التعددية الفکرية و إعادة قراءة فلسفة ما بعد الحداثة

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

مدرس بقسم الزخرفة کلية الفنون التطبيقية – جامعة دمياط

الموضوعات الرئيسية


المقدمة:

إن حرکة ما بعد الحداثة تعتبر حرکة ثقافية فکرية تحتل مکانة ملموسة فى عالمنا المعاصر و قد احتملت الکثير من المتناقضات و الأختلافات لإتساعها و شمولها شتى مناحى الحياة فهى بدأت کفلسفة وأفکار ثائرة على الفلسفة الحديثة ثم تحولت تلک الأفکار إلى العمارة و الأدب و المسرح و الموسيقى و السينيما .....وغيرها و جدير بالذکر و مع کل هذه الإنجازات لما بعد الحداثة إلا أن الغموض ما زال يسيطر على أفکارها و على کل من يتبنى تلک الأفکار کوسيلة للتعبير الفنى ، و تعتبر التعددية الفکرية هى المحور الأصلى التى تتبناه ما بعد الحداثة و الذى رأها الکثيرين مجرد تنوع فى عتاصر الأبتکار تتيح العديد من الخيارات فى مجال الإبداع ولکن إعادة قراءة التعددية الفکرية من کونها منهج فکرى وفلسفى أتاحته ما بعد الحداثة للخروج من فکر أکاديمى له سمات ثابته من شائنه إثراء العملية الإبداعية من خلال تلک التعددية  ، وهذا ما ستتناوله الدراسة مع إعطاء نماذج فى مجالى الفن والعمارة.

مشکلة البحث:

بإعتبار التعددية الفکرية هى المدخل الأساسى للمفاهيم المنبثقة عن الفکر ما بعد الحديث فيمکن صياغة المشکلة فى سؤال محدد : هل يمکن لإعادة قراءة التعددية الفکرية لما بعد الحداثة کمنهج فکرى أن يؤثر فى إثراء العملية الإبداعية بعيدا عن النمط المثالى ؟

هدف البحث:

دراسة التعددية الفکرية کمنهج فکرى و فلسفى من خلال إعادة قراءة فلسفة ما بعد الحداثة و أثره على العملية الإبداعية.

منهجية البحث:

المنهج الوصفى التحليلى.

  • ·   محاور البحث:
  • ·   فلسفة ما بعد الحداثة کثورة على الفلسفة التقليدية.
  • ·   الانتقال إلى عالم الصورة کجزء من تغير النمط المثالى للحداثة .
  • ·   ثورة الإلکترونات والثقافة الرقمية.
  • ·   أشکال التعددية الفکرية لما بعد الحداثة
  • ·   فنون ما بعد الحداثة کجزء من التعددية الفکرية.

(أولا): فلسفة ما بعد الحداثة کثورة على الفلسفة التقليدية:

إنها فلسفة مضادة وفصل ثورى من فصول الفلسفة العميقة  ورد فعل ينبع من غموض أصولى يحاول فهم حقيقة الوجود الإنسانى و التاريخ فى مقابل مثالية العالم کما هى بالنسبة للفکر التقليدى ، فالوصول للفکرة ليس فى حد ذاتها نهاية ولکنها محاولة لإکتشاف الحقيقة من حيث کونها ميزة نحو الذاتية حيث أنها لا تنکر الحداثة ولکن تتأمل فيها لتؤکد على مبدئها الأساسى القائم على الحرية الراسخة للإنسان حيث أنها حالة فعلية تتخطى الحداثة ولکن لا تعاديها لأن إدراک الحداثة الفلسفية جزء من الإيمان بالتطور الحادث فى أکثر من مائة عام مؤثرة بشکل بالغ فى حياة الإنسانية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين،حيث إن العمليات الإجتماعية التى أحدثت تلک الدوامة من الأفکار والمفاهيم والفنون والعمارة.....والذى بدوره ساعد على إفراز جملة مذهلة من الرؤى باتت تعرف بأسم التحديث والتى تبنت المفاهيم الذاتية Subjectivismو العقلانية  Rationalism و العدمية Nihilism .

