رؤية الأطفال للعالم من حولهم من خلال مسرحيات نبيل خلف دراسة لنماذج مسرحية مختارة

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

مدرس بشعبة الفنون المسرحية -قسم الإعلام التربوي کلية التربية النوعية-جامعة الزقازيق

المستخلص

ملخص البحث:
استطاع نبيل خلف من خلال أعماله  المسرحية أن يتفهم بعمق وصدق  ذهنية طفل اليوم واحتياجاته الجديدة وأشواقه المدهشة، مفهوم لا يتجاهل العصر ومعارفه وتقنياته المغايرة ولا يتجاهل ثقافة الطفل العلمية والسياسية، مفهوم ينطلق  من ذهنية موسوعية ومن حس وحدس يستشرف آفاق المستقبل, مفهوم لا يستخف بعقول الأطفال ولا ينقص من قدراتهم ولا يستهين بخيالهم المجنح، وأن سعى الأطفال لاکتشاف العالم بشغف ونهم ومتعة يشبه کثيرا  سعى العلماء للاکتشاف وإبداع رؤى جديدة للعالم.
يرى نبيل خلف من خلال مسرحه أن العلم يجب أن يکون لصالح القيم الإنسانية وليس ضدها، فهو لا يستنکر التقدم العلمي ولا يعادى العلم، بل يعادى الحماقة التي لم يتخلى  عنها البشر في توظيف إدارة العلم وأدوات الإنجاز الحضاري، مؤکدا على فکرة المسئولية الإنسانية عن التطور، فکل تقدم علمي لا يضع المتطلبات الإنسانية في اعتباره لن يصمد طويلا في مواجهة الزمن وسيسقط  سريعا من ذاکرة التاريخ، وأنه مهما تقدم  العلم وظهرت الموسوعات والنظريات فلا بديل عن أفکار الإنسان وخياله الخصب وستظل کل هذه الاختراعات في النهاية غير قادرة على أن تحل
محل الإنسان.

في جميع أعمال نبيل خلف المسرحية تتبدى  وحشية الواقع ودمويته، ووحشية الکبار المسئولين عن هذا الواقع بمخازيه وشروره، وسيکون الخلاص دائما على يد الأطفال الذين لابد أن يثورا والذين يؤکد المؤلف دون کلل ولا ملل على مقدرتهم الفذة على إعادة أوضاع العالم إلى طبيعته الخيرة، فالأطفال کما يرى نبيل خلف أکثر ذکاء مما نظن ولديهم المقدرة على تغير وجه العالم لو أتيحت لهم الفرصة.
تعکس ثورة الأطفال على الواقع في مسرحيات نبيل خلف القيمة الوجدانية الأساسية التي تضع کافة هذه الإبداعات في نسق عاطفي  واحد، وتنبعث ثورة الأطفال في جميع الحالات من وجدان غاضب، يمثل الغضب المحور الأساسي لإبداعاته من أجل التغير للأفضل.
تمثل النزعة الأخلاقية رافدا حيويا من روافد التجارب الإبداعية لنبيل خلف ,بل ويعد حاسما من أبعاد بناء شخصيات مسرحياته، وعاملا جوهريا من العوامل المحرکة للأحداث.

الموضوعات الرئيسية


مقدمة

إن الفن المسرحي هو فن التراسل من المجتمع  والعصر إلي المبدع , ومن المبدع إلى المتلقي أي المجتمع ، وبدون هذا التراسل ينعدم التواصل ويتضاءل الأثر.

"لکن بدون (ذهنية جديدة) متجانسة متناغمة بين قطبي الإرسال والاستقبال تکون (الحداثة) و(مسرح الصورة) تطوراً شکلياً بلا محتوى ، الثلاثة معاً يشکلون التطور الفني والفکري الأصيل , والثلاثة معاً هو ما نجده واضحاً وبقوة في مسرح نبيل خلف , ومن هذا اعتبرنا أن مسرحه يحتل انعطافه  تاريخية في أدب وفن مسرح الطفل".(1)

وعلى الرغم  من أن الأطفال يمثلون شريحة هامة في المجتمع المصري ، إلا أنهم لم يلاقوا الاهتمام الکافي من ناحية السينما والمسرح , ومجرد وجود عرض مسرحي مخصص للأطفال متقن ومبهر فإن ذلک يعتبر طفرة ونقلة في مسرح الطفل.

"ومما شک فيه أن التعامل مع الطفل فنياً يتطلب جهداً يفوق الجهد المبذول في حالة التوجه للکبار ، صحيح أن  للکبار أيضاً مشاکلهم وهمومهم وأحلامهم المختلفة .. إلا أن دراما الطفل تتطلب بحکم طبيعتها الخاصة دراسات متعمقة في نفسية الطفل وقدرات التلقي لدية لتنميتها ولمعرفة احتياجاته الحقيقية المتباينة أيضاً من مرحلة عمرية لأخرى."(2)

ولقد أرتبط اسم الشاعر والکاتب نبيل خلف بمسرح الطفل منذ عام 1999م عندما قدم له المسرح  القومي للأطفال مسرحيته الأولى (الأم الخشبية) ، ورغم نجاحها الجماهيري لم يرض عن الخيال الإبداعي التي قدمت من خلاله ، وبالتالي حرص في أعماله التالية أن يوفر لمسرحياته  الطاقات الإبداعية التي تضيف إلى إبداعه الکثير والکثير.

وفى هذا البحث يحاول الباحث أن يقدم نظرة نبيل خلف حول رؤية الطفل للعالم وما يدور من حولهم من أحداث ومشکلات , وفي قدرة هذا الطفل على تغير وجه هذا العالم رغم صغر سنه ومحدودية تفکيره ، لکن رؤيته هذه ورؤية الطفل للعالم من حولهم وأحلامهم لعالم  أفضل تجعله يقوم بهذا الدور علي أکمل وجه.

وسوف يقتصر البحث علي دراسة وتحليل المسرحيات المکتوبة للأطفال ، من خلال تناول الباحث لثلاثة نماذج مسرحية هي (الأم الخشبية )1999م ، (فراشة الأميرة الحمراء) 2000م ، (أرنب وعقرب وفيل )2002م ، کنماذج مسرحية مختارة من مسرح نبيل خلف للأطفال.

نـبيل خـــلف وعـالـم الــطفل

ولد نبيل خلف في 15/7/1947م بأحد أحياء القاهرة التي تقع على حدود أعتق الأحياء الشعبية من جهة ، وعلى مشارف أرقي أحياء القاهرة من جهة أخرى، ولد بحي الحلمية الجديدة الذي يجمع بين الحياتين الشعبية والأرستقراطية ، أصدر نبيل خلف أول مجموعاته الشعرية (الولد الرسام) عام 1985 ، تلتها مجموعته الشعرية الثانية (قمع السکر) 1998 ، وبين المجموعتين نشر نبيل خلف عدة قصص طويلة وروايات للأطفال ، من بينها (عطاء )1990 ، (سمکة الشمس )1992 ، (الأم الخشبية) 1993 ،  (الرجل الغراب في غابة الضباب )1996, رواية (فراشة الأميرة الحمراء) 1998، رواية (الأمير الصغير)2001, و(بهلوان عشق وحنان ) ثنائية بالعامية المصرية , و( ثورة الأطفال) 2002, و(الجوع) ، و( حلم النملة )2001 , بالإضافة إلي مسرحياته الثلاثة للأطفال والمأخوذة عن قصص وحکايات سبق أن نشرها وهى (الأم الخشبية ) أوبريت للأطفال 2000, و(فراشة الأميرة الحمراء) أوبريت للأطفال 2001 , و(أرنب وعقرب وفيل) أوبريت للأطفال 2002 , و(النهر يعزف الموسيقى) , و(فوشيا) , و(اخى  وأکياس الفحم) , کما قام  بوضع  الأغاني لعدة مسلسلات تليفزيونية للأطفال کمسلسل ( رحلة إلى الشمس) , و کذلک أغاني عدد من المسرحيات قدمتها الثقافة الجماهيرية بوزارة الثقافة  , أخيراً هناک أوبريت (حلم في علم) التي قدمتها قناة الـ A.R .Tوهى عن أحلام الأطفال العلمية في الألفية الثالثة.

لا يکتب نبيل خلف للأطفال فحسب ، " بل تساوره رغبة عارمة أن يکون طفلاً ، وهو يفضل دائماً الاحتفاظ بهذه الکينونة , وأقل درجة من درجات الصدق مع النفس تمنع أي أحد أن يضيف صفة الکبير إلى هذه الوضعية التي يفضلها، انه طفل من الأطفال وليس طفلاً کبيرا کما أعتدنا أن نقول في مثل هذه الحالات , وتنصهر وضعية الطفولة انصهارا کاملا في وضعيته ککاتب ، ومن الاستحالة أن نفصل بين الکاتب والطفل في عالم نبيل خلف".(3).

فالکتکوت في أوبريت ( الأم الخشية ) أول إصدارته المسرحية للأطفال عام 1999م يحدد هويته ويختار لنفسه اسماً في ذات الوقت الذي يتعرف فيه على حروف الکتابة ، لا قبل هذا الوقت ولا بعده ، وتتزامن معرفة الذات بمعرفة الکتابة أو الرسم کما يؤثر نبيل خلف أن يطلق على الفن والأدب:

أنا أسمى اختارته

بدون تفکير

شادي اللي بيرسم

في المناقير

على خذ الشمس

وعلى المناخير

بالقلم  الفحم

وبالطباشيرٍ

وبريش جناحيه

وبدون الغير (4).

وموقف (الکتکوت) في أوبريت (الأم الخشية) لا يختلف في مضمونة الوجداني عن موقف (الولد ) في (الولد الرسام) أول إصدارات نبيل خلف الأديبة 1985م ، وهو ديوان شعره الأول ، "وفى هذا الديوان أعلن رفضه الکامل لهذا العالم ، وتذمره من القيم التي يروجها والتي تسيطر عليه ، فلقد  أصر نبيل خلف على تسمية ديوان ( الولد الرسام) کأنما يلقى بعيداً عن کاهليه عار أن يکون کبيراً ملطخاً بأدران الواقع المرفوض، وهو هنا أيضاً يحدد کينونته بنفس الأطر التي تحدد شخصية کتکوت الأم الخشبية وأيضاً بنفس المضامين و المفاهيم , حيث يتطابق وجود الطفل مع وجود الکاتب في سياق واحد متزامن(5):

الولد الرسام

کان طيب

لکن .. کان طيب وجبان

رسم النهر

حصان أعرج

والشط أفاعي بألف لسان

رسم السمان

حداية بتخطف کتاکيت

والشجرة  جحر الوطاويط

والوطواط إنسان

 يا حمامة هجت م  الأبراج

البرج أمان

والولد الرسام کان عاشق

کان عاشق وجبان

 عشق النهر في کراسة الرسم(6).

فالولد الرسام  عاشق کبير من عشاق الحياة ، يفسد استمتاعه بالمباهج ما يساوره من وساوس تجاه العالم الخارجي ، وما يحمله من نزر وشرور وتشوهات .

والولد العاشق للحياة والذي يتعاطف معه نبيل خلف لطيبته ونبله هو مدان في نفس الوقت -من وجهة نظره -لجبنه وقصور فاعليته وإحجامه عن التعامل مع الواقع , وليس أمام هذا العاشق إلا أن يقيم عالماً خاصاً به موازياً للعالم المرفوض ، ومن هنا يتضح حقيقة الارتباط الوثيق بين فاعلية الوجود الإيجابي للطفل وبين ممارسة الإبداع , وفى حدود هذا التصور يمکننا أن نتفهم عالم نبيل خلف من الولد الرسام إلى أوبريت الأم الخشية .

