الثابت والمتغير فى تشکيل البورتريه

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

أستاذ التصميم المساعد ورئيس قسم التربية الفنية کلية التربية النوعية – جامعة المنصورة

الموضوعات الرئيسية


مشکلة البحث

      أصبحت المفاهيم والمعايير فى هذا الزمن دائم التغير اشد سرعة فى هذا التغير .. فما کان حقيقة بأمس نجده متغيرا اليوم .. ومن المعلوم ان هنالک دراسات سابقة وحاولت تعريف الفن ومن هذا المنطلق تکمن مشکلة البحث فى التساؤل التالى :

      هل يمکن تعريف الفن بأنه علم ؟ أو أنه ثقافة ؟  أو هل هو حالة ؟ .

الهدف من البحث :

      محاولة الباحث الوصول إلى تعريف آخر للفن وذلک للتفسير الصحيح لما يحيط بنا وينبع من داخلنا ومع ذلک لانفهمه ولانعرفه وهو ما يسمى ( بالفن ) .

فروض البحث :

1-    محاولة الباحث تجميع أکبر قدر من اقوال السابقين .. ومدلول اللفظ فى المعاجم والقواميس .

2-  المقارنة بين الثابت والمتغير .. فالثابت هو الموضوع ( وجه الإنسان ) والمتغير هو (تشکيلات مبتکرة لملامح وجه الإنسان ) وذلک بتنوع الشخصيات سواء بطريقة النقل المباشر أو التحوير وأحياناً تحطيم القواعد لأن القاعدة فى الفن ( أنه لاقاعدة ) .

3-  استخدم البصيرة لا البصر فى التعبير عن الشخصية الداخلية لصاحب الوجه والتى هى أقرب إلى رسوم الکاريکاتير بمعنى التشخيص او التجسيد . ومن الحقائق أنه لايوجد فى الطبيعة متشابهان حتى لو کانا توءمان .

منهج البحث :

      يعتمد البحث على المنهج الوصفى الإبداعى فى تقسيم البحث إلى جزء نظرى نقدى وجزء عملى ( إبداعى ) .

محاولة لتفسير علمى للفن :-

1-  الفن فى نظر الشخص العادى :  يعتبر الفن فى رأى الشخص العادى هو السينما والغناء والمسرح والموسيقى . ولو أننا تصفحنا إحدى الصحف والمجلات الفنية المتداولة داخل مصر لوجدنا فى حديثها عن الممثلين والمخرجين وأبطال السينما والغناء والرقص ، حتى أصبح لفظ " فنان " عندنا مقتصر على محترف هذه الألوان من الفنون . وبرغم أن طائقة المثقفين فى مصر قد " تدخل بعض الفنون البصرية کالنحت والتصوير ضمن الفنون الجميلة إلا أن الغالبية العظمى من الناس قد لايتجهون بأبصارهم نحو الشعر أو النحت أو التصوير أو المعمار ، ويمکننا أحياناً نتحدث عن بعض الفنون کفن الطهو وفن الحديث وفن الإذاعة وفن الدعاية وفن الإخراج وفن الدفاع والهجوم فى کرة القدم "  إن أصغر لاعب أشهر من محمود مختار .

2-  والسؤال الذى يطرح نفسه هو ما هو تفسير ذلک ولماذا وکيف ؟ وما هو القاسم المشترک بين هذه الفروع المختلفة من الفن إذا کان استعمال هذا اللفظ مشروعاً بالنسبة إليها جميعاً ؟ فهل الظرف المتغيرة هى السبب والحق أنه إذا أطلق هذا اللقظ على کل شئ فهو عندئذ لامعنى له ولايعنى شيئاً ويصبح مثله مثل کل الألفاظ التى تتداولها الألسن دون أن يکون لها مدلول فى أذهان العامة والمتخصصين فى عصر فيه ماتت الثقافة الراقية وأصبح فن الحصول على المال هو الفن الأول والأخير .

3-  والحق أنه عندما نتحدث عادة عن الفنون فإننا قد نعنى بهذا اللفظ " مجموع المهارات البشرية على اختلاف ألوانها والدليل على ذلک أننا نتحدث عن " الفنون النافعة " أو الفنون التطبيقية والفنون الکبرى والفنون الصغرى کما نجد أن هناک إشارات غامضة من بعض المتخصصين إلى فنون الزمان وفنون المکان التجسيمية والفنون الرمزية وفنون الزينة والأزياء والمکياج .