ولکن لم تمنع الأطروحات المذهلة للحداثة وما أعقبها من تطبيقات فنية أثرت القرن العشرين حتى منتصفه من النقد والتحليل للأولوياتها الفلسفية والتى شاهدت بعض السلبيات لتلک الفلسفة وأهمها هيمنة العقل على شتى مناحى الحياة واعتبار الذات أساس العالم ومقياسه الوحيد مما أسس لنزعة إ نفصالية مناهضة للطبيعة والتراث و الدين و من الناحية التشکيلية رأى النقاد أن تسلط الثقافة العالمية واللإتجاه العام نحو العولمة کسمة أساسية للحداثة أدى إلى کبح ثقافة الأقلية و التى تعنى بالصفوة على حساب الجماهير وتساعد على إندثار الهوية الثقافية للأقاليم  المتعددة ،واعتبروا أنه ليس بإمکان الحداثة الإنفصالية إعادة الزمن واختراقه للعودة إلى الأصول والجذور، ودعوا إلى تحليل الثقافة الماضية والإقرار بأن الفنون القديمة ستسترد الحياة حتما والبحث عن فلسفة جديدة يکون لها شقين أحدهما حديث والآخر يتجاوز الحداثة.

ومن أهم ملامح ما بعد الحداثة هى الإزدواجية ambivalence و التى تحدث عنها ارنولد توينبي Arnold Toynbee (مؤرخ إنجليزى مواليد1889 و يعد من أشهر مؤرخى القرن العشرين ومن أهم مؤلفاته "دراسة للتاريخ") في الخمسينات من القرن العشرين حيث يفترض تقديرا واضحا للجذور الثقافية والقيم المدفونة في السلوک اليومي والقانون واللغة، وأيضا نفس الشيء واضح في الإستخدامات العالمية للمصطلح ما بعد الصناعي و التى تشير إلى الإحياء الحقيقي لنماذج موجودة مسبقا کما تؤدي إلى تجاوز هذه النماذج وکأن تلک الفلسفة هي استکمال لمشروع الحداثة ولکن عن طريق موقف مضاد لها واعيا بمفهوم استمرارية الزمان رافضا إنقطاع الحاضر عن الماضي.

وإلى جانب الأزدواجية إرتبط مفهوم ما بعد الحداثة إرتباطا وثيقا بالتفکيکية و المفارقة والمحاکة التهکمية کما أثارت جدليات فکرية أثرت على الکينونة الثقافية فى ذلک الوقت وحتى الأن مثل المدينة في مواجهة القرية العالمية و التشابه والاختلاف، الوحدة والتمزق ، والتبعية والتمرد وأنها ليست بفترة ولکنها بنية تتمدد في الزمن ما بين الاستمرار والانفصال.

(ثانيا)الانتقال إلى عالم الصورة کجزء من تغير النمط المثالى للحداثة :

إن حرکة ما بعد الحداثة هي رد فعل قوي ضد الحرکة الحديثة التي أثرت على شتى المجالات وخصوصا الفنون البصرية والأدب وأهم ما يميزه أن المؤلف لا ينبغي أن يقدم نصا مغلقا محملا بالأحکام القاطعة ذاخرا بالنتائج النهائية، والتي تقوم على وهم أن المؤلف يمتلک اليقين ويعرف الحقيقة المطلقة بل إن عليه أن يقدم نصا مفتوحا، غامضا نوعا ما حتى يتيح للقارئ المشارکة بفاعلية خلال عملية التأويل في کتابة النص.

