وطبيعة التجمعات العربية في ممارستها لبعض الظواهر المسرحية , کما تنطلق الاحتفالية من تبسيط الديکور والأزياء والمهمات المسرحية , ولا تعرض لديکور مصنع .

- إن الاحتفالية لا ترکز علي الحدث الدرامي والبناء المعماري والزخرفي, وإنما ترکز علي الإنسان الممثل والشخصية . فالشخصية دائماً في موقف نفسي صعب , فالمسرحية الاحتفالية هي تخطيط يعطي الفرصة للارتجال مع الجمهور والتحاور معهم , هي بذلک تؤکد علي الفعل المتحرک , فالأساس ليس هو النص وإنما هو الحفل , فالأساس ليس هو الفرجة: أي الشيء الذي يقدمه الممثلون ويتقبله المتفرجون , ولکن اللقاء بين الممثل الشخصية والجمهور والمشارکة والفعالية منهم .

- إن المسرح إلي جانب أنه ظاهرة فهو مؤسسة مدنية أيضاً. والمؤسسة الاحتفالية تعتبر نفسها البديل الحقيقي للمؤسسة المسرحية السائدة , ولأن الاحتفالية تؤمن بشعبية الاحتفال , فإنها تطالب بتمليک هذه المؤسسة للشعب , وذلک لجعل الشعب مساهماً بإنتاجه وإبداعه في خلق مسرح شعبي حقيقي بعيداً عن الاستهلاک والخطاب اليومي الساذج . (61)

- والمجال المسرحي في الاحتفالية يمکن أن يحتوي الإنسان الاحتفالي والاحتفال والفضاء الزمکاني , العامل والمعمولات تتفاعل داخل المجال المسرحي علي الشکل التالي :

  • · التفاعل بين الإنسان الاحتفالي والاحتفال .
  • · التفاعل بين الإنسان الاحتفالي والفضاء والزمکاني .
  • · التفاعل بين الاحتفال والفضاء الزمکاني .

وعلية فإن الاحتفال حدث يقع هنا الآن تصنعه جماعة منسجمة فيما بينها تجمعهما قواسم مشترکة .

 ويري عبد الکريم برشيد أن الاحتفالية کتأسيس تنطلق من قناعات فکرية أساسية , يمکن حصرها في نقاط محددة , هي:

أولاً: إنه تأسيس المسرح العربي ککل – تأسيس عام وکلي - يبدأ من درجة الاحتفال الخام ليصل إلي المسرح الاحتفالي .

ثانياً: إن ارتباط التأسيس بالمسرح هو ارتباط بکل ما يعنيه المسرح وهو تظاهرة شعبية ولقاء وفضاء عمراني واحتفال , فالمسرح بمستواه الأوسع هو المجتمع في مظاهره ومؤسساته وعلاقاته المختلفة , وأن محاولة فصل المسرح عن المجتمع لا يمکن إلا أن تکون تحريفاً للمسرح والواقع علي السواء .

ثالثاً: أن التأسيس الجديد ينطلق من نحن( الآن وهنا) , هذا ما يجعل المسرح مرتبطاً ارتباطا حقيقياً بالإنسان العربي وبلحظته التاريخية الراهنة , وبما تفرزه هذه اللحظة من قضايا فکرية واجتماعية مختلفة.

رابعاً : إن التأسيس في جوهره ينطلق من رؤية مغايرة لعالم لا يکف عن التغير والتحول, وضرورة الاهتمام بإيجاد خطاب مسرحي يکون أکثر استيعاباً وتعبيراً عن الواقع والإنسان داخل هذا المکان وهذا الزمان .

خامساً: إن التأسيس فعل الزمن, وذلک من خلال إحداث تراکمات في الإبداع والنقد والتنظير والممارسة , هذه التراکمات بما تحمله من تعدد وتنوع هي الکفيلة وحدها بإيجاد وعي مسرحي , فهذا التأسيس يقوم علي النظرية والممارسة معاً وبهذا کان فناً وکان فکراً وکان صناعة .(62)

 

الخاتمة والاستنتاجات

 بعد أن قام الباحث بدراسة الاحتفالية في المسرح العربي , من حيث الجذور والتأصيل , والنشأة والتأسيس , والرواد, والتنظير للاحتفالية من خلال بيانات جماعة المسرح الاحتفالي , وکذلک المرتکزات الأدبية والسينوجرافية وتقنيات الصورة البصرية للمسرح الاحتفالي .

