تـشکُّـلات الصقر الأدونيسي بحثٌ في أبعاد الرؤيا في القصيدة الجديدة أيام الصقر لأدونيس أنموذجا

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

محاضر- کلية العلوم والآداب – جامعة الباحة


مدخل:

1-ملامح الرؤيا في القصيدة الجديدة:

أسهمت حرکة التجديد والحداثة المعاصرة في تعاملها مع التعبير الشعري في خلق تجربة شعرية جديدة أخذت تتنامى على مستوى الشکل والمضمون؛ نتج عنها أشکال شعرية تمردت على المألوف وأطلقت القصيدة من أسارها لينزاح الشکل التعبيري عن النظام العمودي إلى التفعيلات المتنوعة والتلقائية، ولتحلق في فضاءات جديدة، وترتاد عوالم مجهولة في التجربة الشعرية تنطوي على رؤى شعرية جديدة وحداثية على کافة المستويات الأيديولوجية والسياسية، والاجتماعية، والثقافية تجسد ذلک الشکل التعبيري الجديد.

 فالشکل الشعري الجديد يناسب قيم الحضارة الجديدة وأصبح الشاعر" يمتلک رؤيا خاصة به تختزل موقفه الفکري والجمالي من الحياة والشعر والعالم" [i]. معنى ذلک أن الرؤيا تتجلى في الشکل والمضمون معا، والشکل الشعري هو المعبر عن هذه الرؤيا.

 وفي القصيدة الجديدة تختلف الرؤيا عما قبلها – اختلافاً جوهرياً من حيث إنها تنبع من صميم طبيعة العمل الفني وليست مبادئ خارجية مفروضة، فالشعر المعاصر بصنع لنفسه جمالياته الخاصة الشکلية و المضمونية. وهو في تحقيقه لهذه الجماليات متأثر بحساسية العصر وذوقه؛ فالشعر الجديد عند أصحاب هذه الرؤيا محاولة لاستکناه الحياة وليس مجرد الانفعال بها أو وصفها [ii] . فوظيفة الشعر تغيرت تبعا لذلک وارتبطت – من جهة - بتيارات أيديولوجية ثورية معينة. فبرزت الرؤيا الموضوعية تجاه بعض القضايا مثل الالتزام والثورة في الأدب وعلاقته بالنضال والتحرر[iii]. ومن جهة أخرى تغذت بالفلسفات المادية المستمدة من منجزات علم النفس وعلم الطبيعة والرياضة التي حققت تقدما مذهلا في تصور العلاقة بين الذات والموضوع[iv]؛ فکان لها دورا مهما في تشکيل الرؤيا الشعرية في القصيدة الجديدة.

 وتبعا لذلک، تعددت محاور الرؤيا الشعرية وتشعبت في القصيدة الجديدة لنزوع النفس الشاعرة نحو التحرر والاستقلال على المستوى الاجتماعي والسياسي والفکري والديني، وساعد ذلک على اکتشاف الذات العربية لمدى قدرتها على مواجهة نفسها والعالم من حولها[v]، فکان الموقف من الواقع المعاش- بصفة خاصة- والحضارة المعاصرة –بصفة عامة- والارتداد إلى الحضارات الماضية قد ولد أحاسيس ومشاعر متباينة أطرت رؤى شعراء القصيدة الجديدة. کما أدى التأثر بالفلسفات الغربية وشعراء الغرب إلى کثير من الانحرافات في رؤى بعض الشعراء للحياة والکون. .

 ورواد القصيدة الجديدة تجاوزوا بتحديثها المستوى السطحي المتوقف عند حدود التجديد الشکلي، والتقليدية، والرغبة في الکتابة لمجرد الکتابة... إلى آفاق أرحب من التحديث الشعري فانبثقت نظرة جديدة إلى الإبداع و الشعر والشاعر نفسه باعتباره مبدعا خلاقا، وهو في سبيل وصوله إلى هذا المطمح فعليه أن يبني مفهوما شعريا جديدا هو نتاج معاناة داخلية تکونت من انهيار المفاهيم السابقة المتجذرة، ولن يستطيع – حسب رأي أدونيس – أن يجدد الحياة والفکر إذا لم يکن عاش التجدد ، فصفا من التقليدية، وانفتحت في أعماقه الشقوق والمهاوي التي تتردد فيها نداءات الحياة الجديدة. [vi]

 تأسيسا على ذلک کان تحديث القصيدة العربية مواکبا لتحديث الشاعر بمعنى تأسيس رؤيا شعرية تشمل في فاعليتها الشاعر والشعر والحياة. فحين يمتلک الشاعر الرؤيا الخاصة به فإنه يستطيع من خلالها أن يفجر طاقات الشعر " الفياضة الخالقة التي تتجاوز سطح المرئيات، وکياناتها الحسية؛ لتنغمر وإياها في عملية خلق بارعة شديدة الرهبة والجمال" [vii].

 وقد کان لمجلة (الآداب) البيروتية دورا مهما في حداثة القصيدة العربية فنيا وفکريا؛ کما کان لمجلة (شعر)[viii]ومن ثم ( مواقف) ونقادها - وعلى رأسهم أدونيس - دورا بارزا في عملية تحديث الشعر العربي والانتقال بحرکة الحداثة إلى آفاق جديدة جسدت تغير مفهوم الکتابة الشعرية على مستوى الرؤيا والمفهوم [ix]: إذ غدت الحداثة عند هؤلاء في رکيزتها الأساسية " إعادة نظر شاملة في منظومة المفهومات والنظام المعرفي، أو ما يکوّن صورة العالم في وعي الإنسان " [x] . وأدى الانفتاح على الآداب والتيارات الثقافية الغربية إلى تبلور النظرة الحداثية إلى القصيدة العربية مما غير کثير من الرؤى وأسهم في تفجير کثير من الحدود في النظرية الموروثة إلى الأنا، والجسد، واللغة، وأتاح الدخول إلى عالم المکبوت العربي، وهو عالم شاسع هائل قلما يجرؤ العربي على الخوض فيه، على حد رأي أدونيس- أکبر منظري الحداثة العربية- الذي أکد هذا الرأي بقوله: " وفي هذا کله أکدتُ على أن الشعرية العربية تقوم في جانبها الطليعي اليوم، على التجريب المفتتَح وعلى أن الخصوصية الإبداعية هي، تبعا لذلک، خصوصية الذات الشاعرة، لا خصوصية (الجماعة) أو (التراث) وعلى أن الشعر سير في فضاء الحرية، وتأسيس له في آن. أي أنه تحرک دائم في اتجاه ما لا ينتهي " [xi]. وهذه الرؤيا الأدونيسية المتجاوزة سيتناولها المطلب القادم بشيء من التفصيل.

 فينابيع الحداثة والتجديد تغذي سائر النتاج الأدبي ذي الرؤى الفکرية القائمة على تنظيرات نقدية تتبناها – في الغالب – طوائف شعرية لکل منها تجاربها الفنية ، ورؤاها الإبداعية. ومن أشهر هذه الطوائف الطائفة التي أطلق عليها في حرکة الشعر العربي ( الشعراء التموزيون )[xii] ومنهم : أدونيس، والسياب، وبلند الحيدري، وجبرا إبراهيم جبرا، وخليل حاوي،ونازک الملائکة، وعبد الوهاب البياتي، وهذه الطائفة تبنت رؤيا جديدة في الشعر العربي قائمة على فلسفة ( الموت والانبعاث ) وقد صبغت تجاربهم الشعرية برؤيا انبعاثية قائمة على فکرة الموت من أجل الحياة، والهدم من أجل البناء؛ لأنها – کما تقول خالدة سعيد- :" تجسد الهم الحضاري أو القومي العام "[xiii]. فشعراء هذه الطائفة يؤمنون بهدم الماضي وإقامة کيان حضاري جديد، وکان لتوجههم هذا تأثيرا قويا في الحرکة الشعرية الجديدة، وقد سمَّاهم د.غالي شکري بأبناء مدرسة التجاوز والتخطي؛ لتمردهم على مقدسات التراث، وهتک الارتباط به، وتجاوز نظرتهم إلى حضارة الإنسان في الغرب، والذوبان فيها[xiv]. فهم قد تأثروا بمعتقدات وأفکار في غالبها تصادم التصور الإسلامي بحثا منهم عن نماذج حضارية لا تعيقهم في اعتقادهم عن اللحاق برکب الحضارة الأوربية اللادينية، من فينيقية، وأشورية، وسومرية، وبابلية، وفرعونية ، وسبئية، وأفکار يسارية وشعوبية.[xv]

 و– مدار هذا البحث - هو التجربة الأدونيسية التي انبثقت عن هذه الرؤيا وتغلغلت في نتاجه الأدبي بمحوريه – الشعري والنقدي – من خلال إحدى أشهر قصائده وأثراها وهي قصيدة الصقر التي کانت فيضا من غيض التجربة الأدونيسية الثائرة في الشعر العربي المعاصر، وسأتناولها بالتحليل ومحاولة کشف شيء من تجلياتها في متطلب قادم – بعون الله- .

 2-1 / القصيدة الجديدة بين الرؤية والرؤيا :

 الرؤية والرؤيا محوران مقترنان يقتسمان حياة الشاعر ويصنعان شعره[xvi] ، ولکل منهما فاعلية تختلف عن الآخر، فنطاق الرؤية لا يتعدى الوصف التصويري للطبيعة أو سرد الأحداث بلا تعمق في مغزاها،ومحور هذا في الشعر مقتصر على استعراض الجزئيات المرئية التي تبصرها کل عين فلا يکون للشاعر المزية في استبصارها أو التنبه لها.[xvii]

 کما أن ( الرؤية) تقتصر على الرؤية الفکرية للواقع والفن التي تمنح الأولوية في عناصر التجربة الشعرية للعنصر الاجتماعي والدلالة السياسية. وهذه الرؤية الفکرية هي إحدى محاور الرؤيا الحديثة في الشعر؛ على اعتبار أن دائرة الرؤيا الحديثة تتسع لتکون " جماع التجربة الإنسانية التي يعيشها الشاعر في عالمنا المعاصر بتکوينه الثقافي والسکيولوجي والاجتماعي، وخبراته الجمالية في الخلق والتذوق، ومعدل تجاوبه أو رفضه للمجتمع، وطبيعة العلاقة بينه وبين أسرار هذا الکون" [xviii]. فلم يعد الشاعر يکتفي بمجرد الملاحظة والتسجيل؛ بل حلق في فضاءات أرحب من التحليل وفهم قيم ما أبدعته الحياة الإنسانية بحضاراتها ومعارفها القديمة والجديدة بکافة مستوياتها.

 أما ( الرؤيا ) فهي کلمة شديدة الروغان، عصية على التحديد لأنها تکتظ بالغموض[xix]*، وتولّد ظلالا للمعنى بحسب سياقاته في المخيلة الشعرية؛ فالرؤيا تخليق متصل بالتصور والتخيل ( وهما مادة الشعر) ، فيرتقي التجريد من المحسوس إلى المعقول وبينهما تمتد وساطة الخيال.[xx]

 فحاسة البصر تصنع الرؤية، وآلة الخيال تصنع الحلم. لذلک فإن التصوير الخيالي " نفحة من الرؤيا"، والشاعر والحالم يشکلان المعقول تشکيلا مختلفا، ويحبکان المألوف حبکا مغايرا، ويؤلفان صورا مزاجها الحلم واليقظة، التوقع والواقع، الغريب والمألوف... فالشاعر يرى ما لا يُرى، والحالم يرى ما لا يُرى"[xxi]

 إذن.. فالرؤيا الشعرية تحليق في فضاء الأحلام، والشعر طاقة قادرة على إحکام الصلة بالمحسوسات على مستوى الحلم والسحر، فهي تستوعب أجزاءها وتحتضنها بقوة الخيال والرؤيا حيث تنصهر في تجربة متلاحمة مؤلفة من الحسي والمجرد، الحلم والواقع، المستقبل والذکرى، الحنين والجموح.

 فالرؤيا تمنح فکرة القصيدة صفة الدهشة والافتنان، وتثير في المتلقي روعة اکتشاف ورؤية المخبوء؛ لأنها تجسد معاني خيالية ترتبط بدلالات وإيحاءات تنبع من القلب . وذروة الإبداع الذي تتنامى عبره الرؤيا يتجلى في الشعر الذي يقتنص نبض الأشياء وسرها الغامض، الخفي رغم ضجيج العالم، وفوضاه القاسية. وهو الذي يرى وراء سطح الحياة، وطمأنتها الخادعة موضوعات لا حصر لها، تتفجر بالقلق والنشوة والنضارة. ورؤيا الشاعر قادرة على رؤية الجوهر في ما هو عادي، وهي المجسدة تجسيدا جماليا لانشغالات الإنسان الحديث، وحلمه، ومخاوفه باستعمال الکشف واللغة.

 ومن هنا فقد غدت الرؤيا أبرز مفهوم في شعر الحداثة بل هي عند بعضهم تجسيد للحداثة؛ فما الحداثة عند أصحابها إلا رؤيا قبل أن تغدو شکلا فنيا[xxii]. وبهذا يندمج الشاعر في تجربته الشعرية اندماجا جارفا يکسب تجربته وهجا خلاقا يتعدى الواقع، ويتمثل العالم.

 ولذلک فإن التجربة الجديدة استخدمت کلمة " رؤيا " استخداما مرادفا للکشف وتجاوز المخبوء، وضربا في آفاق الحلم وهذا الاستخدام يضعها في الطرف المقابل لما تؤديه کلمة (الرؤية). ويعود غناء الرؤيا في النص الشعري إلى تجليها في مستويات منها ما ينتمي إلى النص متجسدا في الصورة واللغة، ومنها ما يتکشف عنه التحام الشکل بدلالته الداخلية، ومنها ما تفصح عنه صلة الشاعر بماضيه، ومستوى تفاعله مع هذا الماضي.[xxiii]

 فالرؤيا تتلاءم مع الذات حين تصطدم ذات الشاعر وأفکاره مع العالم الواقعي، وتصبح القصيدة ( مکمن الخروج ) الذي ينداح إليه الشاعر ليغير عالمه؛ ويمارس فيه حرياته بوصفها تخلق للشاعر عالما منفصلا عن واقعه المرفوض – بالنسبة إليه - ، وتمکنه من استحضار هذا العالم إلى ذاته کي يعيش في داخله عن طريق المخيلة الشعرية.

 و بعض القصائد الجديدة التي تعاني من غياب الرؤيا، فإن هذا يرجع إلى ضعف التکوين الثقافي للشاعر، وضعف الخيال، وعدم فاعلية الصور، والتسطيح اللغوي، ؛ لذلک امتلاک الشاعر لرؤيا شعرية تتشکل في نتاجه يُقدم للمتلقي صورة عن وعيه وتکوينه الثقافي من جهة، ومن جهة أخرى تبرز تميزه وتفرده بين الشعراء؛ لأن رؤيا الشاعر تؤثر بطريقة مباشرة في شعره على مستوى الخطاب والبناء. فالرؤيا وبناءها التعبيري يقود إلى تميزه عن الآخرين في الأسلوب والتشکيل.

 وخلاصة القول فإن القصيدة الجديدة في تبنيها لرؤيا شعرية تدور في ثلاثة دوائر متعاقبة هي: الرؤيا، والماضي بمدخراته، والمستقبل.