وفى جميع هذه الأعمال, " تتبدى وحشة الواقع  ودمويته , ووحشية الکبار المسئولين عن هذا الواقع , بمخازيه وشروره , والخلاص دائماً علي يد الأطفال الذين  لابد أن يثوروا , والذي يؤکد  نبيل خلف دون کلل مقدرتهم الفذة على إعادة أوضاع العالم إلى طبيعته الخيرة التي توائم الطبيعة الإنسانية وتحققها , وهو منهجياً  يتعامل مع الأطفال في أشعاره وقصصه ومسرحياته بهذا المفهوم , فالأطفال  کما يرى أکثر ذکاء  مما يقدر أي أحد أو على عکس ما يظن الکبار الأغبياء , وبواقع هذه النظرة  يکتب للأطفال وعنهم وعن العالم حولهم , مما يستثير أصحاب النزوع التقليدي في کتابات الأطفال, ويستفز اعتراضاتهم وحفيظتهم عليه , وبالمثل يبادلهم نبيل خلف سخطا بسخط  واعتراض باعتراض , فهو  يرفض النزوع للتعالي الذي يبديه المؤلفون عندما يحکون للأطفال عن المثل العليا , ويفرضون وصايتهم على عقولهم الحرة بعقلياتهم القاصرة وذکائهم المحدود , کما يصمهم دائماً ويسوطهم بلسانه السليط. (7).

  وتعکس ثورة الأطفال على الواقع في مسرح نبيل خلف- کما سيتضح من خلال الدراسة التحليلية للمسرحيات في الصفحات  القادمة -القيمة الوجدانية الأساسية التي تضع کافة هذه المسرحيات في نسق عاطفي واحد(الغضب) , ذلک لأن الطفل يجب أن يدرک تماماً أن الفن والأدب ليس بديلاً  عن الحياة , وإن کان موازياً لها , وأن عشق النهر في  کراسة الرسم لا يغنى عن الانخراط في الحياة ولن يقلل من جمال النهر وانسيابه البراق نشؤات الصخور الجرداء وصلابة وقسوة  الأرض , وأن الجمال حقيقة خارجية واقعة , وأن يدرک الطفل أيضاً أن القبح تشويه واحد ودخيل وليس صفة أصلية  للوجود , فمفهوم الجميل يرتبط من وجهه نظره بسريان القانون الطبيعي أو القوانين الطبيعية للأشياء , وهذه الصورة المثلى للواقع وللعالم الخارجي ينشرها الوعي ويسعى إلى تحقيقها ومعايشتها في الواقع , وأقامتها على أنقاض العالم المرفوض , ولا يحجم نبيل خلف عن إدانة الطفل  إذ اکتفى بالعشق المحبوس في أطار الصورة , في إطار الأدب الصامت , الأدب الذي لا يکتمل بالحرکة والفاعلية ولا يهتم بالتأثير والتغير , وإذ کانت هذه الفاعلية بطبيعة الحال وبواقع مفهوم تستند دائماً إلى ثورة الصغار على العالم وتطلعهم إلى مستقبل بعيد يختلف في نقائه عن الحاضر
الذي أفسدناه.

وتنبعث ثورة الأطفال الصغار في جميع الحالات من وجدان غاضب , يمثل الغضب الوجداني المحور الأساسي لإبداعاته , فإذا کان الجميل  رهينا بتحقق القانون الطبيعي , فإن الغضب ينفجر من هذه  اللحظة التي تتوقف فيها حرکة الحياة عن الدوران في مجاله الطبيعي لتحقيق المثل الأعلى للاکتمال:

" کان الطفل الغضبان

 غضبان م المطرة اللي ما رختشي

م الشمس اللي رقدت ولا صحيتشي

م الشجرة اللي زرعها ولا کبرتشي

م الصورة اللي رسمها على الحيطة ولا کملتشي

غضبان م النهر المتعکر ..

م المهر اللي بيتمخطر قدام الفهد الصياد..

غضبان من ألف قانون ملعون

م  الخيل الفطسان

 م المملوک اللي بيرقص في الأمثال الشعبية وبيشرب في دمى ,

غضبان  وازاي راح أکون

 شاعر واعر وحويط

وأنا اغلب خلق الله

أهبل وعبيط (8).

إذن... نحن أمام مبدع متمرد غضبان بطبيعته وتکوينه , لا يتمرد فحسب على السائد المألوف من حوله , ولا على الفعل الناقص الذي لا يکتمل, أو الأحلام التي لا تتحقق, بل يتمرد على الطبيعة أيضاً , وعلى الناموس الکوني, أنه متمرد بالفطرة والسليقة , بل متمرد حتى على إبداعاته , فبعد أن يکتبها قصة أو رواية نجده قد حولها إلى جنس أدبي آخر مخالف ومختلف , کما فعل مع الأم الخشبية التي کتبها  کقصة قبل أن يکتبها کمسرحية , وکما فعل مع فراشة الأميرة الحمراء التي حولها من رواية إلى أوبريت أو مسرحية شعرية , ولاشک أن تمرسه ونبوغه في الشعر والقصة قبل المسرح قد أسهم بقوة في تنشيط خياله الإبداعي ومکنة من التراکيب والصياغات الفنية لکل
جنس أدبي
(9).

لقد توافرت لنبيل خلف عوامل ذاتية خاصة به , کنشأته وتکوينه وحصيلته المعرفية وقدراته الإبداعية , ساهمت مع العوامل الخارجية الاجتماعية والثقافية والتاريخية في صياغة وتشکيل إبداع نبيل خلف , بما تمتع به من الثقافة الموسوعية وهى التي شکلت المکونات الثقافية عند نبيل خلف , يشهد على ذلک قاموسه اللغوي وحواراته الشعرية الزاخرة بالمعارف .

وکما أن المبدع ليس عقل فحسب , بل أن العواطف تلعب دوراً أساسياً متفاعلاً وليس منفصلا مع العقل , نلحظ هذا في أعمال نبيل خلف حيث جاء أدبه ومسرحه ترنيمة حب جارف وصادق ليس لابنته فحسب - والتي تکرر أسمها "رنا" في مسرحيته الثانية والثالثة وکأنه في مسرحيته الأولى لم يشأ أن يفصح أو يصرح باسم ملهمته السحرية والساحرة .. ثم غلب الحب فباح  به - ليس هذا الحب الصادق لأبنته  فحسب بل لکل أطفال العالم , وکأن هذه الفراشة المبدعة أيضاً هي الرمز المجرد المطلق للطفولة , أو على رأى توفيق الحکيم في عودة الروح (الکل  في واحد).

والآن ... وبعد أن قمنا بعرض سريع لملامح الکتابة عند نبيل خلف ومدى ارتباطها بعالم الطفل , نحاول في الصفحات التالية من البحث دراسة وتحليل النماذج الثلاثة المسرحية المختارة من مسرح نبيل خلف للطفل للوصول إلى إجابة عن السؤال الرئيسي للبحث وهو:

ما هي رؤية  الأطفال للعالم من حولهم من خلال مسرحيات نبيل خلف المکتوبة للأطفال ؟

 

أولاً:- مسرحية الأم الخشبية

کتب نبيل خلف مسرحية الأم الخشبية عام 1999م , ومسرحية الأم الخشبية معالجة بالدراما الشعرية لقصة کتبها من قبل , ومر على إصدارها أکثر من عشرة سنوات وتحمل القصة نفس الاسم ( الأم الخشبية) , و تدور المسرحية حول المحور نفسه الذي تدور حوله القصة , ليختلف متنامياً بتفاصيله متبيناً شخصيات عديدة لم تکن لها وجود , ومستحدثا دلالات أخرى ومضامين مختلفة تماماً , موسعاً مجال الرؤية الشعورية ومنتقلاً بمجالات الدراما لآفاق فکرية ووجدانية متميزة عن القصة السابقة , وهى مسائل وأمور من الطبيعي أن تحدثها المعالجة الدرامية واختلاف لغة التناول من النثر إلى الشعر, اللغة التي کتبت بها المسرحية في شکل أوبريت مسرحي , بالإضافة إلى ما يمکن أن نتوقعه من أثر الفارق الزمني بين القصة والأوبريت المسرحي نتيجة تراکم خبرات وعمق وعى واتساع مدارک , ودواعي ظروف خارجية ومتغيرات في الواقع المعاش , لابد أن تکون قد أملت على المؤلف رغبة في تجديد المعالجة الفکرية التي سبق تناولها.

ومن الضروري هنا أن نتساءل عن طبيعة الاختلاف بين الأوبريت المسرحي والقصة خاصة وأن کلا العملين يحمل نفس المسمى ويدور حول محور قصصي واحد؟

إن جوهر الاختلاف الکائن بين القصة والأوبريت المسرحي, ففي القصة يتوصل الکتکوت إلى لغة إنسانية حقاً , ولکنها في النهاية محتوى فردى وشخصي بحت , فالدمية الخشبية في القصة رمز لرواسب الماضي المؤلم , والذي تعلم منه الکتکوت کيف يکون نبيلاً في مقاصده وسلوکه , أما کتکوت الأوبريت المسرحي فهو يواجه عالماً شديد القسوة سوف ينتزع منه آدميته أو إنسانيته نفسها, وتمثل الدمية التي صنعها العالم النبوءة السوداء المنذرة بعالم يفقد بالتدرج من الآن فصاعداً روعة المشاعر والعواطف الإنسانية , إن توجهات الکتکوت لا تتم بالتفوق على لغة القسوة داخل نفسه , وإنما تتم بمقاومة عوامل القسوة الخارجية , وعلى مشارف هذه النبوءة الکارثة التي تمثلها الدمية الخشبية تنمو تشوفات الکتکوت بتصحيح مسار العالم .

والمسرحية يقوم بناؤها الدرامي على سؤال هام وهو: هل يمکن أن ينجح العلم ذات يوم في تخليق کائنات جديدة تلغى الکائنات البشرية وتحل محلها ؟!... وهل يمکن للعلماء تخليق المشاعر والأحاسيس داخل المعامل ؟!

هذا هو السؤال الدرامي الذي تطرحه المسرحية , وذلک من خلال الجنرال   ( حتحوت) والدکتور (حرفوش) اللذان يملکان معملا للهندسة الوراثية , يقومان بإجراء التجارب العلمية فيه لتغير شکل البشرية عن طريق تخليق کائنات جديدة, حيث يقومان بتخليق (کتکوت) داخل المعمل ويضعان له (دجاجة) جسمها (خشب) ومنقارها حديد وحضنها (کشمير) , يقدمانها له على أنها(أمه), فينخدع فيها (الکتکوت) في البداية لکنه سرعان ما يلفظها عندما يستشعر مدى الجفاء والمادية بين أحضانها, وبمساعدة الشجرة والفراشة والقرود وسائر المخلوقات البکتيرية الموجودة داخل المعمل يستطيع (الکتکوت) أن يتخلص من(الأم الخشبية), کما أنهم يتخلصون أيضاً من (حتحوت) و(حرفوش) بطردهما من المعمل ومن عالمهم أيضاً, ولينعموا بالعيش في استقرار وأمان, مؤکدين أن العلم النافع لابد أن  يکون في خدمة الإنسانية وليس ضدها, وأن العلماء التجار أشرار وليسوا شطار, لاتخاذ موقف واعي من بعض العلماء الذين يرون العلم أداة لتحقيق أغراضهم ومصالحهم الخاصة والضيقة على حساب البشرية وحتى على حساب بقاء کوکب الأرض ذاته وأن المشاعر والأحاسيس الإنسانية لا يمکن تخليقها, في المعمل وإنه لا يمکن أن تکون (الأم الخشبية) بديلاً (للأم الحقيقية).(11)

أن المؤلف يطرح من خلال هذا النص المسرحي صورة جديدة من صور الخيال العلمي المعتمد على حقائق علمية ألا وهى الهندسة الوراثية وقدرة العلماء على استغلال قوانينها وقوانين التباديل والتوافق بين الجينات الوراثية للاستفادة منها في عمليات الاستنساخ .

" يقدم المؤلف صورة للعالم الفاسد الخاضع لرغبات رجل أعمال تتحکم فيه أمواله وثرواته , هذا الرجل يستغل طاقات ذلک الطبيب (حرفوش الحوت) وقدرته على الاستفادة من الهندسة الوراثية لعمل إمبراطورية کبيرة للاتجار في الأعضاء البشرية واستنساخ مجموعة من الحيوانات المسخرة لخدمة هذا الرجل صاحب النفوذ القوى , هذه الحيوانات المسخرة لخدمة رجل الأعمال يحصرها المؤلف في مجموعة من القرود والتي يستخدمها رجل الأعمال في کونها حراساً له ولإمبراطورتيه. (12)

إذن .. المسرحية تعد دراما علمية ترکز على بعض السلطات العالمية - إن جاز التعبير- والتي تهيمن على العلم والعلماء وتسخرهم لأغراضها الخاصة کنوع من الهيمنة والسيطرة , مع الترکيز على أنها ليست السيطرة التقليدية للاستعمار, ولکنها الشکل الحديث للسيطرة في
ظل العولمة .