4-  وقد نجد أنفسنا فى کثير من الأحيان عاجزين عن التميز بين کل تلک الفنون أو تحديد الفوارق بينها وقد تدخل الموسيقى والأدب فى " الفنون الجميلة " بينما قد يقصر البعض هذه التسمية على الفنون المرئية کالتصوير والنحت . وقد تتسع دائرة الفن فى أنظارها فتشمل کل مهارة عملية أو صناعة تطبيقية أو انتاجاً مهنياً ، ويمکننا أن ندرک مدى اتساع دائرة الفن فى العصر الحديث إذا علمنا أن الباحثين الأمريکيين المعاصرين يحصون حوالى مائه فن من الفنون البصرية والسمعية ، حتى أصبحت هذه الفنون تشمل مهارات بشرية مختلفة کالألعاب الرياضية ، والسينمائية وصناعة الأوانى الخزفية وتصفيف الشعر وإعداد المعارض والأزياء وعندنا الرقص الشعبى والفن الشرقى .. حتى أن الراقصة أشهر من أى وزير للثقافة .

5-  أصل کلمة " الفن " باليونانية اللاتينية هو : لو أننا رجعنا إلى الأصل الذى اشتقت منه کلمة " الفن " فى اللغة اليونانية لوجدنا أنها لم تکن تعنى سوى " النشاط الصناعى النافع بصفة عامة " ولم يکن " الفن " مقتصراً على الشعر والنحت والموسيقى وغيرها من الفنون الجميلة . بل کان يشمل أيضاً الکثير من الصناعات المهنية کالحدادة والنجارة ، والبناء وغيرها من الإنتاج الصناعى . ونجد أن أرسطو قسم المعارف إلى ثلاثة أنواع هى :-

      1-  معارف نظرية               2- معارف فنية             3- معارف علمية

      فلم يکن أرسطو يخلط بين الفن والمعرفة العلمية ، بل کان يرى أن الفن مجرد غاية ضرورية توجد خارج الفاعل وليس على الفاعل سوى تحقيق إرادته فيه فى حين أن غاية العلم العملى هى فى الإرادة نفسها وفى الفعل الباطن للفاعل نفسه والتأثير على الملتقى أو المشاهد . وعلى ذلک فإن أرسطو يرى أن موضوع المعرفة الفنية إنما هى الإرادة بوجه من الوجوه . وعلى ذلک يکون الفن بهذا المعنى يشير إلى القدرة البشرية بصفة عامة مادام الإنسان هو ذلک الموجود والصانع الذى يصنع الأدوات ويستحدث الموضوعات وتنتج الأشياء ، ولعل ذلک هو السبب فى أن الفلاسفة قد وضعوا " الفن " منذ البداية فى مقابل الطبيعة ، والإنسان يحاول عن طريق هذا الفن إستخدام هذه الطبيعة وإلزامها بالتکيف مع أغراضه والتکيف مع حاجاته المادية والنفسية والروحية .

6-  تعريف الفن عند العرب : وحينما نتعرض لتعريف الفن عند العرب نجد أنهم أيضاً قد فهموا " الفن " على غرار فهم أرسطو له ، فهم يرون أيضاً أن الفن " هو الصناعة التى تأخذ من النفس والعقل وتحاکى الطبيعة " وقد کان العرب أيضاً يستخدمون کلمة الصناعة للإشارة إلى " الفن " بشکل عام ، کفن الخط العربى قرض الشعر الزخرفة . وعلى ذلک فقد رأى أن الفن هو الإنسان مضافاً إلى الطبيعة ودور الصناعة هو تسجيل ما تمليه النفس الناطقة على الطبيعة وتکييف الطبيعة مع حاجات الإنسان النفسية والعقلية والروحية .

7-  تعريف الفن فى العصور الوسطى المسيحية : أما کلمة الفن فى العصور الوسطى المسيحية فقد بقيت فى اللغة اللاتينية تشير إلى الحرفة أو الصناعة أو النشاط الإنتاجى الخاص وقد کانت الفنون الحرة أو الإنسانيات فى العصور الوسطى تشمل الفروع السبعة للمعرفة وهى : النحو والمنطق والحساب والبلاغة والهندسة والموسيقى وعلم الفلک .

8-  وهناک کثير من المعاجم الإنجليزية الحديثة تنص على أن المدلول الحضارى لکلمة " الفن " بوصفه نشاطاً يهدف إلى غايات عقلية ثقافية دون أن يکون للرأى طابع علمى أو مهنى ، وعلى ذلک يکون هذا هو السبب فى أن کليات الاداب فى الجامعات الإنجليزية لازالت إلى يومنا هذا تحمل اسم کلية الفنون .

9-    تعريف الفن فى معجم لالاند الفلسفى : أما کلمة الفن فى معجم لالاند الفلسفى فهى منسوبة إلى الآتى :

1-  معنى عام  يشير إلى مجموع العمليات التى تستخدم للوصول إلى نتيجة معينة تنفع الإنسان روحياً أو حسياً بمعنى ( حالة جمالية ) .

