فاعلية الأشکال الطبيعية والهندسية على القيم التشکيلية والتعبيرية في المنحوتات الجدارية المعاصرة

المؤلفون

1 طالبة ماجستير بقسم التربية الفنية ـ تخصص النحت کلية التربية النوعية ـ جامعة المنصورة

2 أستاذ النحت المساعد ووکيل کلية رياض الأطفال لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة ـ جامعة المنصورة

3 مدرس بقسم التربية الفنية کلية التربية النوعية ـ جامعة المنصورة

المستخلص

الملخص :
استهدفت الدراسة تحليل الأطر النظرية لموضوع البحث متناولاً النحت المستخدم فيه العناصر الطبيعية والهندسية وتناول البحث دراسة مجموعة نقاط هامة مرتبطة بموضوع البحث وهي : مفهوم القيم التشکيلية والتعبيرية، إمکانات التشکيل في النحت الجدارى ، القيم التعبيرية ، قيمة التعبير ، أسلوب التشکيل التقني في النحت الجدارى.
وخلصت الدراسة إلى نتيجة هامة وهي: إن حکم القيمة على العمل النحتي الجداري يتوقف على مدى قدره النحات على إحکام الصياغة بين تفاعل الخامة بإمکانياتها التشکيلية والتعبيرية وبين بقيه العناصر الأخرى ، حتى يتحقق له الوحدة العضوية بين الشکل ومضمونه.
کما توصلت الدراسة إلى إن العملية الفنية الابتکارية هي مرحله الممارسة العملية لإنتاج العمل الفني وتحوى تعامل الفنان مع واقع التعبير من خلال مرحلة بناء العمل الفني مرتبطا ذلک بعلاقات الشکل والمضمون والرمز والموضوع.

الموضوعات الرئيسية


مقدمة

مما لا شک فيه أن الفنان في مختلف العصور قدم وما زال يقدم صوراً إبداعية تشکيلية جديدة تثرى الحرکة الفنية في جميع مجالاتها ، فقد عبر بطلاقة فکره المبدع عما يجول بخاطره وسجلت أعماله التاريخية صوراً إبداعية وأنماطاً فکرية متغيرة ، تنشد التطوير الدائم ، فقد اهتم بصياغة عناصره وجعلها تحمل دلالة تعبيرية تجسد رؤيته الشخصية ، حتى أصبح من الممکن التعرف على صاحب العمل الفني من خلال النظر لعنصر من عناصره.

المصري القديم أخذ أغلب مفرداته التشکيلية من العناصر العضوية والهندسية فکونت لها خصائص ودلالات ذاتية تعبر عن الحالة التي يعايشها والظروف الاجتماعية والأحداث السياسية . حيث کان النحاتون منذ أقدم العصور الفرعونية ، يستوحون من أشکال الزهور الطبيعية وألوانها بکل ما توصلوا إليه من مهارة ، وقد نجحوا في تحقيق ذلک . وقد تناول الفنان القبطي فى کثير من أعماله ، صوراً مختلفة تعبر عن المدلول الهندسي والعضوي معاً ، حيث استخدام العناصر النباتية ( عناقيد العنب ) والآدمية والحيوانية داخل أطر هندسية متنوعة .

وفى العصور الإسلامية اتسمت أغلب الجداريات النحتية بالبناء العضوي الذي يعتمد على وجود المتشابکات الهندسية بما تشمله من دوائر ومثلثات ومستطيلات يتخللها ويتجانس معها توريقات نباتية وبعض الطيور . وفى الفنون الشعبية استطاع النحات المصري بأن يعبر عن مفردات أشکاله من وحى البيئة التي غرس فيها ونمت أفکاره بالمشاهد التي کانت تحيطه ، فاتخذ من الصور الآدمية والحيوانية والنباتية عناصر أساسية له ، وصنع مزيجاً هندسياً متوافقاً بينهم ، معتمد فيها على التبسيط والتلخيص الخطى لمفرداته التشکيلية.

