بلاغة أسلوب الحقيقة - دراسة وتقويم

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

مدرس البلاغة والنقد في جامعة الأزهر


مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن هذا البحث يتناول قضية ذاع صيتها في التراث البلاغي عند القدماء، وتلقفتها ألسنة کثير من المعاصرين دون تحقيق أو تدقيق، وجاء تداولها على أنها قضية مسلّم بها لا تقبل الجدال أو النقاش، تلکم القضية هي:"أن المجاز أبداً أبلغ من الحقيقة"، وذلک مما يعني التقليل من شأن الحقيقة، وانتقاص دورها،وذلک بالنسبة إلى دور المجاز وقيمته.

ومن ثم جاء البحث بعنوان " بلاغة أسلوب الحقيقة ـ دراسة وتقويم" ليعالج هذه القضية في ضوء أقوال العلماء عنها؛ حيث يعرضها ويناقشها في حياد وموضوعية.

هذا، وقد اقتضت طبيعة معالجة هذا الموضوع أن يأتي في: مقدمة، ومبحثين، وخاتمة.

أما المقدمة: ففيها سبب اختيار البحث، وخطة السير فيه بالتفصيل.

وأما المبحث الأول :فهو بعنوان:" الجانب النظري"، ويتناول النقاط الآتية:

  • ·    الأولى: الکشف عن أهمية أسلوب الحقيقة، ودوره في التصوير.
  • ·    الثانية: الحقيقة والمجاز في الکلام، وبداية الحاجة إليهما.
  • ·    الثالثة: موقف العلماء من ورود الحقيقة والمجاز في الکلام.
  • ·    الرابعة: أيهما الأصل، الحقيقة أم المجاز؟ مع ذکر بعض الأسباب التي قد يعدل من أجلها عن الحقيقة إلى المجاز.
  • · الخامسة: الحقيقة عند البلاغيين، وتعرضهم لها من ناحية تعريفها في اللغة، واشتقاقها، ونوع التاء فيها، ثم تعريفها في اصطلاحهم، مع ذکر أقسامها.
  • · السادسة: المقارنة بين القيمة الجمالية لأسلوبي الحقيقة والمجاز، وفيها تأصيل لمقولة:"أن المجاز أبلغ من الحقيقة"، والمقصود من الأبلغية، والرد على تلک المقولة، بأن العبرة ليست مرتبطة بنوع الأسلوب، بقدر ارتباطها بالمقام والسياق، فکل منهما يعد أبلغ من غيره إذا اقتضاه المقام ، ونادى عليه السياق، ومن ثم نقول:إن الحقيقة في موقعها أبلغ وأجمل من المجاز في غير موقعه.

وأما المبحث الثاني: فجاء بعنوان:"الجانب التطبيقي"، وتناول شواهد متنوعة جاء التصوير فيها بأسلوب الحقيقة،وهي کما يلي :

أولاً: شواهد من القرآن الکريم.

ثانياً: شواهد من الحديث النبوي الشريف.

ثالثاً: شواهد من الشعر العربي.

وأما الخاتمة، فکانت تسجيلاً لأهم النتائج التي توصل إليها البحث.

وبعد، فهذه محاولة لمعالجة قضية بلاغية، وبيان الحق فيها، فإن کنت قد وفقت في تناولها فذلک فضل من الله ونعمة، وإن کانت الأخرى فحسبي أنني بذلت جهدي.

 والله تعالى نسأل أن يرينا الحق ويرزقنا اتباعه، وأن يلهمنا التوفيق والسداد، إنه ولي ذلک والقادر عليه.

 والحمد لله رب العالمين.

 الباحث

     د. أحمد فريد أبو سالم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول

وهو بعنوان:" الجانب النظري"، ويتناول النقاط الآتية:

  • ·    الأولى: الکشف عن أهمية أسلوب الحقيقة، ودوره في التصوير.
  • ·    الثانية:الحقيقة والمجاز في الکلام، وبداية الحاجة إليهما.
  • ·    الثالثة:موقف العلماء من ورود الحقيقة والمجاز في الکلام.
  • ·    الرابعة: أيهما الأصل، الحقيقة أم المجاز ؟ مع ذکر بعض الأسباب التي قد يعدل من أجلها عن الحقيقة إلى المجاز.
  • ·    الخامسة:الحقيقة عند البلاغيين.
  • ·    السادسة: المقارنة بين القيمة الجمالية لأسلوبي الحقيقة والمجاز.

أسلوب الحقيقة وقيمته في التصوير

بادئ ذي بدء أقول: إن المقصود من حديثنا هنا حول مصطلح الحقيقة ، إنما هو خاص "بالحقيقة اللغوية "دون غيرها، وقد أطلقت المسمى هنا ولم أقيده باللغوية ؛ اتباعاً لمنهج الأکثرية من البلاغيين، إذ إنهم عندما يذکرون مصطلح " الحقيقة والمجاز" دون تقييد لا ينصرف الذهن إلا " للغويَيْن"، وهذا بخلاف ما يقابلهما وهما "الحقيقة والمجاز العقليَين "، فقد اصطلحوا على وجوب تقييدهما بهذا القيد عند الحديث عنهما.ولذا فقد قال الخطيب: " وقد يقيدان ـ أي: الحقيقة والمجازـ باللغَويَّين"[1]. و"قد" تفيد التقليل، إذاً الأکثر هو عدم تقييدهما بذلک.وسوف نتناول في هذا المبحث عدة نقاط:

الأولى: الکشف عن أهمية أسلوب الحقيقة،ودوره في التصوير:

إن أسلوب الحقيقة هو أحد الأساليب البليغة التي يؤدى بها المعنى،ويعبر بها المتکلم عن أحاسيسه ومشاعره ،ولها دور کبير في تشکيل الصورة الفنية، وهي وقرينها المجاز يعدان باب أصيل من أبواب علم البيان التي ينبغي علي دارس البلاغة العربية أن يتعرف علي محتواهما، ويبحث عن أسرار جمالهما الفني،بل هناک من العلماء من جعلهما علم البيان کله؛ وذلک لفضلهما الکبير، ومکانتهما العظيمة بين أساليب البيان الأخرى، يقول ابن الأثير: مبيناً ذلک في کتابه المثل السائر:" الفصل السابع في :الحقيقة والمجاز، وهذا الفصل مهم کبير من مهمات علم البيان، لا بل هو علم البيان بأجمعه".[2]

ومع أهمية هذا الباب بقسمَيه معاًـ أعني: الحقيقة والمجازـ في التعبير عن الغرض ، وتشکيل الصور الفنية،إلا أننا وجدنا البلاغيين قد صبوا جهدهم على أحد القسمَين ـ وهو المجاز، دون الآخر ـ وهو الحقيقة ـ ،فأطالوا الوقوف أمام المجاز،فعرّفوه، ثم ذکروا أقسامه المتعددة، وتحدثوا عن بلاغة أساليبه،وإبراز قيمتها الفنية، وتناولوا کل ذلک بإفاضة بالغة، وعندما جاء حديثهم عن القسم الآخرـ وهو الحقيقة ـ ،رأيناهم لم يتوقفوا أمامه کما توقفوا أمام المجاز ، بل جاء حديثهم عنها مختصرًا،فلم يتناولوها إلا من ناحية: تعريفها في اللغة والاصطلاح وبيان أصل اشتقاقها ودلالة التاء فيها،ثم ذکر أنواعها، والمقارنة بين بلاغتها وبلاغة المجاز.

إن عدم إطالة البلاغيين بالوقوف أمام أسلوب الحقيقة ـ لبيان مکانتها، وذکر شواهد لها من :القرآن الکريم، أو الحديث النبوي ،أو الأساليب الأدبية الرفيعة ـ أدى ذلک إلى فهم البعض بعدم أهميتها، وأنها ليس لها أثر يذکر في التعبير الفني، بل لم يقف الأمر عند هذا الحد ، حتى رأينا بعض العلماء المحدثين يهملونها ويغفلون الحديث عنها جملة وتفصيلا، فلم يشيروا إليها لا من قريب ولا من بعيد ، اللهم إلا إشارة عابرة، ومن هؤلاء صاحب کتاب " زهر الربيع " ، حيث إنه لم يذکر في کتابه مصطلح الحقيقة ـ کغيره من العلماء ـ وهو يتحدث عن المجاز، وإنما قال :"باب المجاز، وأشار إلى أنه ينقسم إلى :عقلي ،وشرعي، وعرفي، ولغوي"، أما إشارته العابرة عنها فقد جاءت عندما نقل عبارة البلاغيين الذين قالوا فيها:"اتفق البلغاء على أن المجاز والکناية أبلغ من الحقيقة والتصريح".[3]

 وأعتقد أن الذي أوصل أمر أسلوب الحقيقة عند الشيخ ـ رحمه الله ـ وعند غيره إلى هذا الحد، هو أن البلاغيين أنفسهم قد صرحوا بأن تعرضهم لهذا الأسلوب ، وتناولهم له لم يکن مقصوداً لذاته، وإنما جاء اضطراراً لحديثهم عن القسم الآخر وهو:المجاز، يقول سعد الدين التفتازاني:مبيناً ذلک" الحقيقة والمجاز هو المقصد الثاني من مقاصد علم البيان، والمقصود الأصلي إنما هو بحث المجاز، لکن قد جرت العادة بالبحث عن الحقيقة أيضاً ؛ لِمَا کان بينهما من شِبْه تقابل العدم والملکة؛ حيث اشتمل أسلوب الحقيقة على استعمال اللفظ فيما وضع له، والمجاز على استعماله في غير ما وضع له، ولهذا قدّم تعريف الحقيقة؛ ولأن المجاز وإن لم يتوقف على أن يکون له حقيقة ـ کما هو المذهب الصحيح ـ لکن الدال على غير ما وضع له ، فرع الدال على ما وضع له في الجملة، فالتعرض للأصل مناسب"[4].ويقول بهاء الدين السبکي أيضاً:"ثم إن الحقيقة لما کان المقصود إثبات غيرها، وإنما ذکرت استطراداًـ لما تقدم ـ اقتصر على تعريف الغالب منها"[5].

إذاً فذکر البلاغيين لأسلوب الحقيقة ـ کما صرح التفتازاني وغيره ـ جاء عرضاً وتبعاً واستطراداً لدراستهم لأسلوب المجاز، ولم يکن مقصودًا لذاته ، ولولا الحديث عن المجاز ما جاء ذکر للحقيقة ألبتة.

 وإذا نظرنا إلى الأساليب البلاغية الأخرى، وبحثنا عن الدافع وراء ذکرها ـ کما هو الشأن مع أسلوب الحقيقة ـ لوجدنا أن منها ما کان الدافع وراء ذکره هو الدافع نفسه الذي من أجله کان أسلوب الحقيقة ،ومع ذلک لم يفعلوا معه کما فعلوا معها، وکأنهم کما يُقال ـ إن صح التعبير ـ يکيلون بمکيالين.

انظر على سبيل المثال إلى کلامهم عن "أسلوب التشبيه "، فسوف تجد أن دراستهم له لم تکن مقصودة لذاتها، وإنما جاءت تبعاً لدراستهم وتعرضهم لأسلوب الاستعارة؛ لأنها ـ عندهم ـ مبنية عليه، يقول الخطيب : مصرحاً بذلک وهو يتحدث عن حصره لأبواب علم البيان " ثم اللفظ المراد به لازم ما وضع له، إن قامت قرينة على عدم إرادة ما وضع له:فمجاز، وإلا فهو: کناية، ثم المجاز منه: الاستعارة، وهي ما تُبنى على: التشبيه، فيتعين التعرض له".[6]

 فظاهر هذا الکلام أن دراسة البلاغيين لأسلوب التشبيه لم يکن لذاته، وإنما جاء اضطراراً لدراسة شيء آخر، ألا وهو: أسلوب الاستعارة.

إذاً فوضع التشبيه عند البلاغيين يکاد يکون ـ إذا لم يکن هو نفسه ـ کوضع الحقيقة عندهم ، کل منهما وسيلة للحديث عن شيء آخر، إلا أن معالجتهم للتشبيه وتناولهم له قد جاءت على العکس تماماً من تناولهم للحقيقة ، وهذا مما لا يشکّ فيه أحد.

 فقد أکثروا الکلام فيه، وأشبعوه بحثاً،ولم يترکوا شاردة ولا واردة عنه إلا وتعرضوا لها، کما رفعوا شأنه ، وعظموا أمره ، حتى قال قائلهم عنه:"والتشبيهُ جارٍ کثيرٌ في الکلام، أعني:کلام العرب، حتى لو قال قائلٌ: هو أکثر کلامهم، لم يُبْعِد" ، وقال أيضاً:"والتشبيه کثير، وهو باب کأنه لا آخر له".[7]وقال ثان:"وقد جاء عن القدماء وأهل الجاهلية من کل جيل ما يُستدل به على شرفه وفضله، وموقعه من البلاغة بکل لسان"[8].وقال ثالث:"هو الذي إذا مهرت فيه ملکت زمام التدرب في فنون السحر البياني"[9].وقال رابع:"فيه من النکت واللطائف البيانية ما لا يحصى ، وله مراتب مختلفة في الوضوح والخفاء"[10].وقال خامس:"والتشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها"[11]...إلى آخر هذه الأقوال التي قيلت في حقه.

هذا هو أسلوب التشبيه ـ عند البلاغيين ـ ،والإفصاح عن شيء من منزلته ومکانته لديهم، والذي کان السبب والدافع وراء ذکره بين أساليب علم البيان عند هم ـ کما أشرنا آنفاً ـ أنه ذکر ليکون مقدمة ووسيلة لتناول أسلوب الاستعارة، ومع ذلک فقد أشادوا به أيما إشادة.

 وبإنعام النظر فيما ذکره البلاغيون عن أسلوبي: التشبيه والحقيقة، نجد أنهم أوقعوا أنفسهم في تناقض واضح، هذا التناقض هو: أنهم عندما جاء حديثهم مباشرة عن أسلوب الحقيقة رأيناه مختصراً، وإن أردنا الدقة في التعبير أقول : إنه جاء مبتوراً، فمروا عليها مرور الکرام ، ولم يطيلوا الوقوف أمامها.

 وفي المقابل عندما جاء حديثهم عنها ضمنيّاً متمثلا ذلک في کلامهم عن أسلوب التشبيه وجدناه حديثاً مطولاً، يتناول کل ما يتعلق به، مبرزاً قيمته وأثره في التعبير،وتجدر الإشارة هنا إلى أن التشبيه يقوم أساساً على الحقيقة ـ کما هو الرأي الراجح ـ في ذلک ، يقول ـ إمام البلاغة ورائدها ـ عبد القاهر الجرجاني: إن" کل متعاط لتشبيهٍ صريحٍ، لا يکون نقل اللفظ من شأنه ولا من مقتضى غرضه، فإذا قلت: "زيد کالأسد، وهذا الخبر کالشمس في الشهرة، وله رأي کالسيف في المضاء"، لم يکن منک نقل للفظ عن موضوعه، ولو کان الأمر على خلاف ذلک، لوجب أن لا يکون في الدنيا تشبيه إلا وهو مجاز، وهذا محال؛ لأن التشبيه معنى من المعاني ، وله حروف وأسماء تدل عليه ، فإذا صُرّح بذکر ما هو موضوع للدلالة عليه، کان الکلام"حقيقة" کالحکم في سائر المعاني، فاعرفه"[12].واقتفى أثره في ذلک کثير من العلماء من أمثال :الزمخشري،والرازي، والسکاکي، والخطيب، وشراح التلخيص، وغيرهم ، يؤکد ذلک ابن القيم قائلا:" وذهب المحققون من متأخري علماء هذه الصناعة وحذاقها إلى أن التشبيه ليس من المجاز؛ لأنه معنى من المعاني، وله حروف وألفاظ تدل عليه وضعاً"[13].کما رجح هذا الرأي السيوطي أيضاً بقوله:"زعم قوم أن التشبيه مجاز، والصحيح أنه حقيقة...لأنه معنى من المعاني، وله ألفاظ تدل عليه وضعاً، فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه"[14].

أرأيت هذا الإجحاف والضيم الذي لحق بأسلوب الحقيقة المباشر عند البلاغيين في التناول والمعالجة؟! فلم يأخذ حقه من الدراسة والعناية، ولم يحظ باهتمامهم کما حظي قسِيمه المجاز، وهذا الأمر کان أحد الدوافع لتناول هذا الموضوع.

الثانية:الحقيقة والمجاز في الکلام، وبداية الحاجة إليهما :

إن الکلام ـ عموماً ـ لا يعدو أن يکون أحد أمرين لا ثالث لهما، فهو إما أن يکون: حقيقة ، وإما أن يکون: مجازا؛ والحقيقة والمجاز قد وجدتا في الکلام کوسيلتين من وسائل التعبير قبل أن يکونا مبحثين من المباحث البلاغية، وذلک بسبب "أن العرب الأوائل قد عرفوا الألفاظ دالة على معانيها بوضعها إزاء معانيها التي تدل عليها وضعا، بحيث إذا أطلق اللفظ لم يفهم منه سوى ما وضع له، ولا يفهم منه إطلاقا شيء أکثر من ذلک ، فکلمة ( نهر) مثلا تشير إلى شريط ماء متدفق ،وکلمة(زهرة) وضعت بإزاء النبتة المخصوصة، وکلمة (بئر) وضعت بإزاء هذه الحفرة العميقة التي يستخرج من قاعها الماء ،وکلمة ( أسد ) وضعت بإزاء هذا الحيوان المفترس ، وکلمة (وردة) جعلت لهذه النبتة المعينة ، وکلمة (قمر) وضعت بإزاء هذا الکوکب المعروف ...وهکذا .

وقد استعمل العربي هذه المفردات في تراکيب على نحو خاص مراعيا فيها المعاني التي وضعت لها، وحددت بها عنده ، فأسند التدفق للنهر ، والامتلاء للبئر، والافتراس للأسد، والازدهار أو الذبول للوردة ،والغروب للشمس، وکان هذا هو استخدام العرب الأوائل لمفردات لغتهم، وهذا ما عرف بعد باسم " الحقيقة ".

ولکن العربي لم يتوقف في استخدامه لمفردات لغته عند هذا الحد ، بل وجد نفسه بتقدم الزمن في حاجة إلى التعبير بصيغ جديدة مغايرة لما عرف عنده؛ نظرًا لشعوره بأحاسيس ومشاعر وأفکار،أدرک بسببها أن لغته بألفاظها ودلالتها الحقيقية تضيق عن التعبير عنها، هذا من ناحية.

 ومن ناحية أخرى أخذت المفردات تکتسب معاني جانبية جديدة إلى جانب معانيها الأصلية التي وضعت لها، فأصبحت کلمة (زهرة) تحمل ظلال معاني أخرى ـ بجانب معناها الأصلي ـ من النضارة والرقة، وأصبحت کلمة ( نهر ) تدل على معانٍ جديدة من : الامتداد والحرکة المتدفقة والسيولة ، وهذا کله بالإضافة إلى معناها الأصلي الذي وضعت بإزائه ،کما أصبحت کلمة ( أسد) تحمل معاني: القوة والبأس والشجاعة والجرأة ، وأوحت کلمة ( بحر ) بمعاني: الکرم والعلم والاضطراب والتوتر والغموض ، ودلت کلمة ( جبل ) على معاني: الشمم والارتفاع والمتانة .

 بالإضافة إلى ذلک فقد بدأت تظهر طريقة جديدة في الإسناد ،فلم يعد يتقيد بإسناد کل لفظ إلي ما وضع له في الأصل فقط، ولکن أصبح يسند اللفظ إلي ما لم يوضع له في الأصل، فلفظ ( غرب ) الذي وضع ليسند إلي کلمات خاصة به ملائمة له ،کالشمس والقمر والنجوم ، فيقال مثلا :غربت الشمس ، أصبح يسند إلى کلمات لم توضع له ولا تلائمه إلا على غير جهة الحقيقة ، فيقال :( غرب الأمل ) ليومئ هذا الإسناد إلى اليأس والهزيمة ، ومثل ذلک : أشرق الأمل ، وابتسم القمر ، وضحکت الشمس، لتوحي هذه الأسانيد ، بالبهجة والتفاؤل ، وهکذا ارتاد العربي أفقاً تعبيرياً جديداً يفيض بالثراء والخصوبة والجمال، وفي هذا اللون من التعبير استخدم العربي قوة خياله، وإمکانيات لغته، فأمکنه ذلک من تصوير أفکاره وأحاسيسه ومشاعره المبهمة التي کانت تراوده ، وهذا النوع من التعبير هو الذي أطلق عليه فيما بعد اسم " المجاز "[15]0

الثالثة: موقف العلماء من ورود الحقيقة والمجاز في الکلام:

إن اشتمال اللغة العربية عامة، والقرآن الکريم والحديث الشريف خاصة على الحقيقة أمر يکاد يجمع عليه العلماء، أما وقوع المجاز في اللغة والقرآن الکريم وکذلک في الحديث النبوي فقد کان مثار جدل کبير بين علماء الأمة على مر العصور، وقد شغلت هذه القضية فکر کثير من العلماء ،وانقسموا إزاءها إلى ثلاث فرق:

  • · الفريق الأول :يقول بجواز وقوع المجاز في اللغة عامة والقرآن الکريم والحديث بصفة خاصة، بل وغالى بعض هذا الفريق في ذلک فذهب إلى أن اللغة کلها مجاز،وعلى رأس هذا الفريق ابن جني.
  • ·   الفريق الثاني: أنکر ذلک تمام الإنکار، وجهر بأن اللغة کلها حقائق وليس فيها شيء من المجازات، وعلى رأس هذا الفريق الإمام ابن تيمية.
  • · الفريق الثالث: توسط في هذا الأمر وقال: إن اللغة کلها ليست مجازاً ، کما أنها أيضاً ليست کلها حقيقة، وإنما مشتملة على الحقيقة والمجاز، وعلى رأس هذا الفريق ابن الأثير والإمام العلوي .وأرى أن هذا الرأي هو الصواب، وهو الذي نعتقده ونقرّ به؛ نظراً لاعتداله وتؤيده الحجج والبراهين، وليس فيه ـ کما قيل ـ إفراط ولا تفريط.

