العلاقة بين الشکل والأرضية في الفن الحديث والاستفادة منها في فن التصوير

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلفون

1 مدرس مساعد بقسم التربية الفنية کلية التربية النوعية- جامعة المنصورة

2 أستاذ التصوير ووکيل کلية الفنون الجميلة جامعة المنيا – سابقا

3 أستاذ الرسم والتصوير المساعد کلية التربية النوعية جامعة المنصورة

المستخلص

الملخص :
إن الشکل هو العنصر المميز و المهم في العمل الفني بوصفة الأساس الذي يسعى الفنان إلى تشکيله والمتلقي إلى الاستمتاع البصري فيه وبالتالي تحقيق الإستمتاع باللغة التشکيلية الجمالية وأصبح هناک العديد من المتغيرات التي غيرت في صياغة الشکل وبالتالي إلى قراءة الشکل وفق متغيرات الدلالة التي أصبحت من خلالها ينتظم الشکل الجمالي في العمل الفني .
وتکون العلاقة بين الشکل والأرضية علاقة متبادلة وغير متبادلة والمقصود هنا أن يتحول الشکل إلى أرضية فيصعب تحديد الشکل عن الأرضية , وحينئذ تکون هناک علاقة متبادلة مثلها مثل علاقة السالب بالموجب , وعندما يکون هناک شکل مختلف عن الأرضية فلا تکون هناک علاقة السالب بالموجب , وتکون العلاقة هنا علاقة شکل بفراغ أو شکل بأرضية من جانب القيم الفنية والجمالية التى تحکم العمل الفنى وتنوع مجالات هذه العلاقة , وتحکمها .
وللمنظور أيضا دور فى إدراک الأشکال والأرضيات فى البعد الثالث الإيهامى , حيث يعمل الإدراک الحى کقدرة خاصة على تميز الخصائص المميزة للعلاقة التى تربط بين الشکل والأرضية فى الفراغ .
نستنتج مما يلى :
1.الأرضية أکبر من الشکل وهى عادة ماتکون أکثر بساطة , ولکن ذلک لا ينطبق على الدوام فهناک کثير من الصور کلوحات المصور الفرنسى ماتيس Matisse نجد فيها أن الاشکال أکثر بساطة من الأرضيات الکثيرة التشکيل , والتأکيد على الشکل فيها ناشىء من نفس بساطة أجزائه وتصنع تباين قوى مع أرضياتها .
2.   الشکل يدرک غالبا فوق وأمام الأرضية وأحيانا يحدث بها فجوات کما هو موجود فى أغلب صور فازاريللى .
3.   الأرضية يمکن إدراکها على أنها مسطح أو فضاء .
ويرى الباحث أن العلاقة بين العلاقة بين الشکل والأرضية من أولى العلاقات التى تواجه الفنان عند إنشاء عمله الفنى , فالفنان يصطدم بالتفاعل بين الشکل والأرضية بمجرد أن يخط أول خط له فى التکوين , وتتسم العلاقة بين الشکل والأرضية بالتفاعل والتکامل , مما يجعل من العمل الفنى کلا متکاملا له وحدته واتساقه , وامکانية التوصل إلى أسس عامى مرنة لتنظيم العلاقة بين الشکل والأرضية , واکتشاف معالجات فنية لاستحداث علاقات متغيرة للشکل والأرضية .

الموضوعات الرئيسية


- مقدمة :

بعد تبلور الحداثة في أشکالها الجديدة منذ نهاية القرن التاسع عشر مرورا بما بعد الحداثة، تغيرت الرؤية في بناء الشکل وأضحت أکثر عمقا، مما أکد خصوصيته الفنان وحساسيته الذاتية التي عرفت بما يسمى الأسلوب Stile، أو الشخصية الفنية، وساهمت المدارس الفنية في ذلک الکشف البصري الذي تجلى في مختلف الأجناس الإبداعية .

والشکل فى الفن هو الشىء المشترک فى جميع الأعمال الفنية وهو ينتج عن طريق شخص معين هو الفنان , وينبغى أن نتذکر أن الفنان ليس هو فقط من يرسم صورا بل هو کذلک من يؤلف الموسيقى أو يقرض الشعر , ومن يصمم الأثاث وحتى من يصنع الأحذية أو الأزياء فالفنانون أيختلفون فى فنونهم ودرجة استيعابهم وإفرازهم الفنى ولکنهم جميعا يمنحون شکلا خاصا
لشىء ما.
[1]