وتميزت العشر سنوات الأولى من أوائل القرن العشرين وبخاصة من 1905 إلى بداية الحرب العالمية الأولى إلى الاتجاه بقوة نحو التجريب في کل الفنون فاتخذ الفنان الحديث من التجريب ونتائج العلم مصدرا للرؤية الفنية واتخذت منها ما يمکن تطبيقه في مجال الفن ، ونتيجة للتغير المستمر في الرؤية الفنية والفکرية للفنانين في النصف الأول من القرن العشرين تکونت أشد الحرکات الفنية تبايناً وثورة على الفنون التي سبقتها مقدمة رؤية وصياغات تشکيلية جديدة للواقع .

ومن خلال العرض السابق يمکن تحديد مشکلة البحث الحالي في التساؤلات التالية:

  • ما إمکانية توظيف واستلهام مفردات اللغة الفنية لأعمال رواد من النحت الجداري؟
  • کيف يمکن الاستفادة من الشکل والمضمون في النحت الجدارى المعاصر بين الأصالة والمعاصرة؟

أهمية البحث :-

 يقصد بالأهمية الفئات المستفيدة من نتائج هذه الدراسة

تتجه أهمية البحث إلى :

1-تقديم مداخل ابتکاريه جديدة في صياغة العناصر العضوية والهندسية بأسلوب معاصر يثري النحت الجداري .

2-يسهم البحث في تأکيد الطابع القومي في النحت الجداري.

3-يوجه الضوء على القيم التشکيلية المرتبطة بتناول العناصر العضوية والهندسية في مختارات من أعمال الفنانين المصريين المعاصرين.

أهداف البحث

يهدف البحث إلى تحقيق النقاط التالية :-

1- الإفادة من بعض أعمال الفنانين المصريين المعاصرين لتعميق الوعي بأهمية التفاعل بين الطبيعة والنحت الجداري.

 2-تعميق الوعي بأهمية القيم التشکيلية داخل أعمال الفنانين المصريين المعاصرين التي تناولت استخدام العناصر العضوية والهندسية في النحت الجداري.

3- الوصول إلى إيجاد علاقة توافقية تجمع بين العناصر العضوية والهندسية في النحت الجداري

فروض البحث :-

1- لا توجد إمکانية لاستيعاب النحت الجداري للمتغيرات البنائية الفنية لأعمال عينة مختارة من أعمال الفنانين المصريين المعاصرين لإثراء الاتجاهات الإبداعية في المجال .

2- توجد علاقة بين توظيف الصياغات العضوية والهندسية فى النحت المصري المعاصر واستخدام العديد من الخامات وتقنياتها ، للوصول إلى مظاهر مستحدثة للنحت الجداري.

منهج البحث:-

يعتمد البحث على المنهج الوصفي باعتباره أنسب المناهج لدراسة الإطار النظري للبحث .

الإطار النظري للبحث

أولا: مفهوم القيم التشکيلية والتعبيرية :Expressive and plastic's value's

حينما نستعرض بعض المفاهيم التى توضح مفهوم کلا من القيم التشکيلية والتعبيرية نجد إن العلاقة بينهم علاقة تکاملية بحيث تقدم القيم التشکيلية دورا هاما في الاستدلال على القيم التعبيرية بالإضافة إلى تمثيلها للجانب المادي في العمل الفني والبناء الشکلي له في حين يرتبط الجانب المعنوي والوجداني بالقيم التعبيرية ومن ثم فهما يمثلان الوحدة العضوية لإنتاج أعمال فنيه تحملا قيما إبداعيه يصوغ من خلالها الفنان رسالات رمزيه تحمل مضامين ودلالات تعبيريه بداخل العمل الفني وتتوقف درجه الاستمتاع بتلک الرسالة واستيعابها على ما لدى المتلقي من خبره ووعى فني .

ويوضح (محمد اسحق قطب) القيم التشکيلية والتعبيرية على أنها : " هي العلاقات التنظيمية الناجحة لعناصر العمل الفني وما تحققه من وحده مع المضمون ، ومع ما يظهره النحات من مقدره في إکساب العناصر التشکيلية مع خصائص الخامة الحسيه والترکيبية بواسطة التقنيات المختلفة لتحقيق الادراکية للمشاهد وبين فکره العمل الفني ".[1]

يمکن القول بان " مفهوم القيمة الجمالية هو مجموعه من الأحکام والمعايير الفنية التي کونتها الجماعة نتيجة الخبرة الإنسانية ، وهى أحکام جماعية مصدر الاختيار والانتقاء والحکم الفني ، کما أنها نسبيه تختلف من مجتمع لآخر ومن ثقافة لأخرى ولذلک فهي ديناميه متغيره ".[2]

