مَظاهرُ التّجديد البلاغي عند طبانة والخولي وناصف وتأثرهم بالجرجاني

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

محاضر بقسم اللغة العربية بکلية التربية – جامعة مصراتة

المستخلص

ملخص الدراسة :
تَرمي هذه الدّراسة إلى تقصّي أثر نظريّة النّظم لـ (عبد القاهر الجرجاني) على البلاغة العربية الحديثة ؛ وذلک لبيان کيف وظّفها العلماء العرب المحدثون ومدى الانتفاع بها ، وتوضيح الصّلة بين النظريّة وما جدَّ من تطوّرات لغوية ومنهجية تُسهم في تطوير الدّرس البلاغي .
وکان من بين مَن تأثروا بعالِمنا الجليل وأُعجبوا به ، ثُلّةٌ من النّقاد العرب الذين نَهجوا نهج (الجرجاني) نذکُر منهم على سبيل المثال لا الحصر : (مصطفى ناصف ، وأمين الخولي ، وبدوي طبانة) وکان اختياري لهؤلاء الثلاثة من بين باقي علماء الحداثة الذين تأثّروا بـ(الجرجاني) ، أنّ تأثّرهم به کان أکثر من غيرهم ، کما أنّنا حين ننظر إلى کتابات هؤلاء الثلاثة ؛ نجد أنّ بينهم قاسمًا مشترکًا يؤلّفُ بينهم ويجمعهم في إطارٍ واحد.  
بيّنت الدراسة أنّ عبد القاهر الجرجاني قد أرسى قواعد أعظم نظرية في البلاغة العربية ، وهي نظرية النّظم التي أکّدَ من خلالها أنّها الأصلُ في الإعجاز ، وبَدَى أثر الجرجاني واضحًا في علمائنا الثلاثة ، فقد فهم (مصطفى ناصف) الصورة والخيال أو التخييل من فهم الجرجاني لهما ، ورأى الجرجاني أنّ فهم الصورة الأدبيّة إنّما يتمّ بفهم أقطابها ومصادرها ، کالاستعارة والتشبيه والکناية ، وهذا ما قاله ناصف .
و(الخولي) عرّف البلاغة بأنّها : فنّ القول ، وهذا يذکّرنا بعبد القاهر الذي اتّخذ الذّوق معيارًا للتحليل البلاغي ، والعمود الفقري لجهود أمين الخولي يتمثل في الأصالة في تقاطعها مع التجديد ، ونظريّته في التفسير ، إنما ترابط في صلب الهَم الفلسفي المعاصر شرقًا وغربًا ، لأنّ القرآن الکريم هو نقطة الإحالة المرجعية الثابتة التي تمثّل مبتدأ حضارتنا ومرتکزها .
وفي حديث (طبانة) عن انصراف النّاس عن البيان ، يذکّرنا بحديث الجرجاني عن البيان وما لحقه من ظلم  کما أنّ (طبانة) طوّر في المفاهيم البلاغية ، کحديثه عن المجاز ، ولم يخرج في هذا التطوير عن أفکار عبد القاهر الجرجاني ، وتحدّث عن الاتّصال المباشر بين البلاغة والقرآن ، وکيف أنّ الأوّل يقوم على الثّاني  .

مقدمة :

تَرمي هذه الدّراسة إلى تقصّي أثر نظريّة النّظم لـ (عبد القاهر الجرجاني) على البلاغة العربية الحديثة ؛ وذلک لبيان کيف وظّفها العلماء العرب المحدثون ومدى الانتفاع بها ، وتوضيح الصّلة بين النظريّة وما جدَّ من تطوّرات لغوية ومنهجية تُسهم في تطوير الدّرس البلاغي .

والنّاظر إلى المصنّفات البلاغيّة التي ترکها (الجرجاني) يُدرک أنّ لهذا الشيخ الجليل تأثيرٌ واضحٌ على کثيرٍ من علماء الحداثة الذين اهتمّوا بهذا الفن ألاَ وهو فنُّ البلاغة العربية .

وکان من بين مَن تأثروا بعالِمنا الجليل وأُعجبوا به ، ثُلّةٌ من النّقاد العرب الذين نَهجوا نهج (الجرجاني) نذکُر منهم على سبيل المثال لا الحصر : (مصطفى ناصف ، وأمين الخولي ، وبدوي طبانة) وکان اختياري لهؤلاء الثلاثة من بين باقي علماء الحداثة الذين تأثّروا بـ(الجرجاني) ، أنّ تأثّرهم به کان أکثر من غيرهم ، کما أنّنا حين ننظر إلى کتابات هؤلاء الثلاثة ؛ نجد أنّ بينهم قاسمًا مشترکًا يؤلّفُ بينهم ويجمعهم في إطارٍ واحد ، فـ(مصطفى ناصف) في کتابه (قراءة ثانية لشعرنا القديم) يحاول أن يجدّد العلاقة المبتورة بيننا وبين الشعر الجاهلي ، وقد نفى عن الشعر الجاهلي تُهمة القصور ، وأنحَى باللّائمة على من لا يحسنون القراءة .

أمّا (أمين الخولي) فقد درس في کتابه (مناهج تجديد) عن التجديد في البلاغة ، محاولاً ربط البلاغة بالنّفس وعلم النفس .

وحاول (بدوي طبانة) في کتابه (البيان العربي) أن يهتم بنظرية البيان ، وتطوّرِ الفکرة البلاغية عند العرب بطريقة ميسّرة جديدة ، فهو يعزو سبب تأليفه للکتاب إلى اکتشاف الجهود الحديثة التي تعود إلى البيان في فطرته الأولى .  

واعتَمدتْ هذه الدّراسة على کتابي (الجرجاني) الدلائل والأسرار وغيرهما ، وذلک لما يتمتّعان به من منهجٍ تطبيقي بلاغي ، واستخدمتْ هذه الدّراسة المنهج الوصفي في تناول ما کتبهُ هؤلاء النّقاد ، وتطلّب ذلک تقسيم البحث إلى ثلاثة مباحث : فتناولتُ في المبحث الأوّل جهودَ (بدوي طبانة) في کتابه (البيان العربي)  أمّا المبحث الثّاني : فتناول کتاب مصطفى ناصف ( قراءة ثانية لشعرنا القديم) وأبرز مظاهر التأثر بالجرجاني ، وخصّصتُ المبحث الثالث للحديث عن کتابي (مناهج تجديد) (وفنّ القول) لأمين الخولي  حيث بيّنتُ العلاقة القائمة بين هذين الکتابين ، ونلحظ أنّ الواقع والمثال والمحافظة والتجديد موجودة في هذه المباحث الثلاثة ، وذلک للحاجة إلى أنْ يظلّ حاضِرنا موصولاً بماضينا   .

المبحث الأوّل : کتاب (البيان العربي) لبدوي طبانة :

بدأَ (طبانة) هذا الکتاب مُشيرًا إلى البيان العربي وأهميّته في اللّغة العربية مُشيرًا إلى الضّعف الذي أصابَ  البلاغة العربية والذي انتقل بعد ذلک إلى البيان ، ما دعى النّاس إلى النفور منهما([1])ويرى في کتابه هذاضرورة النّظر  إلى البيان نظرةً مجرّدة تقود الباحثَ إلى أصالةٍ في الفهم ، والوقوف على اتجاه سليم في البحث ، إن کان من ذوي الفطرة السليمة .

ويقدّم المؤلّف کتابه (البيان العربي) کما يشير إلى فئتين من النّاس :  الفئة الأولى هم الذين يقولون أنّ العربَ أُمّةٌ فقيرة في العلم والفن ، ويثبتُ في کتابه هذا عکس ما يُقال ، أمّا الفئة الثانية ، هي الفئة التي تريد أنْ تعرفَ تاريخ الآباء الذين يريدون ربطَ ماضيهم بحاضرهم ؛ لکي ينطلقوا من منطلقٍ راسخ ، ويتکئوا على أساسٍ صلب ، يتمتّعُ على الذوق السّليم .