وبالنسبة للفنون البصرية تميز الفن الحديث أن له صفة اللاشعبية unpopular  حيث الانفصال عن عامة الجماهير والابتعاد عن الواقع الإنساني dehumanization  "وجاءت فنون ما بعد الحداثة صريحة في معارضتها لهذا الإنفصال والعودة إلى الانفتاح نحو الماضي والحاضر والمستقبل معا نحو القومي والعالمي ونادت إلى تعددية الرؤية واللإنتقال من عالم الصفوة إلى ديمقراطية التذوق وکان لذلک الذوق بذوره قبل ظهور فکر ما بعد الحداثة حيث ظهوره في أعمال الدادئيين أمثال مارسيل دو شامب وأيضا ظهور البوب أرت pop art والذي يتعرض من ناحية الشکل لنقد الحياة الإنسان المعاصر وذلک باستخدام الصور الشعبية المتداولة والإعلانات وصور نجوم السينما وغيرها مما بدأته الداديةDadaism.

 

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


شکل(1) أعمال سابقة التجهيز،مارسيل دو شامب 19     شکل(2) فن شعبى pop art ، Andy Wahrol، 1962

کما أصبح الفن خليطا من الفنون والفلسفة والعلوم ووسائل الإعلام الجديدة وأن ما بعد الحداثة تجربة للبحث عن الحقيقة من خلال الفن بوصفها الأفق الذي يتحرک عليه وليس بوصفها موضوعا فهي تواصلية تراثية تتبنى نزعة فلکلورية وشعبية وتتجه نحو المزاوجه بين الطرز والاتجاهات الفنية المختلفة وتعود إلى التشخيصية، وتتداخل التجريدية مع التشيئية مع الرمزية مع الوصفية وتقوم على المزاوجة والهارمونية المتنافرة والمحاکاة الساخرة وتميل إلى الأصالة التاريخية والرمزية، وتتخلى عن التشدد الأسلوبي والإنغلاق المذهبي وتنطلق من المفاهيم العلمية والمنجزات التکنولوجية وتتفاعل مع المعطيات والتقنيات التقليدية وتکسبها رؤية جديدة مفاهمية تختلف عن
الأطر التقليدية.

 (ثالثا) ثورة الإلکترونيات و الثقافة الرقمية:

لقد أثرت ثورة اللإلکترونات تأثيرا بالغا فى التعددية الفکرية من منظور ما بعد الحداثة حيث أضافة أدوات کثيرة للإبداع ونوعت الأفکار التى قد تجعل الفنان و کأنه يسبح فى فضاء هائل إن ثورة الإلکترونيات وعولمة وسائل الإعلام والإنترنت والثقافة الرقمية، أدت إلى تغيرات مجتمعية وثقافية ضخمة ساعدت على فتح المجال للتفاعلية والمعلوماتية في مجتمع معاصر يملآه الجديد کل يوم تلک الثقافة التي أثرت بشکل کبير على جماليات الصوره فتحولت الصورة التقليدية إلى صوره تفاعلية وتجهيزات في الفراغ وواقع ممتد بعوالم اصطناعية.

إنه تحول کبير في مفهوم الربط بين الفن والجمال إذا نفضت تلک الأعمال الجديدة يديها من ما هو جميل ومن ما هو متقن ومن ما هو متوراث ومتوقع لتقتحم عالم مفاهيمي تأملي ينبه إلى أفکار ومواقف وذکريات تستدعي الدهشة وتتطلب شرحا موازيا للفکرة التي يستهدفها کل عمل .