2-  معنى جمالى ( إستاطيقى ) يجعل من الفن کل إنتاج للجمال يتحقق فى أعمال يقوم بها کل من يتصف بالشعور ، ويعبر بصدق عن جوارح النفس البشرية . وعلى ذلک يکون الفن بالمعنى الأول هو ( مجموعة من المبادئ العامة الحقيقية النافعة والمتوافقة التى تؤدى إلى غاية واحدة بعينها ) وبهذا يکون الفن بهذا المعنى هو ما يقوم به فى مقابل العلم بوصفه معرفة خالصة مستقلة عن سائر التطبيقات العملية وما يقوم به فى مقابل الطبيعة من جهة أخرى بوصفها قدرة فاعلة تنتج بدون وعى أو تفکير وبذلک فإن الفن هو عملية إبداعية أو اتجاهاً جمالياً . يتلقاها الإنسان بحيث تؤثر على حالته النفسية .

10-           وهناک مقولة أخرى قد أقامها سفيتانا عن معنيين مختلفين :

1-  معنى عام يجعل من الفن مجموع العمليات الشعورية الفعالة التى يؤثر بها الإنسان عن طريقها على بيئته الطبيعية ليشکلها ويکيفها .

2-  مبنى خاص يجعل من الفن مجرد إستجابة للمتعة أو اللذة دون أن يکون للحقيقة أى داخل فى هذه العملية ( 1 + 1 = 2 ) حقيقة علمية وليست جمالية وبذلک يکون الفن بمعناه العام هو کل فعل تلقائى يعززه النجاح والتوفيق ، بشرط أن يمتد إلى العام فيجعله متوافقاً مع النفس والعقل والروح والحالة الوجدانية .

11-   مفهوم الفن عند بعض الکتاب المحدثين : وهناک کثيراً من الکتاب المحدثين يربطون بين مفهوم الفن ومفهوم الجمال فيعرفون الفن على أنه القدرة على توليد الجمال أو المهارة فى إيجاد متعة جمالية ولذة روحانية ووجدانية والإحساس بوحدة الخالق عز وجل فى الفنون الراقية التى لاتثير شهوات النفس بل ترتقى بالروح .

12-   مفهوم الفن من دائرة المعارف البريطانية : ولو أننا رجعنا إلى دائرة المعارف البريطانية نجد أن الکاتب الإنجليزى " سندى کولثين " يفرق بين الفنون الجميلة وغيرها من الفنون الأخرى فيقول " وإن الفنون الجميلة هى فنون الإنسان بطرق خاصة أولاً من أجل اللذة الخاصة المستقلة عن أنه منفعة مباشرة ، ( وهذه اللذة يستشعرها فى أداؤه لتلک الأعمال ) وثانياً من أجل اللذة المماثلة التى يشعر بها من مشاهدة أو تأمل تلک الأعمال حيث يتلقاها غيره من الناس ، وتنقل لهم الخبرة الجمالية.

13-   مفهوم الفن فى معجم اکسفورد : ولانجد معجم اکسفورد قد بعد کثيراً من تعريفه للفن عن دائرة المعارف البريطانية فعرفه الفنان على أن ذلک الشخص الذى يمارس عملا لاغاية له سوى تحقيق اللذة أو الإعجاب وبذلک يکون الفن مجرد مهارة فى إحداث الجمال أو اللذة الجمالية ، أو القدرة على التنفيس عن النفس البشرية . ويبدو أن أصحاب هذا الرأى کانوا متأثرين بنظرية کانط فى الفن ففرقوا بين الفن والمهنية وذهبوا إلى أن الفن نشاط تلقائى وأن المهنة صناعة مأجورة تستهدف إلى المنفعة والکسب المادى .. أما الفن يهدف إلى السعادة المعنوية الروحانية .

14-   رأى تولستوى النقدى فى تعريف الفن : يعتبر تولوستوى الروائى الروسى الشهير هو أول من رفض إدخال مفهوم الجمال أو اللذة فى تعريف الفن وذکر ذلک فى کتابه " ماهو الفن " معبراً على أن الکوميديا والدراما والمأساه کما کتب على عکس کل الفلاسفة والکتاب الذين عرفوا الفن على أنه الجمال أو المتعة أو اللذة فهم فى رأيه بذلک يشبهون الفن بالطعام او الغذاء لما يسببه لنا الفن من متعة أو اللذة فى حين أن المهم هو معرفة الدور الذى يلعبه الفن فى حياة الإنسان بصفة عامة ، کما يتوقف الغذاء على أهميته الغذائية فى حياة الکائن الحى کضرورة للجسد .. أما ( الفن يکون للروح فقط ) ويرى تولستوى أن التعريف الصحيح للفن يتوقف أولاً على عدم اعتباره لذة أو متعة ولکننا يجب أن ننظر إليه على أنه  مظهراً من مظاهر الحياة البشرية .

