دور التربية فى مواجهة سلبيات العولمة من منظور إسلامي

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

-

الموضوعات الرئيسية


مقدمــة :

            إن العولمة کظاهرة، مازالت غير واضحة المعالم لا من حيث تحديد مفهومها ولا من حيث وجودها على أرض الواقع ، رغم عقد المؤتمرات المتلاحقة لرؤساء الدول الغنية الکبرى لتحديد معالمها والتى کان مؤتمر روما فى شهر يوليو 2001م ومؤتمر جوهانسبرج بجنوب أفريقيا 2002م ، لبيان محاسنها وأنها تعمل لصالح الأمم کافة غنيها وفقيرها ومن ذلک عن طريق القضاء على الفقر ، والتطور الإيجابى للإنسانية وإرساء مبدأ التکافل الاجتماعى بين الشمال الغنى والجنوب الفقير 00 إلخ هذا ما دعا له مؤتمر دافوس فى نيويورک عام 2002م 0

            والعولمة ليست ظاهرة جديدة فهى تمتد إلى آلاف السنين من خلال الرحلات التجارية والهجرة وإنتشار الثقافة ونشر المعرفة والفهم بما فيها العلوم والتکنولوجيا ، فکل أمة قوية کانت تحاول نشر ثقافتها وحضارتها بصورة عامة، فالرومان حاولوا صبغ کثير من البلدان بالصبغة الرومانية وخير شاهد على ذلک الطراز المعمارى المنتشر فى البلاد التى دخلها الرومان ومن تلک البلدان بلاد الشام ومصر (1) 0

            تعنى العولمة : أنها تعبير عن ديناميکية جديدة تبرز داخل دائرة العلاقات الدولية ، وتفهم ضمن سياق سياسى جديد ، مازلت ملامحة قيد التشکيل ، تنحسر فيه السياسات الوطنية إزاء مجموعة القيم ، والالتزامات التى وجدت بفعل الدعوة إلى إقامة ما يسمى " نظام عالمى جديد " الغرض منه بناء نظام شمولى ، يتجاوز أيديولوجية الصراعات السابقة بين الاشتراکية  والرأسمالية ، وبخاصة بعد سقوط الشيوعية " الاتحاد السوفيتى وبلدان أوربا الشرقية " 0 فقد سيطرت هذه الأفکار على الجماهير فى کل مکان ، وإحلال العولمة بقوة الوقائع الجديدة ، التى تعتمد على الخصخصة فى الاقتصاد (2) 0

            وخلال التسعينيات أصبحت هذه السياسة هى الطريق الذى ترسمه حکومة الولايات المتحدة الأمريکية ومن يسير فى رکابها من الحکومات الغربية للعالم وتحولت هذه السياسة إلى تذکرة للإصلاح تقدم إلى جميع بلدان العالم بواسطة المؤسسات الاقتصادية الدولية ، تلک التى لا تخدم غير الولايات الأمريکية واتباعها 0

            لذا نجد أن العولمة ترکز على تعدد نماذج الإنتاج ، وتنمية نظام اقتصادى حر يعتمد على آليه السوق ، وتدويل السوق ، وتوسيع التجارة العالمية البينية وما تستلزمه من خدمات (3) 0

            إن العولمة کما يقول مدعيها لا تعتمد على سياسة السوق فقط ، فالسوق مؤسسة من بين مؤسسات کثيرة فهناک الحاجة إلى سياسات عامة تحمى الفقراء وترتبط بالتعليم الأساسى والرعاية الصحية وإيجاد الوظائف وإصلاحات الأراضى ومرافق الاعتمادات والحماية القانونية 0 إلخ 0

            وتتضمن العولمة تصميم نموذج مغاير لمفهوم المواطنة  " القومية " والحد من اتباع سياسات وطنية أو عقديه مستقلة ، واعتماد الاستهلاک کتوجيه فى إطار الثقافة بالاعتماد على وسائل الإعلام التى تخلق الحاجة والنموذج ، أو بالإکراه عن طريق الاتفاقيات والالتزامات مع المؤسسات المالية ، أو المعاهدات بين الأفکار والمجموعات أو بالتبعية القهرية والترکيز على وسائل الإعلام کوسيط لتکريس مفاهيم العولمة ، وتبادل المعلومات وتجديدها ، حيث يعتبر الإعلام سلطة جديدة تتحکم فى توزيع المعرفة ، والتأثير على الثقافات المختلفة ، حتى تخلق مجتمع مفتوح على الاختلافات ، وعلى قيم جديدة تطرح للنقاش ، وهى بذلک تطرح العديد من التحديات ، وفى مقمدتها إغفال الخصوصيات للمجتمعات ، وبخاصة ما يتعلق بالنواحى العقدية ، کل ذلک نتيجة للتغيرات التکنولوجية ، التى حدثت فى العالم قد القت السيطرة على المعرفة ، ومن ثم أصبح التغير الاجتماعى معتمداً على قوة المعرفة ، التى تتطلب انتباه خاص تجاه العملية التعليمية وبالتالى الحاجة إلى استثمار أکبر فى هذا المجال (4) 0

            وطبقاً لرأى ساردنبرج  "Sar Dnburg"1996الذى يرى أن العولمة إضافة إلى التکنولوجيا التى تبدو هى المفتاح الفردى لشرح هذه الظاهرة والعملة الرمزية لنهاية القرن العشرين 0

            ومن ثم أصبحت العولمة واحدة من أکبر التحديات للمجتمع عامة – بعد الحادى عشر من سبتمبر "2001" – وللتعليم خاصة ، وهکذا تبدوا العولمة التى من الممکن أيضا أن تؤدى إلى إعادة تنسيق فى الاتجاه التى ترغب الوصول إليه حتى يتم التعرف على هوية العالم التى لم تعرف کلية حتى الآن لوضع تخطيط وحوارات ممکنة تؤدى إلى تطور العالم 0

            وإذا کان مجتمعنا الإسلامى المعاصر يواجه عديداً من التحديات والمشکلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، فضلاً عن التحديات التربوية من تبعية فکرية وغزو ثقافى وتفکک أسرى 000 إلى غيرها من التحديات التى جاءت بها ظاهرة العولمة والتى تکاد تعصف بهويتنا الإسلامية أو تمحو معالم الشخصية الأصلية التى ميزتها عصوراً عديدة ، والتى کانت مبعث القوة لها ، فإن کل ذلک يکون أدعى لنا أن نفيق من غفلتنا وأن ننتبه إلى ذلک الخطر وتلک التحديات المحيطة بنا والتى تحاول النيل من هويتنا الإسلامية ، بأن تکون لنا وقفة حادة تضع أيدينا على مثالب التربية التى يتبعها أغلب المسلمين اليوم ونسعى إلى تصحيح المسار بالعودة إلى جذور التربية الإسلامية الأصلية نقتبس من هدى النبى r  والذى أرسله الله عز وجل إلى البشرية ليکون لها خير مربياً وأعظم معلماً يقتدون به ، حيث يقول تعالى فى کتابه الحکيم : " لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَکِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَإِن کَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ " (5)  0( سوة آل عمران ، 164) 0

            تواجه المجتمعات العربية والإسلامية تحديات معاصرة استهدفت فى المقام الأول إقصاء القيم الإسلامية ، وإحلال قيم بديلة غربية على مجتمعنا العربى الإسلامى بحيث تسيطر القيم البديلة الغربية الدخيلة على حياة الناس وسلوکياتهم وتصوراتهم ، وتباعد بينهم وبين مقوماتهم الإسلامية (6) وتبعدهم عن تراثهم الإسلامى وأصالتهم وعاداتهم وأفکارهم ومناهجهم وقيمهم الأصيلة 0

            وقد حذرنا الرسول r من أن نکون تابعين منساقين وراء غيرنا ، ونهانا عن ذلک فى قوله عليه الصلاة والسلام : " لتتبعن سنن من قبلکم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه ، قالوا : اليهود والنصارى ، قال ممن ؟ (7) 0

            وفى ظل التحديات الراهنة والأفکار المستقبلية التى تحيط بعالمنا العربى والإسلامى " إذا أردنا أن نخرج من حلقة الضعف والهوان والتبعية التى يدبر لنا أن نقع فيها إلى الأبد ، فإن مجتمعنا مطالب أن يسعى إلى إيجاد تربية إسلامية خاصة به ، تعين له هويته العربية والإسلامية الواحدة المتميزة ، وتکون تلک التربية هى أداة نهضته واستعادة أمجاده وحضارته (8) 0

            بعد هذا العرض السابق يمکن أن تصاغ مشکلة البحث فى التساؤلات الآتية :

مشکلة البحث وأسئلته :

السؤال الأول : ما العولمة ، وآثارها السلبية على ثقافة المجتمع العربى ؟

السؤال الثانى : ما موقف الإسلام ومفکرى التربية الإسلامية من العولمة ؟

السؤال الثالث : ما المخاطر والتحديات التى تواجه المجتمع العربى من آثـــار               العولمة ؟

السؤال الرابع : ما دور المعلم فى تلافى آثار العولمة ؟

أهداف البحث :

            يهدف البحث إلى مايلى :

1  - التعرف على طبيعة العولمة وآثارها السلبية على ثقافة المجتمع العربى 0

2  - الوقوف على موقف الإسلام والمفکرين المسلمين من العولمة 0

3  - التعرف على المخاطر والتحديات التى تواجه المجتمع العربى من آثار العولمة .

4  - الوقوف على دور المعلم فى تلافى آثار العولمة 0

منهج الدراسة :

            استخدمت الدراسة المنهج الوصفى ، بهدف رصد واقع العولمة والعلاقة بينها وبين قضايا المجتمع الثقافية وآثارها السلبية على المجتمع العربى ودور التربية فى مواجهته 0

أهمية البحث :

            ترجع أهمية البحث إلى التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى يمر بها عالمنا العربى الإسلامى نتيجة لظروف التى أوجدتها العولمة فى الوقت الراهن والتحديات التى تواجههم فى ظل السيطرة والهيمنة من الدول الغربية على العالم الإسلامى وآثرها على العملية التعليمية 0

حدود الدراسة :

            اقتصرت الدراسة فى حدودها الأساسية على النحو التالى :

1  -    دراسة تحليلية لواقع مشکلة العولمة بأبعادها المختلفة على المجتمع        العربى0

2  -    دراسة موقف الإسلام ومفکرى التربية الإسلامية من العولمة 0

3  -    رصد المخاطر والتحديات التى تواجه المجتمع العربى من آثار العولمة 0

4  -    تحديد دور المعلم فى تلافى آثار العولمة 0

دراسة سابقة :

            على الرغم من أهمية دراسة دور التربية لمواجهة فکر العولمة من منظور إسلامى حيث لم يجد من خلال ما أطلع عليه من بحوث ودراسات – سواء عربية أو أجنبية – دراسات مباشرة حول الدراسة الحالية باستثناء دراسة واحدة أجريت على بعض المتغيرات الثقافية والتربوية فى ضوء مفهوم العولمة عرضها الباحث فى ما يلى التى يمکن أن تفيد الدراسة الحالية 0

 

1  -      دراسة : سمير عبد القادر خطاب (2000) : (9)

            بعنوان دراسة لبعض المتغيرات الثقافية والتربوية فى ضوء مفهوم العولمة ، استهدفت الدراسة التعرف على التغيرات التى طرأت على الثقافة التربوية فى ظل العولمة 0 وکذلک التعرف على مظاهر وأشکال العولمة بالإضافة إلى إمکانية التوصل إلى إستراتيجية تربوية للمحافظة على البناء الثقافى على أهم متطلبات هذه الإستراتيجية 0

            وقد توصلت الدراسة إلى نتائج :

-   إن النظم التربوية فى حاجة ماسة إلى مراجعة نفسها وتحديد مسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية تجاه العولمة 0

-   يجب على الأنظمة التربوية أن تساير وتواکب التغيرات العالمية الحادثة 0

-   يجب أن تعمل هذه الأنظمة على زيادة تکافؤ الفرص التعليمية وزيادة الإنفاق على التعليم 0

-   وتؤکد على أهمية التعلم الذاتى وأن تساير هذه الأنظمة التقدم التکنولوجى فى کافة المجالات 0

أولا : العولمة :

            شاع استخدام مصطلح العولمة واتسع نطاق تداوله منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين لارتباط هذا المصطلح بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي يشهدها عالمنا المعاصر.