من ما سبق نجد أنه من اللازم دعم الوصول إلى التکنولوجيات الجديدة للمعلومات والإتصالات من أجل تأمين حق کل فرد في البحث عن المعلومات والأفکار وتلقيها ونشرها بأي وسيلة تعبير دون النظر إلى إعتبارات الحدود وکذلک إعداد المجتمعات للسيطرة على بيئة الإعلام المتعدد الوسائط عن طريق نشر المعارف والخبرات الضرورية لاستخدام المعلومات الرقمية، وبرغم تباعد الأراء والأفکار في هذا النطاق المعلوماتي الضخم الغير محدود تجد أن کل الآراء تتقارب حول نقطة أن ثورة المعلوماتية مصدر إنقلابات اقتصادية وإجتماعية وثقافية لم يسبق لها مثيل بدأنا فقط في إدراک بداياتها ولکن لم ندرک مداها،وإذا کنا نعيش في عالم جديد سريع التطور مرتبط بالتکنولوجيا والميديا عبر صور رقمية يتم أستبدالها کل لحظة أنه عصر الصرة الذي سيطر علي مخيلتنا إيقاعات متناهية السرعة مليئة بالمتناقضات في عصر تحولات کبرى ثقافيا وسياسيا وجغرافيا واقتصاديا وبالتالي فإن إنسان هذا العصر يتميز بصفات معينة من حيث طريقة التفکير والخبرة والإدراک ومن حيث طريقة إقناعه في وسط هذا العالم الملئ بالمؤثرات.

(رابعا) أشکال التعددية الفکرية لما بعد الحداثة:

إن المجتمع ما بعد الحداثي ينتمى إلى عالم الخدمة الذاتية والحد من العلاقات السلطوية والزيادة في الخيارات و منح الأولوية الى التعددية، والإزدراء بالقيم الکبرى بوصفها القيم الوحيدة التي يسعى الجميع لتحقيقها .

تلک التعددية التى أضفت على الفن المزيد من القيم الجمالية و التساؤلات الضخمة و الرؤى التى لا تقف عند  صيغة الفن ما بعد الحداثي الذي يفترض به ان يعکس صورة مجتمعه فقط ولکن الدعوة لمزيد من التأمل فى الخيارات الانهائية للتعددية ما بين التفکيکية Deconstructivism و التصميم الرمزى TopologicDesignو التصميم الترکيبى ٍSynthetic Design و التصميم البرجماتى Pragmatic Design و التصميم التناظرى Analogical Design و العديد والعديد من الأشکال الفکرية التى دخلت في مرحلة النفي الأبدي والمستمرلکل ما هو نص وکل ما هو نمط ، فما دام الجديد لا يلبث ان يصبح قديما وأن النفي ايضا فقد قدرته على الخلق فما من شيء إلا ويحتضر، فنحن لسنا بصدد نظرة عدمية وإنما راديکالية التغير.

وعلى ذلک فما بعد الحداثة الفنية تنادي وتطالب بمحو الفوارق بين الحقول الفنية المختلفة، إذ تريد ان تکون اساسا للتجديد وللسعي الأبدي الى ذاتية الفرد والاستنباط المنهجي لشتى الأحتمالات، إنها تتطلع إلى تفکيک الحواجز بين الفن و الفاعليات الإنسانية الأخرى مثل الأعلان و التکنولوجيا و الأزياء و السياسة و بدء   رفع القيود على التخصصات التى بدأت تندمج للإنتاج فنونا أغنى وأکثر تعددا للوجوه بعيدا عن النقائية فى إتجاه روح الدعابة على العکس مع أجواء ثقافية کانت متجهمة من قبل ،و من هنا يعد عصر ما بعد الحداثة هو عصر التعدديه الفکرية بکل ما تعنيه الکلمة من معاني وتعقيدات.

ومن هنا نحاول إستنباط أن ما بعد الحداثة تقوم على منطلقات أهمها أنه يمکن فهم ما بعد الحداثة کدستور للتعددية هدفه الدفاع عنها کمشروع مستقبلي لانها ليست جزءا من ظاهرة عامة وإنما هي مفاهيمية فلسفية تخترق الأطر المغلقة فى إتجاه الآفاق ،علاوة على قوة تأثيرها ونفوذها الى جوهر العصر التى تشکل جذوره وکأنها تعددية جذرية . کما أفرزت تعددية  ما بعد الحداثة تجارب أساسية تعکس تشکيلات علمية ومخططات حياتية ونماذج سلوک جديدة  أثبتت اهمية مفهومها ولذلک لا يمکن النظر اليها من جوانبها الخارجية فقط حيث أنها الخيار المثالى  فى الوقوف امام  الشمولية و ضد اشکال السيطرة والتسلط القديمة والحديثة.