وهذا ما يؤکده نبيل خلف بقوله " إن الأوبريت المسرحي به أکثر من مستوى للوعي , الحکاية الأساسية فيه عبارة عن کتکوت ولد في معمل  الجنرال حتحوت من بيضه کبيرة جداً وخرج  ضخم الحجم بلا أب ولا أم , والمستوى الآخر للوعي أقصد به السلطة العلمية الموجودة في العالم وخصوصاً أمريکا وأوربا اللتين تستخدمان العلم لأغراض شريرة غير إنسانية , وأنا ضد هذه الاختراعات لأنها لا تفيد بل تهدم کثيرا من التقاليد والقيم التي من الضروري أن نحافظ عليها.(13)

أما بالنسبة للشخصيات , حاول المؤلف من خلال اختياره لشخصيات العمل المسرحي أن يوضح ويبلور أفکاره , فهل نجح في ذلک بالفعل ؟ هذا ما سنحاول معرفته من خلال تحليلنا للشخصيات التي قدمها نبيل خلف في مسرحيته.

شخصية (الجنرال حتحوت) , وهو رمز للتاجر الجشع المتجسد في صورة الجنرال رمز السطوة والجبروت , إنها شخصية تبحث عن المال بأي وسيلة , کما تصفها القرود في المشهد الأول  من المسرحية حيث تقول عنها:

قرد 1: والجنرال حتحوت بيقش

قلبه الهش زى القش

وجعان دايما ما يشبعش

م الغزلان والفول والمش(14).

أنه يقوم باستغلال ما وصل إليه التقدم العلمي أسوا استغلال في سبيل تحقيق أغراضه المتمثلة في جمع مزيد من الأموال من خلال مؤسستيه العلمية التي يجند لها من يعمل لصالحه ممن يمتلکون العلم والمعرفة مثل الدکتور حرفوش الحوت , فنجد أن کل من يعمل معه يقدم له فروض الولاء والطاعة , کما نرى من مجموعة القردة التي يسخرها لخدمته , وإن کانوا في الباطن يرفضون ذلک , ويظهر لنا المؤلف طبيعة هذه الشخصية منذ البداية في وضوح, فهو يظهر تحررها وتفاخرها من خلال حديثها بأنها تمتلک العالم بين يديها بما لها من قدرة علمية تساعد على حل مشاکل البشرية المتمثلة في الأمراض الوراثية وغيرها من المشکلات:

الجنرال حتحوت: أنا کان يا ما کان ويکون

والناس نسخ الکربون

والعالم کله في أيدي

واللي هيقوللي يا سيدي

له مستقبل مضمون

والأمراض الوراثية

في خريطة الکترونية

واللي ينطق بزيادة

له عندي ألف شهادة

وملف جينات کرتون (15)

کما أنها " شخصية لا يهمها ما يقدمه العلم للفقراء المتمثلين في الحرافيش کما يطلق عليهم , من دواء رخيص , فذلک لا يرضيه لأنه لن يربح من وراءه شيئاً , وإنما هو يريد المال , لذا نجده يرفض اقتراح الدکتور حرفوش الحوت في اختراع دواء يستطيع أن يشفى به المرضي فقط بشربه ماء  فيرد عليه الجنرال حتحوت:

دوا للحرافيش مايطمنيش

وزارة الصحة مابتدفعليش

هيهات هيهات من دي اختراعات

فهو لا يريد الصحة للناس ولا يريد أن يشفوا من أمراضهم , فذلک لا يحقق أطماعه , والعلم لدية هو الذي يأتي بالأموال , کما يقول:

الجنرال حتحوت: والعلم المقبول دولارات

مش اختراعات لعلاج الايدز.(16)

فالجنرال حتحوت في المسرحية ليس قائدا عسکريا للجيوش والفيالق وإن مارس سلطة لا حدود لها على المصائر والأقدار, واتسع نطاق جبروته ونفوذه متعدياً القارات والبحار, ولأن الجنرال يمثل هذه السلطة المطلقة بهذه الکيفية , يجرده الأوبريت المسرحي من مقومات الشخصية الفنية المحددة الانتماءات الطبقية , ذات الوضع الاجتماعي المتغير , فليس للجنرال أيديولوجية ينتمي إليها کما أنه يتمتع بجنسية ما توطد انتماءه لأي من بلدان العالم أو لأي قارة من القارات, أنه خارج کل هذه الأطر والمعالم والحدود, ويمثل الجنرال مؤسسة ما, ذات طابع استغلالي واضح ينکر کافة حقوق الآخرين ويسخر کافة القيم لصالحه , والمظهر الوحيد المتعين لهذه القوة التي يجسدها هو کرسي العرش الذي يتربع عليه , أنه عرش اليکتروني تلتف حول قوائمه مخلوقات بکتيرية وبهذا التحديد ينتمي الجنرال إلى عصرنا الراهن.

شخصية الدکتور(حرفوش الحوت) , هو العالم الحاصل على الدکتوراه في الهندسة الوراثية , ويعمل في مؤسسة الجنرال حتحوت , ويقوم على تنفيذ أغراضه في مقابل الحصول على المال , وقد صوره المؤلف في صورة مريض, وکأنه يريد السخرية  من هذه الشخصية , التي تظهر ملامحها من خلال وصف الشخصيات الأخرى , بالإضافة إلى ما يبرز منها هي ذاتها , نلمح من حديث القرود:

قرد: الحوت حرفوش ببدن مرعوش

يدخل بشويش في بساط منفوش(17) .

نلاحظ دلالة الاسم الذي اختاره له المؤلف ووصفه له بالحوت , فهو يفعل المستحيل من أجل الحصول على المال , فيحاول أن يعدد مزاياه  حتى يکسب رضاء الجنرال حتحوت صاحب المؤسسة التي يعمل بها.

حرفوش الحوت: أن حرفوش السوبر فات

م البراکين والحفريات

قصي جينات من طير ونبات

أو من ريش البغبغانات (18).

"ونرى جماعة القرود لديها يقين بأنه غشاش , وأنه لا يستطيع أن يفعل شيء مما يقول, وهذا ما تثبته أحداث المسرحية من خلال تجاربه داخل المعمل, والتي حاول أن يجربها على فرخ الدجاج بحيث يعدل من شکله ومن مشاعره , ويقوم بهندسة عقل فرخ الدجاج وراثياً بواسطة المخلوقات البکترية بحيث يتقبل وجود تلک الأم الخشبية البديلة التي ليس لها أي مشاعر أو أحساس, ذلک لأنها تعمل عن طريق البرمجة وبطبيعة الحال لا تستطيع أن تمنحه الدفء والحنان الطبيعيين(19).

إن الحساسية المفرطة والتوجسات الشديدة التي تميز تشرفات نبيل خلف لنذر المستقبل, والتي تترجم عدم اطمئنانه لما قد ينجم عن الطفرات العلمية الهائلة في مجال الهندسة الوراثية من آثار مدمرة , وإيمانه المطلق -في نفس الوقت - بالحقائق العلمية , لابد أن ينعکس مؤثرا على بنائه لشخصية الدکتور حرفوش , فما من شخصية أخرى داخل الأوبريت المسرحي ندد بها ونناصبها العداء مثل هذه الشخصية , وفى الوقت نفسه ما من شخصية حظيت مثلها باهتمامه الشديد في رسم أبعادها وسبر أغوارها  والکشف عن کوامنها وأسرارها من هذه الشخصية, فشخصية الدکتور حرفوش في المسرحية تتمتع  بمقومات الشخصية الفنية  متعددة الأبعاد متميزة الملامح والصفات , فهو يمتلک بطنا يجب أن يشبعه وجسدا من الضروري أن يکسوه ونفساً تحرکها الأطماع وينحط بها الجشع ويرعشها الخوف وترهبها السلطة, فتؤثر الخضوع وتفضل الخنوع والانضواء کاملا بمحض أرادتها لهيمنة السلطة وسطوة الجبروت, ولا يکن الدکتور احتراماً  لنفسه مستشعرا وضاعته وقلة شأنه , يفتقد للمقومات النفسية والأخلاقية التي تحفزه للتغلب على مواطن ضعفه والتفوق على ذاته مفتقرا للشجاعة التي تمکنه من المقاومة والاستبسال وهو يعبر عن ضعفه وسطحية مشاعره بدون خجل وببساطة : (20)

د/حرفوش: أنا متفرغ لاختراعاتي

بس توفرلى احتياجاتي

طباخ ترکي وحاوي وحاتي. (21)

وکما لا يخدم نفسه من الطبيعي ألا يحترمه الآخرون ويرونه تماماً کما تراه القرود:

القرود: الحوت حرفوش ببدن مرعوش

يدخل بشويش في بساط منفوش (22).

ويترجم نبيل خلف مقته لشخصية الدکتور حرفوش وازدراءه بأسلوب السخرية اللاذعة , وصيغة التهکم التي يصوره بها , فهو أشبه بدور مهرج السلطان أو مضحک الملک , بل لولاه لما استطاع الجنرال حتحوت السيطرة , ولا تمکن من الهيمنة والتحکم , ولا تملک أدوات القدرة على تقويض دعائم العالم الإنساني لصالح توطيد أرکان ملکوته ومکاسبه , بهذه الثنائية التي تزاوج بين العالم والحاوي , والتي تمزج بين الاعتراف بالقدرة الفذة وبين الازدراء البالغ الذي يعبر عن عدم الاحترام والتقدير, تعکس هذه الازدواجية في شخصية الدکتور حرفوش موقف المؤلف وتخوفاته , فهذه المقدرة الفذة التي يتمتع بها العالم لا تستهدف الإنسان , أنها تصل في النهاية لإفراز الأم الخشبية , الرمز الذي يعنى لديه کل ما هو منافي للإنسانية .

ولاشک أن هذه الترکيبة الإنسانية للدکتور حرفوش کثيراً ما نراها في واقعنا الحياتي المعاصر, حيث يستخدم بعض العلماء قدراتهم وعلمهم في أغراض غير مشروعه لضمان سرعة الکسب, وينبع من هذه النزعة الشمولية للجنرال حتحوت نزعة الهيمنة والسيطرة , خط التبعية والتقليد الذي تمثله (القرود) واقعياً رمزياً, على مستوى الحدث المباشر والمستوى العام العالمي " فجماعة القرود يعملون  في مؤسسة الجنرال حتحوت ويقدمون له فروض الطاعة والولاء في بادئ الأمر  خوفاً من بطشه وقوته , وإن کان ذکاءهم يجعلهم ينتقدون شخصية الجنرال وشخصية الحرفوش بشکل سافر, ولکنهم في النهاية يثورون على هذا الزيف والخداع , وينضمون إلى فرخ الدجاج بعد أن أصيب أحدهم بيد الجنرال حتحوت , فيدرکون أنه في سبيل مصلحته لا يتورع بأن يضحى بهم , وقد استطاع المؤلف أن يضفى على جماعة القرود بعداً کوميدياً في أغلب مشاهد المسرحية (23).

وعلى الجانب الآخر نجد الکائنات الحية هي التي تمثل الخير لا بالمعنى الأخلاقي فقط بل وبالمعنى العلمي والفلسفي والإبداعي أيضاً, وهذا المفهوم الناضج للعمل(العلم.. خيال وجمال وفنون) , نضمن الحصانة  للعمل ضد الانحراف إلى القبح وإلى الأذى وإلى الأرض الخراب .