الکارزما : الجاذبية

      وعندئذ لن نجد صعوبة فى تعريف الفن على أن احدى وسائل الإتصال بين الناس حيث أن الإنسان ينقل أفکاره بالکلام إلى الآخرين فهو کذلک يستطيع أن ينقل عواطفه عن طريق الفن إلى الآخرين ، وبذلک يکون الفن فى نظر تولستوى ليس أقل أهمية من الکلام فهو فى رأيه أداة للتواصل بين الأفراد . کما أن العمل الحقيقى فى نظر تولستوى هو کل إنتاج صادق لمحو فاصل بين صاحبه من جهه وبين الإنسان الذى يوجه إليه من جهه أخرى ، أى حالة توحد نفسى بين الفنان والمتلقى . کما أنه يعتبر ذلک الإنتاج المملوء بالعواطف التى توجد بين القلوب ليزداد التقارب بين البشر وتعاظم الحميمية بينهم . کما أن الميزة الرئيسية للفن إنما تنحصر على وجه التحديد فى قدرته على محو کل الفواصل بين الناس لکى يکون هناک إتحاداً حقيقياً بين الجمهور والفنان ، وأن ( کارزما ) الفنان يجذب إليه کل البشر . ويرى تولستوى أن مدى صدق الفن يتوقف على ثلاثة شروط :

1-    الأصالة أو الفردية أو مدى جدية العواطف التى يعبر عنها .

2-    مدى الوضوح فى التعبير عن العواطف المجياشة القوية .

3-    إخلاص الفنان أو شدة العواطف التى بعد عنها ( وشبه ذلک بأنه کالمغناطيس يجذب إليه کل الناظرين إليه ) .

15-      وکثيرا ما نربط بين الفن " والحلم "  کبعض علماء الجمال فترى أن ( کل مهمة الفن هى خلق عالم خيالى ) تکون الوظيفة الأولى هى أن يکون ( مخالفاً ) بوجه من الوجوه للعالم الذى نحيا فيه . ونکون بذلک  قد أغلقنا حقيقة هامة وهى أن الخيال وحده لايکون جوهراً للعقل الباطن حيث لايکفى لتفسير العمل الفنى بالفن ليس مجرد عاطفة أو وجدان أو حلم أو خيال وإنما الفن هو أيضاً خلق وصناعة أو إنتاج ومهارة ومعنى ذلک أنه لايمکن أن يکون هناک فن إن لم يکن هناک قدرة على تنظيم الأحلام وبعثها فى جسم معين هو ما يسمى بالآثر الفنى . أى العمل الفنى والقدرة على تذوقه .

16-      وبعدما تعرضنا بالتعريف على مر العصور : وفى مختلف الثقافات وبعض الاتجاهات الفلسفية لتعريف الفن يمکننا أن نجمل هذه التعريفات کما وردت على ألسنة أصحابها وفى کتاباتهم کما يلى :-

1-    مجموع المهارات البشرية على اختلاف ألوانها . ولها صفة التجديد .

2-    النشاط الصناعى النافع بصفة عامة يتضمن الشکل الجميل .

3-    صناعة تأخذ من النفس وتملى على الطبيعة أو العکس .

4-    نشاط هدفه غايات عقلية ثقافية مشبعة بالخيال بدون طابع علمى ( حقيقة علمية).

5-    مجموع العمليات التى تستخدم للوصول إلى عملية معيشية بأساليب غير مطروقة أو طرق غير مسبوقة .

6-  مجموعة من المبادئ العامة الحقيقية النافعة والمتوافقة والتى تؤدى جميعها إلى غاية واحدة بعينها بمعنى تنمية المشاعر والإحساس بالجمال .

7-    مجموع العمليات الشعورية الفعالة التى يؤثر الإنسان عن طريقها على بيئته الطبيعية کلى يشکلها ويکفيها لهدف وظيفى أو روحى .

8-    نشاط للمتعة أو اللذة دون أى تدخل للحقيقة فى هذه العملية .

9-    القدرة على توليد الجمال أو المهارة فى إيجاد متعة جمالية معنوية .

10- إنتاج صادق يلغى کل فاصل بين المنتج وبين الإنسان الموجه إليه .

11- القدرة على مزج الدين ( الروحى ) بالفن ( الحس ) فکل الحضارات القديمة قامت على هذه المحورين لأن الفن والدين وجهين لعملية واحدة .