 أمکن التوصل إلي عدة استنتاجات تتمثل في:

  • ·  لم يتح للمسرح العربي الظفر بحرکة مسرحية منظمة أو دعوة ذات بيان تنظيري ممنهج تم استقراؤه وتمحيصه وصياغته من واقع خبرة إبداع مسبق کالتي ظفرت به الاحتفالية. ولقد أثبتت نفسها بکل ما أثمرته من أعمال وتجارب , تتراوح درجة انطباقها مع تعليماتها ومبادئها ما بين الاجتزاء الکامل وبين التحرر المبدع دوراناً في فلکها الکلي .
  • ·  إن الاحتفال في أية ثقافة من الثقافات هو الأصل الشفوي , وهو المنطلق الوجداني , وهو المرکز الشعبي وفيه تخبئ الشعوب أسئلتها الوجودية والتي يمکن أن نجد من بينها الأسئلة التالية:

 نحن الأحياء هل نحيا حقاً ؟! ما هي علامة حياتنا ؟ أليس هو الاحتفال ؟ ومتى يکون هذا الاحتفال حقيقياً ؟ أليس عندما يشبهنا ونشبهه , ونکون نحن الذين أسسناه فعلاً ؟ وأين نحيا هذا الاحتفال ؟ في فضاءات المدينة أم في أحراش الغاب ؟ ومع من نقتسم هذه الحياة وفي الاحتفال ؟ مع الأجساد الحية أم مع الأشياء الجامدة ؟ وهل مع الناس الذين يشبهوننا والذين يقاسموننا نفس الهموم والاهتمامات ونفس اللغات ؟ أم مع الوحوش التي تختبئ في أزياء الناس وفي أقنعتهم ؟ وأين يمکن أن نحتفل ؟ في الکنائس المغلقة أم في الساحات المفتوحة ؟ وبماذا يمکن أن نتواصل وأن يخاطب بعضنا بعضا , هل باللغات الحية أم باللغات الميتة ؟ بلغة اللفظة وحدها , أم بکل لغات الجسد ؟

  • ·  إن أقدم فعل جماعي في تاريخ البشرية هو الاحتفال . فالاحتفال هو لحظة من الوجود , والإنسان المحتفل لا يقصد من هذا الاحتفال سوي أن يحقق وجوده , والاحتفالية هي کائن نظري يحاول أن يحقق هذا الوجود من خلال الکتابة والإخراج ومن خلال السؤال والجواب , ومن خلال الاجتهاد الذي يؤدي إلي خلخلة المعروف والمألوف , وقد نجح المسرح الاحتفالي في إثارة کثير من القضايا النظرية , کما نجح في التشکيک في جدوى هذا المسرح السلفي الذي تربينا عليه , کما نجح في استفزاز المسرحيين بأن دفعهم إلي التفکير في المسرح وأن يحولوا هذا الفن إلي حقل معرفي يقبل الملاحظة ويقبل التجريب ويقبل إضافة مصطلحات أخري وإضافة منهجيات جديدة مستمدة من تاريخ المعرفة العربية, ومستمدة من أعياد الإنسان ومن الاحتفالية التي لها تجذرها في الوجدان الشعبي العربي .
  • ·  الاحتفالية تيار مسرحي يعتمد علي مجموعة من الضوابط الفنية المخزونة في الذاکرة الجماعية للإنسان العربي , کمسألة توظيف جماليات التعبير الشعبي بما فيها من إشارات ايجابية سمعية وبصرية وحرکية ونفسية , وهي في هذا الموقف تعمل علي تقريب الخطاب المسرحي من الإنسان البسيط , فلا وجود لحواجز تحول بين من يعطي الفرجة والجمهور, ويرکز هذا المسرح الاحتفالي علي (المسرح الفقير) وما يتلاءم معه من بساطة في
    الديکور والإکسسوار .
  • ·  إن إشکالية النص عند الاحتفاليين قد حظيت بنصيب أوفر وبجدية أکثر نظراً لأهميته , فالاحتفالية لها رؤية محددة لآليات اشتغال النص المسرحي , إذ يتميز بالخصائص التالية :

