المؤلفون
1 أستاذ النحت المساعد بکلية التربية النوعية بالمنصورة ووکيل کلية رياض الأطفال لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة
2 أستاذ النحت المساعد کلية التربية النوعية -جامعة المنصورة
المستخلص
مقدمة:
إن نقل المعانى من خلال عملية التعبير الفنى فى التشکيل قد يسلک أحد طريقين :
الأول يلتزم بالشکل الخارجى وفى طياتة ينقل الفنان انفعالاتة ، وتظل الدلائل البصرية
موجودة وواضحة .
أما الثانى فتذوب فية هذه المعانى دون الالتزام بالنص أو الشکل البصرى ، وهو التجريد.
"وهو خلاصة التجريد الفنية مرتکزة فى أقل ما يمکن من الخطوط او الأشکال ، والکتل والفراغات والعناصر التشکيلية ، الترابط والوحدة ، والاتزان والانسجام والحرکة والرمز و متضمنة لجوهر الايقاعات والتوافقات المضادة دون الاعتماد على ابراز أو توضيح الأصل البصرى .
إذ أن التجربة الفنية التجريدية تعممه إلى کيانات ايقاعية وهى بدورها لغة الکون مهما تضاءل الکيان المعبر عنه".[1]
وکلمة التجريدية –التى لا يمکن تحديد الناسبة التى باشر النقاد باستعمالها –لا تعنى مضمون هذه المدرسة ، بل لعلها تعنى عدم التشبيه ، على العکس من کلمةواقعى concrete".ومن التشبية إلى الترکيز مرت الصورة الفنية بمراحل مختلفة آخرها هذا الفن الذى تخلى عن الصورة المألوفة ، وبنى أشکالاً جديدة على علاقات خالصة لا ارتکاز لها على الواقع المألوف .[2]
ولقد عرف التجريد فى الفن منذ فجر التاريخ ،وکذلک فقد ظهر فى انتاج بعض الحضارات ، فلقد کان قدماء المصريين من أوائل الشعوب التى جردت ، وفى الکتابة الهيروغليفية تجريدات کثيرة :للعين والمياة ومفتاح النيل (عنخ) والصقر ، وهى تبين کيف أستخلص الفنان المصرى هذه الأشکال من الطبيعة ووضعها فى مجالات جديدة فى الکتابة لتعطى معانى جديدة .[3]
کذلک يوجد التجريد فى فلسفة الجمال عند الإغريق ،فيقول أفلاطون :
"إننى لا أعنى جمال الأشکال الذى يتوقعه الغالبية العظمى –کالذى يوجد فى المخلوقات الحية والصور – لکننى أعنى الخطوط المستقيمة والأقواس والسطوح والمجسمات التى تخرج عن طريق المخارط والمساطر والمربعات ، وتلک الأشياء ليست جميلة نسبيا مثل الأشياء المألوفة الأخرى لکنها أثر واقعية ، وهى دائمة ومطلقة".[4]
کذلک ظهر التجريد بوضوح وبکثافة فى الفن الاسلامى نظرا لطبيعة العقيدة الإسلامية فى البعد عن التشبية ، وکذلک لسعى الفنان لإکساب أشکاله طابعا روحيا واستشعار لما هو فوق الحسى ، فجعله ذلک يفر إلى الأسلوب التجريدى الذى تجلى فى هندسة الفن الإسلامى ، ومقرنصاته ووحداتة النباتية المتکررة والمجردة من الطبيعة ، وفى أشکال الإنسان والحيوان المبسطة والمحورة ، وفى الکتابات التى تداخلت معا الزخرفة کجانب هام فى البناء الفنى .
أما فى الفن الحديث : " سار الفن التجريدى فى اتجاهين مختلفين ، التجريد العضوى الذى عبرت عنه أشکال " هنرى مور ، هانز آرب " المتدفقة والمحملة بالطاقة التعبيرية ،والاتجاه الآخر هندسى فى أعمال ( ناعوم جابو ، ألکسندر کالدر ، دافيد سمرت ).[5]
وخلاصة القول أن التجريد هو اتجاه فنى يقوم حول البحث عن جوهر الأشکال التمثيلية والتعبير عنها فى خلاصات موجزة تحمل فى طياتها الخبرات التشکيلية التى مر بها الفنانون
وأثارت وجدانهم .
خلفية البحث
بدأت الحرکة التشکيلية المصرية الحديثة رحلتها بإنشاء مدرسة الفنون الجميلة عام 1908 ، والتى تخرج منها المثال محمود مختار " رائد للحرکة التشکيلية المصرية ، ومؤسسا لفن النحت المصرى الحديث ، وکان إنتاجه الفنى تجسيدا للشخصية الفنية المصرية الحديثة ، وبداية انطلاق لعودة النهضة لفن النحت المصرى الذى توقف حقباتت طويلة من الزمن .
وقد تعاقب بعد "مختار" العديد من أجيل النحاتين المصريين الذين تنوعت اتجاهتهم الفنية وتشبعت اساليبهم ، وکثر الانتاج الفنى فى مجال النحت ،مما تطلب ضرورة دراسة وتوثيق لذلک الفن المصرى فى مرحلته المعاصرة .