ومنذ وعى الإنسان أنه سيد الکائنات وهو فى صراع دائم مع البيئة يعمل فيها بيد التبديل کما يخضعها لإرادته واحتياجاته , يصنع لها الأفکار والأدوات , ثم يعدل من سلوکه ويحدثه ليتکيف معها فى ثوبها الجديد ويعاصرها , فيدور فى حلقة التأثير والتأثر والأخذ والعطاء .[2]

والابداع الفنى الحقيقى يرتکز على إبداع صور , أو اشکال جديدة تعبر عن اوضاع ومضامين جديدة. " وثراء مسارب الفن لا يتم الا بالترکيز التام على الدعائم الأساسية لشکل العمل الفنى ومضمونه. ان هذا يؤدى الى بلورة مثل جمالية جديدة. والاهتمام بالشکل لا يعنى اهمال العناصر الجمالية الأخرى.[3]

وقدم لنا العصر الحديث بإمکاناته التکنولوجية والعلمية الهائلة تعدد فى الرؤى التى تناولت العلاقة بين الشکل والأرضية فى الأعمال الفنية ذات البعدين بأساليب ومناهج متعددة , وأصبح هناک عوامل کثيرة تتحکم فى سبل التعامل مع هذه العلاقة وتحقيق العمق والبعد الثالث . فبالإضافة إلى استخدام المنظور والظل والنور إستفاد الفنان بما قدمته البحوث والدراسات العلمية والفلسفية من نظريات خاصة بالضوء واللون , والموضوعات التى تناولتها أبحاث ودراسات علم النفس والتى على رأسها موضوع الإدراک , حيث استفاد منه الفنان بصفة خاصة مؤکدا أن "وظائف الجهاز البصرى لها تأثير فى إدراک العمق الفراغى , حيث أنها أحاسيس تثيرها دلالات معينة تؤدى إلى التعرف على ماهو قريب وما هو بعيد. [4]

مشکلة البحث :

إن العلاقة المتبادلة بين الشکل والأرضية کعنصرين لهما أهميتهما فى بنائية اللوحة لم يحظيا بالإهتمام الکافى من قبل البحوث فى مجال التصوير Painting , ذلک مما دعا لإجراء هذه الدراسة التى تتناول هذه العلاقة فى بعض إتجاهات الفن الحديثة Modern Artودورها فى إثراء اللوحة التصويرية وإيضاح التکامل بين الشکل والأرضية وعناصر اللوحة فى التصوير المعاصر .

ويأتى دور الباحث فى تحديد مشکلة البحث فى الإجابة على التساؤل التالى :

کيف يمکن الاستفادة من تأثير التبادل بين الشکل والأرضية فى بناء اللوحة التصويرية لاستحداث أساليب معاصرة فى مجال التصوير لإثراء القيم التشکيلية والتعبيرية .

أهمية البحث :

  • · تستند أهمية البحث إلى دراسة مفهوم الشکل کعنصر أساسى فى بناء الأعمال التصويرية , حيث يمکن اعتباره الوسيلة الرئيسية للفنون التى تقوم اساسا على عملية الإبداع .
  • ·  مدى الإفادة التى يمکن أن يثرى بها التصوير من خلال لوحات تعتمد على إظهار العلاقة بين الشکل والأرضية فى اللوحة .
  • ·  طرح رؤى جديدة لإثراء الخيال التشکيلى وتعدد الرؤى لتأکيد أبجديات إبداعية جديدة .

أهداف البحث :

  • ·  التعرف على إتجاهات وأساليب توظيف الشکل فى الأعمال الفنية ذات البعدين فى مختارات من الفن المعاصر .
  • ·  فتح مجالات للبحث عن الحلول التشکيلية المختلفة من خلال دراسة اعمال تصويرية استخدمت علاقة الشکل بالأرضية لإثراء بنائية اللوحة .
  • ·  إلقاء الضوء على أهمية الترابط بين الشکل والأرضية مع باقى عناصر اللوحة فى انتشار الثقافة الفنية وتنمية الذوق الفنى التشکيلى .

فروض البحث :

  • ·  توجد علاقة بين توظيف الشکل والأرضية والبناء التکوينى فى العمل الفنى .
  • ·  يمکن للشکل أن يفيد فى إثراء القيمة البنائية فى اللوحة التصويرية .

 

منهج البحث :

  • ·     المنهج الوصفي التحليلي .

يقوم على تحليل ما تضمنته مختارات من الاتجاهات الفنية الحديثة للعلاقة بين الشکل والأرضية ودورها فى بناء اللوحة فى التصوير المعاصر .

  • ·     الإطار النظرى .

دراسة القيم التشکيلية للشکل وأنواع العلاقة بين الشکل والأرضية (تکامل – تبادل – تعادل).

  • ·     الإطار التطبيقى .