فإلي جانب هذه الشخصيات التي تمثل جانب الشر نجد على الجانب الآخر باقي الشخصيات المتمثلة في فرخ الدجاج والشجرتان والمخلوقات البکتيرية , وهى الشخصيات التي تمثل العناصر الخيرية , وإن کان المؤلف يظهرها في البداية بأنها مغلوبة على أمرها , إلا أنها في النهاية تستطيع أن تثور وتنتصر على الجانب الشرير, بعدما ظلت سيطرة الدکتور حرفوش الحوت يجري عليها تجاربه وأبحاثه .

ويطرح لنا المؤلف شخصية (الکتکوت) کأحد ضحايا عملية الاستنساخ هذه , فهو کتکوت بدون أم أو أب , وقد صنع له حرفوش أم من الخشب لا تدرک ولا تحس , لقد أراد حرفوش أن يغير ملامحه ويبدل عواطفه ومشاعره الطبيعية نحو العالم ويحاول أن يهيئا له بيئة مصطنعة هو بعيد عنها کما هي بعيده عنه , ويرمز لها بحضن الأم الخشبية, ويقتنع فرخ الدجاج في البداية بأن الأم الخشبية هي أمه الحقيقية ولکن التجربة تثبت له غير ذلک فعندما تحضنه الأم الخشبية لا يشعر بالحنان وإنما يشعر بأنها تعتصر جناحيه فيصرخ من الألم ويشعر بالوحدة والوحشية, فتقف فراشة التوت بجانبه والشجرتان والمخلوقات البکترية.

ومن هنا يبدءون جميعاً في الانقلاب ضد رجل الأعمال الجشع حتحوت , ويصبح التحدي واضحاً بين کائنات المعمل والقرود وبين الدکتور حرفوش وحتحوت , واستطاع فرخ الدجاج (شادي) أن يتزعم هذه الثورة رغم خوفه وإحجامه في البداية , بمساندة بقية الکائنات في ذلک , وحتى فراشة التوت القادمة من خارج المؤسسة فتکون هذه الفراشة هي العامل الخارجي الذي يدخل في وسط ساکن فيحرکه ويدفعه للانقلاب عن حياته الساکنة, وفى النهاية ينضم حراس حتحوت (القرود) لهذا الانقلاب نظراً للقهر والضغط الذي يتعرضون له من قبل هذا الجنرال المخيف.(24)

وعلى هذا يکون هذا الکتکوت هو بمثابة بارقة أمل لهذه الکائنات المغلوبة على أمرها وکأنه نداء لکل البشرية بعدم استخدام العلم في أغراض غير شرعية وغير شريفة لأن هذا يؤدى بالبشرية إلى الفناء والزوال , کذلک کانت تلک الدمية الخشبية للدجاجة سببا لانقلاب الکائنات المستنسخة ضد العالم الذي استنسخهم والثورة ضد کل المستغلين لفوائد العلم واستخدامه في
أغراضهم الخاصة.

إن شخصيات المسرحية رسمت بکل وضوح سواء کانت شخصية الجنرال حتحوت أو الدکتور حرفوش, کذلک شخصية الغلابة والمقهورين وشخصية الحاشية والمنافقين, کما أن الشخصيات التي رسمها المؤلف تتميز بالبساطة والوضوح إلى جانب أنها من الشخصيات التي يحب الطفل رؤيتها مثل: الفراشة والکتکوت والأشجار والقرود وأيضاً المخلوقات البکتيرية.

أما بالنسبة للصراع, فالصراع يدور في مسرحية الأم الخشبية بين أشخاص وقوى متناقضة المواقف , مناصبة العداء, ليصل إلى ذروة الإشکال, ثم لتنتهي بعد ذلک بتحديد المصائر والأقدار.

ففي "المشهد الأول نتعرف على أقطاب القوة الثلاثية الفاعلة والمؤثرة , الجنرال حتحوت, الدکتور حرفوش, والمخلوقات البکتيرية من خلال تقديمها لأنفسها في خطاب استعراض ينتهي في المشهد الثاني بميلاد الکتکوت صنيعة هذه القوة وربيب الدمية الخشبية, الذي يکتشف أبعاد المحنة التي يعيشها في المشهد الثالث , وتمثل المشاهد الثلاثة الأولى محتوى النبوءة المنذرة بالتعاسة القادمة المحدقة بالمصير الإنساني, ويحتدم الصراع والتفاعل بين جميع القوى في استعراضات المشهد الرابع وتصطدم ببعضها أقطاب التناقضات لتولد البشارة المتفائلة بالانتصار الإنساني, من خلال تباين الرؤى والمفاهيم حول القيمة العلمية التي تجمع في آن واحد بين قوى الشر وقوى الخير , بين الجنرال وأتباعه والکتکوت وأنصاره , فکل من الجنرال والکتکوت يؤمن بقيمة العلم, وإن اختلفت نظرته وتباينت مواقفه , فالجنرال يرى أن العلم المقبول دولارات وليس اختراعات تستهدف خير البشرية , بينما يرى الکتکوت ورفاقه أن العلم خيال وجمال وفنون وليس أرصده مضمونة ببنوک .(25)

وفى قمة احتدام الصراع بين الفريقين تبدأ تحولات المواقف , فالمخلوقات البکتيرية الشريرة تتحول إلى مخلوقات خيره ويتداعى عرش الجنرال للتصدع ثم ينهار تماماً حين تنسلخ القرود
من حوله.

وينفض الصراع بالتأکيد على أن کل تقدم علمي لا يضع الحقيقة الإنسانية في اعتباره لن يصمد طويلاً في مواجهة الزمن وسيسقط سريعاً من ذاکرة التاريخ , وحين يتجه  الکتکوت بعد الانتصار إلى الغابة فعلينا أن نتذکر من جديد زهرة عباد الشمس التي يجب أن تسترد قوانينها الطبيعية لتعود للدوران في فلک حرکتها الصحيحة المتجهة دائماً وأبداً صوب الشمس.

إذن .. ففي المسرحية نجد قضية الصراع الأزلي بين الخير والشر وقد عولجت من خلال قضية الحاضر والمستقبل , فقضية الهندسة الوراثية إنها الخط الرئيسي في المعالجة لکنها ليست الخط الوحيد , فالمسرح الحديث تتعدد فيه الخطوط الدرامية بالتجاور, بالتوازي, بالتقاطع , وبالتشابک, وهى نهج وحرفية نبيل خلف في کتابة المسرح, ولذلک نجد معها خطوطا درامية أخرى عديدة , خط الانحراف برسالة العلم  وتطبيقاته من قبل  العلماء (التجار - الأشرار) والتي تعود بالوبال على البشرية , وخط تسخير مثل هؤلاء العلماء وعلمهم  لصالح مؤسسة ما للهيمنة على العالم, ينبع من هذه النزعة الشمولية نزعة الهيمنة والسيطرة , وخط التبعية والتقليد.

أما إذا انتقلنا للحديث عن لغة الکتابة, فيمکن القول بأن نبيل خلف وجد في لغة الشعر ما يحقق مرامه وما يمکنه من بناء نبوءته ويصور إحساسه بالرعب من توقع الدمار الإنساني, " لقد بذل جهد کبير في تذليل هذه اللغة لتستوعب العديد من المصطلحات العلمية التي لا غنى عنها في تحديد المعالم الأساسية للعالم الذي يريد تصويره , خاصة وأن هذه المصطلحات قد وردت بتلک الکثافة التي لم يواجهها أحد من الشعراء من قبل, ففي مقطع شعري واحد احتشدت مصطلحات مثل: بقع الشمس , المغناطيسية , البصمات الکيمائية , صخور القشرة الأرضية , البراکين, الشهب, الصوب الزجاجية, الهندسة الوراثية, والتجارب العلمية... وغيرها کثير, ورغم الحيدة والموضوعية الجافة لهذه المصطلحات فقد اکتسبت في الأوبريت المسرحي حيوية جمالية لا تتمتع بها أصلاً , واستمدت سحرا لافتا للأذن بتوظيف الموسيقى الکامنة في الألفاظ أو رنين الکلمات المميز والاعتماد على موسيقى الحرف الواحد في بعض الأحيان, وبدا الأمر على جانب کبير من المتعة والجاذبية کما لو کان الهدف إثراء القاموس الشعري بکلمات عصرية (26).

مين حيشوف مع حسن النية

بقع الشمس المغناطيسية

والبصمات الکيميائية

في صخور القشرة الأرضية

والألماظ لما يتبلور

 في البراکين والشهب الحية

وهي الأرض بتسخن ليه

أکثر م الصوب الزجاجية

والکتکوت يزعل من إيه

وهو يا دوب تجربة علمية

وإذا کانت لغة الشعر قد تمکنت من استئناس قطعان المصطلحات العلمية المحتشدة وترويضها  لسحر النغم, فإنها على مستوى آخر من مستويات التوظيف الفني للغة استطاعت إيجاد نوع من التوازن بين الصوت الفردي والصوت الجماعي , لتؤکد على وحدة المصير المشترک للنوع  الواحد وإبرازه کقوة متجانسة ذات خصائص متوحدة في تمايزها عن القوى والأنواع الأخرى.

"ومن أهم الخصائص التي تميز اللغة الشعرية وتجعل من توظيفها ضرورة فنية, قدرتها الفائقة على استدعاء المأثورة الشعبية بإيقاعاتها وتشبيهاتها وروحها.

وقد أدرک نبيل خلف أهمية هذه القدرة في إحکام دوائر الإقناع والإيهام, واستطاع أن ينتقل بنا من المستقبل الذي يتعرض لإشکالاته ومشاکله إلى واقعنا اليومي من خلال تطويع  لغة الشعر لاستقبال المأثورات والتعبيرات والأغاني بکثافة جعلت کل شخصيات الأوبريت المسرحي سواء الجنرال أو العالم أو القرود والمخلوقات البکتيرية تتمتع بالروح نفسها التي يتمتع بها رجل الشارع المصري, وتتحدث بلسانه وسوف تحاصرنا العامية المصرية بتشبيهاتها وتعبيراتها الملائمة وإيقاعاتها الراقصة من البداية إلى النهاية لتزيل عن نفوسنا مشاعر الغربة وأحاسيس الاغتراب "(28).

وبکل هذه الخصائص للغة الشعرية تمکن نبيل خلف من الاحتفاظ بالبساطة الشديدة لقصته التي يقدمها للأطفال رغم موضوعها المرکب شديدا التعصب.

ورغم ما سبق من عرضة في أن هذه المسرحية المکتوبة شعراً عامياً في سلاسة وتدفق تلقائيين ويذکرنا بأشعار شعراء العامية الکبار أمثال صلاح جاهين وفؤاد وحداد, ويشي بتمکن الشاعر نبيل خلف من أدواته , ولکن "يبدوا أن فرحة الأديب في داخله قد أنسته ضرورة الاحتراز في الکتابة لأطفال يخلو قاموسهم اللغوي من الکثير من الکلمات والمعلومات والحقائق والمصطلحات التي راح يزرعها في کل مشاهد الأوبريت المسرحي مثل: (البصمة الوراثية , دواء بيعالج الليوکيميا , في بلاد الجات بکتريا باليومية , الأفران الذرية , النفايات , الفيزياء النووية , رموز في معادلة لمندل. .. وغيرها"(29).

ونحن رغم هذا مع المؤلف في قوله بأن أطفال مصر أکثر ذکاء مما يعتقده البعض , وبأنه يمکنهم أن يدرکوا أعمق المسائل العلمية , ومعه أيضاً في محاولته أن يشارک الأطفال متعتهم في فهم العلم والعالم لا عن طريق نقل طرائق العلم ونظرياته في عمل مسرحي , ولکن من خلال تشکيل نظرة أو رؤية شاملة للعلم ومدى تأثيره على التطور والتقدم.

ولعل هذا ما ذهب إليه( وينفرد وارد ) بقوله "من الخطأ في مسرحيات الأطفال بوجه خاص استخدام عبارات  طويلة , فالحوار القصير الطبيعي يحقق الهدف المنشود منه على الفور, وهو الحوار الناجح , فإذا راعى مؤلف مسرحيات الأطفال ذلک فلن يضطر المخرجون إلي حذف الکثير من
فقرات الحوار"
(30).