وقد تأثر فن النحت المصرى المعاصر بالعديد من العوامل منها : تراث فن النحت المصرى ن بداية من النحت المصرى القديم ( فى العصور الفرعونية ) ، ومرورا بالعصر الإغريقى الرومانى ثم الفن القبطى ثم الإسلامى ، وقد استلهم النحات المصرى المعاصر من التراث " صفاته الثابتة المستمدة من جو الطبيعة ورحابه النفس المصرية ، وأخذ من التراث الفنى المصرى التوازن والهدوء والوقا ر والجلال والمهابة ومثالية التعبير مجردة عن العقائد الداخلية ، وميثولوجيا " التمثال المصرى القديم ، واستخلص عناصر مثل الثبات ، والإستقرار ، وبلاغة التعبير النحتى بالکتلة والخطوط ، والقدرة على إبداع التمثال الصغير کل خصائص النحت الکبير ".[6]
کما تأثر النحت المصرى المعاصر بفنونها الشعبية ، وايضا بالبيئة المصرية وخصائصها الفريدة والتى وجد بها ما يؤکد استمرار تقاليد التراث مع تطورها ،فالطبيعة المصرية التى تأثرت بها الفنان المعاصر هى نفسها الطبيعة التى فرضت على الفن المصرى سمات خاصة فى مختلف العصور .
کذلک تأثر النحات المصرى المعاصر بالثقافة المصرية من اأفکار ومعتقدات وعادات، بالوعى بقضايا البلاد والأحداث السياسية المتلاحقة ، وعصر ‘اعادة البناء والبحث عن الهوية
والخصوصية المصرية .
وبالرغم من وجود هذه المؤثرات إلا أن هناک عاملاآخر کان له أثر کبير على فن النحت المصرى المعاصر ، وهو التأثر بالإتجاهات الفنية فى الفن العالمى الحديث ، وذلک من خلال الدراسة الأکاديمية بکليات الفنون، کذلک عن طريق البعثات الخارجية للفنانين المصريين وإطلاعهم على أحداث الحرکات الفنية فى مختلف بلاد العالم ،ومع تقدم وسائل الإتصال کان الانفتاح على العالم والتأثر بالفنون الغربية بمدارسها الفنية المختلفة کالتأثيرية والتعبيرية والتکعيبية والسريالية والتجريدية وغيرها.
وبذلک فإن عصرنا الحديث حدد للفنان النحات حداثة الموضوع معالم لأسلوبه الفنى ، فهو يستوعب تيارات المذاهب الفنية وثقافة عصرهولکنه يضفى على کل ما استوعبه معالم شخصيته المميزة.
وبذلک کان لکل هذه المؤثرات السابقة أثر کبير فى تنوع وإختلاف أساليب واتجاهات فن النحت المعاصر فى مصر.
وقد لوحظ أن التجريد کاتجاه فنى طغى على أعمال الکثير من النحاتين المصريين المعاصريين ، وبالرغم من تنوع ثقافته ومواقع دراستهم الفنية ، وسوف يقوم الباحث بإختيار مجموعة ممثلة من النحاتيين المصريين المعاصريين بمعايير مقننه للتعرف على أسلوبهم الفنى ، دراسة وتحليل أعمالهم الفنية
وبالرغم من ان لکل فنان من هؤلاء له أسلوبة الفنى الخاص لإلا أن السمة الغالبة على إنتاجهم االفنى هو التجريد بأنواعه المختلفة.
مشکلة البحث:
من خلال استعراض الدراسات التى تناولت النحت المصرى ، لوحظ ندرة وجود دراسات علمية للأسلوب التجريى ،مما حدى بالبببلتناول هذا الموضوعى بالدراسة والتحليل، للتعرف على اتجاهات متنوعة .والموضوعات التناولة ، والتقنيات المستخدمة، وکذلک العوامل والمؤثرات التى اتجهت بالنحت اتلمصرى المعاصر إلى هذا الاتجاه ، بما يفيد فى إثراء الخبرات الفنية والتقنية لدارسى فن النحت من طلاب کلية التربية النوعية ، ودارسى الفنون بالکليات الأخرى .
أهمية البحث:
1. يساهم فى القاء الضوء على بعض النحاتين المعاصريين والذين أثروا فى فن النحت المصرى ، وذلک للقصور الواضح فى التعريف بهم وبأساليبهم الفنية .
2. يساهم البحث فى مساعدة طلاب کلية التربية الفنية ودارسى الفنون بالکليات الأخرى على تفهم الاساليب الفنية الحديثة فى مجال النحت و جعلهم على صلة دائمة بالجديد والمتطور فى هذا المجال .
أهداف البحث :
فروض البحث :
حدود البحث :
2. تقتصر الدراسة على المنحوتات ذات الأسلوب التجريدي ، وذلک في النصف الثاني من
القرن العشرين .
منهجية البحث :
يتبع الباحث المنهج الوصفى والتحليلى وفق الخطوات الآتية :
3. تحليل المحتوى الفنى لمختارات من أعمال بعض النحاتين المصريين ذات الاسلوب التجريدى ، لتبيان القيم الفنية فى صياغتها ، عن طريق دراستها بأماکن عرضها فى المتاحف ، والمعارض
،و المقتنيات الخاصة .
- أعمال متأثرة بالتراث الفنى المصرى .
- أعمال متأثرة بالفن العالمى المعاصر .
- أعمال متأثر بالبيئة والثقافة المصرية .
- دور الخامة فى تأکيد الأسلوب الفنى .
الإطار النظري للدراسة
أهمية التجريد کاتجاه فني :
فهو يتمشى مع ثقافة العصر کقيمة واعية وللبحث عن جوهر الأشياء والتعبير عنها فى إيجاز يحمل فى طياته الخبرات التشکيلية السابقة التى مر بها الفنان وأثارت وجدانه.