 فالماضي زمن مکتظ بالدلالات، فيه ينهل الشاعر من أحداثه وأساطيره ونماذجه العليا وشخصياته ورموزه. أما المستقبل فهو وعي الشاعر المنفتح، وطاقة الخلق الرؤيوي؛ لذا تغدو الرؤيا الحرکة التي يتوحد فيها الماضي بالمستقبل المنقطع عن حدود الزمان والمکان عن طريق الإبداع الخلاّق.

3-1 / مفاتيح الرؤيا الشعرية :

إن النمو المعرفي لدى شعراء القصيدة الجديدة أکسب تجربتهم الشعرية مفاتيحا خاصة يحملونها رؤاهم وتصوراتهم عن العالم والوجود؛ ويجعلونها رموزا تعبر عن هذه الرؤى بحيوية وإثارة بما تمتلکه من ثراء وديناميکية؛ لتکسب الرؤيا الخاصة طاقة خلاقة وحياة أخرى.

 وقد تبنى بعض الشعراء قضايا جوهرية ومصيرية فکانت أفقا لمکونات الرؤيا بجميع عناصرها الفکرية، والجمالية، والوجدانية.

 فقد اشتهر أدونيس والسياب والبياتي – کأمثلة – بمفاتيح رؤيوية تعبِّـر عن تجاربهم الشعرية، ومواقفهم الشعورية تَمثَّـل أکثرها في استدعاءات تراثية ورموز واقعية ( کمهيار و الصقر) عند أدونيس، و ( وفيقة وجيکور) عند السياب، و (عائشة) عند البياتي؛موظفين تقنيات متعددة للوصول إلى آفاق التعبير عن تجاربهم الشعرية منها من مثل: تقنية القناع، أو استدعاء الشخصيات التاريخية، وتوظيف الأسطورة، وأساليب التناص، والنزعة الدرامية، وعنصر الحکاية، والسيرة، والسرد، وتوظيف الأمثال والأغاني الشعبية، والموروث الديني.

ومجمل القول.. أن مفاتيح هذه الرؤى تمنح الشاعرَ مجالا واسعا وحرية أکبر؛ لتوصيل أفکاره وتصوراته ومواقفه من خلال تجارب إبداعية فاعلة تجسد حقيقة التوجه الفکري والعقدي والسياسي للشاعر.

2/ الرؤيا عند أدونيس:

يعدُّ أدونيس عرَّاب الحداثة الشعرية، ورائد من أبرز روادها الذين جعلوا الرؤيا في القصيدة الجديدة أهم الوسائل والغايات في الوقت نفسه لذلک نجده يعرف الشعر الجديد بأنه في حقيقته رؤيا[xxiv]، وهذه الرؤيا عنده هي الطاقة الاستکشافية التي ترى في الکون ما تحجبه الألفة والعادة، وتکشف وجه العالم المخبوء وما فيه من علائق خفية [xxv] . وجوهر التجديد في الشعر العربي الحديث هو هذه الرؤيا الحديثة التي تجسد فعل التجديد حقا؛ فالرؤيا من شروط الحداثة، وغاية من أبرز غاياتها.

 فالشاعر الرؤيوي – عند أرباب الحداثة - هو الذي لا يکتفي من الواقع بالتعبير عما فيه؛ بل يفرغ جهده ليخلق أشياء بطريقة جديدة ؛ لذلک تکون الرؤيا صاحبة المبادرة في بناء العالم الجديد ومناخاته المتقلبة. وهي رؤيا تشمل الکون وخالقه، والإنسان، والحضارة الإنسانية، والوجود .

 وأدونيس من شعراء الحداثة الذين حملوا لواء المغايرة في کل شيء، وهو ذو رؤى خاصة ومشروع فکري مستقل يتصادم مع معظم الثوابت في تاريخ الثقافة العربية ، فهو مثقف طليعي له إسهامات هامة في الثقافة العربية المعاصرة على المستويين الشعري والنقدي. وهو يأمل لمشروعه الفکري أن يأخذ مکانه المستحق – من وجهة نظره – في حرکة الثقافة العربية الجديدة.

 وهذه الرؤيا الأدونيسية هي نتاج تجربة طويلة عاشها الشاعر وواءم فيها بين " تشخصنه وفرادته من جهة ، وکلية حضوره الإنساني من جهة ثانية ، بين الشخصي والکوني، بين الذات والتاريخ : يريد أن يکون نفسه وغيره، الزمان والأبدية ، في آن "[xxvi].

 من هنا انبثقت هذه الرؤيا التي تعکس فلسفته وأفکاره عن هم مرکزي شغل الشاعر واستقطب طاقاته الروحية ونشاطه الحسي وعمله الشعري ، وکانت إشعاعا يصدر عن ذلک الشاغل الأساسي فلوّن ذاکرة الشاعر وعالمه الداخلي، وصياغاته، وأشکاله .[xxvii]

 فامتلک – وفقا لذلک - رؤيا شعرية تقدم تصورا عن العالم الأدونيسي المتشکل في قصائده ، وهو العالم الجديد الذي يبحث عنه، العالم الذي يسعى لخلقه وتکوينه وفق رؤيته.

 إذن فالرؤيا الأدونيسية هي محاولة للوصول للمجهول من أجل أن يعثر على شيء جديد ؛ " فهي نظرة تخترق الواقع إلى ما وراءه " [xxviii]، حيث يطلق حساسيته الشعرية من عقال الوعي لتحوم في عوالم الشعر الغريبة الشاسعة، ثم تعود فتقيم وحدة بين عالمي الواقع وما فوق الواقع، وذلک عن طريق تحويل الأفکار إلى أشياء مادية والأشياء المادية إلى أفکار [xxix].

 لتغدو بهذا المعنى تغيُّر في نظام الأشياء وفي طريقة النظر إليها، وتصبح الرؤيا الأدونيسية قفزة خارج المفهومات السائدة بوصفها رؤيا ثورية على السلطة أيما کانت دينية أو فنية أو اجتماعية وبسبب من هذه الاستراتيجية کان الشعر الجديد ثورة.[xxx]

 وتتسلح الرؤيا الثورية الأدونيسية بمعول هدمي يهدم أسس الثقافة العربية بمختلف منظوماتها الدينية والفکرية والسياسية والاجتماعية والفنية ؛ فهي تتمرکز حول محورين.. تهديم البناء الثقافي الأساس، وبناء عالم جديد .. عالم موازي. فقد کانت نشأته في أوضاع حضارية وثقافية متردية جعلته يحلم بانقلاب جذري يدمر هذه الأوضاع، ليبني على أنقاضها واقعا حضاريا جديدا، فتقمص شخصية أدونيس إله الخصب والنماء قي الحضارة الفينقية؛ مفترضا أن الأرض العربية يباب. وحين أخفق في تغيير هذا الواقع أو هدمه تحوّل اهتمامه إلى إقامة واقع ذهني في فن الشعر.[xxxi]

 فأدونيس کان مرتبطا بروح الثورة التي رأى في ميلادها بعثا وتجديدا للواقع الذي يرى أن قيمه الإنسانية، وملامح حضارته قد ماتت؛ لذلک يجب هدمه وبعثه من جديد، استشرافا للمستقبل بکل رؤى التجدد والانبعاث.

 وآراء أدونيس حول الحداثة والثورة والتجاوز والهدم، تصدر في أغلبها عن فکر مارکسي؛ لذا فهي تتناقض مع قيم الماضي، ويتأکد هذا من خلال تلک الإشارات التي يشير إليها أدونيس في عرضه لتلک القضايا، فآراء لينين ومارکس… يتردد صداها في کتبه.[xxxii]وکذلک رؤيته حول فکرة الألوهية فقد" أحيطت بإطار من النقص والازدراء·، ولا يمکن أن تکون إلا کذلک، فالذات الإلهية تشکل محورا لمنظومة من القيم والتصورات التي لا يمکن هدمها إلا بتحطيم المحور الذي يشدها، وينظم عقدها؛ لتقام منظومة جديدة من القيم والتصورات يکون الإنسان الخارق، صانعها وسيدها، الذي يؤول إليه کل شيء"[xxxiii] . لذلک أضفى على رؤياه الشعرية للإنسان طابع الثورة والثقة العالية بالنفس والاکتشاف والخلق، ففي ثورته على العالم وخلقه يبدو هذا الإنسان " مکاشفا بتمرده، عنيفا في ثورته، محتدا في موقفه" أو قد يوحي بکائنه الخارق " الرجل السوبرمان"[xxxiv] في رموز وأساطير يتخذها الشاعر قناعا يندس وراءها ويملي عليها تعاليمه[xxxv] .

 ولهذه الرؤيا الأدونيسية – رؤيا التجدد والبعث والثورة القائمة على أنقاض الماضي المهدم - رکائز انبعاثية حضارية جديدة تستمد مقوماتها من الثقافات الإنسانية حينا، وتستوحي من التراث العربي و شخصياته التاريخية وقصصه کشخصية عبد الرحمن الداخل، والحسين بن علي، والحلاج، وأبي تمام، وبشار... حينا. وتستلهم الأساطير الفينقية والإغريقية وما فيها من حيوية کامنة، وسحر، وطاقة خلاقة على حسب رؤياه حينا آخر الأمر الذي يضفي على رؤياه شکلا ودلالة خاصة. أما رموزه الشخصية فقد أکسبها دلالات جديدة تجسد تجربته الشعرية والفکرية.

 ومن المهم أن يُشـار هنا إلى أن هذه الشخصيات، والأساطير، والرموز قد اختارها أدونيس بعناية لتتوافق مع رؤيته ، وتشکل جوهر العالم الذي يأمل الوصول إليه. فقد حمّـل الشاعر شخصياته ورموزه مهمة توصيل رواءه الشعرية التي لا تکف عن حراکها الجمالي في إطار تخلّقـها الإبداعي بين الرؤيا وشکلها التعبيري الممثل في أشعاره.

 و يهمنا في هذا المطلب الترکيز على العلاقة بين الشخصية والرؤيا التي شکلت تجربة أدونيسية مکتملة التقت فيها ذات الشاعر بذات أمته العربية وواقعه الحاضر فأعمل فيها رؤيا الموت والانبعاث من خلال شخصية تراثية مسلمة هي شخصية عبد الرحمن الداخل .. صقر قريش.

 وهذه الرؤيا ستکتمل دوائرها حول نقطة الارتکاز( شخصية صقر قريش ) بعد محاولة مقاربة نص الصقر في ديوانه ( التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل ) [xxxvi] الذي يعد تحولا يدفع الواقع العربي نحو البعث والتجدد، وتدور حول إمکانية هذا التحولِ معاني الحياة والموت عند أدونيس.

مقاربة نص " أيام الصقر" :

تحاول هده المقاربة لمطولة الصقر البحثَ عن أبعاد الرؤيا عند أدونيس من خلال استلهام الشخصية التراثية الإسلامية (عبد الرحمن الداخل ) ومدى تحويره في هذه الشخصية؛ لتستوعب الرؤى الأدونيسية وتحولاتها وتداخل الذوات في رمز الصقر من خلال مشاهد تتمحور فيها أبعاد الرؤيا في نصي " أيام الصقر" و " تحولات الصقر".

فتجليات الرؤيا عند أدونيس تتخذ أبعادا متنوعة من المستحيل أن تنصهر في بوتقة واحدة وإن بدت أنها کذلک في تجليها –للوهلة الأولى- في صورة الصقر.

 وشخصية الصقر – في هذا النص- التي تشکلها رؤيا أدونيس تتجسد من "خلالها ثلاث شخصيات مختلفة – تتجاذب حرکية الحضور/ الغياب ،و الثبات / الانقطاع داخل النص – فهو عبد الرحمن الداخل صقر قريش ، وهو الذات (أدو نيس) ، وهو رمز حضاري يمثل رؤى وأفکار معاصرة"[xxxvii]. وتحمل هده الشخصيات أبعادا متباينة محورها الرئيس هو " اکتشاف إنسان الداخل"([xxxviii]) والبحث عن العالم الجديد.

ففي البدء تتساوق حرکية الحضور والغياب في هدا النص مع حضور التاريخ من خلال الرمز اللغوي (الصقر) والتصدير المقتطع من حديث لعبد الرحمن الداخل يصف فيه شيئا من الأحداث المروعة التي مرت به، وينتهي بتوقيع عبد الرحمن الداخل (صقر قريش).

ويمتزج الغياب بنقطة النهاية فعند أدونيس تبقى النهايات مفتوحة لا قرار لها؛ فمن حيث انتهى الداخل – وهذا هو التاريخ المدون – يبدأ أدونيس انزياحاته التي تکسب الواقع مفهوما مغايرا.

 ولعل عتبة العنوان تعد مدخلا هاما في استکشاف ملامح هذه الرؤيا بوصف العنوان يعدّ عتبة النص وبوابته التي تفضي إلى أفيائه الواسعة. ففي العنوان جرد الصقر من لقبه العربي فجعله (الصقر) دون (قريش) ولهذا دلالة فنية بالغة الأهمية سأتحدث عنها في تقنية القناع. وهذا المحو الاسمي يتماس تماما مع المحو الاسمي للشاعر؛ فرؤيا الانقطاع والاجتثاث من الجذور تحققت هنا في الأفق الشعري الأدونيسي؛ ليبني عالما جديدا للصقر بعد أن انقطع عن ماضيه الذي لا يمثل إلا الفجيعة ورماد الاحتراق والنشيج والانطفاء. يقول:

وقرأتُ النجومَ، کتبت عناوينها ومحوتُ

راسما شهوتي خريطة

ودمي حبرها وأعماقي البسيطة.

ساهرٌ بين جدري وأغصانه والمياه

 نضبتْ،

 والتوابع مملوءةُ الجباه

 زهراً يابسا وقبورا وديعة.

وهذا هو الانزياح الأدونيسي الأول. فهو صقر جديد لا هو عبد الرحمن ولا هو أدونيس بل هو (عبد الرحمن أدونيسي) يحمل رؤىً وأفکارا جديدة لا تمت للتاريخ ولا للأصول ولا للماضي.. بأية صلة. ورؤيا أدونيس تتجلى في هذا الصقر الجديد الذي اقتلع من أرضه-باختياره- تحت ضغط الظروف الجبرية. فرحل "في متاهه" رحلةً تبحث عن المجهول في العالم الجديد البکر البعيد عن قوى الضغط والقهر (تاريخياً)، والبعيد عن رتابة الماضي، وأفکـاره القديمة (أدونيسيا). فأبعاد الحضور والغياب تتشکل في النص بحضور التاريخ وغيابه مع بروز الذات الأدونيسية وحضور رموزها.

وقد بدأ الشاعر نصه باستهلال جزئي من تاريخية الصقر ممثلا في.. (أيام الصقر) وهو يرمي بذلک إلى – السير العکسي – بمعنى اقتطاع صور ومواقف ماضية عاش الصقر أحداثها ، وهي تمثل مرحلة من أقسى المراحل التي مرت بعبد الرحمن الداخل- الشخصية التاريخية- ومرت کذلک بالذات الأدونيسية. ويلمحها الناظر في هذا النص تبدو کخطين متوازيين - قد يلتقيان- في آفاق الخيال الأدونيسي وقد يفترقان؛ فحرکة الخيال الشعري في النص تنصب على الداخل: فيصبح جحيم القهر والخوف، ورعب الاقتلاع من الجذور، موازيا لجحيم الخارج [xxxix].