تجربة ذاتية يقوم بها الباحث للتأکيد على صدق وسلامة الفروض وتحقيق أهداف البحث.

مصطلحات البحث .

  • ·     الشکل ( shape ) :

يعنى عنصر مسطح أولى أکثر ترکيبا من النقطة , والخط مجموعة متجاورة ومتلاحقة من الخطوط , حيث يؤدى ذلک التتابع إلى تکوين مساحة متجانسة تختلف مظهر الحدود الخارجية لها باختلاف تکوين الخط الذى تنشأ عن تکراره وباختلاف اتجاه ونظام تحرکه .[5]

  • ·     الأرضية ( ground ) :

هى المساحة أو المنطقة التى ترتد خلف الأشکال أو تحيط بها أو تحيط بها أو توحى بالفراغ ولا يمکن عزلها ولها المعانى والمضامين التى تبرز وتؤکد معناه ولا تنفصل عنه ولها دور هام بعلاقتها بالشکل ومحتواه .

الدراسات المرتبطة :

  • ·  فى عام 1993 م قدم الباحث إبراهيم عبد المغنى دراسة بعنوان:

العلاقة الکامنة بين الشکل والأرضية فى التصوير الحديث کمدخل لبرنامج تجريبى لتدريس التصوير [6]

حيث تناول الباحث العلاقة بين الشکل والأرضية کعلاقة تبادلية وتناول الجانب العقلى فى إدراک تلک العلاقة والجزانب الآلية فى تفسيرها وتناول أيضا المنظور وعلاقتة بالشکل والأرضية وأثرها فى لوحة التصوير .


  • ·  فى عام 2002 م قدم الباحث ناصر حسن السبکى دراسة بعنوان :

الشکل والفراغ فى الشرافات المعمارية الإسلامية , وأثرها فى إثراء التصميمات الزخرفية متعددة الأسطح . [7]

حيث تناول فيها العلاقة بين الشکل والفراغ للشرافات المعمارية الإسلامية فى ضوء العلاقة المتبادلة بينهما وذلک من خلال دراسة المتغيرات الحادثة الناتجة عن الضوء الساقط والظل والنور والمنظور والمساقط وتعدد زوايا الرؤية وتناولت أيضا دراسة الخصائص البنائية والترکيبية لأشکال الشرافات المعمارية الإسلامية . وأيضا العلاقة التبادلية بين الشکل والأرضية .

وقد تشابهت مع موضوع البحث الحالى فى تناول العلاقة المتبادلة بين الشکل والفراغ وتأثيره على ادراک الرؤية .

  • ·  فى عام 2009م قدم الباحث مجدى أبو المعاطى البسيونى دراسة بعنوان:

مفهوم الشکل والارضية فى الأعمال التصميمية والاستفادة بأعمال ( آيشر) ( Escher1989 - 1972 کمدخل لإنتاج لوحات زخرفية .[8]

استهدفت الدراسة تعريفان لمفهوم الشکل والارضية والعلاقة بينهما فى الطبيعة وفى الفنون عامة وفى التصميم خاصة واستهدفت أعمال الفنان ( آيشر ) وتحليل لها من وجهة نظر علمية ودراسة علاقة الأشکال بالأرضية في أعمال ( آيشر ) وأظهرت الرؤى الجمالية المختلفة لهذه الأعمال تحقيقا للتوازن والتماسک والقوة في بناء الشکل .

أولا : مفهوم الشکل ودوره فى اللوحة :-

 إن الشکل هو العنصر المميز و المهم في العمل الفني بوصفة الأساس الذي يسعى الفنان إلى تشکيله والمتلقي إلى الاستمتاع البصري فيه وبالتالي تحقيق الاستمتاع باللغة التشکيلية الجمالية وأصبح هناک العديد من المتغيرات التي غيرت في صياغة الشکل وبالتالي إلى قراءة الشکل وفق متغيرات الدلالة التي أصبحت من خلالها ينتظم الشکل الجمالي في العمل الفني .

والشکل Form هو الشيء الذي يتضمن بعض التنظيم , فإذا لم يکن الشکل معروفا من قبل يطلق عليه " لا شکل له " ولا تعنى حرفيا , إننا لا يمکن رؤية أي شکل له بل المقصود هنا أنه ليس بالشکل الجيد ويکون من الصعب إدراکه کشيء معين .[9]

والشکل عبارة عن کل ما يحيط بالإنسان من ظواهر وموجودات محسوسة بحيث يشکل الصورة البصرية لهذه الموجودات من خلال انعکاس الصورة في الوعي البصري والشکل من المثيرات وعملية الاستجابة هي عملية إدراک الشکل, والشکل نوعان الأول طبيعي موجود في الطبيعة (من صنع الخالق) وهو کل ما يحيط بنا من ظواهر وطبيعة وغيرها .[10]

والثاني هو من صنع الفنان فى الأعمال الفنية المختلفة .