 تعريف العولمة لغة واصطلاحا :

العولمة لغة :هي لفظة عربية وتقابل کلمة GLOBALIZAITION الإنجليزية         وتعني الکونية أو الکوکبية کما أشار ذلک قاموس أکسفورد (10)

أما العولمة إصطلاحاً  :

            تعني انتقال المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية من أقليم أو مکان إلى آخر بشکل يؤدي إلى إيجاد عالم واحد ،بأسلوب يوحد المعايير الکونية وتحرير العلاقات الدولية والاقتصادية وعالمية الإنتاج المتبادل وانتشار التقدم التکنولوجي ،وعالمية الإعلام والمعلومات وتقريب الثقافات ونشـر المعلومات (11)    

أما من حيث المفهوم الواقعي :

            فالعولمة عملية انتقائية أرغامية الحاقية يختار الأقوياء من المتغيرات ما يفرضونه علي الضعفاء تحقيقا لمصالحهم الخاصة،وفرضا للتبعية السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية.(12)

            ويرى"صادق العظم "أن العولمة :هي حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المرکز وقيادتها وتحت سيطرتها وفي ظل نظام عالمي للتبادل غير المتکافئ.(13)

            ويرى"مهدي شمس الدين"أن العولمة تهدف إلى اجتياح الثقافات الأخرى ومحوها محوا کاملاً (14)

            ويعرف "إسماعيل صبري عبد الله "العولمة بأنها ما يتسم به عالم اليوم من التداخل الواضح والمتزايد لأمورالاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوک دون تقيد يذکر بالحدود السياسية للدولة.(15)

            ويعرف "مالکوم واتزر "العولمة :بأنها :کل المستجدات والتطورات التي تسعي - بقصد أودون قصد - إلى دمج سکان العالم في مجتمع عالمي واحد(16)0

            کما يعرفها"رونالدروبرتسون": بأنها اتجاه تاريخي نحو انکماش العالم وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانکماش.(17)

ومن خلال التعريفات السابقة لمفهوم العولمة :

            يري الباحث : أن العولمة فکر يدور حول التطورات والأحداث التي تؤدي إلى توحد العالم بهدف بسط الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية لأولئک المستفيدين من هذا التوحد للسيطرة علي العالم وتسيير أموره وفق مصالح الاحتکارات الرأسمالية الغربية .

            ومهما عددنا من تعريفات العولمة،فإننا سنلاحظ عنصرا جامعا بينها يشير إلى اختزال المسافة الزمانية.لکن البعض يري أن هذا الاختزال هو شيء بديهي حاصل نتيجة التطور بمستوياته المتنوعة ، ولکن الذي تدفعه عقدة القوة أکثر من أي شيء آخر.

الآثار السلبية للعولمة علي ثقافة المجتمع :  

            کانت أهم المشاکل التي تقلق المجتمع البشري علي طول التاريخ هو ذلک التنافر الذي برز في شکل صراعات دامية وحروب استنزافية زرعت أمراضاًً مستعصية في عمق الجسد البشري مثل العرقية والعنصرية والنعرات القومية .

            ولاشک أن الصراع المستميت علي المصالح قد حول هذه الأمراض إلي أيديولوجية متأصلة تبحث عن أعداء لها لتبتلعهم تحقيقاً لمصالح منظريها وکانتالحربين العالميتين شاهد علي ذلک .

            ولأن الإنسان کائن اجتماعي بفطرته يميل إلي الانسجام مع أخيه الإنسان ومد العلاقات الإنسانية ،فإن وجود عالم إنساني موحد يقوم علي السلام والمحبة والوحدة البشرية بدون وجود أي قواطع أو حواجز مادية أومعنويهکان المشروع المثالي الذي نادي به الأنبياء وحلم به الفلاسفة والمصلحين  والمفکرين تصديقاً لقوله تعالي " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُم مِّن ذَکَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا......(18) ( سورة الحجرات ، 13 ) 0

            لکن کل ذلک کان يصطدم بواقع مؤلم وهو أن الکثير من هذه الدعوات کانت تستغل من قبل السلطات بغرض هيمنتها علي الدول الأخرى بداعي التوحد والاندماج .

            إن مقومات تحقيق المجتمع الإنساني الواحد يعتمد بشکل کبير علي العنصر الإنساني المعنوي وليس العنصر المادي،لأن المشارکة الإنسانية المتکاملة تنشأ من عملية التناغم الثقافي، والتفاهم الفکري وليس من عملية التبادل التجاري أو التواصل المعلوماتي فقط،ولهذا فإننا نري أن الإنترنت "شبکة الاتصالات والمعلومات الدولية " وهي أداة تواصل معلوماتي مادي من أدوات العولمة، لم تحقق ذلک التواصل الثقافي والفکري  الهادف،بقدر ما کانت أداة لنشر الجريمة والفساد والإباحية وتناول المعلومات التافهة ،ولذلک أن العولمة قد أفرزت فجوات عميقة أدت إلي تعميق الشرح العالمي وقادته إلي مزيد من الانشقاق والعزلة وهذا تعبير واضح عن عناصر تفکک المجتمع البشري وافتقاده     لمقومات التوحد والانسجام . 

            ومن ثم أصبحت العولمة في ظاهرها تحمل شعارات الديمقراطية والحرية والسوق الحرة وحقوق الإنسان ،ولکنها في الحقيقة لم تثمر سوي طريق الاحتکار للتجارة العالمية ووسائل الإعلام وأدوات الإنتاج المعلوماتي .  

            فالدعوة إلي العولمة دعوة خفية لإلغاء الدول "الحدود السياسية"والثقافات والاقتصاديات من أجل السيطرة المطلقة لأباطرة العولمة والشرکات الکبرى متعددة الجنسية التي أصبحت تشکل خطرا ًکبيراً علي ا لدول  المستقلة .إذ من خلال الترکيز المتزايد للشرکات تنشأ مقدرة هائلة لسلطة خارجه عن البرلمان والحکومة ،فالشرکات الکبرى تملک مواقع قوية لوضع أهدافها في وجه السياسة والشرکات الصغيرة .ودائما علي نحو واسع تستغل هذه الشرکات دعم بحوثها من أموال الدولة ،وهي لا تتقاسم الربح الذي تحصل عليه مع المجتمع لها .

            ولذلک أصبحت شرکات العولمة لها نفوذ کبير في إسقاط الحکومات وافتعال الانقلابات وتحريک الأزمات وضرب الاقتصاديات المستقلة.وهي تتجه تدريجيا إلي تحويل المجتمع البشري إلي مجتمع مستعبد محاط بواسطة وسائل الإعلام والدعاية الإعلانية الاستهلاکية . فالعولمة تعمل علي الاستعباد ،وتحول دون حصول الأفراد والشعوب الفقيرة علي القليل من الوفرة المادية .(19) 

            ومن الأسباب التي أدت إلي انتشار العولمة أن دعاة يقولون إن المجتمع العالمي بلا حدود ولأن المعلوماتية وصلت إلي قدرة کبيرة علي الانتشار والسرعة بحيث تکون قادرة علي إيجاد التواصل والحوار بين الشعوب ومن ثم وجود المجتمع العالمي الواحد .ولکن تظهر الإشکالية الأساسية في هذا المجال وهي السيطرة المطلقة للولايات المتحدة الأمريکية علي الوسائل المعلوماتية ،فهي أذن لاتمثل إلا سياستها ومصالحها  وقيمها.وهذا هو الذي أزعج حلفاءها في دول أوربا ودعاهم إلي التشکيک في العولمة .

            ويري بريزيجبنسکي  Berozugnbaskyأن لدي أمريکا مشروعــا کونياً يؤدي إلي تمکنها من تصدير التقنية المنظمة ضمن عناصر متمايزة ذات سلطة بنيوية يرافقها اقتصاد استهلاکي وثقافة جماهيرية ذات نزعات حزبية مبرمجة. (20)

            ومن ثم فإن القدرة التقنية الأمريکية تقود ـ في الغالبية العظمي من الحالات ـ إلي سيطرتها علي السوق العالمية للاتصالات.إن ثمانين بالمائة من المصطلحات والصور التي تنشر في العالم تأتي من الولايات المتحدة .وهذه السيطرة المطلقة علي انتشار المعلومات يعطي المبادرة لأمريکا في التصدي لقيادة العالم وهو أمر في صميم العقلنة السليمة بين القوي المجددة لرجال الأعمال والإدارة السياسية للدولة.إن السيطرة علي تقنية المعلومات والاتصال قد يضفيان علي الولايات المتحدة مکانة محورية في النظام الدولي ويشکلان حجر الأساس في سلطتها .(21)

            وقد شکلت المعلوماتية الجديدة فکراً ماديا واسعا الاتصال بين الشعوب ونشر القيم الاستهلاکية والإباحية لکنها سوف تکون عاجزة عن رفع الحواجز  النفسية وتعميق الاتصال الثقافي ، بل أن هذه المعلوماتية سوف توجد الدافع القوي عند الشعوب لتحصين ذاتي محسوس لثقافتنا في مواجهة هذا الغزو الجديد. إن التصاعد العددي لبعض الجماعات الإنمائية (ذات البعد الأيديولوجي المحسوس ) واستخدامها للوسائل التقنية من أجل الارتقاء بصورتها الخاصة والتعريف بمدي تعبئتها يثيران تساؤلات جديدة في إطار التفکير الدولي. (22)   

            فإيجاد قنوات الحوار الجدي يتم عبر رفع الشکوک التي لازالت تتراکم يوما بعد يوم في أهداف الولايات المتحدة وأتباعها الساعي وراء مصالحه الخاصة وليس لبناء الحضارة الإنسانية والدليل علي ذلک هو رفض الکونجرس الأمريکي لحظر التجارب النووية فإن أمريکا تعود الدعوة إلي حظر إنتاج وانتشار أسلحة الدمار الشامل والتجارب النووية لکنها تريد تطبيقها علي الغير من دول العالم وتحتفظ هي بالتجارب النووية وتطوير الأسلحة لکي تسوقها للعالم . 

            ومن الآثار السلبية للعولمة علي المجتمع ظاهرة الفقر. يقول أحد أنصار العولمة : بما أن جني الأرباح هو جوهر الديمقراطية فإن أي حکومة تنتهج سياسات معادية للسوق ،هي حکومة معادية للديمقراطية.وهکذا فالديمقراطية التي تبشر بها العولمة هي حق الرأسماليين في جني الأرباح ولأجل تحقيق هذا الهدف تحاول الشرکات العملاقة وحکومات البلدان الرأسمالية الکبرى فرض هيمنة سياسية واقتصادية وثقافية وعسکرية علي جميع أرجاء العالم.حتى يمکن طمس جميع الاختلافات بين الشعوب وجعلهم يعيشون في عالم رأسمالي واحد، بهدف توفير أفضل فرص لربح الرأسماليين.

            أما رغد العيش الذي يبشرون به فها نحن نذوق مرارته يوما بعد يوم ،کما هو واضح في فرض هيمنتها علي العراق ،ونشره الفقر وسط الأمم والشعوب الفقيرة أصلا،ومن ثم اتساع هائل للفجوة بين الفقراء والأغنياء ؛ وانهيار للبيئة علي مستوي العالم وانتشارللکوارث الناتجة عن التلوث ؛ زيادة هائلة في معدلات ْالتشريد والبطالة تقليص الأجور والضمانات الاجتماعية ؛ دمار وتخريب متواصل بسبب الحروب الاستعمارية والاضطهاد العرقي والديني . ومن الخطأ أن نتصور أن انتشار الفقر قاصر فقط علي بلدان العالم الثالث .فالبلدان الرأسمالية الکبرى تعاني الکثير من البطالة والفقر أيضا .  

            من آثار العولمة أيضا أنها وسيلة لتحطيم العدالة الاجتماعية لأن أساس قيام المجتمع العالمي الموحد يعتمد بشکل أساسي علي رفع الحواجز النفسية والاجتماعية التي أوجدت شروخاً کبيرة في المجتمع البشري .فالفوارق العنصرية والطبقية والقومية کانت الأساس لتقسيم العالم وانتشار الحروب وضياع العدل وسيطرة الظلم .

            ولکن کل ما توجده العولمة هو تحطيم لقيم المجتمع المسلموالعدالة الاجتماعية في اشد مراحلها علي طول التاريخ.فالعالم لم يعرف ظاهرة الفقر مثلما عرفه في عقد التسعينيات من القرن الحالي فالعالم الذي يضم حالياً أکبر عدد من الفقراء هو أکثر فقراً من أي وقت أخر ونسبة الفقر من أجمالي سکان الأرض هو الأعلى في تاريخ البشرية ،والفقر أصبح فقراً مطلقاً ومرکباً لأنه يتضمن الحرمان من کل مقومات الحياة . (23)

            إن نسبة (4.5) مليار إنسان يعيشون في تلک الدول التي تسمي النامية وهي تمثل 80% من سکان العالم هم فقراء ،1.3 مليار إنسان يتوجب عليهم العيش بأقل من دولار واحد في اليوم ،وأکثر من 800مليون إنسان لا يجدون طعاماً کافياً ،بينما يوجد 800 مليون أخرى يتوجب عليهم التخلي عن الرعاية الصحية ،وعلي الأقل هناک 840 مليون مواطن لا يستطيعون القراءة والکتابة .وهناک اليوم في عالم نخب العولمة 358ملياردير عالمي أغنياء بطريقة العولمـة حيث تمثل ثرواتهم مجموع ما يملکه (2.8) مليار إنسان أي قرابة نصـف الأرض .(24)

            ولذلک فإن جوهر العولمة يعتمد بالأساس علي زيادة ثروات القلة من العالم علي حساب فقر أغلبية سکان الأرض وثرواتهم.فمن يضمن حينئذ أن تعيش الأرض في أمان في ظل هذا التفاوت الطبقي الرهيب.بالإضافة إلي اختزال ميزان العدالة الاجتماعية في ظل أحلام العولمة قد حول العالم إلي بؤرة من الجريمة واللاأمن ولأن شعور الإنسان بفقدان الأمن والعدالة وحقه الإنساني سوف يغرقه في مستنقع اليأس وبالتالي يقوده لکي يستخدم العنف والجريمة من أجل استرداد حقه المفقود .