وحديث (طبانة) في مقدّمته ينطوي على تأثُّرٍ بالغٍ بالجرجاني ، حيثُ إنّ المتمعّن في کتابيه (الدلائل والأسرار) يُدرک مدى استعانة (طبانة) بهذين الکتابين ، فَمثلاً عندما يتحدث (طبانة) عن نُفور النّاس من البلاغة والبيان ، يذکّرنا بما قاله (الجرجاني) عن البيان ، إذ يقول : " لن ترى نوعًا من العِلم لقيَ من الضّيم ما لقيه علم البيان ومُنيَ من الحَيْفِ بما مُنيَ به ، ودخل على النّاس من الغلط في معناه ما دخل عليهم فيه  فقد سبقَتْ إلى نفوسهم اعتقاداتٌ فاسدةٌ وظنون رديَّةٌ ، ورکبهم فيه جهلٌ  عظيمٌ وخطأٌ فاحشٌ " ([2])

وبعد أن يمهّد (طبانة) إلى کتابه ، نجد عنده عنوانًا تحت مُسمّى (البيان والإيجاز) حيث استهلّ فيه الحديث عن البيان والإيجاز ، ويقول أنّه مرتبطٌ بالقرآن الکريم ، ذلک لأنّه يعمل على إبراز ما في کتاب الله من وجوه الإعجاز المختلفة التي ميّزته عن کلام البشر ، والفرق کبير بين نظم القرآن ونظم سائر أجزاء الکلام ، ولا يَعرف هذه الفروق إلاّ مَن عَرَفَ صنوف التأليف ، وبمعرفته صنوف التأليف يقرّ بالفرق بين نظم القرآن وسائر أجزاء الکلام ، ويقرّ کذلک بعجزه وعجز غيره عن فهم أسراره ، ومتى حصل التسليم بالعجز  سَلِمَتْ بذلک العقول واطمأنت النفوس إلى إدراک الإعجاز ، واطمأنت إلى سلامة دينها . ([3])

في الکلام السّابق الذي أورده (طبانة) تأثرٌ کبير بما قاله (الجرجاني) عن البيان ، فهو يرى أنّ التفريق بين الکلام العادي والنّظم القرآني لا يَعرفُه إلاّ من کان على دراية باللّغة ، فإذا أدرک ذلک سيسلّم بأن للقرآن کلام معجز والجرجاني يرى بأنّ الکلام يفضّل بعضه عن بعض ، ويبعد الشأو في ذلک حتّى تمتد الغاية ، ويعلو المرتقى ، ويعزّ المطلب حتى ينتهي الأمر إلى الإعجاز ، وإلى أن يخرج من طوق البشر ([4]) کما أنّ الجرجاني أوعز سبب ترک هذا الکلام من قِبل الکثيرين وعدم الخوض فيه إلى عدم " تعرّفِ هذه الطائفة هذه الدقائق ، وهذه الخواص واللطائف "([5])

ويستمر (الجرجاني) في حديثه عن البلاغة والبيان فوجد أنّ المعتَمَد عليه في هذا الشأن "نظمًا وترتيبًا وتأليفًا وترکيبًا وصياغةً وتصويرًا ... وأنّ سبيل هذه المعاني في الکلام الذي هو مجازٌ فيه سبيلها إلى الأشياء التي هي حقيقة فيها ، وأنّه کما يفْضُلُ النظمُ النظمَ ، والتأليفُ التأليفَ ... ثم يعظمُ الفضلُ ، وتکثر المزيّة ، حتّى يفوق الشيء نظيره ... کذلک يفْضل بعضُ الکلام بعضًا ... ثم يزداد فضله ذلک ويرتقي منزلةً فوق منزلةٍ ، ويعلو مرقبًا بعد مرقب  ويستأنف له غاية بعد غاية حتى ينتهي إلى حيث تنقطع الأطماع ... وتسقط القوى ، وتستوي الأقدام في العجز"([6])

ونعود إلى (طبانة) الذي أرجع سبب نشأة البيان في بدايته إلى العامل الدّيني ، وذلک عندما ظهرت الشّعوبية وکان کلام القرآن وإعجازه من أهم مظاهر الخصومة بين العرب وغيرهم ، فاستعانوا بالبيان العربي للدفاع عن القرآن ضد الذين أنکروا إعجازه وبيانه ([7]) فـ(بدوي طبانة) تحدّث في هذا الموضوع عن قضية الصّرفة بشکلٍ مقتضب  بعکس (الجرجاني) الذي فصّلَ القول في هذه المسألة ليثبتَ أنّ القرآن معجزٌ بالنّظم لا بشيء آخر .

کما أنّ (طبانة) أوضح أنّ السّبب الذي جعل النّاس ينصرفون إلى الاهتمام بترتيب وجوه الکلام ، هو غيرتهم على دينهم وعقيدتهم ، فلم تکُن علاقة البيان بالقرآن مجرّد الدفاع عنه ، فهناک أمرٌ آخر أهم ، وهو فهم معانيه وتدبّرها والتعرّف على أساليبه وما يخبئ من معانٍ لا سبيل إلى الوصول إليها إلاّ بالتدبّر .

ويوضّح (طبانة) أنّ المجاز مرتبطٌ بالقرآن الکريم ، وهو – أي المجاز- من أهمّ ما يهتمّ به علم البيان ، ذلک لأنّ فهم الأساليب التي تحدّثنا عنها آنفًا لا تتمّ إلاّ بفهم المجاز ، " وکانت لتلک الأساليب معانٍ وراء ما يدلُّ عليه ظاهر ألفاظها " ([8])      

وأقرّ (الجرجاني) في کتابيه (الدلائل والأسرار) وفي أکثر من موضع ، الصلة الوثيقة التي تجمع البلاغة والبيان بالقرآن ، وکثرة تواجد المجاز في القرآن ، والمجاز الذي يقصده (الجرجاني) هنا هو المجاز المشتمل على الاستعارة والکناية والتشبيه ، وغيرها من أقسام المجاز اللّغوي أو العقلي ، فهي عنده من مقتضيات النّظم وضرورياته ذلک النّظم الذي به يتعرّف المرء مواطن الإعجاز بالقرآن  ([9])   

وأوضح (طبانة) أنّ کلمة المجاز عند بعض البلاغيين تختلف عن المعنى البلاغي الذي عرَفه علماء البلاغة ، إذ أنّها تُطلق ويُراد بها المعنى الواسع ، فمجاز القرآن هو الطريق للوصول إلى فهم المعاني القرآنية ، سواء کان طريق ذلک التفسير تفسير الکلمات اللّغوية التي تحتاج إلى تفسير بالجملة الشّارحة ، أو المرادف المفسّر من المفردات ، وما کان عن طريق الحقيقة بمعناها ، أو طريق المجاز بمعناه عند البلاغيين  واستدلّ (طبانة) في ذلک برأي أبي عبيدة في کتابه (مجاز القرآن)([10]) ويصل (طبانة) إلى أنّ من بحث في أسرار القرآن وبلاغته وألفاظه استطاع أن يکتشف العديد من الألفاظ المعجزة ، وأثبت هؤلاء البحّاث ما يحتوي عليه الأدب العربي من جماليّات .

وقد أوضح (الجرجاني) هذا الکلام بقوله " وأنّه لا يثبتُ إعجازٌ حتّى تثبُتَ مزايا تفوق علوم البشر  وتقصر قوى نظرهم عنها ، ومعلومات ليس في مُنن أفکارهم وخواطرهم أن تُفضي بهم إليها " ([11])

ويعنون (طبانة) الفصل الثاني من کتابه (البيان العربي) بعنوان (البيان والأدب) ويرى فيه أهميّة فکرة الإعجاز المتسلّطة على أفکار الباحثين وعلاقتها بالقرآن ، فإنّه من النادر أن نجد أثرًا من الآثار التي عرضت للبيان العربي دون أن يشير إلى القرآن ونظمه ، وهذا يؤکّد أثر الدراسات القرآنية في نمو الدراسات البيانيّة .([12]) ويوضّح أنّ الأدب لا يقوم إلاّ على ثلاث رکائز : الفکرة ، والصورة ، والمطابقة بين الصيغة والمضمون من جهة ، وبين ما يتصل بالعمل الأدبي وجَوِّهِ من ناحية الغرض من جهة أخرى ، وهي سرّ عظمة الأدب وجماله وتألقه. وهو يرى أنّ البيان مَلَکة يهبها الله لمن يشاء .

ويسوق (طبانة) مثالاً على الرکائز التي يقوم عليها الأدب ، ويمثّلُ لها في صحيفة (بشر بن المعتمر) ، فيرى أن قضية اللّفظ والمعنى قد فَتحت بابًا واسعًا للنقاش ، انقسم على إثرها العلماء إلى شقّين : الأول يرى أنّ الأدب صياغة ، ومجال التفاوت فيه يرجع إلى الأداء ، وفي مقدّمة من دعى لهذا الشيء (الجاحظ) ، والشّق الثاني من العلماء يرى أنّ مجال التفاوت إنما هو في المعاني والأفکار ، وأکبر الدّاعين إلى هذه الفکرة (عبد القاهر الجرجاني) .

وتناول (طبانة) کتاب (البديع) للخليفة العبّاسي عبد الله بن المعتز ، الذي يُعتبر أوّل کتاب في البلاغة العربية بالمعنى الصّحيح لأنّ جُلّ حديثه فيه کان عن البلاغة ، وکان الدّافع إلى تأليفه هو الخلاف بين أنصار القديم وأنصار الحديث ([13])وقد استعان (الجرجاني) بهذا الکتاب في حديثه عن استحسان اللّفظ.([14])

وخصّص (طبانة) الفصل الثاني من کتابه (البيان العربي) عن الحديث باختلاط القواعد البلاغية بمسائل النقد الأدبي ، وخصّص في حديثه هذا الکلام عن کتاب (عيار الشّعر) لابن طباطبا ، وکتاب (نقد الشعر) لقدامة بن جعفر ، وکتاب (الموازنة بين أبي تمّام والبحتري) للآمدي . 

وقد ذکر (الجرجاني) الکتاب الأخير (الموازنة) في أکثر من مناسبة في (الدلائل والأسرار) واستعان بآرائه في موضوع الاستعارة ([15]) هذه الاستعارة التي تحدّثَ عنها الآمدي باستفاضة ، ما جعل (طبانة) يمدحه على ذلک .