 وان أنماط الأشکال تتعدد وتتنوع في الطبيعة من حيث کونها هندسية أو حرة ، والأشکال الهندسية تتعدد وتتنوع أيضا من حيث طبيعة التناسب بين أبعادها وخصائصها .

وعند رسم دائرة على سطح ورقة فإن شيئا قد حدث فجزء الورقة المحصور داخل محيط الدائرة الذي يماثل من الناحية المادية جزء من الورقة خارج المحيط قد انفصل على سطح الورقة وصار له کيان مستقل , فالمساحة التي داخل خط الدائرة قد أصبحت شکلا وباقي الورقة أصبح أرضية لها .

ولتقريب وجهة النظر هذه نفترض أن صندوقا خشبيا مکعبا موضوع في مستوى النظر ومنظور إليه من الأمام , فى هذه الحالة لا يکون في استطاعة الرسام التعبير عنه بغير مربع يدهن بلون واحد ثم يضع حوله لون آخر ليعبر عن الفراغ الذي يحيط بالصندوق إذن ستنحصر مقدرة الفنان ومهاراته فى اختيار نوع ودرجة لون الصندوق وعلاقة هذا اللون بما يحيطه من لون آخر . وتنحصر مهارته کذلک فى تشکيل ملمس من اللونين تأثيره على المشاهد , وسيجتهد الفنان کي يصل بحساسية مرهفة لتحديد الحافة التي تجسد مقدمة الصندوق وتحديد الفراغ على جانبي الصندوق وخلفه . ويجب أن يکون للشکل خط خارجي مغلق تماما بمعنى أنع عندما تکون هناک دلالة کافية على الإغلاق بحيث يمکن للعين أن تکمل الشکل.

" ومع نهايات القرن التاسع عشر , ومع اکتشاف الفوتوغرافيا , لم يعد هناک حاجة لتسجيل الطبيعة بدقة وصفية کما فعل الواقعيون , وبالتالي قاد ذلک إلى ما سمى " بالتأثيرية " ذلک الاتجاه الذى قاده کل من (کلود مونيه) و (رينوار) و (بول سيزان) و(کاميل بيسارو) , الذين انتقلوا بتصوير المناظر الطبيعية بشکل واقعي وصفى إلى صياغات يتحول وفقها اللون والأداء إلى تعبير ضوئى , وذلک وإن کان لم يقدم أشکالا متماسکة مؤثرة إلا أنه بدأ کنقطة البدء فى الاهتمام بالشکل کشکل وليس کوسيط سلبى , حيث التناول ومنطق الصياغة , وإنما تحول کل منهم بعد ذلک إلى ابتکار رؤية وأداء خاص به " .[11]

والواقع أن أهمية ( التأثيرية ) تبدو فيما أتى بعدها من تناولات على أيدى فنانين کانوا بالفعل کنقاط ارتکاز رئيسية فى نمو الشکل وتحوله إلى قيمة في ذاتها , فها هو ( سيزان) يضع حجر الأساس , بتصاويره البنائية التى رکز فيها على البناء الأساسي الهندسي في العمل الفني . الذي يعکس التعبير عن طريق قوة اللمسة وعلاقات الأشکال وليس الموضوع الوصفي أو الخيالي المطروح . فبرغم اهتمامه بالبدء من الطبيعة کمصدر إيحائي إلا أنه استطاع تجاوز ملامحها المباشر بسبيل تصميمات قوية متماسکة هندسية الطابع , برغم ما يشکلها من لمسات خشنة غير مرتبة , واضعا بذلک أساسا لکل ما أتى بعد ذلک من اهتمام ببناء الشکل دون إفقاده التعبير .

ثانيا : العلاقة بين الشکل والأرضية في التصوير الحديث :

 لقد أدى التفاعل بين الفن والعصر إلى تغير وتحطم معظم المفاهيم العلمية التقليدية والأکاديمية التى سادت قرونا طويلة , فاستطاع الفنان الحديث أن ينال حريته الفکرية , والتعبير عن فروقه الفردية , کمعايير ثابتة للإمتاع الجمالي . فاتجه التصوير الحديث إلى موضوعات مغايرة تکشف عن الحقيقة والجوهر , وارتبطت الموضوعات لتحقق کيانا جماليا للصور کشىء قائم في حد ذاته , وکنظم مستقلة وکاملة , وقد أسهم فى ذلک التغير , والتقنيات الجديدة بما استحدثته من خامات , وما أتاحته من مجالات ووسائل جديدة فى التعبير , کما أسهمت البحوث العلمية الحديثة للطبيعة فى إثراء ثقافة وخيال الفنان , فابتعد عن مظاهر الطبيعة , وأخذ يعامل جوهرها , وتراکيبها المجردة , تلک المقومات التي أدت إلى التغير الواضح للشکل والمضمون فى التصوير الحديث , دون أن يفقد العمل الفني مقوماته الجمالية , أو قدرته على نقل الفکر للآخرين . کما اتخذت العلاقة بين الشکل والأرضية في التصوير وظاهر وأنماط متعددة ونظما متباينة , کصدى عميق للرؤى الفنية المرتبطة بالفلسفات المتنوعة المتعاقبة .