            ومن ثم لقد انفتحت آفاق جديدة للجريمة في ظل العولمة لأنها تشترک في القيم التي تعتمد عليها معنويا بالاستغلال والنفعية - دون أي اعتبار إنساني أو أخلاقي - وماديا في استخدامها المفتوح لأدوات المعلوماتية ،بل قد تتلاقى قيمها المعنوية والمادية في مشارکة ربحية متفقة. (25)

وتعتبر الخصخصة وما أدت إليه من تشريد لمئات الآلاف من العمال أهم آثار العولمة الاجتماعية وبخاصة فى مصر. فجميع الاتفاقات التي وقعتها الحکومة المصرية ومنها (الجات ،الشراکة مع الاتحاد الأوربي ،الخ) تنص علي ضرورة خصخصة جميع الشرکات ،کما تنص علي ضرورة إزالة جميع الحواجز الجمرکية ،مع تقديم أکبر قدر ممکن من الإعفاءات الضريبية للمستثمرين بسبب الخصخصة وسياسة المعاش المبکر ،وبعد أن رفعت الحکومة المصرية يدها عن مسئولية توفير فرص عمل للمواطنين إلا القلة القليلة الحاصلين علي تقدير ممتاز في أوائل الدفع أوجيدجداً.

            فقد وصلت نسبة البطالة إلي 17% من السکان حسب تقدير البنک الدولي (وهي نسبة أقل بکثير من النسبة الحقيقية )ومن المؤکد أن معدلات البطالة في مصر ستتضاعف مع إقرار وتطبيق قانون العمل الموحد الذي يهدد بوضوح حقوق العمال .ومن آثر العولمة أيضا الإطاحة بالخدمات الاجتماعية.ويظهر ذلک في وجود مدرسة بدون مدرسين وفصول مکتظة بالتلاميذ يجلسون علي الأرض ؛ومستشفي بدون أسرة للمرضي أو أجهزة طبية أو علاج ،وملايين من المواطنين بدون سکن في مدن تمتلئ بغابات من الفيلات والشقق الخالية هذا ما تطلق عليه الحکومة وهي تخفيض الميزانية العامة .  

            وظهور مشکلة تدهور أحوال المدارس الحکومية وانتشار ظاهرة الدروسالخصوصية وارتفاع نسب التسرب من التعليم بالإضافة إلي اتساع العنفوسط المدارس فجميع هذه الظواهر هي من آثار ظاهرة العولمة الرأسمالية في مصر وما تشير إليه الإحصاءات والبيانات ما کانت تنفقه الحکومة المصرية علي التعليم في عام 1980م5.7%من إجمالي الناتج القومي ،وأنها قامت بتخفيض هذا الرقم في عام 1997م ليصل إلي 4.8%من إجمالي الناتج القومي.هذا رغم تزايد أعداد التلاميذ. وبالطبع فإن هذا التخفيض في الإنفاق علي التعليم هو أحد بنود تذکرة صندوق النقد الدولي ،وقد أدي انتشار ظاهرة التسرب من التعليم إلي الأتساع الهائل في أعداد عمالة الأطفال في مصر. وتتراوح نسبة عدد الأطفــال العاملين مابين سن 6 – 14 سنة إلي حوالي 1.5 مليون طفل أي ما يقرب من 12.5%من إجمالي القوي العاملة ،هذا بينما سعي ملايين الشباب بحثا عن فرص عمل.(26)

أثرالعولمة في التربية والتعليم :

      إن العولمة کظاهرة ذات أبعاد ومستويات متعددة تهدف إلي دمج العالم دمجا نمطيا من خلال تعميم نماذج معينة ،لذلک قد سعي منظريها إلي صنع آليات خاصة بها ،من أجل "تفعيل" دورها المعرفي والثقافي وأنصب هذا الجهد علي مجالي التربية والتعليم أخيرا بعد أن کان الجهد اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً باعتبار أن التربية والتعليم هما الوسيلة التي يمکن من خلالها نشر الفکرالعولمي.

              إن الآليات المعتمدة عالميا في تسويق المعرفة الکونية (العولمة)التي تؤثر بالضرورة في التمشي التربوي في العالم باعتبار أن هذا الشأن "التربوي التعليمي "ليس شأن قومياً أو محلياً و إنما هو شأن عالمي يتسم بالانفتاح .

            ولقد حرصت الولايات المتحدة الأمريکية علي السيطرة علي المؤسسات التربوية الدولية ذات الاختصاص ،مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسکو)وحاولت التوغل في منظمات إقليمية أخري ذات طابع تربوي وثقافي مثل ،المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة ، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة .

            وقد سعت کذلک إلي توجيه أنشطة هيئات دولية أخري ذات طابع اقتصادي مثل صندوق النقد الدولي،البنک الدولي من أجل جعل هذه المنظمات التربوية المذکورة،وذلک من خلال توجيه جهودها الخاصة إلي خدمة نمط معين من التمشي المعرفي والثقافي والتربوي والتعليمي لبلدان أخري في العالم وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة .

            لقد بدأ تشکيل هذه السياسة علي نحو جوهري وفقخطوط ثقافية وحضارية عميقة ،وأصبحت المشکلة الواحدة تقام في ميادين شتي (اقتصادية وسياسية وتربوية وإعلامية ) دون فصل بين النتائج ،والمثال اليوم يبدو واضحا أکثر من أي وقت مضي فقد أضحي تدخل المنظمات والمؤسسات المالية "العولمة"في الشؤون التربوية والتعليمية المحلية تدخلا سافرا،وهذا بتأثير واضح من الولايات المتحدة الأمريکية  التي تتصرف في هذه المؤسسات والمنظمات العالمية وکأنها إحدى السياسية مؤسساتها الوطنية ،فالولايات المتحدة تسعي إلي ربط القروض والهبات الدولية بوقف الهجمات السياسية والإعلامية وتغيير السياسة التربوية للدول المقترضة أيضا "مقابل تعميم"أنموذج تربوي ينتمي إلي قوي ذات بعد واحدلا تراعي خصوصيات الأمم والشعوب الأخرى (27)

            وعلي سبيل المثال:التجربة المکسيکية التي تبين لنا حقيقة مثل هذه الممارسات التي ينتهجها صندوق النقد الدولي من أجل تکريس خطط تربوية وتعليمية دخيلة ،بعد إحدى ظواهر الأستخراب أو ما يسمي بالاستعمار الأجنبي الجديد وخلاصة هذه التجربة أن صندوق النقد الدولي يشترط علي هذه الدولة تعديل المناهج التربوية من أجل الحصول علي قرض مالي لتطوير التجهيزات التربوية.وفي هذا السياق يمکن التذکير بما أمر به الأمريکيون بعض الدول العربية والإسلامية من تغيير للمناهج التربوية وبخاصة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر مثل مصر وأفغانستان ،وباکستان ، والسعودية وغيرها ،وهو أمر يذکرنا بالطلب الصهيوني والأمريکي من الدول الإسلامية بإقصاء الآيات القرآنية التي تحرض علي الجهاد ،وکذا الآيات القرآنية التي تفضح سوء النية ،والشر اليهودي باعتبار أن هذه الآيات - حسب الزعم الصهيوني - تثير التعصب الديني ،وتجعل السلام أمرا مستحيلا ،وهذا يوضح لنا الطلب الصهيوني الأکبر المتمثل في رسم خريطة إسرائيل في کتب الجغرافيا والتاريخ بدلا من فلسطين ،فضلاًعن حذف لفظ العدو الصهيوني من النشرات الإخبارية ،وهذا الطلب قد استجابت له کثير من الدول العربية والإسلامية .حتى أصبح أسم " إسرائيل " في المناهج التربوية ووسائل الإعلام أسم مألوفاً ،بل إننا نقرأفي کتب الجغرافيا والتاريخ عبارة "الأراضي المحتلة " وهي عبارة توحي بأن هناک أراضي غير محتلة ،أي أنها "إسرائيلية "بالأساس (28).

            في الوقت الذي يطلب فيه الأمريکيون من الدول العربية والإسلامية تغيير المناهج التربوية بإقصاء الآيات القرآنية التي تحض علي الجهاد باعتباره دعوة للعدوان کماذکرنا سابقا فإن الثقافة الجماعية الأمريکية المتمثلة في الأفلام السينمائية وهي إحدى وسائل التربية الاجتماعية والمرايا التي تنعکس من خلالها الاتجاهات الثقافية والأعراف في المجتمع ويتعلم الصغار والبالغون اتجاهات  وأعراف سلوکية عدوانية من هذه الأفلام ،فالبطل في التعليم الأمريکي هو من   ممارس العنف ويحسم صراعاته خارج القانون والأخلاق ،کما أن الفيلم الأمريکي مليء بإحداث السرقة والکذب والنشل والقتل والإرهاب والأعمال اللاأخلاقية ،کما تتصوره السينما أحياناً بأنه خارق للعادة ومنقذ من الهلاک في لحظة اليأس ، کما أنه إنساني نبيل أمين صادق لا يخون ولا يغدر عاشق للحرية والمرح ،وفي هذه النوعية من الأفلام الموجه نجد الطرف المقابل أما هنديا أو عربياً أو مسلماً يتصف بصفات نقيضه لتلک التي يتمتع بها الأمريکي ، فغير الأمريکي عندهم هو متخلف جبان غدار متوحش إرهابي مستبد..الخ

            هذه القائمة الطويلة من السلبيات والصفات اللاإنسانية ،والأفلام الأمريکية هي نتيجة التراکم التربوي الذي يتعلمه الأمريکي في المؤسسات التربوية ليصبح الفيلم فيما بعد هو نفسه وسيلة تربوية .

            هذه الصورة ليست قاصرة علي السينما بل نجدها في المناهج التربوية والإعلام الأمريکيين اللذين يکونان أسس البيئة الثقافية في کل مجتمع ،وأن السلوک الفردي هو نتاج لهذه البيئة ،ومن ثم فإن الأمريکيين تربوا علي العدوان والنزعة الاستعلائية التي تمجد العدوان وتعتبره من البطولة من خلال بيئتهم ، إذ أن علماء النفس التربوي يرون أن هناک جانباً کبيراً من العدوان يتعلم من البيئة الاجتماعية.

            لم يکن هدف العولمة هو الغزو الثقافي فقط مرورا بتغيير المناهج التربويةوإنما کان هدفها الأکبر هو طمس الهوية العربية أو تلهث وراءها ، لأن العولمة هي مخطط يستهدف - بوعي وقصد - اجتياح العالم وتهديد الثقافات المحلية الأخرى من أجل تثبيت الهيمنة علي مستويات متعددة .

            لقد صنعت القوة والغطرسة الأمريکية مفهوم العولمة بشکلها الحالي الداعي إلي إلغاء الهوية حيث جعلت العالم يخوض مجابهات لم يعرفها من قبل بسبب الإسقاط المستمر لحدود المکان والزمان ،فأصبحت الجغرافيا السياسية والثقافية مهدده في خطوط تقسيمها باعتبار أن هذه العناصر تعني السيادة الوطنية بمعناها السياسي والنفسي والتربوي ،ورغم وهمة هذه الحدود في کثير من الأحيان إلا أنها کانت تؤدي وظيفة الإحساس بالانتماء والتمايز عن الآخرين بقصد تکوين علاقة واضحة بين الذات والغير ،ومن هنا يأتي دور التربية والتعليم في ترسيخ الوعي بالهوية المحلية ،وقبلها الهوية العقدية في ظل تشابک العلاقات أومايسمي بالعولمة وما بعد الحداثة.  

        إن العولمة أصبحت اليوم محکومة من خلال عسکرة العالم أمريکيا،حيث أصبحت القوة وتکثيف الأجهزة الأمنية سبيلا لمساندة العولمة الاقتصادية والعولمة التربوية ،بل وفرضهما کونية ،مما يوجب علي العالم الإسلامي المبادرة من أجل بناء تربوي متماسک يقومعلي رکيزتين أساسيتين هما العقيدة والهوية حتى لايتأکل هذا العالم أو يذوب في خضام العولمة(29)

       إن التدخل الأمريکي في المناهج والمؤسسات التربوية بعد الحادي عشر من سبتمبر کان بناءً علي خلفية أن المناهج الإسلامية إرهابية حسب الرؤية الأمريکية وذلک باعتبار أن الفرد ما هو إلا نتاج بيئته الثقافية والتربوية والاجتماعية لدرجة جعلت الجمعيات الأمريکية تعارض مجرد تدريس کتاب عن القرآن الکريم لمؤلف أمريکي بسبب هذه العقدة،مما حدا بوسائل الإعلام الأمريکية التعرض لهذه القضية باعتبارها تحد من الحرية الدينية في مقابل الحرية الأکاديمية وتمس أيضا صورة وحقوق الأقلية المسلمة الأمريکية.