کذلک يقدم التجريد کأحد الأساليب الفنية الحديثة خبرات فنية وتربوية يمکن أن تثرى وتفيد فى مجال تدريس الفن بالتربية الفنية ودارسى الفنون بالکليات الأخرى ، حيث يحتوى على مصادر رؤية فنية وفکرة تتميز بالحرية التعبيرية والتشکيلية ، وکذلک الاتصال الدائم بالجديد والتطور فى هذا المجال .
مفهوم التجريد :
يقول "محمد حمزة" عن التجريد :
تجرد الأمر أو الشئ (فى الفلسفة والفن) أى أنتزع عنصرا من عناصره ، والتفت إليه وحدده دون غيره ، أو استخرج ذهنيا الماهية بغض النظر عن تشخيصها الخارجى .[7]
ويذکر " قاموس نيوکولينز" : انه لا يرتبط بالموضوعات الملموسة ، حيث لا يتصل بشئ بعينة ، وهو يتصف بالصياغة الهندسية أو من جهة أخرى بالصفات اللاتمثيلية ، وليست له دلالة بظواهر معينه، وهو بمثابة مخلص للأشياء .[8]
والأصل فى عملية التجريد الذهنى راجع إلى قدرة العقل على استخلاص معنى الأشياء الموضوعية المحسوسة من ظواهرها اللامتناهية .[9]
ويذهب هربرت ريد إلى أن :
التجريد اتجاه فنى يعبر عن عمق التفکير الذى يرتبط بمتطلبات العصر ، وهويمثل مرحلة انتقالية من واقع (Reality)إلى واقع جديد (New Reality )، فهو عالم مطلق من النقاء (Pure)ينطوى على معان روحية ترتب بالعناصر والقوانين والأسس البنائة للأشکال التى تمثل طبيعة الکون کما يرتبط بالإنسحام المتناغم ، وتحقيق فکره، قد تکون فلسفة أو موسيقية أو غير ذلک ،وأعمال التجريد تجدها محمله منذ البداية بالمعانى والمفاهيم التشکيلية التى لا يمکن أن تترجم إلى لغة وهى أيضا غير مترجمة من أى لغة.[10]
والمقصود بالتجريد : هو کشف النظام العام ، أو "القانون " المستور وراء الأشياء بحيث تظهر قيمتها للرائى المثقف ، وهذا القانون يساعد فى فهم الظاهرة إلى استخلص منها هذا القانون ، وفى فهم الظواهر الأخرى التى تتشابه مع تلک الظاهرة. [11]
وهو اتجاه فنى يهدف للتعير عن الشکل النقى المجرد من التفاصيل المحسوسه، ويمکن اعتباره عمليه تخلص من هذه الحاله الشائعه فى الرؤيه لتکشف لنا الاشياء بمعانيها الفنيه الکامنة .
وهو اتجاه فنى ابتعد فيه الفنان عن تمثيل الطبيعه فى انتاجه .
وقد عرفت عمليه التجريد فى الفن المصرى القديم وبعض فنون العالم القديم والفن الاسلامى ،وفى الفن التشکيلى المعاصر ايضا حيث اعتبر صفه لعمليه استخلاص الجوهر من الشکل الطبيعى وعرضه فى شکل جديد .
وفى الحقيقه ان کلمه تجريد تحولت الى موضوع صعب بسبب اخذها بمعناها الظاهر،الذى سلب التجريد من قوامه الروحى ومنظوره الاساسى الذى يغوص فى الاسرار الباطنه للوجود الکمادى للون والخط والشکل .
وتشير هذه الکلمه ايضا الى العمليه الذهنيه المطلقه التى تسبق التحليل المادى لذلک کلمه التجريد من المعانى المبهمه الناتجه عن التعميم والعموميات فى الاحکام .
وهکذا نجد ان مصطلح التجريد فى العربيه اقرب للمعنى من مرادفه الغربى لان الفن الاسلامى يقوم فى الاساس على قاعده التنزيه البصيرى القلبى،وليس على التشبية العينى الحسى وخصائص هذة النظره حضاريا هى التى تجعله يتجنب التشبيه .
ويقول جون ديوى :
ان التجريد هو التکامل والشمول من خلال القيم التشکيليه والتعبيريه کأساس دون ان يکون الاهتمام الاول هو تمثيل المرئيات التشکيليه ،فإذا کانت القيم التشکيلية هى تناسب النقطة والخط والشکل والمساحة والفراغ ، وکانت القيم التعبيرية هى الحرية والبساطة والقوة وتسليم الذات للعمل الفنى ، فإن التجريد هو هذه القيم عند ما تتداخل بفعل تفکير شامل ومتکامل يلخص عصر الفنان وحياتة الباطنة والظاهرة .[12]
ما هو الفن التجريدى ..؟
ان صوفية الفن تلک التى تهدف عن طريق الرمز إلى ما وراء الطبيعة للوصول إلى المطلق ، وهو الفن الذى ينطلق بأشکال الطبيعة من صورتها العرضية إلى أشکالها الجوهريه الخالدة .
وسواء کان التجريد هندسيا شاملا او جزئيا بتبسيط الاقواس و المنحنيات ،وسواء کان تجريدا کاملا او نصف تجريدى ، فإنه يعطى الايحاء بمضمون الفکره التى يقوم عليها العمل الفنى.