المقطع الأول// صراع الموت والحياة // :

هدأت فوق وجهيَ بين الفريسة والفارس الرماحُ

جسدي يتدحرج والموت حوذيه والرياح

جثثٌ تتدلى ومرثيةٌ،

وکأن النهار

حجرٌ يثقب الحياة

وکأن النهار

عربات من الدمع،       

غيّر رنينک ياصوت

 أسمعُ صوتَ الفرات :

-"قُريش ...

قافلةٌ تُبحر صوب الهندْ

 تحملُ نار المجدْ "

 . ... والسماء على الجُرح ممدودةٌ ، والضفافْ

 تتهامسُ ، تمتدُّ :

 بيني وبين الضًّفافْ

 لغةُ، بيننا حوارْ

 حضنتهُ الکراکِىًّ، طافتْ به کالشّراعْ

 بيننا ، -

 ( وافراتاهُ، کن لي جسرا، وکن لي قناعْ )

 وترَسَّبْتُ،

 غيّرْ رنينَکَ يا صوتُ، أسمعُ صوتَ الفراتْ :

 - " قريشْ ...

 لُؤْلؤَةٌ تشعُّ من دمشقْ

 يُخبئها الصندلُ واللُّبَانْ

 أرَقُّ ما رقَّ له لبنانْ

 أجملُ ما حَدًّثَ عنه الشرْقْ... "

  يضم المقطع الأول عددا من المشاهد التي تتقاطع فيها الرؤيا الأدونيسية مع التاريخ والواقع مبرزةً موتيفة أولية لحرکية الحضور والغياب من خلال العناصر الفاعلة ( الداخل / أدونيس / الرمز الحضاري الصقر الأدونيسي ) ففي المشهد الأول تتجلى الذات التاريخية التي تحکي تغريبة الداخل منذ فراره من الشام وهي مرحلة مرعبة عاش الداخل أحداثها حيث عانى فيها من القلق والخوف. ويبتدئ هذا المشهد بفعل الهدوء الذي يختصر کل ما مر به من أحداث وأيام عاش فيها متأرجحا بين الموت والحياة، ليتعالى الصوت المنبعث من وسط المجهول في لحظات الهروب لجسده المتخبط الذي يحيط به الموت من کل مکان وهو يحاول التعلق بالحياة رغم کل مؤشرات الموت القريبة ( فوق وجهي) و (الفريسة والفارس) و (الرماح) و (الموت حوذيه) و ( الرياح جثث تتدلى) .

اقتراب مهول للموت، وموقف معاش فيه من القسوة والاضطراب والألم النفسي المتصاعد (وکأن النهار حجر يثقب الحياة، وکأن النهار عربات من الدمع، غير رنينک يا صوت).إن الصراع بين الموت والحياة يتضارب في داخل الصقر التاريخي دون أن ينهي الشاعر تأزم الموقف. ويأتي بفعل تغييري أمري للصوت المحاذي للموت ليغير رنين أصوات القلق إلى ما يحب أن يسمعه وهو صوت الفرات (أسمع صوت الفرات) .

الفرات رمز الحياة والحرکة ، رمز الوجود والتحول الدائم. فالفرات نهر في أرض الشرق مهاد الصقر فکأنه فاصل بين الشرق والغرب ( حيث وجهة الفرار وأرض النجاة) ، فکان فاصلا بين الموت والحياة للصقر. ومع هول الموقف يکاد الإحساس بالزمن يأخذ بالتلاشي حين يتجرد من کينونته الفاعلة ليغدو مجرد حجر يثقب الحياة، ويتحول إلى عربات من الدمع! فهو زمن يواءم الحدث المأساوي.

 وحين يقرأ المتلقي هذا المشهد تبدو له واقعيته الوجودية التي يستلها الشاعر من أعماق شخصية الداخل والأحداث التي مر بها من خلال الإسقاط التصديري لمطولته (الصقر) حين استوحى کلاما للداخل يعبر فيه عن أشد المواقف إيلاما له وفاجعة زادته تعلقا بالحياة، ولکنها تجلي ذاتا تتوارى خلف الاستلاب التاريخي تحمل رؤيا مغايرة للواقع، فهو عالم آخر، عالم لا فواصل فيه بين الموت والحياة، فهي مغامرة حُلمية تتقاطع فيها الذوات ( الداخل // الشاعر) ليعيشها الصقر في الذات الأدونيسية مستشرفا المجهول من خلال الحاضر؛ فهو ينهي الغياب المطلق في ذاکرة اللاوعي لينبه بأمر فجائي ينقلنا إلى مدارج الحياة، بعيدا عن الواقع الحلمي. ثم تبدأ اللحظة الحاضرة بلازمة (أسمع صوت الفرات) فحرکية الفعل تومئ إلى الإنسان الفاعل؛ لأن حضور الزمن يبدو مشحونا باللحظة الواقعية والاستشرافية. فهل هو عبد الرحمن الذي قطع البحر سابحا نحو المجهول، بحثا عن النجاة في مغامرة محفوفة بالمخاطر!. أو هو الصقر القادر على استشراف المستقبل، والتبشير بحتمية الانتصار والنجاة!!. وکأنه يمهد للتقاطع مع التاريخ باستحضار الموروث ( قريش قافلة )، وإن کان حضورها هو تتمة للمشهد السابق في کلمات الداخل الذي رأى مجده القديم ينهار أمام ناظريه، و أهله قد قتلوا، وأخاه الصغير وقد ذبح على الحد الفاصل بين الموت والحياة. فمحاذاته للموت أکسبته الرغبة الجامحة للنجاة فآثر لذلک الفرار. فما هو ذلک المجد القديم؟ وکأنها النهاية؛ حال واقع الصقر المتردي في تقاطعه مع الواقع العربي، لتعُلن حالة الاستلاب حين يجرد الصقر من لقبه العربي ليجعل قريش لازمة أشبه بالغياب – الموت – فجردها من أحقيّتها التاريخية بأن جعل للمجد العربي صورا مأساوية ( نار المجد – الجراح الممتدة – الرمح – الدم النافر )، فتتشکل رؤيا أدونيسية خاصة تحمل وعيا بزمن وواقع تاريخي لا يرى ضفافا له، فکأن ( قريش) توهجت حتى احترقت بنار مجدها. فماذا يبقى بعد الاحتراق سوى الرماد الذي يطلبه الشاعر، رماد الفينيق الطائر الأسطوري الذي يبعث من رماده، فهل هي رغبة في بعث عربي يحمل رؤى جديدة متجلية عبر واقع ذهني أقامه الشاعر في مخيلته الشعرية!.لذلک يؤسطر الصقر – هنا- ليمارس بعد ذلک حرية البعث ويبدو ذلک من خلال نصه السابق الذکر.

-" قريش ...

قافلة تبحر صوب الهند

تحمل نار المجد"

... والسماء على الجرح ممدودة ، والضفاف

تتهامس ، تمتد :

بيني وبين الضفاف

لغة، بيننا حوار

حضنته الکراکى ، طافت به کالشراع

بيننا،

 في هذا المشهد يبدو الموروث العربي متجليا في مسار القافلة الواقعي (الصحراء)، ويظهر أن الشاعر قد جعل من الصحراء رمزاً للعروبة أو الواقع العربي المتصحر القاحل، ذلک الواقع المخيف المجهول الذي يفتقر إلى الخصب، فبالتالي يحتاج إلى قوة تبعث في هذا الواقع الحياة والنماء من جديد. فهو يربط غرابة الواقع بغرابة الصورة حين جعلها قافلة تبحر في المياه بدلا عن تهاديها في الصحراء؛ بل وتحمل (نار المجد) بدل حمل المفيد من الأشياء؟ فهي رؤية تقاطعية تتبلور من خلال واقع الصقر(عبد الرحمن الداخل) الواقع الحقيقي الذي يمثل الخوف والقهر، فلذلک أبحر ولکن کان إبحاره نحو الغرب، وکان إبحار القافلة القرشية نحو الشرق (الهند)، فهذا التقاطع التاريخي ربما أراد الشاعر أن يومئ به إلى اشتغال الواقع العربي بالماديات، والاهتمام بالسطحيات دون نفاذ إلى أعماق الأشياء فلا لغة مشترکة، ولا حوار، بل تعارض وضدية يبرزها التضاد بين الشرق والغرب، الماضي والحاضر، فحاضر الأمة العربية يحترق بنار مجدها القديم ( قريش// نار المجد) فدلالة الحضور مستمدة من الأفعال ( تبحر/ تحمل). والداخل بنى في الغرب مجدا ناهض به مجده القديم في الشرق.

 ثم تعلو الکلمات لتتقاطع هذه المرة في الذوات الفاعلة حين يمنح الشاعر الداخلَ حديثا أسطوريا فيجعله يقيم حوارا مع الضفاف التي کانت تتهامس ثم امتدت لتقيم لغة ، وتقيم حوار تحضنه تلک الکراکي، فکأن تشخصن الضفاف يوحي بعقلانيتها واستعدادها لإقامة حوار فاعل، بناء..فيه ديناميکية الشراع الموجه لدفة المرکب المبحر. لکن ما کان هذا الحوار؟ وما هي لغته؟ ولأي شيء أقيم هذا الحوار الذي لن يرتفع بعده إلا صوت الصقر الأدونيسي حين يستغيث ( وافراتاه، کن لي جسرا، کن لي قناع) فهل أعطى ذلک الحوار النتيجةَ المأمولة؟ يبدو أنه لم يحقق ذلک لأمور أبرزها أن ذات الصقر تتجلى وهي آمرة للفرات ( رمز الحرکة والحياة) للتعلق بالحياة (حياة البعث والتحول) وإن بدا مستغيثا. فکن لي جسرا موصلا للحياة؛ وکن لي قناعا أتخفى خلفه لأستطيع مجابهة الحياة. فهي أسطرة لحياة عجائبية أبعد ما تکون عن حياة الصقر المجاهد الفعلي ( عبد الرحمن الداخل)؛ لتتجلى الرؤيا على جناحي الصقر الأدونيسي القادرة على الکشف، واستشراف المستقبل بإنطاق الضفاف، وتبادل الحوار.

 وتأتي اللازمة المتکررة ( غير رنينک يا صوت ) التي تشير إلى الرغبة في التغيير، وتکرارها فيه ألحاح على ذلک، فهي وحي العالم الجديد المتغير. وتنطوي هذه اللازمة على کلمات مختارة بعناية (غير / رنينک / يا صوت / أسمع / صوت / الفرات) بدأها بفعل أمري يسلطه على مخاطب جاهز لتنفيذ هذا الأمر وهو الصوت، فلماذا اختار الصوت ثم تلاه فعل السماع؟ ( صوت//سماع) ربما هي رؤية أدونيسية ( الرغبة في التغيير، البحث عن العالم الجديد) أکسبها صفة الواقعية ومررها من خلال صوت الداخل المتعطش لسماع الأخبار عن أهله وأقاربه وأنصاره هناک في أرض النخل عن طريق الفرات المنبعث من داخله صوت الحياة.

 والاستجابة قريبة لأن فعل الحضور الاستشرافي ( أسمع) ينفي عن الرنين حرية الاختيار و يجبره على سرعة التنفيذ ليضاهي سرعة التحولات، وتتابع الجملتين.

 - " قريش...

 لؤلؤة تشع من دمشق

 يخبئها الصندل واللبان

 أرق ما رق له لبنان

 أجمل ما حدث عنه الشرق"

 يتجلى في هذا المشهد فعل الحضور ممثلا في المکان ( دمشق)، فهي أرض الداخل الحبيبة الأثيرة إلى نفسه:

 ( إن جسمي ومالکيه بأرض وفؤادي ومالکيه بأرضِ )

 وهي في نفس الوقت أرض الشاعر الحبيبة، فهنا تکاد الذاتان تتماسا في المشاعر وعاطفة الحنين، فهذه الإشراقة المکانية تبرز من خلال وحدة شعورية بين (الداخل//أدونيس) في إطار رؤية واحدة هي ( دمشق) فقريش.. لؤلؤة تشع من دمشق، فهي المجد العربي القديم الذي کان للداخل في تلک الأرض أرض آبائه وأجداده.. أرض عزه ومهاده .

 وهي ( دمشق // الحضارة ) للشاعر کونها أرض الحضارات القديمة المخبوءة التي ينبغي أن تبعث وتجدد، لتتجلى رؤيا الانبعاث الأدونيسية على هذا المقطع الغنائي المشرق المتحد (شعوريا) والمتقاطع (رؤيويا).

 ... وأنا في فضاء الجنادبِ تحت الغيوم الجريحهْ

حجرٌ ميِّتُ الجناحْ

حجرٌ ميّتُ القوادم ِ،

والموتُ يُسرجُ أفراسَهُ،

والذبيحةْ

بجعٌ يتخبَّطُ،

 غيِّر دَويَّکَ يا صوتُ

 أسمعُ صوتَ الفراتْ:

 - " قُريشْ ...

 لم يبقَ من قريش

غير الدمِ النافر مثلَ الرمحْ

لم يبقَ غيرُ الجُرحْ"

في هذه الصورة التي تتقاطع مع الواقع التاريخي بکل أبعاده ابتداءً من الصور الغريبة ( فضاء الجنادب، الغيوم الجريحة، حجر ميت الجناح والقوادم، أفراس الموت التي يُسرجها، البجع المتخبط، دوي الصوت) ثم الوضع المأساوي لقريش. وإن کانت تعلو الذات المتکلمة بالضمير (أنا) لتوهم المتلقي بأن الداخل هو المتکلم إلا أن التأمل العميق يوحي بغير ذلک، وليس هو الصقر الأدونيسي بل هي الذات الأدونيسية ؛ فحضور المکان في المشهد السابق الذي تجلت من خلاله رؤيا الانبعاث الأدونيسية تقاطعت هنا مع الواقع فلو عادت الذاکرة إلى التاريخ سنعلم أن الداخل قد نجا من کل ما مر به من أهوال حتى أقام مجده في الأندلس؛ مما جعل أعدائه العباسيين ( الخليفة المنصور) يصفه بهذا اللقب المدوي( صقر قريش) . ولکن هذه الصورة التي يظهر الداخل متحدثاُ فيها لا توحي بشيء من عزته؛ فکأن الشاعر يستلب هذه العزة ليجعل فراره غريبا ليس من عدو أو موت؛ بل من واقع متردي نابع من الذات الأدونيسية وإن أنطق به الداخل.

 فالصقر هنا أقرب إلى أدونيس الذي يعاني غربة الواقع، وغربة الثقافة، وضيق المکان؛ لأنه صاحب رؤية غريبة يرى أنها رؤيا مستقبلية تبني الذات بناءً جديدا يقوم على أنقاض الماضي، ويکشف عيوب الواقع. فکأن الصقر الأدونيسي هنا حجر ميت الجناح ميت القوادم وفارس الموقف هو الموت الذي يسرج أفراسه، فالصقر ليس فاعلا؛ لموت الحرکة الفعلية هنا، فلا حراک إلا للموت. والموت انقطاع تام عن الحرکة وعن الحياة، لذا هي انقطاع للذات الأدونيسية مع واقعها العربي، فکان صقره بلا جناح وبلا قوادم فکيف يکون الطائر بلا جناحه أو قوادمه وهما أساس حياته فدونهما سيموت بلا محالة.