        ولقد انتقلت الکثير من مميزات المؤسسات الاقتصادية التي تتخط حدود الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأمريکية إلي المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية ،وأصبحت هذه القوة الاستخرابية ترغب في أن تستمر الجامعات (وکذلک المؤسسات التربوية الأخرى ) في العالم الإسلامي کفروع تابعة للمؤسسات الرئيسة في الغرب،ليس من حيث الطرائق فحسب بل من حيث المناهج في أدق تفاصيلها،وبهذا أصبحت القوة الأمريکية تحدد أولويات التطور الثقافي والتربوي في المجتمعات العربية والإسلامية، أصبحت المناهج التربوية والتعليمية والسلع الثقافية لا ترتبط باحتياجات المجتمعات الإسلامية،بل أضحي المطلوب رسمها دون أي اعتبار قيمي لأهميتها أولمرکزيتها في التربية في العالم الإسلامي باعتبارها حسب الرؤية الأمريکية لا تتوافق مع المفهوم العولمى للسلام وتغذي الإرهاب الدولي(30)

        لقد بدأ عهد جديد من الإستخراب التربوي يخالف ما کان عليه الإستخراب في عهد الاستعمار المباشر خلال القرنيين الماضيين، ففي عهد الاستعمار المباشر کانت المعونة تمثل سيطرة وليست تعاوناً لأنها لم تمنح تبعا لاحتياجات البلد الذي يطلبها،إنما تمنح تبعا لبرنامج يستعان فيه بخبراء الدول المانحة.أما الإستخراب المعاصر الذي تهدف إليه العولمة فإنه يوصي بخطط تربوية دون تقديم أي شىء سوي الوعيد بتقويض هذا النظام أو ذاک.

            وفي عهد النظام القديم أيضا اعتبرت الجامعة قمة هيکل التبعية في المجال الثقافي لأنها احتکرت تخريج الجيل الأول من صفوة السياسيين ورجال الحکومة في مستعمرات أفريقيا أسيا - أمريکيا اللاتينية - باعتباره هيئة ثقافية ذات تأثيرات سياسية واقتصادية مثله تماما ًمثل هيئة الإذاعة البريطانية والشرکات التجارية متعددة الجنسيات،أما في عهد الإستخراب الجديد "العولمة"فقد أصبحت منظمة الکومنولوث البريطانية ورابطة الفرانکفونية والهيمنة الإعلامية الأمريکية تعد امتداد للسيطرة الثقافية والتربوية والتعليمية فصوت أمريکا  وإذاعة سوا وما ينشر علي شبکة المعلومات الدولية "إنترنت" وکذا التليفزيون الذي أنشأته الولايات المتحدة باللغة العربية وقناة الحرة الفضائية ، کل هذا يدور حول محور الإستخراب الثقافي وهو إحدى تجليات العولمة المعاصرة ، فکما تحاصر اللغة العربية في الجامعات مقابل زحف اللغة الإنجليزية ، وفي ظل تغييب ابن جني ،ابن خلدون، وأبن رشد يتم تعميم فکر دورکايم جان بياجية،وديکارت ليحاصر الخبر والصورة في وسائل الإعلام، وکل هذا ينبع من خلفية التحيز الثقافي لأن بعض خبراء هذا الفکر الغربي اکتشف في التربية والتعليم طريقة ذکية للاستثمار الاقتصادي وليست ظاهرة معرفية وثقافية فحسب وتحاول الولايات المتحدة الأمريکية استغلال المجال التربوي والإعلامي لغايات السيطرة والاحتواءوميدان خصبا لمحو الفکر والتوجيه اللأخلاقي،وبهذا يتمتهميش التربية والتعليم من الاتجاه التثقيفي إلي التدريب الموجه السالب لإرادة الشعوب ،وهذه من أخطر تجليات العولمة التي يجب صدها،لقد أصبحت المساهمة الإيجابيــة - حسب المفهوم الأمريکي - في مجال التعليم في العالم الإسلامي ترتبط بعملية "علمنة"التعليم وتجريده من البعد الديني والأخلاقي وليس الأمرمقتصر علي المناهج التربوية لکنه مرتبط بالإعلام والقضاء والدستور والقوانين والسينما والصحافة وخطب الجمعة ،بل والنظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي،وکل شيء في الحياة،لأن التربية هي الحياة (31)

 

ثانيا : موقف الإسلام من العولمة: 

أ  -  الإرهاب بين الإسلام والعولمة :

1 - الإسلام دعوة للسلام لا للارهاب :

            إن الدعوة إلي السلام في العالم هي دعوة الإسلام،قبل أن يوجد نظام العولمة،وقبل أن تلتزم دول العالم بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة سنة1948م بعدم الاعتداء وبحل المنازعات بينهما بالطرق السلمية،فقد أمر الله المسلمين أن يتجهوا إلي السلم إذا رأوا من أعدائهم ميلا إليه،ودعا إلي الاستجابة لدعوة السلام إذا صدقت نية الطرف الآخر في التوصل إليه،يقول تعالي : "  وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکَّلْ عَلَى اللّهِ " (32) ( سورة الأنفال ، 61) 0

            وينبه الله المؤمنين إلي الحذر من خديعة العدو: " وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوکَ فَإِنَّ حَسْبَکَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ " (33) ( سورة الأنفال، 62)

            فالإسلام بذاته دعوة للسلام،السلام داخل المجتمع الواحد،والسلام بين المجتمعات المتعددة والمختلفة الأعراق واللغات والثقافات والعقائد.

            ولم يرد لفظ الحرب في القرآن الکريم مقرونا بالدعوة إليها أو تمجيدها،بل جاء ذکر الحرب بأوزارها حين تفرض علي المسلمين قال تعالي : " حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا"(34) ( سورة محمد ، 4) وقال تعالي في وصف الخارجين علي المجتمع والذين يروعون الناس بغير حق ويجترئون علي أحکام الشرع بأنهم "يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ " (35) ( سورة المائدة ، 33)

            وهکذا لم يجعل الإسلام الحرب - وهي ظاهرة اجتماعية قديمة فـي التاريخ - وسيلة لتحقيق الخير أو حتى النفع الحقيقي للإنسان ،واستبدل الإسلام بالحرب مفهوما أسمي وأرقي هو مفهوم الجهاد ،وهو مفهوم يتسع لبذل الجهد في مقاومة کل شر وعدوان،بدءا من شرور النفس وانتهاء بدفع العدوان وطلب تحقيق العدل والإحسان علي الأرض وعلي الناس ،والجهاد ليس حرباً يشنها المسلمون علي غيرهم بدافع السيطرة ومد السلطان وإذلال الآخرين واکتساب المغانم ،إن الجهاد في الإسلام له مفهوم ينفي العدوان وينکر التوسع والسيطرة للاستعمار علي الناس بالقوة،وهو لا يبيح للمسلم أن يعرض نفسه للهلاک أو يقصد إهلاک غيره إلا وفق قيود الشرع ،التي تحدد أسبابا يکون فيها الجهاد ويکون منها القتال مشروعاً،فالإسلام لا يعرف الحرب التي يکون الباعث عليها مجرد العدوان (الحرب الأستباقيه) وطلب المغنم ،والتي يحتکم فيها إلي القوة وحدها ،وإنما يعرف ا لقتال دفاعا عن النفس وعن الدين وعن جماعة المسلمين إذا حيل بينهم وبين عبادة الله وحده والدعوة إليه.  

            إن مفهوم الجهاد في الإسلام يستلزم أن تکون الحرب مشروعة،ومشروعية الحرب لتتأتى بحسب أحکام الشرع الإسلامي إلافي حالات محددة ووفق ما يجيز الشرع من إجراءات لإعلان الحرب،وتحديد مدى أثرها وتقييده لشرورها ، ومن ثم فإن الحرب قد تکون دفاعا عن النفس ورد العدوان لقوله تعالي : " أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ "(36) (سورة الحج ، 39 ) وقوله " وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَکُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (37)  ( البقرة، 190 )

            کما تکون لنقض المعاهدات ونکث العهود ،والکيد للإسلام والمسلمين.يقول سبحانه وتعالي "وَإِن نَّکَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِکُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْکُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ(38) ( التوبة، 12 )

            وإن فتنة المسلمين عن دينهم والسعي بالفساد بينهم وتهديد سلامة المجتمع والدولة الإسلامية مما يجيز القتال درءا للفتنه،يقول الله تعالي : " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَيَکُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (39) (البقرة، 193 )

            ولم تخرج غزوات المسلمين والحروب التي خاضوها في العهد النبوي وعصر الخلفاء الراشدين عن هذه الحالات داخل شبه الجزيرة أو خارجها:مع اليهود في داخل شبه الجزيرة أو الروم والفرس خارجها.

         هذا هو مفهوم الجهاد في الإسلام،وهو مفهوم يختلف عن مفهوم الحرب بمعناها الواقعي قديماً وحديثا،فمفهوم الجهاد يجعل السلام هوالحالة الدائمة والثابتة في علاقة المسلمين بغيرهم،ولا يکون القتال إلا الاستثناء الذي أن يتوفر سببه وحکمته.

            ويوصي الله حتى في حالة الجهاد والحرب المشروعة أن تکونالحرب معلنة وليست غدراً بالآمنين والمسالمين ،وأن يقلل من شرورها،لقد نهي عن قتال من لا يقاتلون من الشيوخ والعجزه والنساء والأطفال والرهبان المنقطعين للعبادة،وحرم الله صور القسوة والوحشية التي لامبرر لها،مثل التخريب الشامل للعمران،وحرم أن تنتهک حرمة الآدمي حياً أوميتاً،کالاعتداء علي الجرحى أو الأسرى أو التمثيل بجثث الأعداء کما يحدث اليوم في سجون العراق وبالتخصيص سجن أبو غريب، والسجون الإسرائيلية التي تمثل الأسرى الفلسطينيين، وکذلک  ما يحدث في سجن جواتناموافي کوريا کل ذلک شرع الله مراعاته من قبل المجاهدين،فکان بذلک ما نسميه "آداب القتال أو قانون الحرب في الإسلام. إن الجهاد في الإسلام وما يتبعه من  قتال لا يصح أن ينال المدنيين المسالمين،ولا يجوز أن يکون فيه دمار شامل للإنسان أو الأشياء النافعة للإنسان.

            وهکذا کانالحال في الإسلام منذ أکثر من ألف وأربعمائة  عام وهو  ما لم تتوصل إليه بعض المواثيق الدولية،کمعاهدة جنيف الرابعة التي صدرت عن المنظمة الدولية عام 1949م التي تحمى المدنيين من ويلات القتال،وتحدد حقوق الأسري والمقاتلين ومن ثم فإن الإسلام ليس له علاقة بالإرهاب الذي ينسبه الغرب الأوربي ظلماً وعدواناً للإسلام اليوم .    

            ففي السنوات العشرين الأخيرة ظهرت ظاهرة الإرهاب ، واستأثرت باهتمام المجتمعات والحکومات ،وتنبه العالم عن طريق منظماته السياسية والأمنية إلي مخاطر هذه الظاهرة التي شملت کثيرا من بلاد العالم. ولم يسلم من شرورها سوي مجتمعات قليلة،ومع ذلک وبسبب ظروف سياسية وجهود إعلامية موجهة، حاولت بعض الجهات أن تصل مابين ظاهرة الإرهاب ومابين صحوة إسلامية بدأت في العقود الأخيرة من هذا القرن الميلادي.ومن المحزن أن بلادا إسلامية أوقفتها ظروفها السياسية تحت سيطرة الأجنبي أوسادتها الفتن والقلاقل بسب العجز الاقتصادي أو التخلف الثقافي أو الفتن الخارجية تعاني وجود هذه الظاهرة مما ساعد أعداء الأمة الإسلامية علي الادعاء بأن الإرهاب له أصل ديني وأنه نتاج الصحوة الإسلامية،مع أن الظاهرة ليست خاصة بالمسلمين بل ربما کانت في بلادهم - مع خطئها وإدانتها إسلاميا - اقل من وجودها وظهورها في المجتمعات غير الإسلامية،کما دلت علي ذلک إحصاءات دولية0

            إن الإسلام وفق أصوله ومبادئه الکلية يعتبر الأمن من أجل النعم علي الإنسان : أمن الفرد علي نفسه ودينه وعرضه وانتفاء الخوف من العدوان علي ضروريات حياته وحاجياتها .فالإسلام يدعو للحفاظ علي الکليات الخمس للإنسان (النفس - والعرض - والمال - والوطن - والدين ) لقول النبي صلي الله عليه وسلم : " من قتل دون نفسه فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ومــن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أرضه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد " . وفي القرآن الکريم بيان أهمية الأمن وأنه نعمة من الله تقرن بنعمة الطعام الذي يحفظ حياة الإنسان ،وأن النعمتين مما تستوجبان عبادته وحده لاشريک له .يقول الله تعالي : " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ  " (40) (قريش: 3 ، 4)