کما أنّ (الجرجاني) اعتمد على کتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) للقاضي الجرجاني ، الذي فرّق فيه بين التّشبيه والاستعارة ، وقد أورد الجرجاني الکثير من الآراء في کتابيه (الدلائل والأسرار) معتمدًا في ذلک على کتاب (الوساطة) وخاصة فيما يخص الفرق بين التشبيه والاستعارة ([16])  

وينتقل (طبانة) بعد ذلک للحديث عمّا قاله (الجرجاني) في کتابيه ، ويخصّص له مجالاً واسعًا للحديث  باعتباره تأثّر به أيّما تأثُّر ، حيث أفرَدَ (طبانة) جزءًا من کتابه لدراسة المعاني والبيان في کتابي عبد القاهر ، ويقول أنّ عبارات البلاغة والفصاحة والبيان وما شاکلها من مصطلحات هي في ذهن عبد القاهر واحدة ، لأنها تعبّر جميعًا عن فضل بعض القائلين على بعض من حيث
نطقوا وتکلّموا .

ونقول أنّ (بدوي طبانة) لا يُنکر أنّ المقاييس البلاغية قليلة الاستعمال في أيدي النقّاد ، وتحدّث عن صلة البلاغة بالنقد ، وأنّها معيارٌ من معايير النقد الأدبي ، وذلک لأنّ النقد يتناول النّص من جميع نواحيه  کما يرى (طبانة) أنّ البلاغة تشريعٌ للأدب يضع قواعده ويحدّدُ أصوله ويرسم طريقه ومنهجه ، وإذا کان الأدب تعبيرًا ممتازًا  فإنّ البلاغة هي التي توضّح معالم هذا التعبير الممتاز ، وتبرز عناصره لينتفع بها الأدباء ؛ حتّى يستطيعوا أن يحقّقوا هدفهم الذي يرمون إليه من إقناع العقول أو التأثير في العواطف والقلوب  ([17])

ويوضّح (طبانة) أنّ(عبد القاهر) حينأورد کلمات المعاني في ثنايا کتابيه ، لم يکن يعني بها ما عناه (السکّاکي) ؛ إذ إنّ في کتاب دلائل الإعجاز کثيرًا من المباحث التي تدخُل في صميم مباحث علم البيان وعلم البديع([18])

ولا يُخفي (طبانة) إعجابه بتحليل (الجرجاني) لقوله تعالى : ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَکِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ([19]) ويرجّعُ الحُسنَ فيها إلى ترابط الکلم بعضه ببعض ، ويقول أن مَبدأ العظمة في أنْ نوديت الأرض ثم أُمِرتْ ، ثم کيف کان النّداء بـ (ياء) دون (أي) نحو يا أيّتها الأرض ، ثم إضافة الماء إلى الکاف دون أن يُقال : ابلعي الماء ، ثم أتْبَع نداء الأرض وأمرها کذلک بما يخصّها ، ثم قيل (وغِيضَ الماء) فجاء الفعل مبنيًا للمجهول ، وتلک الصيغة تدلُّ على أنّه لم يُغَضْ إلاّ بأمرِ آمرٍ  وقدرة قادر ، ثم إنّ تأکيد ذلک وتقريره واضحٌ في قوله تعالى : (وقُضي الأمر) ثم ذکر فائدة هذه الأمور المتقدّمة کلّها في قوله (استوت على الجودي) ثم إضمار السّفينة قبل الذّکر کما هو شرط الفخامة والدّلالة على عظم الشأن، ثم مقابلة (قيل) في الخاتمة بـ(قيل) في الفاتحة . أفَتَرَى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤک بالإعجاز روعة  وتحضرک عند تصوّرها هيبة تحيط بالنّفس من أقطارها ، تعلّقًا باللّفظ من حيث هو صوتٌ مسموع ، وحروفٌ تتوالى في النطق  أم کل ذلک لما بين الألفاظ من الاتساق العجيب؟  ([20])

إنّ عِلم البلاغة عند (طبانة) يتّسع لدراسة فنون الأدب ، ولا يقتصر على بعض الأجزاء القليلة من الفن الأدبي ، وإنما ينبغي أن تُحدّدَ کُلَّ فنٍ من فنون الأدب ، وتشرح مظاهر الإجادة وأسباب التوفيق فيه  کما رسمَت الطريق للکلمة المفردة وللجملة المرکّبة .

وعن بلاغة التقديم والتأخير التي تحدّثَ عنها (الجرجاني) يتوصّل (طبانة) إلى أنّ فکر (الجرجاني) فيه أصداءُ فکرٍ منظّم ، فلا يسع الدارس إلاّ أن يُسلّمَ بفکره الصّحيح ومنطقه السّليم ، ولذلک "لا بد أن يُقال إنّ عبد القاهر هو واضعُ أسس المنهج التحليلي في دراسة البيان أو المعاني العقلية ، ومسايرة العبارات لها ودلالتها عليها فعبد القاهر – کما  يرى طبانة – رجُلُ المعنى والفکر والمنطق ، لکنّه لم يتخلّ عنه الذوق الأدبي "([21]) 

کما أنّ علم البلاغة – عند طبانة – هو علم الأسلوب ، ولا شکّ أنّ الأساليب تختلف من موضوعٍ إلى موضوع ، کما تختلف من فنٍ أدبي إلى فنٍ أدبي آخر ، وهذا الاختلاف يحتّمُ علينا أن ندرس خصائص کلِّ فنٍ ونوضّحه ، ونحدّد جوهره وغايته وموضوعه وشکله ، ونشرح ما ينبغي أن يتوافر في کلٍّ منها  فللشعر أقسامه وفنونه وله معانيه وأخيلته وله صوره وأشکاله ، وللنثر أبوابه القديمة ، من الخُطب والأمثال والوصايا والرسائل والمقامات والجدل والمناظرات ، وأبوابه الجديدة من المقالة التي تختلف في الموضوع والغاية ، والقصّة التي وُلدت في هذا العصر واتّسعت دائرتها وتعدّدت أنواعها کما تعدّدت مناهجها ، وکذلک المسرحيّة التي عَظُم شأنُها في الأدب العربي ، وکلّ فن من هذه الفنون الحديثة جديرٌ بالشرح والتحليل وتحديد معالمه .

ويعلن (طبانة) أنّه في مراحل دراسته لم يجد عالماً بالأدب أو بالنّقد استطاع أن يذلّلَ فنون الکلام لعلم النّفس ويخضعها له ، کما استطاع أن يفعل (عبد القاهر) ، لأنّ نقده يتصف بالموضوعية واستثارة مکامن الشعور وتحريک الذوق والحاسّة الفنيّة، وتمحيص الآثار النفسيّة في
الأعمال الأدبية.
([22])     

ويخصّص (طبانة) الفصل الثالث من کتابه للحديث عن أبرزالآثار التي اقتدتْبعبد القاهر وتأثّرتْ به مع احتفاظ بعض أصحاب هذه الکتب بشخصيّاتهم ومناهجهم ، ولکنّنا سنجد بعض الآثار التي دفع فرط إعجاب  أصحابها بعبد القاهر إلى أن تکون کتبهم صورةً منسوخة لکتابي الجرجاني (الدلائل والأسرار) ([23])

ومن الکتب التي تأثّر أصحابها بکتابي الجرجاني المذکورين ، کتاب ( نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز) للرّازي حيث رأى (طبانة) أنّ (الرّازي) في کتابه هذا يکاد يکون کلامه نقلاً حرفيًا عن ما کتبه الجرجاني ، وتحدّثَ (طبانة) أيضًا عن کتاب (الطّراز ) (للعلوي) فقال : أنّ صاحب هذا الکتاب قد أثنى ثناءً مستطابًا على عبد القاهر ، فذَکَر أنّه أوّل من أسّس بُنيان علم البلاغة وأظهر براهينه وفوائده ، ووصفه بالعالِم النّحرير وعَلم المحقّقين . ([24])

أمّا الفصل الرابع والأخير من کتابه (البيان العربي) فقد خصّصه (طبانة) لتسليط الضوء على فکرة البيان عند المعاصرين ، فذکر مجموعة من الکتب التي تناولت فنون البيان في عصرنا الحديث من بينها : کتاب (دفاع عن البلاغة) للزيّات ، وکتاب (الأسلوب) لأحمد الشايب ، وکتاب (فن القول) لأمين الخولي  الذي سوف نخصّص له جزءًا من حديثنا عند تناول أمين الخولي في هذا البحث إنْ شاء الله تعالى .

ومَن قرأ کتاب (الأسلوب) للشايب ، يلاحظ اتفاق وجهات النّظر بينهما – أي بينه وبين طبانة- في تجديد علم البلاغة ، بَيْدَ أنّ (الشايب) قد فصّل منهجه في  کتابه ، أمّا (طبانة) فقد أجمل منهجه في آخر کتابه البيان العربي.

