المفاهيمية وأثرها على الخزف المصري المعاصر

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلفون

1 باحث ماجستير بقسم التربية الفنية – تخصص خزف کلية التربية النوعية – جامعة المنصورة

2 أستاذ الخزف المتفرغ ووکيل کلية التربية النوعية للدراسات العليا والبحوث جامعة عين شمس (سابقاً)

3 مدرس الخزف بقسم التربية الفنية کلية التربية النوعية جامعة المنصورة

المستخلص

الملخص :
نشأ الفن المفاهيمي نتيجة لتحول مفهوم الجمال الفني الى جمال الفکرة أو جمال التعبير عنها، حيث تعتبر الفکرة التى بنطوى عليها العمل أو يطرحها اکثر اهمية من الموضوع ذاته، وأيضا لمسايره التطور التکنولوجي و ثأتير مکتشفات العلم الحديث على جوانب الحياه ومنها التشکيل، ومن هنا تغير المصطلح المعروف من فنون جميلة أو تشکيلية الى فنون بصرية Visual Arts.
وتعود جذور الفن المفاهيمى الى الحرکة الدادية الجديدة سواء فى أوروبا أو اميرکا فى مطلع القرن العشرين، ثم تأصل المفهوم فى الستينات مؤکداً أن الفن يقوم اساسا على ترجمة الفنان لفکرته بما يراه مناسبا من وسائط التعبير.
وهذا النوع من الفن حدسي ويتضمن کل العمليات الفکرية ، ويتحرر من المهارة الحرفية للفنان حيث تصبح الفکرة هى الهدف الحقيقى للفن بدلا من الأثر الفنى.
ان الفن المفاهيمي يقوم على فکرة الوسيط أو الوسائط وادماجها للنأى بالعقل عن التفکير بمسائل المنظور و الرؤية فقط، لتحل بدلا منها الفکرة و فلسفتها لخلق انطباع أکثر عمقا وتأثيرا.
يتأثر الخزف المصرى المعاصر بالاتجاهات العالمية فى الفن ويظهر ذلک من متابعة وتحليل الانتاج الخزفي، وانتهج عدد من الخزافين المصريين المفاهيمية اسلوبا وموقفا وجاءت اعمالهم تحمل الفکرة عنوانا وتجسيدا، وجاء انتاجهم جديدا متحديا أعراف فن الخزف التقليدى.
هدف البحث وأهميته:
تکمن أهمية البحث وکذا أهدافه فى التوصل الى أثر الاتجاه المفاهيمي على الانتاج الخزفى المصري المعاصر.
حدود البحث:
يقتصر البحث على عرض وتحليل نماذج من الانتاج الخزفى المصري والذى ينتمى الى الاتجاه المفاهيمي.
منهج البحث:
يتبع الباحث المنهج الوصفي التحليلي فى المحتوى النظرى و الذى يشمل على:

عرض تاريخ ونشأة وتطور المفاهيمية وتحليل نماذج من الفن المفاهيمي العالمي.
وصف وتحليل نماذج من الخزف المصري المعاصر المنتمى للمفاهيمية.

الموضوعات الرئيسية


تمهيد:

عرف الإنسان صناعة الفخار من الطين المحروق منذ عهود سحيقة فى القدم، وکانت هذه الصناعة فى ذلک الزمن المتقدم الذى سبق قيام الحضارات، وليدة الحاجة الملحة التى کانت تتطلبها حياة الإنسان، فخلت لذلک من الذوق الفنى فى هذه الفترة الموغلة فى القدم، على أن هذه الصناعة کغيرها من الصناعات لم تقف جامدة، بل أخذت تتطور تبعا لتطور نظم الحياة الاجتماعية وتقدم الحضارات،هذا إلا أننا إذا أمعنا النظر فى الأواني الفخارية عبر التاريخ، وجدنا أن تطورها کان أسرع من تطور غيرها من الصناعات وکانت مطالب الحياة هي الباعث الأول لتک السرعة فالحاجة أم الاختراع .([1])

ولقد وصل الينا من الفخار الفرعونى ما يدل على تطور ذلک الفن فى مصر القديمة، وکان تطور الخزف الاسلامى مبهرا وأضاف الخزاف المسلم الى فن الخزف اضافات مهمة منها عملية اختزال الطلاء الزجاجى واکتشاف البريق المعدنى للمشغولات الخزفية.