والفن التجريدى يطلق على الفن اللاتشخيصى الذى لا ينقل الطبيعه نقلا حرفيا وقد اطلق على معظم الفنون المعاصرة التى تهدف الى ان يکونالفن لذات الفن هدف اساسيا رئيسيا ومن الفنانين البارزين فى هذا الاتحاه : کاند نسکى ، هنرى مور،بار باراهيبوروث، بيفزنر ،موندريان ..........وغيرهم .[13]
وينبغى علينا دائما ان نفرق بين شيئين :
الفن التجريدى والتجريد فى الفن فالفن التجريدى يقوم على التجريد الصرف،اى التجريد الکلى والغير مرتبط بأى موضوع ،اما التجريد فى الفن وهو مايرتبط بموضوع ويتحقق بنسب متفاوته فى الاتحاهات الفنيه الاخرى ويتجه فى اتجاهين مختلفين يمکننا تمثيلهما من خلال تاريخ الفن،فهناک المنهج الذى ينطلق من الموضوع الخارجى محدثا ماشاء فيه من تعديل وتلخيص مع استبقاء ما يبدو جوهريا وأساسيا وثابتا وباقيا .
ثم هناک المنهج الذى يأخذ طابعا بنائيا معماريا ، وفية يبدأ الفنان بالشکل المجرد ثم يعود فيملأمساحات هذا الشکل بما يجعل له دلالة موضوعية.[14]
وإذا کان الأسلوب التجريدى الصرف لا يرتبط بالموضوع فعن أى شئ إذا يعبر ؟ الواقع ان فى الفن التجريدى الصرف امکانات للتعبير عن الانفعالات الشعورية الباطنية العميقة أکثر مما فى الفن ذى الموضوع . فهو قادر –رغم عدم ارتباطة بشئ موضوعى- على إثارة المشاعر والوجدان بطريقة اکثر صفاء وأکثر مباشرة .[15]
ويغلب على عملية التجريد نوع من التأمل ، والتأمل ذاتة قد يغلب علية الجانب الفکرى او الجانب الحسى ، ولکن من الصفات الهامة الملازمة لهذا التأمل صفة التطور اى تغير من حالة الى حالة والتطور هو النمو بمعنى حدوث نقص وتزايد مستمر- نقص للصفات الغير أساسية وتزايد ووضوح مستمر للصفات الأساسية ، التجريد فى مثل هذه الحالة هو عملية ارتقاء لسلم التطور .[16]
والفنان الذى يسعى إلى التجريد فى أعماله يبتعد عن التسجيل البصرى للطبيعة ، فمن الممکن أن يبدأ بأشکال طبيعية يحاول أن يلخصها ويخلصها من العارض ،ويکشف عن قوانينها فتتجرد تدريجيا إلى أن تصبح خطوطا وأشکال ذات علاقات جمالية بعضها مع بعض ، ولکن بعيدة الصلة عن الطبيعة الظاهرة .
ومن الممکن أن يبدأ بطريقة أخرى للتجريد ، تعتبر هى نفسها لغة التشکيل قادرة على التعبير ونقل المعانى الفنية دون استناد الى أصل طبيعى خارج ، فيعبر عن طريق عناصر التشکيل الفنى وصياغتها فى انسجام وتآلف لتحدث المعانى التى يريدها .
ويقول الناقد الفرنسى" الى فور "نقلا عن البسيونى لتعرف کيف تنتقل ينبغى أن تعرف کيف تلخص وتبسط وتختار وتشکل ، والمقصود بتلخيص تلک العملية البلاغية التى يقوم فيها الانسان بقول الکثير من المعنى فلى القليل من اللفظ ، والتلخيص فى الفن التشکيلى هو تحميل أبسط الرموز الشکلية أکبر المعانى الفنية .[17]
التجريد فى فنون التراث :
ولقد عرفت عملية التجريد فى الفنون منذ فجر التاريخ ، فالتجريد فى الفن کان اسلوبا أکثر منه حرکة،وهو اسلوب غير مستحدث حيث ظهر فى الفن البدائى وفى النزعة التجريدية البسيطة فى الفن المصرى القديم، وکذلک نرى هذا الأسلوب فى الکنائس المسيحية الشرقية وفى الفنون الإسلامية .
غير اننا فى جميع هذة الأمثلة لا نلتقى إلا بألوان من التجريد النسبى ، اما التجريد المطلق فلا يعرف إلا فى العصر الحديث .[18]
فى البداية نجد ان الإنسان قد مارس نوعا من التجريد الزخرفى منذ عصور ما قبل التاريخ.
وقد کان الفنان البدائى يعبر بأعمالة على جدران الکهوف وکانت الحيوانات التى يراها ويتعامل أو يتصارع معها من أجل الحياة والطعام محورا هاما لأعماله فکان لا يستطيع أن يتأملها بدقة فکان يعبر عنها بتلخيص وإيجاز فى رسوم مبسطة تحوى الخطوط الرئيسية فى الحيوان التى تميزة عن الحيوانات الأخرى دون تفاصيل ، لأنه ليس لدية الفرصة ليرى ويراقب الحيوان أکثر من ذلک .
وإذا تتبعنا مصدر التجريد نجد أن الإلهام التجريدى مصدرة الشرق حيث توجد أصوله، ففى الحضارة الفرعونية الکثيرمن التجريد، فإن تبسيط الشکل وإختصار خطوطة إلى أقصى حدودة والنقوش المکملة هى فى الحقيقة جزء من التجريد.[19]
لقد جرد الفنان المصرى القديم إذ خلع على صورة الإنسان مسحة من الخلود ، تتخيل أنها تعکس خلود نظام الکون بما فية من صور دنيوية منظورة وصور شيطانية أو قدسة غير منظورة .