المبحث الثاني : ملامح التجديد عند مصطفى ناصف ، وتأثّره بالجرجاني :

   ينطلق(مصطفىناصف) منکَونالأدبالجاهليأکثرالآدابتأثيرًافيمجرىالأدبالعربي ،بلهوالبؤرةالتيانصهرفيها ، فأوائلالأدبالعربيشکّلتأواخره ،والجذور هيالتيأنبتتالفروعالعاليةفيالسّماء ،وليسمجرّدانعکاسلفکرةالبداوةووصف للمحسوسات ،فجاءتدراستهردًّاعلىهذهالمزاعموتبيانأنّ " حياةالعصرالقديمأعمق ممّايجريعلىأقلامناحتىالآن ، وقدشهدهذاالعصرصراعًاروحيًاقويًالميقدَّر تقديرًاملائمًا ... إنّناأمامعصريضطرمفيهالقلقويبلغذروته ،إّنناأماممجتمعتشغله أسئلةٌأساسيةشاقةعنمبدأالإنسانومنتهاهومصيرهوشقائهوعلاقتهبالکون " ([25])

وعند قراءتنا لکتابه (قراءة ثانية لشعرنا القديم) نشعر لأوّل وهلة بأنّ روح (ناصف) تلتقي کثيرًا بروح (عبد القاهر) منذ الصفحات الأولى للکتاب ، يقول عبد القاهر : " إذا کانت العلوم التي لها أصولٌ معروفة وقوانين مضبوطة قد اشترک النّاسُ في العلم بها ، واتّفقوا على أنّ البناءَ عليها إذا أخطأ فيها المخطئ ثم أُعجِبَ برأيه ، لم تستطع ردّه عن هواه ، وصرفه عن الرأي الذي رآه ، إلاّ بعد الجهد ، وإلاّ بعد أن يکون حصيفًا عاقلاً ثبْتًا إذا نُبّه انتبَه "  ([26])

   فالخَلط الذي کان في الموقف النّقدي والبلاغي بشکلٍ عام في عصر (عبد القاهر) کان کبيرًا جدًا  ولا علاج لهذا الخلط إلا برفع راية العِلم والرجوع إلى الأسس والقوانين الأولى المستمدّة من النظر الصّحيح في نصوص الأدب ومن الفهم السّليم لهذا الأدب ([27]) وهذا ما کرّس (ناصف) نفسَه لفعله ،  فالتراث العربي أدلى فيه کلُّ واحدٍ بدلوه دون أن يکلّفَ نفسه القراءة السّليمة الواعية .

   ولا سبيل إلى التخلّص من هذه الفوضى – في رأي ناصف – إلاّ بوجود القارئ الواعي ، وذلک لطَرق أبواب القصيدة ، وکشف ما فيها من أسرار ، وهذا ما نادى به (الجرجاني) في حديثه عن القراءة الواعية ، حيث يقول : " لا تستطيع أن تنبّه القارئ لها وتحُدثَ له علمًا بها ، حتّى يکون مهيئًا لإدراکها  وتکون فيه طبيعة قابلةٌ لها  ويکون له ذوقٌ وقريحةٌ يجد لهما في نفسه إحساسًا بأنّ من شأن هذه الوجوه أن تعرضَ فيها المزيّة على الجملة "([28])

   فإذا ما تناولنا (الأسطورة) في نقد (ناصف) نجد أنّه تعامل معها باعتبارها نسقًا سيميائيًا وإنْصرّحبغير ذلکحينتحدّثعنسوءفهمناللنقدالعربيفقال : " لقدوُضعالشعرالعربيفيبوتقة صغيرةذات طابعسيميولوجي "([29])وذلکمنخلالتحليلهلمثالالأسدفيالبلاغةالعربيةوفيبحثالاستعارةبالخصوص ، يقول :

"لقددَرَجْناعلىکلّحالعلى استعمالالمثلالذيلمينقطعقط ،مثلالأسد ،وخيّلإليناعلىالرغممناستشکالالنقاد الأولأنالغرضَمنالأسلوبغرضخارجيأوأسلوبيمحض" ([30])

إنعبارة(رأيتُأسدًا) تُبديأفُقًابعيداولبسًامُريبًا " وتنوبلامحالةعن محذوف " ([31])فمِنجهة ،أنّلهذهالعبارةمعنًىبسيطًا ،وهوأننيرأيتأسدًا ، ومنجهةأخرى فهذاالمثالوجدليدّلناعلىشيءآخر ماعبّرعنهعبدالقاهرالجرجانيبقوله:" ويرفعُکعنطبقةالمقتصرعلىالإشارة ،دونالبيانوالإفصاحبالعبارة " ([32])

فـ(عبد القاهر) بعد أن أَلِفَ اللّغة ، وبعد أن انقادتْ إليه سَلِسَةً هيّنة ، وبعد أن تبلورت نظرية النظم عنده استطاع أن يکشفَ أنّ اللغة بإمکاناتها وقواها تستطيع أن تؤثّرَ في النّفوس أبلغ تأثير ، وهذا المنهج اللّغوي هو الذي يفسّر قيمة اللّغة وما يکون منها من علاقات وانعکاسات في النّفس البشريّة ، وهو ما أُطلق عليه في العصر الحاضر منهج التقاء فلسفة اللّغة بفلسفة الفن  . ([33])

وهذا هو ما عناه (مصطفى ناصف) عندما أکّد في أکثر من موطنٍ أنّ اللّغة مناط الانتماء ، وهي بذاتها أهم بواعث الانتماء ولا شيء سواها .

وفي مجال التأليف بَيْنَ المتباينات ، لخّص(مصطفىناصف)حاجتناإلىالتأليفبينالمتبايناتفيتنظيمالتأويل ، فالتأويل سِمةالحاضرةوالتطوّربکلمايحملهمنتعدّدواختلافوخطر -کمايقول-  وتنظيمه مطلبسياسيقبلکلشيء ،کماأنّهمطلبعقدي ، حفاظًاعلىالعقيدةالإسلاميةمنالشّططوحدّةالتأويلالتيقدتحيدبالمعنى ، ويعتبرذلکمطلبًاقديمًا ،نادىبهعبدالقاهرالجرجانيفي(أسرارالبلاغة)حيث يقول : " وهکذاإذااستَقْرَيتَالتشبيهاتوجدتَالتباعُدبينالشيئينکلّماکانأشدّکانتإلى النفوسأعجب ،وکانتالنفوسلهاأطرب ،وکانمکانهاإلىأنتحدثالأريحيةأقرب ، وذلکأنّموضعالاستحسان ،ومکانالاستظرافوالمثيرللدفينمنالارتياح ،والمتألّف للنافر منالمسرّةوالمؤلّفلأطرافالبهجة ،أنکترىبهاالشيئينمِثلينمُتباينين ومؤتلفينمختلفين ، وترىالصورةالواحدةفيالسماءوالأرض" ([34])

   ويلتقي (ناصف) مع (عبد القاهر) باعتماده على المنهج التحليلي ، فکان اهتمامه على الدّراسة النصيّة فحسب ، يستخرج  الدّارس عن طريقها مکنونات النّفس في البيت الشّعري المؤلّف من ألفاظ اللّغة ، وهذا مناط النّظم الذي شغل عبد القاهر نفسَه به ، فالنّظم بمعانيه المزاجية ، ما هو إلاّ ألوانٌ نفسية متباينة تلتقي لتشکيل الصورة الأدبية .  ([35])

   وفي فصل (حُلم المستقبل) من کتابه ، يختار ( ناصف) للدراسة التطبيقية کلاً من زهير بن أبي سلمى ، ولبيد بن أبي ربيعة ، ويختار قصيدتين من قصائد الشاعر رأى فيهما تقاربًا في الدّراسة البلاغية ، فالأوّل اختار له قصيدته التي مطلعها :

أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَکَلَّمِ       بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ

ويختار قصيدة لبيد التي مطلعها :

عَفَتِ الدِيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها       بِمَنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها

فالأطلال التي ذُکرتْ في هذين البيتين کانت إحدى معالم التّشابه بين القصيدتين ، فکانت کالمواثيق التي اتّفق عليها الشاعران ، فالشاعر الجاهلي عند ذکره أماکن کثيرة کـ (سقط اللوى ، والدرّاج ، والرقمتين) وغيرها من أسماء الأماکن التي يستوعبها الشاعر الجاهلي في نسقٍ واحد فلا تکون فردية ، والديار والأطلال اللتان يقف عليهما الشاعر ، هما مکانان مقدّسان – في نظره – لارتباطهما بأشياء عميقة في نفسه ، ويُعين على تذکّرها عدّة رموز کالوشم المجدّد ، والکتابة الباقية على الحجر ، والسّيل والرّيح  ، فالشاعر عندما يستخدم هذه الرموز ويتذکر بها هذه الأطلال ، يريد بذلک أن يقوم بعملية إحياءٍ لهذه الأماکن وبعثها من جديد .

   والبکاء الذي يتکرّر في شعر هؤلاء الشعراء ، هو في الواقع لا يعبّرُ عن الحزن أو الهزيمة ، بقدر ما يعبّرُ عن تغيير نظرتنا إلى الماضي ، أو لنقُل هو دعوة من الشاعر لاستمراريّة الحياة
وعدم توقّفها .

   وينفي (ناصف) أن يکون الشّاعرُ حريصًا على أن يذکر أسماء الأماکن التي تقع بها هذه الأطلال  لأنها ترتبط بتجارب شخصية عاشها الشّاعر  وهذا – عنده – تفسير ساذج ، فالشّاعر يبدو في ذکره لهذه الأماکن کأنه يعيذها من الشّر ، فذکرها نوعٌ من التسامي بها عن أماکن أخرى ، ونراه ينتقل من مکانٍ إلى آخر ، والسبب في ذلک هو الشعور بالعزلة التي کبّلته ، وما يهدف إليه (ناصف) هنا هو أن نلمح التّکامل القائم بين کلّ العناصر التي تؤلّف الصورة التي يريد الشاعر أن يرسمها ، فـ(الهوادج) مغطّاةٌ بثيابٍ جديدة حَسَنةُ المنظر ، لکنّ حقيقتها حُجُبٌ تحُولُ بين الشاعر والتّطلع
إلى الظعائن .