التاريخ وتباين الثقافات والعادات والتقاليد والمعتقدات والمعتنقات ، وبتطبيق اختلاف مفهوم القيمة على المستوى الفردي لدى النحاتين عند تناولهم لعناصر طبيعية وأدميه وعلاقات وجدانيه فيکون لکل نحات هدفه الخاص الذي يسعى إلى تحقيقه والتعبير عنه فلا يعنى أن تناول العنصر الواحد يحقق نفس القيمة التشکيلية بدلالاتها التعبيرية فکل فنان يحقق من خلال أعماله ما يترأى له من مضامين تعبيريه تتفق مع عناصره وموضوعه الفني وفکره الابداعى الذي يريد التعبير عنه فاختلاف الرؤى الفنية وتنوعها يظهر في نظره کل نحات ورؤيته لحدود عناصره ومدى قدرتها على التعبير وقدرته على استغلال ما يراه مناسبا من وسائط وخامات توفر له الامکانات التشکيلية ومحققه للقيم التعبيرية .

إن العملية الفنية الابتکارية هي مرحله الممارسة العملية لإنتاج العمل الفنى وتحوى تعامل الفنان مع واقع التعبير من خلال مرحلة بناء العمل الفني مرتبطا ذلک بعلاقات الشکل والمضمون والرمز والموضوع " [3] فلکل فنان طابعه الابتکاري الذي يميزه فيما يصدر عنه من الهام للأفکار المضمونيه والطرق الادائية والمتمثلة في أعماله الفنية والنحات من خلال مجزات أعماله النحتية حيث الکتلة والشکل والفراغ وما ينشا عنهم من علاقات مختلفة ضمنيه وإيحاءات تشکيليه ذات قيم جماليه تسهم في الإحساس بالکتلة وسطوحها أو بالحرکة المتجهة في الفراغ و التي تکسب العمل قيما تعبيريه.

 وبالنظر إلى الأعمال النحتية المعاصرة التي تحرر فيها الفنان من قيود خامات الماضي وساعدته على اختراق الحواجز الفکرية الضيقة وتحقيق القدرات التشکيلية المرجوه " وأدخلت في مجال النحت خامات أخرى حديثه وعديدة بفعل المنجزات التکنولوجية للتقدم الصناعي لهذا القرن"[4].

ونتيجة لذلک التطور ظهر النحت في ثوب حديث آخذا اتجاهين لاستخدام الخامات الاتجاه الأول الذي يعتمد على العشوائية والتلقائية الواعية من خلال التعامل مع الخامات جاهزة الصنع والتي يعاد صياغتها حسب رغبه النحات تتمثل في الخردة وبقايا المعادن والأخشاب والمخلفات الصناعية. أما الاتجاه الثاني فيکون من خلال التعامل المباشر مع الوسائط والخامات مع امکانية الاستعانة بالفنيين والخبراء المهندسين والحرفين أيضا لمساعده النحات ذو الفکر الخلاق على تکوين ملامح فکرته الإبداعية وانطلاقها إلى حيز الوجود محمله بالمضامين الفنية والقيم التشکيلية.

ثانياً: امکانات التشکيل في النحت الجدارى :

الخامة Material : : -

هي الوسيط أو جسم العمل الذي يتکون منه العمل الفني ، وتتميز کل خامة بخصائص ومميزات تقدم حلولا تشکيليه في تکوين العمل .

بتغير مفهوم النحت المعاصر الذي لم يعد يقتصر على وسيط معين أو يقتصد على خامات تقليديه فقط ولکنه اتسع ليشمل الخامات المستحدثة بإمکانتها سواء الطبيعية منها أو المصنعة التي کان لها الدور الأکبر والبالغ في تغير المفاهيم النحتية وما تحمله من رمزيه تعبيريه وأفکار ضمنيه " فالخامة تعنى المادة الأولية ، أي الخامة التي لم يجرى عليها عمليات التشکيل والتشغيل بمعنى أنها المادة قبل أن تعالج ( الخام ما لم يعالج )