وعن آراء العلماء في تلک القضية، والرأي الذي يتفق مع المنطق السليم، وتؤيده الأدلة والحجج يحد ثنا ابن الأثير فيقول:" وقد ذهب قوم إلى: أن الکلام کله حقيقة لا مجاز فيه، وذهب آخرون إلى: أنه کله مجاز لا حقيقة فيه،وکلا هذين المذهبين فاسد عندي؛...لأن في اللغة حقيقة ومجازا"[16].

ويعد الإمام العلوي أکثر وضوحاً وبياناًً من ابن الأثير في عرضه لتلک الآراء حيث يقول:" اعلم أن في الناس من زعم: أن اللغة حقيقة کلها ، وأنکر المجاز ، وزعم أنه غير وارد في القرآن ولا في الکلام. ومنهم من زعم: أن اللغة کلها مجاز، وأن الحقيقة غير محققة فيها"0

ثم يرد هذين الرأيين بقوله:" وهذان المذهبان لا يخلوان عن فساد ، فإنکار الحقيقة في اللغة إفراط ، وإنکار المجاز تفريط.فإن المجازات لا يمکن دفعها وإنکارها في اللغة ، فإنک تقول:رأيت الأسد ، وغرضک الرجل الشجاع ، والله تعالى يقول :(واسأل القرية )[17]، (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة)[18]، إلى غير ذلک .

 کما لا يمکن أيضا إنکار الحقائق کإطلاق:الأرض والسماء على موضوعَيْهما.

وأيضاً فإنه إذا تقرر المجاز وجب القضاء بوقوع الحقائق؛ لأنه من المحال أن يکون هناک مجاز من غير حقيقة"0

ثم نراه يختار الرأي الوسط في هذه القضية فيقول:"فإذا بطل هذا القول؛ فالمختار هو الرأي الثالث، وهو : أن اللغة والقرآن مشتملان على الحقائق والمجازات جميعاً، فما کان من الألفاظ مفيدًا لما وضع له في الأصل فهو المراد "بالحقيقة"، وما أفاد غير ما وضع له في أصل وضعه فهو"المجاز"[19]0

 وينبغي أن أسجل هنا أن هذه القضية قد وقف معها د/ عبد العظيم المطعني ـ جزاه الله خيرا ـ وقفات جادة ومتأنية ، وأشبعها بحثاً ، وناقشها مناقشة هادئة في کتابه الرائع"المجاز في اللغة وفي القرآن الکريم بين الإجازة والمنع".وأعتقد أن تلک المعالجة الدقيقة لم تُعرف لباحث قبله.

 وهذه خلاصة لما ذکره حول هذا الموضوع، لقد تناوله وعالجه في جميع البيئات العلمية، والمدارس الفکرية، على اختلاف المذاهب والمشارب وهي بيئة: اللغويين والنحاة، والأدباء والنقاد، والبلاغيين والإعجازيين، والمفسريين والمحدّثين، والأصوليين والفقهاء ، تعرض لکل ذلک " وهو يدفع بقوة مذهب الإمام ابن تيمية ومشايعيه قديماً وحديثاً في : نفي المجاز في اللغة بوجه عام، وفي القرآن الکريم والحديث النبوي بوجه خاص، وأشار إلى أن هؤلاء جميعاً جل تمثيلاتهم على المجاز،ـ بل أکثرها ماءً ورونقاً، وأصدقها شاهداًـ کانت من نصوص القرآن الکريم، ولم يروا في ذلک حرجا"[20].

ثم نراه بعد هذه الدراسة المستفيضة يقول:" وبعد هذا التدقيق والتمحيص نقول في کثير من الثقة والاطمئنان : إن إنکار المجاز في اللغة لم يقل به إلا عالم واحد من علماء الأمة قبل عصر الإمام ابن تيمية وابن القيم، وهو: أبو إسحاق الاسفرائيني، وإن إنکار المجاز في القرآن الکريم لم يقل به، ويذکر له أسباباً إلا أربعة من علماء الأمة، وهم: داود الظاهري، وابنه، وابن تيمية، وابن القيم.وأن جملة من قال بإنکار المجاز مطلقاً هم خمسة من علماء الأمة، وهم: أبو إسحاق الاسفرائيني، وداود الظاهري، وابنه، وابن تيمية، وابن القيم"[21].

ثم قال:"وکم تکون نسبة خمسة إلى علماء الأمة الذين لا يحصون عدداً، ومنهم الرواد وأئمة المذاهب في العلوم العربية والإسلامية منذ القرن الثاني الهجري حتى القرن الثامن الذي عاش فيه الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. کم تکون هذه النسبة يا تُرى؟[22]. وفي موطن آخر يقول:" إن ظاهرة إنکار المجاز في اللغة وفي القرآن العظيم لم يصح فيها دليل قط، لا من النقل ولا من العقل، ولا من الواقع والمشاهدة والحس، رغم شهرتها وکثرة اللهج بها"[23].

ثم بعد هذه الرحلة الطويلة الشاقة ـ کما يقول ـ مع هذا الموضوع ،وبعد العرض والتحليل والتوضيح، نراه يسجل رأيه في تلک القضية قائلا:"إن ظاهرة إنکار المجاز في اللغة وفي القرآن العظيم، إنما هي مجرد شبهة کتبت لها الشهرة، ولکن لم يکتب لها النجاح".[24]

الرابعة: أيهما الأصل، الحقيقة أم المجاز؟

إذا کان الکلام ـ کما أشرنا من قبل ـ لا يعدو أن يکون إما: حقيقة، وإما: مجازا، فأيهما يکون أصلاً للآخر؟.

لقد عرف العلماء اللغة بأنها أصوات يعبر بها کل قوم عن أغراضهم ،وقد وضع أصحاب اللغة الألفاظ للدلالة علي الذوات والمعاني ،فلکل لفظ معني ،ولکل ذاتٍ لفظ موضوع له ،وإذا أطلق اللفظ انصرف إلي ما استقر من مدلوله في الأذهان، فکلمات مثل :العين والرأس واليد ،والأکل والشرب والنوم، وغير ذلک، قد وضعها واضع اللغة لتدل علي معناها المحدد ،فإذا أطلقت اللفظة انصرف الذهن إلي هذا المعني المحدد لها ،معرضا عن أي شيء آخر؛ وذلک لأن معناها الحقيقي الذي وضعت بإزائه هو الأقرب إليها والأمس بها رحما ،وفي هذا دليل علي أن الحقيقة هي الأصل في الاستعمال .

أما المجاز فهو فرع عنها، فإذا أطلقنا مثلا لفظ ( الشمس ) انصرف الذهن مباشرة إلى ذلک الکوکب المضيء ، وأما إذا کان المراد من إطلاقه: هو الوجه الحسن، بملاحظة أن هناک وصفا مشترکا بينهما فإن ذلک يأتي في مرحلة تالية لإدراک معناه الأصلي أولا ، وکذلک إذا أطلقنا لفظ ( البحر ) فإن الذهن ينصرف أولا إلى ذلک المکان المتسع الممتلئ بالماء المالح ، وأما إذا کان المراد من إطلاقه : هو الرجل الجواد ، فإن ذلک يتأتى بعد إدراک معناه الحقيقي ، وهکذا[25]0

إذاً فالحقيقة هي الأصل في الاستعمال أما المجاز فهو فرع عنها؛لأنه خلاف الأصل.

ولما کانت الحقيقة هي الأصل[26] في الکلام، والمجاز فرع عنها ، فإنه لا يُعدل عن هذا الأصل إلا إذا کان هناک داع له ، وفائدة من ورائه ، وإلا جاء التعبير ساذجا غفلا ، يقول ابن الأثير :" واعلم أنه إذا ورد عليک کلام يجوز أن يحمل معناه على طريق الحقيقة ، وعلى طريق المجاز باختلاف لفظه،فانظر،فإن کان لا مزية لمعناه في حمله على المجاز، فلا ينبغي أن يحمل إلا على طريق الحقيقة ؛ لأنها هي الأصل ، والمجاز هو الفرع، ولا يعدل عن الأصل إلى الفرع إلا لفائدة.


مثال ذلک قول البحتري :-

 مهيب کحدّ السيف لو ضُربتْ به ذرا أجأ ظلت وأعلامُها وُهْدُ[27]

ويروي أيضا : " لو ضربت به طُلى أجأ " جمع طُلية ، وهي: العنق 0

فهذا البيت لا يجوز حمله على المجاز؛ لأن الحقيقة أولى به ، ألا ترى أن الذَّرا – جمع ذِرْوة – وهو أعلى الشيء ، يقال : " ذِرْوة الجبل : أعلاه ، " والطَّلى " جمع طُلية وهي : العنق، والعنق أعلى الجسد ، ولا فرق بينهما في صفة العلو هنا ، فلا يُعدل إذًا إلى المجاز؛ إذ لا مزية له على الحقيقة .

 وهکذا کل ما يجئ من الکلام الجاري هذا المجري ، فإنه إن لم يکن في المجاز زيادة فائدة على الحقيقة لا يُعدل إليه " [28]0

هذا، وقد ذکر الإمام العلوي بعض الفوائد والأسرار التي من أجلها يعدل عن الحقيقة إلى المجاز، وأشار إلى أن ذلک إما أن يرجع إلى اللفظ فقط ، وإما أن يرجع إلى المعنى وحده ، وإما أن يرجع إلى اللفظ والمعنى معاً، يقول:" اعلم أن الحقيقة إذا کانت هي الأصل في الکلام ـ کما ذکرتم ـ، فلأيّ شيء يکون التکلم بالمجاز، وما الباعث عليه ؟ فنقول: العدول عن الحقيقة إلى المجاز قد يکون لأمر يرجع إلى اللفظ وحده، وإلى المعنى وحده، وإليها جميعاً،فهذه مقاصد ثلاثة:

المقصد الأول: ما يرجع إلى اللفظ على الخصوص، وذلک من أوجه، أما أولاً:فلما يرجع إلى جوهر اللفظ،بأن يکون اللفظ الدالّ على المجاز أخفّ من الحقيقة على اللسان، إما لخفّة مفرداته أو لحسن تعديل ترکيبه، أو لخفة وزنها، أو لسلاسته، أو لغير ذلک من الأمور التي تقتضي السهولة فيعدل إلى المجاز لما ذکرناه.وأما ثانياً: فلأن اللفظة المجازية ربما کانت صالحة للقافية إذا کان الکلام شعراً منظوماً، أو لأجل التشاکل في السجع إذا کان الکلام منثوراً، والحقيقة غير صالحة في ذلک، أو لأجل أن الکلمة المجازية مألوفة الاستعمال، والحقيقة غريبة وحشيّة، فتکون المجازية أخف لما يحصل من الإنس المألوف ما ليس يحصل في غيره. وأما ثالثاً: فربما کانت اللفظة المجازية جاريةً على الأقيسة الصحيحة في تصريفها في بيانها، والحقيقة منحرفة عن ذلک ؛ فلهذا عدل إلى استعمال اللفظة المجازية من أجل ذلک.

المقصد الثاني: ما يرجع إلى المعنى على الخصوص، وذلک من أوجه، أما أولاً: فلأجل التعظيم، کما يُقال:سلام على الحضرة العالية والمجلس الکريم، فيُعدَل عن اللقب الصريح إلى المجاز تعظيماً لحال المخاطب، وتشريفاً لذکر اسمه عن أن يخاطب بلقبه، فيقال: سلامٌ على فلان. وأما ثانياً: فلأجل التحقير، کما يعبّر عن قضاء الوطَر من النساء بالوطء، وعن الاستطابة بالغائط، ويُترک لفظ الحقيقة استحقاراً له، وتنزهاً عن التلفظ به؛ لما فيه من البشاعة والغلظة، وقد نزه الله تعالى کتابه الکريم وخطابه الشريف عن مثل هذه الأمور، وعدل إلى المجازات الرشيقة لما ذکرناه، فقال:(أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ)[29]،کناية عن الوطء، وقال تعالى:( کَانَا يَأْکُلَانِ الطَّعَامَ)[30]، کنّى به عن قضاء الحاجة؛ لما في لفظ الحقيقة من الرّکة والسماجة. وأما ثالثا: فلأجل تقوية حال المذکور، فإذا قلت: رأيت أسداًـ في سلاحه ـ کان أقوى من قولک: رأيت رجلا يُشْبه الأسد ـ کما سنورد الفرق بين الاستعارة والتشبيه ـ، فلا جَرَم عدل إلى المجاز لمکان هذه القوة.وأما رابعاً: فلما يحصل في المجاز من التوکيد، بخلاف الحقيقة، فأنت إذا قلت: رأيت أسداً في سلاحه، وبحراً في بُرديْه، کان أکثر توکيداً ووقعاً في النفوس من قولک: رأيت رجلا کريماً أو شجاعاً؛ لما يحصل في ذلک من المکانة والمبالغة بذکر المجاز دون الحقيقة.

المقصد الثالث: ما يرجع إلى اللفظ والمعنى جميعاً؛ لما يحصل في المجاز من: تلطيف الکلام وحسن الرشاقة فيه، وتقرير ذلک: هو أن النفس إذا وقفتْ على کلام غير تام بالمقصود منه؛ تشوقت إلى کماله، فلو وقفتْ على تمام المقصود منه؛ لم يبق لها هناک تشوّق أصلا؛ لأن تحصيل الحاصل محال، وإن لم تقف على شيء منه فلا شوق لها هناک، فأما إذا عرفته من بعض الوجوه دون بعض فإن القدْر المعلوم يحصل شوقاً إلى ما ليس بمعلوم، فإذا عرفت هذا فنقول:إذا عُبّر عن المعنى باللفظ الدال على الحقيقة حصل کمال العلم به من جميع وجوهه، وإذا عُبّر عنه بمجازه لم تعرف على جهة الکمال، فيحصل مع المجاز تشّوقٌ إلى تحصيل المجاز، فلا جَرَم کانت العبارة بالمجازات أقرب إلى تحسين الکلام وتلطيفه"[31].

وعلى هذا الأساس، وتلک القاعدة ـ أعني: أنه لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز ولا يُقال به إذا کان التعبير بالحقيقة المباشرة ينهض بأداء المعنى دون نقصان ، وليس وراء العدول عن ذلک من الأسرار واللطائف ما يدعو إليه، فيبقي الکلام ـ حينئذ ـ على حقيقته؛ لأنه الأصل، والعدول عنه خلاف الأصل ـ بني المفسرون لکتاب الله عز وجل آراءهم، فإذا وجدوا أن البيان القرآني يصح أن يحمل على الحقيقة، کما يصح أن يحمل على المجاز، نراهم يرجحون ويفضلون حمله على الحقيقة، خاصة إذا لم يکن هناک ما يدعو إلى حمله على المجاز؛ لأنه ـ کما أشرنا من قبل ـ رجوع إلى أصل الکلام .

 يقول جمال الدين القاسمي : وهو يفسر قول الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْکِتَابَ آمِنُوا بِمَا نزلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ کَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَکَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا )[32].

(من قبل أن نطمس وجوها ) أي: نمحو تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم ، قال ابن عباس : طمسها : أن تعمي ( فنردها على أدبارها ) أي : فنجعلها على هيئة أدبارها ، وهي الأقفاء مطموسة مثلها جزاء على الکفر ، أو ننکسها بعد الطمس فنردها إلى موضع الأقفاء ، والأقفاء إلى موضعها، وقد اکتفى بذکر أشدهما.

هذا، وفي الآية تأويل آخر، وهو: أن المراد من طمس الوجوه : مجازه ، وهو : صرفهم عن الحق وردهم إلي الباطل، ورجوعهم عن المحجة البيضاء إلى سبيل الضلالة، يهرعون ويمشون القهقرى على أدبارهم، (وطمس الوجوه ) على هذا التأويل يحتمل معنيين :-

أحدهما: تقبيح صورتهم، يقال : طمس الله صورته، کقوله: قبح الله وجهه0

والثاني : إزالة آثارهم عن بلاد العرب ومحو أحوالهم عنها.

وثمة تأويل آخر،وهو أن المراد بالوجوه: الوجهاء، على أن الطمس بمعنى مطلق التغيير، أي: من قبل أن نغيّر أحوال وجهائهم، فنسلب إقبالهم ووجاهتهم، ونکسوهم صغارا أو أدبارا، وقال بعضهم: الأظهر حمل قوله ( أو نلعنهم ) الخ ، على اللعن المتعارف،ألا ترى إلى قوله تعالى:( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُکُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِکَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ... الآية)[33]. ففصل تعالى بين اللعن وبين مسخهم قردة وخنازير"[34].

ثم قال القاسمي: "وأقول: لا يخفى أن جميع ما ذکر من التأويلات، غير الأول – وهو التأويل الحقيقي – لا يساعده مقام تشديد الوعيد، وتعميم التهديد، فإن المتبادر من اللفظ: الحقيقة، ولا يُصار إلى المجاز إلا إذا تعذّر إرادتها، ولا تعذر هنا، کما أن المتبادر من اللعن المُشبه بلعن أصحاب السبت، هو: المسخ، وهو الذي تقتضيه بلاغة التنزيل؛ إذ فيه الترقي إلى الوعيد الأفظع.

 ولا ننکر أن تکون هذه التأويلات ـ غير الأول ـ مما يشمله لفظ الآية ، وإنما البحث في دعوى إرادتها دون سابقها، فالحق أن المتبادر من النظم الکريم هو الأول؛ لأنه أدخل في الزجر"[35].

الخامسة: الحقيقة عند البلاغيين:

ذکرنا ـ آنفاً ـ أن البلاغيين عندما تعرضوا للحقيقة لم يتناولوا فيها إلا مسائل قليلة، وهي: تعريفها في اللغة واشتقاقها ونوع التاء فيها، کما عرفوها في اصطلاحهم، وذکروا أقسامها، ثم أخيرًا قارنوا بينها وبين قسيمها المجاز، والآن نستعرض تلک المسائل، فنقول:

المسألة الأولى: تعريفها في اللغة واشتقاقها ودلالة التاء الملحقة بها.

 إن مادة(حقق) تعني في اللغة:الصدق والوجوب،والثبات والاستقرار،والحقيقة هي: اللفظ الذي أُقِرَّ في الاستعمال على أصل وضعه. فيقال: حقيقة الشيء : خالصه وکنهه، وحقيقة الأمر: الشيء الثابت يقينا.يقول ابن فارس:"إن الحقيقة هي من قولهم : حقَّ الشيءُ : إذا وجب ، واشتقاقه من الشيء المحقق وهو: المحکم ، تقول العرب : ثوب محقّق النسج ، أي : محکمه، قال الشاعر:

 تسربل جِلد وجهِ أبيک إنا کفيناک المحققة الرِّقاقا

وهذا جنس من الکلام يصدق بعضه بعضا ، فالحقيقة : الکلام الموضوع موضعه الذي ليس باستعارة ولا تمثيل ، ولا تقديم فيه ولا تأخير ، کقول القائل : أحمد الله على نعمه وإحسانه ، وهذا أکثر الکلام ، قال الله جل ثناؤه : (والذين يؤمنون بما أنزل إليک وما أنزل من قبلک وبالآخرة هم يوقنون)[36]، وأکثر ما يأتي من الآي على هذا، ومثله في شعر العرب :

 وفي الشر نجاة حـ ين لا ينجيک إحسان"[37]

وجاء في لسان العرب تحت مادة(حقق):" الحقُّ:نقيض الباطل، وحَقَّ الأَمرُ يَحِقُّ ويَحُقُّ ـ من بابي ضرب وقتل ـ حَقّاً وحُقوقاً صار: حَقّاً وثَبت قال الأَزهري معناه وجَب يَجِب وجُوباً ،وحَقَّ عليه القولُ وأحْقَقْتُه أنا وفي التنزيل:" قال الذي حَقَّ عليهم القولُ" أي: ثبت. وقوله تعالى:" ولکن حقَّت کلمة العذاب على الکافرين" أي: وجبت وثبتت، وکذلک" لقد حقَّ القول على أکثرهم"، وحَقَّه يَحُقُّه حقّاً وأحَقَّه کلاهما: أثبته وصار عنده حقّاً لا يشکُّ فيه وأحقَّه صيره حقّاً. وحَقَّ الأَمرَ يحُقُّه حقّاً وأحقَّه کان منه على يقين تقول: حَقَقْتَ الأَمر وأحْقَقْته إذا کنت على يقين منه. والحَقِيقَةُ: ما يصير إليه حَقُّ الأمر ووجُوبُه، وبلغ حقيقةَ الأمر أي يَقِينَ شأْنه، وفي الحديث: "لا يبلُغ المؤمن حقيقةَ الإيمان حتى لا يَعِيب مسلماً بِعَيْب هو فيه" يعني خالِصَ الإيمان ومَحْضَه وکُنْهَه ،وحقيقةُ الرجل: ما يلزمه حِفظه ومَنْعُه ويَحِقُّ عليه الدِّفاعُ عنه من أهل بيته. والحقيقةُ في اللغة:ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضْعِه، والمَجازُ ما کان بضد ذلک، وإنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة وهي:الاتِساع، والتوکيد، والتشبيه، فإن عُدِم هذه الأوصافُ کانت الحقيقة البتَّةَ . وحَقَّ الشيءُ يَحِقُّ بالکسر حقّاً أي وجب. وفي التنزيل: "ولکن حَقَّ القولُ مني". وأحقَقْت الشيء أي: أوجبته، وتحقق عنده الخَبَرُ أي: صحَّ، وحقَّقَ قوله وظنَّه تحقيقاً أي: صدَّقَ، وکلامٌ مُحَقَّقٌ أي رَصِين. وثوب مُحَقَّقٌ إِذا کان مُحْکَمَ النَّسْجِ. وأَنا حَقِيقٌ على کذا، أَي: حَريصٌ عليه عن أَبي عليّ، وبه فسّر قوله تعالى: "حَقِيقٌ عَلَى أَن لا أَقول على الله إلاَّ الحَقَّ "،في قراءة من قرأَ به، وقرئ:" حقيق عليّ أَن لا أَقول"ومعناه: واجب عليّ ترک القول على الله إِلاَّ بالحق[38].