 هو عبارة عن مشروع مسرحية فقط , يتميز بالترکيبة , أي أن المسرح الاحتفالي لقاء شعبي وحوار ديمقراطي لا يخضع لأيديولوجية خاصة إلا أيديولوجية تغيير الواقع , کما يتميز النص المسرحي بالشمولية والحيوية ومهمة هدم الخط الأرسطي .

الانتقادات التي وجهت للاحتفالية

رغم کل ما ذکرناه عن الاحتفالية من السمات والخصائص والمميزات, إلا أن الاحتفالية قد وجه لها العديد من الانتقادات نذکر منها:

  • ·   أن الاحتفالية هي مجرد بيانات, ولو أزحنا هذه البيانات لما بقي من الاحتفالية شيء , وأن المسرح الاحتفالي لم ينته إلي شيء .
  • ·   إن محاولة عبد الکريم برشيد الدفاع عن الاحتفالية علي حساب المسرح السائد عامة والمسرح الملحمي خاصة , قد أسقطه في کثير من التناقضات والأخطاء المعرفية والمنهجية , ففيما يخص موقفه من بريخت يبدو واضحاً أنه لم يکن موضوعياً إطلاقا, لأن بريخت لا يعطل الحواس کما يعتقد برشيد , ولکنه يجعلها قناة مرحلية وثانوية .
  • ·   إن اتهام جماعة المسرح الاحتفالي في بيانهم الأول للمسرح العربي کله بأنه يقوم علي أسس زائفة ومتخلفة اتهام جائر, والمبرر الذي يقدمه البيان غير کاف أو مقنع . إن قدوم هذه الأسس من بيئات زمانية ومکانية مختلفة ليس عاراً في هذا العصر الذي شهد ثورة غير مسبوقة في الاتصالات , وأنه لولا اکتشاف الغير ما استطاع الإنسان أن يشعر بخصوصيته وتميزه .
  • ·   کذلک إصدارهم لحکم قاطع علي المسرح العربي بأنه ليس فيه سوي تجارب هزيلة وأن قديمه لا تصلح , والزعم بأن الاحتفالية هي التي ستضع الأساس وتقدم الأصيل , يدل علي ثقة زائدة بالنفس وإنکار لجهود السابقين, إننا نري أن دعوى الاحتفاليين قامت بشکل أساس علي قديم المسرح العربي وبالتحديد علي اجتهادات يوسف إدريس وتوفيق الحکيم وعلي الراعي .
  • ·   کما أن قولهم بضرورة الخروج من الفوضى الفکرية التي شتتت المسرح العربي وتصوراته وطموحاته وجعلته حائراً بين مجموعات من المدارس التي تروج لثقافات وأيديولوجيات مختلفة تجعل الإنسان العربي بمعزل عن حرکة التاريخ, کلام ليس في محله لأن تنوع الاجتهادات ثروة وليس( فوضي ) والقول بأنه من الضروري لحرکة الفکر أن تسير في مسار واحد يعتبر نوعاً
    من الوصاية .
  • ·  من خلال عرض جماعة المسرح الاحتفالي لأفکارهم وتصوراتهم الرئيسة لخلق صيغة مسرحية عربية يمکن ملاحظة أن تلک الاتجاهات والأفکار تخلط بين المسرح باعتباره نشاطاً فنياً نوعياً وبين المظاهر الاحتفالية کأنشطة اجتماعية , وتمزج بين عملية التوصيل المسرحي المحکوم بقوانين وشروط معينة , وبين منطق التوصيل المغاير للأشکال التراثية , بحيث تقيم بناء تماثليا بين الممارستين المسرحية والشعبية , قائما علي إدراک ورصد التشابهات بينهما , دون اجتهاد مواز لفحص الخطوة الرئيسية , وهي کيفيات الانتقال والتجسد والصياغة : أي کيفيات تکوين تجربة مسرحية قائمة علي الأشکال التراثية وقابله للتقنين النقدي والنظري وصياغة قالب متميز بلغة ثانية . کل تلک الاتجاهات اجتهدت في إدراک التشابهات وإقرار التماثلات بين الممارسة المسرحية وفنون الفرجة , ولم تجتهد في إدراک الفروقات بين التجربتين وطبيعة کل منهما في التشکيل والوظيفة والسياق. (63)