 فبدون الخامة في العمل الفني لا يکون هناک شکلا يمکن إدراکه والحکم عليه ،لأنها تؤثر وترتبط ارتباطا کليا بقيمه العمل الفني فنجاح العمل الفني يتوقف على مدى مناسبة الخامة وعلاقتها بباقي المواد والعناصر الفنية وتؤکد ذلک ( أميرة حلمي مطر ) في تفسيرها لمفهوم الخامة على أنها : هي الوسيط أو جسم العمل الذي يتکون منه العمل الفني ، أي أن الفنان يجسد عمله الفني في ماده معينه أو واسطة معينه ينقل بها العمل الفني إلى الآخرين وهذه الوساطة المادية متنوعة ، فهي قد تکون حجارة أو معدن أو خشب أو ألوان أو أصوات وبها تتکون مفردات اللغة التي يتعامل بها الفنان مع جمهوره "[5]

فمن هنا جاء ترکيز الاهتمام على الخامات وخواصها الفيزيائية والحسيه وإمکاناتها التعبيرية وأصبح النحات من خلال قيامه بالعديد من التجارب الفنية واختبار خواص خامته النحتية ومحاولاته المتکررة لکيفية صياغتها جعلته يفکر في أن يکون کل من الشکل والخامة کلا متکاملا يخرج منه عملا فنيا ذو قيما جماليه عالية فالخامة هي من يوجه فکر الفنان المبدع لما تتمتع به من خواص حسية فريدة تقوده إلى بناء عمل فني فريد ومبتکر .

ثالثا: القيم التعبيرية Expressive Value :-

هي قيم معنوية نسبيه يمکن الاستدلال عليها من خلال التوافق بين القيم التشکيلية ومضمون العمل الفني ، والتي ترتبط بقدره النحات على إکساب العناصر التشکيلية نظاما يؤکد على تفاعل التقنية مع الخامة والشکل لتحقيق فکره العمل النحتي ، حيث تحقق تفاعلا مع الخبرة الادراکية للمشاهد تتبع هذه الکيفيات وتکشف الفکرة الفنية

من ثم فبمعايشه عناصر العمل الفني والتعمق في إدراک مدلولاته التعبيرية وعناصره التشکيلية وتحقيق کل من الخامة والتقنية لرؤية الفنان الفکرية والتشکيلية وإخراج العمل الفني بصوره تضمن تفاعل المتذوق معها حسيا ووجدانيا وإصدار حکم جمالي جيد .

رابعا: قيمة ( التعبير ): Expressive :-

 التعبير کلمه يکثر استخدامها کثيرا في مجال الفنون والتي تطلق على الفن في مختلف صوره وأشکاله فهي کما تنطلق على الفن التشکيلي من تصوير ونحت تطلق أيضا على فنون الأدب والموسيقى والعمارة .... الخ وعند تناول القيم التعبيرية في العمل الفني نجد " أن التعبير يعد قيمه مستقلة ومنفصلة عن العمل الفني ولا يحتويها ، بل أن عمليه إسقاط من المشاهد تجاه العمل الفني من خلال قدرته على إدراک العلاقات ، بحيث يمکن إدراک أکثر من قيمه تعبيريه للعمل الواحد ، وعلى ذلک يمکن أن توصف الأعمال الفنية بأنها غير محدودة التعبير.

 والفنان عندما ينتج عمل فني ما يکون بمثابة صدى صادرا عن رؤى ومشاهدات للعالم الخارجي المرئي مکونا لکيانه الداخلي ومنبعثا من أنفاس وجدانه الداخلي ومشاعره يفصح عنها من خلال أعماله النحتية أو التصويرية أو أنغام النوتة الموسيقية والتي تمثل رسائل تعبيريه تحمل مضامين فنيه يفک شفراتها المشاهد المتذوق ذو الخبرة الفنية " وهو عمليه رغم أنها ذات مظاهر تنبع من أعماق الفنان من مشاعره الداخلية ولکنها في مظاهر کهذه إنما يکون کل شيء مستندا إلى ما يشير إليه سواء کان بإعطاء اهتمام للمشاعر الإنسانية بظواهرها المتعددة أو بتجاهلنا للعالم الخارجي (*) کما تتخذ هذه الظواهر صوره أخرى بتقديرنا للعالم المرئي في الصورة الفيزيقية بأوضاعها وحرکاتها وتبعا لذلک يکون تعديل أسلوبنا في التعبير "[6].