 وفي تاج العروس عند مادة ( ح ق ق) ورد:"والحَق: المَوْجُودُ الثابِتُ الذي لا يَسُوغُ إِنْکارُه. وحَقِيقَةُ الأمْرِ :ما يَصيرُ إِليه حَقُّ الأمْرِ ووُجُوبُه، يُقال : بَلَغَ حَقِيقَةَ الأمْرِ، أي: يَقِينَ شَأنِه .والحاقةُ:النّازِلَةُ الثّابِتَةُ ،کالحَقَّةِ ،وقِيلَ: سُمِّيَتِ القِيامَةُ حاقة؛ لأنَّها تَحُقُّ کلَّ إِنْسان من خَيْرٍ وشَرّ .وحَقَّ الشّيءَ : أَوجْبَهَ وأثبَتَه ، وصارَ عندَه حَقاً لا يَشُک فيه، ويُقال:يَحِقّ عليکَ أَنْ تَفْعَلَ کَذا، أَي: يَجبُ کأحَقَّه ،وحَققَه. وقِيلَ:أحَقَّه: صَيًّرَه حَقاً. وحَقَّ الأمرُ يَحُقُّ بالضمّ ويَحِق بالکسرِ حَقةً، بالفتحِ ، وکذلک حَقًّا،وحُقوقاً، کقُعُودٍ: صارَ حَقاً ، وثَبَتَ ، قال الأزهَرِي: مَعناه: وَجَبَ وُجُوباً ، ومنه قولُه تَعالى:"ولکِنْ حَقَّت کَلِمَةُ العَذابِ على الکافِرِينَ" أَي: وَجَبَت وثَبَتَتْ، وکذلِکَ قولُه تعالَى:"لَقَد حَقَّ القَوْلُ على أَکْثَرِهِمْ". وقالَ ابنُ درَيد : حَقَّ الأمْرُ يَحِقُّ حَقاً، ويَحُقُّ: إِذا وَقَعَ بلا شَک.حَقَّ وحُقَّ: (فَعِيل) بمَعْنَى: (مَفْعُول) ، قالَ الشّاعِر:

 قَصِّر فإنَّکَ بالتَّقْصِيرِ مَحْقُوقُ

 ويُقال للمَرْأَةِ: أنْتِ حَقِيقَةٌ لذلِکَ، يَجعَلونَه کالاسْم، وأنْتِ مَحْقُوقةٌ لذلِک، وأنْتِ مَحْقُوقة أَنْ تَفْعَلِي ذلِکَ. والحَقِيقَة: ما أقِر في الاستِعْمالِ على أَصْل وَضْعِه.وقِيلَ: هو اسمٌ لِما أريدَ به ما وُضِعَ له، (فَعِيلَة) من حَق الشَّيءُ: إِذا ثَبَتَ، بمَعْنَى (فاعِلَة)، و(التاءُ) فيه للنقل: من الوَصفية إلى الاسميَّة، کما في العَلاّمةِ ، لا للتأنِيثِ ، وهي ضِد: المَجازِ[39].

هذا هو أصل مادة(حقق) ومعناها واشتقاقها کما ورد عند أهل اللغة، والذي يدورـ کما أسلفناـ حول الثبات والاستقرار، والرسوخ والوجوب.

 وقد نقل البلاغيون ـ عن أهل اللغة ـ ذلک في مصنفاتهم فها هو ذا الخطيب يقول:"الحقيقة في اللغة: وصف بزنة"فعيل" إما بمعنى اسم المفعول فيکون مأخوذاً من قولک: حقَقْتُ الشيء ـ بالتخفيف ـ أحُقُّه بمعنى: أثبَتّه،وإما بمعنى اسم الفاعل فيکون مأخوذاً من قولک: حقَّ الشيء يَحِقّ بمعنى: ثبت، أي: أن معنى "الحقيقة" هي: الکلمة المُثْبَتَة في موضعها الأصلي (على اعتبار أنها بمعنى اسم المفعول)، أو هي: الکلمة الثابتَة في موضعها الأصلي( على اعتبار أنها بمعنى اسم الفاعل)[40].

 أما عن دلالة التاء الملحقة بلفظ: حقيق(حقيقة)، فقد ورد عن البلاغيين رأيان فيها: الأول يقول:إنها للتأنيث، وصاحب هذا الرأي هو: السکاکي، حيث يقول:"والتاء عندي للتأنيث في الوجهين ـ أي:في فعيل إذا کانت بمعنى:فاعل،أو بمعنى مفعول ـ؛ لتقدير لفظ" الحقيقة" قبل التسمية: صفة مؤنث غير مجراة على الموصوف وهو: الکلمة"[41].ولم يرتض الخطيب ما قاله السکاکي عن هذه "التاء" فعلق عليه بقوله:وفيه نظر".

 والآخر: يقول:إنها لنقل الکلمة من الوصفية إلى الاسمية.وصاحب هذا الرأي هو:جمهور البلاغيين يقول الخطيب:" وقيل:ـ إن التاء ـ هي لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية الصرفة، کما في قيل : أکيلة ونطيحة،إن التاء فيهما لنقلهما من الوصفية إلى الاسمية، فلذلک لا يوصف بهما، فلا يُقال: شاة أکيلة أو نطيحة".وقد أبان ابن يعقوب عن کيفية النقل ودلالته في هذه التاء بصورة أوضح قائلا:"إن التاء ـ في کلمة الحقيقة ـ للنقل من الوصفية إلى الاسمية، وبيان ذلک: أن التاء في أصلها تدل على معنى فرعي وهو:"التأنيث"،فإذا روعي نقل الوصف عن أصله الذي هو:"التذکير"إلى ما کثر استعماله فيه وهو:"الاسمية" اعتبرت التاء فيه، وأتي بها إشعاراً بفرعية "الاسمية"فيه، کما کانت في" الوصفية"إشعاراً "بالتأنيث"،وذلک کقولهم:"ذبيحة" فإنها بلا تاء: وصف في الأصل لکل مذبوح من:إبل أو بقر أو غنم ، ولکن کثر استعمالها في الشاة، واعتبر نقلها اسماً لها، فجعلت "التاء" فيها:للنقل من الوصفية للاسمية،وکذلک لفظ"الحقيقة" هنا، لمّا اختص ببعض ما يوصف به وصار اسماً له؛ جعلت للنقل فيه"[42].

 والذي أرجحه هنا هو رأي الجمهور أعني:أن التاء في لفظ الحقيقة لنقل الکلمة من الوصيفة إلى الاسمية، أما القول: بأنها للتأنيث باعتبار أن الحقيقة اسم للکلمة فهذا لا يصح؛ لأنه يُقال:"هذا اللفظ حقيقة"، ولو کانت التاء فيها للتأنيث لم يصح ذلک؛ لعدم اتحاد الصفة مع الموصوف في التذکير والتأنيث.

ويلاحظ هنا أيضاً أن البلاغيين اقتفوا أثر اللغويين في دلالة تلک التاء الملحقة بکلمة الحقيقة"[43].

المسألة الثانية: تعريف مصطلح"الحقيقة" عند البلاغيين:

إن "الحقيقة" في اصطلاحهم تعني:"الکلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح به التخاطب". ثم أخذوا يشرحون هذا التعريف، ويوضحون ما فيه من أوجه الاحتراز؛ ليثبتوا أنه تعريف جامع مانع، فيقولون: قولنا: الکلمة "المستعملة " احتراز عما لم يستعمل، فإن الکلمة قبل الاستعمال لا تسمى حقيقة.

وقولنا: "فيما وضعت له " احتراز عن شيئين:

أحدهما: ما استعمل في غير ما وضعت له غلطاً، کما إذا أردت أن تقول لصاحبک: خذ هذا الکتاب، مشيراً إلى کتاب بين يديک، فغلطت فقلت: خذ هذا الفرس.

والآخر: أحد قسمي" المجاز"، وهو:ما استعمل فيما لم يکن موضوعاً له لا في اصطلاح به التخاطب ولا في غيره، وذلک کاستعمال لفظة"الأسد" في الرجل الشجاع.

وقولنا:" في اصطلاح به التخاطب "، احتراز عن القسم الآخر من" المجاز"، وهو:ما استعمل فيما وضع له لا في اصطلاح به التخاطب، وذلک کلفظ"الصلاة" يستعمله المُخَاطِبُ بعرف الشرع في "الدعاء" مجازاً .

المقصود "بالوضع":لقد اشتمل تعريف الحقيقة على "الوضع"، واعتبر هو الأساس الذي يرجع إليه في تحديد نوع الکلمة من جهة الحقيقة أو المجاز، بل وإلى تعيين أقسامهما أيضاً، فما المراد به؟

"الوضع" عند جمهور المحققين هو: تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه.وقولنا:" بنفسه"احتراز من تعيين اللفظ للدلالة على معنى بقرينة ـ أعني: المجازـ فإن ذلک التعيين لا يسمى وضعاً.ودخل" المشترک"في الحد؛ لأن عدم دلالته على أحد معنَيَيْه بلا قرينة لعارض ـ أعني: الاشتراک ـ لا ينافي تعيينه للدلالة عليه بنفسه ، وذلک کلفظ" القرء" فقد عيّن تارة للدلالة على "الطهر" بنفسه، وعيّن تارة أخرى للدلالة على" الحيض" بنفسه کذلک، فهو موضوع لکل منهما على استقلال.

وقيل:إن الوضع ـ وهذا القول ينسب إلى :عباد بن سليمان الصيمري وهو من المعتزلة ـ هو: دلالة اللفظ على معناه لذاته،بمعنى: أن بين اللفظ والمعنى علاقة ذاتية طبيعية ربطت بينهما، واقتضت دلالة اللفظ على معناه ، فکل من سمع اللفظ؛ فهم المعنى بهذه العلاقة الذاتية، وحجة صاحب هذا الرأي ثلاثة أمور:

الأول: وجود العلاقة الذاتية بين کثير من الألفاظ ومعانيها،فلفظ"العُواء" بالضم، إنما دل على صوت الذئب؛ لما بين الدال والمدلول من علاقة ذاتية هي: التوافق في الصوت والحروف، ومثله"المُواء" بضم الميم لصوت القط، و"القهقهة" لصوت الضاحک، إلى غير ذلک مما فيه توافق بين الدال والمدلول .

الثاني: أنه لولا وجود هذه العلاقة بينهما لکان اختيار لفظ دون آخر ترجيحاً بلا مرجح.

الثالث: أن للحروف في أنفسها خواصاً، وصفاتاً ، ـ وذلک "کالفصم" بالفاء التي هي حرف رخو، فإنه وضع لکسر الشيء من غير أن يَبيِنَ،و"کالقصم" بالقاف التي هي حرف شديد، فإنه وضع لکسر الشيء حتى يبَِينَ، ولا شک أن کسر الشيء مع البينونة أشد وأقوى من الکسر بلا بينونة ـ کما أن لهيئات ترکيب الحروف أيضاً خواصاً وصفاتاً، تقتضي ألا يهمل أمرها عند وضع اللفظ للمعنى، بأن يراعى التناسب بينهما أداء لحکمة اتصاف الحروف، أو هيئاتها بتلک الخواص، وذلک مثل وزن" الفَعَلان،والفَعَلَى" بالتحريک فيهما، فإنهما وضعا لما فيه حرکة واضطراب، کالنَّزَوَان والغَلَيَان، وکالحَيَدَى والجَمَزَى وصفيْن للحمار السريع ،ومثل وزن"فَعُلَ" کشَرُفَ وعَظُمَ فإنه يدل على أفعال الطبائع والسجايا.

 وقد حُکم على هذا الرأي بالفساد، وردّ عليه بعدة ردود، منها:

أولاً:لو أن اللفظ يطلب المعنى لعلاقة ذاتية بينهما؛ للزم أن يفهم الإنسان معنى اللفظ في أي لغة من اللغات ، بدون حاجة إلى تعلمٍ متى رجع إلى ما بينهما من علاقة، والواقع ليس کذلک ،بل لمَاَ اختلفت اللغات في معنى اللفظ الواحد باختلاف الأمم؛لأن اللفظ دال بذاته، وما بالذات لا يختلف باختلاف الغير واللازم باطل.

ثانياً: لو أن اللفظ دال بذاته على المعنى؛ لامتنع أن يدل بواسطة القرينة على المعنى المجازي دون الحقيقي،کما في "الأسد"المستعمل في الرجل الشجاع بقرينة "الحمام"مثلا ،ولامتنع أيضاً أن ينقل اللفظ من معنى إلى آخر بحيث لا يفهم منه إلا المعنى الثاني"کالصلاة"المنقولة من معنى الدعاء إلى الأرکان الخاصة، وکالدابة المنقولة من کل ما يدب على الأرض إلى ذوات الأربع؛لأن اللفظ ـ فيما ذکرناـ دالٌ بذاته على المعنى الأول، وما بالذات لا يزول بالغير واللازم باطل.

ثالثاً:لو کانت المناسبة الذاتية دليلاً على المعنى فيما بينهما من ذلک التوافق في الصوت والحرف کالذي مثّل به هذا القائل من"العُواء،والمُواء،والقهقهة"، فکيف تنهض دليلاً فيما لا توافق بينهما، مع ما نعلمه من خلو غالب الألفاظ من هذا التوافق؟.

رابعاً: ماذا يقول صاحب هذا الرأي فيما هو مشاهد من دلالة کثير من الألفاظ على معانيها، وعلى أضداد هذه المعاني، فأي أثرٍ للمناسبة الذاتية هنا بين اللفظ، وضد معناه؟.

خامساً: هلا کفي أن يکون مجرد عروض اللفظ، دون غيره للخاطر مرجحاً، ودافعاً إلى اختياره؟.

 سادساً:أن اعتبار التناسب بين اللفظ والمعنى بحسب خواص الحروف أو هيئات ترکيبهاـ کما قيل إنما يظهر في بعض الکلمات ـ کالأمثلة التي ذکرتُ آنفاً ـ، أما اعتباره في جميع الکلمات من لغة واحدة، فضلاً عن جميع اللغات، فمتعذّرٌ أيما تعذّر، ولعل تلک الألفاظ المذکورة وما شاکلها وضعت لمعانيها اتفاقاً، بدون مراعاة التناسب بينهما[44].

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن مصطلح" الوضع" الذي ذکره البلاغيون في تعريفهم للحقيقة والمجاز،والمعتبر في التمييز بينهما إنما هو"الوضع اللغوي"، فالکلمات التي استعملت فيما وضعت له سميناها "حقيقة"، والتي استعملت في غير ما وضعت له سميناها" مجازا".وليس المقصود به الوضع الأول"أعني: الصورة التي تحققت بها اللغة عند نشأتها الأولى،وإنما المراد به الوضع أو الاستعمال العرفي،أعني: الدلالات التي يشيع استخدام الکلم فيها في عرف الاستعمال، وهو الذي يستطاع في ضوئه التفرقة بين الحقيقة والمجاز،والذي يقود ـ بالتالي ـ إلى الوعي بتطور اللغة لا الإيمان بثباتها أو جمودها"[45].

المسألة الثالثة: أقسام الحقيقة عند البلاغيين:

إن البلاغيين قد قسموا الحقيقة بالنظر إلى الواضع إلى أربعة أقسام:فإذا کان واضع تلک الحقيقة هو واضع اللغة؛ سميت( حقيقة لغوية)، وإذا کان واضعها واضع الشرع؛ سميت( حقيقة شرعية)، وإذا کان واضعها أهل عرف خاص؛ سميت( حقيقة عرفية خاصة)، وإذا کان واضعها أهل عرف عام؛ أطلق عليها( حقيقة عرفية عامة).

وإليک الحديث عن هذه الأقسام بشيء من التفصيل:

  • · أولاً: الحقيقة اللغوية: وهي ما وضعها واضع اللغة، ودلت على معانٍ مصطلح عليها في تلک المواضعة،وذلک نحو ألفاظ:السماء، الأرض،الإنسان،النبات، الفرس...إلى آخره، فإذا استعملت هذه الألفاظ في معناها الأصلي، فإنها تکون حقيقة لغوية، وإذا استعملت في غيره فإنها تکون مجازاً، ومثل کلمة"أسد" إذا أطلقها المُخاَطِب على "السبع" فإنها تکون حقيقة لغوية.
  • ·    ثانياً: الحقيقة الشرعية: وهي اللفظة التي يستفاد من جهة الشرع وضعها لمعنى غير ما کانت تدل عليه في أصل وضعها اللغوي، وهي نوعان:ـ

الأول: أسماء شرعية:وهي التي لا تفيد مدحاً أو ذماً عند إطلاقها نحو: الصلاة، والزکاة، والحج،والصوم، وسائر الأسماء الشرعية.

والآخر: أسماء دينية:وهي التي تفيد مدحاً أو ذماً نحو: مسلم، ومؤمن، وکافر، وفاسق، ومنافق ،إلى آخره .

  • · ثالثاً: الحقيقة العرفية العامة: وهي الألفاظ التي وضعها أهل العرف العام،أي: التي لم يختص بوضعها طائفة مخصوصة من الناس، وذلک کلفظ"دابة"، فإنها وضعت في الأصل لکل ما يدب على الأرض ، فيشمل ذلک الحيوانات والحشرات وغير ذلک، ولکنها اختصت ـ من بين سائر ما يدب على الأرض ـ ببعض الدواب ذوات القوائم الأربع مثل: الحمار، والبغل، والفرس .
  • · رابعاً: الحقيقة العرفية الخاصة: وهي الألفاظ التي وضعها أهل عرف خاص، وجرت على ألسنة العلماء من الاصطلاحات التي تخص کل علم ، فإنها في استعمالها تعتبر حقائق، وإن خالفت الأوضاع اللغوية، وذلک نحو: ما يجريه أهل الحرف والصناعات والعلوم فيما يفهمونه بينهم، مثل ألفاظ: الجوهر، والعَرض، والکَوْن ،وغير ذلک مما يستعمله أهل الکلام في مباحثهم،ومثل: الرفع، والنصب،والجزم،والحال, والتمييز، وغير ذلک مما يستعمله النحاة في مُواضعاتهم.

 هذا، ويلاحظ أن الحقيقة اللغوية هي أساس اللغة، أما الحقيقة الشرعية والعرفية، فهما نقل للغة إلى معانٍ جديدة يصطلح عليها الناس[46].

النقطة السادسة: المقارنة بين القيمة الجمالية لأسلوبي الحقيقة والمجاز:

 إن هذه النقطة تعد من أهم الدوافع والأسباب التي کانت وراء تناول هذا الموضوع؛ حيث إن المقولة الذائعة في مصنفات البلاغيين وهي:" أن المجاز أبداً أبلغ من الحقيقة"، أعتقد أنها کانت وراء إحجام وعزوف کثير من العلماء عن تناول أسلوب الحقيقة، والإبحار في أعماقه، لاستخراج درره ولآلئه المکنونة في الأساليب البليغة الرائقة، إننا نلاحظ أن البلاغيين في الوقت الذي يربطون فيه بين وجود أسلوبي الحقيقة والمجاز، على اعتبار أن أحدهما لا تتضح مکانته إلا بذکر الآخر، فإنا نراهم حين يقارنون بينهما ينتهون إلى نتيجة واحدة ـ وهي التي ذکرناها آنفاًـ أعني:"أن المجاز أبداً أبلغ من الحقيقة "،وکأن هذه المقولة التي تناقلها العلماء ـ على إطلاقهاـ قد أصبحت أمراً مسلماً به، حتى وجدناها تتردد في کلامهم جميعاً.

 و في هذا المقام نجد أن هناک عدة أسئلة تفرض نفسها، وهي:من صاحب تلک المقولة التي ذاعت في تراثنا البلاغي؟ والتي کان من آثارها الإهمال الذي أصاب الحقيقة، وهل صحيح: أن المجاز عموماً أبلغ من الحقيقة؟ وما المقصود من الأبلغية عندهم ؟ هل هي من البلاغة أم من المبالغة؟.

وللإجابة على التساؤل الأول والثاني :أقول: الذي يبدو لي أن ابن رشيق ت( 456هـ) يعد هو أول من جهر بهذه المقولة صراحة، وإن وردت عند من سبقه ضمناً،ثم تناقلها اللاحقون من بعده، وعبارته التي سجلها في کتابه ( العمدة) هي :"والمجاز في کثير من الکلام أبلغ من الحقيقة، وأحسن موقعاً في القلوب والأسماع "[47].

لاحظ قوله:" في کثير من الکلام "،إنه يتحفظ في ذکرها ، ويقيد إطلاقها، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى وعيه وفهمه لأسرار الکلام وإدراک مراميه،إن فحوى عبارته هذه تشير إلى أن هناک مواطناً للمجاز لا يکون فيها أبلغ من الحقيقة، وإنما يکون هو والحقيقة سواء في أداء المعنى، بل ربما تکون الحقيقة أبلغ وأبين منه في ذلک.

وهذه المقولة لها واقع عند من سبقه من البلاغيين والنقاد من أمثال:الآمدي ت (370هـ)، والرماني ت(386هـ) ،وابن جني ت(392هـ)،وابن فارس ت(395هـ)، وأبي هلال العسکري ت(395هـ)، والشريف الرضي ت(404هـ)، وابن سنان ت(460هـ)، وغيرهم.