            ويحرم الله العدوانعلي النفس الإنسانية ،ويجعل القتل العمد من أشد الجرائم إثما وبغيا،ويبين أن قتل فردا واحد بمثابة قتل للجنس البشري کله ،يقول تعالـي : "أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً " (41) (المائدة،32) ويحفظ الشرع الإسلامي حرمة الجسد الإنساني ،فلايجوز العدوان عليه ولاإتلافه ولا استخدامه في غير ما شرع له،وهو العبادة والسعي في الأرض بعمل الخير .ويحفظ الشرع الإسلامي نفس الإنسان وجسده ويکفل حماية عقله ودينه وعرضه وماله  بما فيه من عقوبات زاجره عن العدوان علي هذه الضروريات في حياة الإنسان جسدا ودينا وعقلا ونفساً في شريعة القصاص وفي الحدود التي تواجه جرائم الاعتداء علي الدين والنفس والمال والشرف . ومن ثم فالإرهاب هو عدو الأمن- أمن الفرد وأمن المجتمع - وعدوان علي نعم الله الجليلة علي الإنسان ،وهو إذا ظهر في المجتمع عطل طاقاته وأسلمة إلي التخلف ،لأن الخائف لا يأمن إذا عمل أن يضيع عمله هباءاًفالأمن لازم لتقدم المجتمع المسلم في دينه ودنياه (42)

            لقد کانت الفتنه الکبرى في التاريخ الإسلامي بسبب الإرهاب ،وأول المجتمعات التي عانت من الإرهاب هو المجتمع المسلم بالذات ،قتل ثاني الخلفاء الراشدينعمر بن الخطاب رضى الله عنه غيلة وغدراً علي يد مجوسي حاقد علي الإسلام والمسلمين ،وکذا قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه علي يد فئة خرجت علي الشرع الإسلامي وانتهکت محارمه بقتل أمام المسلمين وصاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة ،واقتتل المسلمون مع الخوارج الذين ناصبوا الخليفة علي بن أبي طالب العداء علي الرغم من محاولة نصحهم وهدايتهم إلى الحق ،وقتل هؤلاء الخوارج الإمام علي وأوغلوا في دماء المسلمين ،فکانت الفتنة الکبرى التي بدأت في القرن الأول الهجري ومازالت أثارها في العالم الإسلامي حتى اليوم صنعها الخوارج وغزاها أعداء الإسلام والمسلمين خلال مسيرة التاريخ الإسلامي حتى تفرقت الأمة الواحدة إلي شيع وأحزاب کلهم علي ضلال إلا الفرقة الناجية التي تسير علي ماکان عليه الرسول وأصحابه خيار السلف في هذه الأمة.

            إن الإرهاب - وهو مرفوض في الإسلام رفضا حاسما - ينتسب من يمارسونه أحيانا إلي الإسلام ، بل يتظاهرون بالغيرة علي الدين وعلي حقوق المسلمين ، وقد يتجاوزون الحد في اتهام المسلمين أفراداً وجماعات بالمروق من الدين ويستحلون دماءهم وأموالهم وأعراضهم،وهکذا فعل أجدادهم من الخوارج حين اتهموا عليا رضي الله عنه بالخروج من الدين واستحلوا قتله أمام المسلمين بعد أن بايعه الناس،وبذلک وجهوا إرهابهم إلي المسلمين کافة وإلي أئمتهم خاصة.

            ولقد قاتلهم أمام المسلمين ليحفظ أمن المجتمع وحياة المسلمين حتى قضي علي فلولهم ،وهذا واجب کل إمام مسلم ،لاسيما في هذا العصر الذي ينسب فيه غير المسلمين کل إرهاب وإخلال بأمن المجتمعات إلي فعل المسلمين أو توجيهات الإسلام،مع أن الشرع الإسلامي وتوجيهاته هي أقوم السبل في مواجهة جرائم الإرهاب. (43) 0

            لقد حفظ الإسلام أمن المجتمع المسلموالمجتمعات الأخرى، فلم يشرع القتال إلا دفاعا عن الدين والنفس وحفظ المجتمع من الفتنة ،وأمر بطاعة أولـــي الأمر .قال تعالي : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنکُمْ  "(44) (النساء،59)

            ولا يجوز في الإسلام  أن تخرج طائفة من الناس علي أ من  المجتمع وتهدد استقراره أو تنتزع يدها من بيعة الطاعة ،بل لقد أمر الرسول صلوات الله عليه وسلامه بالطاعة حتى ولو ظهر في المجتمع ما يعد منکراً ، مادام يجري التصدي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنکر من العلماء والأمراء، أو بإنکار عامة الناس،ومادام المجتمع المسلم يتمتع بحقه في عبادة الله وحدة وتظهر فيه شعائر الإسلام،ويوجد فيه الحاکم المسلم الذي يحفظ الدين ويحمي أرض الإسلام ومصالح المسلمين،فلاخروج عن الطاعة من الفرد أومن طائفة الناس تروع الآمنين وتنشر الخوف والفزع بين المؤمنين.لقد ذکر الله الخارجين عن الطاعة،وجعلهم محاربين الله ورسوله وحدد عقوبتهم بخسرانهم في دينهم ودنياهم يقول تعالي : " إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِکَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " (45) ( المائدة،33) 0

            وهکذا وضع الإسلام الإرهاب في عداد أعظم الجرائم: محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض فساداً،وأوجب علي ولي الأمر أن يتصدي له حفاظا علي الدين وعلي حياة المسلمين،ولاحق لفرد أو جماعة،   تدعي علي الأفراد أو علي المجتمع ولاية لاحق لها فيها. وأن تکفر غيرها أو تقيم حداً من حدود الله مع وجود الولاية الشرعية للحاکم المسلم،فالإسلام يقيم مجتمعآمناً مستقرأً بعيداً عن کل ما يهدد الناس ويروعهم،ويصلح المجتمع إذا ظهر ما يعد منکراً من الفرد أو طائفة من الناس تأمر بالمعروف وتنهي عن المنکر،وبإقامة حدود الله علي يد الحاکم المسلم،وطبقا لحکم الشرع، ولامجال في الإسلام للخروج علي المجتمع أو التسلط علي الناس والإخلال بالأمن بحجة الغيرة علي الدين أو الرغبة في الإصلاح ،وهو ما يدعيه الإرهاب في هذا العصر،وأصحابه هم شر خلف لشر سلف في تاريخ الأمة الإسلامية. 

2- العولمة هي السبب الرئيسي للإرهاب :
            ترجع جذور علاقة المسلمين بالعولمة إلي الصراع والاحتکاک والتفاعل المستمر تاريخيا والذي أخذ أشکال متعددة تبدأ من التبادل الثقافي إلي الحروب الصليبية ، وحتى الاستعمار الغربي والهيمنة الرأسمالية الحديثة. فالعولمة لدي المسلمين هي مشروع غربي للهيمنة، ومن هذا المنظور يتم تحليل وفهم العولمة، ومن ثم التعامل معها ، إن النظرة الإسلامية للعولمة هي امتداد للبحث عن کيفية التعامل مع الغرب من خلال تأکيد الهوية الإسلامية. فالفکر الإسلامي الحديــث - لولا خشية المبالغة والإطلاق - کله حوار وصراع مع الغرب. ومما تجدر الإشارة إليه أنه قبل انتشار العولمة - کمفهوم أو عمليات - بدأ المسلمون - في تأکيد هويتهم المتميزة مع شعورهم المتزايد بجاذبية وقوة الحضارة الغربية ، ومن ثم بدأ التفاعل الذي أعتبره المسلمون هجمة غربية أو مشکلا جديدا للحروب الصليبية التي يري البعض أنها لم تتوقف أصلا. وقد أظهر النقاش أن الفکر الإسلامي يهتم بنظرة الغرب له. لذلک ظل لفترة طويلة کما يقول المسلمون - في مرحلة الرد على اتهامات الغرب - ومحاولة إظهار الصورة الإيجابية للإسلام . ويجمل أحد الکتاب التحديات التي حاول الفکر الإسلامي الرد عليها ودحضها في عدد من القضايا أهمها :

1  -   إن الغرب لم يتقدم إلا حين تخلص من سلطان الدين علي العقل وحکمالعقل في کل أمور حياته،وأجمع المفکرون الإسلاميون علي رفض تطبيق         هذا الشرط علي النهضة الإسلامية بسب الفرق بين الإسلام وفکرالکنيسة  المسيحية في الغرب.

2  -  فصل الدين عن الدولة،واتهام الإسلام بالنظام الثيوقراطي .

3  -  ماضوية الإسلام .(عدم صلاحيته للعصر الحديث )

4  -  موقف الإسلام من قضية المرأة وتعدد الزوجات.

5  -  عدم إلغاء نظام الرق.

6  -  الاتهام القائل بقسوة وهمجية أحکام الإسلام ممثلة في الحدود.

7  -   اتهام الإسلام بالرأسمالية لسماحه بالملکية الفردية وحرية التجارة. 

8  -  رفض الإسلام للقومية والوطنية بسبب عالميةالمجتمع 0

9  -   اتهام الإسلام برفض الديمقراطية.

            إن هذه القضايا - الاتهامات - ظلت محور الخلاف والتمايز بين المسلمين والغرب منذ نهاية القرن الماضي،ولکنها الآن أکثر حدة تحت مسميات جديدة مثل العقلانية  والعلمانية وحقوق الإنسان والمساواة والتسامح والتعددية(46)

       إن أنصار العولمة - وخاصة أمريکا- يزعمون أنها إنقاذ للبشرية من مشکلاتها الاجتماعية والاقتصادية أولاً ؛ وإنقاذ للأمم من الفقر0 ثانيا ؛ أنها دعوة صريحة للديمقراطية0 ثالثا ؛ لکن الأمر المؤکد أن العولمة لا تهدف إلي ذلک بل تهدف إلي بسط الهيمنة الأمريکية،فالعولمة والأمرکةوجهان لعملة واحدة .

            ففي المقام الأول ؛ نجد الواقع عکس ذلک تماماً،لأن المجتمع الأمريکي لا يملک من القيم ما يحصله منقذا للبشرية بل إن المجتمع الأمريکي تنتشر فيه کل أنواع الرذيلة ووسائل دمار القيم والأخلاق .

       وفي المقام الثاني ؛ وهو إدعاء إنقاذ الأمم من الفقر،فلنأخذ مثلا علي ذلک "اليمن" التي دخلها صندوق النقد الدولي - مخلب الأمرکة - وخلال مدة قصيرة ارتفعت الأسعار وانخفض مستوي دخل الفرد وأرتفع سعر المحروقات بسبب تطبيق وصفات هذا الصندوق ومنها رفع الدعم عن المواد الأساسية،والمحصلة ارتفاع ديون اليمن إلي أکثر من38 مليار ريال يمني عام 2001م.

       کما بلغ عدد الذين يعانون الفقر في العالم مليار ومائتي مليون شخص  فشلت قمة جوهنسبرج عام 2002م في إنقاذهم،کما أن ربع سکان العالم بدون کهرباء،وأن أکثر من مليار ونصف نسمة يعانون عدم توافر الماء،بينما لا يتوافر لثلاثة مليارات أخري الاحتياجات الصحية ،وجميع ذلک ضرورة لمحاربة الفقر إن کانت العولمة جادة في حربه.

        وفي المقام الثالث :وهو الديمقراطية ،فإن الديمقراطية التي يريدوها أنصار العولمة هي التي تخدم مصالح  العولمة "الأمرکة" ولا تفرز أو تخدم توجهات الأمة الحقيقية،وما حدث في ترکيا والجزائر ما هو إلا مؤيد لما يريدوه المتعلمون،رغم أن الديمقراطية الغربية أبرزت فاشين في النمسا وغيرها،بل إن الواقع يؤکد أن أمريکا نفسها بدأت تتراجع عن بعض أفکارها الديمقراطية بوضع العراقيل أمام حرکة الأموال والأشخاص،وبدأت تقيد الحرية وتضيعه علي الديمقراطية لأنها لا  تخدم مصالحها أحياناً کما يحدث في العراق الآن.وفي کلمة موجزة فإن "العولمة أو الأمرکة " تنتج الصراع وتزيد من حدته،  وإلا لم  تکن العولمة أمريکية لکان هناک حل للحروب والمجاعات والمقاطعات الظالمة والفقر والدمار والتشريد(47)

            لقد ساهمت العولمة الأمريکية في نشر الجريمة العالمية علي عدة أصعدة،وکان أهم عامل لهذا الانتشارهو انحسار الحدود القومية التي کثفت التجارة غير القانونية "التهريب"مع سهولة تحويل رأس المال،کما أدي التقدم التقني إلي تسهيل تبادل المعلومات الإجرامية خلال ثواني قليلة ،کما ازدادت أرباح تجارة مخدر الهيروين خمسين مرة خلال العقدين الأخيرين نتيجة سياسة إلغاء الحدود وإزالة الحواجز بالإضافة إلي انتشار الأسلحة وسرعة الحصول عليها.

         وهذه الولايات المتحدة التي تفتخر بديمقراطيتها تفوق العالم في مجال الجريمة حيث أن نسبة 2% من الشعب الأمريکي أما قابعون تحت السجون أو تحت إجراءات حسن السلوک.وعلي سبيل المثال لا الحصر مقاطعة کاليفورنيا التي تفاخر بقوتها الاقتصادية السابقة في العالم قدر إنفاقها علي السجون بقدر ما تخصصه لميزانية التعليم.