تنشأ العلاقة بين ( الشکل والأرضية ) بمجرد وضع خط أو نقطة على سطح أو مساحة , بحيث يکون هناک تباين بينهما في الخصائص الضوئية . ويؤکد ذلک حسن سليمان بقوله : " تتحول الورقة من سطح أبيض ناصع إلى عالم من ضوء غير شفاف , يمکن للأشياء أن تتحرک عليه . وحين يرسم الرسام خطا فوق سطح هذه الورقة . . يعلم أنه يقتحمها , وينفذ من خلالها إلى إيجاد العلاقة بين " الشکل والأرضية " وتصبح الخطوط والنقط والأشياء المرسومة شکلا , ويصبح سطح الورقة هو الأرضية " [12]

وتکون العلاقة بين الشکل والأرضية علاقة متبادلة وغير متبادلة والمقصود هنا أن يتحول الشکل إلى أرضية فيصعب تحديد الشکل عن الأرضية , وحينئذ تکون هناک علاقة متبادلة مثلها مثل علاقة السالب بالموجب , وعندما يکون هناک شکل مختلف عن الأرضية فلا تکون هناک علاقة السالب بالموجب , وتکون العلاقة هنا علاقة شکل بفراغ أو شکل بأرضية من جانب القيم الفنية والجمالية التى تحکم العمل الفنى وتنوع مجالات هذه العلاقة , وتحکمها .

وربما تکون هذه النقطة من أقوى العناصر التي يعتمد فنان الخداع البصري عليها . وهى ظاهرة التبادل بين الأشکال والأرضية التي يشار إليها عادة فى الدراسات المتعلقة بالفهم السيکولوجى , إن الشکل الأسود يکون بازغا عن الأرضية البيضاء مرة , ثم يبزغ الوجهان الأبأبيضان حخأبيضان إلى الأمام ليجعل الشکل الأسود خلفية لهما . وبالتالي فأننا نکون مجبرين على الاعتراف بحقيقة أنه لا يوجد أى جزء سالب في المجال المنظور . بمعنى أن الفراغ المحيط بالشکل يعتبر موجبا تماما کايجابية الجسم نفسه . [13]

ويأتي دور العقل في الکشف عن العلاقة الکامنة بين " الشکل والأرضية " – حتى ما يبدو منها مستندا إلى العشوائية والصدفة – وهو دور لا يمکن إغفاله في العملية الإبتکارية في التصوير , وقديما نصح ( ليوناردو دافنشى Leonardo Davinci) الفنانين الذين لا يجدون ما يرسمونه بأن يقوموا بتأمل حائط قديم اجتاحته عوامل الزمن , وتخللته الرطوبة , وتشقق طلاؤه , وتساقطت أجزاء منه , حيث يقول :" إن مشهد هذا الحائط سيؤدى إلى تنشيط العين والعقل , بحيث يعملان معا على تحويل الشکل المبهم لهذا الطلاء الحائل إلى موقف معين , يتضمن علاقة مفهومة بين " الشکل والأرضية " .[14]

ودور العقل فى تفسير هذه العلاقة من خلال النقاط التالية :

الجوانب الآلية فى تفسير العلاقة بين الشکل والأرضية .

العين تقوم بحرکتين لضبط الرؤية وهما المحور , والبعد البؤرى , ففي الحالة العادية تقوم العضلات الهدبية بضبط عدسة العين لکي تحصل على صورة واضحة على الشبکية , بينما يتم الضبط المحورى للعين بالدوران بواسطة عضلات معينة حتى تتقابل محاور العينين على الشکل المراد رؤيته , ومن ثم تقع صورة الشکل على مرکز الشبکية , وهذا يتم عن طريق العقل الاختيارى للنظر , وبمرور الزمن تزداد خبرة الذاکرة على تحليل العوامل المختلفـــة مثل ( الحجم – الشکل – المسافة ) بتحريک عضلات العين حسب رد الفعل دون الحاجة إلى وعى تام من الإنسان , ومن أهم الجوانب الآلية فى توضيح العلاقة بين الشکل والأرضية , إثارة الإحساس بالبعد الثالث الإيهامى للشکل وبالعمق الفراغى للأرضيات , والبعد الثالث هو العمق .