   والذي قام به (ناصف) في تحليل هذه الصورة الطللية ، يبيّن لنا مدى تأثّره بعبد القاهر الجرجاني  الذي يرى أنّ الأثر الفنّي يتأتّى من علاقات الأجزاء ؛ إذ تقوم رؤيته على أساس کلّي ، يقول معلّقًا على أبياتٍ أوردها تُنسَبُ لعلي بن محمد بن جعفر : " المقصودُ البيت الأخير ، ولکنّ البيت إذا قُطِع عن القطعة ، کان کالکعاب تُفرَدُ عن الأتراب ، فيظهرُ فيها ذلُّ الاغتراب ، والجوهرة الثّمينة مع أخواتها في العقد أبهى في العين ، وأملأ بالزّين منها إذا أُفردتْ عن النظائر ، وبَدَتْ فَدَّةً للناظر " ([36])

   ورغمأنّالکِتاباتالبلاغيةاحتفلتوفَصّلتِالقولَفيمُجملالإنتاجالجرجاني درسًاونقدًاوتوسيعًا  فإنّهالمتنتبهإلىعمقتصوُّرهخارجزمنهِ ،هذاماآمنبه (مصطفىناصف)ومافتئيکرّرهفيمجملکتبهالتياطّلعناعليها  الأمرالذيألزَمَهُ ضرورةالقيامبنقدٍوتأمّلٍيراعيانظروفنموّالفکرالبلاغيالجرجاني ،ويسعَى إلى الإفادةمننموذجهبمايُلائمُالمعطياتالجديدةللنظرياتالمعاصرة (النظرياتالتفاعلية خصوصًا) .

   وأهمّ ما يميّزُ (ناصف) في کتبه المختلفة ، هو أنّه لم يقف عند مجرد ذکر الکلمات وشرحها معجميًا  بل تجاوز هذا الأمر ليصلَ إلى أسرار هذه الکلمات ، وبصَنيعِه هذا فهو مُطوّرٌ لأسلوب عبد القاهر الجرجاني ، ومُجدّدًا له فعبد القاهر رکّز اهتمامه على الصياغة اللّفظية للکلمات ، ولم يقف عند ذکر الصّفات والعناصر فحسب ، لکنّه تعمّقَ حتّى وصل إلى أسرار هذه العناصر والأسباب التي جعلت لهذه الأصول ذلک التأثير في النّفس ، فهو على سبيل المثال لا يکتفي بذکر التقديم والتأخير في الجملة ، أو الحذف والذکر ، بل يبحث عن الأسباب التي من أجلها کان هذا التأثير في النّفس .([37])

   ولعلّ أهمّ ما يجمع الاثنين (ناصف والجرجاني) هو کثرة الاستشهاد بالأمثلة التي تدور حول الغرض الواحد الذي يقومان بدراسته ، کما يتفق (ناصف) مع (الجرجاني) باتخاذه الموازنة مجالاً لإبراز الخصائص المشترکة بين هذه الأمثلة والنصوص في ثنايا کتابيه (الدلائل والأسرار) ، فلم تکن دراسته مجرّد عرضٍ للنصوص وحشدٍ لها ، وإنما کانت دراسته للنّص لاستجلاء المعنى الذي خَفي وراءه .

   وأبرز ما يشدُّ القارئَ لتحليلات (ناصف) في الشِّعر القديم ، تعليقه على بيت امرئ
القيس الکندي :

مِکَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعًا       کَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ

حيث يصف أصوات هذا البيت بأنها " تحتمل فکرة العناء الذي يبذله بوجهٍ من الوجوه ، والأصوات التي تؤلَّف بها صورٌ أخرى کثيرة تشير إلى هذا الجهد ، ولا سبيل إلى الإحساس بهذا المعنى سوى المعاناة الشّخصيّة من جانب القارئ " ([38]) وفي هذا القول تأثرٌ کبير بعبد القاهر فــ " لقد کان النّغم الدّاخلي هو محکّ الصّدق الفنّي عند عبد القاهر ، فالشّاعر الصّادقُ فنيًّا نلمح في شعره تجربته المرتبطة بالوزن (الأصوات) ؛ لأنّ الوزن والتجربة يولدان معًا  وکلّما أحسّ المتذوّق لقصيدةٍ ما بالنّغم الدّاخلي لها ، الذي هو وثيقُ الصِّلة أساسًا بذاتيَّة الشّاعر وما يجول في خاطره  کان ذلک دليلاً على أنّ القصيدة أوثَقُ اتّصالاً بالتجربة التي يعبّر عنها الشّاعر " ([39])

کذلک من الميزات المهمّة التي نلاحظها على تحليل (ناصف) للأدب ، أنّ لکلِّ شيءٍ عمقًا آخر غير الظّاهر  وهذا ما نادى به (عبد القاهر) في نظريّة (مَعنَى المعنَى) ويجدّدها (ناصف) بأنّ بِنية السّطح انعکاسٌ لبِنية العُمق ، ثم يقول : " دعني أذکّرکَ بأنّ الفنّ العظيم کلّه يتميّز بميزة خاصّة ، فهو ينقل إلى کثيرين معنًى سطحيًا واضحًا ، ويحتفظ للقليلين بمجموعةٍ أکمل من الأعماق " ([40])

وفي مجال تناوله لقضية (الجِناس) نلحظ أنّ ناقدنا قد ميّزه ببعض الخصوصيّة اللّغوية ، فذَهبَفيهمذهبَعبد القاهرالجرجانيفيکَوناستحسانالشِّعرلايعودإلىظاهراللّغةإنمّايعودإلى " أمرٍ يقعمنالمرءفيفؤادهوفضلٍيَقْتدحُهُالعقلُمنزناده " ([41])  بِمعنىأنّألفاظَالشِّعرليست مصدرَجودتهإنمامعانيه ،حتّىفيأکثرالمقوّماتاللّفظية کالجناس " أمّاالتجنيسُفإنّک لاتستحسِنتجانُسَاللّفظتينإلاّإذاکانموقعَمعنييهمامِنالعَقلموقعًاحميدًا ،ولميکُنْ مَرمىالجّامعبينهمامرمًىبعيدًا " ([42])ففضلُالجناسفيتحسينالشِّعرإنمّايتعدّىتجانسَ الأصواتإلىمعنىالألفاظ،التيلولاهامارأينافيالجناسغيرَتکريرالأصواتِدون تأثير .

وقد أدْلَى (ناصف) بدلوه في هذا الموضوع ، وأورد ما قاله عبد القاهر في هذا الشأن فقال : " کانعبدالقاهريقولفيملاحظةٍطيّبةأنّالجناس والسّجعيَتْبعانخُطَىالمعنى ،فالصّوتُإذناقتفاءٌلشيءٍآخر ،أدخلالجناستغييرافي مثلهذاالبيت : 

ناظِراهُ فيما جنى ناظِراه       أوْدَعاني أمُتْ بِما أوْدَعاني ([43])

کيفکانتالعينانجِدالاً ؟ومعذلکلانکادُنَشعُربأنّمنحقّالعينينأنْتُجادلافيمقامٍآخر  أيأنّالکلمةفيتقديرنا ،لاتنوبعنسياقاتٍمحذوفة ،وهذاخطأ " ([44])فالجناس الجّيدهو الذييخدعالقارئفيالوهلةالأولىقبلأنيصرّحبالمعنىالمراد (المغيّب) ففيهذاالغياب يکمُنسحرالجناس .

شرح الکلمة عند (ناصف) :

   يقول (ناصف) في هذا الشأن : " ... ولاغرابةَإذا قلناإنَّمفهومکثيرٍمنالکلماتأقربإلىالبداوةمنهإلىسُلّمالحضارةالمتنوّع ،فقد طلبالمجتمعالوفرةوالسِّعةوظلّتقديرالکلماتأحيانًارهينمجتمعآخرتعرّضَللبَلَى قليلاً، ولاغرابةفقدنشأالعِلمبالکلماتأوّلمانشأفيحجرالبداوةوطلبهاوالإصغاءإلى أهلها ، وتنوسيتإلىحدٍما حرکةالحياةالسّريعةالمضطربةالتيحَدّتمعالخروجمن الجزيرة "([45])فالظّمأالحضاريکانيشغلعبدالقاهر ،وکانالتّقسيمسلاح الفقراءعلىالأغنياء ،وکانکذلکمنهجًاثقافيًا ، مِن أجل ذلک کان علىالکلماتأنْتنقسموتتمايزَبَدلأنتختلطوتتکاثر .