      بعدما تعرضنا بالتعريف للفن يأتى دور العمل الفنى وهنا سوف نتعرض للعمل الفنى من حيث بناؤه وعناصره ، وقد علمنا مما سبق أن من أحد تعريفات الفن أنه القدرة على توليد الجمال أو المهارة فى إيجاد متعة جمالية ، فإذا کانت الوظيفة الأساسية لعلم الجمال أن يجعلنا فى وضع مواجهة مع العمل الفنى الذى نرى فيه المحسوس بکل صدق ، وبذلک يمکننا وصف العمل الفنى بأن موضوعاً جمالياً . والأعمال البيئية أما أن تکون مکانية کاللوحات والتماثيل أو زمانية کالمعطوعات الموسيقية ، وفى الحالتين يجب أن يکون للعمل الفنى وحدته المادية التى تجعله فناً موضوعاً حسياً يتصف بالتماسک والإنسجام والتعبير عن الحقيقة الروحية أو التعبير عن الحالة الوجدانية . ولابد أن يکون للعمل الفنى هيئة تظهر المظهر الحسى ( المادى ) للموضوع الجمالى وبنية زمانية تعبر عن مدلوله الروحى بوصفه عملاً انسانياً حسياً ( يرى – أو يسمع – أو ينطق ) .

      وبناء على ذلک يرى بعض علماء الجمال احتواء العمل الفنى على ثلاثة عناصر هى:-

     1- المادة ( الخامة )        2- الموضوع ( الفکرة )        3- التعبير ( أسلوب التنفيذ).

      وسوف نتعرض بالتفصيل لکل عنصر من عناصر بناء العمل الفنى :

أولا : العنصر الأول :

المـادة : أن لکل فن مادته سواء أکانت هذه المادة هى اللفظ – الألوان أم الصوت أم الحرکة أم الحجارة .

     وهذه المادة لايمکن بأى حال من الأحوال أن تصبح مادة جمالية إلا إذا مستها يدا الفنان فتجعل منها محسوساً جمالياً نستشعره حينما نراه مطوعا بفعل المهارة الفنية للفنان وهو بالتأکيد ذو مواهب خاصة وفى فن المعمار والنحت نجد أن المادة تکون أکثر مقاومة من أى فن آخر فالمادة تکون فى حالة عصيان وتمرد . أثناء التشکيل . أو شئ من الفراغ إذا کان لحناً .. أو کلمة ذلک فى الموسيقى أو الشعر .

      وقد کان مايکل أنجلو أشهر المثالين فى التاريخ يصنع تماثيله وهى فى حالة من العنف والغضب والهياج حتى أنه حينما سئل عن ذلک . أجاب .. أننى أبغض تلک الحجارة التى تفصلنى عن تمثالى أو تماثيلى إننى أرى عملى الفنى داخل الحجر .

      أى أنه يرى التمثال سجيناً داخل الحجارة وهو يتعامل معها بعنف للوصول إليه .

      والعمل الفنى يجب أن تتحد کل العناصر المادية المستخدمة فى ترکيبه للعمل على خلق ذلک .. المحسوس الجمالى ، الذى لابد أن يستحوذ على إنتباهنا ويجذبنا له .. ويحولنا من حالة إلى حالة بعضاً من الموسيقى تهدئ الأعصاب أو أغنية ذات شجن .

      ومعنى ذلک أن مادة العمل الفنى ليست مجرد شئ صنع من هذا العمل وإنما هى غاية فى ذاتها لها صفات حسية تساعد على تکوين الموضوع الجمالى . لأن هذه الحجارة ليست کما تبدو لنا فهى ذات أحجام مختلفة وتنقسم بالإنسجاب فى النسب وللضوء تأثيرات مختلفة على سطوحها . فالحجارة هذه ليست جماداً کما نراها ولکنها ثمرة لعملية جمالية تتحول على يد الفنان إلى کائن خالد يثرى الحياة بل الأعمال الفنية أکثر خلوداً .

      وبناء على ذلک فإن جمال العمل الفنى لاينحصر فى جمال الموضوع ولکنه يظهر أولاً فى مظهره الحسى الذى ينعکس على حواسنا والذى أحياناً ندرکه بالبصائر .