بحيث يعد التعبير شيء معنوي شعوري غير مادي يدرکه المتلقي ( المتذوق للفن ) من خلال خبراته الذاتية ويکون الحوار الدائر بين المشاهد المتلقي والشکل الفني متوقفا على الإحساس بنوعيه التعبير وما يعکسه من دلالات تعبيريه رهنا لخبرته بحيث يتفاعلان معا فينتج الشعور أما بالاستحسان أو الاستهجان بالعمل الفني أو إصدار حکم إما بالقبول أو الرفض ولعل من أهم وابرز ما يستند إليه الناقد الفني أو المشاهد المتذوق للعمل الفني في إصدار الحکم على العمل الفني هو مدى أصالته ومدى قدره الفنان على معالجة أفکاره الأصيلة بطريقه معاصره ذلک لان أي عمل فني يفتقد روح الأصالة يفتقد معه هويته وصدق تعبيريه وکل مقومات نجاحه مهما ما استند إليه العمل من أساليب وعناصر وطرز فنيه ومن هنا تأتى أهميه الخبرات السابقة وکثره الإطلاع على الأعمال الفنية التي تحمل مدلولات تعبيريه ومضامين فنيه "إن هذه الأصالة إنما هي تعبير عن شخصيه هذا الفنان أو ذاک بحيث نستطيع عندما تقع أعيننا على أي عمل من إنتاجه إن نشير إلى هذا العمل بأنه من صنع الفنان ( فلان) لأنه يحمل طابعه الشخصي ، المتمثل في کل خط يخطه وفى أسلوب تکوينه للکتل والنماذج التي يتکون منها الشکل الجمالي في أعمال النحت " .[7] فلکل فنان ما يميزه من بصمات فنيه محمله بقيم تعبيريه تشير إليه من خلال أسلوبه الفني وقدرته الخاصة في تناول عناصره الفنية.

 فالتعبير غير کامن في العناصر المادية بقدر ما هو عمليه تفاعل متعدد الجوانب " فان إدراک التعبير کما يفسره ( ارنهايم ) يجب ألا يبدأ بالضرورة من العناصر يمکن القول بان " التعبير ظاهره جماليه محدده ، يتحول العمل الفني على أثرها إلى شيء قائم بذاته له قوته وضعفه وله خصائصه المميزة" [8].

 

خامسا:أسلوب التشکيل التقني في النحت الجدارى :

1- التشکيل plastic :-

 " التشکيل هو طريقه بناء العمل الفني بواسطة خامة من الخامات من خلال تفاعل الفنان مع خاماته بواسطة أدواته وينتج عنه هيئه shape جماليه تتوافق تشکيليا مع المضمون التعبيري للعمل ، فيتحکم في تشکيل العمل الفني الخامات المستخدمة في بنائه ، فکل خامة تحمل خواص تسمح لها بان تتشکل في صوره محدده وان کانت متعددة عن طريق التقنيات المختلفة والمستخدمة في عمليه التشکيل ، وتکسب العمل الفني شخصيته وأصالته التي يتفرد بها ." [9]بحيث يتم بناء العمل النحتي بإحدى الخامات الطبيعيه التي يسهل فيها الإضافة والحذف

2 ـ ارتباط القيم التعبيرية بالتقنية :-

نجد أن ما يعبر عنه المظهر الشکلي للعمل النحتي الذي يشتمل على الشکل والملمس واللون والخامة ، يمثل القيم التشکيلية والتي ترتبط بالقيم التعبيرية بوصفها حقائق يمکن إدراکها في العمل الفني.

فالعمل الفني لا يحتوى في ذاته على القيمة التعبيرية وتکون محکمه بالانطباعات وإسقاطات کل شخص على حده والتي تتباين وتختلف في إصدار حکم قيمي وتعبيري في العمل الفني الواحد .