وفى العصر الحديث بدأ الخزف المصرى نهضته وتطوره على يد شيخ الخزافين سعيد الصدر، ومن تبعه من تلاميذه الذين خلفوا ورائهم خزفيات رائعة تمثل استمرارا لموهبة الفنان المصرى وحبه للخزف من قديم الازل.

الفن المفاهيمي Art Conceptual:

جاء هذا الأسلوب بکل قوّة ليفرض نفسه على المتلقي جاء بعد سنين طويلة لحضور الأساليب والمدارس الفنية التقليدية والتي سادت الساحات الفنية العالمية زمناً طويلاً، فن بعيد کل البعد عن القوانين والضوابط التقليدية الصارمة. جاء وفق طرح يعتمد على عدة معطيات يأتي من أهمها (الفکرة والمضمون)، (الفراغ)، (الصوت)، (الضوء)، وهذه العناصر تمثّل أهمية کبرى للفنان المفاهيمي، والذي من خلالها يقدّم رؤاه وأفکاره، والتي غالبًا ما تأتي على شکل (صدمة) للمشاهد بما تحمله من شواهد سواء کانت من العناصر والتي ربما جاءت غريبة التوظيف، وکذلک ما يصاحب العرض من مؤثرات صوتية من خلال تداخلات موسيقية، أو أنغام معينة، أو أحداث (أصوات) تحمل معطيات تستدعي الذاکرة أو تحثها على التعايش مع الطرح والإبحار مع المنجز ومحاولة التجلي واستقراء المضامين والرؤى والرسائل التي يريد هذا الفنان إيصالها للمشاهد.([2])

ونشأ الفن المفاهيمي نتيجة لملل الفنان من الإطار التقليدي للعمل الفني، وأيضاً لتحول مفهوم الجمال الفني لجمال الفکرة أو التعبير عنها، حيث تعتبر الفکرة التي ينطوي عليها الفعل الفني أو يطرحها أکثر أهمية من الموضوع، وأيضاً لمسايرة التطور التکنولوجي والتأثير القوي للاکتشافات العلمية على جميع جوانب الحياة ومنها التشکيل، وهنا يأتي تغيير المصطلح من فنون جميلة أو تشکيلية إلى فنون بصرية Visual Arts. وتعود جذور الفن المفاهيمي للحرکة الدادية الجديدة سواء في أوروبا أو أمريکا في مطلع القرن العشرين، ثم تأصل المفهوم في الستينات مرسخاً أن الفن يقوم أساساً على ترجمة الفنان لفکرته باستخدام أي وسيط يراه مناسبا للتعبير عنها، والحرية في اختيار أي نوع من الخامات التي تخدم الفکرة، من دون التقيد بالأسس الفنية التقليدية والمألوفة، على أساس أن العمل الفني ليس منتجا جماليا، بقدر ما هو منتج فکري مترجم تشکيلياً أو بصريا، والفن المفاهيمي هو حالة تحويل فکرة ما وجعلها ملموسة. ([3])

في عام 1969 أعلن جوزيف کوزوث[4]* أن جميع الأعمال الفنية بعد مارسيل ديوشان** هي أعمال مفاهيمية بطبيعتها لأن الفن خلق و تجسيد للمفاهيم،([5]) وقدم کوزوث فى عام 1969عمله "کرسي وثلاث کراسي " والذي أثار جدلاً واسعا، وکان عبارة عن کرسي حقيقي وصورته الفوتوغرافية، والتحديد اللغوي لکلمة کرسي، بهدف تمثيل الشيء، ولما کان الشيء الحسي يعتبر بديهيا، فـإن ما بهمنا فيه هو إدراکه وفهمه، والکلام عنه يـأخذ مکان الفن عندما يعبر عن بعده الجمالي بحرية.

وفى عام 1979 عرض جوزيف کوزوث عملا بعنوان "غرفة المعلومات" وهو عبارة عن عدد اثنين من الطاولات الکبيرة، موضوع عليها مجموعة کبيرة من الکتب، أغلبها بحوث في العلم واللغة والفلسفة ومن بينها بحوث ودراسات نقدية وفلسفية لجوزف کوزوث نفسه، وهناک عدد من الکراسي کأنها تدعو المشاهد للجلوس والقراءة.([6])

 

 

 

 

 

 

 