وإليک بعض أقوالهم التي تضمنت القول بأبلغية المجاز على الحقيقة،يقول الرماني في تعليقه على قول الله تعالى:(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)[48]"حقيقته:فبلِّغ ما تؤمر به، والاستعارة أبلغ من الحقيقة؛لأن الصدع بالأمر لابد له من تأثير کتأثير صدع الزجاجة، والتبليغ قد يصعب حتى لا يکون له تأثير فيصير بمنزلة ما لم يقع، والمعنى الذي يجمعهما الإيصال، إلا أن الإيصال الذي له تأثير کصدع الزجاجة أبلغ"، کما يعلق على قوله عز وجل:(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاکُمْ فِي الْجَارِيَةِ)[49] بقوله:"حقيقته:عَلاَ، والاستعارة أبلغ؛لأن طغى عَلاَ قاهراً وهو مبالغة في عظم الحال"[50].

ويقول أبو هلال في تعليقه على قول الله تعالى:( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا)[51]" حقيقته: کثر الشيب في الرأس وظهر، والاستعارة أبلغ؛ لفضل ضياء النار على ضياء الشيب، فهو إخراج الظاهر إلى ما هو أظهر منه، ولأنه لا يتلافى انتشاره في الرأس، کما لا يتلافى اشتعال النار"،کما يعلق على قوله عز وجل:(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأکْبَرِ)[52]

بقوله:"حقيقته: لنعذبنّهم، والاستعارة أبلغ؛ لأن حس الذائق أقوى لإدراک ما يذوقه، وللذوق فضل على غيره من الحواس...ألا ترى أن الإنسان إذا رأى شيئاً لم يعرفه شمَّه، فإن عرفه وإلا ذاقه، لما يعلم أن للذوق فضلاً في تبين الأشياء"[53].

ويعلق ابن سنان الخفاجي على قوله تعالى:( وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) بقوله:" الاشتعال للنار، ولم يوضع في أصل اللغة للشيب، فلما نقل إليه؛ بان المعنى لما اکتسبه من التشبيه؛لأن الشيب لما کان يأخذ في الرأس ، ويسعى فيه شيئاً فشيئاً حتى يحيله إلى غير لونه الأول کان بمنزلة النار التي تشتعل في الخشب وتسرى ـ فيه ـ حتى تحيله إلى غير حالته المتقدمة، فهذا هو نقل العبارة عن الحقيقة في الوضع للبيان، ولا بد أن تکون أوضح من الحقيقة لأجل التشبيه العارض فيها؛لأن الحقيقة لو قامت مقامها کانت أولى؛لأنها الأصل، والاستعارة الفرع"[54].وغير ذلک کثير.

وعندما أتى ابن رشيق ت(456هـ)،ـ ورأى مثل هذه المقولات وغيرها ، والتي ترفع من شأن العبارة المجازية، أياً کان نوعها، ووجد من سبقه يکادون يجمعون على أن المجاز يفيد ما لا تفيده الحقيقة، ولولا ذلک لکانت الحقيقة أولى منه ـ صاغ ما قاله السابقون في هذه المقولة الشهيرة:"والمجاز في کثير من الکلام أبلغ من الحقيقة"، وتبعه فيها جل من أتى بعده، وأصبحت تلک المقولة ذائعة الصيت في تراثنا البلاغي، بل وزادوا عليها، ولم تنقل کما قالها.

 وعندما جاء سيبويه البلاغة وخليلهاـ على حد تعبير د/ عبد العظيم المطعني[55] ـ الإمام عبد القاهر الجرجاني:رأيناه في کتابه(دلائل الإعجاز) ينسب إلى من سبقه هذه العبارة، ويصوغها صياغة تؤکد ارتضاءه لها، فيقول: ”قد أجمع الجميع على أن "الکنايةَ" أبلغُ من الإفصاح، و"التعريضَ" أوقع من التصريح، وأن "للاستعارة" مزيةً وفضلا، وأن "المجازَ" أبداً أبلغُ من الحقيقة "[56].

وإذا أنعمنا النظر في نظمه لتلک العبارة لرأينا أن فيها تسامحاً إلى حد ما؛ حيث إنه بدأها بقوله " قد أجمع الجميع "، ونحن نعلم أن الحرف "قد" عندما يدخل على الفعل الماضي فإنه يفيد التحقيق والتأکيد، ثم عندما ذکر" الکناية والتعريض" ذکر معهما المفضل عليه" الإفصاح والتصريح"، وعندما ذکر "الاستعارة" لم يذکر المفضل عليه معها،ـ ربما لشهرته لم يذکره وهو"التشبيه"ـ وإنما قال"لها مزية وفضلا،ثم خرج من التعبير بهذا الخاص وهو"الاستعارة" إلى التعبير بلفظ العموم، فقال"وأن المجاز أبدا أبلغ من الحقيقة"، فجمع بين المفضل والمفضل عليه معاً؛لإفادة التأکيد، ثم لاحظ قوله"أبداً" التي هي ظرف زمان يفيد الدوام والاستمرار.

فمعنى کلامه ـ رحمه الله ـ أن المجاز أينما حل في العبارة کان أفضل وأبلغ، مع أنه نفسه ذکر أن هناک نوعاً من الاستعارة يسمى بالاستعارة "غير المفيدة"[57]، فکيف يکون أبلغ دائماً ومنه غير المفيد؟ کما أن هناک من النقاد من قال بأن الاستعارات ليست کلها على درجة واحدة من الجمال، فهناک الاستعارات التي قيل عنها أنها قبيحة مطرحة[58].ومن ثم يکون قوله:"إن المجاز أبدا أبلغ من الحقيقة" فيه تسامحٌ، وکان عليه أن يقيد ذلک بالمجاز "المفيد"لا غير، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإنه قال في صدر عبارته"قد أجمع الجميع"، وهذا يدل على أن جميع من سبقه من العلماء قد قال بأفضلية المجاز على الحقيقة ، مع أن هناک منهم من ساوى بينهما في ذلک کالباقلاني ت(403هـ)، وذلک في قوله:"والتصرف في الاستعارة البديعة يصح أن يتعلق به الإعجاز، کما يصح مثل ذلک في حقائق الکلام؛ لأن البلاغة في کل واحد من البابَيْن، تجري مجرى واحدًا، وتأخذ مأخذًا مفردًا"[59].ولو أنه خفف من عبارته تلک وقال مثلا:"أجمع کثير من السابقين على کذا" لکان کلامه أقرب إلى الصواب والدقة.

ومن ثم نقول: إن الادعاء بأن المجاز على عمومه أبلغ من الحقيقة،ادعاء لا يمکن قبوله؛لأنه غير دقيق، ولا يستند إلى دليل.

 ثم عندما نأتي إلى السکاکي ت(626هـ) نجده يقتفي أثر عبد القاهر ويردد المقولة نفسها، فيقول:" واعلم أن أرباب البلاغة ، وأصحاب الصياغة للمعاني مُطبقون على أن : المجاز أبلغ من الحقيقة، وأن الاستعارة أقوى من التصريح بالتشبيه، وأن الکناية أوقع من الإفصاح بالذکر"[60].

 ثم نراه يشرح تلک العبارة ويوضحها، ويُبين المغزى منها، ذاکراً العلة والسبب الذي من أجله کان المجاز في الکلام أبلغ من الحقيقة، مشيراً إلى أن ذلک يرجع إلى طبيعة المجاز نفسه، وأن الشيء معه يقدم مصحوبا بدليله، ـ متأثراً في ذلک بما قرره عبد القاهر في هذا الشأن ـ يقول السکاکي: "والسبب في أن المجاز أبلغ من الحقيقة، هو: ما عرفت أن مبنى المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم، فأنت في قولک :"رعينا الغيث"،ـ وهو التعبير المجازي ـ ذاکراً لملزوم "النبت" مريداً به لازمه، بمنزلة مُدّعي الشيء ببينة؛ فإن وجود الملزوم شاهد لوجود اللازم؛ لامتناع انفکاک الملزوم عن اللازم، لأداء انفکاکه عنه إلى کون الشيء ملزوماً غير مُلزمٍ باعتبار واحد،أما قولک: "رعينا النبت "ـ وهو التعبير الحقيقي ـ فأنت فيه تکون مُدّعيا للشيء لا ببينة، وکم بين ادعاء الشيء ببينة، وبين ادعائه لا بها[61].

وعندما نصل إلى الخطيب القزويني ت(739هـ) نجده يحذو حذو من سبقه فينقل کلامهم في ذلک، ويقول: " أطبق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وأن الاستعارة أبلغ من التصريح بالتشبيه، وأن التمثيل على سبيل الاستعارة أبلغ من التمثيل لا على سبيل الاستعارة، وأن الکناية أبلغ من الإفصاح بالذکر"[62].

وما قاله العلوي ت(749هـ) في "الطراز" لا يخرج عما قِيل قَبلُ حيث يقول:"اعلم أن أرباب البلاغة، وجهابذة أهل الصناعة، مُطبِقون على أن المجاز في الاستعمال أبلغ من الحقيقة، وأنه يُلَطِّفُ الکلام، ويکسبه حلاوة، ويکسوه رشاقة"[63].

أرأيت کيف ذاعت تلک المقولة"المجاز أبلغ من الحقيقة" في مصنفات البلاغيين على مر العصور، حتى أصبحت کثيرة الدوران فيما بينهم ؟!کما أن هذه المقولة تومئ إلى أن هناک اتفاقا بين علمائنا الأجلاء على أن التعبير بالمجاز أعظم تأثيرا،وأکثر جمالاً من التعبير بالحقيقة،ولکن" هذا الحکم يفتقر إلى الدقة؛ لأن هناک کثيراً من التعبيرات المجازية فقدت قدرتها على الإثارة ،فماتت وتحجرت، وأن هناک کثيراً من الأساليب الحقيقية تشتمل على طاقة هائلة من الحياة والقدرة على الإثارة، فالمثال التقليدي"أسد شاکي السلاح"، مثال متحجر بارد يفتقر إلى الطاقة المثيرة، وإنه بوسع الشخص أن يعبر عن "الشجاع" بأسلوب حقيقي أکثر إثارة للانتباه، وتحريکاً للعواطف، فيمکن أن يقال مثلا:"دخل الحرب غير هياب، دخلها وأسراب الطائرات المدوية ،ودخان القنابل والحرائق الهائلة يغطي السماء، لا تمضي ساعة بل أقل منها إلا ويسقط إلى جنبه الواحد أو الاثنان مضرجين بالدم، ويلهجان بالشهادة، أما هو فکان على شراسته يواجه العدو، ويضمد الجرحى، ويواري القتلى من الشهداء"[64].

أما الإجابة على التساؤل الثالث: وهو:ما المقصود من الأبلغية عندهم ، هل هي من البلاغة أم من المبالغة؟.

أقول: إن کلمة"أبْلَغُ" أفعل تفضيل، وهي إما أن تکون مأخوذة من الفعل الثلاثي:"بَلُغَ" ومصدره "بلاغة" ومعناها اللغوي:أفضل وأحسن. وإما أن تکون مأخوذة من الفعل الرباعي:"أبْلَغَ" ومصدره "إبلاغاً" أو مأخوذة من الفعل "بَالغَ" ومصدره"مبالغة"ـ وصياغة أفعل التفضيل من الفعل غير الثلاثي "جائز قياساً مطلقاً على مذهب سيبويه والمحققين من أصحابه واختاره ابن مالک إن کان الفعل مزيداً بالهمزة في أوله"[65]،ونقل الرضي في شرح الکافية عن" الأخفش والمبرد جواز بنائه من جميع الأفعال المزيد فيها"[66]ـ ويکون المعنى: أن الکلام الذي يشتمل على المجاز يصبح أکثر مبالغة من غيره،وما ذکره عبد القاهر حول شرحه لعبارته يؤيد هذا المعنى الثاني، أما الأول وهو أنها مأخوذة من البلاغة فلا يتسق مع مغزى العبارة؛لأنه ـ کما قيل ـ "رب حقيقة تکون أبلغ من مجاز؛ لوقوعها في مقام لا يستدعي المبالغة"[67]،إذاً کلمة أبلغ هنا لا يمکن أن تحمل على البلاغة الاصطلاحية،وهي: المطابقة لمقتضى الحال؛لأنها تثبت للحقيقة أيضاً، إذ قد يکون الحال لا يقتضي إلا الحقيقة فتکون أبلغ من المجاز،أي: أکثر مطابقة للحال منه.

وننبه هنا إلى أن الإمام عبد القاهر عندما ذکر عبارته عن أبلغية المجاز على الحقيقة ،لم يرم بها ـ کغيره ـ دون شرح أو توضيح، بل وقف أمامها ليوضح مکمن الأبلغية، أين هي؟ مع بيان العلة والسبب في ذلک ، حتى تطمئن النفوس ،وتسکن تمام السکون ـ على حد تعبيره ـ إذا عرفتْ السبب في ذلک والعلة، ولِمَ کان کذلک، ثم أشار إلى أن الأبلغية في "المجاز والاستعارة والکناية والتمثيل"، ليس معناها أنها تفيد زيادة في أصل المعنى لا يفيدها ما يقابلها، وإنما المراد: أنها تفيد توضيح الصورة مع تقوية المعنى وتأکيده.فالمعنى لا يتغير حين نسوقه في أسلوب المجاز أو الحقيقة، فلن تکون الشجاعة ـ على سبيل المثال ـ في المجاز غير الشجاعة في الحقيقة، ولکن الذي يتغير هو الطريق الذي منه نسوق المعنى ونثبته، يحدثنا عن ذلک فيقول:"اعلم أن سبيلک أولا أن تعلم أنْ ليست المزية التي تُثبتها لهذه الأجناس على الکلام المتروک على ظاهره، والمبالغةُ التي تدعي لها، في أنفس المعاني التي يقصِدُ المتکلم إليها بخبره، ولکنها في طريق إثباته لها وتقريره إياها".فليست فضيلة قولنا"رأيت أسداً" على قولنا" رأيت رجلا هو والأسد سواء في الشجاعة"، إن الأول أفاد زيادة في مساواته للأسد في الشجاعة لم يفدها الثاني، بل هي أن الأول أفاد تأکيداً لإثبات تلک المساواة لم يفدها الثاني،...والسبب في ذلک أن الانتقال يکون من الملزوم إلى اللازم ، فيکون إثبات المعنى به کدعوى الشيء ببينة، ولا شک أن دعوى الشيء ببينة أبلغ في إثباته من دعواه بلا بينة"[68].

 وبذلک استطاع الإمام بعبقريته الفذة أن يضع أيدينا على ما يفعله المجاز في العبارة ، وهذا مما يحمد له هنا، حيث إنه أبى أن يقف حيث وقف من سبقه. وبذلک يکون قد فتح الباب أمام من أتى بعده للبحث عن جمال الأساليب المجازية، وأسباب تأثيرها، فنجد الرازي ت(606هـ) يذکر لنا شيئاً من ذلک فيقول:" إذا عبر عن الشيء باللفظ الدال عليه على سبيل الحقيقة، حصل کمال العلم به، فلا تحصل اللذة القوية، أما إذا عبر عنه بلوازمه الخارجية، وعرف لا على سبيل الکمال فتحصل الحالة المذکورة التي هي کالدغدغة النفسانية؛ فلأجل هذا کان التعبير عن المعاني بالعبارات المجازية ألذ من التعبير عنها بالألفاظ الحقيقية".أي: أن الصورة المجازية تحل محل مجموعة من العبارات الحرفية، تتساوى معها في الدلالة، ولکن خصوصية الصورة المجازية تتجلى في أنها لا تقود المتلقي إلى الغرض مباشرة، مثلما تفعل العبارات الحرفية، وإنما تنحرف به عن الغرض، وتحاوره وتداوره بنوع من التمويه، فتبرز له جانباً من المعنى، وتخفي عنه جانباً آخر، حتى تثير شوقه وفضوله، فيقبل المتلقي على تأمل الصورة المجازية واستنباطها، وعندئذ ينکشف له الجانب الخفي من المعنى، ويظهر الغرض کاملا، ويکون من نتائج هذه العملية أنها تتيح للمتلقي نوعاً من الدهشة السارة، أو المفاجأة الممتعة"[69].

وعندما نلتقي بابن الأثير ت(637هـ) نجده يحدثنا عن جمال العبارة المجازية، وأثرها النفسي المباشر في سامعها، وأنها تعمل فيه عمل السحر في الإنسان، فيقول:"وأعجب ما في العبارة المجازية أنها تنقل السامع عن خلقه الطبيعي في بعض الأحوال ، حتى إنها ليسمح بها البخيل، ويشجع بها الجبان، ويحکم بها الطائش المتسرع، ويجد المخاطب بها عند سماعها نشوة کنشوة الخمر، حتى إذا قطع عنه ذلک الکلام أفاق وندم على ما کان منه من: بذل مال،أو ترک عقوبة، أو إقدام على أمر مهول، وهذا فحوى السحر الحلال المستغني عن إلقاء العصا والحبال"[70].

هذا، وبعد تأصيلنا لتلک المقولة،وذکرنا لرأي بعض البلاغيين حولها، والنتيجة التي توصلوا إليها وهي: أن المجاز أبلغ من الحقيقة، نقول:من خلال اطلاعنا على کثير من الأساليب المعبرة ، والمؤدية للمعاني المتعددة، والمؤثرة في متلقيها،على اختلاف ثقافتهم، وتنوع مشاربهم، لا نسلم بتلک النتيجة، أو المقولة المذکورة على إطلاقها؛ لأن فيها هضماً للحقيقة، وتهويناً لشأنها،وإجحافاً لدورها في الأداء التعبيري،" أجل، إن المجاز في تعبير بعينه ـ قد ـ يکون له من الأثر الفني، والوظيفية التعبيرية، ما به يکون أبلغ وأسمى من الحقيقة، ولکن ذلک لا يبرر إطلاق الحکم بأن المجاز دائماً أبلغ من الحقيقة وأجمل منها.

فالحقيقة والمجاز هما وسيلتان من وسائل التعبير، تستمد کل منهما بلاغتها وجمالها الفني من مواءمتها في موقعها الخاص للسياق الذي ترد فيه، ومؤدى ذلک أن: الحقيقة في موقعها هي أبلغ وأجمل من المجاز في غير موقعه"[71].

 فالمجاز إذا کان له قيمته الجمالية التي تکمن في التصوير والتخييل، فإن للحقيقة أيضا قيمتها الجمالية التي تتمثل في الواقعية والصدق، والبساطة والقرب، ومن ثم کان للحقيقة موضعها الذي تستعمل فيه، کما أن للمجاز موضعه الذي يستقر فيه، فلا يطغى أحدهما على موطن الآخر، ولا يُزاحمه فيه، والذي يحدد التعبير بأيهما وينادي عليه إنما هو: السياق، ومقتضيات الأحوال، حين يتوافر شرط البلاغة في الکلام.

فالبلاغة إذا کان مضمونها يتمثل في: مراعاة الکلام لمقتضى الحال، فإن هناک أحوالا کثيرة تقتضي الاعتماد على الحقيقة البسيطة المجردة عن التصوير، کما إذا کان المتلقون على جانب من السذاجة والبساطة لا يستطيعون معها إدراک ما في المجاز من تخيّل، وليس مفروضاً في الکلام البليغ أن يکون دائماً موجهاً إلى متلقين واعين، وأيضاً کما لو کان المجال يقتضي من الأديب أن يقنع أو يناقش، فإن المجاز في هذا المجال لا يغني شيئاً.

ولو کانت الحقيقة دائماً أبلغ من المجاز، لکان کلام الله ـ سبحانه ـ حقيقة کله، من حيث إنه أبلغ الکلام، ولکننا نرى الحقيقة والمجاز يتجاوران جنباً إلى جنب في القرآن الکريم، يقول الزرکشي: في کتابه ( البرهان) " لا خلاف في أن کتاب الله ـ عز وجل ـ يشتمل على الحقائق، وهي: کل کلام بقي على موضوعه، کالآيات التي لم يتجوز فيها، وهي الآيات الناطقة ظواهرها بوجود الله تعالى وتوحيده، وتنزيهه، والداعية إلى أسمائه وصفاته، کقوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ...)[72]، وقوله ( أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ...)[73] ، ثم قال: وأکثر ما يأتي من الآي على هذا "[74].

کما أن التعبير بالحقيقة لو کان أقل بلاغة من التعبير بالمجاز؛ لخلا القرآن الکريم کلية من الحقيقة، وفضّل التعبير بالمجاز في جميع المواقف والأحوال، في تشريعه وتعليمه کما في ترهيبه وترغيبه، ولسار على نمط واحد من التخييل والتأويل؛ لکي يترک أثره الذي لا يترکه التعبير المحدد الدقيق، ولکنّ ذلک ناءٍ عن الصواب، فآيات القرآن العديدة أمام الأبصار، واستخراج الآيات التي عبّر فيها بالحقيقة ولم يتجوّز فيها لا يحصرها عدّ "[75].

ونصل من ذلک کله إلى أن الحقيقة لا تقل في قيمتها البلاغية عن المجاز، فالبلاغة هي: مطابقة الکلام لمقتضى الحال، والحال أحياناً يدعو إلى التوضيح أو التحديد أو التقريب، وأحياناً يدعو إلى المبالغة أو التأکيد أو تکفي فيه الإشارة، أو يفي به الرمز، ولکل موقف ما يناسبه من الکلام سواء کان بالحقيقة أو بالمجاز، بحيث لا يغني أحدهما عن الآخر في نقل المعنى، أو رسم الصورة.