وعند النظر بالعين إلى جسم بعيد , يتوارى المحوران البصريان ويظلان متوازيين إلى مسافة بعيدة , وبالعکس يلتقيان إذا قرب الشکل من العين , وتکون نقطة التلاقى هى نقطة ترکيز هذا البصر , وکلما قرب الشکل من العين , اقتربت نقطة التلاقى حتى إذا ما صار الشکل قريبا جدا (يکاد يلاصق أنف المشاهد) صار الفرد کما لو کان يعانى (الحول) نتيجة لدوران مقلتى العين إلى الداخل , ويرجع السبب فى هذا الدوران إلى تکييف العين لوضعها , بحيث تقع الآشعة الضوئية داخل تجويف العين , وبعد التلاقى للمحورين البصريين للعينين من الدلالات التى تؤدى إلى الإدراک اللاشعورى , بقرب المسافة , وکلما بعدت نقطة التلاقى , أحس المشاهد بزيادة العمق الفراغى . وعند النظر إلى شکل ما بالعين اليمنى فقط , وقد ثبت النظر على جزء محدد من هذا الشکل ثم بأغلاق هذه العين وفتح العين اليسرى , وبالنظر إلى الشکل نفسه , فإن المشاهد سوف يرى إختلافا بين ما تراه کل عين على حدة , ويتلخص هذا الاختلاف في الوضع النسبى لهذا الجسم الذي ننظر إليه بالنسبة لما يقع أمامه أو خلفه .

وللمنظور أيضا دور في إدراک الأشکال والأرضيات في البعد الثالث الإيهامي , حيث يعمل الإدراک الحي کقدرة خاصة على تميز الخصائص المميزة للعلاقة التي تربط بين الشکل والأرضية
فى الفراغ .

التصورات الذاتية فى إدراک العلاقة بين الشکل والأرضية .

 على سبيل المثال في لوحة ( الإرتجال الحالم ) عام 1913 م للفنان واسيلى کانينسکى , وتبدأ العين والعقل معا في تحويل الشکل المبهم للالوان المتداخلة إلى إدراک العلاقة بين الشکل والأرضية , حيث يتحرک العقل من خلال إطلاق الأسماء والتعرف على هوية ما سبق تصوره على أساس أنه شکل معين ويذهب العقل في ذلک إلى المدى الذى يتم فيه إسقاط اهتماماته المستحوذة عليه والتي لم تکن مقسمة بالوضوح والإدراک على الشکل السابق , ومن ثم تتحول مناطق ملونة بعينها إلى حصان جامح , أو سلسلة من التشققات أو إلى بعض الأشخاص الذين يتحرکون بسرعة , أو جسد عار , کل ذلک يتوقف على اهتمامات المتلقي الأساسية , ومن هنا تبدأ الأشکال فى الظهور وتتنحى الأرضيات لتبرزها وتؤکدها.

الخبرة السابقة فى تفسير العلاقة بين الشکل والأرضية .

 يتبع إحساس المشاهد بالأبعاد على السطح ذى البعدين المرسوم من خبراته الشخصية , بصبغات الأشکال الواقعية وأساليب انتظامها في الطبيعة ومن حياة الإنسان في العمق وتحرکه في الفراغ يؤدى إلى معرفته بمواقف الأشکال القريبة والبعيدة غير أن موقف الإنسان في الطبيعة يختلف تماما عن موقفه إزاء الأعمال التصويرية ذات البعدين , حيث يستبعد علماء النفس أن يستطيع المشاهد تمييز الأبعاد في الصورة دون الاستعانة بالصلات الرمزية التي بين الدلالات التي تحتويها هذه الصورة , وبين ما يوجد فى الخبرة الذاتية لهذا المشاهد .

 يقول محمود بسيونى : " إن الشکل يمثل المضمون الرئيسي المراد التعبير عنه , في حين أن الأرضية تتوارى إلى الخلف , وتمثل الجو الملائم الذي يتناسب مع الشکل , والذي في کنفها يبرز هذا الشکل , ويأخذ معالمه , ويؤدى رسالته " .[15]

 ويذکر ناصر حسن السبکى [16] " في تفسير العلاقة بين الشکل والأرضية , أن لکل شىء نراه وندرکه طاقة ضوئية معينة تصل إلى المخ عن طريق العين , فالأجزاء ذات الطاقة المنخفضة تؤلف ما يسميه علماء النفس بالأرضية Groundوالأجزاء ذات الطاقة المرتفعة فتضم مع بعضها ما نسميه بالشکل Figure وقد حدد الجشتالطيون*Gestaht حدود الإدراک" على الأسس الآتية :

          أ‌-  إدراک الشکل يسبق إدراک الجزء کما في العمل الفني .