(خامسا) التعددية الفکرية لفنون ما بعد الحداثة:

إن الفن المعاصر متداخل متعدد اللأشکال والمضامين واللأساليب واللأفکار فغياب المرجعية أصبحت هى السمة  الأساسيه المکونه للصورة او العمل الفني ، وقد أصبح کل ما نشاهده وما نخزنه في يومنا من صور، غضب، صدق، کذب، معاناة، رکض، وکل ما نتعرض اليه في حياتنا اليومية هو محور تلک الصورة الأساسى ممزوجا مع الحنينية والنزعة التاريخية وحلول التعددية الثقافية.

وتستمد ما بعد الحداثة الفنية تعدديتها من تلک الأعمال اللتى غيرت شکل الفنون البصرية منذ ستينيات القرن الماضى وتأتى بعض النماذج لتوضح تلک التعددية:

 

 

 

       
   
     
 

 

 

 

  

 

           

 

 

شکل(3) التشخيصية الجديدة للفنان Antonio saura         شکل(4) التشخيصية الجديدة للفنان francis bacon  

ظهرت التشخيصية الجديدة neo figuration  فى الستينيات عندما انهارت الإيمائية التجريدية على الصعيد الفني والتجاري وکانت تحمل في أسلوبها العلاقات الجديدة للإنسان الحديث مع الواقع الذي يحيطه بکل جوانبه حيث بدأت في إيطاليا أثناء قيام المعرض العالمي في يونيو 1963 والذي کان عنوانه "التشخيصية الجديدة" وضم أربعة وثلاثون فنانارأوو أن الفن يجب أن يجعل الناس يروا أنفسهم وواقعهم بمزيد من التعبيرية القاسية ومن هؤلاء الفنانين أنطونيو ساورا Antonio sauraوالإنجليزي فرانسويس بيکون  francis bacon والمصور الألماني هانس بلاتشيک hans platschek  ولويس فيراير Louis ferrier  والذي کتب في 1963 عن أفکار التشخيصية الجديدة .

 

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل(5) فن الجسم، Body Art ،أوبنهايين.

فن الجسم Body Artوفيه يصبح جسم الفنان وأحيانا الفنان نفسه مادة فنية مثلما عرض أوبنهاين جسده للشمس وعليه کتاب مفتوح يحمي جزءا من جسده من الشمس والتي تؤثر في باقي جسده دون منطقة ظل الکتاب.

 

 

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل(6) فن الأرض ، Spiral Jetty، Robert Smithson  1970.

 لقد أبدع فن الأرض هؤلاء الفنانين الغير راضيين عن الفراغ في المتاحف وقاعات العرض باحثين عن فراغ فسيح يشعرهم بالحرية والإبداع أنهم جماعة من الفنانين الأمريکين والذين استخدموا الصحراء والکتل الصخرية والکباري في الشوارع وغيرها کمادة فنية لأعمالهم ومن أهم هؤلاء روبرت سيمثون Robert smithon .

ومايکل هايزر Michael Heizer  والذي حفر في صحراء نيفادا Nevada  کتله صخيرة تزن عشرة أطنان وبذلک ارادوا أن يلتحم فنهم بالبيئة ذاتها بعيدا عن مفهوم اللوحة .

 

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل(7) فنون الأداء ، Joseph Beuys  ، نيويورک1974.