  • ·   حينما يتحدث عبد الکريم برشيد عن مراجع ومصادر الاحتفالية, فإنه يذکر عدة نقاط أساسية هي : أنه لا يختلف اثنان علي أن المرجع الأساس للاحتفالية هو المسرح اليوناني القديم(الإغريقي) , وأن المرجع الثاني للاحتفالية هو الفيلسوف السويسري الأصل جان جاک روسو الذي طالب بعودة الحفل الجماعي , ويتمثل المرجع الثالث في الکتابة النظرية والإبداعية لانتونان أرتو وهو الذي بشر بالمسرح الطقسي البدائي حيث سعي إلي المطالبة بمسرح يتخذ صنعته من الاحتفال السحري , والمرجع الرابع إلي المخرج الفرنسي جان فيلار الذي أنشأ المسرح في الساحات والکنائس والمنازل والذي أخرج المسرح من علبته إلي الهواء الطلق , والمرجع الخامس يرجع إلي المخرجين والمنظرين الذين حاولوا رد المسرح إلي حقيقته وجوهره النقي من أمثال أبيا , کريج , کوبو, ومايرهولد , ويتمثل المرجع السادس في الباحث الفريد سيمون خاصة في کتابه ( العلامات والأحلام.. بحث في المسرح والاحتفال ), ثم فرويد في ( القواطم والتابوه ) , وجان دفنيو في کتابة ( احتفالات وحضارات ) , وهارفي کوکس في کتابه (احتفال المجانين), ويتمثل المرجع الأخير في الکتابات الإبداعية لإدريس والحکيم والراعي وعز الدين المدني . فقد لخص برشيد مصادر الاحتفالية في ثماني نقاط أساسية منها سبع نقاط يُرجع فيها مراجع الاحتفالية إلى الغرب وواحدة يُرجع فيها الاحتفالية إلي مصادر عربية , فنظرية المسرح الاحتفالي إذن نظرية تُبني علي تناقض أساسي, وهو البحث عن هوية مسرح عربي وتخليصه من التأثيرات الغربية , ولکن ونحن نؤسس لهذا المسرح نعتمد بشکل أساسي
    في تأسيسه على التنظيرات الأوروبية, مما يجعل التناقض الذي يقع فيه برشيد تناقضاً
    غير مقبولاً.
  • ·  إن إدعاء الاحتفاليين أن الممثل في الأسلوب الاندماجي يکون منفياً عن زمانه ومکانة ومنتصراً للشخصية الوهمية علي حساب شخصيته الحقيقة , ليس من الواقع في شيء. لأن هذا النفي لا يتم إلا في حالة واحدة , وهي حالة اختفاء الخط الفاصل بين الوهم الفني والواقع المعيش في عقل الفنان أو الممثل , وهنا لا يصبح الممثل فناناً يمارس نوعاً من الوعي المزدوج بدوره الفني وشخصيته الحقيقية, بل مجنون يعيش الفن واقعاً , وانتفت عنه أهليته کإنسان مسئول , فهذا الأسلوب الاندماجي في حاجة إلي درجة من الوعي يمارس الممثل من خلاله السيطرة علي الخط الذي يفصل بين الوهم والحقيقة , وهذا الوعي بالضرورة لابد وأن يرتبط بواقع الممثل في
    الزمان والمکان .
  • ·  إن الاحتفاليين لم يدرکوا أن الأسلوب أو المنهج الواقعي النفسي عند ستانسلافسکي , والإبعاد عند بريخت في تناول الدور المسرحي, يجمع في کليهما بين الإحساس والعقل في أداء الدور, لکن الخلاف بينهما خلاف درجة وخلاف تقنية .