         ويبلغ ما تنفقه الحکومة الأمريکية علي السجين سنوياً مقدار کلفة الدراسة في جامعة هارفارد المعروفة.إن من السخرية أن أغنياء العولمة يعيشون في سجون من صنعهم أيضاً حيث أن ما يراوح من 28 مليون أمريکي يعيشون في مساکن محروسة بکل وسائل التقنية الحديثة من أسلحة وکاميرات وغيرها والسبب في ذلک عدم الاطمئنان جراء الجريمة المستفحلة(48)

        وفي أوربا فقد أرتفع عدد السجناء في ألمانيا ما بين عام 1992م 1996م بنسبة 25% وفي بريطانيا بنسبة 75% (49)

سلبيات العولمة :

            إن أحد الأسباب الرئيسة لانتشار الجريمة هو افتقاد العدالة وتفاقم البطالة وانتشار الفقر واندثار الطبقة الوسطي التي تشکل البنية الأساسية لتحقيق التوازن الاجتماعي ، فالعولمة لم تفشل في تحقيق النمو والحد من البطالة فحسب بل ونسفت المکاسب الاجتماعية القديمة ورقت بفئات اجتماعية متعددة کانت تحظى بمستوى اجتماعي مستقر إلي هوة البطالة والفقر ،وأن أکثر النتائج السلبية خطراً هو القضاء علي الطبقة الوسطي النشطة والنواة الصلبة للمجتمعات الکابحة لتيارات الغلو والتطرف والسند القوي لدولة القانون والمؤسسات(50) تهدف العولمة في شعاراتها إلي تشکيل العالم ضمن نظام عالمي موحد ينسجم في وحدة متلاحمة.لکن من خلال ما أفرزته فأنها لم تخلق إلا الفوضى العالمية.ذلک أنها لا تريد أن تحقق من خلال التوحيد العالمي إلا مصالح آنية ترفع الأرباح في سوق الأسهم وليس لها أهداف بعيدة المدى تخدم الجنس البشري.إن الرأسمالية إذا ما أديرت بافتراض أن نظرية القطاع الخاص هي المبدأ بزعم أن حرية مطلقة دائما ستفضي إلي رفاهية الکل فإنها ستؤدي حتما إلي حروب أهلية،والعديد من المجتمعات يعيش اليوم نوعا من الفوضى الاقتصادية حيث ينتج العمال مالا يستهلکون ويستهلکون ما لا ينتجون(51)

            لقد تحولت العولمة إلي صراع محموم بين النخبة للمنافسة والوصول إلي أکبر رقم تتکاثر فيها الأصفار هذا الصراع هو نقطة انشقاق وشرخ ونقص لمصداقية هذه النظرية إن معيار العولمة ومحورها هو المصالح وليس التقارب الأيديولوجي ويتجلى ذلک داخل الإطار الرأسمالي نفسه مثلا بين الولايات المتحدة الأمريکية وفرنسا صراع يدور کل منهما في العولمة إذ تسعى فرنسا لإحياء ونشر اللغة الفرنسية لئلا تؤدي العولمة إلي طمسها وأفراد اللغة الإنجليزية بقيادة الإعلام والثقافة في العالم.إن الخلافات داخل المنظمات الدولية والتجارية في جوهرها صدمات مصالح اتخذت طابع الحروب التجارية وإن اتحدت المبادىء (52)

            ويوم بعد يوم يزداد الظن قوة علي تزايد الانعزال والتقوقع الذي اتخذته الجماعات الدينية و الإيديولوجية والقومية العنصرية للدفاع عن نفسها في مواجهة غزو العولمة،ولاشک أن ازدياد حرکات العنف والتطرف والحروب في العراق وأفغانستان وفلسطين بالإضافة إلي الحروب الأهلية والدعوات إلي استقلال الأقليات في " کانتونات " ودول صغيرة هي مؤشر علي مزيد من الانقسام  والفوضى والتفکک في عالم أصبحت قيد العولمة هي المسئول الکبير علي انتهاک ابسط الحقوق الإنسانية وقواعد القانون الطبيعي.فکيف يمکن أن نري العالم من خلال قيادة النخبة المبشرة بعالمها الوردي الخاص ؟ 

3  - ما المخاطر والتحديات التى تواجه المجتمع العربى من آثار العولمة :

            علي ضوء ما سبق يتضح لنا أن أمتنا العربية والإسلامية تواجه اليوم والسنوات القادمة تحديا سياسيا واقتصاديا وحضاريا هائلا ويتقرر في ضوئه مصير تلک الأمة الإسلامية. وحدة أم تمزق ، قوة أم ضعف .وفي مثل تلک اللحظات المصيرية لابد أن تتجه الأمم والشعوب إلي نظمها التربوية تبحث فيها عن أسباب الأزمة،وتلتمس من خلالها تغيير تلک النظم التعليمية وسائل تجاوزها - وهناک في عالمنا العربي والإسلامي اليوم ما يشبه الإجماع -علي فشل نظمنا التربوية الحالية في تحقيق آمال الأمة في التعليم وهو إجماع يشترک فيه رجل الدولة ورجل الشارع علي السواء،ولکن هذا الإجماع يقابله اختلاف في الرأي حول کيفية العلاج التربوي لمؤسسات هذه الأمة.ويظن  البعض أن کل  ما يحتاجه التعليم في الأمة الإسلامية هو نوع من الإصلاح التربوي يتناول هذا الجزء أوذاک من النظام التعليمي: - المناهج - إعداد المعلم،المباني المدرسية،الإدارة،التمويل،ويمکن أن يتم هذا الإصلاح وفق أولويات محددة، وهناک الکثير يرون أن الثورة التربويةالحقيقية لا تأتي في ظل أوضاع ثابتة بل تحتاج إلي ثورات جذرية داخل المجتمع بحيث يعکس التعليم الجديد روح الثورة السياسية والاقتصادية داخل المجتمع.ولکن رغم اختلاف الاجتهادات حول الإصلاح التربوي المنشود في مصر فإن دعاة "التربية الإسلامية هي الحل " وإن کانوا يمثلون القلة حتى الآن وخاصة في الدوائر العليا وبين أصحاب القرار التربوي في البلاد إلا أنه صدي يستحق التأمل والدراسة،ذلک لأن "الحکمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أولي بها ".

            ولأن هدف التربية الإسلامية هو تربية إنسان عابد عامل طائع مؤتمر بأوامر الله منتهى عن نواهية.لأن الإنسان مستخلف لله في الأرض بما يتطلبه هذا الاستخلاف من الکدح المستمر في سبيل أيجاد نوعية راقية من الإنسان. راقية من الناحية الجسدية والعقلية والروحية والمهنية والحرفية وهو إنسان أنتجته التربية الإسلامية في عصورنا الزاهرة ومازالت قادرة علي إنتاجية اليوم إذا قدر لها أن تطبق في مؤسسات تربوية معاصرة(53).

            إن غياب النظام التربوي الإسلامي هو المسئول عن وجود تلک الدول والدويلات القومية التي وضع حدودها أعداء الأمة الإسلامية،في مرحلة الاستعمار بحيث تکون هناک دائما صراعات علي الحدود وعلي الموارد القومية.وبحيث تظل هذه الکيانات المصطنعة غير قادرة علي الوحدة بل سوف تشلها دائما خلافات لانهاية لها علي مسائل وحدود وطرقات ومياه ونفط.....الخ  لأن کل کيان من هذه الکيانات سيکون أضعف من تحدي الغرب وأمريکا وإسرائيل فإن هذا سيضمن خضوع تلک الکيانات لإرادة أمريکا.وإسرائيل لمدة نصف قرن علي الأقل.وسوف تظل تلک الکيانات تحت رحمة الهيمنة الأمريکية اقتصاديا ًوعسکرياً بل ثقافياً وحضارياً .

            إن غياب التربية الإسلامية في وطننا العربي والإسلامي هو الذي مکن لقيام الحروب بين إيران والعراق ثم بين العراق والکويت ودول الخليج ثم الهجمة الشرسة علي العراق من أمريکا وحلفائها بعد الحادي عشر من سبتمبر "أيلول" وجعل المسلم يقاتل أخيه المسلم ويحالف اليهود  وزعيمتهم  أمريکا.بينما يعادي إخوانه هنا وهناک أو علي الأقل يتجاهل مصيرهم ومصالحهم انشغالا بوطنيته الضيقة المحدودة التي لاتکفل له سواء التبعية .وفي غياب الدور الذي تقوم به التربية الإسلامية أمکن تقسيم العالم العربي الإسلامي إلي تلک الدول  والدويلات. بل أن هناک مخططات لمزيد من التقسيم التجزيء والتفتيت لهذا الوطن العربي الإسلامي.بحيث تکون هناک ثلاث دول في العراق ،أحدهما کردية سنية في الشمال وسنية عربية في الوسط وشيعية عربية في الجنوب ،وثلاث أو أربع دويلات في سوريا. منها واحدة درزية وثانية علوية وواحدة سنية ،وأربع أو خمس دول في لبنان،موزعة بين المورانة والمسيحيين الآخرين ودولة سنية وأخري شيعية،وسيکون هناک أردنيان،أحدهما للبدو والأخرى للفلسطينيين دون الحديث عن الضفة الغربية التي ستضمها إسرائيل.وقس علي ذلک مصر ودول المغرب العربي وأفريقيا إلي دويلات يمکن أن تقام من قبل تلک الدول والدويلات الموجودة حالياً(54) 0

        ومن ثم فإن غياب التربية الإسلامية الموحدة أمکن تثبيت دعائم تلک الدول والدويلات الحالية،ويمکن إقامة دولة ودويلات أخري في وطننا العربي الإسلامي،وفي غياب تلک التربية الإسلامية أمکن لأمريکا وحليفتها إسرائيل أن تفرض إرادتها علي دول أو دويلات المنطقة،وقد وضعت أمريکا خطط وهي آمنة لاحتلال مناطق النفط في وطننا العربي الإسلامي في حالة تعرضها لخطر يهدد مصالح الغرب وأمريکا.بل وصل الأمر إلي حد أن  إسرائيل نفسها وضعت خطة تسمي "خطة شارون لغزو دول البترول العربية"وذلک باستخدام القوة العسکرية لاحتلال منابع النفط عبر الأردن وتهجير الفلسطينيين من بلدهم إلي الأردن مع السيطرة علي منابع النفط في دول الخليج"الکويت والظهران السعودية"واستثمار ذلک سياسيا واقتصاديا وعسکرياً.وعلي سبيل المثال ما يحدث للعرق من قبل أمريکا وحلفائها اليوم.(55)

            وکذلک أمکن في غياب التربية الإسلامية ألا يعرف العالم العربالإسلامي الکثير عن الدول الإسلامية وخاصة إيران وترکيا  وباکستان وأفغانستان وماليزيا وإندونيسيا ...الخ فضلا عن الأقليات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.وقد أمکن أن تکون تجارة العالم العربي والإسلامي مع الغرب وأمريکا وحليفاتها إسرائيل بل ذکرت في قناة الجزيرة أن هناک معاملات تجارية بين بعض الدول العربية والإسلامية أکثر من 40%بمليارات الدولار مع إسرائيل وهذا يمثل خروجاً واضحاً عن تعاليم الإسلام التي تدعو إلي وحدة المسلمين وتعاونهم وتضامنهم.ومما حرم هذا العالم العربي والإسلامي من معظم مقدرات القوة التي يملکها والمکانة العالمية والفاعلية الحضارية التي کان يمکنه القيام به. (57)

        ولذلک أن مستقبل وطننا العربي والإسلامي مرهون بوجود تلک التربية الإسلامية الموحدة.التي تؤمن بوحدة هذا الإقليم کنواة صلبة لبعث الأمة الإسلامية الواحدة.وهي تربية تهتم بالفکر والتربية الإسلامية الذي يقود إلي مزيد من الإيمان ومزيد من العمران.وبدون تلک التربية الإسلامية فإن الوطن العربي سيظل لمزيد من التفکک والدمار والتبعية،مما يمثل خسارة عالمية لضياع الإمکانية الوحيدة لإنقاذ البشرية من سيطرة "القرصنة الأمريکية"بکل ما تمثله من جنون القوة وسيطرة المادة وانتشار المتع والرخص.  