العمل الفني هنا غير موجود في طريقة وضع أو ترتيب الکتب والطاولات والکراسي، ولکن العمل الفني موجود في فکرة العمل والتي هي "القراءة" ووضع هذه الفکرة، أي عملية القراءة في سياق الفن البصري، أي تحويل الفن البصري إلى فن ثقافي فلسفي وجودي علمي، وهذه الطبيعة.. أي الطبيعة "المفاهيمية" لهذا النوع من الفن أکثر إنسانية ولها وظيفة اجتماعية وتعليمية، لأنها تعطي المشاهد المعلومات، وتختلف عن طبيعة الفن البصري الذي يقدم شيئا جميلا أو قبيحا بصريا، الفن کما يقول جوزيف کوزوث" غير موجود في الأشياء، ولکن الفن موجود في مفهوم الفنان عن العمل الفني. ([7])

وهناک فنانون " يؤکدون على أن العمل الفني هو تقديم للمعلومات، ويقدمون من خلال معارضهم الفنية کتباً وبحوثاً علمية وفلسفية، إضافة إلى هذا يدعون علماء الفيزياء وعلماء اللغة والرياضيات وغيرهم لتقديم ندوات ومحاضرات عن آخر ما وصلوا إليه في تجاربهم العلمية، وهذه الندوات تقدم کعمل فني مفاهيمي، أما المعلومات فيقدمها العالم فى صورة رسوم توضيحية في مجال تخصصه.

إن إعطاء الندوات والمحاضرات وقراءة الکتب والنصوص ومشاهدة فيلم سينمائي أو مشاهدة مسرح، أو قراءة نصوص شعرية أو أدبية جعلت العمل الفني يتحول إلى المعنى والمفهوم، ويعمد إلى إبراز الواقع کقيمة جمالية، فالأساس أن العمل الفني هو الفکرة والمفهوم دون تجسيد لأي نظرية، کما أنه متحرر من المهارة الحرفية، أي أن الفکرة تصبح الهدف الحقيقي والفعلي، بدلا من العمل الفني نفسه.

في عام 1964م دعا الجمهور لحضور عرض ليوم واحد فقط بعنوان " أنت" وعندما وصل الجمهور إلى المکان رأوا أجهزة تلفزيون (أبيض وأسود) ترقد على أسرة مستشفى، وبدأ ما يقرب من 30-40 شخص يشاهدوا هذا الحدث المفاهيمي، وفي نهاية العرض تم حرق أجهزة التلفزيون وظهر لأول مرة التلفزيون الملون.

إن الفن المفاهيمي يبرز الشکل الأکثر انتشارا لفن القرن العشرين "فن ما بعد الحداثة" وهو يفضل العمل على التمثيل (أو الشيء الفني) أو الأعمال الفنية وتقديمها للسوق الفنية، ومن هنا کان التخلي عن المفاهيم التقليدية وتخطي الفن من أجل رؤية جديدة للواقع واختصار المسافة بين الفن والحياة بمعنى التوجه نحو العمل بمادة العالم بشکل مباشر هذا النوع من الفن يتضمن کل العمليات الفکرية وليس له هدف غير أن يتحرر من المهارة الحرفية للفنان حيث تصبح الفکرة هي الهدف الحقيقي للفن بدلا من اتجاهات الفن الأخرى، فالواقع هنا هو المجال الأساسي للإدراک الجمالي إدراکا فنيا جديدا.

ويؤکد سول لويت* Sol lewitt)) بأن المفهوم هو الجانب الأکثر أهمية في العمل الفني ويضيف بأن الفنان مفکر ومبدع أکثر منه حرفي وأن المفهوم يجتاز تجربة الواقع ، ويشير الفن المفاهيمي إلى التبدل الکلي في العلاقة التقليدية في العمل الفني وبين الفکرة والتعبير لمشاهدة عمل معنوي يصدر من مشکلة عقلية بصرف النظر عن القيم الصادرة منها، لذلک أحجم بعض الفنانين عن استخدام الخامات التي تتمتع بشيء عن المضامين التاريخية للخامة – الرخام والخشب والبرونز وغالبا ما يکون الانشغال بمواد ترکيبية أو تأليفية جديدة، ووصف سول لويت " Sol lewitt)) الفن المفاهيمي أنه عملية حديثة، ويمثل مرحلة من النشاط العقلي بين الفکرة والنتاج النهائي وهي المرحلة التي تشکل الجزء الهام في عملية صناعة الفن، وقال أيضا الاتجاه ألمفاهيمي يستخدم فيه الفنان الوسائط المادية بمفهوم لامادي لتحقيق أفکاره الفنية حيث يعتبر الفکرة هي أساس العمل، والفن ألمفاهيمي هو فن الأنماط الفکرية متضمنا أي وسائل يراها الفنان مناسبة([8])