  • ·  إن الاحتفاليين في رفضهم الماکياج الخارجي يُفقدون الممثل إحدى الوسائل التعبيرية التي يمکن بها أن يحدد الطبيعة المادية والبيولوجية لشخصية ما من ناحية السن , أو من ناحية عيب خلقي , فإذا ما لعب – مثلا- ممثل صغير السن سوي الجسد شخصية أحدب نوتردام دون ماکياج , أو تنکر يحدد حدبة ظهره , وقبح وجه, فإن الممثل سيفقد جانباً کبيراً مساعدا لقدرته التعبيرية , فيما يتعلق بما هو ظاهر من کيانه , وبذلک يفقد الممثل أن يکون وحدة واحدة يتکامل فيها المضمر والظاهر معاً , فلا ممثل بغير مقومات مضمرة کما أنه لا ممثل بغير مقومات للتعبير ظاهرة .
الهوامش
 1) عبد الغني داود : حفريات في المادة المسرحية الخام , القاهرة , المجلس الأعلى للثقافة , سلسلة إبداعات التفرغ ( 59 ) , 2010 , ص 28.
2) جلال العشري : مسرح أو لا مسرح , القاهرة , دار المعارف , 1980, ص 34.
3) صفوت کمال: الفولکلور في ثقافتنا المعاصرة , القاهرة , أکاديمية الفنون , مجلة الفن المعاصر,
1986 , ص82.
4) السامر الشعبي , هو أحد الأشکال الاحتفالية في الريف المصري التي تضم بداخلها العديد من الفنون المتوارثة والمتفاعلة مع الواقع المتغير.
5) أحمد حلاوة : مقدمة مسرحية سهرة ضاحکة لقتل السندباد الحمال , تأليف سمير عبد الباقي , القاهرة , الهيئة العامة لقصور الثقافة , سلسلة نصوص مسرحية (142 ) , 2014, ص16.
6) جلال العشري : مسرح أو لا مسرح , مرجع سابق , ص 35.
7) أحمد سخسوخ : قضايا المسرح المصري المعاصر, القاهرة , الهيئة العامة لقصور الثقافة , سلسلة کتابات نقدية 18 , 1993, ص 118.
8) فاروق خورشيد : الجذور الشعبية للمسرح العربي , القاهرة , الهيئة المصرية العامة للکتاب , 1991, ص8 .
9) محمد السيد عيد : الاحتفالية في المسرح العربي , ملتقي القاهرة العلمي لعروض المسرح العربي ,
1994 , ص10.
10) المرجع السابق , ص 11 .
11) محمود نسيم : المسرح العربي والبحث عن الشکل , قراءة في العقل التنظيري , القاهرة , بحوث ملتقي القاهرة العلمي لعروض المسرح العربي , 1994, ص 322.
12) شوقي عبد الأمير: الإنسان الاحتفالي , الإمارات العربية المتحدة , دار صدي , مجله دبي الثقافية , السنة الحادية عشر, العدد 116 يناير 2015, ص 79.
13) عبد المجيد شکير: المادة التراثية في المسرح المغربي , الکويت , وزارة الإعلام , کتاب العربي 87 , يناير 2012, ص 125. (مقال ضمن کتاب المسرح العربي مسيرة تتجدد)
14) علاء نصر : حوار مع عبد الکريم برشيد , القاهرة , الهيئة المصرية العامة للکتاب , مجلة المسرح , العددان 159 -160 فبراير ومارس 2002, ص 88.
15) محسن العزب: عقد من نقد المسرح , القاهرة , المجلس الأعلى للثقافة , 2011, ص 153.
16) أبو بکر خالد شلقامي : الاحتفالية ومستقبل المسرح المصري , دراسة ضمن کتاب دراسات في المسرح المصري , القاهرة , وزارة الثقافة , قطاع المسرح , سلسله مطبوعات المسرح المتجول (6) , ج3 , 1984, ص 74.
17) عبد المجيد شکير: المادة التراثية في المسرح المغربي , سياقات الاستلهام وأشکال التوظيف , الکويت , وزراه الإعلام , مجلة العربي , العدد 623 , اکتو بر 2010 , ص 112.
18)عبدالکريم برشيد: التأسيس والتحديث في تيار المسرح العربي الحديث , الإمارات العربية المتحدة, دار الصدى للصحافة والنشر والتوزيع , کتاب دبي الثقافي 102, فبراير 2012, ص 212.