 فمن خلال ما توجد عليه العناصر الداخلة في بناء العمل الفني من تنظيم لعلاقاتها ودلالاتها وسعى النحات المستمر في إنتاج إعمال نحتية تحمل قيما تشکيليه ذات مضمون تعبيري و تتصف بالجمال " فالتعبير کقيمه للعمل الفني يسقطه کل شخص من عنده ، ولهذا فإن جانبا من هذه القدرة والقيمة تخص الإنسان المدرک ، وتعتمد على خبرته الذاتية التي تؤثر في رؤيته الإدراکية. والجانب الآخر يخص الشکل الذي تفصح هيئته ونظامه عن ما يحتويه بصوره بليغة بحيث تصبح لهذه القدرة قيمه جماليه بارتباطها بموضوع العمل الفني ، وعندما تلتقي هذه القدرة عند الفنان مع العمل يکون نجاحه في تحقيق التعبير النابع من وحده العمل الفني " ،لذلک أن ما يتم التعبير عنه من خلال العمل الفني يرجع إلى الفنان وقدرته في إحکام التنظيم الشکلي للخامة والموضوع .

 فکان عليه دوما اکتساب الخامة لشکلها عن طريق التقنية الحديثة بهدف أحداث تغيير في شکل المادة الخام وإکسابها نظاما محدد المعالم ومحقق للهدف الفني المطلوب ويظهر ذلک واضحا حينما يتفاعل الفنان بطريقه مباشره مع العمل النحتي مستغلا ما لدى الخامة من خواص طبيعية وامکانات تشکيليه تساعده على الاختيار الأفضل والمناسب للشکل الذي يمکن للخامة إن تحمله وتحقيق غاياته الفنية ودلالاته التعبيرية لان دور الخامة والشکل والتعبير متوازي في طريق إظهار قيمه العمل الفني ونجاحه .

فالخامة والتقنية وعمليه الاستبصار الجمالي من الضروريات الملحة لدى النحات التي يسعى محققا إياها من جانب تفاعله مع خامته من اجل إنتاج تأثيرات جماليه وحسية تسهم في بناء وتکوين عمله الفني ومن هنا أصبحت الخامة والتقنية من أهم ما يميز النحت المعاصر ومن ابرز ما يهتم به النحات المعاصر فى تحقيق وحده عمله الفني وتقييمه وهذا ما يبدو واضحا في أعمال الفنان کما في شکل (1،2 ،3)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شکل (1 )

 الخشب والورق المقوى وبعض شرائح المعدن

 فلاديير تاتلين Vladimir Tatlin- نحت بارز- 1914

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       
 

شکل ( 3) خشب ومعدن

فلاديمير تاتلين Vladimir Tatlin – نحت بارز

 
 

شکل (2 ) الخشب والابلکاش والکرتون

فلاديمير تاتلين - Vladimir Tatlinالاغاثه – 1916م

 
 

 

 

 

 

3ـ الشکل والمضمون وارتباطه بوسائل التشکيل:-

 في ظل الأعمال النحتية الحديثة التي تعتمد في بنائها على طرق تقنيه متنوعة وغير تقليديه أدت إلى تغير الشکل النحتي وبالتالي تغير مضمونه التعبيري بحيث يقصد من الشکل بأنه " الهيکل العام الذي يقوم عليه بناء العمل الفني ، أما المضمون فهو المعنى الذي يحمله هذا الشکل في طياته وينقله للآخرين ، لذلک فالشکل ومضمونه التشکيلي متزاوجان ويؤثر کل منهما في الأخر ويکونان معا وحده مترابطة

 ومن ثم يرتبط حکم القيمة على العمل الفني بمدى قدره النحات على إحکام الصياغة بين تفاعل الخامة بإمکانياتها التشکيلية والتعبيرية وبين بقيه العناصر الأخرى ، حتى يتحقق له الوحدة العضوية بين الشکل ومضمونه .

 فالتعبير يمثل مجموعه من العمليات التي تتفاعل فيها جوانب العمل والفني وعناصره بحيث لا يکمن التعبير في العناصر المادية المتمثلة في الشکل والخامة فقط بل يمثل العنصر اللامادى بين الشکل والذات الإنسانية وما ينتج عنه من تفاعل بين إحساس المتذوق المتلقي للعمل الفني ذو الخبرة والتجارب الادراکية التي تجعله يدرک ويتجاوب مع العمل الفني وما يحمله من مضامين ومفاهيم تعبيريه .