   ورأَى (ناصف) أنّ کلمة (الغِنى) بؤرةأسرارالبلاغةوموقفًامنالشِّعروالثّقافة والحضارة ،وأمارةخوفوريب ممّاآلتإليهالحضارةوفيماستؤولإليه ،وقداستشهد بحديثعبدالقاهرحولالوجودوالعدم ؛ليؤکِّدَماذهبإليهآنفًامنکونهقداتّخذموقفًامِنالحضارة ،وأنّهدفهمنأسرارالبلاغةيتجاوزماعهدناهمنقضايالغويةوبلاغيةإلى نقدثقافيواجتماعيخفيوراءقضايالغوية ([46])ويرى (ناصف) أنّ عبد القاهر قد شعر بأهميّة الکلمات ورأىأنتأويلهاهو )احتراقٌذاتي) لايمکننابعدهأننتعاملمعها لأننشاطهاقدأخمدبتأويلها ،منأجلذلکجعللهاحصانةقويّةوعالماً مُغلقًاحذّرنامن اقتحامه ،وطالببالتشبثبه ؛لأنّهمنلميتشبثبالکلمةفهوفيحقيقةالأمريتشبثبأمور أخرىلايُدرکها ،أيإنّالتحرّرمنشيءهوفيالنهايةتقيّدبشيءآخر .

يجعل (ناصف)  مبدأالوجوهمنهجًافيالتحليلالثقافي يساعدعلىالتأليفبينعناصر متصارعةومتناقضةواستيعابالآخرعلىاختلافه ، أوماأسماهبـالصراعالمسالمبما يتضمنمنتسامحوقبولالآخرواحترامه([47])فحاولأنيمارستأويلاًثقافيًاعلىبعض الصّيغالنحويةالتياعتدناالتعاملمعهاکمسلّماتلانملکإلاأننکرّرهاونُحافظعليها فرأىفياسمالفاعلمثلاجدلاًومعارضةًومغالبة ،يقول : " اسمالفاعلمثلاًيجادلالفعل ، قديفيدحرکةفيزمنٍمعين ،والحرکةمعرّضةٌللانقطاع ،والحرکةأيضًايجبلها کماقلناالنظام ،وهنانلجأإلىأدواتمنبينهاالتوکيدواستعمالاسمالفاعلالمشار " ([48])

کتابُ (الصورة الأدبية) :

   بدأ (ناصف) الحديث في هذا الکتاب عن (الخيال)  أو (التخييل) کما يسمّى عند نقّادنا القدامى ، وأشار في دلالته البلاغية الخالصة إلى هذه الأنواع البلاغية للصّورة ؛ لأنّ هذه الأنواع نابعةٌ أساسًا من الطبيعة التخيّلية للشعر ([49])ويرى في کِتابه أنّ الخيال يحقّقُ الاندماج بين الشّعور والّلاشعور ، ويحقّق التوافق والتنوّع ، والتعبير الفنّي وحده هو القادر على أن يخلق الجمال من مجموع جانبين لا يکتفي کلٌ منهما بذاته ، والخيال هو وحده القادر على تحقيق التّوازن والاعتدال ، وخلق نظام واحد تتلاءم عناصره تلاؤُمًا مظهره الوحدة والتنوّع ومصدره في کلمة واحدة الدّلالة التي تُعلّل تحليل الإحساسات المتميّزة التي يتألّف منها مصدر الشيء . ([50])   

   وهذا الذي توصّل إليه (ناصف) هو نفسه الذي تحدّث عنه (عبد القاهر) في حديثه عن الخيال  حيث يقول : " وهل تشکُّ في أنّه يعملُ عمل السّحر في تأليف المتباينين حتّى يختصر لک بُعْدَ المشرق والمغربِ ... ويرُيک المعاني الممثّلة بالأوهام شبهًا في الأشخاص الماثلة والأشباح القائمة ، ويُنطِقُ لک الأخرس ويُعطيک البيان من الأعجم ... ويُريک التئامَ عين الأضداد فيأتيک بالحياة والموت مجموعين ، والماء والنّار مجتمعين " ([51])  

   کما أنّ عبد القاهر يرى أنّ الشعراء يتميّزون بعضهم عن بعض ، والذي يميّزُ شاعرًا عن آخر هو (القدرة الذهنيّة) التي تجعله يرى أشياء لا يراها عامّة النّاس ، ويکشف عن علاقات لم يلتفت نحوها سواه ، لأنّه إنسانٌ متخيِّل وهذا التخيّل ما هو إلاّ القدرة الذهنية ([52]) يقول عبد القاهر : " وما شَرُفت صنعةٌ ، ولا ذُکر بالفضيلة عملٌ إلاّ لأنّهما يحتاجان من دقّة الفکر ولُطف النّظر ونفاذ الخاطر إلى ما لا يحتاج إليه غيرهما ... لم يُراعِ ما يَحضر العين ولکن ما يستحضر العقل ، ولم يُعنَ بما تُنالُ الرؤية ، بل ما تعلَّق الرويّة ، ولم يُنظر إلى الأشياء من حيث تُوعَى فَتَحْويها الأمکنة ، بل من حيث تعيها القلوب الفطنة " ([53]) حيث علّق (ناصف) على هذا الکلام بقوله :"إنّ الشاعر يجنح إلى نسقٍ من الأشياء يخالف ما نرى ، من أجل الوصول إلى حقائق مستقرّة باقية ، ومن أجل ارتياد دفائن وأسرار"([54]) ويرى (ناصف) أنّ فضيلة الشّاعر العليا هي الصّبر ، فالشّاعر کالصيّاد الذي لا يتدخّلُ إلاّ إذا نبّهتهُ رعشة حبالِه ([55])

   وتحدّثَ (ناصف) عن الاستعارة ، وبيّن أنّها أَولى وأجدر بطولِ الأناة من التّشبيه ، وأنّها بالشِّعر أمسُّ رحمًا([56]) أمّا عبد القاهر فقد خصّ الحديث عن الاستعارة قبل أن يتحدّث عن التشبيه والتمثيل وغيرها من فنون البلاغة ، وناقدنا (ناصف) يرى أنّ الاستعارة لصيقة بالشِّعر ، فهي عنده مَصْدرًا للترادف ، ومتنفسًا للعواطف والمشاعر الانفعالية الحادّة([57])  

وبشأن التشبيه نجد (ناصف) قريبًا جدًا من رأي عبد القاهر ، فبلاغة التشبيه عند عبد القاهر تقوم على التصوير والتّقديم الحسّي ، وهو في التّشبيه أميلُ إلى الأصل الذي يؤخذ فيه الشّبه من الأشياء المشاهَدة والمدرَکة بالحواس على الجُملة للمعاني المعقولة ([58]) وهو نفسه ما قاله (ناصف) " بأنّ الصور مادتها ما تعطيه الحواس " ([59])

المبحث الثالث : أثرُ عبد القاهر في (أمين الخولي) :

   بَنَى (الخولي) دعوته للتجديد في البلاغة العربية على أساس الانتفاع بتجارب الغرب في دراسة الفنون والآداب واللّغات ، وما جدّ من مناهج بحثِها من غير انفصالٍ عن التراث العربي ، بل مع الاتصال شديد الواثق بهذا التراث بحيث "يستخرج منه خير ما فيه ، ويعرف طابعه الخاص ومزاياه المفرّقة بينه وبين غيره ، بعد معرفة هذه الفوارق والخصائص لما عند الآخرين ، حتّى يکون الأخذ على هدًى وبصيرة " ([60])    

   وضمّت خطّة (الخولي) في (فنّ القول) جملةً من المباحث التي تجعل من الدراسة البلاغية فنيّة التناول أو أدبيّة المنهج ، وممّا اقترحه في هذه الخطّة : وضع المبادئ التي تُعرّف بفنّ القول من حيث غايته وصلته بغيرِه من الدراسات وصلته بالدراسة الأدبية ، کما اقترح وضع مقدّمتين : فنيّة تُعرّف بالفن ، ونفسية تُعرّف بالقوى الإنسانية المختلفة وصلة بعضها ببعض ، والآراء فيها
قديمًا وحديثًا .

   ولعلّه من المفيد قوله : أنّ (الجرجاني) و(الخولي) يلتقيان في أنّ کليهما مُجدِّدٌ ؛ فقد عُرف عن الثّاني أنّه صاحبُ دعوةٍ حرّة إلى التجديد والإصلاح ، وهو صاحب منهجٍ علمي ([61])  والأوّل – أي الجرجاني – عُرف عنه هذا الشيء ، مِن حبّه للتجديد ، وعنايته بمختلف القضايا البلاغية .

   وکتاب (الخولي) (فنّ القول) يهدف إلى التّجديد في ميدان البحث البلاغي ، فلو تأمّلنا على سبيل المثال حديثه عن العمل الأدبي نجده يقوم عنده على الوعي والقصد ، فالأديب يتحمّل مشقّة هذا العمل ، وينظر إلى کلّ خطوة من خطوات إبداعه ، وينتهي إلى أن يقدّم فنًّا قوليًّا له ملامحه المتميّزة والملتصقة بصاحبه .([62]) 

   ويدعو الخولي إلى دراسة الأدب دراسةً موضوعية ، تمدُّ صاحبَ الصّناعة بما لابدّ منه من لفتٍ وإبانة تُعِيْنُه على صقل الموهبة الأدبية ([63])  وقد وقف (الخولي) من التعريفات القديمة للبلاغة موقف الرّافض لها ، ملاحِظًا ما اشتملتْ عليه من بعض القصور والاضطراب ، ويربط تعريف البلاغة بـ(فنيّة القول) ؛ باعتبار أنّ الکلام الفنّي هو المعبّر عن إحساس الإنسان بالحُسن ، ولا يمکن نقل هذا الإحساس إلا إذا کان له وجودٌ حقيقي عند قائله ، وکان في وقعه عند السّامع مشارکةٌ واضحة . ([64]) 

   وأوصى (الخولي) في کتابه بالرّجوع إلى کتابي الجرجاني (الدلائل والأسرار) وذلک لعلاج جَفاف البلاغة وبُعدها عن الحياة الأدبية الفنيّة وأنّها تصويرٌ مُتفنّن ([65])

   هکذا کان الخولي يبث أصول التجديد في المجالات کافة ، مستنداً إلى أصل عريق هو إجماعُ النحاة القدامى على ذمّ التقليد ، وحتى في عصور الانحطاط ، أغلق الفقهاء باب الاجتهاد ولم يفعل النحاة مثلهم ، ورأوا الاجتهاد قائماً في کل آنٍ ومکان ، وإلاّ عجزنا عن ضبط ما نقوله ونفهمه ، وفي هذا نجد سُنة النشوء والارتقاء قائمة في اللُّغات أيضًا ، والتفسير التطوري للغة مفتاحًا من مفاتيحها.