وهو هنا يصارع البقاء في فضاء الجنادب تحت الغيوم الجريحة، وقد تحول إلى حجر فبعد أن کان ثاقباً للحياة هاهو هنا ميت الجناح ميت القوادم. ولأن الصقر الأدونيسي خارق للعوائد، أسطوري، فهو لا يرضى بالموت ليتجدد ويبعث کطائر الفينيق الذي يبعث من موته ورماده طائرا جديدا ليکسب الوجود حياة جديدة. فتجدد اللازمة التي تعود في هذا المشهد مدوية ( تحول الرنين إلى دوي)، لأن الصوت الذي سيسمعه الآن يعيد رؤياه المسقطة على الأوضاع المتردية التي يعاني منها الواقع العربي حسب رؤيته.

 

المقطع الثاني// الصقر: بين خيبة الواقع وأمنيات المستقبل//

 افتحي يا برارى مصاريع أبوابک الصدئات:

ملک والفضاء خراجي ومملکتي خطواتي

ملک أتقدم أبنى فتوحى

فوق هذا الجليد الؤصل، فوق الجموح

أعرف أن أجرح الرمل، أزرع في جرحه النخيلا

أعرف أن أبعث الفضاء القتيلا،

والطريق يدحرج أهواله ريضيق

والطريق مراي

کتب ومرايا

أتقرى تجاويفها

أتفرس

ألمس فيها بقايا

فارسٍ عاشقِ الخطى

أقرأ الخطوةَ والعشب والنخيلَ، وأفقا

نسجته التنهداتُ القصيره

حيث لا يهدأ الحريقُ

حيث لا تنتهى الخطوات الأميره.

في الشقوق تفيأت

کنت أجس الدقائق

أمخض ثدي القفار.

سرت أمضى من السهم أمضى

عقرتُ الحصى والغبارْ

کانت الأرضُ أضيقَ من ظلِّ رُمحى – متُّ

سمعتُ العقاربَ کيف تصىءُ، هديتُ القطا في المجاهل –

مُتُّ، انحنيتُ على الأرض أکثرَ صبراً من الأرض – مُتُّ

انکببتُ على کاهل الريحِ

صلّيتُ

وشوَشْتُ حتى الحجارْ

وقرأتُ النجومَ، کتبت عناوينها ومحوتُ

راسما شهوتي خريطة

ودمي حبرها وأعماقي البسيطة.

ساهرٌ بين جذري وأغصانه والمياه

 نضبتْ،

والتوابع مملوءة الجباه

زهرا يابسا وقبورا وديعه،

صاعد لبروج التحول حيث الفجيعه

حيث يساقط الرماد

حيث يستيقظ النشيج وينطفئ السندباد.

بدأ الشاعر هذا المقطع بفعل أمري يحمل دلالة الزمن الحاضر المتماس مع الماضي، فازدواج الذاتين يبدو جليا هنا بين الصقر التاريخي والأدونيسي بوصف الرؤيا تنفتح هنا على الواقع، فهو واقع عاشه الداخل، ويعيشه الشاعر.

فهذا المقطع انعطافة مفصلية في مسرح النص؛ لأن ضيق المکان وغربة الواقع بدأت تأخذ في الاتساع، وتبني أسسا للعالم الجديد. فبعد مغادرة الصقر لواقعه وما فيه من معاناة وعذابات وبعد النجاة من أفراس الموت، يقف الصقر أمام بوابة التاريخ ليجدها أبوابا صدئة؛ فالداخل وجدها أضعف حلقات الحکم العباسي في الغرب الإسلامي وإليها اتجه حيث أنصاره ومريديه، ومن خلالها وصل إلى العالم الجديد الذي بناه هناک وحقق نصره المدوي. وهنا حضور للتاريخ الفعلي الذي يتماس في هذا المنطلق مع الرؤيا الاستشرافية للمستقبل في الذات الأدونيسية، فبعد أن وقف على الأبواب الصدئة استطاع أن يستشرف المستقبل في رؤيا حضارية بانية، يفيض بها هذا المقطع وتحمل القدرة على تغيير الحاضر واستشراف أماني المستقبل للتبشير بحتمية الانتصار، فماذا سيفعل؟ إنه الباني لهذا المجد فوق أنقاض الماضي الصدئ :

( فمملکتي خطواتي، أتقدم أبني فتوحي

فوق هذا الجليد المؤصل، فوق الجموح

أعرف أن أجرح الرملَ، أزرع في جرحه النخيلا)

إذن هي رؤيا فوقية تبني بناء فوق بناء، رؤيا أدونيسية تبني عالما جديدا فيه مملکة وفيه حياة فوق عالمٍ متداعي ليس فيه سوى الاختناق بالموروثات القديمة ( والطريق يدحرج أهواله ويضيق).

 فهنا تبدو انفتاح رؤيا الشاعر على الحاضر والمستقبل بکشفٍ شعري يعمل على إضاءة التجربة التاريخية للصقر فهو( يتقدم، يبني، يجرح الرمل في القحط – انعکاسية للواقع- ويزرع النخيل-رؤيا انبعاثية- ) فالرؤيا واضحة أمام الصقر وإن کان فيها الکثير من المعاناة حيث يقول:

 في الشقوق تفيأت

کنت أجس الدقائق

أمخض ثدي القفار.

 انفتحت أعماق الصقر وبدأت تتردد فيها نداءات الحياة الجديدة؛ وهذا المقطع يوحي بالجهد الدءوب والکفاءة العالية المذهلة ( سرت أمضى من السهم أمضى).

 ساهر بين جذري وأغصانه والمياه

 نضبتْ،

والتوابع مملوءة الجباه

زهرا يابسا وقبورا وديعه،

صاعد لبروج التحول حيث الفجيعه

حيث يساقط الرماد

حيث يستيقظ النشيج وينطفئ السندباد.

 مع تصور أن دلالات النماء والتحول إلى الحياة قد تتجلى في هذا المشهد إلا أن الدلالة على النقيض من ذلک. فبعد تلک المعاناة وضيق المکان وغربة الشعور؛ يبدو هنا فعل الاجتثاث من الجذور لأن (المياه نضبت) فالمياه سر الحياة ونضوبها يؤدي إلى اليبس ثم الموت الذي يتساوى مع الانقطاع الکامل عن الوجود في المکان فلا توجد دلالة على الحياة لأن المياه نضبت والزهر يبس والقبور فتحت، وکلا الذاتين (الداخل/ الشاعر) قد اجتثا من جذورهما وحکم عليهما بمغادرة الوطن المحبوب، ودفعا إلى البحث عن وطن بديل يضاهي الوطن الأم. فکان التحول عند الداخل بناء وطن جديد، وعند أدونيس استشراف المستقبل الجديد الذي يواءم رؤياه الفکرية حول واقع الفکر والثقافة العربية، فکان الصعود المفجع الذي لم يکن إلا انقطاعا عن مظاهر الحياة لأن الکلمات تحمل عناصر الجدب والهدم، ولکن ( حيث لا يهدأ الحريق) سيساقط الرماد والرماد وإن کان ناتج الاحتراق إلا أنه دلالة على البعث من جديد عند أدونيس لأنه رماد الفينيق رمز الحياة والبعث في أسطورة الموت والانبعاث التي يؤمن بها أدونيس .

المقطع الثالث// التحول نحو الحياة //

 لو أنني أعرفُ کالشاعر أن أغيرَ الفصول

 لو أنني أعرف أن أکلم الأشياء،

سحرت قبر الفارس الطفل على الفرات

قبر أخي في شاطئ الفرات

(مات بلا غسل ٍ ولا قبرٍ ولا صلاة)

وقلتُ للأشياء والفصول

تواصلي کهذه الأجواء

مدى لي الفرات

خليه ماءً دافقاُ أخضرَ کالزيتون

في دمىً العاشقِ في تاريخىَ المسنون.

لو أنني أعرف کالشاعر أن أشارک النبات أعراسه،

قنّعت هذا الشجر العاري بالأطفال،

لو أنني أعرف کالشاعر أن أُدجن الغرابه

سويت کل حجر سحابه

تمطر فوق الشام والفرات،

 لو أنني أعرف کالشاعر أن أغير الآجال

 لو أنني أعرف أن أکون

نبوءةً تُنذر أو علامه،

لصحت يا غمامه

تکاثفي وأمطري

باسمي فوق الشام والفرات

 بالله يا غمامه ...

 يبدأ التقاطع مع التاريخ ومع الواقع ليبرز الصقر الذي يظهر في عالمه الجديد والبديل الذي يتخلق فيه الحلم وتتحقق النبوءة في زمن سحري تکون فيه المعرفة المحور الرئيس، ويکون للکلمة دورا مهما يعادل الفعل الثوري في الواقع، فالصقر الحضاري يتمنى أن يحدث التغيير في هذا الحاضر (أعرف، أغير، أکلم، أشارک، أدجن،أکون) فهي تحمل طابع الاستمرارية لمحاولات التجديد ضمن رؤيا شاملة للتاريخ والوجود. وهي رؤيا حرکية تتجاذب أبعاد الحضور والغياب من خلال التماس أو التقاطع مع التاريخ حينا، ومع الواقع حينا آخر.

 فالشاعر يملک القدرة على تغيير الأشياء والفصول بقانون الکلمة، ويعلي أدونيس من شأنه ليکون الشاعر النبي الذي يکلم الأشياء والفصول.

 فالشاعر يمتلک موهبة ورؤيا خاصة لا يمتلکها سواه ( إلا الأنبياء) وهي النفاذ إلى عالم خارق للطبيعة، عالم الأسرار و اللامرئيات، فهو يستطيع أن يقرأ المستقبل، ويملک براءة الطفولة وهذا ما يريده أدونيس لعالمه الجديد. ومع أنه أتى بمشهد مؤلم مقتطع من صفحة التاريخ مشهد قبر الأخ الصغير لعبد الرحمن الذي مات على شاطئ الفرات ومات غيلة بأيدي الأعداء الذين لا أمان لهم، فتمنى الصقر التاريخي المتجلي في هذا المشهد ليکون عرافا يملک طاقة السحر؛ ليبعث الحياة من الفرات رمز الحياة، فهنا تتماس الذاتان (التاريخية والأدونيسية) في عمل شيء يکسب الحياة تغييرا واخضرارا.

 کل ما مر هي تأملات أدونيسية منبثقة عن رؤيا خاصة هي رکيزة أساسية في العالم الجديد. وهذه التأملات هي استجابة للنهج الصوفي الذي يعد بعدا مهما من أبعاد الرؤيا في القصيدة الجديدة وعند أدونيس أيضا، فمن هذه الصوفية أرى أن مبدأ التجلي والحلول حاضر هنا في هذا المشهد حيث يقول:

ألسماء انفتحتْ،

صار التراب

کتباً، والله في کل کتابْ

ساهرُ

لم يبقَ في وجهىَ صخرُ نائمُ، لم يبق في عيني سراب،-

علامة ُ تأتي من الفرات:

 أنا هو الساکن في طوقک يا حمامه

 في سربک الراحل يا خطّاف

 أنا هو الواضع کالعراف

 رؤياه والعلامه

 في الأفق في لغاته الکثيره

أنا هو الفرات والجزيرة.

 فحلول ( الله ) أصبح في کل الأشياء، السماء انفتحت بالخير الکثير، وصار التراب کتبا توحي بالنفع، إذن دبت الحياة في کل شيء، وثورة الانبعاث بادية؛ لم يبق صخر نائم، تلاشى السراب

 (( أنا هو الساکن.. أنا هو الواضع کالعراف، أنا هو الفرات والجزيرة) تقاطع مع الحضور التاريخي على حساب بروز الذات الأدونيسية لأن الرؤيا هنا تتجلى مرتبطة ً برؤيا حلمية تحمل شعورا بالحرية دون الوصول لنهاية، فهو يرتفع بالإنسان إلى ما فوق الإنسان، ويتخطى حدود الزمان، وقيود المکان، وذاته هي مصدر الإلهام، وما حوله يتوحد به فهو کالعراف واضع رؤياه في الأفق على اتساعه، وهو الفرات والجزيرة رمز الحياة والصيرورة.

 وأدونيس يرسم فکرة الإتحاد بالکون على أساس أنها " وسيلة لتخطي الکائن إلى عوالم ثانية خارج الحياة؛ في مناخ الأحلام والأفراح والحسرات والمشاعر والرؤى الفارقة في قرارة الروح" [xl] . فالرؤيا الأدونيسية قد تجلت لتتوحد مع العالم.

 ويبرز الصقر الأدونيسي الذي اکتشف عالمه الجديد حين يقول:

المقطع الرابع: // بناء العالم الجديد//

ألصقر في بادية العروق في مدائن السريره

ألصقر کالهالة مرسومٌ على بوابة الجزيره

والصقرُ تطريزٌ على عباءة ِ الصحراءْ

والصقر في الحنين في الحيرة بين الحلم والبکاءْ

والصقر في متاهه، في يأسه الخلاقْ

يبني على الذروةِ في نهاية ِ الأعماقْ

أندلسَ الأعماقْ

أندلسَ الطالع من دمشقْ

يحمل للغرب حصادَ الشَّرْقْ.

يکتبُ الصقرُ للفضاء لمجهوله السَّخىّ

سائلاً عن مکانٍ، کشريانه نقىّ

يومئ الصقرُ للصقورْ –

متعبٌ، حملتْـهُ متاهاتُه ُ ، حملته الصخورْ

فحنا فوقها ، يغذى متاهاته ويغذى الصخورْ

وجهه يتقدم والشمس حوذيه ، والفضاءْ

مَوْقدٌ،

والرياحُ عجوزٌ تقصُّ حکاياتها ،

والصقورْ

موکبٌ يفتَـحُ السماءْ؛

يرفع کالعاشقِ في تفجّر ٍ مريدْ

في وله الصَّبْوةِ والإشراقْ

أندلسَ الأعماقْ

يرفعُها للکون – هذا الهيکل الجديدْ

کلُّ فضاء ٍ باسمهِ کتابْ

وکل ريح ٍ باسمه ِ نشيدْ.

هنا التحول النابع من الذات الأدونيسية ويبدو مستقلا کليا عن الصقر التاريخي، وإن برزت من خلاله حرکة درامية تعيدنا إلى المفصل الأساسي في دلالة الصقر التاريخي عبر تشکل المکان الواقعي ( الأندلس/ دمشق/ الغرب/ الشرق) عبر مجموعة من التحولات في الصقر الحضاري (الأدونيسي) تنمو داخل هذا المشهد وإن کانت ممتزجة بظلال الواقع إلا أن حرکة الخيال الأدونيسي تبني عالما داخليا ( أندلس الأعماق) موازيا للواقع (أندلس الداخل) ليمتزج الحضور والغياب. فأندلس الأعماق هي العالم الجديد الذي بناه الشاعر مناهضا للواقع ومتمردا عليه:

 يرفع کالعاشق في تفجرٍ مريد

 في وله الصبوة والإشراق

 أندلس الأعماق

فالخيال الحُلمي يمزج بين معطيات العالمين الداخلي والخارجي. وهو يضفي هالة من القداسة على مدائنه والأسطرة على صقره ليمنح طاقة الخصب والنماء على الأراضي الجرداء حتى يتغلغل في الأرواح.