      وهناک بعض الفنون التى تطغى منها المادة على المحسوس الفنى نفسه کالعمارة والنحت کما أن هناک مواد أخرى تستخدم فى تحقيق العمل الفنى لاتکاد تفصح عن کيفياتها الخاصة مثل التصوير أو الموسيقى . کما أن الفنون التمثيلية تستخدم وسائلها المادية للتعبير عن الموضوع المراد تصويره فهى لاتسمح فى کثير من الأحسان للمادة بالظهور المباشر – فالفنان يحول المادة إلى عمل روحانى وجدانى وهذا ما يسمى بالحالة الجمالية وهذا ما يسعى المثال للوصول إليه أحياناً عامداً إلى عدم الاهتمام بالقواعد الهندسية من أجل الوصول إلى عمل فنى لايکون وليد الصعنة المادية وحدها . بل أن الفکرة هى الأساس . ولابد أن تعمل جميع الفنون على تنظيم المحسوس وترکيبه بحيث يسمح لنا بإدراکه دون غموض أو لبس . وندرک من أول وهلة بأن هذا عمل فنى .. وليس نصف فن . لأن الحقيقة هذا فن أو لافن .

      لذا کان لابد لکل عمل فنى أن يستعين بمجموعة من الأشکال المتسقة والنماذج الإيقاعية من أجل تنظيم هذا المحسوس بالطريقة التى تتفق مع التعبير عنه .

      وسواء علينا نظرنا إلى الموسيقى أو التصوير أو الشعر أو النحت أو المسرح … الخ فإننا حينئذ سنجد أنفسنا أمام طريق من التسلسل الفنى أو التنظيم الجمالى ، سواء کان هذا التنظيم على شکل سلم من الأنغام أو الألوان أو الکلمات أو الخطوط والسطوح أو الحرکات . والعمل الفنى لابد وأن يکون ثمرة لعملية منهجية خاصة وهى عملية تنظيم العناصر التى تتکون منها حرکته وهذه الحرکة هى التى تعطينا الإحساس بالزمان مما يجعله موجوداً حياً تشيع فيه الروح کأنه يتنفس .

      وهذا يعنى أن العمل لابد أن يصدر عن مهارة إبداعية تعمل على ترکيب الحرکة إبتداء من الساکن وتحقق الزمان بابتداء من المکان ، وهنا يستعين الفنان بأساليب الإيقاع والتنظيم والتناسب من أجل الوحدة على التعددية فى الموضوع فى الحرکات والأشکال والضوء . والفنان يمکن أن يتلاعب ببعض العناصر المتشابهة والمخالفة وبذلک يمکن أن يکسب عمله الفنى إشعاعاً خاصاً زمانياً حياً وهنا يأتى التکرار والترديد والتناظر والتماثل – فتکون جميعها ظواهر منسقة تساعد على إبراز الإيقاع وإظهار التنويع وإيضاح الجدية وإظهار عنصر الزمان والمکان – ويتحدان معاً فى هيئة واحدة .

      وحينما ينفذ عامل الإيقاع إلى داخل المادة فإنها عندئذ تتحول إلى موضوع جمالى يتمتع بالکيفية الزمانية والمکانية .

ثانيا : العنصر الثانى من عناصر بناء العمل الفنى :

الموضوع :-

      يعتبر الموضوع هو العنصر الثانى من عناصر العمل الفنى والموضوع هو ما تحتله اللوحة أو التمثال أو الوان القصيدة … الخ و بذلک ينتظم المحسوس الجمالى على شکل علامة من الموضوعات الإنسانية کالحب والفرح والسعادة أو الرثاء والحزن .  وعندما نتحدث عن الموضوع الذى يحتله الموضوع فإننا سرعان ما تقابلنا مشکلة ألا وهى أنه ليست بالضرورة أن يحتوى جميع الفنون على الموضوع کالموسيقى لأنها مجرد معادلات رياضية تسمع بأصوات جميلة . نشعر بها ولامسکها .

      وفى الموسيقى مثلاً نجد السيمفونيات لاتحتوى على أى موضوع مباشر .. ولکن إنطباع وجدانى تؤثر على النفس ، قد تفرح بها أو نحزن أو نرقص فرحاً بها .

      وفى التصوير والنحت أيضاً نجد أحياناً اتجاهاً تجريدياً فنجد تصويراً مجرداً ونحتاً مجرداً ، يختفى منه عنصر التمثيل أو الموضوع أو المعنى .

      ولکن هذا لايعنى أنه لم يعد للموضوع أى دور فى صميم العمل الفنى کما يکون فى بعض الفنون أحياناً کالمعمار والموسيقى . وقد أخذ المصورون ينادون بأن قيمة العمل الفنى لاتقاس بقيمة موضوعة ، کما أن جمال اللوحة لايقاس بجمال النموذج الذى يمثله وهذا ما جعل الإتجاه التجريدى فى النحت والشعر يحرر هذه الفنون من أسر الموضوع ، وهذا ما أراده الفنانون للتحرر من سطوه الموضوع لکى تکون للفن لغته الخاصة به . مثل الفنون الحديثة . وفى أحيان أخرى نجد بعض الفنانين يقعون فريسة لسحر الموضوع فيحاولون أن يتخذوا من فهم وسيلة للإقناع أو الإثارة أو الأغراء مثلما يحدث فى الفن الأکاديمى على سبيل المثال . کفنون عصر النهضة .