19)عبدالرحمن بن زيدان: قضايا التنظير للمسرح من البداية إلي الامتداد, عرض عبد الکريم برشيد , القاهرة, الهيئة العامة لقصور الثقافة , مجلة أفاق المسرح , العدد 18, سبتمبر 2001, ص 213.
20) الواقعية من المفاهيم الأساسية لدي الاحتفاليين , ولکنها واقعية من نوع خاص , تحمل طابعهم واجتهادهم , وهم يفرقون بين أمرين: الواقع – الحقيقة , إذ أن الزيف والاستغلال والظلم- مثلاً- أشياء موجودة , وواقع لا يمکن إنکاره لکنها رغم هذا لا تمثل الحقيقة. ومشکله الواقع من- وجهة نظرهم – أن له ظاهراً وباطناً, والظاهر الذي ترصده الواقعية المعتادة ملئ بالزيف ويملک قابلية التحول والتشکل وارتداء الأقنعة – وقائم علي التمثيل ومواراة الحقيقة .
 يترتب إذن علي صورة الواقع الظاهرة التي تعاني من کل هذه المثالب ضرورة أن تتجه الاحتفالية إلي واقعية أخري تتجاوز الظاهر إلي الباطن والعرض إلي الجوهر.
 إن هذه النظرة الجديدة للواقعية تمثل حجر الزاوية في بناء المسرح الاحتفالي , لأن علي المسرح بهذا المفهوم أن يصبح وسيلة للوصول إلي الجوهر, ومن هنا فقد رأي الاحتفاليون أن مسرحهم الواقعي يعني تحول المسرح إلي احتفال واسع يقيمه الکل للکل أي أن (المشارکة) أصبحت هي الفکرة المحورية لمواجهة الواقعية التقليدية والطريق إلي جوهر الأشياء , بل إلي جوهر الإنسان .
21) عبد المجيد شکير: المادة التراثية في المسرح المغربي , مرجع سابق , ص 126 .
22) أحمد سخسوخ : قضايا المسرح المصري المعاصر, مرجع سابق , ص 122.
23) عبد الله المتقي: حوار مع عبد الکريم برشيد , قطر, وزارة الثقافة والفنون والتراث , مجلة الدوحة, العدد 9 , ابريل 2015 , ص 139.
24) رضا غالب: تنظيرات الهوية المسرحية العربية في سياق التأريخ , القاهرة , وزارة الثقافة , المرکز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية , سلسله دراسات في المسرح المصري , العدد 18, 2009, ص 133.
25) محمد الوادي : الاحتفالية الجديدة بيان مؤقت , القاهرة الهيئة المصرية العامة للکتاب , مجلة المسرح , العدد 103, يونيه 1997, ص 22.
26) عبد الکريم برشيد وآخرون : البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي , الکويت , مجلة البيان , يوليو
1981, ص 129.
27) عبد الکريم برشيد : ألف باء الواقعية الاحتفالية في المسرح , فقرة (8).
28) حسن عطية : الثابت والمتغير, دراسات في المسرح والتراث الشعبي , القاهرة , الهيئة المصرية العامة للکتاب , 1990, ص 86.
29) محمد السيد عيد : الاحتفالية في المسرح العربي , مرجع سابق , ص 20.
أيضا: أسامة أبو طالب: البطل التراجيدي مسلما, القاهرة, الهيئة المصرية العامة للکتاب ,2012, ص 77.
30) محمود نسيم: المسرح العربي والبحث عن الشکل , مرجع سابق , ص 324.
31) أحمد سخسوخ : قضايا المسرح المصري المعاصر, مرجع سابق , ص 124.
32) من البيان الثاني لجماعة المسرح الاحتفالي .
33) حسن عطية : الثابت والمتغير, مرجع سابق , ص 85.