 من خلال ما سبق.. کان مرتکز التحليل هو الکشف عن أبعاد الرؤيا الأدونيسية من خلال الازدواج بين الشخصيات الثلاث: عبد الرحمن الداخل/ أدونيس/ الواقع .. عبر محور الحضور والغياب في دائرة التماس والتقاطع مع التاريخ والحاضر. وکان هدف المقاربة هو استجلاء شيء من أبعاد الرؤيا عند أدونيس من خلال استلهام الشخصية الإسلامية التي سنرى مدى قدرتها على استيعاب هذه الرؤيا من خلال تقنية القناع في مطلب التشکيل الرؤيوي في النص.

 

تقانات تشکيل الرؤيـا:

 يحفل النص الأدونيسي بمکونات تشکيلية ثرية کالتقانات الفنية الجمالية ومنها القناع والرموز، والأسطورة والتناص، والغموض، والصور الشعرية واللغة والبنية الدرامية بفنياتها والموسيقى. وتمتاز هذه التقانات بأنها ذات علاقات داخلية متشعبة،مما يمنح النص الأدونيسي فاعلية هائلة على مستوى التشکيل الفني المکوّن لفضاء الرؤيا.

 لذلک سيکون التعامل مع هذه الفنيات في هذا المطلب مقتصرا على أبرز مستويات التشکيل التي تکشف شيئا من أبعاد الرؤيا الأدونيسية من خلال نص ((أيام الصقر))في بعض المحاور کاللغة والصورة الشعرية والغموض والقناع.

 ومن المهم أن يُشار إلى أن دراسة النص الأدونيسي أو غيره من نصوص القصيدة الجديدة تحتاج إلى مزيد من الجهد والوقت لاکتشاف مکنوناتها ورؤاها. ومرتکز هذه المقاربة هو کشف جوانب من أبعاد الرؤيا وانبثاقاتها على مستوى التشکيل في نص أيام الصقر لأدونيس.

1- اللغة:

اللغة هي الشکل الفني الذي يجسد العمل الشعري، وهي القالب الذي ينقل لنا الأفکار والمشاعر وهي غاية الشاعر التي من خلالها يصل إلى هدفه. ولکن أصحاب الحداثة أعملوا في اللغة الهدم َوالنقضَ وإعادة َالبناءِ على نحو ٍ" أفقدها تماسکها وقواعدها وعلاقاتها التي تنتج دلالاتها" [xli]. فالمطلوب حسب رأيهم" هو تدمير الأساليب والصور والصيغ الشعرية، وابتداع أساليب شعرية جديدة تتسع لمعارف العصر التي عجزت عنها اللغة القديمة، فلا بد إذن من تدميرها، وابتداع لغة جديدة؛ لأن القواعد من عمل الإنسان، فهو يستطيع دائما أن يعدلها بقواعد أخرى... "[xlii]. وهم بذلک يتجاهلون – عن عمد صريح - أن هذه اللغة قبل أن تکون وعي إنساني هي إلهام رباني!! وتحتل اللغة في هذه الصياغة الجديدة مکانة مرکزية، بل المکانة الأکثر مرکزية، والأشد محسوسية، بين مکونات العالم الجديد"[xliii].

واللغة في النص الأدونيسي ذات أهمية کبيرة؛ لأنها طاقة ذات إيحاءات عظيمة داخل نصه، فأدونيس شاعر ثوري فجر طاقات اللغة لتواکب رؤيته الثورية. فاللغة عنده تتجاوز المستوى القاموسي وتتجاوز المستوى المجازي؛ بل حتى تتجاوز المستوى القاعدي ( مستوى القاعدة النحوية والصرفية). وهي ليست مجرد کلمات وألفاظ ذات دلالات وإيحاءات؛ إنما هي صيغة وجود، والکلمات کمائن وأشراک تَلتقط عالما غائبا.[xliv]. والفکرة الأساس في نزعة الحداثة على الصعيد الشعري
في المجتمع العربي تکمن في إدراک التماثل بين اللغة والعالم، بوجهيه الظاهر والباطن، الموضوعي والذاتي
[xlv].

ولن أتوقف في التعامل مع اللغة هنا عند حدود المجازات وکيفية ترکيبها، والمعجم الشعري، والمستويات الدلالية، والظواهر الأسلوبية مما سيطيل مدى البحث؛ بل سيکون التعامل معها على مستوى الکيان اللغوي المعبر عن الرؤيا داخل التجربة الشعرية في هذا النص. فبعض المفردات تکررت حتى شکلت معجما مکملا للمعجم الشعري الأدونيسي في هذا النص، وعلى مستوى أعماله ککل ؛فمن هذه المفردات: الماء، الحجر، الغصن، الدم، الريح، الأرض، التراب، الکتبـ، اليأس، الجراح، وقد ترددت هذه الکلمات في نص الصقر في أکثر من مکان في مقاطع النص. ولهذه المفردات ارتباط برؤيا أدونيس الفلسفية والفکرية کما مر معنا في مقاربة النص.

وقد تجاوزت اللغة عند أدونيس وظيفتَها من مجرد الإيضاح إلى الکشف، وهذا يستلزم لها أن تظل في حالة تجدد وتحول مما يجعلها " في حرکة محاورة وتفاعل وتجاوز" [xlvi]. فالدلالات عند أدونيس ليست ناتجة عن نسق القواعد أو النظم؛ لأنه يفرغها من محتواها ويحاول أن يشحنها بدلالات جديدة تخرجها من معناها الأصلي، ثم يبدل علاقاتها بجاراتها، ويغير- جذريا- النسق الموضوعة فيه القصيدة. وهذا يتجسد في قوله:

 هدأت فوق وجهي بين الفريسة والفارس الرماحُ

 جسدي يتدحرج والموتُ حوذيه والرياح.

في السطر الأول غير الترکيب اللغوي وفصل بين الفعل (هدأت) وفاعله(الرماح) بجملتين ظرفيتين.ربما ليبين مدى تهاديه وتخبطه في النهر، وطول معاناة الفرار.

 وهناک بعض المفردات التي تجاوز بها دلالتها الوضعية إلى معاني أدونيسية خاصة تحمل رؤيته، کقوله:

 (في الشقوق تفيأت)، ( (أجس الدقائق)، ( أمخض ثدي القفار) ، (شوشت الحجار)، ( راسما شهوتي خريطة) ، ( التوابع مملوءة الجباه)، ( الکراکي) وفي بعضها مخالفة القاعدة کقوله في کلمة ( حوذيه) فالصواب هو ( بمحاذاة) أو ( يحاذي).

کما تمتاز اللغة الأدونيسية بالتناقضات والتضاد کقوله:

 صاعد إلى أبراج التحول حيث الفجيعة ...

 حيث يساقط الرماد.

 فالصعود إلى الأبراج هو صعود إلى الموت، وليس صعودا إلى الأعلى أو صعودا مجازيا کالفرار مثلا؛ لأن صياغة اللغة الشعرية توحي بمشاهد الموت (نضوب المياه، الزهر اليابس، القبور. کما يبرز التناقض في اللغة من خلال فعل السقوط ، فالأبراج في السماء ويکون السقوط من السماء للمطر رمز الحياة والخصب؛ ولکن السقوط وفق الرؤيا الأدونيسية هو للرماد وعنده هو رمز للحياة لأنه رماد الفينيق رمز الحياة والبعث. فالمطر/ الرماد، يعادل الحياة/ الموت.

 وفي مشهد آخر يقول:

 يبني على الذروة في نهاية الأعماق

 أندلس الأعماق

 إن انزياح اللغة الأدونيسية حوّل الرؤيا الواقعية إلى رؤيا حلمية، فالذروة هنا ليست المکان المرتفع المألوف؛ بل هي تعني هنا " نهاية الأعماق" فهذه النهاية ذروتها هي الطبقة العليا[xlvii]. فالذروة في نهاية الأعماق، والأعماق غور في داخل الذات، والبناء الجديد کان على ذروتها؛ لتعادل الأندلس (المکان الواقعي التاريخي) الأعماق (الذات الأدونيسية) الباحثة عن العالم الجديد. فبما أن بناءه على أرض الواقع مستحيلا فقد بناه في أعماقه ليوازي الخارج.

 کما يظهر في لغة أدونيس البنية اللغوية ذات البعد الصوفي المتجلية هنا عبر ألفاظ مبدأ التجلي والحلول فهي ألفاظ تدخل المتلقي في عالم غيبي تتجلى فيه الذات الأدونيسة.[xlviii]

 والأفعال في البنية اللغوية أفعال ذات دلالات خاصة فالفعل الماضي – مثلا – في قوله (هدأت)(سحرت)(مات بلا...) ( سرت أمضى من السهم) (سمعت، هديت) ... أفعال ماضية مرتبطة بالشخصية التاريخية، وتدل على تمام وقوع الحدث ولکن الانزياحات اللغوية في النص الأدونيسي لا تتوقف عند هذه الدلالة الظاهرة ؛ بل تتحول صيغة الماضي إلى المضارع بما يدل عليه من آنية واستقبال حين تتمازج الذاتان ويتحدث من خلالها عن عالمه الجديد. وهذه الثنائية الزمنية تحاول أن تخلق زمنا آخر هو الزمن المأمول الذي يتطلع إليه الشاعر، والذي يتجاوز به آفاق الشخصية التاريخية، ورجعية الماضي، وضعف الحاضر، إلى قـوة المستقبل وبعثه وانتصاراته.

 کما أن بعض الأفعال تحمل دلالة زمانية مرکبة تجمع الماضي والحاضر في آن؛ فالأحداث التي مرت بالصقر التاريخي مازالت مستمرة وتلقي بظلالها على الزمن الحاضر من خلال الصقر الأدونيسي، وربما هذا سبب من أسباب اختيار شخصية الداخل (صقر قريش)، يقول:

 (کنتٌ أجس الدقائق)

 (سرتُ أمضى من السهم أمضى)

 (عقرتُ الحصى... )

فالحدث الفعلي تتساوق فيه الشخصيتين (الداخل/أدونيس) فتتداخل الأصوات صوت الداخل وصوت الشاعر، ولکن أبعاد الرؤيا تکشف حقيقة المتکلم، لأن الضمير هنا يکاد أن تتماهى فيه الذاتان .

2- الصورة الشعرية:

 للصورة دور مهم في التجربة الشعرية؛ لأنها تکشف عن سعة خيال الشاعر، وثرائه اللغوي، وقدرته على الابتکار في تمثيل المعاني والأفکار والانفعالات لجعلها تعابير إيحائية مشاهدة. وقد توسعت الدراسات النقدية حول الصورة الفنية في الشعر العربي؛ لذلک ستتمحور دراستي لبعض الصور الشعرية في هذا النص حول الصور التي تجسد الرؤيا الأدونيسية التي أبدعت صورا شعرية کانت مرتکزاً أساسيا في توصيل رؤاه المتجاوزة حينا، والغريبة والغامضة حينا آخر.

 فالصورة الشعرية عند أدونيس تعتمد على التجريد؛ وذلک ليکسب رؤياه صفة معنوية مجردة يتمازج فيها الحس بالفکر، والمادي بالمعنوي؛ کي يقوي الصلة بين الواقع وما وراء الواقع، ويعيد صياغة الأشياء، ويکسب اللامعقول إمکانية الحصول؛ لنرى رؤياه وکأنها واقعا، کقوله:

 "قريش...

 قافلة تبحر صوب الهند

 تحمل نار المجد"

 فهي صورة يتجسد من خلالها إبحار القافلة بعيدا عن مسارها الواقعي (الصحراء) وهو ارتباط بالواقع التاريخي القديم للقبيلة قريش وقوافلها. ثم غرابة حمولة القافلة (نار المجد)؛ بدل المفيد من الأشياء؛ فهنا رؤيا متجاوزة للواقع العربي حملتها هذه الصورة.

 کذلک نجد الرؤيا الإبداعية المرکبة من خلال الصورة الشعرية وبنائها على مستوى التوليد والمفارقة و الدرامية؛ فتنتج صورة مرکبة أو "کلية" يجسدها الحس الدرامي بين الأحداث والشخصيات في التجربة الشعرية. وهي تقوم عند أدونيس على استعمال الرموز، والمجاز، والأسطورة؛ ولکنها تصل عنده حدَّ الغموض والغرابة. فمن ذلک قوله:

 ( وأنا في فضاء الجنادب تحت الغيوم الجريحة).

 وقوله: ( والرياح عجوز تقص حکاياتها) فکأنه تجسيد للماضي الذي انتهى؛لأن الرياح هنا رمز للماضي القديم الذي أصبح خرافة تحکيها العجوز.

وکذلک نجد أسلوب المفارقة في بناء الصورة/ الرؤيا الإبداعية حين يبرز التناقض بين الذات الأدونيسية وبين الواقع؛ فقريش (رمز العروبة) لم يبقَ منها إلا الدماء التي يجب أن تخرج لتطهر الحاضر من جراحه القديمة،وذلک في قوله:

 " " قُريشْ ...

 لم يبقَ من قريش

غير الدمِ النافر مثلَ الرمحْ

لم يبقَ غيرُ الجُرحْ"

 وتبرز المفارقة الزمانية في صورة " الحجر" الذي تکرر عنده في النص. فهو يضع الحجر في غير سياقه ليخلق مفارقة تصويرية غزيرة الدلالات، موجزة العبارات فيقول:

"وکأن النهار

حجر يثقب الحياة

وکأن النهار

عربات من الدمع"

 وتتنامى الصور الشعرية في نص(أيام الصقر) لتنقل تجربة الشاعر الإنسانية في لحظة کشفٍ شعري من خلال البناء الدرامي، فالدراما هي الصراع بکل تقنياته من مکان و زمان، وشخصيات، وحوار، وسرد. فقد عبر أدونيس في هذا النص من خلال شخصياته الثلاث: عبد الرحمن الداخل / أدونيس / الصقر ، عن تجربة إنسانية، وواقع ذهني بناه الشاعر في مملکة الشعر؛ فالقصيدة عند أدونيس تشکيلا جديدا للوجود الإنساني، يقول:

افتحي يا براري مصاريع أبوابک الصدئات.

ملک والفضاء خراجي ومملکتي خطواتي

ملک أتقدم أبنى فتوحى

فوق هذا الجليد الؤصل، فوق الجموح

أعرف أن أجرح الرمل، أزرع في جرحه النخيلا

أعرف أن أبعث الفضاء القتيلا،

والطريق يدحرج أهواله ريضيق

والطريق مرايا.