کذلک فإن الموضوع فى الفن المصرى القديم –کما هو فى معظم الفنون القديمة –کان بمثابة رمز مقدس ، ولذلک کان من الممکن أن يتخذ نقطة بداية للوصول إلى رموز مجردة[20]
وفى الفن اليونانى ، نجد أن الفنان الإغريقى قد عرف التجريد فقد أظهرت لنا الحضارة اليونانية القديمة صورة للصراع بين فنانى المظهر وفنانى الجوهر . ففى مقابل النزعة الطبيعية التى تميزت بالمظهر المحسوس کان هناک الفن التجريدى متأثر بالحضارات الشرقية القديمة والذى ساد حضارة کريت المعروفة بإسم الحضارة المسينية وهى حضارة تأثرت بالفن المصرى والبابلى القديم وقد ايدت الفلسفات المثالية والعقلية ها الفن التجريدى ومن ابر ممن دعوا الى هذا الفن الفيثاغوريون وأفلاطون ولعل السبب فى ذلک يرجع الى أخذهم بالمنهج الرياضى فى فهم الکون والحياة فقد جمع أفلاطون الى العقلية الرياضية الالهام والهوس الصوفى، وأکد أن الإلهام المستمد من الآلهه يقترب من کشف الصوفية ومعاينة الحقائق الخالدة والماهيات المجردة فى عالم المثل.
کذلک فد جرد الفنان القبطى والبيزنطى إذ استعمل التبسط ليطهر الأجسام من دنيويتها ليقترب بها ما أمکن من عالم الروح.
أما فى الحضارة الإسلامية کانت النزعة التجريدية هى النزعة الغالبة على الفنون ، حيث نرى أن التراث الفنى الإسلامى يزخر بمقومات تجريدية متنوعة سبقت المدارس التجريبية الحديثة بزمن طويل بل وأثرت عليها .
والتجريد الإسلامى مصدرة تحول کبير فى روح الحضارة الإسلامية التى جعلت محور الوجود هو الذات الإلهية والإحساس بقدرتها الانهائية وتجردها عن کل تجسيم أو تحديد فالمکان والزمان لا يمکن تحديدهما فى شکل محسوس او صيغ محددة ومن هنا جاءت کراهية العرب فى الإسلام لتصوير الأجسام الحية بالنحت أو التصوير وظهر وعزوفهم عن صناعة الأصنام ومن هنا مالت الفنون الى تقديم الفکرة بالنسب الهندسية والرموز.[21]
إن الشکل الهندسى الإسلامى ليس هو بناء هندسى فقط ولکنه بناء عقلانى فى رؤية الطبيعة بمنظار الوعى المدرک لمفهوم الطبيعة والتى ترکزت فى تشکيلات هندسية إنشائية .
ان الشکل الهندسى الاسلامى ليس هو بناء هندسى ولکنه بناء عقلانى فى رؤية الطبيعة بمنظار الوعى المدرک لمفهوم الطبيعة والتى ترکزت فى تشکيلات هندسية إنشائية .
والفن الأسلامى لم يقدم الفنون التجريدية بشکلها المطلق ولکنه قام ببنائها داخل استخداماتة الاجتماعية ولم يفکر مطلقا فى عمل لوحة أو تمثال تجريدى ليوضع فى المتاحف. [22]
من الصعب تحديد بدايه حرکه الفن الحديث لانه من السذاجه محاوله تحديد شئ مثل هذا الغموض ،مثل البدايه الاولى لاسلوب فنى لان جذور الاسلوب الفنى تمتد عادة من مستويات مختلفه واتجاهات متعارضه کما انه لا يمکن استبعاد تأثير کل الحرکات الفنيه التى سبقت التجريد ،ووضعت فى نفس الوقت الاساسى للحرکات الفنية الحديثة التى حددت ملامح الفن التجريدى .
ان المتابعين للفن خلال القرن العشرين لا بد انهم لاحظوا ان اى شکل من الفنون يتطور فى اتجاه التجريد لذا فإن:مفهوم الفن التجريدى لا يمکن استخدامه لتحديد اى مدرسه او اى حرکه مهما کان انتشارها،انها ظاهره عالميه بل لغه عالميه،وإن الاساليب التجريديه اصبحت متعدده الى الحد الذى يجعلها عرضه لاى خطر من اعتبارها اکاديميه بل انه قد يکون اکثر دقه وأکثر بساطه ان ينظر الى التجريد کمنطلق جديد من مبادئ وحقائق جديده تزيد من قدره التعبير الحر عن النفس دون اعتبار لاى قوانين سوى التى يبدعها الفنان او التى تفرضها عليه الماده التى ينتقيها.[23]
ولذلک تعتبر التجريديه هى اهم اتجاهات حرکه الفن الحديث، حيث جاءت لتعبر عن تمرد الفنان على الاتجاهات القديمة، والبحث عن التعبير الحر وعدم الانغلاق داخل اطار مدرسة معينة، بل أن أهم مميزاتها التجرد الدائم بحثا عن الجوهر والتعبير عن أحاسيس الفنان المبدع الطموح وثوريتة الفنية .وعلى نقيض الزعم الدارج ، من ان الفن التجريدى ظاهرة من ظواهر ما بعد الحرب العالمية الثانية ، فإننا نرى جذوره قبل عام (1910)، فقد کانت هناک بعض المحاولات الجزئية التى يرصدها مؤرخو الفن سابقة على هذا التاريخ ،حيث ينظر الى عملية الإختزال التى کان يقوم بها "جوجان "،"وسيزان " الانطباعيان أصلا،بوصفها إرهاصات لهذا الإسلوب فقد کان يختزلان بعض تفصيلات الموضوع التى يصورانة ويستغنيان عنه "[24]
کذلک فإن أکثر المدارس الفنية التى جاءت فى العصر الحالى سواء منها التکعيبية أو البنائية أو السريالية ،کانت جميعها تحمل فى طياتها البذرة الحية لفن غير تمثيلى .