        ب‌-    الشکل يتحدد في مجالنا البصري بالنسبة إلى علاقته بالأشکال الأخرى .

ويلخص صبري عبدالغنى هذه العلاقة فى النقاط التالية :[17]

1. الأرضية أکبر من الشکل وهى عادة ما تکون أکثر بساطة , ولکن ذلک لا ينطبق على الدوام فهناک کثير من الصور کلوحات المصور الفرنسى ماتيس Matisse نجد فيها أن الاشکال أکثر بساطة من الأرضيات الکثيرة التشکيل , والتأکيد على الشکل فيها ناشىء من نفس بساطة أجزائه وتصنع تباين قوى مع أرضياتها .

2.  الشکل يدرک غالبا فوق وأمام الأرضية وأحيانا يحدث بها فجوات کما هو موجود فى أغلب صور فازاريللى .

3.  الأرضية يمکن إدراکها على أنها مسطح أو فضاء .

4. من الطبيعى أن نفکر فى الهيئة الخاصة بالشکل , والمساحات الأرضية أيضا لها هيئات , ولو أنها تمثل الهيئة السلبية الموجودة في الفراغ أو الفضاء المتبقي و وکل من الهيئة السلبية والإيجابية لها أهميتها ولابد أن نعود أنفسنا على الإحساس بکل منها.

 ويرى الباحث أن العلاقة بين العلاقة بين الشکل والأرضية من أولى العلاقات التى تواجه الفنان عند إنشاء عمله الفنى , فالفنان يصطدم بالتفاعل بين الشکل والأرضية بمجرد أن يخط أول خط له فى التکوين , وتتسم العلاقة بين الشکل والأرضية بالتفاعل والتکامل , مما يجعل من العمل الفنى کلا متکاملا له وحدته واتساقه , وامکانية التوصل إلى أسس عامى مرنة لتنظيم العلاقة بين الشکل والأرضية , واکتشاف معالجات فنية لاستحداث علاقات متغيرة للشکل والأرضية .

الإطار التطبيقي :

 

عمل رقم (1) من أعمال الباحث

 

عمل رقم (2) من أعمال الباحث

 

عمل رقم (3) من أعمال الباحث

 

عمل رقم (4) من أعمال الباحث

 

 

عمل رقم (5) من أعمال الباحث

النتائج :

1.   الشکل يمثل الصيغة الشاملة لکافة الظواهر المرئية فى الطبيعة والفن

2. حققت دراسة العلاقة بين الشکل والأرضية إظهارا للرؤى الجمالية المختلفة وساعدت على تحقيق أفضل تنظيم شکلى لتحقيق التماسک والتوازن فى بناء الشکل .

3.   الفنان بادراکه الواعى وتقسيماته هو الذى يرى الطاقة الکامنة فى علاقة الشکل والأرضية ويحيلها إلى صيغ تشکيلية ذات معنى .

التوصيات :

يوصى الباحث بأن يکون دور الشکل فى اللوحة وعلاقته بالأرضية مدخلا مهما لبناء العمل الفنى فالشکل الجيد وعلاقته الجيدة بالفراغ والأرضية يقود الفنان لإبداع عمل جيد .



[1] صبرى عبد الغنى : الفراغ فى الفنون التشکيلية , المجلس الأعلى للثقافة , القاهرة 2008 , ص 37

[2] مختار العطار : الفن والحداثة بين الأمس واليوم – الهيئة المصرية العامة للکتاب , القاهرة ,1992 .ص 20

[3] نفس المرجع السابق , ص 53

[4] محمد ياسين أبو العنين : الدلالات الإدراکية للفراغ فى الأعمال الفنية ذات البعدين فى مختارات من الفن المعاصر کمدخل لإثراء التصميمات الزخرفية , رسالة دکتوراه غير منشورة , کلية التربية الفنية – جامعة حلوان , 2000

[5] إيهاب بسمارک الصيفى : الأسس الجمالية والإنشائية للتصميم – الکاتب المصرى , القاهرة , 1998 .ص 121

[6] ابراهيم عبد المغنى ابراهيم : العلاقة الکامنة بين الشکل والأرضية فى التصوير الحديث کمدخل لبرنامج تجريبى لتدريس التصوير, رسالة دکتوراه غير منشورة , کلية التربية الفنية – جامعة حلوان , 1993

[7] ناصر حسن السبکى : الشکل والفراغ فى الشرافات المعمارية الإسلامية وأثرها فى إثراء التصميمات الزخرفية متعددة الأسطح , رسالة ماجستير غير منشورة , کلية التربية الفنية – جامعة حلوان , 2002 .