نماذج من الخزف المفاهيمي المصرى:

"تداعى الذکريات"

 للفنان خالد سراج*

أوراق تسبح فى الفضاء ومکتوب عليها وبها رسوم الحياة، سجل حافل من الأشياء و الأشکال التى نعيش بها، أوراق لا تحمل غير المعرفة التى صنعها الانسان طوال مراحل تواجده على خشبة المسرح البشري، تنطوى الذکرى على اهم الاشياء، عناصر متتالية ينسخها التاريخ على صفحاتها البيضاء يوما وراء يوم.

 

"الموت و الحياة"

للفنان أسامة امام*

الکره بحجمها وشکلها و المکون الاخر عصيات متراصة مفرغة هشة من نفس نوع ولون خامة الکره حالة من التناقض الفريد، حالة من الترادف الحى بين التکامل والا تکامل ،هکذا الحياة والموت.

"أدراج"

للفنان ضياء الدين داود**

أرشيف بشري لالواح مکتوبة والتى تتراص دون مبالغة أو اعلان عن نفسها، هذه الالواح التى تحمل حياة البشر وتاريخهم، تتکاثر وتنمو فى أدراج مفتوحة غير مقفلة ولا محدودة، وتصعد فى منتصف العمل نافذة تمثل الامل و الخلاص الذى يعيد للانسان حياته ووجوده.

المراجع:


([1]) سعاد ماهر محمد : الخزف الترکى ، القاهرة : الجهاز المرکزى للکتب الجامعية والمدرسية ، 1977 ، ص 9.

(1)http://www.albayan.ae/paths/books/2012-10-07-1.1741518

(2)Tony Godfrey: Conceptual Art" Art & Ideas, Phaidon press, USA, 1998,P 53.

* فنان أميرکي قدم أعمالا مفاهيمية ،ولد عام 1945

** ولد في فرنسا عام 1887 ويعتبر من أکثر الفنانين تأثيرا في القرن العشرين وأکثرهم جرءة ولقد خرج على أساليب الفن التقليدي وأساليب عصر النهضة وأعاد تشکيل لوحة الموناليزا من جديد مضيفا إليها بشکل هزلي شاربين ولحية فى لوحته " الملعونة "

(4) http://www.art.gov.sa/t4354.html

(5) http://www.aleqt.com/2007/06/15/article_96368.html

(1) Peter Osborne: Conceptual Art" Themes & movements , Phaidon press, USA, 2011, P 31.

* فنان أميرکي (1928-2007) وواحد من أهم الرسامين و النحاتين في وقته.

([8]) حورية السيد مصطفى : القيم الجمالية للتوليفة في فنون الحداثة وما بعد الحداثة قي مصر والعالم ، رسالة ماجستير غير منشورة ، کلية التربية الفنية ، جامعة حلوان2005، ص84.

* خالد أحمد سراج، مواليد القاهرة 1969، بکالوريوس الفنون التطبيقية 94، دکتوراه الفلسفة فى الخزف 2004، مدرس الخزف بکلية الفنون التطبيقية، جامعة حلوان.

* اسامة محمود امام، مواليد القاهرة 1974، بکالوريوس الفنون التطبيقية تخصص خزف، جامعة حلوان.

* ضياء الدين محمد داود، مواليد القاهرة 1968، بکالوريوس الفنون التطبيقية تخصص خزف 94، دکتوراه الفلسفة فى الخزف 2005، مدرس الخزف بکلية الفنون التطبيقية، جامعة حلوان.

 

المراجع:
1. سعاد ماهر محمد : الخزف الترکى ، القاهرة : الجهاز المرکزى للکتب الجامعية والمدرسية 1977.
2. حورية السيد مصطفى : القيم الجمالية للتوليفة في فنون الحداثة وما بعد الحداثة قي مصر والعالم ، رسالة ماجستير غير منشورة ، کلية التربية الفنية ، جامعة حلوان2005.
3. Tony Godfrey: Conceptual Art" Art & Ideas, Phaidon press, USA, 1998.
4. Peter Osborne: Conceptual Art" Themes & movements , Phaidon press, USA, 2011.
5. http://www.albayan.ae/paths/books/2012-10-07-1.1741518
6. http://www.art.gov.sa/t4354.html
7. http://www.aleqt.com/2007/06/15/article_96368.html