" لا يمکن الفصل بين الشکل والمضمون ، فالمضمون يدرک من خلال الشکل ، والشکل يکتسب معنى من خلال ما يحويه من مضمون " [10]

فلندع الناس يتذوقون الأعمال النحتية کما هي دون الفصل بين مضمون العمل وشکله اى بطبيعتهم التي يعتمدون فيها على مشاعرهم الخاصة ووجدانهم وعقولهم وخبراتهم التي تحمل القدر المناسب من القدرة على تذوق تلک الأعمال وتناولها

 فالعمل الفني لا يحتوى على مضمون تعبيري واحد بل يمکن للمتذوق أن يستدل إلى أکثر من مضمون تعبيري في العمل الواحد .

 مع تعدد الوسائط والأدوات التشکيلية التي اتيحت للفنان الحرية الکاملة في التعبير والإبداع بطلاقه وممارسه التجريب بالخامات والأدوات وتغير شکل النحت البارز وتأثر مفاهيمه واختلاف أشکاله وتعددت صياغاته الناتجة من التطور والتغير والتنوع الحضاري .

إن العملية الفنية الابتکارية هي مرحله الممارسة العملية لإنتاج العمل الفتى وتحوى تعامل الفنان مع واقع التعبير من خلال مرحل بناء العمل الفني مرتبطا ذلک بعلاقات الشکل والمضمون والرمز والموضوع " فلکل فنان طابعه الابتکارى الذي يميزه فيما يصدر عنه من الهام للأفکار المضمونية والطرق الأدائية والمتمثلة في أعماله الفنية والنحات من خلال منجزات أعماله النحتية حيث الکتلة والشکل والفراغ وما ينشا عنهم من علاقات مختلفة ضمنيه وإيحاءات تشکيليه ذات قيم جماليه تسهم في الإحساس بالکتلة وسطوحها أو بالحرکة المتجهة في الفراغ.

فالطريقة أو الوسيلة هي عملية مرکبة بالنسبة للنحات فمنذ بدأ اختياره للخامة والقيام بعملية الأداء والتنفيذ ـ أي مرحلة الاستبصار الجمالي لتحقيق فکرته الإبداعية ـ تستمر عملية تفاعل حواسه وقدراته التشکيلية مع الخامة عن طريق التقوية حتى ينتهي توتره بالسيطرة التشکيلية عليها وتجاوبها مع فکرته التخيلية.

وفي الغالب لا يخضع النحات للاستبصار الجمالي أو وسائل التقنية في عمله، بل يخول أن يحقق أقصى توافق بينهما، لذلک فالخامة والتقنية وعملية الاستبصار الجمالي للفنان من الضروريات اللازمة بعضها لبعض. فالتقنية والأداء التقني من أهم العمليات تفاعلاً مع جماليات الخامة، حيث تتفاعل قدرات النحات وإمکانياته التشکيلية مع الخامة، لتنتج تأثيرات جمالية وحسية تسهم في بناء وتکوين العمل الفني، وتدخل ضمن التقدير الذي يحظى به. ومن ثم فقد أصبحت الخامة والتقنية من أبرز اهتمامات النحات المعاصر في تحقيق وحدة العمل النحتي وتقييمه.



1-محمد اسحق قطب : المفهوم الجمالي لتناول الخامة في النحت الحديث – رسالة دکتوراه غير منشورة –– کلية التربية الفنية – جامعه حلوان ـ القاهرة – 1998م – ص 31, 32 .

2-امجد صلاح الدين التهامي : القيم التشکيلية والتعبيرية لمنحوتات عنصر الحيوان فى اتجاهات الفن الحديث –رسالة ماجستير - غير منشوره– کلية التربية الفنية – جامعه حلوان ـ القاهرة – 1999 م ص16

3-على محمد المليجى : الابتکاريه ودافعيه التعبير الفنى للفنان التشکيلى ، حوليه کليه التربيه جامعه قطر ـ الدوحه ، 1988، ص226 .

4- Robert Myron, Abner sundell: Modern Art in American" , Cromwell collier , N.Y- 1971- P162.

1-أميرة حلمي مطر : مقدمه في علم الجمال ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1979، ص 31 .

 (* ) ويعنى ذلک أن تکون العناية منصبه على مضمون هذا الشيء وجوهره .