فالقول بأن المجاز أبلغ من الحقيقة، لا نرى فيه ما يدعمه حتى نقنع به، فهو قضية تقبل النقاش، وليس مبدأً يجب التسليم به، وما قاله البلغاء قديماً: "إن المجاز أبلغ من الحقيقة "، کان ذلک تعبيراً عن فقه استدلالي لا علاقة له بالواقع الذي يمارسه الشعراء والأدباء، ونحن ندعي أن الحقيقة تنافي المجاز، وأن المجاز في تعبيرات کثيرة أمارة على معنى مجرد وراءه، وأن قمة المجاز وهي: الاستعارة المکنية، ينبغي ألا تکون مطمحاً دائماً متميزاً".[76]

وأرى أن موضوع الأبلغية يجب ألا يرتبط بنوع الأسلوب حقيقي أو مجازي، بقدر ما يرتبط بالمقامات والأغراض التي يُلقى فيها الکلام، فهناک من المقامات التي تکون في حاجة إلى التعبير بالألفاظ الحقيقية الدلالة، القريبة السهلة الواضحة، کما أن هناک من المقامات التي تکون في حاجة إلى التحليق في عالم الخيال بالألفاظ المجازية الجزلة القوية.وهنا يجب على البليغ أن يراعي ذلک کله، يقول الجاحظ، فيما رواه عن صحيفة بشر بن المعتمر:"ينبغي على المتکلم أن يعرف أقدار المعاني، ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين،وبين أقدار الحالات، فيجعل لکل طبقة من ذلک کلاماً، ولکل حالة من ذلک مقاماً، حتى يقسم أقدار الکلام على أقدار المعاني، ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات، وأقدار المستمعين على أقدار تلک الحالات "[77].

ويقول أيضاً:"وکلام الناس في طبقات، کما أن الناس أنفسهم في طبقات، فمن الکلام الجزل والسخيف، والمليح والحسن، والقبيح والسميج، والخفيف والثقيل، وکله عربي، وبکل قد تکلموا، وبکل قد تمادحوا وتعايبوا"[78].

يؤيد ذلک ويؤکده ما ذکره صاحب الأغاني عن بشار بن برد حين قال له قائل: "إنک لتجيء بالشيء الهجين المتفاوت، قال: وما ذاک؟ قال: قلت: بينما تقول شعراً تثير به النقع، وتخلع به القلوب، مثل قولک:

 إذا ما غَضِبنا غَضْبةً مُضَرِيَّةً هَتکنا حِجابَ الشمس أو تُمْطِرَ الدمَا

 إذا ما أعَرْنا سَيِّداً من قبيلةٍ ذُرَى مِنْــبرٍ صـلَّى عـلينا وسَلّمَا

تقول :

 رَبَابَةُ رَبَّةُ البيتِ تَصُبُّ الخلَّ في الزَّيتِ

 لها عَشْرُ دَجَاجَاتٍ ودِيکٌ حَسَنُ الصّوتِ

 فقال: لکلٍ وجه وموضع، فالقول الأول جدُّ، وهذا قلته في ربابة جاريتي، وأنا لا آکل البيض من السوق، وربابة هذه لها عشر دجاجات وديک، فهي تجمع لي البيض وتحفظه عندها، فهذا عندها من قولي أحسن من:

 قِفَا نَبْکِ مِنْ ذِکْرى حبيبٍ ومَنزِلِ...

عندک ".[79]

أرأيت کيف راعى الشاعر المقام فأتى في البيتين الأخيرين بألفاظ سهلة مألوفة، وأسلوب واضح لا التواء فيه ولا غموض؛ لأن المقام يستدعي ذلک، في حين جاءت ألفاظ الأبيات الأولى جزلة فخمة قوية ، محلقاً بها في أفق الخيال " هتکنا حجاب الشمس"؛ لأن مقامها استدعى ذلک أيضاً؟.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن کثيرا من الباحثين قد أشاروا إلى دور أسلوب الحقيقة في الصورة الفنية ، وأن المقام في کثير من الأحيان يحتاج إليها، والسياق ينادي عليها، وأنها لا تقل في دورها وبلاغتها عن قسيمها المجاز[80]

وفي ختام حديثنا حول تلک النقطة: وهي المقارنة بين الحقيقة والمجاز، والمقولة التي حفظت عن البلاغيين في ذلک "أن المجاز أبلغ من الحقيقة"، والتي أطلق عليها بعض الباحثين مسمى المبتورة المضللة[81]ـ، أقول: إن هناک عبارة ذکرها البلاغيون وهم يدافعون عن وقوع المجاز في القرآن الکريم ،وهذه العبارة أعتقد أنها تعد من الإشارات التي تؤدي من طرف خفي إلى رفع شأن الحقيقة وإعلاء منزلتها، هذه العبارة هي: قولهم:" لو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن"[82].ونحن نتساءل هنا: إذا کان المجاز في القرآن قد حاز شطر الحسن والجمال، فأين يذهب شطر الحسن الآخر، ونحن قد أشرنا ـ من قبل ـ إلى أن الکلام لا يعدو إما أن يکون حقيقة، وإما أن يکون مجازاً؟، إنه بلا شک يکون من نصيب الحقيقة.وقد سبق أن رأينا الباقلاني يساوي بين المجاز والحقيقة فيما يتعلق بالإعجاز.

المبحث الثاني

 وهو بعنوان:"الجانب التطبيقي "،وفيه شواهد متنوعة جاء التصوير فيها بأسلوب الحقيقة، وهي کما يلي:

  • ·     أولاً: شواهد من القرآن الکريم.
  • ·     ثانياً: شواهد من الحديث النبوي الشريف.
  • ·     ثالثاً: شواهد من الشعر العربي.

أمثلة تطبيقية على أسلوب الحقيقة:

والآن ننتقل إلى الجانب التطبيقي على ما سبق أن قررناه من أن الحقيقة تعد من الأساليب البيانية التي لا يمکن إهمالها.

أقول: إن هناک شواهد وأمثلة کثيرة من الأساليب التعبيرية الفائقة، اعتمدت في تصويرها للمعنى، وإيصاله للمتلقي على أسلوب الحقيقة،وهذه الأمثلة قد وردت في: القرآن الکريم، والحديث النبوي الشريف، والشعر العربي .أذکر بعضاً منها لأؤکد وأدعم بها ما ذکرته في شأن الحقيقة کطريق من طرق التعبير البليغة المؤثرة، فأقول:

أولا: من القرآن الکريم :

لقد اعتمد البيان القرآني في کثير من المواطن على أسلوب الحقيقة، واتخذه طريقاً في الإفصاح عما يريد بيانه، وإظهاره للعيان، فمن ذلک ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ :

1ـ يقول الله تعالى: وهو يأمرنا بالمحافظة على فريضة الصلاة:(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ . فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُکْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْکُرُوا اللَّهَ کَمَا عَلَّمَکُمْ مَا لَمْ تَکُونُوا تَعْلَمُونَ )[83].

ومعنى القنوت:قيل المراد به: الطاعة، وهو قول ابن عباس، وقيل: القيام، وهو قول ابن عمر، وقيل:السکوت، وهو مروي عن مجاهد، وقيل: الخشوع[84].

إن البيان القرآني في هاتين الآيتين يصور لنا المعنى المطلوب خير تصوير، وهو إبراز مکانة الصلاة من بين الفرائض، وإبراز منتهى المحافظة عليها، وقد جاء ذلک في ثوب الحقيقة بألفاظ مستعملة في مواضعها، وهذه الألفاظ تتعاون فيما بينها لإخراج هذا المعنى على أکمل وجه ،انظر إلى قوله( حافظوا) ومجيئها على صيغة "فاعل"،وهي تتطلب المبالغة في الحفظ، ثم اختيار حرف الجر(على) ليدل على أن حفظ الصلاة يشمل حفظها من جميع النواحي: من طهارة ووضوء، وأداء لها في أوقاتها، ثم الخشوع فيها...الخ، ثم مجئ ( الصلوات) بلفظ الجمع دون لفظ المفرد( الصلاة) حتى لا يفهم من ذلک أن المحافظة تکون على صلاة بعينها، وإنما تعم جميع الصلوات فرضاً کانت أم نفلاً،ثم انظر إلى التخصيص بعد العام( والصلاة الوسطى) ليطلب الحفاظ عليها مرة ثانية، والبيان القرآني لم يعين تلک الصلاة الوسطى قاصداً إلى ذلک حتى يُجتهد في المحافظة عليها کلها، وکأنه بذلک قد أمر بالمحافظة على الصلاة کلها مرتين، أما الاجتهاد في تعيين الصلاة الوسطى فلا يعوّل عليه،ثم يأتي ختام الآية الأولى بقوله( وقوموا لله قانتين)؛ لأن المحافظة على الصلاة تتطلب الخشوع فيها، فالخشوع هو روح الصلاة.

ثم إن البيان القرآني في الآية الأولى ، قد يفهم منه أن المحافظة على الصلاة إنما يکون في حالة الأمن فقط، أما في حالة الخوف فلا يحافظ عليها، فجاءت الآية الثانية لتزيل هذا اللبس، وتؤکد على أن أمر المحافظة على الصلاة ينبغي أن يکون على أي وضع کان ( وإن خفتم فرجالا أو رکبانا)، إن مجئ قوله(وإن خفتم) بعد الأمر بالمحافظة عليها يدل على المحافظة عليها أيضاً في حالة الخوف،ولکن يلاحظ أنه في هذه الحالة ـ حالة الخوف ـ فإن المحافظة عليها قد يخدشها عدم الطمأنينة ،ولذا عبّر(بإن) لتدل على أن الخوف الذي يتطلب عدم الطمأنينة هو أمر طارئ،ومع أنه حالة طارئة إلا أنه أمر بالمحافظة على الصلاة في هذه الحالة أيضاً التي هي مظنة لضياع الصلاة أو التقصير فيها، وجواب (إن) يدل على المحافظة على الصلاة أيضاً؛ إذ التقدير:"وإن خفتم فصلوا رجالا أو رکبانا"،ونلمح من تقديم "فرجالا" على "رکبانا" أن الراجل ـ القائم على القدمين، أو الواقف على الأرض ـ لاشک أنه أقدر على المحافظة على هيئة الصلاة والخشوع فيها من الراکب، وأن الرکوب ينبغي أن يکون طارئاً،ولا يکون هو الأصل، وإنما يلجأ إليه عند الحاجة أو الضرورة (فإذا أمنتم فاذکروا الله) أي: فإذا تحقق لکم الأمن رجعتم إلى الأصل في أداء الصلاة وهي حالة" الأمن"،وعندئذ ينبغي عليکم أن تعودوا إلى المحافظة على الصلوات وتأديتها على خير وجه، مع العلم أنه يغتفر ما وقع فيها من تقصير في حالة الخوف، أما في حالة الأمن فينبغي أن تؤدى الصلاة مستوفية الأرکان والشروط، والطمأنينة والخشوع إلى غير ذلک.

إن ألفاظ الآيتين الکريمتين کلها ألفاظ حقيقية يأخذ بعضها بحجز بعض لتصوير منتهى المحافظة على جميع الصلوات ، في جميع الأوقات، حتى في الوقت الذي هو مظنة لضياع الصلاة "وقت الخوف"، لقد برز ذلک في عدة أمور،هي أولاً:الأمر بالمحافظة على الصلوات کلها.

ثانياً:تخصيص الصلاة الوسطى.

ثالثاً:عطف قوله(وقوموا لله قانتين) على قوله( حافظوا).

رابعاً:الأمر بالمحافظة على الصلاة في حالة الخوف.

کل هذه الأمور وغيرها تعاونت على إبراز المعنى وإخراجه على أکمل وجه،وفي أحسن صورة.

2ـ يقول عز وجل: وهو يأمرنا بالتزام أوامره في توزيع الميراث:( يُوصِيکُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ فَإِنْ کُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَکَ وَإِنْ کَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأبَوَيْهِ لِکُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَکَ إِنْ کَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَکُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ کَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُکُمْ وَأَبْنَاؤُکُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ کَانَ عَلِيمًا حَکِيمًا)[85] .

الوصية هي: التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ، مأخوذة من قولهم:أرض واصية أي: متصلة النبات[86]

إن هذه الآية الکريمة باعتبار أنها تبيّن لنا حکماً من الأحکام الشرعية، قد جاءت ألفاظها مستعملة في مواضعها الأصلية، وصورت المعنى المراد تصويراً دقيقاً مؤثراً. وإذا أردت التدليل على ذلک؛ فانظر إلى قوله(يوصيکم الله) إن لفظ الوصية والإيصاء يدل على العناية والاهتمام بالموصى به، وخاصة إذا کان الموصِي هو( الله عز وجل)، وهذا يدل على الاهتمام بشأن الأولاد، ثم اختيار حرف الجر(في) دون (الباء)مثلا؛ وذلک للدلالة على أن تکون الوصية من الآباء محاطة بالأولاد إحاطة الظرف بالمظروف، ثم قال( أولادکم) ولم يقل( أبناءکم)،وفي ذلک إشعار بکمال الشفقة والعطف، ثم إضافة لفظ" الأولاد" إلى "الموصين"، وهي إضافة تفيد التخصيص، أي: وهم أبناؤکم تخصيصاً، ثم التعبير بلفظ (الذکر)، واختياره ليکون مقابلاً (للأنثى)، وکونه ذکراً ينبغي أن يکون حقه ضعف حق الأنثى صغيراً کان أم کبيراً، وقال( للذکر مثل حظ الأنثيين) ولم يقل( للأنثى نصف حظ الذکر)؛ وذلک للاهتمام بشأن الأنثى، وبيان مکانتها؛ حيث جعل نصيبها هو الأصل الذي يقاس عليه حق الذکر، وفي هذا تأکيد على استحقاقها للميراث الذي کانت تحرم منه في المجتمع الجاهلي،ثم انظر بعد ذلک إلى الصياغة الشرطية،ومجئ توزيع الأنصبة في قالب الجملة الشرطية؛ وذلک للدلالة على شدة الالتزام بهذه الأمور وتحديدها وتفصيلها بذکر فعل الشرط وجوابه،ثم انظر إلى المغزى من تقديم (الوصية) على(الدين)؛ حيث إن في ذلک حث على الاهتمام بشأنها؛لأنه قد يقع فيها التقصير، ويتهاون في أمرها، ولأن الدين له ما يطالب به ويطلبه، لکن الوصية ليس لها ذلک،ثم انظر إلى الدقة في التعبير في قوله في نهاية الآية( آباؤکم وأبناؤکم)،فقد جاء التعبير هنا بلفظ الأبناء وفي أول الآية جاء بلفظ الأولاد؛ وذلک ليقابل کل لفظ بما يناسبه،فلفظ الأولاد يقابل لفظ الوالدين، ولفظ الآباء يقابله الأبناء، ثم جاء بالعلة التي قد تدفع إلى التفضيل بين الأبناء وهي تحقق المنفعة فنفاها( لا تدرون أيهم أقرب لکم نفعا)، ثم قال:( فريضة من الله)، للدلالة على أن هذا التوزيع شيء يجب الالتزام به؛لأنه فرض تولى الله عز وجل توزيعه بنفسه، ولم يترکه لملک مقرّب، ولا لنبي مرسل،ثم انظر أخيراً إلى ختام الآية بالفاصلة( إن الله کان عليماً حکيماً)؛حيث إن توزيع هذه الحقوق يقتضي علماً وحکمة، وحتى لا يحتکم الإنسان في توزيع هذه الأنصبة إلى هواه، فالله عليم حکيم بما يقوم به من تنفيذ الأوامر أو مخالفتها.

إن ألفاظ هذه الآية کل لفظ فيها مستعمل في معناه الحقيقي، ومع ذلک أبرزت لنا المعنى المراد وصورته في أتم صورة وأکملها،وهو الاهتمام بشأن الأولاد، ومراعاة جانب العدل في توزيع الحقوق، وإعطاء کل ذي حق حقه، والالتزام بأوامر الله عز وجل في ذلک.إن التفصيل في الأحکام، وتوزيع الحقوق، وتحديد الأنصبة،لابد أن يکون بلفظ الحقيقة فهي الأحق بذلک، ولا يصح فيها المجاز؛لأنه يحتمل التأويل،وخير دليل على ذلک ألفاظ الطلاق غير الصريحة فإنها تحتمل أکثر من رأي ، بخلاف الألفاظ الصريحة ، فهي لا تحتمل إلا رأياً واحداً وهو:وقوع الطلاق فقط. إن آيات الأحکام باعتبار أنها خاصة بالأحکام وهي تتسم بالدقة والوضوح،فلابد أن يکون تصويرها عن طريق الحقيقة إلا ما ندر منها.

3ـ يقول تعالى: وهو يصور لنا لوناً من ألوان العذاب الشديد، الذي أعده سبحانه وتعالى للمجرمين الظالمين في هذا اليوم العظيم، يوم القيامة:(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ. سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ)[87].

الاقتران: کالازدواج في کونه اجتماع شيئين أو أشياء في معنى من المعاني، ويقال: قرنت البعير بالبعير: جمعت بينهما، ويسمى الحبل الذي يشد به قرنا،فالمراد: وضع اثنين في قَرْن، أي:في حبل .والأصفاد: جمع صِِفاد بوزن کتاب: وهو القيد والغل، والأصفاد: الأغلال.والسرابيل: جمع سِربال وهو: القميص، من أي جنس کان، أو هو کل ما لُبس. والقطران: هو ما يتقطر من الهناء،وهو عبارة عن دهن من ترکيب[88] کيماوي قديم عند البشر، وهو أسود منتن يسرع فيه

اشتعال النار[89].

 إن البيان القرآني في هاتين الآيتين نجده يصور لنا مشهدا من مشاهد يوم القيامة، هذا المشهد هو لون من ألوان العذاب الحسي والمعنوي الذي ينتظر هؤلاء المجرمين،وقد برز هذا المشهد في صورة محسوسة مليئة بالحياة والحرکة، بالرغم من أن کل لفظ من ألفاظهما مستخدم في معناه الحقيقي، لکنها تتآزر فيما بينها في رسم تلک الصورة الحسية البالغة الدلالة على مدى العذاب الذي أُعدّ لهؤلاء المجرمين يوم القيامة."فها نحن أولاء نراهم وقد کُبّلوا بالسلاسل والقيود، وقد أَحدَقَتْ بهم النار من کل جانب لتذيقهم أقسى العذاب. ولنتأمل کيف وُظفت تلک الألفاظ " الحقيقية الدلالة" في الإيحاء بما سيقت تلک الصورة الفنية لتصويره"[90].

انظرـ على سبيل المثال ـ إلى قوله عز وجل:( وترى) کيف جاء بصيغة المضارع مع أنه معطوف على الفعل الماضي في الآية السابقة(وبرزوا لله)؟وذلک لاستحضار صورتهم في هذا العذاب وکأنه يشاهد الآن، أو للدلالة على الاستمرار، ثم تأمل حديثه عنهم، ووصفه لهم بصفة الإجرام( المجرمين) مع أن السياق هنا يتحدث عن الظالمين(وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)،(وَسَکَنْتُمْ فِي مَسَاکِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)فلم يقل مثلا " وترى الظالمين أو الکافرين"؛ وذلک للدلالة على أن هؤلاء القوم بلغ بهم الأمر إلى أنهم تجاوزوا کل حدود الظلم أو الکفر، فجاء وصف الإجرام، ليدل على أنهم جمعوا مع الظلم أمورًا أخرى کالتعالي والتطاول والاستکبار، إلى درجة أنهم شککوا في وجود الله عز وجل(فرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا کَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَکٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ.قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَکٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ )(وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَکْبَرُوا إِنَّا کُنَّا لَکُمْ تَبَعًا)، ومن ثم جاء وصفهم بالإجرام ؛ لإفادة العموم والمبالغة في ارتکابهم لهذه الأمور،کما أن هذا الوصف يعد أشنع وأقبح من غيره، وهذا يتناسب مع کثرة إجرامهم وتنوعه.

"ثم تأمل قوله:(مقرنين في الأصفاد)، کيف يدل التضعيف في اللفظة الأولى على متانة الأصفاد، وإحکام التقييد والتکبيل، ثم دلالة تلک اللفظة (مقرنين) على أن تلک الأصفاد الوثيقة ليست لکل شخص من هؤلاء المجرمين على حِده، بل إنها تجمع کل شِبْهٍ منهم إلى شَبيهه في الإجرام والکفر، فنحن ـ إذن ـ إزاء جماعات مکبّلة، تتصارع حرکات أفرادها فتتنافر أو تتصادم من أجل الخلاص حيث لا خلاص.

ثم دلالة إيثار حرف الجر(في) دون (الباء) مثلا، فنحن معها نتمثل صورة هؤلاء المجرمين وقد أحاطت بهم الأصفاد من کل جانب، کما يحيط الظرف بما يحويه.

ثم نتأمل قوله جل شأنه (سرابيلهم من قطران)،أي:قمصانهم التي يلبسونها، تجعل النار تصل إلى أجسادهم في سرعة بالغة، وتحيط بهم من کل ناحية،خاصة أنها من قطران، ولکن لا شک أن للفظة (سربال) بتشکيلها الصوتي لها إيحاؤها بکثافة المادة المصنوع منها وغِلَظِها، الأمر الذي يجعل قبولها للاشتعال أشد وأسرع، فکيف نتخيل ـ إذن ـ صورة هؤلاء المجرمين، وقد أحاط بجسد کل منهم لا سربال واحد، ولکن "سرابيل عديدة"، وکانت ـ فضلا عن ذلک ـ من "القطران"، تلک المادة الحارقة التي لا مثيل لها في سرعة الاشتعال؟.إن القطران :ـ وهو دهن أسود منتن يسرع فيه اشتعال النارـ" يُطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم کالسراويل؛ ليجتمع عليهم الألوان الأربعة من العذاب: لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الموحش، ونتن الريح. على أن التفاوت بينه وبين ما نشاهده وبين النارَين لا يکاد يقادر قدره، فکأن ما نشاهده منهما أسماء مسمياتها في الآخرة.وجعلت سرابيلهم من قطران ؛ لأنه شديد الحرارة فيؤلم الجِلدَ الواقعَ هو عليه ، فهو لباسهم قبل دخول النار ابتداء بالعذاب حتى يقعوا في النار"[91] .