اما البداية الحقيقية لظهور الأسلوب التجريدى فکانت على يد المصور الروسى الکبير" کاندنسکى" وفى النحت على يد المثال الروسى" فلادمير تايلين".
لقد خاض الفنان التشکيلى المعاصر تجربة التجريد فى صورة مذاهب واتجاهات متعددة ،أحياننا يخفى من خلالها مصادر الإلهامةالتى أوصلتة إلى التجريد ولا يرى إلا أشکالا بلا مدلولات بصرية ، وأحيانا أخرى يحتفظ ببعض العلامات الميسرة التى تربط الرائى بمصادر التجربة وأحيانا ثالثة يظل محتفظا بالأصل الطبيعيى بعد أن قد قام بعملية تشطيب فية ، حذف من خلال کل التفاصيل التى ليس لها علاقة بالجوهر وأکد الجوهر ذاتة فى خطوط ومساحات أو کتل تحمل البساطة والبلاغة ، والکل فى الجزء والجزء فى الکل .[25]
وفى اطار هذا الوصف ظهرت إتجاهات متبلورة لمذاهب تجريدية مختلفة مثل : التجريد الهندسى ، التجريد العضوى ، التجريد التعبيرى ،والتعبير الحلرکى والتجريد الإيجازى ..وغيرها
إن الفن التجريدى إنما يسعى إلى التعبير عن شئ لا جسم له ، وهو فى الوقت نفسه روح کل الاجسام ، وروح الطبيعة وروح الإنسان .
فالفن التجريدى يتعامل مع ما يسمى بالأنماط الأصلية فى الطبيعة ، وکما تتمثل فى بنية البلور وفى مورفولوجية النبات . وفى تکوين المعادن وما أشبه ، وهى نفسها الأنماط الاصلية التى تتمثل فى الکيان البشرى نفسه، ومن ثم يحاول الفنان التجريدى – کالعالم الطبيعى سوا ء بسواء – أن يستخرج نظم الکون وأن يصور حقيقة .[26]
ان کل تجريد هو وليد ظاهرة ، وله أصل فى الطبيعة وينبغى أن يکون کذلک حتى تصبح له قيمة اجتماعية ، ولکن ليس معنى ذلک أن صلة التجريد بالطبيعة أو بالجزء الواقعى من الحياة هى صلة واضحة الأثر فى الجزء الختامى (للعمل الفنى ) ،إذ أن قيمة الفنان تتحدد بقدرتة على الوصول إلى التجريد دون أن يشعرنا بالمصدر .[27]
وذا انعدمت الطبيعة کمقياس للعمل الفنى کمصدر للابداع ، فإن القياس يصبح للفن نفسه ولمصداقيتة الفنان وحريتة بعيدا عن المسخ والتسطيح .
والفن التجريدى يتجة إلى قمة الفردية فى الإبداع الفنى . والواقع أن الطرز القديمة التى استمرت قرونا فى الفن القديم ، والمدارس الحديثة التى بقيت سنوات فى العصر الحديث ، إعتمدت إلى حد ما على وحدة الأسلوب ووحدة المنطلق لمجموعة من الفنانين ، وغير أن التجريدية أصبحت فنا يتضمن أساليب لا حصر لها [28]،وعلى الرغم من الصفة المشترکة فى تعبير التجريديين ، فإن أخذ خلال السنوات الأخيرة أشکالا تختلف بإختلاف الاحساس الخاص لکل من الفنانين ، کذلک کان لکل فنان أکثر من أسلوب وأکثر من طريقة فى مجال عملة التجريدى فى فنه ، ويرجع ذلک إلى الطاقة الواسعة التى يملکها هذا الفن .
وباب التجريد لم يوصد بعد فى ميدان الفن التجريدى ، وقد ظهرت فى السنوات الأخيرة ومازالت تظهر تيارات أخرى .
التجريد فى النحت الحديث :
مع بداية القرن العشرين إتجة الفنان النحات إلى التجريدکى يستطيع الالتقاء مع الأفکار المطلقة ،التى لا يمکن بأى شىء ، وفى نفس الوقت يرى الفنان أن هذا الإتجاه الفنى عالما لا حدود له مختلفا ومتمايز عن العالم الذى يراه .
ولقد وجد الأسلوب التجريدى فى النحت،کما أستعيض عن تکثيف نسيج اللوحات ببنيات ومواد جديدة لم تکن مألوف فى صناعة النحت .
إن النحت التجريدى کان من أهم الأساليب الفنية التشکيلية التى استوعبت الإتجاه العقلى (القاعدة والنظام والتناغم والبناء )واعاطفى الروحى معبرة بشکل جميل عن أشياء غير تمثيلية محققه توازنا ممتازا بين الذهن والخيال .
وکذلک يعتبر التجريد هو أهم الصور التى يمکن يتخذها العمل النحتى فهو لا يعبر عن المظاهر العارضة والمألوفة للشکل الطبيعى ،ولکنه ينفذ إلى الأشياء الطبيعية عن طريق الترابطات والعلاقات من خلال نظرة شاملة وعميقة .
ولقد أصبح للنحت التجريدى المعاصر أساليب کثيرة ومتنوعة ،وذلک لإختلاف الفنانين فيما بينهم من ناحية المدى النفسى لکل منهم ، کذلک لاختلاف المؤثرات التى يتأثروا بها فى أعمالهم وأيضا نجد تغير أسلوب الفنان نفسة خلال حياتة الفنية .
وعلى ذلک نجد أن لهذا الاتجاه الفنى أساليب لا حصر لها ، .. وسنحاول أن نستعرض فى أيجاز أهمها واکثرها وضوحا فى حرکة الفن الحديث ....