   وفي کتابه (مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب) يُشير الخولي في بداية کتابه إلى الفساد بين الحياة الاجتماعيّة وبين النّحو والشؤون اللغويّة ، إذ أصبحت الحاجة مُلحّةً للمشتغلين بالشؤون اللُّغوية ، أن يفکّروا تفکيرًا عميقًا في تدبير الوسائل الفعّالة لتذليل الصعوبات أمام متعلّمي اللّغة ، ويشير (الخولي) کذلک إلى المقولات التي تدعو إلى التخلّص من النّحو ، أو إعرابه بالوقف ، ويرى أنّه لا بدّ أن نُقيّم نظرنا في مسألة النحو على ما يکتشف لنا من تقديرٍ لأصوله البعيدة التي أقامَ عليها النُّحاة بناء قواعدهم([66])   

   وهذا الکلام له ما يقابله في کُتب (الجرجاني) ، فشيخُنا اتّسعتْ جهوده في الدراسة النحويّة وله فيها صولاتٌ وجَولات ، ومن أهمّ القضايا التي تناولها (الجرجاني) واهتمّ بها الخولي هي قضية إصلاح النّحو أو هدمه  وذلک من مُنطلق مفهوم الإعراب ، وموقفه من الذين زهدوا في النحو واحتقروه ، ودعوا إلى التهاون به والصّد عنه ([67]) ومشکلة الإعراب التي طرحها (الخولي) أثارها قبله (الجرجاني) حينما ناقش مقولة الخوارزمي " والبُغضُ عندي کثرةُ الإعراب " ([68])  التي تدلّ على استياء الخوارزمي من کثرة الإعراب .

   ولا نريد أن نمکثَ کثيرًا في کلام تجديد (الخولي) للنحو، لأنّ مجال بحثنا هنا هو التجديد في البلاغة  فالبلاغة عنده مصطلحٌ مُتغيّرٌ مع الزّمن ، والبلاغة الفنيّة التي تتجدّد، هي عنده أقربُ صلةً بالنقد " إذ هي أنجح عملاً في رياضة الناشئة على کسب الذّوق أو صقله وتهذيبه " ([69])  

   ويرى (الخولي) أنّ أقصى ما وصلت إليه کلمة البلاغة والبيان ، هو الدّراسة التي تُمکّن من التفريق بين الجَيد والرديء من القول ، وتُعينُ على صُنع الجَيّد من النّثر والشِّعر . ([70]) کما يرى (الخولي) أنّ القضية الکبرى التي تعالجها البلاغة هي إعجاز القرآن ، حيث يقول في کتابه (مناهج تجديد) : " إنّ الغاية من البلاغة معرفة إعجاز القرآن ووجهه من غير تقليد وتسليم " ([71]) وبطبيعة الحال ، فإنّ حديث (الخولي) عن إعجاز القرآن فيه تأثرٌ واضح بالشّيخ الجرجاني ، الذي يَرى أنّ القرآن وإعجازَه لا يُفهم إلاّ عن طريق علوم البلاغة ، يقول عبد القاهر : " إذا کنّا نعلم أنّ الجهة التي منها قامت الحجّة بالقرآن وظهرت ، وبانت وبَهرتْ هي أن کان على حدٍّ من الفصاحة تقصُر عنه قوى البَشر ، ومُنتهيًا إلى غاية لا يُطمحُ إليها بالفکر  وکان مُحالاً أن يعرف کونه کذلک ، إلاّ مَن عرفَ الشّعر الذي هو ديوان العرب ، وعنوان الأدب ، والذي لا يُشکُّ أنّه کان ميدان القوم إذا تجاروا في الفصاحة والبيان " ([72]) 

   ويُشير (الخولي) إلى المدارس الکلامية والأدبية ، ويرى أنّ عبد القاهر قد ظفر بکلّ واحدة منها فهو في کتابه دلائل الإعجاز فلسفيٌ متکلّم ، يَعتني أولاً وأخيرًا بقضية الإعجاز ، وينصرفُ إليه انصرافًا تامًا  ويجادلُ عنه جدلاً منطقيًا .

   ثم ينتقل (الخولي) للحديث عن الفلسفة ، حيث يرى أنّ الإنسان هو سيّد الکون ، وهو المنقِّب عن المعرفة وقد تحدّث (الخولي) عن هذا القول في کتابه (فن القول) ؛ حين رأى أنّه من الملائم أن نقول في تعريف البلاغة أنّها "فنُّ القول ، لنستحضر من المادة التي سندرسها تلک الصورة المنمّقة التي تشير إلى أرقى وأنبل وأصفى ما تستطيعه الروح الإنسانيّة ، وما الفنُّ إلاّ تعبيرٌ عن الإحساس بالحُسن أو القُبح ، ولذلک حُقَّ على المتلقي أن يکون يَقظًا کلَّ اليقظة لوقع الأشياء على وجدانه "  ([73])

   ويُبدي (الخولي) رأيه فيما تحدّث عنه عبد القاهر الجرجاني في شأن استعمال اللّغويين لکلمة الاستعارة في غير معناها البلاغي ، حيث يرى أنّ عبد القاهر يُنسِب الطريقة البلاغية الاصطلاحيّة لأهل الخطابة .([74])

ويضيف ( الخولي ) فيرى " أنّ الفلسفةَ والفن عاملان قويّان في إنهاض الأُمم وإثارة العناصر الحيّة الطّامحة  والعبقرية الفنيّة هي البصر بخفايا الحس البشري ، والقدرة على الاتصال بالوجدان ومداخِله العاطفية ، ومسايرة الأمل والتحليق مع الخيال ، والوقوع على مواطن الهوى ، ومکامن الرغبة التي احتوت النّفس منها أسرارًا باهرة ، وقوى رائعة" ([75]) وهذا الحديث موصولٌ بحديثه عن التجديد في البلاغة ، فلابدّ أن يمسّ (التجديد) جوهرها والأسس البعيدة لها ، فهو – أي التجديد – نفسي وجداني يعتمد على الذوق الأدبي والحس الفنّي . ([76])

وإذا ما عُدنا لعبد القاهر الجرجاني في کتابيه (الدلائل والأسرار) لوجدناه معتّمِدًا على علم النّفس  لأنّه "يجد العِلل والأسباب في مناحي النّفس ، وفي أغوار الشعور ليتّخذَ منها قاعدةً ، ناعيًا من اتّبعوه أنّهم لا يفهمونه  لأنّ البلاغة فنٌ ، والأدب فنٌ ، والذوق المتحکّم فيها يرتدّ إلى الفنيّة
في نهايته "
([77])  

 

الخاتمة

بيّنت الدراسة أنّ عبد القاهر الجرجاني قد أرسى قواعد أعظم نظرية في البلاغة العربية ، وهي نظرية النّظم التي أکّدَ من خلالها أنّها الأصلُ في الإعجاز ، وبَدَى أثر الجرجاني واضحًا في علمائنا الثلاثة ، فقد فهم (مصطفى ناصف) الصورة والخيال أو التخييل من فهم الجرجاني لهما ، ورأى الجرجاني أنّ فهم الصورة الأدبيّة إنّما يتمّ بفهم أقطابها ومصادرها ، کالاستعارة والتشبيه والکناية ، وهذا ما قاله ناصف .

و(الخولي) عرّف البلاغة بأنّها : فنّ القول ، وهذا يذکّرنا بعبد القاهر الذي اتّخذ الذّوق معيارًا للتحليل البلاغي ، والعمود الفقري لجهود أمين الخولي يتمثل في الأصالة في تقاطعها مع التجديد ، ونظريّته في التفسير ، إنما ترابط في صلب الهَم الفلسفي المعاصر شرقًا وغربًا ، لأنّ القرآن الکريم هو نقطة الإحالة المرجعية الثابتة التي تمثّل مبتدأ حضارتنا ومرتکزها .

وفي حديث (طبانة) عن انصراف النّاس عن البيان ، يذکّرنا بحديث الجرجاني عن البيان وما لحقه من ظلم  کما أنّ (طبانة) طوّر في المفاهيم البلاغية ، کحديثه عن المجاز ، ولم يخرج في هذا التطوير عن أفکار عبد القاهر الجرجاني ، وتحدّث عن الاتّصال المباشر بين البلاغة والقرآن ، وکيف أنّ الأوّل يقوم على الثّاني  . 