لقد تضافرت الفنون الإيمائية والرقص والديکور والإضاءة مع بعضها في أعمال جماعة البيرفومانس performance  فبدأت أعمالهم مشاهد مسرحية احتفالية تذکرنا بأعمال الدادا. لقد خرج التصوير عن اللوحة تماما وأصبح حدثا عارضا يمکن أن نسجله في فيلم يبقى وحده شاهدا على هذا الحدث الفني المتمثل بصخور نيفادا أو بحفريات الثلج، أو المتمثل بمعرض جوزيف بويس في نيويورک سنة 1974 حيث نقل بويس بسيارة إسعاف من مطار کيندي وقد عزل نفسه بلبادا لکي يقبع في قفص حديدي مع ذئب مدة ثلاثة أيام ثم يعود کما جاء ولم يبق من هذا الذي سمي معرضا إلا الفيلم المصور عنه وکثير من فنون الأداء التي اعتمدت علي حرکة الجسم وامتزاجه بما حول من باقي أجزاء العمل الفني والذي ينتهي بانتهاء العرض.

 

       
   
     
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

شکل (32) کرسي وثلاثة کراسي ، joseph kosuth  ، 1965.    شکل (32) القبر the grave  ،sophie calle  ،1991.

يعتبر الفن المفاهيمى conceptual artمن أهم أشکال التعددية الفکرية لفنون ما بعد الحداثة حيث بدأ في منتصف الستينيات شعار الحرية للجميع في الفن والتي استمر بما يقرب من عقد وهو انتصار لحرية التعبير عن أي فکرة بأي وسيلة فالأصل هو الفکرة أو المضمون ولذلک أختلف العديد من الوسائل للتغير من ذلک الشعار وتأکيده عن طريق الاتصال مع فن الجسد والأداء performance& body artوفن السرد text artوکلها کانت جزءا لما سمي بعد ذلک بما هو أصلي أو فريد غير دائم وليس للبيع أو للاقتناء فهو فن للفن والتعبير فقط.. مختلفا کلية عن کل السياقات الفنية التقليدية "التصوير والنحت .... الخ" ربما ليست من السهولة إن تجتمع في شيء واحد ولکنها مجمعة من المنشورات المکتوبة والصور الفوتوغرافية والتسجيلات والخرائط والأفلام والفيديو وکذلک أجساد الفنانين ذاتها وعلاوة على کل ذلک اللغة نفسها، فالنتيجة کانت نوعا من الفن غير مهتم بالشکل وفي حالة من التکوين المرکب في عقل الفنان تطالب بنوع مختلف من التلقي والانتباه والاشتراک الذهني مع الشاهد. کانت تلک الظاهرة الفنية بمثابة انفجار کبير من الأفکار، کانت في معظم أجزائها الأولى مقدمة عن طريق فنان واحد وهو مارسيل دوشامب في أوائل القرن العشرين 1917 دوشامب ذلک الشاب الفرنسي الذي ظهر باهتمامه الشديد بالأفکار عنها من المنتج النهائي.. باتخاذه الأشياء الاستخدامية الجاهزة ويوقع عليها ويعرضها کقطعة نحتية بعنوان الأشياء الجاهزة، في معرض کان يساهم في تجهيزه بنيويورک في حين رفض زملائه العمل ولفکرة الأشياء الجاهزة.

وبعدها لم يعد الفن کما کان في السابق فلقد أعاد الفعل الإبداع إلى مستوى أولي فحفز للنقاش الثقافي لتسمية ذاک شيء أم فعل فني. فلقد أشار دوشامب إلى أن الفن موجود خارج نطاق التحکم اليدوي المنتج اليدوي الحرفة کوسيط اللوحة أوالتمثال وکانت إشارته نحو اختلاف منطق التذوق الفني إلى ذلک الفن الذي يرتبط أکثر إلى فکر الفنان أکثر من أي شيء آخر يمکن أن يفعله بيديه أو يشعر تجاهه بالجمال فالمعاني والمفاهيم تفوق الشکل التشکيل تلک الفکرة التي قدمها مدافع عنها دوشامب الفن کفکرة Art As a conceptأو کما أشار أحد الکتاب وأسماها "الاقتناع الأبدي لتحويل أي شيء ليمکن أن يصبح فنا شکل.