التجريد الهندسى :
ظهر هذا الطراز منذ أقدم العصور فى عصور ما قبل التاريخ السحيقة ، وفى فنون حوض البحر المتوسط بخاصة ، حيث عبر الفنان عن الطبيعة حوله بالأسلوب الهندسى .وظهر ذلک بوضوح أيضا فى الفنون الإسلامية .[29]
وعلى الرغم من أن الفن الهندسى قديم وماثل الکثير من فنون الماضى إلا أن هناک فارقا عميقا بين الفن الهندسى فى الوقت الحاضر .
إذ کان الأول نتاجا لا شعوريا ،أستجابه لبعض الدوافع الروحية الجماعية ، فى حين أن الفن الهندسى اليوم هو فن واع نابع من الفکر ، وليس معنى هذا انه خال من العنصر الجمالى أو العاطفى . [30]
والفن الهندسى أخذ من التجريد سبيلا إلى صفاء الشکل وحبکة التکوين ، وقد تمادى فى هذا اتجاه الاهتمام بالبناء المعمارى للشکل ، إلى حد الاستغناء کلية عن الأشکال الطبيعية ، ولکن يعطى صورة ذهنية للأساس الذى تقوم عليه هذه الأشکال ،وجدير بالذکر إن عددا من الفنانيين التشکيلين أتخذ بعض الأشکال الطبيعية نقطة إنطلاق لتجاربهم ، وما لبثوا أن قاموا بما أسموه بتطهير تلک الأشکال من خصائصها العضوية فأصبحت نتيجة لذلک هي~ات ونظم هندسية وثيقة الصلة بالمفاهيم الرياضية .
وفى التجريد الهندسى عندما تحال الفکرة إلى معادلها الهندسى البحت ، فقيمتها تتوقف على الفنان الذى يحملها بتجربتة ، وإذا لم يستطع کانت التجريدات مجرد أشکال زخرفية ، فعمق التجربة هو الذى يوصل الفنان إلى الجزء المحمل بالکل ، فالدائرة قد تکون : کره ، ونشمسا أو ثدى امرأة أو برتقالة وقد لا تکون إلا دائرة .
والتجريد الهندسى ليس وليد الخيال ، ولکنه موجود فى الطبيعة ، فإذا تأملنا نظام الکون ، نجده مصمم فى جوهره وفقا لقوانين هندسة فى الدقة والإحکام .
وهذا الاتجاه مرادف للإتجاه التکعيبى کإمتداد لمنااداة "بول سيزان " بأن الأشکال الطبيعية يمکن ترسيبها لمعادلها الهندسى ، لکن التکعيبية لم تصل بالإتجاه إلى نهايه لتلغى کل الروابط بالأصول الطبيعية ، فما زال فى ممارستها أمکان التعرف على مصادر الطبيعة ، أما فى التجريد يه الهندسية فإن نتاج العمل الفنى منذ بدايته يعتمد على استخدام الهندسة.
وقد شايع هذه الحرکة قادة الباوهوس ، و منهم :
"ماهولى ناجى "، "بارابرا هيبرورث "، و"نعوم جابو "و"ديفيد سيمث".
التجريد العضوى :
مصطلح "عضوى " يعرفة قاموس " ويبستر"حيث أنه يرتبط إرتباطا وثيقا بالکائنات الحية ، کما يطلق عليه ما هو بنيوى الترکيب ، وهو متأصل وموروث ،کما أنه منسق وفق نظام ويرتبط المصطلح کميائيا .
ومصطلح "عضوى عضوى " يرتبط إرتباطا وثيقا بالطبيعة بما ينطوى علية من مظاهر مختلفة ، وقيم جمالية وفنية ، فالطبيعة مورد الفنان الذى لا ينضب ، وهى تمثل مصدرا هاما من مصادر إلهام الفنانى، ومنبع للرؤية الجمالية والتشکيلة ، والجمال فى الطبيعة ناتج عنها تناسق الظواهر وانسجامها ، ودراسة هذه الظواهر والتعمق فيها ينتج عنها التعرف على القيم الجمالية والنظم البنائة المجرده فيها ، مم کان له عظيم الأثر فى أعمال کثير من الفنانين .
والنظام العضوى هو تنظيم وصياغة الطبيعة لعناصر ها الاولية ،ويحقق هذا النظام من خلال تأثير العوامل الطبيعية المختلفة کالتطور البيولوجى ، والوظائف الحيوية للکائنات الحية ، وعوامل خارجية کأثر البيئة وعوامل التعبيرية فى أعادة تشکيل المواد الطبيعية فى أشکال خاصة .
وقد استخدم مصطلح (عضوى) فى مجال الفنون التشکيلية لوصف الأعمال الفنية ذات الصلة الواضحة بالعناصر الطبيعية التى بوبت تحت مسميات ( الطبيعة ) أو ( التمثيلية) وأصبحت تعرف فى العصر الحديث بإسم ( الحيوية ).
أما التجريد العضوى " فهو التجريد الذى نلمح من طياتة نبض الحياة فى طبيعة الأشکال المجردة ، وقد تحول من ارتباط تمثيلى بالکائنات الطبيعية إلى ارتباط تمثيلى بالکائنات الطبيعية إلى ارتباط بالنسق العضوى لهذه الکائنات الطبيعية إلى إرتباط بالنسق العضوى لهذه الکائنات ، بعد تحولها إلى علاقات شکلية مجردة لا تدل على کائن بذات ة . فالتجربه العضوي اذا يدل على السمات الحيوية أو الخواص المتحرکة داخل العناصر وليس مظهرها الخارجى .