      وقد نجد أحيانا کثيراً من الفنانين المحدثين يبالغون فى اصطناع النزعة التجريدية حتى أنهم أرادوا استبعاد الموضوع تماماً من عناصر بناء العمل الفنى . وکأنهم بذلک يريدون أن يقذفوا للجمهور دليلاً قاطعاً على أن من الخطأ الإستناد إلى الموضوع وحده للحکم على القيمة الجمالية للعمل الفنى ، مثل الأشکال الزخرفية – هى أشکال جميلة وفقط .. مثل السحب أو الزخرفة الموجودة فى الأصداف – أو تموجات الرمل .. الخ .

      وفى أحيان أخرى نجد بعض صغار الفنانين يميلون إلى اختيار موضوعات مثيرة من أجل استمالة أنظار الجمهور إلى أعمالهم . بينما نجد کبار الفنانين لايميلون فى اختيار موضوعاتهم إلى المبالغة على اعتبار أن بساطة الموضوع لاتتعارض مع أصالة التنفيذ وقوة الصورة لأن الفن تکثيف وترکيز أما العلم فهو تحليل وتفصيل التفاصيل . وفى کثير من الأحيان تطغى الصورة على الموضوع فى نظر الفنان فنراه يضع الموضوع فى المرتبة الثانية بعد الصورة ويغير من الموضوع الطبيعى  إلى موضوع فنى خالص أو خيال مجنح .. أو أشکال لايوجد لها مثيل .

       وهو بذلک يعتبر أن مهمته الاولى هى خلق عالم متسق من الصور الحية بعيده کل البعد عن الحقيقة الطبيعية لها . إلا أن علماء النفس يرون أن الموضوع والإبداع الفنى مستندين فى ذلک إلى الفنان عند اختياره لموضوعاته فهو بذلک يکشف لنا طبيعة شخصية ، وبذلک يمکننا أن نحکم على شخصية من أسلوبه فى اختياره موضوعاته ، مؤکدين أن لاشيئ ينبع من فراغ .. ولابد من خبرة سابقة قبل العملية الإبداعية غير أننا أحياناً نجد بعض الآراء المخالفة لذلک مثل المصور الفرنسى الشهر " اوجيه " " ديلاکرواه " الذى يرى أن الموضوع ما هو إلا مناسبة عارضة يختارها الفنان أو ذريعة خاصة يصطنعها اصطناعاً . أو حافزاً يبدأ به کى يمضى فى عمله الفنى متحمسا .

      والحقيقة هى أن تکرار أى موضوع معين بذاته بالنسبة لفنان معين بذاته أيضاً لا يدل على أنه أمر عارض ويکون حينئذ يکون ظاهرة نفسية وليس من صنع الأقدار أو الصدفة ، وقد تکون حالة نفسية تشبه الوسواس القهرى ، مثلما فعل بيکاسو فى اختياره للجورنيکا بأسبانيا لموضوع لعدد کبير من أعماله ، ولکل فنان حقيقى ( لازمة ) أو بصمة تدل عليه ، کما نرى فى لزمات الفنان فى السينما لزمات إسماعيل ياسين مثلاً .

      ونستخلص من ذلک أن الموضوع مرتبط بالإبداع الفنى لدى الفنان وکلما کان هذا الموضوع أکثر حيوية کان الفنان أکثر ابداعاً ، وکلما کان صادقاً ودالاً على شخص الفنان ، يکتب له الخلود ، ولابد لنا أن ندرک تمام الإدراک أن الفنان لاينسخ الموضوع أو ينقله نقلاً حرفياً وبطريقة آلية ولکنه ينقل لنا ما يعادله فى الإحساس بالمعنى الوجدانى والعقلى الذى يتم عنه هذا الموضوع الذى نعرفه جميعاً .. ولکن الفنان هو وحده الذى استطاع التعبير عن ذلک .

     فالفنان ليس ناقلاً وإنما هو مترجماً للموضوع بما فيه من أحاسيس يراها بعين الفنان وينقلها للمشاهد العادى وهذا هو فى حد ذاته هى الإبداع الفنى .