 

والحمد لله ربّ العالمين



(1) البيان العربي ، بدوي طبانة ، دار الثقافة ، بيروت ، 1986 م ، ص 6 .

(2) دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق : محمود محمد شاکر ، مطبعة المدني ، جدة ، ط 1 ، 1991 م ، ص 6 .

(3) البيان العربي ، بدوي طبانة ، ص 17.

(4) دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 7 .

(5) م . س . ن .

(1) م. س ، ص 34 ، 35 .

(2) البيان العربي ، بدوي طبانة ، ص 18 .

(3) م . س ، ص 19 ، 20  .

(4) دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 391 ، 393  .

(1) البيان العربي ، بدوي طبانة ، ص 21 ، 22  .

(2) دلائل الإعجاز ، ص 249   .

(3) البيان العربي ، بدوي طبانة ، ص 56 .

(4) ينظر : کتاب البديع ، عبد الله بن المعتز ، اعتنى بنشره إغناطيوس کراتشقوفسکي ، دار المسيرة ، ط 3 ، 1982 م  ص 1 وما بعدها .

(5) أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق : محمود محمد شاکر ، مطبعة المدني ، جدة ، ط 1 ، 1991 م ، ص 6 .

(1) دلائل الإعجاز ، ص 553 ، وأسرار البلاغة ، ص 401 ، 402 .

(2) ينظر أسرار البلاغة ، ص 25 ، 197 ، 198 ، 213 ، 321 ، 399 ، ودلائل الإعجاز ، ص 434 ، 509   .

(3) البيان العربي ، بدوي طبانة ، ص 325   .

(4) م . س ، ص 162 .

(5) سورة هود ، الآية 44 .

(1) ينظر : دلائل الإعجاز ، ص 46 ، 47 ، والبيان العربي ، ص 170 ، 171  .

(2) البيان العربي ، بدوي طبانة ، ص 176 ، 177 .

(3) م . س ، ص 193 .

(1) م . س ، ص 249 ، 250 .

(2) م . س ، ص 275  .

(3) قراءة ثانية لشعرنا القديم ، مصطفى ناصف ، دار الأندلس ، ط 2 ، بيروت – لبنان ، 1981 م ، ص 42 .

(1) دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 550 .

(2) نظرية عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة  ، محمد خلف الله أحمد ، مجلة کلية الآداب ، جامعة الإسکندرية ، 1944 م ، العدد 2 ، ص 18 .

(3) دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 547 .

(4) النقد العربي نحو نظرية ثانية ، مصطفى ناصف ، عالم المعرفة ، الکويت ، ص 197 .

(5) م . س ، ص 194 .

(6) م . س ، ص 205 .

(7) أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 159 .

(1) ينظر : قضايا النقد الأدبي بين القديم والحديث ، محمد عشماوي دار النهضة ، بيروت – لبنان ، 1979 م ، ص 269

(2) أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، ص  117 ، 118 .

(3) ينظر : الصورة الأدبية ، أحمد دهمان ، دار طلاس ، دمشق ، 1986 م ، 2 : 860 .

(1) أسرار البلاغة ، الجرجاني ، ص 206  .

(1) ينظر : أسس النقد الأدبي عند العرب ، أحمد بدوي ، نهضة مصر للنشر ، القاهرة ،  1996 م ، ص 9   .

(2) قراءة ثانية لشعرنا القديم ، مصطفى ناصف ، ص 80 .

(3) النقد التحليلي عند عبد القاهر الجرجاني ، أحمد الصّاوي ، الهيئة المصريّة للکتاب ، القاهرة ، 1979 م ، ص 323 .

(4) قراءة ثانية لشعرنا القديم ، مصطفى ناصف ، ص 153 .

(5) أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 4  .

(1) م . س ، ص 6  .

(2) البيت لأبي الفتح البُستي ، في زهر الآداب وثمر الألباب ، الحصري القيرواني ، 2 : 100  .

(3) النقد العربي نحو نظرية ثانية ، مصطفى ناصف ، ص 77 ، 78  .

(4) م . س ، ص 68  .

(5) م . س ، ص 72  .

(1) اللغة والتفسير والتّواصل ، مصطفى ناصف ، عالم المعرفة ، الکويت ، 1995 م ، ص 234 .

(2) اللغة والتفسير والتّواصل ، مصطفى ناصف ، ص 28 .

(3) الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي ، جابر عصفور ، ط 1 ، دار المعارف ، القاهرة ، 1973 م ، ص 159 ، 160 .

(4) ينظر : الصورة الأدبية ، مصطفى ناصف ، ط 2 ، دار الأندلس للطباعة والنشر ، بيروت – لبنان ، 1981 م ، ص 12 .

(5) أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 132 .

(6) الصورة الفنيّة ، جابر عصفور ، ص 186 .

(1) أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 148 ، 150.

(2) الصورة الأدبية ، مصطفى ناصف ، ص 15 .

(3) م . س ، ص 38 .

(4) م . س ، ص 47 .

(5) ينظر : الاستعارة في النقد الأدبي الحديث ، الأبعاد المعرفيّة والجمالية ، يوسف أبو العدوس ، الأهليّة للنشر ، عمّان – الأردن ، 1997 م ، ص 7   .

(6) ينظر : أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 66 .

(7) الصورة الأدبية ، مصطفى ناصف ، ص 64 .

(8) فن القول ، أمين الخولي ، شرکة مکتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر ، 1947 م ، ص 7  .

(1) أمين الخولي والبحث اللّغوي ، حامد شعبان ، مکتبة الأنجلو المصرية ، 1980 م ، ص 8  .

(2) فن القول ، أمين الخولي ، ص 105   .

(3) م . س ، ص 187   .

(4) م . س ، ص 196 ، 198   .

(5) م . س ، ص 32   .

(1) مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب ، أمين الخولي ، 1961 م ، ص 19 ، 21  .

(2) ينظر : دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 28 ، 33 .

(3) أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 72 .

(4) مناهج تجديد ، أمين الخولي ، ص 93 ، 94 .

(5) م . س . ن  .

(6) م . س ، ص 124 .

(7) دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، ص 8 ، 9 .

(1) فن القول ، أمين الخولي ، ص 45 ، 56  .

(2) مناهج تجديد ، أمين الخولي ، ص 154 ، 155  .

(3) م . س ، ص 183 ، 190  .

(4) فن القول ، أمين الخولي ، ص 22  .

(5) بلاغة أرسطو بين العرب واليونان ، دراسة تحليلية نقدية مقارنة ، إبراهيم سلامة ، مکتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1952 م ، ص 391  .

مصادر البحث :
القرآن الکريم .
1 – أُسس النّقد الأدبي عند العرب ، أحمد بدوي ، نهضة مصر للنشر ، القاهرة ،  1996 م .
2 - أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق : محمود محمد شاکر ، مطبعة المدني ، جدة ، ط 1 ، 1991 م.
3 -أمين الخولي والبحث اللّغوي ، حامد شعبان ، مکتبة الأنجلو المصرية ، 1980 م .
4 -البديع ، عبد الله بن المعتز ، اعتنى بنشره إغناطيوس کراتشقوفسکي ، دار المسيرة ، ط 3 ، 1982 م
5 -البيان العربي ، بدوي طبانة ، دار الثقافة ، بيروت ، 1986 م .
6 - دلائل الإعجاز ، عبد القاهر الجرجاني ، تحقيق: محمود محمد شاکر ، مطبعة المدني، جدة ، ط 1،1991 م.
7 -زهر الآداب وثمر الألباب ، الحصري القيرواني ، المکتبة العصرية للطباعة والنشر والتوزيع ، صيدا - بيروت  1424 ه ، 2003 م . 
 8 -الصورة الأدبية ، أحمد دهمان ، دار طلاس ، دمشق ، 1986 م .
9 -الصورة الأدبية ، مصطفى ناصف ، ط 2 ، دار الأندلس للطباعة والنشر ، بيروت – لبنان ، 1981 م 
10 -الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي ، جابر عصفور ، ط 1 ، دار المعارف ، القاهرة ، 1973م .
11 -فن القول ، أمين الخولي ، شرکة مکتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ،
مصر ،
1947 م .
12 -في النقد الأدبي الحديث ، الأبعاد المعرفيّة والجمالية ، يوسف أبو العدوس ، الأهليّة للنشر ، عمّان – الأردن  1997 م .
13 -قراءة ثانية لشعرنا القديم ، مصطفى ناصف ، دار الأندلس ، ط 2 ، بيروت – لبنان ، 1981 م .
14 -قضايا النقد الأدبي بين القديم والحديث ، محمد عشماوي دار النهضة ، بيروت –
لبنان ، 1979م.
15 -اللّغة والتفسير والتّواصل ، مصطفى ناصف ، عالم المعرفة ، الکويت ، 1995 م .
16 -مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب ، أمين الخولي ، 1961 م .
17 -نظرية عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ، محمد خلف الله أحمد ، مجلة کلية الآداب ، جامعة الإسکندرية 1944 م ، العدد 2 .
18 -النّقد التحليلي عند عبد القاهر الجرجاني ، أحمد الصّاوي ، الهيئة المصريّة للکتاب ،
القاهرة ،
1979 م .
19 -النقد العربي نحو نظرية ثانية ، مصطفى ناصف ، عالمالمعرفة ،الکويت .