ثم لنتأمل ـ أخيراًـ قوله عز وجل (وتغشى وجوههم النار)،فنتمثل مع الفعل ( تغشى) صورة النار وقد غطت وجوه هؤلاء القوم، فلم تدع ذرة من ذراتها إلا ولفحتها بلهيبها الحارق، ثم تخصيص "الوجوه" بالحکم المذکور مع عمومه لسائر أعضائهم، ثم تقديمها على الفاعل في تلک العبارة "النار"؛ وذلک لکونها أعز الأعضاء الظاهرة وأشرفها،کما أن الفؤاد أشرف الأعضاء الباطنة، ومحل المعرفة،ولکونها أيضاً مجمع المشاعر والحواس التي خلقت لإدراک الحق، وقد أعرضوا عنه، ولم يستعملوها في تدبيره، وربما خصت من بين الأعضاء الأخرى؛ لخلوها من القطران المغني عن ذکر غشيان النار لها، ولعل تخليتها عنه ليتعارفوا عند انکشاف اللهب أحياناً ويتضاعف عذابهم بالخزي على رءوس الأشهاد.کما يفيد تقديم لفظ" الوجوه" أيضاً على أن الوجه هو أوّل ما يتعرض للنار، ثم يکون سريانها السريع منه إلى باقي أعضاء الجسد، ولهذا دلالته على الذّلة والهوان من جهة، وعدالة الجزاء من جهة أخرى.فالوجه ـ کما أشرنا من قبل ـ هو أشرف أعضاء الجسد ، وهو کذلک مرکز معظم الحواس التي تعطلت لدى هؤلاء القوم، فانساقوا بها في طريق الإجرام والکفر، وانغمسوا في غواية الإلحاد والضلال، إذن فالعذاب هنا عذاب حسي ومعنوي، وذلک يتمثل في غشيان النار لوجوههم، وفي تقرينهم في الأصفاد، وهذه سمة الإهانة والاحتقار [92].

 إن أسلوب الحقيقة هنا قد أدى دوره في تشکيل صورة هذا المشهد لهؤلاء القوم، وصوّره أعظم تصوير ،بالرغم من أن ألفاظ الآيتين لا نکاد نجد من بينها لفظة قد استخدمت في غير معناها الحقيقي.إن تصوير هذا المشهد قد أُلبس ثوب الحقيقة، وکانت جديرة به ،ونهضت بأداء المعنى أبلغ ما يکون.

4ـ واقرأ أيضاً: قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ کَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَکْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَکَذَلِکَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ).[93]، وقوله عز وجل:( قُلْ لَوْ کَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِکَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ کَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ).[94]

 فسوف يتأکد لديک"أن جمال الصورة الأدبية لا يتوقف على صور الخيال المختلفة حتى نحکم بجمالها، فقد تکون الصورة خالية ـ أو تکاد ـ من هذه الصور الخيالية ، ومع ذلک فهي جميلة رائعة کل الروعة والجمال، ومصورة معبرة أتم وأدق ما يکون التصوير والتعبير.

ففي الآية الأولى تطالعک هذه الصورة المشعة الموحية المعبرة التي تثير الخيال لديک، وتجعله عاکفاً على تمثُّل تلک الحرکة العجيبة التي لا تتم ولا تقف ما تابعها الخيال، هذه الحرکة هي ـ ولوج الجمل في سم الخياط ـ الموعد المضروب لدخول الکافرين الجنة.فهذه صورة ليس فيها استعارة ولا کناية ولا تشيبه، ولکنها فقط تعبر عن معنى المستحيل غَيْبًا بصورة المستحيل حِسًّا ومُشاهدةً.

 ونلاحظ الصورة في الآية الثانية فنجدها أيضاً خالية من الاستعارة والکناية والتشبيه، ومع ذلک فإننا نراها صورة رائعة معبرة، تصور حرکة الامتداد بماء البحر لکتابة کلمات الله في غير ما توقّف ولا انتهاء، إلى أن ينتهي البحر بالنّفاد، وما نفدت کلمات الله، ثم يظل الخيال يتابع الصورة والبحر يمُدُّ بمثله فينفد ـ کذلک ـ وما نفدت کلمات الله أيضًا (وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ).[95]

ثانياً: من الحديث النبوي الشريف:

هناک أيضاً أحاديث نبوية کثيرة أُلبِست ثوب الحقيقة، ومع ذلک صورت المعنى وأبرزته أعظم ما يکون التصوير،مما يدفعنا إلى القول بأن الصور الحقيقية فيه قد حازت قصب السبق، وتفوقت على الصور نفسها التي جاءت في الأدب؛ حيث إنه خلا من الإيهام والتعقيد، والإسفاف في الکلام،والتکلف والغموض،والإغراق في الخيال حتى يشبه الأوهام، ومن ثم فإن "الحديث النبوي يترفع عما يتسقط فيه منهج الصورة الحقيقية في الأدب، وذلک يکون تبعًا للمحتوى الفکري الغيبي الذي تحمله صوره الحقيقية، فنقع على نماذج رائعة عجائبية خالية من المجاز، بل لا مجال للمجاز فيها؛ لأنها حقائق لا تحتاج إلى تلوين"[96].

وإليک بعضاً من تلک الأحاديث، التي نوردها على جهة التمثيل ، منها:

1ـ الحديث الذي رواه أنس بن مالک ـ رضي الله عنه ـ والذي يقول فيه:"جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه و سلم يسألون عن عبادة النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فلما أخبروا بها کأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أمَّا أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فقال: أنتم الذين قلتم کذا وکذا ؟ أمَا والله إني لأخشاکم لله وأتقاکم له، لکني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )[97].

ومعنى" تقالوها": أي استقلوها،أي : رأى کل واحد منهم أنها قليلة.

وبالتأمل في ألفاظ هذا الحديث الشريف يتبيّن لنا أنها استعملت في معناها الحقيقي، ومع ذلک فقد صورت المعنى المراد أدق تصوير، إنها صورت هذا المشهد الحسي لهؤلاء الثلاثة من الصحابة الأخيار ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ،وبينت مدى حرصهم على طاعتهم لخالقهم، وذلک بالجد فيها، والإکثار منها، والمبالغة فيها،بل والإسراف فيها إلى درجة الزهد في زخارف الدنيا ومتاعها.

فهذه الألفاظ الحقيقية الدلالة صورت وجهة نظر کل واحد من الثلاثة في العبادة الصحيحة، وقد برز في هذه الوجهة مدى التشدد والمغالاة في تلک الطاعة؛ حيث إنهم فهموا أن العبادة لله عز وجل ـ حق العبادة ـ هي في الانقطاع عن الدنيا،واجتناب المبيحات، وهذا مما يناقض الطبيعة البشرية؛ لأن فيها تلبية لجانب الروح دون الجسد، فجاء کلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليصحح هذا الفهم الخاطئ للعبادة، ويزيل عنه أي لبس ، بهذه العبارات التفصيلية الدقيقة قائلاً:"أما والله إني لأخشاکم لله وأتقاکم له، لکني أصوم وأفطر،وأصلي وأرقد،وأتزوج النساء"، فجمع لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها بين تلبية دواعي الروح ومتطلبات الجسد،وجاء هذا رداً على ما ورد على لسانهم عندما قال أحدهم: "أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر:أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر:أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً"،وانظر إلى مدى الدقة في التعبير؛ حيث أکد المصلي ومعتزل النساء کلامهما بالتأبيد "أبداً"،أما الذي اختار الصيام فلم يؤکده بقوله"أبداً" کما جاء عند صاحبيه؛ وذلک لأنه لا بد له من الفطر في: الليل، وأيام العيدين، وأيام التشريق.

 إن النهي قد ورد عن التشدد في کل شيء وخاصة في العبادة؛"لأن المشدّد لا يأمن من الملل، بخلاف المقتصد فإنه أمکن لاستمراره، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه، وقد أرشد إلى ذلک في قوله في الحديث الآخر:"المنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى"[98] .

ثم أکد لهم ولغيرهم ضرورة التمسک بهذا الفهم الصحيح للعبادة، والبعد عن المغالاة بهذا التحذير الشديد الذي جاء في ختام هذا البيان النبوي"فمن رغب عن سنتي فليس مني"أي: من ترک طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني،"وهو في هذا يعرّض بطريق الرهبانية، فإنهم هم الذين ابتدعوا التشديد کما وصفهم الله تعالى، وقد عابهم بأنهم ما وفّوه بما التزموه، أما طريقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهي الحنفية السمحة، فيفطر؛ ليتقوّى على الصوم، وينام؛ ليتقوى على القيام، ويتزوج؛ لکسر الشهوة وإعفاف النفس، وتکثير النسل".[99]

فالحديث بألفاظه الحقيقية صور لنا الطريق الصحيح ، والمنهج السليم الذي يجب علينا أن نسلکه في عبادتنا لله عز وجل، هذا المنهج يتمثل في الوسطية الذي ليس فيها مغالاة في اجتناب الأمور المباحة مطلقاً، ولا فعلها کذلک إلى حد المبالغة والإسراف؛ لأن" ملازمة استعمال الطيبات تفضي إلى الترفّه والبطر، ولا يأمن ـ الإنسان ـ من الوقوع في الشبهات؛ لأن من اعتاد ذلک قد لا يجده أحياناً، فلا يستطيع الانتقال عنه فيقع في المحظور. کما أنّ منع تناول ذلک أحياناً يفضي إلى التنطع المنهي عنه،...ـ وأيضاً ـ إن الأخذ بالتشديد في العبادة يفضي إلى الملل القاطع لأصلها، وملازمة الاقتصار
على الفرائض مثلاً وترک التنفل؛ يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط إلى العبادة، وخير الأمور الوسط"
[100].

أرأيت کيف جاءت ألفاظ هذا البيان النبوي الشريف خالية من المجاز، وسيقت في قالب الحقيقة،وأدت دورها في تصوير المعنى وبيانه، وجاءت معبرة أعظم تعبير؟!.

2ـ الحديث الذي رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ :" أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل المسجد، فدخل رجل فصلّى، ثم جاء فسلّم على النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فردّ عليه السلام، فقال: ارجع فصلّ فإنک لم تصل، فرجع الرجل فصلّى کما[کان]صلّى، ثم جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فسلّم[عليه] فردّ عليه[السلام]، فقال: له[رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ]، ارجع فصلّ فإنک لم تصل، حتى فعل ذلک ثلاث مرات، فقال[له] الرجل: والذي بعثک بالحق، ما أحسن غير هذا، فعلّمني، فقال: إذا قمتَ إلى الصلاة فکبر، ثم اقرأ بما تيسّر معک من القرآن، ثم ارکع حتى تطمئن راکعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلک في صلاتک کلها"[101].

بالنظر في ألفاظ هذا الحديث نجد أنها جاءت في أسلوب الحقيقة؛لأنها في مقام التعليم والتوجيه، وتوضيح حقيقة الصلاة الصحيحة لهذا الرجل الذي يجهلها ولا يعرفها، فکان المقتضى والمناسب لهذا المقام أن يعبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في خطابه لهذا الرجل بأسلوب الحقيقة؛ لکي يفهم عنه ما يريد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيانه له، ولذلک بناه على أسلوب التفصيل، وتوضيح الأرکان التي ينبغي القيام بها في أداء الصلاة حتى تکون صحيحة کاملة،فالحديث کله بيان وتوضيح لتلک الأرکان، بطريقة:افعل کذا حتى يتحقق کذا،"ارکع حتى تطمئن راکعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً...الخ".

ثم انظر إلى طريقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في معالجة الخطأ الذي وقع فيه هذا الرجل الذي صلى صلاة خفيفة ولم يتم رکوعها ولا سجودها، وإنما نقرها کما ينقر الديک.إنه لم يعلمه الکيفية الصحيحة لأداء الصلاة من أول مرة أخطأ فيها ولم يبدأ بتعليمه، بل انتظر حتى طلب الرجل نفسه ذلک، وفي هذه الحالة تتثبت المعلومة لديه وترسخ في ذهنه، ومن ثم"قيل:لِمَ سکت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن تعليمه أولاً حتى افتقر إلى المراجعة کرة بعد أخرى؟ وأجيب: لأن الرجل لمّا لم يستکشف الحال مغتراً بما عنده سکت عن تعليمه زجراً له وإرشاداً إلى أنه ينبغي أن يستکشف ما استبهم عليه، فلما طلب کشفَ الحال بيّنه بحسن المقال، وأيضاً أراد بهذا الانتظار استدراجه بفعل ما جهله مرات لاحتمال أن يکون فعله ناسياً أو غافلاً فيتذکر فيفعله من غير تعليم، فهو من باب تحقق الخطأ، أو بأنه لم يُعلّمه أولاً ليکون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره، ولتفخيم الأمر وتعظيمه عليه.کما أن في عدم المبادرة إلى التعليم مصلحة للمتعلم لا سيما مع عدم خوف فواتها؛ حيث إنه سيکون هناک زيادة في قبوله لِمَا يُلقى عليه بعد تکرار فعله، واستجماع نفسه، وتوجه سؤاله"[102].

إن الحديث هنا ـ کما رأيت ـ صيغ کله في ثوب الحقيقة ؛لأن المقام مقام تعليم وتوجيه، ولا مجال للمجاز فيه.

3ـ الحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ:" إنِّي أرَى ما لا ترَوْن، وأسمعُ ما لا تسمعون، أطَّتِ السماءُ، وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضعُ أربَع أصابعَ إلا وملکٌ واضعٌ جبهتَه ساجدًا،والله لو تعلمون ما أعلم لضحکتُم قليلاً، ولبکيتُم کثيرًا، ولمَاَ تلذذتُم بالنساء على الفُرُش، ولخرجتم إلى الصُّعُدَات تجأرون إلى الله".فقال أبو ذر: لوددت أني کنت شجرة تُعضَد[103].

وأطَّتِ، وتَئِطُّ،والأطيط:صوت الرحل والقَتَب وشبههما، الصُعُدات: الطرقات،وقيل المراد بها هنا: البراري والصحارى، تجأرون: تتضرعون إليه بالدعاء ليدفع عنکم البلاء. تُعْضَد: تقطع وتستأصل،جاء في لسان العرب:"عضَدَ الشجرَ يَعْضِدُه بالکسر عَضْداً فهو مَعْضود وعَضِيدٌ، والعَضَدُ ما عُضِدَ من الشجر أَو قطع بمنزلة المعضود، وفي حديث تحريم المدينة" نهى أَن يُعْضَدَ شجرُها أَي: يقطع ، العَضِيدُ والعَضَدُ: ما قُطِع من الشجر"[104].

إن هذا الحديث من الأحاديث التي تثير الخيال أيما إثارة؛ إذ إنه يتعلق بأمر غيبي، والأمور الغيبية تعد مجالاً خصباً لإثارة الخيال، وإعطائه مساحة کبيرة للتفکير والتدبر، إن ألفاظ هذا البيان النبوي استعملت في معناها الحقيقي، ووظفت بدلالتها الحقيقية لتصوير تلک المشاهد الغيبية، والتي تتمثل في بيان ازدحام السماء بأحد مخلوقات الله عز وجل وهم: الملائکة، ونتيجة لکثرة من في السماء من الملائکة المنقادين العابدين ربهم قد أثقلتها؛ حتى أصدرت أصواتاً کثيفة، ولِمَ لا تصدر منها تلک الأصوات الکثيرة وليس فيها مکان خالٍ من ملک قائم أو راکع أو ساجد لله عز وجل،ولذا قال" وأسمع ما لا تسمعون"، ثم انتقل بعد ذلک إلى تصوير مشهد آخر من تلک المشاهد الغيبية، وهو مشهد الخوف من الله عز وجل وما يترتب عليه، إذ "إن الخوف من الله يکون على قدر العلم ـ بعظمته وجلاله ـ (إنما يخشى الله من عباده العلماء)[105]، فلو علم الناس ما علم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لازداد خوفهم من الله، ولبکوا کثيراً، ولامتنعوا عن اللذائذ المباحة، ولو أنهم کانوا يعلمون ما يعلم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لترکوا حياة اللهو والعبث، ولأقبلوا على الله يتضرعون أنْ يجيرهم من عذابه ويقيهم أهوال يوم القيامة، إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرى ما لا يرون، ويسمع ما لا يسمعون، ويعلم ما لا يعلمون"[106].

تأمل کيف ربط البيان النبوي بين أهل السماء وأهل الأرض، فمن في السماء يعبدون ربهم قائمين راکعين ساجدين، وهم ليسوا في حاجة إلى ذلک،أما من في الأرض مع حاجتهم للعبادة والطاعة إلا أنهم مقبلون على الدنيا( بکثرة الضحک وما يؤدى إليه)، ومعرضون عن الآخرة( بقلة بکائهم وما يترتب عليه)، إن التمهيد بذکر أهل السماء وما يقومون به، يُقصد به حث أهل الأرض على الجد والاجتهاد في الطاعة؛لأن الملائکة في السماء على قدر قربهم من ربهم وعلمهم به يسبحونه وله يسجدون.

إن ألفاظ الحديث بدلالتها الحقيقية تبرز لنا المعنى المقصود منه وهو تصوير عظمة الله تعالى، ثم وجوب الخشية منه، وذلک بترجيح جانب الخوف على الرجاء، يؤيد ذلک القسم الذي صدّر به هذا المشهد،(والله) ثم اختياره أداة الشرط(لو)،(لو تعلمون ما أعلم) للربط بين أجزاء الکلام بعضه وبعض، وذلک للدلالة على قلة خوفهم من الله ؛ ومن ثم أقبلوا على الملذات وأکثروا من المبيحات، فکثر ضحکهم وقل بکاؤهم، ولو يعلمون ما علمه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عظم انتقام الله وعقابه ممن يعصيه، وأهوال يوم القيامة وأحوالها،ـ بداية من الموت وسکراته، ومرورًا بعذاب القبر وويلاته، وانتهاء بعذاب جهنم وحسراته ـ لتغير حالهم على ما هم عليه،وما ضحکوا من الأصل، وقد عبر عن ذلک بقوله (لضحکتم قليلا) ،إذ القليل هنا" بمعنى العديم على ما يقتضيه السياق؛لأن لو حرف امتناع لامتناع"[107]. وفي هذا من المبالغة من التخويف من تلک الأهوال ما فيه.

ويلاحظ هنا أن البيان النبوي في انتقائه لتلک العبارات المؤثرة کان مقتفيا فيها أثر البيان القرآني؛ وذلک عندما قال الله تعالى في حق المنافقين:( فليضحکوا قليلا وليبکوا کثيرا جزاء بما کانوا يکسبون)[108].

وبالتأمل في هذا الحديث أيضاً نجد أنه اشتمل "على صورتين صوتيتين: صورة أصوات السماء، وقد ناءت بثقل الملائکة وازدحامهم في السجود ، وليس هناک أعلى من هذا في التعبير عن ـ عظمة ـ الجلالة الإلهية، وفي هذا تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى، وهي صورة صوتية لا ندرک ماهيتها کما ندرک أصوات البشر.

والصورة الصوتية الثانية: أصوات الداعين، وفي الحديث صورة حقيقية ذات تأثير، وإن کانت محتملة بوساطة أسلوب الشرط، بل إن هذا الاحتمال يثير الخيال، ويحبس الأنفاس من شدة الهلع، فهناک تضاؤل الضحک حتى يکثر البکاء، وهجر الفرش أي تحدي الفناء لأعلى لذة دنيوية، ثم الانطلاق بلهفة ورعب إلى الطرقات، وکأن المقصود ضيق النَّفَس بعد معرفة العذاب الشديد المنتظر، وأن المؤمنين کالمصدوم الذي يحار ويطلب العون من أي أحد، إنها صدمة نفسية بعد کشف، تخلع أجسادهم من البيوت في أحلى أوقاتها إلى الکون الفسيح، مع صوت شديد جماعي، کما يفيد معنى الجؤار في اللغة،وهو الصوت المرتفع في التضرع والاستغاثة، بل إن غرابة المفردة هنا تلمح إلى غرابة الموقف، وقوتها الصوتية تفي بشدة الحاجة وفظاعة اللحظة"[109].

أرأيت کيف يمکن استلهام الجمال من الصور الحقيقية في تلک الأحاديث المثيرة للخيال والحواس من غير وجود مجاز فيها؟ ولکن مع الإشارة إلى أنه ليس من السهل اکتشاف ذلک؛إذ إنه" يحتاج إلى تذوق عميق ورهافة حس؛ لأن وجود الصور الحقيقية غير مقترن بالشفافية، فنحن نجد الصور المجازية طفرة في اللغة، وانحرافاً عن المعجمية، وإنشاءً جديداً، في حين تکون الصور الحقيقية المؤثرة عند الکثيرين کغيرها من الکلام المباشر المسرود غير المتمتع بالعاطفة والعمق، وثمة سبب آخر في صعوبة اکتشاف الصور الحقيقية هو أن البحث عن مساحات الخيال المنطلقة من اللاخيالي يعني البحث في فضاء المفردات، ومحتواها الفکري الذي يميزها، وتفردها بدلالات نفسية"[110].

إذن فالتصوير من خلال أسلوب الحقيقة لا يمکن إهماله، ولکن لا بد من التأني والتمهل في استنباطه، وخير شاهد على ذلک ما وجدناه في القرآن الکريم والحديث النبوي من کنوز ثمينة، تلک التي تبهر العقول، وتوقظ النفوس، وتخلع القلوب.