ثالثا : العصر الثالث نو

التعبير : وهو العنصر الثالث من عناصر بناء العمل الفنى فإذا کان موضوع العمل الفنى مملوء بالمعانى فإن هناک أيضاً معان أخرى حول العمل الفنى وذلک  بسبب ما يحتويه من أحساسيس ومشاعر . ويمکننا القول بأن الميزة الرئيسية للموضوع الجمالى ( الاستاطيقى) هى أن يقدم مجموعة کثيرة من المعانى التى تدل على عمق هذا الإحساس .

      ويمکننا القول بأن هناک بعض الأعمال الفنية التى قد تتسم بالغموض أو اللبس ويکن العمل الفنى الأصيل هو ذلک العمل الذى ينطوى على غراره فى المعن بحيث لا يکون هذا الثراء فى المعنى ناتجاً عن الصدق فى المشاعر والوجدان . فالفنان فى هذا العالم ليس هو ذلک الناقل الذى ينسخ الأشياء کما هى فى هذا العالم وإنما هو ذلک المنافس العنيد الذى يمتلک القدرة على تحويل الواقع إلى معان وجدانية يستشعرها المشاهد مباشرة دون معرفة السبب الحقيقى فى حبه لهذه الأشياء التى تؤثر عليه .

      فالفنان عند شعوره بالمرأة يعرف أنها ليست مجرد صورة ينقلها وکأنها مجموعة من الملامح والحرکات والسکنات ، وإنما هى تعبير فردى ، عاطفى وجنسى والدليل على ذلک أننا دائماً نتذکر الوجه الذى نراه بتعبيراته ومعانيه التى يحملها وليس بملامحه وقسماته . ومن هنا نجد أن علماء الجمال يرون أن " التعبير " هو ذلک الرباط الحى الذى يجمع بين الثقافة وعمله الفنى أو بين الفکر والتنفيذ کلاً متحد .

      وعلى ذلک تکون الوظيفة الأساسية للتعبير هى ترجمة الواقع بلغته الخاصة إلى أن يکشف لنا عما ينطوى عليه الواقع من معان مباشرة مثال ذلک ( ميکى ماوس ) لو کان فأر حقيقى ما أحببناه – ولکنه کشکل فنى ، نحبه کذلک ولانرضى بغير ذلک .. هذا هو الفن .

شکل 1-      براءة الطفولة .

شکل 2-      الله أعلم بالسرائر .

شکل 3-      الجدة الطيبة ( ست الحبايب ) .

شکل 4-      معدوم الدخل .

شکل 5-      فلاح من الکفر .

شکل 6-      قناع + قناع لرجل واحد .

شکل 7-      ابتسامة الشيطان .

شکل 8-     واحد غلبان .

شکل 9-     واحده غلبانه .

شکل 10-    البکاش .

شکل 11-    الغلباوى .

شکل 12-    عين الحسوده .

شکل 13-    حلم الطفولة .

شکل 14-     دساس الأنف .

شکل 15-     عروسه (1)

شکل 16-     عروسه (2)

شکل 17-     عروسه (3)

شکل 18-     واحد خبيث .

شکل 19-     واحد لئيم .

شکل 20-     الاستاذ

شکل 21-      استاذ الاساتذه

شکل 22-      قناع

شکل 23-      قناع

 

المراجــــــع :

1-  أبو حيان التوحيدى -  الامتاع والمؤانسة – لجنة التأليف والنشر – دار الکتاب .

2-  الشخصية الفنية – محمود البسيونى – دار المعارف الطبعة الاولى 1975 .

3-  أصول التربية الفنية – محمود البسيونى – دار المعارف – طبعة ثانية 1983 .

4-  الجمال والفن – ماهر کامل – الأنجلو المصرية – 1984 .

5-  أفلاطون – المحاورات – ترجمة زکى نجيب محمود – لجنة التأليف والنشر .

6-  الموسوعة الفلسفية المختصرة – ترجمة فؤاد کامل – مکتبة الانجلو المصرية .

7-  مشکلة الفن – زکريا ابراهيم – مکتبة مصر .

 

 

 

 

 

 

 

 

 
























 

المراجــــــع :
1-  أبو حيان التوحيدى -  الامتاع والمؤانسة – لجنة التأليف والنشر – دار الکتاب .
2-  الشخصية الفنية – محمود البسيونى – دار المعارف الطبعة الاولى 1975 .
3-  أصول التربية الفنية – محمود البسيونى – دار المعارف – طبعة ثانية 1983 .
4-  الجمال والفن – ماهر کامل – الأنجلو المصرية – 1984 .
5-  أفلاطون – المحاورات – ترجمة زکى نجيب محمود – لجنة التأليف والنشر .
6-  الموسوعة الفلسفية المختصرة – ترجمة فؤاد کامل – مکتبة الانجلو المصرية .
7-  مشکلة الفن – زکريا ابراهيم – مکتبة مصر .