رغم هذا يحسب لنبيل خلف تصديه لکتابة هذا العمل المسرحي رغم طبيعة الموضوع المعقدة , لکنه عالج الکثير من المصطلحات العلمية المکتوبة بلغة شعرية وشاعرية في نفس الوقت الأمر الذي ساعده على خلق لغة عصرية جديدة تخاطب الطفل لغة الإنترنت والهندسة الوراثية , فالمزيج العلمي والفني قد ساهما في تحقيق معادلة ورؤية متميزة تحترم عقل الطفل ووجدانه باللغة الشعرية والرؤية العصرية والواقع المعاش (31).

أما عن زمان ومکان المسرحية , فمسرحية الأم الخشبية تجرى أحداثها داخل مؤسسة الجنرال حتحوت داخل مختبر علمي خاص بالدکتور حرفوش الحوت, وتجرى أحداث المسرحية داخل الزمن الآني المناسب لعصرنا, حيث تناقش فکره الاستفادة من الهندسة الوراثية وتلقيح الجينات في استنساخ بعض الکائنات, وهى أحداث معاصرة وتحمل ملامح التنبؤ بالمستقبل.

وبعد هذا العرض السريع لأهم ملامح وسمات الأوبريت المسرحي الأم الخشبية لنبيل خلف, نجد أن النص يحتوى على عدد من الرؤى الجديدة استخدام فيها المؤلف الخيال العلمي ليس فقط لمجرد السفر بخيال الطفل لأبعد الحدود دون وعى , لکنه سعى على تأکيد قيمة الإنسان الفرد وقدرته العقلية ومشاعره الداخلية ووجدانه وأحاسيسه التي لا يمکن الاستغناء عنها مهما أنتج الإنسان من مخترعات حديثه فإنها في النهاية لن تکون قادرة على السيطرة على مقدرات الإنسان لأن الإنسان صنعها لکي تخدمه لا لکي تمحوه , کما أن موضوع الأم الغائبة أو الأمومة المفتقدة من أهم الموضوعات التي تطرق إليها المؤلف لنتذکر معاً کتکوت المعمل الذي استهل حياته محروما من عطف الأم الحقيقية وعرفنا معه معني الأمومة الحقيقية في إنکار الذات والتضحية والتفوق
على النفس.

ثانياً: مسرحية فراشة الأميرة الحمراء.

اعتمد نبيل خلف في کتابة الأوبريت المسرحي (فراشة الأميرة الحمراء ) علي رواية تحمل الاسم نفسه صدرت عام 1998م عن دار الشروق, أي قبل کتابة الأوبريت بنحو عامين, تماماً مثلما فعل من قبل بتحويله قصة الأم الخشبية إلى أوبريت مسرحي يحمل نفس الاسم.

"وعلى الرغم من أن أوبريت الفراشة يحمل اسم الرواية ويقدم معظم شخصياتها ويتمحور حول محاور الحدوتة نفسها, إلا أنه يبدأ على نحو ما من حيث انتهت, ليتنامى بعد ذلک مستقلاً بعالمه إلى حد کبير عن عالمها , فالتباين الجوهري بين الرواية والأوبريت المسرحي يکمن في الانتقال بزمن الأوبريت المسرحي من الماضي إلى المستقبل من الذي کان إلى ما سوف يکون, ليتعدى بهذا الانتقال حدود التعبير عن الفردي الشخصي المحدود إلى تقديم الأکثر عمومية وشمولاً , منجذباً للتأکيد على فاعلية الإرادة الإنسانية التي تتجلى بأوضح ما يکون فيما تحققه من إنجاز حضاري وتقدم علمي, وفيما تصبوا إليه من إيجاد حلول للمشاکل والعقبات التي تعترض مسار التطور البشرى نحو الأکمل والأجمل" (32).

بمعنى آخر فإن الأوبريت الذي يبدأ من حيث انتهت رواية الفراشة , ما أسرع ما يتجاهل الرواية بکامل تفاصيلها , ليؤسس عالمه ويعيد ترتيبه داخل الحيز الفکري الذي يعقب منطقياً مجال الرؤية الفکرية لأوبريت الأم الخشبية.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذه الرؤية الفکرية أو الوجدانية أوسع مدى وأفسح رقعة, وأن نبوءة الدمية المرعبة في الأم الخشبية تمثل القناعة الوجدانية الأعمق والرؤية الفلسفية الأشمل , إلا أن النظرة المتأنية لا تلبث أن تکتشف أن الأوبريت المسرحي فراشة الأميرة الحمراء قد تجاوز هذه النبوءة المنذرة بزوال الجنس البشر وتخليه عن عرشه لکائنات أخرى استطاعت التفوق بقدراتها وذکائها على قدراته وذکائه.

لقد استطاعت الفراشة أن تستعيد من جديد عيون زرقاء اليمامة ببصيرتها النافذة وأن تشدو لقدر الإنسان السيد, تشيد المصير الکبير المستند على العلم / الحلم, وأن تقدم هذا الحلم العظيم بتفاؤل يتعدى حدود النبوءة السوداء , وأن تصل في تأکيدها على الإرادة الإنسانية لترويج البشارة التي تتوازى وتتجاوز الشؤم.

إذن..." ففي مسرحية فراشة الأميرة الحمراء نجد أن الموضوع مغايراً وکذلک المعالجة عما هو في مسرحية الأم الخشبية , صحيح أنه لم يبعد عن دائرة العلم والإنسان والکون , ولم يبعد عن المعامل والمختبرات , وعن المنهج التجريبي لکنه في مسرحية فراشة الأميرة الحمراء سار في الاتجاه المعاکس, حيث عالج القضية من جوانبها الإيجابية المفيدة لتقدم البشرية وسعادتها , فها هو کتاب (العلم سفيرنا إلى المعرفة) لکنه ليس العنصر الوحيد للتقدم , لذلک نجد المؤلف يربط بينها وبين خطوط درامية أخرى.. خط (الأحلام ), وخط (الحرية ),أو خط (الإرادة الإنسانية) فالثالوث ( العلم / الحلم / الحرية) بدون الإرادة القوية لا ينتصر الإنسان ولا ينتصر الخير" (33).

ويبدو من خلال مسرحية فراشة الأميرة الحمراء , اهتمام نبيل خلف بهذا الاتجاه من مسرح الطفل, ( المسرح الذي يواکب معطيات العلم الحديث مقترباً من مسرح الخيال العلمي), وهو اتجاه محمود, فقد سبق له أن کتب مسرحية الأم الخشبية عن موضوع (الاستنساخ) وهو مجال علمي حديث أصبح الکلام عنه متداولا في مختلف وسائل الإعلام , ولابد من بحثه وتوضيح معناه وأهدافه في مسرحيات الطفل الذي أصبح يتعامل ويستقبل کماً هائلاً من معطيات التقدم العلمي السريع من خلال الکمبيوتر والإنترنت.

"يقدم نبيل خلف رؤاه في مسرحية فراشة الأميرة الحمراء ويحدد ما أفتقده في طفولته وما يتوق إلى تحقيقه , ويحقق ذلک علي مستوين, مستوى ذاته المتشرنقة على الطفل الذي بداخله , ومستوى ما يريد ذلک الطفل تحقيقه من خلال امتداده في طفولته الصغيرة التي مازالت تنعم بالبراءة ولم تغبر قدماها بعد بزيف الواقع وألوانه المنکرة" (34).

وتدور مسرحية فراشة الأميرة الحمراء حول الشخصية الرئيسة الطفلة "رنا", أمها عالمة وأبوها أيضاً عالم مسافر للبحر الأحمر, بينما الأم مشغولة بأبحاثها وتقريباً لا يوجد حوار بينهما, بل إن الأم تعد "رنا" بجولة ترفيهية بحرية, لکنها بسبب انشغالها تخلف وعدها , وتسافر "رنا" بأحلامها إلى جزيرة الأحلام مع فراشات الأحلام .. وفى جزيرة الأحلام تلتقي "رنا" بالشمس سيده الأکوان التي تقوم مؤقتا بدور الأم الغائبة , کما تلتقي بمخلوقات أخرى مثل البطريق والقطة ذات الناب, وتجئ أمها وراءها في محاولة لاستعادة علاقتهما المفقودة.. ويتحد حلم (رنا) مع حلم البشرية في تغير الواقع والسکن تحت قاع البحر بعد أن يتم التوفيق الجيني والوراثي للإنسان.

فأوبريت فراشة الأميرة الحمراء, يطوف من خلاله المؤلف نبيل خلف العالم السحري للحلم  والعلم, فالطفلة (رنا) تحلم بالرحيل للبحر الأحمر, کما تحلم بأن تکون فراشة الأميرة الحمراء , ثم تتوالى بقية أحلام الکائنات المختلفة .. من( القطه) التي تحلم بالزواج وإنجاب ذرية من العلماء المرموقين في الجيولوجيا والذرة , وحلم (البطريق )الذي يرتعش رعباً من حلم الطيران, وحلم (البجعة) التي تحلم بأن تضئ البحر بمصابيحها , والسرطان الناسک الذي يبحث له عن صدفة تلاءم جسده بمواصفات فندق خمس نجوم , ثم يتحول حلمه إلى رغبة شديدة في الهيمنة والسيطرة والتحالف مع التماسيح لتحقيق هذا الهدف , وکذلک حلم الشمس بالغوص في قاع البحر لکي تلعب مع (رنا) لتحيل القاع إلى جنة خضراء.

وفى النهاية يمتزج الحلم (لرنا) والکائنات الأخرى بالحلم الجماعي للبشرية حين تزول الفجوة بين( رنا ) وأمها العالمة المنشغلة عنها بأبحاثها العلمية, وحين يعود الأب العالم في علوم البحار, ويقدر الأب والأم أحلام ابنتهما ويسهمان بأبحاثهما العلمية في تحقيق حلمها بالرحيل للبحر الأحمر والحلم الجماعي للبشرية بإقامة مدينة تحت البحر تضم جميع الکائنات البحرية وتحافظ على التوازن البيئي دون اعتداء على حق الحياة لکافة المخلوقات من حيوانات وطيور ونباتات وکائنات بحرية, لينتهي الأوبريت المسرحي بأغنية صفين"(35).


صفين مع بعض ونتفاهم

نعيش مع بعض وبتفاهم

کائنات بحرية وبرية

والکون بيساع البني آدمين

وطيور مفترسة وبکتريا (36).

فالنص هنا يقدم لنا وبصورة مبسطة أهمية الأحلام للإنسان , وکذلک مدى احتياجه للحنان والعطف ولوسائل الترويح واللعب في الأجازات , کما يزخر النص بالعديد من الأفکار العلمية والتوجهات المستقبلية , مثل استغلال البحار والمحيطات للزراعة والذي يعتبره العلماء في هذا العصر جزء هام من حل مشکلة الغذاء في الغد القريب , وذلک بعد أن يتضاعف سکان الأرض ولا يجدون أرضاً يزرعون فيها طعاماً يکفيهم , فالمستقبل للزراعة والسکني- کما تشير المسرحية - في قاع البحر, ففيه متسع لذلک بعيداً عن سطح الأرض المليء بمن عليها من المخلوقات , إلى جانب العديد من الإشارات لبعض الاختراعات العلمية الحديثة.

" والمؤلف نبيل خلف يطرح خلال مسرحية (فراشة الأميرة الحمراء) مجموعة من المفاهيم الايجابية التي ألقاها على عقول الأطفال بأسلوبه السهل الممتنع, أولها هي محاولته الصادقة في دق ناقوس الخطر محذرا کل أب وأم من الانجراف في مشاغل أعمالهم ويترکون أطفالهم يعانون من الفراغ القاتل, المفهوم الثاني عدم الاستهانة بعقول الأطفال , فالطفرة العلمية الهائلة الموجودة الآن ليست بعيدة عن قدرات استيعاب أطفالنا , ولکن الفرق بين الکبار والأطفال في التعامل مع طفرات التکنولوجيا , حيث أن الکبار بداخلهم نوازع الشر التي من الممکن أن تدفعهم إلى أن توجه أبحاثهم العلمية إليها لتعطيهم نتائج تدميرية, أم الأطفال فيتعاملون معها ببراءة متناهية لأنهم لم يتلوثوا بعد بنوازع الإثم التي قطع فيها الکبار شوطا کبيراً, المفهوم الثالث أنه لا يمکن أن تتقدم البشرية من خلال الأبحاث العلمية البعيدة عن الأخلاق والقيم کما يحدث مثلاً في ميدان الاستنساخ والذي رفضه العالم شرقه وغربه .