ثالثاً: من الشعر العربي:

إن هناک نماذج من الشعر العربي جاءت بأسلوب الحقيقة ، وبالرغم من ذلک فقد قامت بأداء المعنى وتصويره، أحسن ما يکون،فمن ذلک:

1ـ تلک الأبيات التي يرثي بها ابن الزيات ـ وهو من الشعراء القدامى ـ زوجته، والتي يقول فيها:[111]

 فهبـني اسـتطعت الصبر عنها لأنني جلـيد فمن للصبر بابن ثمان

 ضعيف القوى لا يعرف الصبر حسبة ولا يأتسي بالناس في الحدثان

 رأى کـل أم وابنـها غـير أمــه يبيتان تحـت الليل ينتجيان

 وبات وحيـدا في الفـراش تحــثه بـلابل قلب دائـم الخفقان

فالشاعر في هذه الأبيات يصور مصيبته التي حلّت به على أنها أقوى من أن يتحملها، على الرغم من جلادته وقوة تحمله، ثم صوّر مدى تحسره بوجود هذا الطفل الصغير الذي لا يتحمل الصبر، فهو يأسى له ويتحسر لحاله، ويتألم لفراق أمه وهو لا يقدر على فراقها،کما أنه يبالغ في إظهار ألمه وتوجعه وحسرته على فراق زوجته من خلال ابنه الصغير، وهو حين يصف ولده بأنه ضعيف، کأنه يصف ضعفه هو من خلال ولده هذا، ودلّل على ذلک بأنه لا يمکن أن يحتمل؛لأنه لا يعرف الصبر، ولم يبلغ مبلغ الرجال حتى يتأسى بالناس في مصيبته، وهو في تصوير کل ذلک يحاول تصعيد معاني الحسرة والألم والتوجع التي أحاطت به،ثم عندما يرى هذا الصغير کل ابن مع أمه يلازمها، ويرى نفسه وحيداً يعاني آلام الفراق في جنح الليل، وجاء قوله "يبيتان تحت الليل" خاصة، إعلاناً عن الوقت الذي يشتد فيه حاجته لأمه، ثم تأمل اختياره للفعل "بات" ولم يقل مثلا" أصبح"للدلالة على تأکيد الحاجة للأم في هذا الوقت،ثم انظر إلى قوله"وبات وحيداً"، وما يعنيه تقييد الفعل"بات" بالحال"وحيداً"،ثم ما تعنيه کلمة"وحيداً"من الانفراد والإحساس بالوحدة والغربة مما يزيد في شدة ألمه، وعظيم حسرته.

 ثم تأمل تقييده کلمة"وحيدًا" بقوله"في الفراش"إن هذا يعد تصعيداً لشدة الألم؛لأنه في الفراش خصوصاً يفترض أنه يکون مع أمه؛إذ الأصل أنه إذا ما أتى الليل أن يکون الطفل الصغير في الفراش مع أمه متلازمان، ثم انظر کيف يکون حال الطفل الذي بات وحيداً في الفراش دون أمه؟إنه بلا شک لا يسکن ولا يهدأ؛ لأنه فقد من يأوي إليه في فراشه، ويسکن إليه بعطفه وحنانه، إنه لا ينام ودائم القلق والاضطراب؛لأنه فَقَد أنيسه ومصدر عطفه وحنانه،إنها أمه.

بالتأمل في ألفاظ هذه الأبيات نجد أن أغلبها قد استعملت في معانيها الحقيقية، ولکنها مع ذلک تزخر بشتى المعاني التي تدل على حسرة هذا اليتيم، ومدى تفجعه على فقد أمه، وبالتالي يکون أسلوب الحقيقة في هذه الأبيات قد أدى دوره في تصوير أحاسيس الشاعر ومشاعره تجاه زوجته.


2ـ ومن النماذج التي جاءت فيها الحقيقة أيضاً مصورة لعاطفة الشاعر، قول الخنساء في رثائها لأخيها صخر:[112]

 يذکرني طلوع الشمس صخراً وأذکره لکل مغيب شمس

 ولـولا کثرة الباکين حـولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي

 وما يبکون مـثل أخي ولکن أعـزِّي النفس عنه بالتأسي

من خلال هذه الأبيات يتضح لنا مدى حزن الخنساء على فَراق أخيها صخر، وقد جاءت ألفاظ تلک الأبيات ـ برغم أنها تخلو من أساليب المجازـ مصوّرة لکل ما تعانيه الخنساء من ألم وحزن، تأمل ـ على سبيل المثال ـ قولها"يذکرني طلوع الشمس"،وقولها"وأذکره لکل مغيب شمس"،وربطها بين طلوع الشمس ومغيبها، وکيف يدل ذلک على استمرارية حزنها وتواصله، وأن صخراً لا يغيب عن خاطرها لحظة،ثم انظر إلى قولها" لقتلت نفسي"، وما تدل عليه کلمة"قتلت"على عظم فجيعتها،وأنها مما لا يحيط بها الوصف؛لأنها ربما يصل بها الأمر ـ نتيجة لذلک ـ إلى إنهاء حياتها، وفي هذا التعبير من تجسيد ألم الفراق ما فيه .

ثم تأمل قولها"وما يبکون مثل أخي"، وما يشير إليه هذا التعبير من تفردها في البکاء، وأن بکاءها على أخيها ليس کبکاء الباکين على إخوانهم، وکأن المرثِّيين ليسوا في طبقة أخيها من حيث الخلال الحميدة، والصفات الکريمة،فهو متفرد في ذلک کله،وکما أن صخراً متفرد في تلک الخلال والصفات فإن الخنساء أيضاً متفردة في بکائها عليه من بين الباکين على إخوانهم،ثم انظر إلى قولها"على إخوانهم"، واختيار کلمة الإخوان خاصة من بين باقي الأقارب لتدل بذلک على أن فجيعتها في أخيها أعظم وأشد،وأنه لا يمکن تعويضه أبداً، وکأنها بذلک تؤکد صدق المقولة التي تقول: إن الزوج موجود، والابن مولود،والأخ مفقود.

إذن هذه الأبيات تبرز مکانة أخيها صخر، وأنه ليس له نظير يشابهه، ومن ثم يحتاج إلى بکاء متفرد يليق بمکانته، وهذا ما قامت به الألفاظ التي استعملت في معانيها الحقيقية على أکمل وجه.

3ـ ومن النماذج التي صورت المعاني بأسلوب الحقيقة، قول حازم القرطاجني:[113]

 والآسُ والريحانُ قد صُف وقد ألقى عليه کل طاهٍ ما طهى

 ولـفّ کـلُّ خابز مملـوکَه في سعف الدَّوم وأصلاه لظى

 من بعد ما أحمى الصفيح تحته ثم حثَى من فـوقه جمرَ الغضى

 فالشاعر في هذه الألفاظ الحقيقية الدلالة يصف لنا مشهداً من مشاهد الصيد، الذي قام به مجموعة من الأصدقاء، ثم قيامهم بأکل ما اصطادوه بعد الشوّي،إنه نقل إلينا من خلال تلک الأبيات ما رآه بألفاظ في غاية الجلاء والوضوح،وليس فيها خيال ولا مجاز،فأسلوب الحقيقة هنا قام بدوره في نقل هذا المشهد الذي شاهده الشاعر، ونهض به أفضل ما يکون.

ونکتفي بهذه النماذج المتنوعة من: القرآن الکريم، والحديث النبوي الشريف، والشعر العربي، في إبراز مکانة أسلوب الحقيقة وقيمتها في التصوير الفني؛ حيث إن هدفنا ليس استقراء الأمثلة أو الشواهد کلها، وإنما التمثيل فقط، وکما يقال: يکفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

الخاتمة

بعد تناول موضوع" بلاغة أسلوب الحقيقة وقيمته في التصوير" والانتهاء ـ بحمد الله ـ من معالجته، نستطيع أن نسجل أهم النتائج التي توصل إليها البحث وهي:

  • · أولاً:أننا اقتصرنا في حديثنا على أسلوب الحقيقة اللغوية فقط، وأسميناه" الحقيقة"على إطلاقه ولم نقيده باللغوية؛ اتباعاً لمنهج جمهور البلاغيين.
  • ·   ثانياً: أن أسلوب الحقيقة يعد أحد الأساليب التي يستعين بها المتکلم على إبراز ما في نفسه من مشاعر وأحاسيس.
  • ·   ثالثاً: أن إهمال البلاغيين لهذا الأسلوب،ليس له ما يبرره.
  • ·   رابعاً: أن ابن رشيق کان من أوائل العلماء الذين قالوا:"إن المجاز في کثير من الکلام أبلغ من الحقيقة".
  • ·   خامساً:إن مقولة: إن المجاز أبلغ دائماً من الحقيقة، ليست مقبولة على إطلاقها، فقد تکون الحقيقة أبلغ منه.
  • · سادساً:أن الحقيقة والمجاز يتجاوران جنباً إلى جنب في أبلغ کلام، وأفصح بيان وهو القرآن الکريم، کما أنهما يتآزران معاً في تصوير الغرض المقصود.
  • · سابعاً:أن الحقيقة هي الأصل في الکلام، والمجاز فرع عنها، ولا يعدل عنها إلا عند الحاجة إلى ذلک، وإذا صح حمل الکلام على الحقيقة والمجاز، فإنه لا يحمل إلا على الحقيقة حينئذ؛ لأنه رجوع إلى الأصل.
  • · ثامناً: أن أسلوب الحقيقة له دوره في التعبير،کما أن لأساليب المجاز دورها کذلک، ولا يُقال إن أحدهما أبلغ من الآخر؛ حيث إن ذلک يرجع إلى السياق ومقتضيات المقام، فأحياناً يقتضي المقام أسلوب الحقيقة ،وأحياناً يقتضي أسلوب المجاز،وأحياناً يقتضي المزاوجة بينهما.ومن ثم يبقى للحقيقة دورها ومکانتها في البلاغة العربية.
  • ·   تاسعاً:أن المجاز إذا کان قد حاز على شطر الحسن، فقد حازت الحقيقة على الشطر الآخر منه.
  • · عاشراً:أن النماذج التطبيقية المتنوعة من القرآن الکريم، والسنة النبوية المطهرة، والشعر العربي، أثبتت دور الحقيقة في التصوير، وأنه لا يقل في ذلک عن أسلوب المجاز.


[1]ـ انظر: شروح التلخيص 4/3 ، ط: دار البيان العربي ـ بيروت.ط: الرابعة:1412هـ ـ1992م، والإيضاح مع البغية3 /84 . تحقيق/ عبد المتعال الصعيدي، ط: مکتبة الآداب ـ القاهرة،ط: الرابعة.

[2]ـ ينظر: المثل السائر لابن الأثير1/74 ، تحقيق/ محمد محيي الدين عبد الحميد، طبع ونشر: المکتبة العصرية ـ بيروت ، ط: 1995م.

[3]ـ يراجع: زهر الربيع في المعاني والبيان والبديع للشيخ/ أحمد الحملاوي ص122، 154 ط: مصطفى الحلبي ـ القاهرة ، ط: الخامسة ، ط: 1376هـ ـ 1956م.ويمکن أن يُقال: إن الشيخ ـ رحمه الله ـ اکتفى بالمجاز عن الحقيقة؛ لأنه سار على رأي من يقول: إن تعريف المجاز يشير إلى تعريف الحقيقة؛ وذلک لاشتمال تعريفه على العدم وهو قولنا:" غير ما وضع له" ، واشتمال تعريف الحقيقة على الملکة وهو قولنا:"ما وضعت له"، وتصور العدم يلزم منه تصور الملکة. ينظر:عروس الأفراح 4/2 ( ضمن شروح التلخيص ) .

[4]ـ ينظر: المطول لسعد الدين التفتازاني ص348 ، ط : مطبعة أحمد کامل ، ط: 1330هـ .

[5]ـ ينظر: عروس الأفراح 4/3 ( ضمن شروح التلخيص).

[6]ـ ينظر: الإيضاح مع البغية 3/6 .

[7]ـ ينظر: الکامل للمبرد 2/996 ، 1057.تحقيق د/محمد أحمد الدالي ،ط:مؤسسة الرسالة ـبيروت ط:الثالثة:1418هـ ـ 1997م.

[8]ـ ينظر: الصناعتين لأبي هلال العسکري ص249، تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي البجاوي، ط: عيسى الحلبي، ط: 1971م.

[9]ـ ينظر: مفتاح العلوم للسکاکي ص 331.تحقيق/ نعيم زرزور ط: دار الکتب العلمية ـ بيروت. ط : الأولى : 1403هـ ـ 1983م.

[10]ـ يراجع:حاشية السيد الشريف على المطول ص 310.

[11]ـ يراجع: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي3/141 ، تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم.ط:مکتبة دار التراث ـ القاهرة.

[12] ـ ينظر: أسرار البلاغة ص240، تحقيق/ محمود محمد شاکر ، نشر دار المدني ـ جدة ، ط : المدني ـ القاهرة ـ ط: الأولى 1412هـ ـ 1991م .

[13]ـ يراجع : الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان لابن القيم الجوزية ص82 ، ط: دار الکتب العلمية ـ بيروت. ط: الأولى:1402هـ ـ1982م. هذا، وهناک رأي للبعض في هذه المسألة وهو أن :التشبيه مجاز، يقول عنه ابن رشيق: في العمدة 1/ 432 " وأما کون التشبيه داخلا تحت المجاز؛ فلأن المتشابهين في أکثر الأشياء إنما يتشابهان بالمقارنة على المسامحة والاصطلاح لا الحقيقة".

[14]ـ ينظر: الإتقان 3/125 بتصرف.وانظر أيضا: التصوير البياني د/ محمد أبو موسى ص178.ط: مکتبة وهبة، ط: الثانية:1400هـ ـ 1980م.

[15]ـ ينظر : التصوير البياني د.حفني شرف ص 53 بتصرف ، ط:مکتبة الشباب ـ القاهرة، ط: الثانية،ط: 1972م.

[16]ـ ينظر: المثل السائر1/74، 75 بتصرف.

[17]ـ سورة يوسف : من الآية / 82 .

[18]ـ سورة الإسراء : من الآية /24 .

[19]ـ يراجع : الطراز للإمام العلوي ص23 ،24 ،تحقيق/ محمد عبد السلام شاهين.ط: دار الکتب العلمية ـ بيروت،ط: الأولى: 1415هـ ـ1995م.

[20]ـ ينظر: المجاز في اللغة والقرآن الکريم بين الإجازة والمنع د/ عبد العظيم المطعني 1/431 بتصرف، ط: مکتبة وهبة ـ القاهرة ـ ط:الأولى.ط:1406هـ ـ 1985م.

[21]ـ انظر: المرجع السابق2/1124.

[22]ـ انظر: المرجع السابق الموضع نفسه.

[23]ـ المرجع السابق 2/1146 .

[24]ـ السابق2/1147 .

[25]ـ ينظر:علم البيان د/ بدوي طبانة ص 116 بتصرف ط: دار الثقافة ـ بيروت ـ ،القرآن والصورة البيانية د/ عبد القادر حسين ص131 ،ط: دار المنار ـ القاهرة،ط: الأولى: 1412هـ ـ 1991م.

[26]ـ هناک من البلاغيين من يرى: إن الحقيقة ليست هي الأصل للمجاز ، وإنما کالأصل له؛لأنها لو کانت أصلا للمجاز لکان لکل مجاز حقيقة ، وليس کذلک إذ التحقيق: أن المجاز لا يتوقف ـ غالباـ على الحقيقة ألا ترى أن لفظ" الرحمن" استعمل مجازاً في المنعم على العموم والإطلاق، ولم يستعمل في المعني الأصلي الحقيقي، أعني: رقيق القلب، فلفظ " الرحمن" مجاز لم يتفرع عن حقيقة،ومن ثم قيل:إنها کالأصل للمجاز؛ لأنها أصل له في الغالب. ينظر: شرح السعد على التلخيص 4/3 ( ضمن شروح التلخيص).

[27] ـ ديوانه 1/195 . ط :بيروت للطباعة والنشر ـ بيروت.ط:1400هـ ـ 1980م. والبيت في الديوان هکذا:"مهيباً کنصل السيف ..." وهو من قصيدته التي يصف فيها الذئب حين لقيه ، ومطلعها :

 سلام عليکم لا وفاءٌ ولا عهد أما لکم من هجر أحبابکم بدُّ ؟

وقوله : أجأ : أحد جبلي طيء / أجأ وسلي ، والوهد والوهدة : الأرض المنخفضة ، والهوة في الأرض.

[28]ـ انظر:المثل السائر 1/ 79،والقرآن والصورة البيانية ص 137 .وأشير هنا إلى أن هناک من يرى أن استشهاد ابن الأثير ببيت البحتري المذکور على القاعدة التي ذکرها ـ وهي أنه لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا کان هناک مزية وفضل ،أو سر بلاغي ـ غير صحيح؛ حيث إن " في "الطلى" معنى ـ ليس في "الذرا"ـ سوى العلو، فذروة الجبل أعلاه ولکن لا حياة فيها، وطلى الشيء ـ وهو عنقه ـ لا يکون إلا لذي روح، فالعنق فيه حياة وإذا أزيل عن موضعه هلک صاحبه، واستعارة "الطلى" في بيت البحتري في الرواية الثانية تلائم المعنى المراد؛ لأن الشاعر أراد تحطيم الجبل، وکذلک من يزال عنقه فإنه يهوى ساقطا، فللمجاز هنا فائدة ومعنى لا يأتي عن طريق الحقيقة المذکور في الرواية الأولى.ينظر: المجاز في اللغة وفي القرآن الکريم بين مجوزيه ومانعيه د/ عبد العظيم المطعني 1/235 .

[29]ـ من الآية: 43 من سورة النساء.

[30]ـ من الآية: 75من سورة المائدة.

[31]ـ ينظر: الطراز/40، 41، والتصوير البياني د/ حفني شرف ص67.

[32]ـ سورة النساء: الآية / 47 .

[33]ـ سورة المائدة : آية /60 .

[34] ـ ينظر: محاسن التأويل للقاسمي 5/1283 وما بعدها ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، ط : دار إحياء الکتب العربية لعيسى الحلبي .

[35] ـ ينظر : محاسن التأويل للقاسمي 5/1284.

[36]ـ سورة البقرة : الآية /4 .

[37] ـ ينظر : الصاحبي لابن فارس ص320 ط: دار إحياء الکتب العربية لعيسى الحلبي ـ القاهرة ط: 1978م، ومقاييس اللغة لابن فارس ص تحقيق/ عبد السلام هارون، طبع ونشر: اتحاد الکتاب العرب،ط: 1423هـ ـ2002م. ونشير هنا إلى أن ما ذکره ابن فارس حول کلمة "الحقيقة"واشتقاقها تبعه فيه جل من أتى بعده من اللغويين والبلاغيين.

[38]ـ انظر: لسان العرب مادة(حقق).ط:دار صادر ـ بيروت.ط: الأولى:1423هـ ـ2002م.

[39]ـ ينظر:تاج العروس من جواهر القاموس للزَّبيدي مادة (ح ق ق) ط: طبع ونشر دار الهداية.

[40]ـ ينظر: الإيضاح مع البغية3/89،وشروح التلخيص4/4 ، والمطول ص 348، ومفتاح العلوم ص360.

[41]ـ يراجع: مفتاح العلوم ص 360.

[42]ـ ينظر: الإيضاح 3/89 ،ومواهب الفتاح لابن يعقوب4/4 (ضمن شروح التلخيص).

[43]ـ راجع: ما ذکرناه آنفاً في آخر کلام صاحب " تاج العروس" عند اشتقاق کلمة: (حقق).

[44]ـ يراجع : الإيضاح مع البغية 3/84 ، وشروح التلخيص4/8 ، والمنهاج الواضح لحامد عوني 3/198 ط: مکتبة الجامعة الأزهرية ط: 1972م.

[45] ـ ينظر: محاضرات في علم البيان د/ حسن طبل ص120، 128 ،ط: مکتبة الزهراء،ط:1984م.

[46]ـ يراجع: الطراز ص26، والإيضاح3/88، وشروح التلخيص4/27، ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها د/ أحمد مطلوب ص471 ط:مکتبة لبنان ناشرون ـ بيروت، ط: الثانية ط:1996م.

[47]ـ انظر: العمدة 1/430 .تحقيق د/ النبوي شعلان ، ط: مکتبة الخانجي ـ القاهرة. ط: الأولى : 1420هـ ـ 2000م.

[48]ـ من الآية: 94 من سورة الحجر.

[49]ـ الآية:11 من سورة الحاقة.

[50]ـ انظر: النکت في إعجاز القرآن للرماني ص80 ( ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن)، تحقيق د/ محمد خلف الله، د/ محمد زغلول سلام ،ط: دار المعارف ـ القاهرة ـ .

[51]ـ من الآية:4من سورة مريم.

[52]ـ من الآية:21 من سورة السجدة.

[53]ـ انظر: الصناعتين لأبي هلال العسکري ص278، 281.

[54]ـ انظر: سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي ص134 تحقيق/ عبد المتعال الصعيدي، ط: مکتبة صبيح ـ القاهرة،ط: 1952م. والآية رقم/4 من سورة مريم.

[55]ـ انظر: المجاز2/1071.

[56]ـ راجع: دلائل الإعجاز ص70، تحقيق/ محمود محمد شاکر،ط:المدني ـ القاهرة،وجدة ـ ط:الثالثة.ط: 1413هـ ـ 1992م.

[57]ـ راجع: أسرار البلاغة1ص30 ،404.

[58]- انظر: الموازنة ص187، 208، تحقيق/ السيد أحمد صقر، ط: دار المعارف ،1965م ،وسر الفصاحة ص139، والوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني ص430، تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي البجاوي، ط: عيسى الحلبي ـ القاهرة.

[59]ـ إعجاز القرآن للباقلاني ص284 تحقيق/ السيد أحمد صقر، ط: دار المعارف ـالقاهرةـ ط:1975م.

[60]ـ ينظر: مفتاح العلوم ص 412.

[61]ـ ينظر: المرجع السابق الموضع نفسه بتصرف .

[62]ـ ينظر: الإيضاح مع البغية3/191 .

[63]ـ ينظر: الطراز ص 206.

[64]ـ ينظر: المجاز في البلاغة العربية د/ مهدي صالح السامرائي ص238،ط:دار الدعوة ـ سورية ،ط: الأولى: 1394هـ ـ 1974م.