            ومن ثم تأتي أهمية دعوة رجال التربية الإسلامية في تلک اللحظه التاريخية الحرجة من عمر أمتنا،بل وعمر البشرية کلها إلي ضرورة تکوين جماعة علمية تربوية نشطة تکون مهمتها الأولي هي تربية إنسان عابد عامل طائع مؤتمر بأوامر الله لکي ينقذ عالمنا العربي والإسلامي ومايعانية اليوم من حيرة ويأس من إيجاد عام إنساني فاضل تسوده قيم الحرية والعدل والمساواة والفضيلة.ولايمکن أن يتحقق هذا کله إلا في ظل ثورة إسلامية عالمية لا تستطيع القيام بها إلا أجيال التربية الإسلامية الحقه.(58)

4  -مواجهة المسلمون أخطار العولمة وتتضح على النحو التالى :- إذاکانت العولمة کما ذکرنا تعني عـولمة اقتصادية أولا تفرض عليالعالم الإسلامي فلابد أن يعمل المسلمون علي مواجهة هذه القوةالاقتصادية المفروضة من الغرب بقوة اقتصادية إسلامية متحدةمقابلة،وبذلک تکون الدول الإسلامية مشارکة في العولمة وليست دولا تابعة،ولذلک يکون المسلمون تأثيرا لا يمکن تجاهله علي اقتصاد العولمة،وتصحيح مسارها،لأن العالم الإسلامي يملک کل أسباب القوة الاقتصادية  فهو عالم غني بموارده الطبيعية،وموقعه الجغرافي المتميز وثروتهالبشرية ولا تنقصه الکفاءات العلمية والخبرات الاقتصادية وکل ما يحتاجههوالإرادة الفعالة لتحقيق الإنطلاقه الاقتصادية المرجوة.

-   بالنسبة للعولمة في المجال السياسي،فإذا کان الغرب يصدر لنا ما يسميه الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية،فلنا أن نتمسک بمبادئالإسلام التي سبقت العالم الغربي وعولمته في هذا المجال،ورسخ قيمالشورى وحقوق الإنسان والتعددية،وقد أقر الإسلام الشورى وأرسىقاعدة مبدئية ملزمة وترک المسلمين حرية اختيار الشکل الذي تطبق فيه  الشورى بما يتناسب مع کل عصر.

            أما عن حقوق الإنسان فقد أوجب الإسلام ترسيخها في النفوس وتطبيقها في الواقع حيث ساوى بين الناس دون اعتبار لجنس أو لون أو عرق ،أو دين،وأمر بإقامة موازين العدل بين البشر ،لذلک فعلينا نحن المسلمون أن نتنبه لهذه المفاهيم الغربية التي تحاول أن تندس علينا وأن نکون مشارکين وأکثر إيجابية ومؤثرين بتطبيق ما جاء به الإسلام في هذا الصدد،وبذلک يتجنب عالمنا الإسلامي المخاطر التي تفرزها العولمة في هذا الصدد،والتي تتمثل في تدخل المجتمع الدولي - أو بمعني أدق القطب الأوحد - في العلاقات الدولية بفرض العقوبات المختلفة علي النظم السياسية التي لا تلتزم بقيم الشورى وحقوق الإنسان،وذلک لإجبارها علي الانصياع لقيم العولمة السياسية.

         أما الموضوع الأخطر في هذه العولمة المفروضة علي العالم الإسلامي وغيره من الشعوب،فهو المجال الثقافي والفکري والتي تطالب فيه العولمة بالقضاء غلي الخصوصيات الثقافية للأمم والشعوب بما تنطوي عليه من الترويج لقيم معينة لحضارة معينة هي الحضارة الأوربية،ولن يکون ذلک إلا بحماية أبناء المسلمين من الذوبان في هذه الثقافة المستوردة،ولن يتم ذلک إلا بتحصينهم بثقافة إسلامية رشيدة،ثقافة الإبداع والتغيير حيث قال تعالي " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " (59) (الرعد،11)

         فيجب علينا نحن المسلمين أن نختار الطريق المستقيم،وندرک أن الإسلام منذ اللحظة الأولي کان ولا يزال عالميا،ولکن هناک فرق بين العالمية الإسلامية والعولمة،فالعالمية الإسلامية هدفها نشر القيم الإنسانية،والمبادئ الأخلاقية،والحفاظ علي الکرامة الإنسانية لکل البشر،وتأکيد حق کل إنسان في الحرية والمساواة وحماية الأنفس والمعتقدات والعقول والأعراض وإقامة موازين العدل بين الناس،وصيانة الأسرة واحترام المرأة ومنع الظلم والاستغلال في کل أشکاله وصوره.

         أما العولمة الجديدة،فإنها تنطوي علي قهر الإنسان واستغلاله من حيث هو إنسان من جانب الشرکات العالمية الکبرى التي لا هدف لها إلا  الربح علي حساب القيم والأخلاق والمعتقدات،لذا يجب علي المسلمين أن يعملوا جاهدين علي دفع هذه العولمة المدمرة لجوهر الإنسان وتعديل مسارها وتقديم توجهاتها من أجل مصلحة الإنسان.   

         يجب علي المسلمين الأخذ بأساليب التطور العلمي والتقني والعمل الجاد المنتج علي جميع المستويات والمشارکة الفعالة في تقرير مصير هذا العالم الذي نعيش فيه،والإسهام في استعادة التوازن المفقود في حضارة العصر،لأن فئة کبيرة من المسلمين غير مدرکين لأبعاد المخاطر التي تحيط بهم من کل جانب لنهم مشغولون بقضايا هامشية.

        لذا يجب علي مفکري المسلمين في کل مکان ألا يکفوا عن الدعوة إلي إيقاظ النائمين وتنبيه الغافلين لتنهض الأمة الإسلامية وتقف مفتوحة العينين أمام هذا الخطر الزاحف عليها.

5  -  دور المعلم في تلافي آثار العولمة :

        يعد المعلم أحد الرکائز الهامة والقوة الدافعة للعملية التعليمية،حيث يعتمد عليه اعتمادا کبيرا في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين بما حمله من تغيرات علمية وتکنولوجية هائلة حيث نأمل أن يکون قادراً علي تحمل أعباء التدريس بجودة وکفاءة وإتقان حتى يستطيع تلافي آثار العولمــة وذلک عن طريق(60) :

 التأکيد علي قضايا ومشکلات الحاضر.

        من الصعب تجاهل وإهمال الحاضر،علي أساس أنه هو الشيء الوحيد الملموس،الذي يتعامل معه الإنسان بطريقة مباشرة.ومما يؤکد أهمية التعامل مع قضايا ومشکلات الحاضر بذکاء وفطنة،أنه في ظل التباين في الأفکار التي تحملها وتتضمنها التيارات المختلفة،أصبح الإنسان في هذا الزمان حائر قلقا،متوترا غير قادر- بدرجة کبيرة - علي تحديد منهج حياتي له لعدم فهمه أسباب ما يحدث من حوله کما أصبح المعلم عاجزاً.بدرجة کبيرة فهم أصول اللعبة وقواعدها،لذا لا يستطيع تحديد هوية أو مقصد توجهاته.لذا بات بالتأکيد علي الحاضر مهمة إنسانية وحضارية وأخلاقية.ينبغي أن يشارک المعلم في تحمل بعض أبعادها.وبعد أن أصبحت قضية التعليم قضية أمن قومي ينبغي أن يقوم المعلم بدوره الأساسي وباعتباره المسئول الأول عن التکوين الفکري والثقافي الذي يترتب عليه شخصية المتعلم في الحاضر والمستقبل،لأن المعلم يؤثر في المتعلم،بطريقة صريحة أو ضمنية عن طريق التفاعل الشخصي وعن طريق تأثير المواد الدراسية  الذي يقوم بتعليمها. ومن ثم يکون للمعلم دوره المهم في التأکيد علي الحاضر الملموس،عن طريق خلق المواقف التعليمية التي تنبثق أصولها وأرکانها من خلال الواقع الفعلي المحيط بالمتعلمين .

       أن القضية لا تتمثل فقط في مجرد نقل الواقع الفعلي المحيط بالمتعلمين داخل الفصول،فقد يتعذر تحقيق ذلک في أحيان کثيرة،بسبب صعوبة النقل أو خطورته ولکن البعد الأساسي هو التأکيد علي الحاضر متمثلا في التعامل الذکي مع المشکلات المتنوعة التي يموج بها المجتمع علي النحو التالي :

-      أن يکون التعامل ذکياً مع مشکلات المجتمع،تتطلب أن يکون المعلم فناناً،     لهدوره الفعال في إيجاد المقدرة عند المتعلم ليبحث ويبتکر ويبدع،ويدرکأهمية التفاعل مع متطلبات وظروف القرن الحادي والعشرين وتلافي آثار       العولمة السلبية بالمجتمع فيجب علي المعلم أن يکون ديمقراطياً حيث يتيحالفرص المناسبة أمام المتعلم لممارسة بعض الأنشطة،وليکون له رأيهالخاص فيما يتعرض له من مشکلات دراسية أو مجتمعية.

-      أن يکون لديه القدرة علي الحلول المبتکرة وغير التقليدية لحل هذهالمشکلات التي تواجه المجتمع الآن.

-      أن يکون التعامل الذکي مع مشکلات الحاضر وتطويع الحلول لاستخدامهــا فيحل المشکلات المشابهة،ثم تطوير الحلول ذاتها لتکون مرتکزاتوأسانيد لحلول مشکلات مستقبلية متوقعة(61)

        لذا يرى العديد من خبراء التربية والمهتمين والباحثين أن تطوير الدور التربوي للمعلم لمواجهة فکر العولمة يمکن أن يکون أحد الحلول الهامة في مجتمعنا، الأمر الذي يتضح معه أن تطوير التعليم في مصر والعالم العربي والإسلامي ،والذي يعرف علي أنه الوصول بالعملية التعليمية في جميع مراحل التعليم إلي أفضل صورة ممکنة أصبح أمر ضروريا ًوحتميا ًعلي أن يؤخذ في الاعتبار ضرورة تحسين مدخلات العملية التعليمية وبخاصة المعلم ـ لأنه هو حجر الزاوية في العملية التعليمية - من حيث تطويره وإعداده وتدريبه للدور الذي يقوم به في مواجهة عصر العولمة – وذلک من خلال ما يلى :

أ  - تنمية الوعي الثقافي لدي الطلاب المعلمين من خلال تفهمهم التغييراتالعلميةوالتکنولوجية والسياسية والاقتصاديةعلي المستوي العالميوالإقليمي والقومي ومدي انعکاسها علي المجتمع.

ب  - تطوير دور المعلم من ناقل للمعرفة المقننة في البرامج الدراسية،إلي تنمية  المعارف والمهارات لأنه أصبح مطالبا بملاحقة العصر وتمکين طلابه مناکتساب القدرة علي تطوير معارفهم،هذا بجوارمسئولياته داخل المدرسةمن حيث الاشتراک في الإدارة والأنشطة وعمليات التعاون والإرشادوالتوجيه.

جـ  - تطوير دور المعلم نحو التوسع في استخدام تکنولوجيا التعليم.ويتطلب منه  أن يکتسب مهارات التعامل مع الأجهزة والأدوات المتجددة التي تظهر کليومفيمجال الحقل التعليمي.

د  -تنمية مهارات التفکير الابتکاري والتفکير العلمي،بما يحقق تنمية المراتبالعليا للتفکير،وحتى تتکون لديهم القدرة علي التمييز بين ما هو صالح وماهو طالح.

هـ -الاهتمام بنوعية التعليم وتحديث المناهج بما تتلاءم مع متطلبات العصر. 

و  -  يجب علي المعلم أن يفهم فلسفة المجتمع الذي يعمل فيه .

ز  - القراءة الحرة من أهم وسائل النمو المهني المستمر للمعلم .

ح  - تدريب المعلمين أثناء الخدمة يرجع إلي نجاح العملية التعليمية وعلي  عدد من العوامل الأساسية مثل حسن اختيار وبناء المناهج الدراسية  بطريقة  سليمة.

ط  - تحديث المقررات الدراسية الحالية في البرنامج الحالي للإعداد وإضافة مقررات جديدة مستحدثة.لکي تواکب متطلبات- عصر العولمة - وفي  الوقتذاته لا تؤثر علي أصالة المجتمع.

ى  - غرس الاهتمام بعمليات العلم من ملاحظة وتفسير للظواهر العلمية والتکنولوجية الحسية والمدرکةوالبعد عن التفسيرات الخرافية للقضايا ومشکلات المجتمع. 

ک  - إدراک أهمية الجانب التطبيقي والعملي للنظريات المختلفة ـالعمليةالتربوية ـ حتى يستطيعوا التکيف مع المواقف الحياتية المختلفة.

ل  - أن يهتم بإدخال البعد القيمي والأخلاقي والسلوکي والتربوي في برامجتطوير وإعداد المعلم،بهدف تأصيل الأصالة والهوية القومية لديه(62) 

نتائج البحث :     

1  -    إن العولمة يمکن أن تؤدي إلي صراع بين المحافظة علي التراث والجذور             الثقافيةالمحلية،والتحول نحو العالمية في الوقت ذاته،وقد تسبب فيتهميشبعضمجتمعات العالم.

2  - تسببت العولمة في إحداث صراع بين الدول الغنية ذات القدرة على الانتشاريه بإمکانياتها المختلفة معلوماتياً،والدول الفقيرة معلوماتياً.

3  -    أدت العولمة إلي سحق هوية الشخصية الوطنية المحلية،وسحق الثقافةوالحضارة الوطنية،والسيطرة علي الموارد المحلية وفرض الوصايةالأجنبية والإذلال.

4  -    أما في الجانب الاجتماعي تمکنت  العولمة  من أن تجبر الدول الفقيرة أو الناميةعلي تقليص برامج الرعاية الاجتماعية مما ينجم عنه تخلخل النسيجالاجتماعي،وفي الجانب الثقافي،فإن الثقافة الجديدة تقوم بالغزوالفکري الذي يعني قهر الثقافة الأقوى للثقافة الأضعف. 