ويؤکد الکاتب من خلال مسرحيته أنه إذا نزعنا القيم والأخلاق من أبحاثنا العلمية فسيؤدى ذلک إلى دمار العالم , المفهوم الرابع ترسيخ معنى الحرية في تعامل الأب والأم مع أبنائها فلا مکان الآن للأمر بالفعل والأمر بعدم الفعل , إلا أن يوضح الأب أو الأم للطفل لماذا يفعل هذا الشيء, فلا بد أن يحترم الوالدان عقلية طفلهما ويفسرا له مخاطر السلوک السيئ وما يحببه في السلوک الطيب , المفهوم الخامس إشراک الطفل في قضايا عالمه الذي يعيش فيه لأنه سيصبح بعد عقدا وعقدين من الزمان من متخذي القرار في مختلف المواقع.

بهذه المفاهيم يحاول المؤلف أن يغير واقع الطفل في مصر ليلحق بالقفزات العلمية التي تجتاح  العالم باستمرار.

وتعد النزعة الأخلاقية من العوامل المؤثرة تأثيراً رئيسياً في بناء المؤلف لشخصيات مسرحيته , وعاملاً جوهرياً من العوامل المحرکة للأحداث فالطفلة ( رنا ) في المسرحية هي الابنة الحالمة التي تتطلع للغد وللمعرفة , وتحاول أن تُسعد من حولها من الکائنات في البر والبحر, ورغم انشغال والديها عنها إلا أنها لا تنسى أن تصطحبهما في رحلتها تلک , فخيالها الخصب لا يستطيع أن يحلق دون دفء العائلة وتماسکها , لذلک خرجت الصغيرة لتقابل شخصيات شريرة لأنانيتها مثل سرطان البحر وشخصيات تبحث عن الجمال مثل القطة , أو تسعى لتأکيد ذاتها مثل البجعة , أو تعجز عن تغير نفسها لعدم قدرتها على الحلم مثل البطريق.

والأب العالم يقوم بحل مشاکل تلک الکائنات الرقيقة ويقف في وجه السرطان الماکر المهدد بموجة عاتية اسماها (تسونامي), لذا فقد بني لهم سداً بحرياً ومحطات رصد ونظام للإنذار الفوري وبرامج حماية على الانترنت.

أما بالنسبة لشخصية الأم فإننا نراها بعيون الابنة أکثر مما نراها کياناً
منفصلاً مستقلاً.

الأم: في المعمل بأنسي الدنيا

وبعيش أجمل لحظات عمري

وأتعلم م البکتريا

لغة الفيزياء والکيميا

أو ترکيب الذرات  (37)

تنس الأم في ذروة انشغالها بأبحاثها العلمية أنها کانت قد وعدت ابنتها باصطحابها إلى البحر, فعالم الأم بعد کثيراً عن عالم الطفولة , عالم الحلم وألوان الطيف المشرقة , تنسى وعدها لابنتها ,أما الأب العالم الحالم فيحيا معها الحلم العلم , فيتحقق عالم الابنة عالم الأب ويقدمان لنا تزاوجاً حياً للحلم والعلم.

" وأما شخصية السرطان الناسک (أبو جلمبو) فهو کما يصوره المؤلف حيران شرير دائماً يدخل في تحديات مع ضيوف أحلام الطفلة ويوحي لها ويوعز أيضاً بأشياء تخيفها وتغضبها , والمؤلف هنا يستغل السرطان البحري حتى ينقل صورة من الصور التي تحدث في البحار وهى ظاهرة تسونامي , وهي موجة مدمره وعاتية تدمر کل شيء في لحظة لأنها أقوى من الإعصار"(38).

فالسرطان في حقيقة الأمر لا يشغله إلا اهتمامه بنفسه بنرجسية واضحة, ولقد حدد مصالحه وأهدافه بأنانية مفرطة, وهو في محاولته للدفاع عن خصوصياته يلجأ لإثارة رعب الآخرين من الکوارث الطبيعية أو من الشر الفائق الذي لا قبل لأحد بمواجهته , ويبدو السرطان کما لو کان ينتصر للشر على کل دواع الخير والجمال , مرتضياً لنفسه القيام بدور الشيطان , لا يريد لأي فرد أن يشارکه الوجود بأنانيته البالغة , ولقد نجح إلى حد ما في زعزعة إيمان الطفلة الفراشة
بأفکاره السوداء .

السرطان: تسونامي .. تسونامي

قلتها عربي.. قلتها ياباني

صوت الرعد  يسد ودانى

والزلزال م البحر الثاني (39)

وأخيراً شخصية الشمس, بدفئها وأمومتها الجميلة, فهي أم تعويضية للطفلة التي فقدت أحضان والدتها والمنشغلة عنها دائما بأبحاثها العلمية , والطفلة في المسرحية تعيش حلمها من خلال الشمس والتي تقدم هي الأخرى کل الخير لکل الکائنات ,  فالشمس ذات العمر المديد الذي يخولها وحدها القيام بشخصية العراف( تريسياس) الضرير في التراجيديا اليونانية , فهي الوحيدة التي بإمکانها أن ترى المستقبل في ضوء معرفتها بالماضي السحيق:

عمر  الشمس أربعة بليون

عارفة اللي بيحصل في الکون

يا ما براکين وزلازل عدت

وکواکب بالأرض اصطدمت

ديناصورات في الثلج انقرضت

وإرادة الإنسان انتصرت   (40)

فمن وجهة نظر الشمس العرافة لا يمکن أن يتحقق وجود للطبيعة إلا من خلال إرادة إنسانية فاعلة ، لقد نجحت الشمس ببشارتها وتأکيدها على الإرادة الإنسانية الفاعلة في إحداث انقلاب هائل في قدر الشخصيات ومصائرها، فشخصية الأم تسترد مقوماتها کشخصية مستنيرة تتسق في بنائها مع وضعها کعالمة تؤمن وتمارس العلم ، فتتوحد کشخصية فنية بعد اضطرابها وتوترها, وتصبح شخصية سوية استعادت توازنها بين إحساسها بالواجب ومشاعرها العاطفية
تجاه ابنتها .

وباتساع دائرة الوعي يفشل السرطان البحري في مسعاه نحو إحباط مسار باقي الشخصيات ، وبهزيمة الشر الذي يروجه ينتهي دوره في إثارة البلبلة وترويج الهلع والخوف .

" لقد اندمجت في جوقة المنشدين أصوات الشمس والأب والأم والطفلة واتحدت في صوت واحد يعبر عن إيمان مطلق بقدرة الإنسان الفائقة على السيطرة والتحکم , وتتلاشى السمات الفردية لکل شخصية وتذوب في نسق الشخصية الجماعية ويعلو الصوت الجمعي ليصنع النهاية لأوبريت الفراشة، ويوجد الکل في مصير واحد ، حيث تختفي الفروق الفردية ليتجلى الإنسان وحده، وتتحقق حکمة الشمس عرافة الأوبريت المسرحي بانتصار الإنسان عبر تاريخه الطويل على قوى الشر".(41)

والصراع الدرامي داخل المسرحية صراع بسيط غير محکم , فهو صراع مباشر، ويعتمد على أحداث مفتعلة ودخول للشخصيات الخيالية من کتاب الأحلام وکتاب العلم ,ٍ وقد تم اختيار هذه الشخصيات والکائنات الحية بلا أي رابط أو علاقة بينهم.

أما بالنسبة للغة، فالمؤلف نبيل خلف يتناول الکثير من القضايا التربوية والأفکار الفلسفية في نصه المسرحي الشعري، الذي کتبه بالعامية المصرية بأسلوب بسيط يتناسب مع الطفل المصري ، فالمؤلف يکتب شعرا والفقرة الشعرية تتکون من کلمة أو کلمتين وهو صعب في التأليف ، وفى الوقت نفسه خلال الصورة الشعرية ينقل معلومة للأطفال عن مظاهر الطبيعة وبعض الظواهر الفلکية والمعلومات العلمية والمصطلحات المتخصصة.

وبالرغم من أهمية تضمين النص للکثير من المعلومات العلمية ، إلا أن النص قد تضمن معلومات متخصصة جدا مثل: الظاهرة البحرية (تسونامي) وکذلک الموجات المغناطيسية ومحطات الرصد والجاذبية .

وبإيجاز شديد يمکن أن نلخص الفکرة المحورية للأوبريت المسرحي (فراشة الأميرة الحمراء) في تأکيده على الطاقة الخلاقة والمبدعة للعلم کإرادة فاعلة ومؤثرة ، وإذا کان الجميل مشروطا تماما بالإرادة الإنسانية , فإن الطبيعة ليست نقيضا للتاريخ؛ بل هي على وجه الدقة محتوى تاريخي يتقبل فکرة التعزيز والتقدم والارتقاء من الفوضى للنظام ومن السيئ للحسن ومن الحسن للأحسن، مما يجعل من فکرة التضامن الإنساني ضرورة حتمية ونتيجة طبيعية من نتائج هذه المسئولية التي تواجه بصفة مستمرة ودائمة الفوضى الضاربة أطنابها بهدف التوصل بکافة العلاقات إلى المستوى الذي يحقق التوازن والتناغم ويحقق العدالة ويعلى من قدر الحق على إبطال مبدأ القوة وتسيد الأقوى والتهامه للأضعف , إن الأوبريت المسرحي فراشة الأميرة الحمراء ليس إلا نشيد کبير يشدو بإسهاب بالإنسان وبطاقاته الخلاقة المبدعة ، وتماما کما يوجز الأب:

الأب: بکرة العالم يصبح أجمل

باختراعاتي ونظرياتي

والعلم يطور ويعدل

في حياتک دايما وحياتي (42)

ثالثا: مسرحية أرنب وعقرب وفيل

قبل الحديث عن هذه المسرحية وتناولها بالتحليل ، نعرض أولا لرؤية المؤلف نبيل خلف لموضوع هذا العمل المسرحي ولماذا اختاره ، يقول المؤلف ردا على سؤال وجه له : نلاحظ في هذه المسرحية (أرنب وعقرب وفيل) اهتمامک بالأقزام وبعالمهم وبهمومهم وبأحلامهم ، ويتجسد دفاعک المستميت عنهم کبشر لهم حقوقهم مثل الناس العاديين ؟  فأجاب " لقد وجهت اهتمامي لهذا الموضوع , درسته جيدا وقرأت ما کتب عن الأقزام وعن الموقف العنصري منهم ، والمسألة ليست بالنسبة لي مجرد تعاطف معهم؛ بل هو اقتناع کامل بحقوقهم وبقضيتهم، ولهذا الغرض أحضرت العديد من الشرائط عنهم، وعندما وجدت في الجامعة الأمريکية کتابا بعنوان (الأقزام في مصر الفرعونية والحضارة اليونانية) لمجموعة من الباحثين في جامعة أکسفورد ، کلفت شخصا بترجمته لأستوعب الموضوع بالدرجة الکافية ، والمدهش حقا هو موقف الحضارة الفرعونية من الأقزام؛ وذلک مسجل في البرديات ، إنه موقف المساواة والاحترام لدرجة أن بعض الأقزام نال وشغل عددا من المناصب المهمة ، أما الموقف المعاکس فصادر عن الحضارة اليونانية التي عاملت الأقزام کمهرجين وصياع، وفى اسبرطة کان الطفل يعدم لو أنه معاق أو قزم , ويدهشنا أيضا في هذا المجال الموقف العنصري لأرسطو وأفلاطون ، فذلک الکلام لا يفترق عن کلام هتلر کثيرا". (43)

فالحق في الحياة بصرف النظر عن حدود العنصرية الضيقة التي يضع الأقوى فيها قوانين خالية من الإنسانية ، ليسلب العالم عناصر بقائه حتى يتسيد  لأطول فترة ممکنة ، هذه الأفکار رغم ما بها من معاني  قد تبدو للوهلة الأولى معقدة ، إلا أنها تعد المحور الرئيسي لمسرحية نبيل خلف (أرنب وعقرب وفيل) وکأن المؤلف يريد أن ينشأ الجيل الجديد من الأطفال رافضا لکل الظلم الذي يعانى منه عالم اليوم.