 أيضا نرى في النص استعانته بالمظاهر الکزنبة کالشمس، الرياح، النجوم، السماء، الإشراق... . ومن ذلک هذه الصورة التي تحمل تدفق الرؤيا الأدونيسية في لحظة النصر:

وجهه يتقدم والشمس حوذيه ، والفضاءْ

مَوْقدٌ،

والرياحُ عجوزٌ تقصُّ حکاياتها ،

والصقورْ

موکبٌ يفتَـحُ السماءْ؛

يرفع کالعاشقِ في تفجّر ٍ مريدْ

في وله الصَّبْوةِ والإشراقْ

أندلسَ الأعماقْ

يرفعُها للکون – هذا الهيکل الجديدْ

کلُّ فضاء ٍ باسمهِ کتابْ

وکل ريح ٍ باسمه ِ نشيدْ.

 إن معاني النصر تتجلى في هذه الصورة لأنه في السابق کان الموت بمحاذاته ( جسدي يتدحرج والموت حوذيه)، وهنا تحاذيه الشمس، والفضاء أشع والتهب احتفاءً بالنصر، والرياح کانت جثثا تتدلى أصبحت حکايات قديمة، والصقر يشق طريقه نحو السماء متمردا على کل ما يواجهه ليرفع بناءه الجديد. فخاتمة الرحلة التي رتب الشاعر أحداثَها وفق رؤيته تصور تداعي الفشل أمام الرغبة القوية في التغيير ( يرفع کالعاشق في تفجر مريد.. في وله الصبوة والإشراق..أندلس الأعماق) وأن سبيل تحقيق الغايات يکون بترجمة ثورة الأعماق إلى أفعال ملموسة.

3 - الغموض:

يعد الغموض من عناصر التشکيل الفني في النص الأدونيسي، وهو قيمة جمالية تمنح فنيةَ النصِ الإمتاعَ، والإثارة، والخلود متى ما أحسن المبدع التعامل معها [xlix]. ولکنه في النص الأدونيسي يميل إلى التکثيف الذي يحتاج الوقوف عليه إلى جهد في فک رموزه ودلالاته، لأنه يصل إلى درجة من الإبهام في فهم صوره. فهو وإن کان سمة فنية في البناء الشعري إلا أنه يکتسب في هذا النص رمزية إيحائية تدفع إلى التناقض بين الصور والرموز، مما يؤدي إلى جنوح الصور نحو الغموض، فتثير في المتلقي التفکيرَ، وطرحَ الأسئلةِ حول ما استغلق عليه من صور وألفاظ.

 ومن المحاور التي يتجلى فيها الغموض في هذا النص:

 3-1: غموض الصور:

 من الصور الغامضة في هذا النص قوله: ( فضاء الجنادب)، ( الذبيحة بجع يتخبط) في هذه الصورة يصعب إدراک العلاقة بين البجع والذبيحة، مما يفتح أفق التوقعات والتأويلات. ومنه قوله: (الطريق مرايا، کتب ومرايا) وقوله: ( أدجن الغرابة) أي غرابة هذه التي يمکن تدجينها؟ ,کذلک قوله: ( شوشت الحجار) فهل هو ملاصق للأرض ليمارس الوشوشة مع الأحجار؟ إنها صور تفتح باب التأويلات لهذه الملامح الغريبة الغامضة. ومن ذلک أيضا قوله: ( أنا الساکن في طوقک ياحمامة.. في سربک الراحل ياخطاف... الواضع کالعراف.. رؤياه کالعلامة) فهذه ملامح سريالية غريبة أضفاها أدونيس على الصقر.

3-2: غموض الرموز:

 نجد في هذا النص غموضا کثيفا نتيجة لغموض الرموز الموظفة فيها لاسيما أن أدونيس قد أفرط في استخدام الرموز في تناوله الشعري؛ لبحثه القلق والدائم عن رؤيا يحاول تحقيقها في تناولاته الشعرية، مثل رمز (الحجر) الذي يثقب الحياة فهنا الرمز المتجلي في هذه الصورة يحتاج إلى کدّ الذهن لإدراک المغزى منه. و الرموز هي أکثر فنيات القصيدة الجديدة المستخدمة من قبل الشعراء؛ لأنها تنقل الرؤى والأفکار بفنية عالية متى ما أُجيد استخدامها ، ورموز ولأدونيس رموز تمتاز بفاعلية واضحة، من مثل:( الفرات) الذي جعله رمز الحياة، و( قريش) رمز العروبة، وقوله (خليه ماءً دافقا أخضرَ کالزيتون ) فاللون الأخضر هنا رمز للخصوبة والعطاء.

3-3: غموض الرؤيا:

 مما يميز شعراء الحداثة في القصيدة الجديدة هو غموض الرؤيا التي ينطلقون منها؛ لأنهم تأثروا بالمدارس التي ابتعدت عن الواقع، وتنکرت للعقل والمنطق؛ کالرمزية بمفهومها الغربي، والسريالية وغيرها؛ فقد رأى هؤلاء أن الشعر ضرب من الرؤيا التي تخترق الواقع، وتتجاوزه إلى عالم الباطن، مما ولّد الغموض المبهم الذي" ليس مجرد سمة أسلوبية لعلاقات الأجزاء والبنية في البناء الشعري الداخلي فقط؛ بل هو نتاج نظرةٍ إلى الحياة، والعالم، وموقف منهما" [l].

 کذلک يتصل بغموض الرؤيا حضور البعد الصوفي في القصيدة الاستلهامية؛ ونجده في هذا النص على مستوى العبارات والمبادئ الصوفية. ويرى د. إحسان عباس أن الاتجاه الصوفي في الشعر الحديث يعد من أبرز الاتجاهات التي لا تخطئها عين الناظر. مرجعا ذلک إلى حالة اليأس، والسأم الغالبة لدى الإنسان العربي المعاصر، وفقدانه الصلات الروحية الحميمة في واقعه؛ فالتجأ إلى التعالق مع التجربة الصوفية [li]. وکأن البعد الصوفي بهذا المعنى " حالة من الفناء تتحرر به النفس شيئا من عالمها الحسي لتتلاشى عن هذا العالم، وتصير أشبه بالمادة الأثيرية" [lii].

3-4: الاستدعاء الأسطوري:

يسهم الاستدعاء الأسطوري في تعميق الغموض في القصيدة؛ لأنه يستلزم قارئا على درجة من الوعي الکافي بهذه الأسطورة وأبعادها الفکرية، والفلسفية، والأيديولوجية والقومية في التوظيف الشعري؛ ليمکنه ربطها بسياق النص ومن ثم الدخول إلى آفاقه. ونجد في هذا النص إيحاء بأسطورة الموت والانبعاث والتجدد بعد الاحتراق: ( حيث لا يهدأ الحريق) رغبة في بعث الحياة.

 ( صاعد لبروج التحول حيث الفجيعة

 حيث يساقط الرماد)

فهنا تتجلى أسطورة طائر الفينيق، ذلک الطائر الذي يحرق نفسه ليبعث من رماده طائر جديد. وقد آمن أدونيس بهذه الأسطورة من خلال الرؤيا التي انطلق منها ليتصور أن العالم الجديد لا يقوم إلا على أنقاض العالم القديم؛ وهذه الرؤيا تشکل هاجسا في فکره ونتاجه الشعري. وأسطورة الفينيق ليست إلا رمزا، أو قناعا لهدم ذلک العالم، والخروج على رکامه وتصوراته[liii].

4- القناع:

تقوم تقنية القناع على مبدأ التقمص فيرتدي المبدع قناعا يخرج به من شخصيته أمام ذاته، وأمام الآخرين، ويدخل في ذات وهوية أخرى. وهو الأمر الذي يعني أن ارتداء القناع يفضي إلى تحولات وإحلالات متراکبة: خروج من الشخصية وتجاوز للذات، ودخول في شخصية أخرى أو إدخال لها، عبر تقمص ذاتها واکتساب هويتها، وبذلک يصبح القناع هو العين التي يرى بها المقنع ذاته ... والوجه الحقيقي لذاته العميقة التي اکتسبها لحظة ارتداه. [liv] فهي تقنية فنية ذات منحى درامي يفيد منها المبدع في صياغة عمل درامي لمبنى رمزي شامل ينقل من خلاله أفکاره ورؤاه..

 وتٌفهم تقنية القناع باستدعاء الشخصيات التاريخية؛ لأن هذه التقنية نتاج المثاقفة الحضارية التي تستحضر الشخصيات التراثية في خبرتها وحکمة الحياة لديها بما هي معين للرؤيا.[lv] وتحقق الوحدة العضوية للقصيدة؛ لأن الشخصية تدخل بملامحها وصورها الجزئية في نسيج القصيدة من أولها إلى آخرها؛ فشخصية القناع تستنفد کل أجزاء القصيدة الاستلهامية وجزئياتها البنيوية، مضمونيا وفنيا، لأنها تکون رمز الشاعر المتحد بها.[lvi]

 وأدونيس تقنع بشخصية الأمير عبد الرحمن الداخل لإحساسه أن صلته بهذه الشخصية قد بلغ حد الامتزاج بها، وأنها قادرة بملامحها التراثية على حمل أبعاد تجربته الخاصة، ومن ثم اتحد بها، وتحدث بلسانها، مضيفا عليها من ملامحه، ومستعيرا لنفسه من ملامحها، فأصبح الشاعر والشخصية کيانا جديدا ليس هو الشاعر، وليس هو الشخصية، وهو في الوقت نفسه الشاعر والشخصية معا [lvii].

فشخصية الداخل شکلت عند أدونيس تجربة شعرية کاملة؛ لأنها تتقاطع مع مرحلة مهمة من مراحل حياته، فهو قد فارق دمشق واستقر في لبنان، حيث کرس تجربته في هذه المرحلة للبحث عن عوامل انبعاث حضارية جديدة تتجاوز المرحلة العربية الإسلامية لتستمد مکوناتها الحضارية المعاصرة من الحضارات القديمة؛ فکانت شخصية صقر قريش المعْبَر الذي مرر أدونيس من خلاله أفکاره ورؤاه الانبعاثية في مطولة (( الصقر))؛ فهو شاعر ذو رؤى وفلسفة شعرية خاصة، وفي استلهامه لأحداثٍ من حياة الداخل يوظف هذه الأحداث وفقاً لتلک الرؤيا الأدونيسية الخاصة فيسقط على حياة عبد الرحمن الداخل وحادثة عبوره نهر الفرات فارا من الموت، ومن ثم نجاته وإحيائه الدولة الأموية في الأندلس- فلسفة الموت والانبعاث التي يؤمن بها أدونيس ورفاقه في مجلة شعر" کرؤيا لتجدد الحياة وصيرورتها، جاعلا من الفرات رمز الحياة بعد الموت، ومکسباً شخصيةَ الداخلِ( أبعاداً حضارية وسياسية وفنية) [lviii] وهذا هو هدف التقنع بهذه الشخصية الإسلامية الفذة في التاريخ الإسلامي.

 فقد نهض الداخل من أنقاض الفناء الأموي – حيث ملاحقة العباسيين لهم- وبعث وجدد دولة الأمويين في الأندلس، ليقول أدونيس حول ذلک:

 لو أني أعرف کالشاعر أن أغير الفصول

 لو أنني أعرف أن أکلم الأشياء

 سحرت قبر الفارس الطفل على الفرات

قبر أخي على شاطئ الفرات

مات بلا غسل ولا قبرٍ ولا صلاة ...

الصقر في متاهه الخلاق

يبني على الذروة

أندلس الطالع من دمشق

يحمل للغرب حصاد الشرق

 استوحى أدونيس شخصية الداخل وتقنع بالصقر؛ لکن الصقر – عنده- ليس رمزا للأمة العربية التي تغير حالها من القوة إلى الضعف ومن النصر للهزيمة، وليس شخصية منقذة تبعث الهمة أو العزة في نفوس الأمة؛ بل هي منقذة للفکر الأدونيسي وتابعيه، لأن الصقر هنا صقرُ جديٌد بصناعةٍ أدونيسية – إن صح التعبير- .

 إذن هو صقر جديد يحمل حمولات تاريخية جديدة وحداثية، حيث لم يقدم أدونيس الدلالةَ التراثيةَ المباشرة لشخصية الداخل؛ إنما قدم مضمون الشخصية بطريقة إيحائية من خلال إشارات رمزية فکانت قصيدته " رؤية ممتدة في اتجاه واحد يوجهه شعور موحد" [lix] .

 وأرى أن اختيارَ أدونيس لرحلة الداخل من دمشق إلى الأندلس بوصفها رحلة واقعية حدثت في صدر الإسلام، وبطلها من عظماء التاريخ الإسلامي الذي توج رحلة المخاطر والمغامرة بالملک المؤزر. وهذا الاختيار جاء لعدة اعتبارات منها:

 1- لم يعنون القصيدة بصقر قريش( الاسم العربي ) والدلالة الفنية لذلک هي قطع الصلة بالماضي، فهذا الصقر ليس هو الصقر القديم الذي عاش في ذلک الماضي السحيق، وانتصر ذلک النصر المظفّر. وجرَّده من لقبه؛ ليجتث جذورَه العربية وهذا يتوافق تماما مع تخلي الشاعر عن اسمه العربي( علي أحمد سعيد).

 2- غامر الداخل مغامرة محفوفة بالمخاطر عانى فيها أشد المعاناة، وکذلک الشاعر؛ فقد تعرض لمحنة أجبرته على الفرار من دمشق إلى بيروت؛ حيث کان منتميا إلى( الحزب السوري القومي الاجتماعي)، وکان هذا الحزب محکوما في الخمسينيات بقيادة توتالتارية ورطته في مآزق سياسية قاتلة أدخلته في ما يمکننا تسميته بمرحلة " المحنة الکبرى" التي تعرض فيها إلى تحطيم تنظيمي وسياسي متکامل في سورية. وقد نال أدونيس الشاب القومي الحيوي حصةً قاسيةً من هذه المحنة، تمثلت بسجنه إبان تأديته الخدمة الإلزامية في الجيش السوري، وکتب تحت وطأتها بعض القصائد. وقد أرغمته هذه المحنة على الفرار من سوريا إلى بيروت في أواخر أکتوبر 1956م، أي في اليوم نفسه الذي کان مقررا فيه للحزب أن يتصدر ما سمي في سورية بـ" المؤامرة الأمريکية" والتي تزامنت ساعة صفرها مع العدوان الثلاثي على مصر. و لربما نلمح بعض ظلال هذه المرحلة في قصيدة الصقر. وأرغم في بيروت على الانعزال في المحيط الحزبي الضيق والمطوق؛ إلا أن لقاءه بالشاعر اللبناني يوسف الخال نقل حياته من ضفة إلى أخرى، إذ سيکون تأسيسُ (مجلة شعر) التي ستلعب دوراً حاسماً في تطور حرکة الشعر العربي الحديث برمتها أحدَ أهم ِ ثمراته. [lx]

 3- إن (أيام الصقر) انبعاث من الموت إلى الحياة، فهي تحمل معاني الأمل والحياة والتجدد والانبعاث أو ما يسمى عند ريتا عوض بقصيدة الموت والانبعاث، وهذه الفلسفة حاضرة عند الشعراء التموزيين – کما مر معنا- . وأدونيس شاعر يرفض الهزيمة والاستسلام لکونه لا يرضى لنفسه بحياة عادية. فهو يرفض الموت السهل ولا يقبل إلا بموت تکون معه الحياة؛ فکان ميلاد الشاعر الثوري صاحب الثورة المرتبط بروحها التي تنتصر على الموت وتمنح للأشياء حياة، وتعطي للوجود الإنساني إضافةً نوعية ًمتجددة تستشرف المستقبلَ بکل معاني التجدد والانبعاث.