5  - أدت العولمة إلي غياب الضوابط والقواعد الحاکمة للسلوک ، وظهورالقوي الطاغية،والاستغلال والانتهازية،والقهر والبلطجة.

6  - فرضت العولمة تحدياً أمام المجتمعات من الناحية الاقتصادية حيث أن  کل اقتصاد عليه أن يعتمد علي ذاته في الأساس وتحت مسمع ومرأى منالجميع،وبالتالي لا تکون  هناک فرصا ًمتساوية وإنما تعتمد القدرة عليالتنمية في مجال المنافسة في السوق العالمية.

7  - العمل علي تحطيم خصوصيات کثير من الدول وبخاصة الدولالإسلاميةالتي تحکم بشرع الله.

8  - الانفتاح الاقتصادي،ورفع القيود علي التجارة الدولية سيؤدي إلي زيادةالعجز في الميزان التجاري،بسبب کثرة الاستيراد نتيجة للسياساتالإعلامية الموجهة للاستهلاک والترويج للمنتجات غير الوطنية،وتحطيماقتصاديات الدول الصغيرة من خلال المنافسة في السوق،حيث لا تستطيعتلک الدول الصمود أمام المؤسسات العملاقة.

9  - سيطرة مفاهيم وثقافة القوي،حيث يفرض نفسه علي الضعيف بقوةالسلاح            والإعلام وبالمساعدات،والقروض ، والإملاءات. 

10 -     إلغاء دور الدولة الاقتصاديالهام والفعال في کثير من النشاطاتالاقتصادية کالاستثمار في رأس المال الاجتماعي،أو في المشاريع التي  تحتاج إلي رأس مال ضخم ،وهذا يزيد من التخلف،وتدني مستوي    المعيشة وبخاصة مع نقص التأمينات الصحية والاجتماعية،حيث تسعىالعولمة من خلال مؤسساتها العالمية علي التدخل في شؤون الدول  الاقتصادية،وبخاصة مع تطبيق ما يسمى بالخصخصة، ومن خلال برامجصندوق النقد الدولي - الجاهزة مسبقاًمنذ عقود- مع عدم الأخذ          بخصوصيات کل دولة.

11 -     أمر الأمريکيون بعض الدول العربية والإسلامية من تغيير للمناهجالتربوية وبخاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر مثل :مصروأفغانستان وباکستان والسعودية وغيرها.

12 -     محاصرة اللغة العربية في المدارس والجامعات مقابل زحف اللغةالإنجليزية ،وفي ظل تغييب ابن جنى وابن خلدون  والقابسي وابن رشد.

13  -    سعت إلي تشکيل العالم ضمن نظام عالمي موحد ينسجم في وحدةمتلاحمة.لکن من خلال ما أفرزته لم تخلق إلا الفوضى والتفکک في عالمأصبح أکثر تنافراً وصراعاً وعزلة.

14 -    إن السلبيات والهزات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية .التي تحدث الآن،          سوف تزداد حدتها وکثافتها في المستقبل،ومن الصعب أن يفلت منها        الإنسان،لذا يکون من المهم أن يکون للمعلم - بعد إعداده بما يتوافق معمتطلباتعصرالعولمة - دوره المميز والمتميز في مساعدة المتعلم عليالتعامل الذکي مع الحاضر بکل ما يموج به من معضلات ومشکلات،وفيمساعدة المتعلمعلي مواجهة المستقبل الآتي عن طريق استخدام وتوظيف  آلياته التي يمتلکها بأعلى وأقصي کفاءة ممکنة.

15 -     تعتبر الخصخصة وما أدت إليه من تشريد لمئات الآلاف من العمال أهم   أثرالعولمة الرأسمالية علي مصر.

16 -     الاهتمام بربط المقررات الدراسية بقضايا المجتمع ومشکلاته والبحث عن           إيجاد الحلول لها.وذلک بما يواکب متغيرات عصر العولمة.

17 -     استخدام طرائق التدريس الحديثة التي تسهم في مساعدة الطلاب المعلمين         لما يدرسون لمساعدتهم علي التعامل مع بعض قضايا المجتمع ومشکلاته.

18 -     عقد دورات تدريبية للمعلمين يتم من خلالها تدريس کل ما هو مستحدث            وجديد في المجال التخصصي أو المجال التربوي،أو المجال الثقافي.

19 -  العولمة الکوکبية هي نتاج متغيرات متلاحقة تکرست بانتهاء الحرب  الباردة.      إنها مرحلة جديدة،يسميها البعض"مرحلة ما بعد الإمبريالية" ويسميها البعض الآخر مرحلة"ما بعد التنمية" ويتفق الجميع تقريبا علي  کونهاالوليد الشرعي للشرکات متعددة الجنسية،تلک الشرکات التياستطاعت السيطرة علي معظم أجزاء الکوکب اقتصادياً واجتماعياً  وسياسياً وثقافيا دون أن تنتمي إلي وطن محدد أو إلي دولة معينة.

20  - فى ظل العولمة يختفي دور المصمم أو المبدع ليحل محله مروج السلعة وبائعها،تلک السلع التي تنتجها الشرکات متعددة القوميات وفق نظام الإنتاج عنبعد،والتي تلعب فيها وسائل الإعلام الدور المحوري في تشکيل       طموحاتالمستهلکين للثقافة المعولمة.

 

 المراجع : 
القرآن الکريم :
1  -    محمود بن إبراهيم ةالخطيب :  النظام المالى والاقتصادى فى الإسلام ، ط 1 ،        السعودية ، مکتبة الرشد ، 1425 هـ -2004م ، ص ص 187 – 188 0
2  -    عبد الخالق عبد الله :  العولمة جذورها وفروعها وکيفية التعامل معها، عالم         الفکر، المجلد الثامن والعشرون ، العدد الثانى ، أکتوبر / ديسمبر ،1999 م ، ص ص 52 – 54 0
3  -    المرجع السابق : ص 56 0
4  -  الحبيب الجنحانى :  ظاهرة العولمة والآفاق ، عالم الفکر ، المجلد الثامن والعشرون ،  العدد الثانى ، أکتوبر / ديسمبر ، 1999م ، ص 10 0
5  -    سورة آل عمران ، الآية: 164 0
6  -    کمال عجمى حامد عبد النبى :  الهوية الإسلامية ومتطلباتها التربوية فى ضوء     التحديات المعاصرة ، رسالة ماجستير ، کلية التربية – جامعة الأزهر، 2002 م ،  ص 71 0
7  -    الزبيدى :  التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح ، جـ 1 ، کتاب الإعتصام       بالکتاب والسنة ، بيروت ، دار المعرفة ، د0 ت ، ص 162 0
8  -    عبد الرحمن النقيب :  التربية الإسلامية المعاصرة فى مواجهة النظام العالمى الجديد ،        القاهرة ، دار الفکر العربى ، 1997 م ، ص ص 18 – 19
9  -    سمير عبد القادر خطاب :  دراسة بعض المتغيرات الثقافية والتربوية فى ضوء مفهوم  العولمة ، جامعة الأزهر ، مجلة کلية التربية ، العدد 90 ، يونيو 2000م ، ص ص 199 – 214 0
10  -  Tullash, Sara: Oxford Dictionary of New Worlds, Oxford, University Press, 1991, p. 133.
11 -    على أحمد مدکور :  العولمة والتربية ، مجلة العلوم التربوية ، معهد الدراسات التربوية ، جامعة القاهرة ، العدد العاشر ، 1998 م ، ص 11 0
12 -    السيد يسين :  العولمة والطريق الثالث ، القاهرة ، ميريت للنشر والمعلومـات ، 1999 م ، ص 95 0
13 -    صادق جلال العظم : " ما هى العولمة " الثقافة العربية وثقافات العالم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، تونس ، 1999 م ، ص 39 0
14 -    محمد مهدى شمس الدين :  العولمة وأنسته العولمة ، منبر الحوار ، العدد 237 ، 1999 م، ص 5 0
15 -    إسماعيل صبرى عبد الله ، توصيف الأوضاع العالمية المعاصرة فى أوراق مصر 2020م ،  منتدى العالم الثالث ، القاهرة ، مکتبة الشرق الأوسط ، 1999 م ، ص7
16 -    کتاب العولمة :  مالکوم واترز ، نقلا: عن عالم الفکر ، العدد الثانى ، 1999 م ، ص 53 0
17 -    Robetson, Ronald, Globalization, London, Sage, 1995, p. 8.
18 -    سورة الحجرات : الآية ، 13 0
19 -    صلاح حسن خضر السيد :  مقدمة فى العلوم التربوية ، ط 1 ، السعودية ، مکتبة الرشد ، 2003 م ، ص ص 162 – 163 0
20 -    ناهد طلاس  :   العولمة محاولة فى فهمها ، د0ت ، ص 18 0
21 -    المرجع السابق : ص 25 0
22 -    نفس المرجع السابق : 39 0
23 -    عبد الخالق عبد الله :  العولمة جذورها وفروعها ، مرجع سابق ، ص 58 0
24 -    الکاذبات العشر للعولمة ، نقلاً : عن دولة الإمام المهدى وبدائل المعرفة ، د0 ت ، ص 72 0
25 -    المرجع السابق :  ص 78 0
26 -    مقالة الجماعة المصرية لمناهضة العولمة ، 2000 م ، ص 3 0
27 -    انظر : الکاذبات العشر للعولمة ، مرجع سابق ، ص 8 0
28 -    عبد الرحيم الخليفى :  عن العلاقة بين العولمة  والتربية والتعليم ، الوحدة الإسلامية ، السنة الثانية ، العدد الخامس عشر ، ذو القعدة / ذى الحجة 1423 هـ ، شباط ، 2003 م ، ص ص 1 – 2 0
29 -    المرجع السابق :  ص 30 0
30 -    بثينة حسنين عمارة :  العولمة وتحديات العصر وانعکاسات على المجتمع العرى ، القاهرة ، دار الأمين ، 2000 م ، ص 27 0
31 -    سعيد توفيق :  ثقافتنا فى مواجهة العصر ، القاهرة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 2002 م ، ص 61 0
32 -    سورة الأنفال : الآية 61 0
33 -    سورة الأنفال : الآية 62 0
34 -    سورة محمد : الآية 4 0
35 -    سورة المائدة : الآية 33 0
36 -    سورة الحج : الآية 39 0
37 -    سورة البقرة : الآية 190 0
38 -    سورة التوبة : الآية 12 0
39 -    سورة البقرة : الآية 193 0
40 -    سورة قريش : الآية 3 ، 4 0
41 -    سورة المائدة : الآية 32 0
42 -    محمد الحلايقة :  کلمة ضمن کتاب العولمة وأبعادها الاقتصادية ، د0ت ، ص ص 15 – 16 0
43 -    انظر : مقالة عن موقف الإسلام من العولمة ، د0 ت ، ص 1 0
44 -    سورة النساء : الآية 59 0
45 -    سورة المائدة : الآية 33 0
46 -    عبد الخالق عبد الله :  العولمة جذورها وفروعها وکيفية التعامل معها ، مرجع سابق ، ص ص 110 – 112 0
47 -    محمود بن إبراهيم الخطيب :  النظام المالى والاقتصادى فى الإسلام ، مرجع سابق ، ص ص 186 – 187 0
48 -    انظر :-  العولمة دراسة تحليلية عن دولة الإمام المهدى (4) وبدائل العولمة ، د0 ت 0     ص 6 0
49 -    المرجع السابق : ص 7 0
50 -    المرجع السابق ، ص 8 0
51 -    کمال عجمى عبد النبى :  الهوية الإسلامية ومتطلباتها التربوية فى ضوء التحديات المعاصرة ، مرجع سابق ، ص 75 0
52 -    المرجع السابق : ص ص 7 – 8 0
53 -    عبد الرحمن النقيب :  التربية الإسلامية المعاصرة ، فى مواجهة النظام العالمى الجديد، مرجع سابق ص 22 0
54 -    عدنان بدران :  رأس المال البشرى والإدارة بالجودة ، استراتيجيات لعصر العولمة فى التعليم العالى والعربى ، تحديات الألفية الثالثة ، الإمارات العربية المتحدة ، مرکز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، 2000 م ، ص 132 0
55 -    المرجع السابق : ص 135 0
56 -    عالم الفکر  :  العدد الثانى ، 1999 م ، مرجع سابق ، ص ص 113 – 114 0
57 -    عبد الرحمن النقيب :  مرجع سابق ، ص ص 324 – 325 0
58 -    سورة الرعد : الآية 11 0
59 -    محمد على نصر : تطوير إعداد معلم القرن الحادى والعشرين فى ضوء الأهداف المستقبلية ، مؤتمر إعداد معلم العلوم للقرن الحادى والعشرين ، أبوسلطان الإسماعيلية، 2 – 5 أغسطس ، 1998 م ، ص ص 79 – 81 0
60 -    المرجع السابق  :  ص 83 0
61 -    صلاح حسن خضر :  مقدمة فى العلوم التربوية ، مرجع سابق ، ص 70 0