وفى المسرحية انتقل المؤلف من دائرة العلم والکون إلى دائرة محور الشر الأمريکي والکون ، ويتحول فيها البستان إلى غابة ، وتحاول قوى الشر من وراء ستار إلى تحويل المدرسة وسيلتنا إلى المدينة الفاضلة إلى أرض خراب ، ليس فيها زهرة حب ، ويتحول المعلم صاحب المعرفة إلى عقرب .

ولهذا السبب" تنقلب الأحلام إلى کوابيس،  ثم أن هناک في المسرحية خط غاية في الأهمية وهو خطالتنفير من العنصرية في کافة أشکالها من العرقية والبيولوجية والاجتماعية وحتى الخلقية ، وهذا الخط إنساني وتربوي إلى أقصى حد , کما أن الإسقاط السياسي في (أرنب وعقرب وفيل) حاضر بقوة في هذه المسرحية تحديدا ، وکذلک الاهتمام البالغ بالتثقيف عامة ، وبالثقافة العلمية على نحو أخص".(44)

فالمؤلف يؤکد على مجموعة من المبادئ والقيم يجب نقلها إلى الطفل، منها تأکيده على حق المواطن في اختيار من يحکمه ، کذلک دعوته للأطفال وللکبار إلى التعامل مع الأقزام بشکل طبيعي ، دون أن نراهم وکأنهم مسخ ، وهذه الدعوة لا تتوقف بالطبع عند الأقزام ولکنها تشمل کل الأشخاص الذين لسبب أو لآخر قد يختلفون معنا في الشکل ، فکل منهم سيظل إنسانا.

والمسرحية کذلک تعالج قضية البستان الذي تحول إلى غابة، والأحلام التي تريد قوى الشر تحويلها إلى کوابيس ، والقوى الکبرى مثل أمريکا التي تتآمر وتبطش بالدول الضعيفة المسالمة ، وتحاول المسرحية الربط بين الأطفال والصراع الدولي السياسي والعسکري الراهن من خلال مستويين للتلقي , المستوى الواقعي المباشر القريب ، وهو مستوى وقوع أحداث المسرحية ، ومستوى رمزي بدلالات أوسع مدى وأعمق .

"لکن عندما تستعير المسرحية من عالم الحيوان (أرنب) و (عقرب) و(فيل) ، لابد أن تکون دلالتها الرمزية متسقة مع المرجعية العامة لثقافة الطفل، فالأرنب مثلا يمثل الهدوء والمسالمة وأيضا الجبن وقلة الحيلة والذعر، والعقرب ضئيلة الحجم لکن (سماوية) ، لدغتها والقبر، والفيل يمثل القوة الباطشة ، وترويضه في حدائق الحيوان أو استخدامه في حمل الأشجار لا ينفى عنه صفاته الأصلية ، والغراب من عالم الطير, نذير شؤم، کذلک مرجعية (المدرسة) في النظم الاجتماعية الإنسانية , هي رمز النور والعلم والمعرفة وتنمية القدرات، ورمز للنظام الذي يستهدف تقوية المجتمعات والنهوض بها واستقرارها، وبالتالي (ناظر) المدرسة يختلف عن (الحاکم) کرمز.. الأول هو قائد من قادة التنوير، والثاني إن کان ظالما وعدوانيا فهو رمز للظلم والقهر، واستخدام الرمز هنا لابد أن يکون متسقا مع الدلالة والمغزى التربوي للطفل , وأي التباس يؤدى إلى التشويش وتشتت الطفل وعدم إمساکه بالمغزى الکلى للعمل الفني".(45)

والمؤلف يغوص من خلال نصه (أرنب وعقرب وفيل) في عالم الأطفال، من خلال فلسفة اللعب ليقدم عوالم متوازية ومتداخلة في آن واحد بين الحيوانات والنباتات والأطفال والأقزام والکبار، محاولا أن يعالج قضية أزلية وأبدية أيضا وهى الخير والشر، ويلاحظ أن المؤلف حاول اعتماد الأسلوب العلمي إلى جانب الشکل الدرامي ," على طريقة (کليلة ودمنة) وهما وضع الحکمة على لسان الحيوان والطير، وهو الأسلوب الأقرب إلى نفس الطفل، الذي لا يقبل أن تصل إليه النصيحة أو الحکمة من البشر (الأب – الأم – المدرس)، إلا أن المؤلف يمزج بين الحيوان والطير والبشر في تجانس بديع , فالکون يضم کافة الکائنات والمجتمعات الراقية ، وضعت القوانين لتنظيم العلاقة بين الکائنات بحيث لا يطغى الإنسان على حياة النبات أو الحيوان ، فتختل البيئة ونفاجأ بانقراض بعض الکائنات مما يفسد علينا جمال الحياة وتوازنها".(46)

ففي أربعة مشاهد عوالم متشابکة من الطيور والحيوانات والبشر تتصارع وتتجادل في قضايا متعددة في حوار غنائي، ومن الوهلة الأولى يفکر القارئ للنص المسرحي سواء کان طفلا أم غير ذلک في دلالة العنوان (أرنب وعقرب وفيل) وما الذي يمکن أن يجمع بين هؤلاء في عرض واحد رغم التناقض  الواضح بين طبيعة وسمات کل منهم ، فالأرنب حيوان أليف , والعقرب له دلالة توحي بالشر، أما الفيل فيوحي بالقوة والسلطان في الغابة ، فما الذي يجمع بينهم ولماذا؟!

يختار المؤلف ساحة مدرسة وأطفالا وناظرا کشخصيات محورية في النص ، ففي المسرحية نجد ناظر مدرسة البستان (الغراب) وهو يحاول دائما أن يرتدى قناع (الأرنب) ليبدو للأطفال أنه يحب الأشجار، لکنه في حقيقة الأمر يسعى لتدمير الغابات لتحقيق منافع مادية ، ويقف وراءه ويرسم له خططه الشيطانية (العقرب) ، ورغم معارضة الأطفال لهما إلا أنهما يحققان نجاحا مبدئيا يتم فيه استغلال (الفيل) في حمل أخشاب الأشجار، وحتى تتحقق الفائدة کاملة يقوم (العقرب) بتغير جينات (الأفيال) لتعمل دون طلب أي طعام لکن حيلته لا تفلح ، وتثور ضده الأفيال ويقيم الأطفال محاکمة يقع فيها الناظر بعد أن تخلى (العقرب) في النهاية ويختار الأطفال ناظرا جديدا هو (القزم) أبنوس متجردين من کافة الأشکال العنصرية في اختيار حر قائم على تفضيل
الشخص المناسب.

" ففي المسرحية يقدم لنا المؤلف ذلک التناقض  الحاد بين عالم البسطاء الصافي وعالم الأقوياء العدواني ، حيث يصبح العقرب الشرير واسطة العقد بين الأرنب الطيب الذي لا دور له في المسرحية ، إنما هو مجرد رمز يتخفى  خلف قناع الناظر الغراب ، وبين الفيل ضخم الجثة الذي يستخدمه الأشرار لتحقيق أغراضهم ، فيدهس في طريقة صغار السلاحف ويحطم بيضها ، وتجرى أحداث المسرحية هذه المرة في مدرسة أطفال ، ينطلق منها الحدث الدرامي محلقا في
دنيا الفانتازيا".
(47)

إن المسرحية من خلال نقدها للعالم المعاصر وصراعاته تتجاوز عنصرية القوى الکبرى التي تنظر باستعلاء للدول الضعيفة , إلى (عنصرية ) الکبار في تعاملهم مع الأطفال , وإلى (عنصرية) الإنسان العادي تجاه الأقزام ، بل وعنصرية البشر في نظراتهم إلى باقي الکائنات والمخلوقات ، وهى دعوة إنسانية وتربوية هامة لتصحيح مفاهيم ومشاعر جيل المستقبل من الأطفال.

ولو أن المسرحية أکتفت بدفاعها الحار والقوى والصادق عن قصار القامة (الأقزام) وبإعادة الاعتبار والاحترام لهم  بعد کل الإهانات التي وجهتها عشرات العروض الکوميدية ، فذالک يحسب للمؤلف کهدف ساميا تبلور في المشهد الختامي من خلال الکلمات الغنائية:

الجميع: کلنا واحد

أصلنا واحد

واللي خلقني وخلقک واحد

کدعوة صريحة للمساواة بين البشر دون تعريض أو تهکم على نواقصهم وعيوبهم الجسمانية کما فعلت الکوميديا التي تمادت في استخدام (ثنائي الطويل والقزم) کوسيلة لإثارة الضحک ، فصار الأقزام مصدرا لذلک النوع من الضحک غير الإنساني ، ويتأکد رد الاعتبار في المسرحية باختيار قزم لمنصب الناظر الشاغر تقديرا لأمانته ولرجاحة عقله.

إن الهدف من المسرحية الدعوة إلى التوحد مع الطبيعة وترسيخ قيم الحفاظ على البيئة ومساعدة الأطفال على تکوين نظرة نقدية لمنجزات العلم والتکنولوجيا ، مفادها رفض المنجزات التي قد تضر بالجوانب الإنسانية وتکريس الجهود العلمية لصالح الإنسان ، يضاف إلى ذلک تلک الدعوة لرفض النزعات العنصرية ، واحترام حقوق الآخرين واحترام حق الأطفال في التعبير عن
آرائهم بحرية.

وهذا لا يمنع اعتبار المسرحية دراما سياسية في قالب استعراضي مخصص للأطفال ، وقد اقتصد المؤلف کثيرا من الخيوط الدرامية لکي تصبح المسرحية أکثر تکثيفا وقوة ووضوحا , فجاءت الجمل قصيرة مکثفة تتميز بجماليات التکوين وبحس شعري ، وبلغة شعرية بسيطة عامية تنساب في سلاسة وقوة وتدفق تلقائي تتخللها عناصر الرقص والاستعراض ، في نص لا يستخف بعقول الأطفال ، ويدعو للمساواة بين البشر ويعلى من قيمة الأمانة والجدية والجهد الخلاق ، ويعلى من قيمة العقل ، ويذکرنا أيضا مؤلف (الأم الخشبية) و(فراشة الأميرة الحمراء)، في نصه الثالث (أرنب وعقرب وفيل) بأن الکتابة للأطفال رسالة حياة ينبغي عدم الاستهانة بها.

الخاتمة والاستنتاجات

وبعد أن قام الباحث بالدراسة لمسرح نبيل خلف ، وبالتحليل لرؤية الأطفال للعالم من حولهم من خلال مسرحياته الثلاثة (الأم الخشبية – فراشة الأميرة الحمراء – أرنب وعقرب وفيل)، فقد تمکن من التوصل إلى عدة استنتاجات تتمثل في:.

** إن التعامل مع الأطفال فنيا يتطلب جهدا يفوق الجهد المبذول في حالة التوجه للکبار، فدراما الطفل تتطلب بحکم طبيعتها الخاصة دراسات متعمقة في نفسية الأطفال وقدرات التلقي لديهم لتنميتها ولمعرفة احتياجاتهم الحقيقية.

** استطاع نبيل خلف من خلال أعماله  المسرحية أن يتفهم بعمق وصدق  ذهنية طفل اليوم واحتياجاته الجديدة وأشواقه المدهشة ، مفهوم لا يتجاهل العصر ومعارفه وتقنياته المغايرة ولا يتجاهل ثقافة الطفل العلمية والسياسية، مفهوم ينطلق من ذهنية موسوعية ومن حس وحدس يستشرف آفاق المستقبل, مفهوم لا يستخف بعقول الأطفال ولا ينقص من قدراتهم ولا يستهين بخيالهم المجنح ، وأن سعى الأطفال لاکتشاف العالم بشغف ونهم ومتعة يشبه کثيرا  سعى العلماء للاکتشاف وإبداع رؤى جديدة للعالم.