34) حازم شحاتة : الظاهرة المسرحية في ضوء نظريات النقد المعاصرة , ضمن بحوث ملتقي القاهرة العلمي لعروض المسرح العربي , وزارة الثقافة , الدورة الأولي 1994, ص 100 .
35) محمد جلال أعراب : قراءة في کتاب قضايا المسرح الاحتفالي , القاهرة , الهيئة المصرية العامة للکتاب , مجلة المسرح , العدد 97 , ديسمبر 1996, ص 29.
36) رضا غالب : تنظيرات الهوية المسرحية العربية , مرجع سابق , ص 138.
37) من البيان الرابع لجماعة المسرح الاحتفالي .
38) رضا غالب , مرجع سابق , ص 142 .
39) من البيان الثالث لجماعة المسرح الاحتفالي .
40) من البيان الرابع لجماعة المسرح الاحتفالي بالمغرب , المحور الثاني حول الکتابة الدرامية .
41) محمد السيد عيد: الاحتفالية في المسرح العربي , مرجع سابق , ص 25 .
42) محمد الوادي : الاحتفالية الجديدة بيان مؤقت , مرجع سابق , ص 25.
43) من البيان الرابع لجماعة المسرح الاحتفالي بالمغرب , المحور الثاني حول الکتابة الدرامية .
44)عبدالکريم برشيد: التأسيس والتحديث في تيارات المسرح العربي الحديث,مرجع سابق,ص 214.
45) رضا غالب : تنظيرات الهوية المسرحية العربية , مرجع سابق , ص 175.
46) البيان الثالث لجماعة المسرح الاحتفالي في المغرب , مجلة البيان العدد 184, رابطه الأدباء في الکويت ,
 1981 ص 133 .
47) من البيان الثالث لجماعة المسرح الاحتفالي , ضمن الاحتفالية في المسرح العربي , وزارة الثقافة ملتقي القاهرة العلمي لعروض المسرح العربي ,1994, ص 146 .
48) رضا غالب : تنظيرات الهوية المسرحية العربية , مرجع سابق , ص 188 .
49) محمد السيد عيد : الاحتفالية في المسرح العربي , مرجع سابق , ص 148 .
50) رضا غالب : تنظيرات الهوية المسرحية المصرية , مرجع سابق , ص 191 .
51) من البيان الثالث لجماعة المسرح الاحتفالي ضمن الاحتفالية في المسرح العربي , تقديم محمد السيد عيد, وزارة الثقافة , ملتقي القاهرة العلمي لعروض المسرح العربي , 1994, ص 146 .
52) المرجع السابق , ص 142 .
53) محمد السيد عيد : الاحتفالية في المسرح العربي, مرجع سابق , ص 26.
54) البيان الثاني لجماعة المسرح الاحتفالي , ضمن الاحتفالية في المسرح العربي .
55) رضا غالب : مرجع سابق , ص 158 .
56) محمد جلال أعراب : قراءة في کتاب قضايا المسرح الاحتفالي , مرجع سابق , ص 30 .
57) رضا غالب : مرجع سابق , ص 191 .
58) محمد الشربيني : مسرح الأقاليم في نصف قرن , کتاب التوثيق (2) المهرجانات , القاهرة الهيئة العامة لقصور الثقافة , مايو 2004, ص 422.
59) من البيان الثاني لجماعة المسرح الاحتفالي , ضمن الاحتفالية في المسرح العربي , مرجع سابق, ص 91 .
60) من البيان الأول لجماعة المسرح الاحتفالي , ضمن الاحتفالية في المسرح العربي , مرجع سابق, ص 17 .
61)عبدالرحمن بن زيدان: قضايا التنظير للمسرح من البداية إلي الامتداد, مرجع سابق , ص 214.
 أيضا: عبد الکريم برشيد: الاحتفالية بين التأسيس وإعادة التأسيس , الفکر العربي , العدد69 , السنة 13, 1992,ص 15 .
62) محمد السيد عيد : الاحتفالية في المسرح العربي , مرجع سابق, ص 19 .
63) محمود نسيم : المسرح العربي والبحث عن الشکل , مرجع سابق , ص 326.