1- حسن محمد حسن : الأسس التاريخية للفن التشکيلي المعاصر ، دار الفکر العربي ، الجزء الثاني ، القاهرة 1979 ، ص 155

[7] - حسن محمد حسن : نفس المرجع ، ص 281.

1-عبد الفتاح الديدى :" فلسفه الجمال " ، الهيئة المصرية العامة للکتاب ، القاهرة ، 1985م .

2-ارنست فيشر :" ضرورة الفن "، ترجمه اسعد حليم ، الهيئة المصرية العامة للکتاب ، مصر ، 1998،

1-سعيد الوتيرى ، سلوى غريب : أسس التصميم ودورها فى تطوير قدرات المصمم ألابتکاريه ،ج ا ، مطابع جامعه حلوان ، القاهرة ، 1988 ، ص 126 .

مراجع البحث
1-امجد صلاح الدين التهامى :" القيم التشکيليه والتعبيريه لمحوتات عنصر الحيوان فى اتجاهات الفن الحديث"– رساله ماجستير– تربيه فنيه – جامعه حلوان – 1999.
2-ارنست فيشر :" ضروره الفن "، ترجمه اسعد حليم ، الهيئه المصريه العامه للکتاب ، مصر ، 1998.
3-أميرة مطر : مقدمة فى علم الجمال، دار الثقافة العربية للنشر والتوزيع ، رقم الإيداع 5271 ،1967.
4-حسن محمد حسن : الاسس التاريخيه للفن التشکيلى المعاصر ، دار الفکر العربى ، الجزء الثانى ، 1979
5-سعيد الوتيرى ، سلوى غريب : اسس التصميم ودورها فى تطوبر قدرات المصمم الابتکاريه ،ج ا ، مطابع حامعه حلوان ، القاهره ، 1988 .
6-زکريا إبراهيم : مشکلة الفن ، سلسلة مشکلات فلسفية ، مکتبة مصر بالفجالة ، 1977.
7-عبد الفتاح الديدى : فلسفة الجمال ونشأة الفنون الجميلة ،الهيئة المصرية العامة للکتب ، مصر ،1985 .
8-على محمد المليجى : " الابتکاريه ودافعيه التعبير الفنى للفنان التشکيلى " ، حوليه کليه التربيه جامعه قطر الدوحه ، 1988، 226 .
9-مجاهد عبد المنعم مجاهد : علم الجمال فى الفلسفة المعاصرة ، مکتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة ، 1980.
10-محسن عطية : تذوق الفن ـ دار المعارف ـ مصر ـ 1995.
11-مختار العطار: رواد الفن وطليعة التنوير في مصر والعالم العربي ـ ج 3 ـ الهيئة المصرية العامة للکتاب ـ مصر ـ 2007.
12-محمد اسحق قطب :" المفهوم الجمالى لتناول الخامه فى النحت الحديث "– رساله دکتوراه – القاهره – التربيه الفنيه – جامعه حلوان – 1998.
13-محمد عزيز نظمى سالم : دور الفن فى التغير الثقافى ، الجزء السابع ، الناشر مؤسسة الجامعة ، الإسکندرية ، 1996.
14-محمد عزيز نظمى : القيم الجمالية ، دار المعارف ، القاهرة ، 1984 .
15-محمود البسيونى : آراء فى الفن الحديث ـ دار المعارف ، القاهرة ، 1961.
16-نعمت إسماعيل : فنون الغرب فى العصور الحديثة ، دار المعارف ، القاهرة ، 1983 .
17-يوسيف خليفة غراب : التذوق وتاريخ الفنون ، دار النهضة العربية ، ط1 ، القاهرة،  1993 .
18-Edward Lucie Smith : " Movement in art since 1947 – 1975 " , Thames & Hudson , London , 1975.
19-H. Read: "Aconcise History Of Modern Sculpture", Thomas & Hudson, London, 1964.
20-Jack Bernhard: "Beyond Modern Sculpture", George Braziller, New York, 1986.
21-John, Golding: " Cubism A History And Analysis ", 1907- 1914, Faber &Faber, London, 1959.
22-L. R. Rogers : "Sculpture The Appreciation Of Art " , Part 2 , Oxford , N. Y , 1969.
23-Rosemary Lambert :"The Twentieth Century ,Cambridge , Introduction , To History Of Art" , Cambridge , London , 1981 .