** تبنى نبيل خلف تقديم أعماله المسرحية بعيدا عن عالم الساحرات والعفاريت والأميرات والذي يرى أن الطفل محدود العقل ويجب أن ننصحه ونرشده وأن نتحدث معه بلغة آمره ، وهذا الاتجاه رفضه نبيل خلف تماما, وتمثل مسرحياته الثلاثة تيارا جديدا يحترم عقل الطفل وإبداعه ومشارکته في اتخاذ القرارات التي تمس حياته ويقدم  دراما علميه لکي يکون للطفل نظرة ورؤية  للإنجازات العلمية وموقف أخلاقي منها.

** يرى نبيل خلف من خلال مسرحه أن العلم يجب أن يکون لصالح القيم الإنسانية وليس ضدها، فهو لا يستنکر التقدم العلمي ولا يعادى العلم، بل يعادى الحماقة التي لم يتخلى عنها البشر في توظيف إدارة العلم وأدوات الإنجاز الحضاري، مؤکدا على فکرة المسئولية الإنسانية عن التطور، فکل تقدم علمي لا يضع المتطلبات الإنسانية في اعتباره لن يصمد طويلا في مواجهة الزمن وسيسقط  سريعا من ذاکرة التاريخ ، وأنه مهما تقدم العلم وظهرت الموسوعات والنظريات فلا بديل عن أفکار الإنسان وخياله الخصب وستظل کل هذه الاختراعات في النهاية غير قادرة على أن تحل محل الإنسان.

** في جميع أعمال نبيل خلف المسرحية تتبدى وحشية الواقع ودمويته، ووحشية الکبار المسئولين عن هذا الواقع بمخازيه وشروره ، وسيکون الخلاص دائما على يد الأطفال الذين لابد أن يثورا والذين يؤکد المؤلف دون کلل ولا ملل على مقدرتهم الفذة على إعادة أوضاع العالم إلى طبيعته الخيرة ، فالأطفال کما يرى نبيل خلف أکثر ذکاء مما نظن ولديهم المقدرة على تغير وجه العالم لو أتيحت لهم الفرصة.

** تعکس ثورة الأطفال على الواقع في مسرحيات نبيل خلف القيمة الوجدانية الأساسية التي تضع کافة هذه الإبداعات في نسق عاطفي  واحد ، وتنبعث ثورة الأطفال في جميع الحالات من وجدان غاضب ، يمثل الغضب المحور الأساسي لإبداعاته من أجل التغير للأفضل.

** تمثل النزعة الأخلاقية رافدا حيويا من روافد التجارب الإبداعية لنبيل خلف, بل ويعد حاسما من أبعاد بناء شخصيات مسرحياته، وعاملا جوهريا من العوامل المحرکة للأحداث، وبهذا النزوع الأخلاقي يحدد نبيل خلف مفهوم الأمومة الذي يرتبط في أعماله المسرحية بالتضحية کقيمة مثلى تحدد معالم صورة الأم الحقيقية ، فمعنى الأمومة الحقيقية لديه هو إنکار الذات والتضحية والتفوق على النفس، فبهذا المعيار الأخلاقي يمکننا أن نميز الحس الأموي الحقيقي من الحس الزائف.

** يمثل الخيال المدهش والمبهر خاصية مميزة في مسرح نبيل خلف فالصورة في مسرحه نجدها على ثلاث مستويات : مستوى الصورة الفنية في الشعر، مستوى المعالجة الدرامية للموضوع ، ومستوى الصورة الفنية للعرض المسرحي.

** يهتم نبيل خلف اهتماما کبيرا بمسرح الخيال العلمي , ذلک المسرح الذي يواکب معطيات العلم الحديث، لکنه ليس خيال علمي بالمعنى الميتافيزيقيا بعيدا عن عالم الخرافة والسحر وعالم الشعوذة الخيالية المسرفة في تصوراتها ، ليس ذلک الخيال الذي يأخذنا إلى بلاد العجائب، بل ذلک الخيال الذي نتعايش معه على أرض الواقع نفسه الذي نعيشه بعيون على درجة عالية من الوعي بقوانين الطبيعة ، فعوالم الواقع دائما وأبدا أکثر غنى وتفردا من تهويمات الخيال.

** وجد نبيل خلف في لغة الکتابة الشعرية لمسرحياته ما يحقق مرامه، وما يمکنه من بناء نبوءته ويصور إحساسه بالرعب من توقع الدمار الإنساني، واستطاع أن يذلل هذه اللغة الشعرية لتستوعب العديد من المصطلحات العلمية التي لا غنى عنها في تحديد المعالم الأساسية للعالم الذي يريد تصويره , خاصة وأن هذه المصطلحات قد وردت بتلک الکثافة وإذا کانت لغة الشعر قد تمکنت من استئناس قطعان المصطلحات العلمية المحتشدة وترويضها لسحر النغم، فإنها على مستوى آخر من مستويات التوظيف الفني للغة استطاعت إيجاد نوع من التوازن بين الصوت الفردي والصوت الجماعي ، لتؤکد على وحدة المصير الإنساني ، کما أنه من أهم الخصائص التي تميز اللغة الشعرية وتجعل من توظيفها ضرورة فنية قدرتها الفائقة على استدعاء المأثورة الشعبية بإيقاعاتها وتشبيهاتها وروحها.

** تتعدد العناصر المشترکة الفکرية والدرامية التي تميز مسرح نبيل خلف، وهذه العناصر أو الخصائص الفنية المميزة لمسرحه تبدأ بالحداثة والتحديث  في الشکل والمضمون وحرفية الکتابة ، أما القالب الفني لمسرحياته فإنه قالب الأوبريت المسرحي أو المسرحية الاستعراضية, ورغم امتلاء نصوصه المسرحية بالرقصات والأغاني إلا أنها ليست أغاني مضافة على المتن الأصلي لکاتب آخر, بل هي أغاني يکتبها هو بنفسه وتنبع من طبيعة البناء الدرامي للمسرحية.

** وأخيرا نقول... إن جميع الأحکام والملاحظات حول أعمال نبيل خلف غير نهائية ، وغير قاطعة ، فما أن انتهى من کتابه (الأم الخشبية) واعتبرناه قد توصل أخيرا بعد الطواف على فنون الأدب المختلفة إلى الفن الأقدر على استيعاب طاقاته الإبداعية الخلاقة وعلى بلورة رؤاه والتعبير الأتم عن جوانب وجدانياته الکثيفة المتشابکة, حتى فاجأنا بشروعه في کتابه سيناريو فيلم سينمائي.

الهوامش
1) أحمد عبد الحميد: مسرح نبيل خلف انطلاقة تاريخية في أدب مسرح الطفل، کتاب من سيغير وجه العالم، مقالات في مسرحيات نبيل خلف، القاهرة، روانا للإنتاج الفني والأدبي، 2003, ص22 .
2) حسن عطية: عين القطة والفراشة الحمراء, من سيغير وجه العالم ، مرجع سابق ، ص69 .
3) رضا الطويل: الرقص على حافة الجنون ، دراسة نقدية في أدب نبيل خلف ، القاهرة ، العروبة للدراسات والأبحاث ، 2002 ، ص 13.
4) نبيل خلف : أوبريت الأم الخشبية ، الأعمال الکاملة ، مسرحيات شعرية  وأوبريتات للأطفال ، القاهرة , دار شرقيات للنشر والتوزيع ، 2002، ص77 .
5) رضا الطويل : الرقص على حافة الجنون ، مرجع سابق , ص14 .
6) نبيل خلف: ديوان الولد الرسام ، الأعمال الکاملة ، مرجع سابق , ص16 .
7) رضا الطويل : مقدمة الأعمال الکاملة ، تأليف نبيل خلف ، القاهرة ، دار شرقيات للنشر والتوزيع ، 2002, ص11.
8) نبيل خلف : ديوان قمع  السکر، القاهرة ، دار شرقيات للطباعة والنشر، 1998 ، ص93 .
9) رضا الطويل : الرقص على حافة الجنون ، مرجع سابق , ص 12.
10) المرجع السابق : ص46 .
11) أشرف سويلم : الأم الخشبية وقضية الاختيار في مسرح الطفل ، جريدة الجهورية ، 8/8/1999م .
12) باسم هشام صادق: الوظائف الدرامية لعناصر الحکاية الخرافية في مسرح الطفل في مصر، القاهرة ، أکاديمية الفنون ، المعهد العالي للفنون المسرحية ، ص 45 .
13) حوار عمار المدرک مع نبيل خلف  بعنوان : الأم الخشبية عرض يفضح التکنولوجيا ، مجلة الصدى ، أغسطس 2001.
14) نبيل خلف : الأعمال الکاملة ، مسرحيات شعرية وأوبريتات للأطفال ، مسرحية الأم الخشبية ، القاهرة , دار شرقيات للنشر والتوزيع ، 2002 ، ص17 .
15) المسرحية ، ص24 .
16) المسرحية ، ص91 .
17) المسرحية ، ص26 .
18) المسرحية ، ص28 .
19) طارق محمود محمد الحصري: تقنيات مسرح الطفل في مصر (1985- 1999) دراسة في العرض المسرحي ، رسالة ماجستير، جامعة الإسکندرية ، کلية الآداب قسم الدراسات المسرحية .
20) رضا الطويل: الرقص على حافة الجنون ، مرجع سابق ، ص43 .
21) المسرحية : ص32 .
22) المسرحية : ص26 .
23) طارق محمود محمد الحصري : تقنيات مسرح الطفل في مصر، مرجع سابق ، ص 55 .
24) باسم هشام صادق: الوظائف الدرامية لعناصر الحکاية الخرافية في مسرح الطفل في مصر، مرجع سابق ، ص84 .
25) رضا الطويل: الرقص على حافة الجنون ، مرجع سابق ، ص47 .
26) المرجع السابق ، ص38 .
27) المسرحية ، ص49 .
28) المسرحية ، ص41 .
29) محمد شيحة : أطفالنا.. وأحضان الأم ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للکتاب ، مجلة المسرح ، العدد 130 , سبتمبر 1999، ص 7 .
30) وينفرد وارد: مسرح الأطفال ، ترجمة محمد شاهين الجوهري ، القاهرة ، الدار المصرية للتأليف والترجمة ، د.ت ، ص102.
31) حنان موج : أوبريت (الأم الخشبية) کتکوت يغير شکل العالم في القرن القادم , القاهرة ،  مجلة الإذاعة والتلفزيون 7/7/2002 .
32) رضا الطويل : الرقص على حافة الجنون ، مرجع سابق ص54 .
33) أحمد عبد الحميد : مسرح نبيل خلف ، مرجع سابق ، ص15.
34) محمد عبد الباري: فراشة الأميرة الحمراء ، الأهرام المسائي , في 20/2/2001 .
35) أيمن الشندويلى: فراشة الأميرة الحمراء ، الأخبار, في 25/7/2001 .
36) نبيل خلف ، الأعمال الکاملة ، مسرحية فراشة الأميرة الحمراء ، القاهرة , دار شرقيات للنشر والتوزيع ،2002، ص105.
37) المسرحية ، ص119.
38) حنان موج : مع فراشة الأميرة الحمراء ، القاهرة ، المرکز القومي للمسرح , سلسلة توثيق الحرکة  المسرحية ، الموسم المسرحي 2000/2001، ص364.
39) المسرحية ، ص185 .
40) المسرحية ، ص173 .
41) رضا الطويل: الرقص على حافة الجنون ، مرجع سابق , ص88 .
42) المسرحية ، ص  189 .
43) نبيل بدران: الأطفال سيغيرون وجه العالم ، کتاب من سيغير وجه العالم ، مرجع سابق ، ص135.
44) أحمد عبد الحميد: مسرح نبيل خلف ، مرجع سابق ، ص16.
45) أحمد عبد الحميد: الأطفال والسياسة في أرنب وعقرب وفيل ، الجمهورية في 8/9/2002 .
46) ماجدة خير الله : في عز الموسم السياحي عرض ممتع للأطفال ، کتاب من سيغير وجه العالم ، مرجع سابق ص90 .
47) عايدة علام : محاربة التمييز بکل أشکاله في أرنب وعقرب وفيل ، القاهرة، الهيئة العامة للکتاب ، مجلة المسرح ، أغسطس / سبتمبر 2002 .