إن جميع هذه الاتجاهات التي بعدت عن فن اللوحة والمفهوم التقليدي للنحت جعلت النويا تتجه نحو إعادة فن التصوير إلى تقاليده مع إعادة النظر في تراث الماضي في فترة الثمانينيات وقامت الدعوة الجديدة على حنين قوي للوحة بعد غياب طويل في ملتقى يجمع بين الفنان return to content  وهذا المحتوى مختلف ومشتت مثل مجتمع التعددية في موضوعات عن السيرة الذاتية والثقافة العالية والشعبية high & popular culture  ولوحات مناظر طبيعية ورسم الحکايات  ولوحات الطبيعية الصامتة و المعارض الواقعية.

ومع تغير مضامين الصور ومفاهيمها بدأت الارتباط بالحرکة التي أصبحت جزء من العمل الفني ارتباط الفن البصري بفنون الحرکة للتعبير عن امتداد العمل الفني في الزمان مثلما امتد في المکان فقد استعان الفنان بالميکنة والآلات الحرکية والکهربية والمغناطيسية فأصبح العمل الفني وسيلة اتصال بين العالم الباطن للفنان وبين العالم الخارجي المتمثل في الجمهور للتأثير على مدرکاته وأحاسيسه المختلفة کمشارک في عملية الاتصال مع الفنان من خلال ذلک العمل وقد تحث الديناميکية التشکيلية للفن الحرکي في أعمال ثلاثية الأبعاد کالدلالات والمتحرکات وفي أعمال تدخل في نطاق ما يسمى بالضوء والحرکة حيث جمعت بين الضوء والحرکة على مساحات مسطحة ذات بعدين أو ذات حجوم حقيقية ثلاثية الأبعاد وتقدم هذه الأعمال للمشاهد انطباعات حرکية وضوئية ولونية ونفسية في تطور مستمر وتدفق للمشارکة في نظامها الحرکي.

نتائج البحث:

1. إن فلسفة ما بعد الحداثة ثورة على الفلسفة التقليديةتتميز بتعدد الرؤى والإتجاهات مما کان له بالغ الأثر على جميع مناحى الفن منذ منتصف القرن الماضى.

2.  الإنتقال إلى عالم الصورة کجزء من تغير النمط المثالى للحداثة فى إتجاه ما بعد الحداثة کان جزء من التعددية الفکرية .

3. عبرت فنون ما بعد الحداثة بشتى صورها عن أن التعددية الفکرية هى الخيار الأمثل
للعملية الإبداعية.

 

توصيات البحث :

يوصى البحث بالدراسة المتواصلة لإتجاه عالمى ملئ بالأفکار المتعددة والإتجاهات التى تحمل فى طياتها العديد من المتناقضات مما يثرى العملية الإبداعية بعيدا عن التوجهات الأحادية
والأفکار النمطية.

المراجع :
·خالد محمد محرز: ما بعد الحداثة في العمارة الداخلية وأثارها علي التنمية الاجتماعية في البيئة المصرية المعاصرة، رسالة دکتوراه کلية الفنون التطبيقية- جامعة حلوان-سنة 1999.
·شادي الشوقاني، توظيف فنون الميديا في تدعيم الفکر الإبداعي للفنان للتعبير عن الهدية الثقافية للمجتمع المصري المعاصر، رسالة دکتوراه-تربة فنية-حلوان.
·   شاکر عبد الحميد, عصر الصورة ( السلبيات والايجابيات), عالم المعرفة ,2005.
·   Bruce Wands,Art of the Digital age,themes & Hadson,2006.
·   Michael Rush.New Media in the late century art ,Thames&Hudson,1991.
·   kirk varnedoe ,High& low modern art and popular culture, adam Gopnik,1991.