 وکان قناع أدونيس لا يتوافق في أکثر فنياته مع شخصية الداخل؛ لأن الرؤيا الأدونيسية غريبة عن حياة الصقر المجاهد الفعلي، لذلک عَمِلَ على صهر شخصية الداخل وإعادة تشکيلها من خلال صقره الجديد في رؤيا کونية کاملة کانت تجربة الداخل إحدى انعطافاتها؛ فکان حضور الصقر التاريخي مجرد إطار لرؤية أدونيسية توافقت في بعض ظروفها مع حياة عبد الرحمن الداخل.

 ويتبلور سؤال محوري هنا: لِـمَ عبد الرحمن الداخل؟ رغم التقاطعات الکثيرة بين الشخصيتين!

 الداخل هو نموذج للإنسان العربي الذي غادر أرضه في اتجاه الغرب، خرج من الشرق وطن الآباء ومهد العروبة ليبني مجداً في أرضٍ غريبة؛ فرؤية أدونيس أن الحضارة کلها من الغرب، وأن الشرق هو مکان الاضطهاد، والقهر، والمعاناة. والداخل حقق هذا البعد في هذه الرؤية؛ فبخروجه من الشرق ( مصدر اضطهاده ) حقق مجداً وحضارةً ، وبنى مملکة؛ لأنه التحم بالغرب، فالغرب هو المکان الأفضل الذي يجد فيه الإنسان ذاته:

 ملک والفضاء خراجي ومملکتي خطواتي

 ملک أتقدم أبنى فتوحى

 فوق هذا الجليد الؤصل، فوق الجموح

 أعرف أن أجرح الرمل، أزرع في جرحه النخيلا

 أعرف أن أبعث الفضاء القتيلا

 فهو ينفي عن الصقر بطولاته في أرض الشرق ليحققها في الغرب، وهو صقر أسطوري يعبر من خلاله عن رؤياه في إحدى أبعادها وهي الوصول للعالم الجديد بعد انقطاعه عن مکانه وعن عالمه الأصلي، وهي رؤيا متجاوزة تبحث عن الشيء المجهول الغامض؛ فکان قناعه في إحدى فنياته وهي الرمزية رمزاً للبحث العربي عن المجهول، ولم يکن رمزاً للأمة العربية لتنهض من سباتها، ومن خلالها استطاع أدونيس أن ينقل أفکاره عن الحضارة و الآخر بتلبسه لقناع الصقر ليبث أفکاره؛ فهو ليس عبد الرحمن الداخل، وليس أدونيس؛ بل هو ( عبد الرحمن أدونيسي ) :

 لم يبقَ في وجهىَ صخرُ نائمُ، لم يبق في عيني سراب،-

علامة ُ تأتي من الفرات:

 أنا هو الساکن في طوقک يا حمامه

 في سربک الراحل يا خطّاف

 أنا هو الواضع کالعراف

 رؤياه والعلامه

 في الأفق في لغاته الکثيره

أنا هو الفرات والجزيرة.

 فهو ليس عبد الرحمن الداخل القائد العربي الذي أشاد ملکاً من العدم، ولا هو رمز البطل المسلم؛ بل هي رؤيا مغايرة للواقع المعروف عن شخصية الداخل؛ لأنها رؤيا أدونيسية حورت في هذه الشخصية، وناقضت واقعها الفعلي في حقيقة الجهاد الإسلامي؛ لتستوعب التجربة الأدونيسية الضخمة الشاطحة في فضاء التجاوزات اللا منطقية.

خاتمة:

يحقق فضاءُ التجاوز في الرؤيا في القصيدة الجديدة مساحاتٍ شاسعة لبناءِ عوالمٍ يطمح إليها الشعراء، وهم يتوسلون في هذا البناء بآلياتٍ وتقاناتٍ مبهرة، منها ما يرتکزون فيه على مهاراتهم ومواهبهم الفطرية، ومنها ما يستقطبونه من خلفياتهم الثقافية والمعرفية .. ويعد التاريخُ منجما غنيا يزخر بثراء معرفي يلجأون إليه لتقديمه – سلبا أو إيجابا- وفق الرؤيا المتشکِّلة في الوعي الشعري.



  • · قال تعالى: " قل أ بالله وآياته ورسوله کنتم تستهزءون، لا تعتذروا قد کفرتم بعد إيمانکم" التوبة/65


 [i]العلاق، د.علي جعفر" في حداثة النص الشعري. دراسات نقدية"،ط(1)،العراق،دار الشؤون الثقافية،آفاق عربية،1990م،ص13

[ii] انظر: عز الدين،د.إسماعيل" الشعر العربي المعاصر- قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية"،(ط3) دار الفکر العربي، 1966م،ص13.

 [iii] حول هذه القضايا: انظر: عز الدين، د. إسماعيل" الشعر في إطار الشعر الثوري"، ط(1)، بيروت- دار القلم--1974م

[iv] انظر: الورقي، د.السعيد" لغة الشعر العربي الحديث- مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية"(ط3)بيروت،دار النهضة الحديثة 1984م. ص48.

[v] انظر: المرجع السابق: 227.

[vi] انظر: أدونيس: زمن الشعر،ط(6)،(بيروت: دار الساقي،2005م)،ص10

[vii] انظر: في حداثة النص الشعري:ص13.

[viii] انظر في هذا: باروت، محمد جمال: "الحداثة الأولى"،ط(1) الإمارات العربية المتحدة، منشورات اتحاد الکتاب، 1991م،ص52.

[ix] انظر حول ذلک:عباس،د. إحسان "اتجاهات الشعر العربي المعاصر"، سعيد،د.خالدة" الملامح الفکرية للحداثة(مجلة فصول،مج4،ع3 ،1984م ).

[x] سعيد د. خالدة :"الملامح الفکرية للحداثة"،مجلة (فصول) مج4 ع3 ، 1984م ،ص26.

 [xi]أدونيس: سياسة الشعر،(بيروت، دار الآداب،1985م). ص72

 [xii] التموزيون: جماعة من شعراء القصيدة الجديدة تمثلوا رؤيا الموت والانبعاث في أعمالهم الشعرية، وجعلوا من الإله الأسطوري تموز رمزا لذلک، وتموز أحد آلهة الخصب والعطاء في المناطق المحيطة بشرقي البحر المتوسط، وهو رمز "الموت والانبعاث" في أساطير الحضارة البابلية والسومرية، ومعتقداتها الدينية { انظر: عوض، ريتا" أسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي الحديث" ط(1 )، بيروت،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1978م.

[xiii] الملامح الفکرية للحداثة: ص32.

[xiv] انظر: شکري، د.غالي" شعرنا الحديث إلى أين" ط(1)، ( دار الشروق، 1411هـ-1991م) ص28.

 [xv] انظر: منور د. محمد" استلهام الشخصيات الإسلامية في الشعر العربي الحديث"، ط(1) مطبوعات نادي الرياض الأدبي، 1428هـ ص 31.

 [xvi]الصائغ، د.عبد الإله" الخطاب الحداثوي الشعري والصورة الفنية ‘الحداثة وتحليل النص‘,ط(1) الدار البيضاء،المرکز الثقافي العربي،1999م. ص 59.

[xvii] انظر: فخري، ماجد" أبعاد التجربة الفلسفية"، بيروت، دار النهار 1980، ص 145.

 [xviii] شعرنا الحديث إلى أين؟: ص74.

[xix] انظر: في حداثة النص الشعري: ص20.

* هناک من النقاد من لا يرى فرقا بين (الرؤية والرؤيا ) وأنهما تنهضان معا في التعبير عن مدلول متشابک يحتضن العمل الشعري کله. وهذا رأي د.جعفر العلاق في کتابه حداثة النص الشعري ص20. وانظر في الفرق بين الرؤية والرؤيا بالتفصيل: 1- شعرنا الحديث إلى أين: د. غالي شکري، 2- أبعاد التجربة الفلسفية: ماجد فخري.3- الصورة الفنية د. بشرى مرسي، 4- الثابت والمتحول(صدمة الحداثة) ج4 ،أدونيس.

[xx] الخطاب الشعري الحداثوي :ص59.

[xxi] المرجع السابق:ص 60.

[xxii] انظر: القعود، د.عبد الرحمن " الإبهام في شعر الحداثة"، ط(1)،(الکويت، سلسلة عالم المعرفة، 2002)،ص131.

[xxiii] انظر: في حداثة النص الشعري: 20.

[xxiv] انظر: الإبهام في شعر الحداثة: ص151.

[xxv] انظر: زمن الشعر: ص12.

 [xxvi] أدونيس: مقدمة للشعر العربي، دار العودة-بيروت، ص122.

[xxvii] انظر: في حداثة النص الشعري:ص34.

 [xxviii] أدونيس: الثابت والمتحول:بحث في الإبداع والاتباع عند العرب"(ط9)،( بيروت، دار الساقي، 2006)،ج4( صدمة الحداثة)،ص150

[xxix] عثمان ، اعتدال" إضاءة النص، قراءات في الشعر العربي الحديث"، ط(1) بيروت، دار الحداثة 1988م.ص74.

 [xxx]انظر:الزهراني،أ.د.صالح سعيد" سفينة تبحر في شرارة’بحث في الرؤيا الجديدة للعالم عند أدونيس" العقيق:مج8،ع15‘16 محرم/جمادى الثانية 1418هـ، ص58.

[xxxi] انظر: قاسم د.عدنان حسين:" الإبداع ومصادره الثقافية عند أدونيس" ، الدار العربية للنشر والتوزيع، مدينة نصر.ص138.

[xxxii] انظر:الزهراني، أ.د.عبدالله بن إبراهيم:" من الأزمة الفکرية واللغوية في الشعر العربي الحديث، العقيق: مج8، ع15، 16، محرم/ جمادى الثانية 1418هـ 1988م. ص18.

[xxxiii] سفينة تبحر في شرارة، بحث في الرؤيا الجديدة للعالم عند أدونيس: ص58-62.

[xxxiv] المرجع السابق: 81.

[xxxv] نفسه:62 – 65.

[xxxvi] اعتمد البحث في الإحالة على هذا الديوان على الأعمال الشعرية الکاملة لأدونيس طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر.

[xxxvii] حلاوي، د. يوسف "الأسطورة في الشعر العربي المعاصر"، دار الآداب (د.ت) ص369.

[xxxviii] عصفور،د. جابر" أقنعة الشعر المعاصر مهيار الدمشقي" ( مجلة فصول،مج1،ع3،1981م، ص143).

[xxxix] انظر: إضاءة النص:ص57.

[xl] الإبداع ومصادره الثقافية عند أدونيس : ص 230

[xli] المرجع السابق: ص 267.

42أبو ديب، د.کمال: (الحداثة، السلطة، النص) فصول، مج4،ع3، ص 44.

[xlii] انظر: من الأزمة الفکرية واللغوية في الشعر العربي الحديث: ص26.

43 انظر: الثابت والمتحول( تأصيل الأصول) ج2: ص 314.

44 انظر: المرجع السابق: 267.

 

45سعيد،د.خالدة:"حرکية الإبداع"،(ط1) بيروت، دار العودة،1979م. ص15.

 

[xlvii] انظر: إضاءة النص:ص61.

[xlviii] انظر: ص13 من هذا البحث.

[xlix] انظر: الزهراني، أ.د. صالح:" الغموض في القصيدة العربية الحديثة"مجلة جامعة أم القرى،ع16، 1418هـ ،ص396.

[l] باروت، محمد جمال: " الحداثة الأولى":ص 218.

[li] انظر: عباس،د.إحسان:" اتجاهات الشعر المعاصر: "(ط2)عمان، دار الشروق 1992م ص164.

[lii] الإبهام في شعر الحداثة: ص 45.

[liii] انظر: الغموض في القصيدة العربية الحديثة: ص 389. وانظر عن الأبعاد الفلسفية لتوظيف أسطورة الفينيق/ باروت، محمد جمال" الحداثة الأولى" صـ 148- 158.

[liv] انظر: بسيسو، عبد الرحمن" قصيدة القناع في الشعر العربي المعاصر- تحليل الظاهرة" بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999م، ص8.

[lv] انظر:أبو هيف،د. عبد الله:" قناع المتنبي في الشعر العربي الحديث"،(ط1)،(بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2004)،ص81.

[lvi] انظر: استلهام الشخصيات الإسلامية في الشعر العربي الحديث: ص 739.

[lvii] انظر:زايد، علي عشري" استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر"(القاهرة: دار الفکر، 1417هـ/1997م) ص262.

[lviii] استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر: 163.

[lix] الشعر العربي المعاصر- قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية":ص252.

[lx] باروت،د. محمد جمال:" موقع أدونيس في حرکة الشعر العربي ونظريتها،)شبکة الانترنت:موقع اتحاد الکتاب العرب).

 

 

 

 

المصادر والمراجع:

  • *أدونيس: الأعمال الشعرية الکاملة (طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر).
  • : زمن الشعر،ط(6)،(بيروت،دار الساقي،2005م).
  • : سياسة الشعر،(بيروت، دار الآداب،1985م).
  • :مقدمة للشعر العربي،(بيروت - دار العودة ،1971م).
  • :الثابت والمتحول:بحث في الإبداع والاتباع عند العرب"(ط9)،( بيروت، دار الساقي، 2006).
  • باروت،د. محمد جمال: "الحداثة الأولى"، ط(1)،(منشورات اتحاد کتاب وأدباء الإمارات،1991م)
  • :" موقع أدونيس في حرکة الشعر العربي ونظريتها.(شبکة الانترنت،موقع اتحاد الکتاب العرب http://www.awu-dam.org
  • بسيسو، عبدالرحمن: " قصيدة القناع في الشعر العربي المعاصر"(ط1)،( بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999م).
  • *حلاوي، د. يوسف:"الأسطورة في الشعر العربي المعاصر"( بيروت:دار الآداب، 1994م)
  • أبو ديب، د.کمال: (الحداثة، السلطة، النص)،( فصول، مج4،ع3، 1984م).
  • *زايد، علي عشري:" استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر"(القاهرة: دار الفکر، 1417هـ/1997م)
  • · *الزهراني،أ.د.صالح سعيد:"سفينة تبحر في شرارة:بحث في الرؤيا الجديدة للعالم عند أدونيس" العقيق:ملف ثقافي(المدينة المنورة: إصدارات النادي الأدبي بالمدينة،مج8،ع15‘16 محرم/جمادى الثانية 1418هـ.)
  • "الغموض في القصيدة العربية الحديثة" مجلة جامعة أم القرى(مکة المکرمة،س10،ع16،اللغة العربية وآدابها1418 هـ
  • · الزهراني، أ.د.عبدالله بن إبراهيم:" من الأزمة الفکرية واللغوية في الشعر العربي الحديث"، العقيق:ملف ثقافي(المدينة المنورة:إصدارات النادي الأدبي بالمدينة، مج8، ع15، 16، محرم/ جمادى الثانية 1418هـ).
  • سعيد د. خالدة: "الملامح الفکرية للحداثة"، (مجلة (فصول) مج4 ع3 ، 1984م).
  • "حرکية الإبداع"،(ط1)،( بيروت، دار العودة،1979م).
  • شکري، د.غالي:" شعرنا الحديث إلى أين؟" ط(1)،( دار الشروق، 1411هـ-1991م).
  • الصائغ د. عبد الإله:" الخطاب الحداثوي الشعري والصورة الفنية ‘الحداثة وتحليل النص",ط(1)،(الدار البيضاء،المرکز الثقافي العربي،1999م).
  • عباس،د.إحسان:"اتجاهات الشعر العربي المعاصر"(ط2)،(عمان، دار الشروق 1992م).
  • عثمان ، اعتدال:" إضاءة النص- قراءات في الشعر العربي الحديث "، ط(1)،( بيروت، دار الحداثة 1988م).
  • عز الدين،د.إسماعيل:"الشعر العربي المعاصر- قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية"،(ط1)القاهرة،دار الکتاب العربي1967م.
  • عصفور،د. جابر: " أقنعة الشعر المعاصر- مهيار الدمشقي" ( مجلة فصول،مج1،ع،1981م).
  • العلاق،د.علي جعفر:" في حداثة النص الشعري. دراسات نقدية"،ط(1)،( العراق،دار الشؤون الثقافية،آفاق عربية،1990م).
  • عوض، ريتا :" أسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي الحديث" ط(1 )،( بيروت،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1978م).
  • فخري، ماجد:" أبعاد التجربة الفلسفية"، (بيروت، دار النهار )1980.
  • قاسم، د.عدنان حسين:"الإبداع ومصادره الثقافية عند أدونيس"،(الدار العربية للنشر والتوزيع، مدينة نصر).
  • القعود،د.عبد الرحمن:" الإبهام في شعر الحداثة:العوامل والمظاهر، وآليات التأويل"،ط(1)،(الکويت،سلسلة عالم المعرفة، 2002).
  • منور، د. محمد:" استلهام الشخصيات الإسلامية في الشعر العربي الحديث"، ط(1)،(مطبوعات نادي الرياض الأدبي، 1428هـ).
  • أبو هيف، د. عبد الله: "قناع المتنبي في الشعر العربي الحديث"،(ط1)،(بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2004م).
  • الورقي، د.السعيد:" لغة الشعر العربي الحديث- مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية"(ط3)،(بيروت،دار النهضة الحديثة 1984م).