[65]ـ ينظر: الکتاب لسيبويه1/37، 3/64 تحقيق الشيخ/ عبد السلام هارون. ط: دار الجيل ـ بيروت. ط: الأولى، وشرح التصريح على التوضيح للشيخ خالد الأزهري 2/91 ، وشرح الکافية الشافية لابن مالک2/1089 ، وشرح جمل الزجاجي لابن عصفور1/579

[66]ـ ينظر: شرح کافية ابن الحاجب للرضي4/230 .تحقيق د/ إميل بديع يعقوب ط: دار الکتب العلمية ـ بيروت. ط: الأولى: 1419هـ ـ 1998م.

[67]ـ ينظر: تجريد العلامة البناني مع مختصر العلامة/ سعد الدين التفتازاني2/283،ط:محمد على صبيح ـ القاهرة، ط: الثانية:1357هـ.

[68]ـ ينظر: دلائل الإعجاز ص 71، والإيضاح 3/192،ومفتاح العلوم ص 413.

[69] ـ ينظر: الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي د/ جابر أحمد عصفور ص362 بتصرف يسير، نقلا عن الفخر الرازي، ط:دار المعارف ، ط: 1980م.

[70]ـ انظر: المثل السائر:1/77 .

[71]ـ انظر: محاضرات في علم البيان ص 177.

[72]ـ سورة :الحشر آية/22.

[73]ـ سورة: الواقعة آية/71.

[74]ـ انظر: البرهان للزرکشي 2/255 ، والصاحبي ص320 .

[75]ـ ينظر: القرآن والصورة البيانية د/ عبد القادر حسين ص125 .

[76]ـ ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها .

[77] ـ ينظر: البيان والتبيين للجاحظ1/87 ، تحقيق/ فوزي عطوي .ط: دار صعب – بيروت ط: الأولى :1968م.

[78]ـ ينظر: المرجع السابق1/90.

[79] ـ ينظر:الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني - ج 3 / ص 156، 157 ، باب بعض من نوادر بشار. تحقيق: سمير جابر، طبع ونشر: دار الفکر- بيروت .ط:الثانية.

[80]ـ راجع: في ذلک على سبيل المثال لا الحصر: الصورة في شعر بشار بن برد د/ عبد الفتاح صالح نافع ص58 ط: دار الفکر ـ عمان ـ ط:1983م،أبو تمام الطائي حياته وحياة شعره / نجيب محمد البهبيتي ص223، ط: دار الثقافة ـ المغرب ط: 1402هـ ـ1982م، الصورة في الشعر العربي د/ علي البطل ص25،ط: دار الأندلس ـ بيروت، ط: الأولى:1980م، المجاز في البلاغة العربية ص234ـ236، الصورة الفنية في الشعر العربي مثال ونقد/ إبراهيم بن عبد الرحمن الغنيم ص176،ط: = الشرکة العربية للنشر والتوزيع ـ القاهرة ط:1415هـ ـ 1996م،النقد الأدبي الحديث د/ محمد غنيمي هلال ص432،ط: نهضة مصر،ط:2001م، الصورة البلاغية عند عبد القاهر الجرجاني منهجا وتطبيقا د/ أحمد علي دهمان ص162،ط:مکتبة الأسد ـ سورية،ط:الثانية:2000م، الصورة الأدبية في القرآن الکريم د/ صلاح الدين عبد التواب ص24،ط: مکتبة لبنان ناشرون،ط: الأولى: 1995م. وغير هؤلاء کثيرون. ولولا خشية الإطالة لنقلنا بعضا مما قالوه في شأن بلاغة التصوير عن طريق الحقيقة.وحسبنا أننا أشرنا إلى مواطن حديثهم عنها، فليرجع إليها من شاء.

[81]ـ انظر: فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور د/رجاء عيد ص74،ط: منشأة المعارف ـ مصرـ ط: 1979م.

[82]ـ انظر: الإتقان3/109 .

[83]ـ سورة البقرة: الآية/ 238،239.

[84]ـ انظر:هذه المعاني في تفسير آيات الأحکام للشيخ/محمد علي السايس المجلد1/171، تحقيق/ناجي إبراهيم سويدان.ط: المکتبة العصرية ـ بيروت ،ط: الأولى:1423هـ ـ2002م. هذا، ورجح المؤلف المعنى الذي ورد عن مجاهد وهو:السکوت، استناداً إلى ما جاء في الصحيح:عن زيد بن أرقم قال: کنا نتکلم في الصلاة حتى نزلت هذه الآية(وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسکوت". وإن کان معنى الخشوع أعم.

[85]ـ سورة النساء: الآية/11.

[86]ـ ينظر: مفردات ألفاظ القرآن الکريم للراغب الأصفهاني 2/723.مادة(وصى).

[87]ـ سورة: إبراهيم آية/ 50،49 .

[88]ـ وهذا الترکيب يصنع من:إغلاء شَجر الأرز وشجر السرو وشجر الأُبْهُل:بضم الهمزة والهاء وبينهما موحدة ساکنة، وهو شجر من فصيلة العرعر. ومن شجر العرعر،وطريقة تصنعيه تکون: بأن تقطّع الأخشاب وتجعل في قبة مبنية على بلاط سَوِي، وفي القبة قناة إلى خارج. وتُوقد النار حول تلک الأخشاب فتصعد الأبخرة منها، ويسري ماء البخار في القناة، فتصبّ في إناء آخر موضوع تحت القناة، فيتجمّع منه ماء أسود يعلوه زبد خاثر أسود. فالماء يُعرف بالسائل، والزَبَد يُعرف بالبرقي. وتتداوي به الإبل الجربى، فيحرق القطران:الجرب بما فيه من الحدة الشديدة، وقد تصل حرارته إلى الجوف.ينظر:تفسير أبي السعود مجلد2/جزء/5 ص61،والتحرير والتنوير للطاهر بن عاشور13/252.

[89]ـ ينظر: مفردات ألفاظ القرآن الکريم للراغب الأصفهاني . مواد:(قرن2/352)،(صفد2/26)،(سرب1/646)،(قطر2/370). وکذلک: لسان العرب المواد نفسها.

[90]ـ ينظر: محاضرات في علم البيان ص179.

[91]ـ ينظر:تفسير الکشاف2/531, تحقيق/عبد الرازق المهدي .ط: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت،ط: الثانية ط:1421هـ ـ 2001م، والتحرير والتنوير 13/253.

[92]ـ ينظر: محاضرات في علم البيان ص179 بتصرف، ومشاهد القيامة في القرآن لسيد قطب ص167،ط:دار الشروق ـ بيروت،وتفسير الکشاف 2/531 ، وتفسير أبي السعود5/61،والتحرير والتنوير13/253.

[93]ـ الآية : 40 من سورة الأعراف.

[94]ـ الآية:109 من سورة الکهف.

[95]ـ ينظر: التصوير الفني لسيد قطب ص75،76.ط:دار الشروق ـ بيروت.ط: 1988م، والصورة الأدبية في القرآن الکريم د/صلاح الدين عبد التواب ص24 بتصرف.

[96]ـ انظر:الصورة الفنية في الحديث النبوي الشريف د/ أحمد زکريا ياسوف ص385،ط: دار المکتبي ـ سورية،ط: الثانية:1427هـ ـ 2006م.

[97]ـ انظر: صحيح البخاري5/ 1949، باب الترغيب في النکاح، حديث رقم/4776 ،تحقيق د/ مصطفى ديب البغا. ط: دار ابن کثير ـ اليمامة ـ بيروت.ط: الثالثة 1407هـ ـ 1987م. والحديث في صحيح مسلم أيضا: أخرجه في کتاب النکاح، باب: استحباب النکاح لمن تاقت نفسه إليه، برقم/1401.

[98]ـ ينظر:فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني9/105. باب الترغيب في النکاح، حديث رقم / 4776 .ط: دار المعرفة ـ بيروت.ط: 1379هـ.

[99]ـ المرجع السابق بتصرف، والصفحة نفسها.

[100]ـ المرجع السابق9/106.

[101] ـ انظر: سنن الترمذي 2/103 ، باب: ما جاء في وصف الصلاة، حديث رقم/303 .تحقيق/ أحمد محمد شاکر وآخرون، ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت. وعلق الترمذي على الحديث بأنه: حديث حسن صحيح، وقال الشيخ الألباني: صحيح.

[102] ـ ينظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لمحمد بن عبد الرحيم المبارکفوري2/177 بتصرف، باب ما جاء في وصف الصلاة حديث رقم 302 ،ط: دار الکتب العلمية ـ بيروت.

[103]ـ الحديث رواه الإمام النووي في رياض الصالحين: في باب الخوف رقم/411ص202 تحقيق/ جماعة من العلماء.ط: المکتب الإسلامي ـ بيروت.ط: الأولى:1412هـ ـ1992م.ورواه الإمام الترمذي في سننه برقم/2312 ،باب قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو تعلمون.ج4/556 . وقال عنه: حديث حسن،وقال الألباني: حديث حسن دون قوله:لوددت...ورواه الإمام أحمد في مسنده

[104]ـ ينظر: لسان العرب مادة(عضد) 3/292.

[105]ـ سورة فاطر: من الآية/28 .

[106]ـ انظر: التصوير الفني في الحديث النبوي د/ محمد لطفي الصباغ ص223،ط: المکتب الإسلامي ـ بيروت .ط: الأولى: 1409هـ ـ 1988م.

[107]ـ ينظر: فيض القدير لعبد الرءوف المناوي5/315 حديث/7436،تحقيق/ماجد الحموي.ط: المکتبة التجارية ـ القاهرة،ط: الأولى:1356هـ.

[108]ـ سورة التوبة: الآية/82.

[109]ـ انظر: الصورة الفنية في الحديث النبوي الشريف ص388.

[110]ـ انظر: المرجع السابق ص392.

[111]ـ انظر: التصوير البياني د/ حفني شرف ص81.والبَلابل: شدَّة الهم والوَسْواس في الصدر وحديث النفس . لسان العرب (بلل).

[112] ـ راجع: ديوان الخنساء ص 84. تحقيق / کرم البستاني ط: دار صادر ـ بيروت.ط:1963م.، وص 252تحقيق د/ إبراهيم عوضين.ط: المکتبة الأزهرية للتراث ـ القاهرة، ط: الأولى: 1405هـ ـ 1985م.

[113]ـ ينظر: قصائد ومقطعات لحازم القرطاجني ص31 تحقيق د/ محمد الحبيب ابن الخوجة، ط: الدار التونسية للنشر ـ تونس. ط: 1972.والآس ،والريحان: من أنواع الأشجار.والسَّعف: الورق.الدَّوْم: نوع من الشجر يشبه النخلة.والمملوک:العجين الغليظ..

فهرس المصادر والمراجع
على رأسها: القرآن الکريم.
1ـ أبو تمام الطائي حياته وحياة شعره / نجيب محمد البهبيتي . ط: دار الثقافة ـ المغرب ط: 1402هـ ـ1982م.
2ـ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ، تحقيق:محمد أبو الفضل إبراهيم.ط:مکتبة دار التراث ـ القاهرة.
3ـ أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني ، تحقيق /أبو فهر محمود محمد شاکر ، نشر دار المدني ـ جدة ، ط : المدني ـ القاهرة ـ ط: الأولى 1412هـ ـ 1991م.
4ـ إعجاز القرآن للباقلاني ،تحقيق/ السيد أحمد صقر، ط: دار المعارف ـالقاهرةـ ط:1975م.
5ـ الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني . تحقيق: سمير جابر، طبع ونشر: دار الفکر- بيروت .ط:الثانية.
6ـ الإيضاح مع البغية تحقيق/ عبد المتعال الصعيدي، ط: مکتبة الآداب ـ القاهرة،ط: الرابعة.
7ـ البرهان في علوم القرآن لمحمد بن عبد الله الزرکشي . تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم .ط: دار المعرفة ـ بيروت.ط:1391هـ.
8ـ البيان والتبيين للجاحظ. تحقيق / فوزي عطوي .ط: دار صعب – بيروت ط: الأولى :1968م.
9ـ تاج العروس من جواهر القاموس للزَّبيدي ط: طبع ونشر دار الهداية.
10ـ تجريد العلامة البناني مع مختصر العلامة/ سعد الدين التفتازاني.ط:محمد على صبيح ـ القاهرة، ط: الثانية:1357هـ.
11ـ التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور.ط : دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس ـ 1997م.
12ـ تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لمحمد بن عبد الرحيم المبارکفوري .ط: دار الکتب العلمية ـ بيروت.
13ـ التصوير البياني د.حفني شرف ، ط:مکتبة الشباب ـ القاهرة، ط: الثانية،ط: 1972م.
14ـ التصوير البياني د.محمد محمد أبو موسى. ط: مکتبة وهبة، ط: الثانية:1400هـ ـ 1980م.
15ـ التصوير الفني لسيد قطب.ط:دار الشروق ـ بيروت.ط: 1988م.
16ـ تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الکريم لمحمد بن محمد العمادي أبو السعود. ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
17ـ تفسير آيات الأحکام للشيخ/محمد علي السايس. تحقيق/ناجي إبراهيم سويدان.ط: المکتبة العصرية ـ بيروت ،ط: الأولى:1423هـ ـ2002م.
18ـ تفسير القاسمي المسمى :محاسن التأويل لجمال الدين القاسمي . تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، ط : دار إحياء الکتب العربية لعيسى الحلبي .
19ـ تفسير الکشاف للزمخشري، تحقيق/ عبد الرزاق المهدي. ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت.ط: الثانية: 1421هـ ـ 2001م.
20ـ دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني. تحقيق/ محمود محمد شاکر،ط:المدني ـ القاهرة،وجدة ـ ط:الثالثة.ط: 1413هـ ـ 1992م.
21ـ ديوان البحتري . ط : دار بيروت للطباعة والنشر ـ بيروت. ط: 1400هـ ـ 1980م.
22ـ ديوان الخنساء. تحقيق/ کرم البستاني ط: دار صادر ـ بيروت.ط:1963م،وتحقيق د/ إبراهيم عوضين.ط: المکتبة الأزهرية للتراث ـ القاهرة، ط: الأولى: 1405هـ ـ 1985م.
23ـ زهر الربيع في المعاني والبيان والبديع للشيخ/ أحمد الحملاوي . ط: مصطفى الحلبي ـ القاهرة ، ط: الخامسة ، ط: 1376هـ ـ 1956م.
24ـ سر الفصاحة لابن سنان الخفاجي تحقيق/ عبد المتعال الصعيدي، ط: مکتبة محمد علي صبيح ـ القاهرة،ط:1372هـ ـ 1952م.
25ـ سنن الترمذي .تحقيق/ أحمد محمد شاکر وآخرون، ط: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
26ـ شرح التصريح على التوضيح للشيخ خالد الأزهري. تحقيق / محمد باسل عيون السود. ط: : دار الکتب العلمية ـ بيروت،ط: الأولى: 1421هـ ـ2000م.
27ـ شرح جمل الزجاجي لابن عصفور. تحقيق د/ صاحب أبو جناح، ط: دار الکتب للطباعة والنشر ـ جامعة الموصل ـ العراق.
28ـ شرح السعد على التلخيص ( ضمن شروح التلخيص). ط: دار البيان العربي ـ بيروت.ط: الرابعة:1412هـ ـ1992م.
29ـ شرح کافية ابن الحاجب للرضي. تحقيق د/ إميل بديع يعقوب. ط: : دار الکتب العلمية ـ بيروت،ط: الأولى: 1419هـ ـ1998م.
30ـ شرح الکافية الشافية لابن مالک. تحقيق د/ عبد المنعم هريدي، ط: دار المأمون للتراث ـ دمشق. ط: الأولى: 1402هـ ـ 1982م.
31ـ شروح التلخيص. ط: دار البيان العربي ـ بيروت.ط: الرابعة:1412هـ ـ1992م.
32ـ الصاحبي لابن فارس .ط: دار إحياء الکتب العربية لعيسى الحلبي ـ القاهرة ط: 1978م.
33ـ صحيح البخاري.تحقيق د/ مصطفى ديب البغا. ط: دار ابن کثير ـ اليمامة ـ بيروت.ط: الثالثة 1407هـ ـ 1987م.
34ـ صحيح مسلم .تحقيق/محمد فؤاد عبد الباقي.ط: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
35ـ الصناعتين لأبي هلال العسکري تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي محمد البجاوي، ط: عيسى الحلبي، ط: 1971م.
36ـ الصورة الأدبية في القرآن الکريم د/ صلاح الدين عبد التواب .ط: مکتبة لبنان ناشرون،ط: الأولى: 1995م.
37ـ الصورة البلاغية عند عبد القاهر الجرجاني منهجا وتطبيقا د/ أحمد علي دهمان.ط:مکتبة الأسد ـ سورية،ط:الثانية:2000م.
38ـ الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي د/ جابر أحمد عصفور. ط:دار المعارف ، ط: 1980م.
39ـ الصورة الفنية في الحديث النبوي الشريف د/ أحمد زکريا ياسوف .ط: دار المکتبي ـ سورية،ط: الثانية:1427هـ ـ 2006م.
40ـ الصورة في شعر بشار بن برد د/ عبد الفتاح صالح نافع . ط: دار الفکر ـ عمان ـ ط:1983م.
41ـ الصورة في الشعر العربي د/ علي البطل .ط: دار الأندلس ـ بيروت، ط: الأولى:1980م.
42 ـ الصورة الفنية في الشعر العربي مثال ونقد/ إبراهيم بن عبد الرحمن الغنيم .ط: الشرکة العربية للنشر والتوزيع ـ القاهرة ط:1415هـ ـ 1996م.
43ـ الطراز للإمام العلوي ،تحقيق/ محمد عبد السلام شاهين.ط: دار الکتب العلمية ـ بيروت،ط: الأولى: 1415هـ ـ1995م.
44ـ عروس الأفراح ( ضمن شروح التلخيص). ط: دار البيان العربي ـ بيروت.ط: الرابعة:1412هـ ـ1992م
45ـ علم البيان د/ بدوي طبانة ط: دار الثقافة ـ بيروت ـ
46ـ العمدة لابن رشيق. تحقيق د/ النبوي عبد الواحد شعلان ط: الأولى: 1420هـ ـ 2000م.
47ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني.ط: دار المعرفة ـ بيروت.ط: 1379هـ.
48ـ فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور د/رجاء عيد .ط: منشأة المعارف ـ مصرـ ط: 1979م.
49ـ الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان لابن القيم الجوزية. تحقيق/ جماعة من العلماء ، ط: دار الکتب العلمية ـ بيروت،ط: الأولى: 1402هـ ـ 1982م.
50ـ فيض القدير لعبد الرءوف المناوي،تحقيق/ماجد الحموي.ط: المکتبة التجارية ـ القاهرة،ط: الأولى:1356هـ.
51ـ القرآن والصورة البيانية د/ عبد القادر حسين،ط: دار المنار ـ القاهرة،ط: الأولى: 1412هـ ـ 1991م.
52ـ قصائد ومقطعات لأبي الحسن حازم القرطاجني .تحقيق د/ محمد الحبيب ابن الخوجة، ط: الدار التونسية للنشر ـ تونس. ط: 1972.
53ـ الکامل للإمام أبي العباس المبرد.تحقيق د/محمد أحمد الدالي ،ط:مؤسسة الرسالة ـ بيروت. ط :الثالثة:1418هـ ـ 1997م.
54ـ الکتاب لسيبويه، تحقيق الشيخ/ عبد السلام هارون. ط: دار الجيل ـ بيروت. ط: الأولى. بدون تاريخ.
55ـ لسان العرب ط:دار صادر ـ بيروت.ط: الأولى:1423هـ ـ2002م.
56ـ المثل السائر لابن الأثير. تحقيق/ محمد محيي الدين عبد الحميد، طبع ونشر: المکتبة العصرية ـ بيروت ، ط: 1995م.
57ـ المجاز في البلاغة العربية د/ مهدي صالح السامرائي.ط:دار الدعوة ـ سورية ،ط: الأولى: 1394هـ ـ 1974م.
58ـ المجاز في اللغة والقرآن الکريم بين الإجازة والمنع د/ عبد العظيم المطعني ، ط: مکتبة وهبة ـ القاهرة ـ ط:الأولى.ط:1406هـ ـ 1985م.
59ـ محاضرات في علم البيان د/ حسن طبل ،ط: مکتبة الزهراء،ط:1984م.
60ـ مشاهد القيامة في القرآن لسيد قطب .ط:دار الشروق ـ بيروت.
61ـ المطول لسعد الدين التفتازاني ، ط : مطبعة أحمد کامل ، ط: 1330هـ.
62ـ معجم المصطلحات البلاغية وتطورها د/ أحمد مطلوب ط:مکتبة لبنان ناشرون ـ بيروت،ط: الثانية ط:1996م.
63ـ مفتاح العلوم لأبي يعقوب يوسف بن أبي بکر السکاکي . تحقيق/ نعيم زرزور، ط: دار الکتب العلمية ـ بيروت. ط : الأولى : 1403هـ ـ 1983م.
64ـ مقاييس اللغة لابن فارس تحقيق/ عبد السلام هارون، طبع ونشر: اتحاد الکتاب العرب،ط: 1423هـ ـ2002م.
65ـ المنهاج الواضح لحامد عوني ط: مکتبة الجامعة الأزهرية ط: 1972م.
66ـ الموازنة الآمدي. تحقيق/ السيد أحمد صقر، ط: دار المعارف.ط: 1392هـ ـ 1972م .
67ـ مواهب الفتاح لابن يعقوب (ضمن شروح التلخيص). ط: دار البيان العربي ـ بيروت.ط: الرابعة:1412هـ ـ1992م
68ـ النقد الأدبي الحديث د/ محمد غنيمي هلال .ط: نهضة مصر،ط:2001م.
69ـ النکت في إعجاز القرآن للرماني ( ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن)، تحقيق د/ محمد خلف الله، د/ محمد زغلول سلام ،ط: دار المعارف ـ القاهرة ـ .
70ـ الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني ،تحقيق/ محمد أبو الفضل إبراهيم، وعلي البجاوي، ط: عيسى الحلب