[8] مجدى أبو المعاطى البسيونى : مفهوم الشکل والأرضية فى الأعمال التصميمية والاستفادة بأعمال ( آيشر ) کمدخل لإنتاج لوحات زخرفية : : رسالة ماجستير غير منشورة , کلية التربية النوعية , قسم التربية الفنية – جامعة المنصورة , 2009 .

[9] جيروم ستونليتز : النقد الفنى . ترجمة فؤاد زکريا , الهيئة العامة المصرية للکتاب , الطابعة الثانية , القاهرة , 1980., ص 24

[11] فاروق بسيونى : قراءة اللوحة فى الفن الحديث , دار الشروق , القاهرة , 1995 , ص 13

[12] حسن سليمان : کيف تقرأ صورة – لغة الشکل الفنى , الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر , المکتبة الثقافية رقم 238 . 1970 .

[13] صبرى عبد الغنى : مرجع سابق , ص 136

[14] إبراهيم عبد المغنى إبراهيم : العلاقة الکامنة بين الشکل والأرضية في التصوير الحديث کمدخل لبرنامج تجريبى لتدريس التصوير , کلية التربية الفنية , جامعة حلوان , 1993 , ص 34

[15] محمود بسيونى : أسرار الفن التشکيلي , عالم الکتب , القاهرة , 1980 , ص 46

[16] ناصر حسن السبکى : الشکل و الفراغ في الشرفات المعمارية الإسلامية وأثرها في إثراء التصميمات الزخرفية متعددة الأسطح , رسالة ماجستير غير منشورة , کلية التربية الفنية , جامعة حلوان , 2002 ص 527

*إن کلمة جشتالط معناها باختصار ( تکوين کلى عام ) أو تنظيم شکل أو هيئة کلية وتنظيم هذه الوحدة بالنظرة إلى الکل قبل الجزء على اعتبار أن الکل أکثر من مجرد مجموع الأجزاء .

1صبرى عبد الغنى : مرجع سابق , ص 131

المراجع :
أولا : الکتب :
1.  صبرى عبد الغنى : الفراغ في الفنون التشکيلية , المجلس الأعلى للثقافة , القاهرة 2008.م
2.  مختار العطار : الفن والحداثة بين الأمس واليوم – الهيئة المصرية العامة للکتاب , القاهرة ,1992 م.
3.  إيهاب بسمارک الصيفى : الأسس الجمالية والإنشائية للتصميم – الکاتب المصرى , القاهرة , 1998م .
4.  فاروق بسيونى : قراءة اللوحة في الفن الحديث , دار الشروق , القاهرة , 1995
5.  حسن سليمان : کيف تقرأ صورة – لغة الشکل الفني , الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر , المکتبة الثقافية رقم 238 . 1970 م.
6.  جيروم ستونليتز : النقد الفني . ترجمة فؤاد زکريا , الهيئة العامة المصرية للکتاب , الطابعة الثانية , القاهرة , 1980م.
7.  محمود بسيونى : أسرار الفن التشکيلى , عالم الکتب , القاهرة , 1980 م.
ثانيا : الرسائل العلمية :
1.إبراهيم عبد المغنى إبراهيم : العلاقة الکامنة بين الشکل والأرضية في التصوير الحديث کمدخل لبرنامج تجريبى لتدريس التصوير, رسالة دکتوراه غير منشورة , کلية التربية الفنية , جامعة حلوان , 1993م
2. محمد ياسين أبو العنين : الدلالات الإدراکية للفراغ في الأعمال الفنية ذات البعدين في مختارات من الفن المعاصر کمدخل لإثراء التصميمات الزخرفية , رسالة دکتوراه غير منشورة , کلية التربية الفنية – جامعة حلوان , 2000.م
3.مجدى أبو المعاطى البسيونى : مفهوم الشکل والأرضية في الأعمال التصميمية والاستفادة بأعمال (آيشر) کمدخل لإنتاج لوحات زخرفية : رسالة ماجستير غير منشورة , کلية التربية النوعية , قسم التربية الفنية – جامعة المنصورة , 2009 م.
4.ناصر حسن السبکى : الشکل و الفراغ فى الشرفات المعمارية الإسلامية وأثرها في إثراء التصميمات الزخرفية متعددة الأسطح , رسالة ماجستير غير منشورة , کلية التربية الفنية , جامعة حلوان , 2002م
ثالثا : مواقع الإنترنت :