 

 

 

 

 

 [1]العلاق، د.علي جعفر" في حداثة النص الشعري. دراسات نقدية"،ط(1)،العراق،دار الشؤون الثقافية،آفاق عربية،1990م،ص13
[1] انظر: عز الدين،د.إسماعيل" الشعر العربي المعاصر- قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية"،(ط3) دار الفکر العربي، 1966م،ص13.
 [1] حول هذه القضايا: انظر: عز الدين، د. إسماعيل" الشعر في إطار الشعر الثوري"، ط(1)، بيروت- دار القلم--1974م
[1] انظر: الورقي، د.السعيد" لغة الشعر العربي الحديث- مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية"(ط3)بيروت،دار النهضة الحديثة 1984م. ص48.
[1] انظر: المرجع السابق: 227.
[1] انظر: أدونيس: زمن الشعر،ط(6)،(بيروت: دار الساقي،2005م)،ص10
[1] انظر: في حداثة النص الشعري:ص13.
[1] انظر في هذا: باروت، محمد جمال: "الحداثة الأولى"،ط(1) الإمارات العربية المتحدة، منشورات اتحاد الکتاب، 1991م،ص52.
[1] انظر حول ذلک:عباس،د. إحسان "اتجاهات الشعر العربي المعاصر"، سعيد،د.خالدة" الملامح الفکرية للحداثة(مجلة فصول،مج4،ع3 ،1984م ).
[1] سعيد د. خالدة :"الملامح الفکرية للحداثة"،مجلة (فصول) مج4 ع3 ، 1984م ،ص26.
 [1]أدونيس: سياسة الشعر،(بيروت، دار الآداب،1985م). ص72
 [1] التموزيون: جماعة من شعراء القصيدة الجديدة تمثلوا رؤيا الموت والانبعاث في أعمالهم الشعرية، وجعلوا من الإله الأسطوري تموز رمزا لذلک، وتموز أحد آلهة الخصب والعطاء في المناطق المحيطة بشرقي البحر المتوسط، وهو رمز "الموت والانبعاث" في أساطير الحضارة البابلية والسومرية، ومعتقداتها الدينية { انظر: عوض، ريتا" أسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي الحديث" ط(1 )، بيروت،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1978م.
[1] الملامح الفکرية للحداثة: ص32.
[1] انظر: شکري، د.غالي" شعرنا الحديث إلى أين" ط(1)، ( دار الشروق، 1411هـ-1991م) ص28.
 [1] انظر: منور د. محمد" استلهام الشخصيات الإسلامية في الشعر العربي الحديث"، ط(1) مطبوعات نادي الرياض الأدبي، 1428هـ ص 31.
 [1]الصائغ، د.عبد الإله" الخطاب الحداثوي الشعري والصورة الفنية ‘الحداثة وتحليل النص‘,ط(1) الدار البيضاء،المرکز الثقافي العربي،1999م. ص 59.
[1] انظر: فخري، ماجد" أبعاد التجربة الفلسفية"، بيروت، دار النهار 1980، ص 145.
 [1] شعرنا الحديث إلى أين؟: ص74.
[1] انظر: في حداثة النص الشعري: ص20.
* هناک من النقاد من لا يرى فرقا بين (الرؤية والرؤيا ) وأنهما تنهضان معا في التعبير عن مدلول متشابک يحتضن العمل الشعري کله. وهذا رأي د.جعفر العلاق في کتابه حداثة النص الشعري ص20. وانظر في الفرق بين الرؤية والرؤيا بالتفصيل: 1- شعرنا الحديث إلى أين: د. غالي شکري، 2- أبعاد التجربة الفلسفية: ماجد فخري.3- الصورة الفنية د. بشرى مرسي، 4- الثابت والمتحول(صدمة الحداثة) ج4 ،أدونيس.
[1] الخطاب الشعري الحداثوي :ص59.
[1] المرجع السابق:ص 60.
[1] انظر: القعود، د.عبد الرحمن " الإبهام في شعر الحداثة"، ط(1)،(الکويت، سلسلة عالم المعرفة، 2002)،ص131.
[1] انظر: في حداثة النص الشعري: 20.
[1] انظر: الإبهام في شعر الحداثة: ص151.
[1] انظر: زمن الشعر: ص12.
 [1] أدونيس: مقدمة للشعر العربي، دار العودة-بيروت، ص122.
[1] انظر: في حداثة النص الشعري:ص34.
 [1] أدونيس: الثابت والمتحول:بحث في الإبداع والاتباع عند العرب"(ط9)،( بيروت، دار الساقي، 2006)،ج4( صدمة الحداثة)،ص150
[1] عثمان ، اعتدال" إضاءة النص، قراءات في الشعر العربي الحديث"، ط(1) بيروت، دار الحداثة 1988م.ص74.
 [1]انظر:الزهراني،أ.د.صالح سعيد" سفينة تبحر في شرارة’بحث في الرؤيا الجديدة للعالم عند أدونيس" العقيق:مج8،ع15‘16 محرم/جمادى الثانية 1418هـ، ص58.
[1] انظر: قاسم د.عدنان حسين:" الإبداع ومصادره الثقافية عند أدونيس" ، الدار العربية للنشر والتوزيع، مدينة نصر.ص138.
[1] انظر:الزهراني، أ.د.عبدالله بن إبراهيم:" من الأزمة الفکرية واللغوية في الشعر العربي الحديث، العقيق: مج8، ع15، 16، محرم/ جمادى الثانية 1418هـ 1988م. ص18.
[1] سفينة تبحر في شرارة، بحث في الرؤيا الجديدة للعالم عند أدونيس: ص58-62.
[1] المرجع السابق: 81.
[1] نفسه:62 – 65.
[1] اعتمد البحث في الإحالة على هذا الديوان على الأعمال الشعرية الکاملة لأدونيس طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر.
[1] حلاوي، د. يوسف "الأسطورة في الشعر العربي المعاصر"، دار الآداب (د.ت) ص369.
[1] عصفور،د. جابر" أقنعة الشعر المعاصر مهيار الدمشقي" ( مجلة فصول،مج1،ع3،1981م، ص143).
[1] انظر: إضاءة النص:ص57.
[1] الإبداع ومصادره الثقافية عند أدونيس : ص 230
[1] المرجع السابق: ص 267.
42أبو ديب، د.کمال: (الحداثة، السلطة، النص) فصول، مج4،ع3، ص 44.
[1] انظر: من الأزمة الفکرية واللغوية في الشعر العربي الحديث: ص26.
43 انظر: الثابت والمتحول( تأصيل الأصول) ج2: ص 314.
44 انظر: المرجع السابق: 267.
 
45سعيد،د.خالدة:"حرکية الإبداع"،(ط1) بيروت، دار العودة،1979م. ص15.
 
[1] انظر: إضاءة النص:ص61.
[1] انظر: ص13 من هذا البحث.
[1] انظر: الزهراني، أ.د. صالح:" الغموض في القصيدة العربية الحديثة"مجلة جامعة أم القرى،ع16، 1418هـ ،ص396.
[1] باروت، محمد جمال: " الحداثة الأولى":ص 218.
[1] انظر: عباس،د.إحسان:" اتجاهات الشعر المعاصر: "(ط2)عمان، دار الشروق 1992م ص164.
[1] الإبهام في شعر الحداثة: ص 45.
[1] انظر: الغموض في القصيدة العربية الحديثة: ص 389. وانظر عن الأبعاد الفلسفية لتوظيف أسطورة الفينيق/ باروت، محمد جمال" الحداثة الأولى" صـ 148- 158.
[1] انظر: بسيسو، عبد الرحمن" قصيدة القناع في الشعر العربي المعاصر- تحليل الظاهرة" بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999م، ص8.
[1] انظر:أبو هيف،د. عبد الله:" قناع المتنبي في الشعر العربي الحديث"،(ط1)،(بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2004)،ص81.
[1] انظر: استلهام الشخصيات الإسلامية في الشعر العربي الحديث: ص 739.
[1] انظر:زايد، علي عشري" استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر"(القاهرة: دار الفکر، 1417هـ/1997م) ص262.
[1] استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر: 163.
[1] الشعر العربي المعاصر- قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية":ص252.
[1] باروت،د. محمد جمال:" موقع أدونيس في حرکة الشعر العربي ونظريتها،)شبکة الانترنت:موقع اتحاد الکتاب العرب).
 
 
 
 
المصادر والمراجع:
·    *أدونيس: الأعمال الشعرية الکاملة (طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر).
·    : زمن الشعر،ط(6)،(بيروت،دار الساقي،2005م).
·    : سياسة الشعر،(بيروت، دار الآداب،1985م).
·    :مقدمة للشعر العربي،(بيروت - دار العودة ،1971م).
·    :الثابت والمتحول:بحث في الإبداع والاتباع عند العرب"(ط9)،( بيروت، دار الساقي، 2006).
·    باروت،د. محمد جمال: "الحداثة الأولى"، ط(1)،(منشورات اتحاد کتاب وأدباء الإمارات،1991م)
·    :" موقع أدونيس في حرکة الشعر العربي ونظريتها.(شبکة الانترنت،موقع اتحاد الکتاب العرب http://www.awu-dam.org
·    بسيسو، عبدالرحمن: " قصيدة القناع في الشعر العربي المعاصر"(ط1)،( بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1999م).
·    *حلاوي، د. يوسف:"الأسطورة في الشعر العربي المعاصر"( بيروت:دار الآداب، 1994م)
·    أبو ديب، د.کمال: (الحداثة، السلطة، النص)،( فصول، مج4،ع3، 1984م).
·    *زايد، علي عشري:" استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر"(القاهرة: دار الفکر، 1417هـ/1997م)
·*الزهراني،أ.د.صالح سعيد:"سفينة تبحر في شرارة:بحث في الرؤيا الجديدة للعالم عند أدونيس" العقيق:ملف ثقافي(المدينة المنورة: إصدارات النادي الأدبي بالمدينة،مج8،ع15‘16 محرم/جمادى الثانية 1418هـ.)
·    "الغموض في القصيدة العربية الحديثة" مجلة جامعة أم القرى(مکة المکرمة،س10،ع16،اللغة العربية وآدابها1418 هـ
·الزهراني، أ.د.عبدالله بن إبراهيم:" من الأزمة الفکرية واللغوية في الشعر العربي الحديث"، العقيق:ملف ثقافي(المدينة المنورة:إصدارات النادي الأدبي بالمدينة، مج8، ع15، 16، محرم/ جمادى الثانية 1418هـ).
·    سعيد د. خالدة: "الملامح الفکرية للحداثة"، (مجلة (فصول) مج4 ع3 ، 1984م).
·    "حرکية الإبداع"،(ط1)،( بيروت، دار العودة،1979م).
·    شکري، د.غالي:" شعرنا الحديث إلى أين؟" ط(1)،( دار الشروق، 1411هـ-1991م).
·    الصائغ د. عبد الإله:" الخطاب الحداثوي الشعري والصورة الفنية ‘الحداثة وتحليل النص",ط(1)،(الدار البيضاء،المرکز الثقافي العربي،1999م).
·    عباس،د.إحسان:"اتجاهات الشعر العربي المعاصر"(ط2)،(عمان، دار الشروق 1992م).
·    عثمان ، اعتدال:" إضاءة النص- قراءات في الشعر العربي الحديث "، ط(1)،( بيروت، دار الحداثة 1988م).
·    عز الدين،د.إسماعيل:"الشعر العربي المعاصر- قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية"،(ط1)القاهرة،دار الکتاب العربي1967م.
·    عصفور،د. جابر: " أقنعة الشعر المعاصر- مهيار الدمشقي" ( مجلة فصول،مج1،ع،1981م).
·    العلاق،د.علي جعفر:" في حداثة النص الشعري. دراسات نقدية"،ط(1)،( العراق،دار الشؤون الثقافية،آفاق عربية،1990م).
·    عوض، ريتا :" أسطورة الموت والانبعاث في الشعر العربي الحديث" ط(1 )،( بيروت،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1978م).
·    فخري، ماجد:" أبعاد التجربة الفلسفية"، (بيروت، دار النهار )1980.
·    قاسم، د.عدنان حسين:"الإبداع ومصادره الثقافية عند أدونيس"،(الدار العربية للنشر والتوزيع، مدينة نصر).
·    القعود،د.عبد الرحمن:" الإبهام في شعر الحداثة:العوامل والمظاهر، وآليات التأويل"،ط(1)،(الکويت،سلسلة عالم المعرفة، 2002).
·    منور، د. محمد:" استلهام الشخصيات الإسلامية في الشعر العربي الحديث"، ط(1)،(مطبوعات نادي الرياض الأدبي، 1428هـ).
·    أبو هيف، د. عبد الله: "قناع المتنبي في الشعر العربي الحديث"،(ط1)،(بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،2004م).
·    الورقي، د.السعيد:" لغة الشعر العربي الحديث- مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية"(ط3)،(بيروت،دار النهضة الحديثة 1984م).