إن تجريد النماذج الطبيعية المتبع فى الاسلوب الحيوى او العضوى ،هو ى تجريد النماذج الطبيعية المتبع فى الأسلوب الحيوى أو العضوى ، هو تجريد يستهدف ابراز جوهر الطبيعة (العضوية – الحيوية ) ، والحيوية الروحية الکامنة داخل هذه النماذج . فالفنان يجعل نفسة أکثر ألفة بأساليب الطبيعة وعلى وجه الخصوص أساليب النمو ، التى تکون من الخصائص الحيوية البارزة فى الجانب الروحى الخفى . وبناء على هذه الخبرة يمکن أن يبتکر بثقة أشکالا نموذجية لها الإيقاع والترکيب الحيوى فى الأشکال الطبيعية ، وبذلک يتخلص من کل عرض ثانوى فى الطبيعة ، ويبقى ما يکون
هاما وخالدا .[31]
ونرى التجريد العضوى فى مجال النحت فى أعمال : "هنرى مور" ، "وجان ارب ".
جان آرب :انسان النحتکلاسيک1960
التجريد التعبيرى :
التجريد وهو يبتعد عن الطبيعة الظاهرة ، لم يکن من المتوقع أن يبلغ معنى أعتاد الناس ان يربطوا بين الأشکال فى الطبيعة کرموز ودلالات هذه الرموز .
وفکرة التعبير أشمل من أن ترتبط فقط بالموضوعات ذات الطابع البصرى فقد أمکن أن يکون للأشکال المجردة تعبيرات ومعانى خاصة غير تلک المحدودة بالترابطات البصرية الصرفة .[32]
ولو شبهنا الموضوع بالموسيقى لوجدنا أن هناک أنغام تثير الحزن وأخرى تثير الفرح ن ولکنها أنغامم ذات خصائص تجريدية ، والاشکال التى يضعها الفنان التشکيلى لها هذه الصائص فى ذاتها ، فتبين من ذلک أن التجريدات معبرة بطريقة أو بأخرى .
إن التعبير کصفة من صفات الفن التشکيلى يعنى عملية التبليغ التى تحدث من خلال الأشکال الفنية التى تصاغ لتولد المعانى التشکيلية ، فالتزاحم والتدفق والوفرة والانفراج والميوعة والصلابة والعضوية کلها مغازى تسيرها بعض الأعمال التجريدية ويستجيب لها الانسان دون أن يربطها بمدلول بصرى معين .[33]
کذلک نرى أن هناک تطورا حدث للتجريد التعبيرى حديثافقد ظهر حاليا من الفنانين من يريد أن يقصى التفکير عن مجال العمل الفنى إقصاءا تاما ، ويحاول أن يحذو حذو الطبيعة فى طياتها الوحشية اللاعقلانية ، فنجد من النحاتين لا يعتمد مثلا إلى صقل تماثيلة ويترکها بمظهر الخامة الأولية فتبدو سطوحها مثل جزوع الشجر او قطع الصخر أو الحجارة التى تقذف بها الحمم البرکانية .
بل ونجد من المثالين من يشيد تمثالة من مجرد تجميع کتب صلبة يتحاشى قدر الامکان ادخال اى تعديل علىطبعتها . فيستعمل قطع الحديد الخرده مثلا و يکتفى بلحامها لبناء التشکيل الذى يريده فتبدو أعماله کأنها حطام صدئ يتخذ شکل تجمعات شوهاء ممسوخة ولا معقوله .
ومن الفنانين الذين انتجوا منحوتات ذات التعبير التجريدى " هربرت فيرير " الامريکى وکينث أرميتاج" الانجليزى ،و أوسيب زادکين " الفرنسى والفنان ألبرتو جياکوميتى".[34]
البرتو جياکوميتى : رجل يسير ، برونز ، 1949 .
التجريد الرمزى :
وهو يستمد معينه من الطبيعه ذاتها ،لکنها تتطور بها فى محاوله مستمره ،او محاولات من الحذف والتاکيد .حذف العناصر غير الرئيسيه وتاکيد الکيان الرئيسى تدريجيا الى ان تصل الى خلاصة الشکل ممثلا في "رمز" تقريبا يوحي بالطبيعه ولا يطابقها .[35]
وإذا بحثنا فى الفنون القديمه بصفه عامه والفن البدائى وفن ما قبل الاسرات بصفه خاصه نجد محاولات عديده لتلخيص التجربه التشکيليه فى کيان "رمزى" وهو ما اقرب الى التجريد منه الى النقل المباشر للاشکال.
ونشاهد فى الفن الاسلامى تحريفات کثيره لاشکال الارانب والحمام وبعض الحيوانات والنباتات حتى يتحول الشکل الى معادل جديد يحمل جلاله رمزيه فقط.
وبذلک نرى ان مدخل التجربه فى الفن الحديث من الاصول الطبيعيه جذوره فى الفنون السابقه البدائيه والشعبيه وفن الطفل الذى يعتبر تجريدا رمزيا .[36]
ومن امثله ذلک يفسر لنا"بياکسو "فى هذا الاسلوب فحينما يبدا فى تصوير شخصين تکوين النتيجه فى النهايه رمزين للشخصين محملان بنبضهما اکثر من کونهما تقليدا لهما.
ومن الفنانين الذين انتهجوا هذا النهج :"ما هولى ناجي"،"وباربارا هيبورث" وهى مثاله تطور عملها فى خلال الخمسه عشر عاما الاخيرة الى نوع من" التجريد الخالص" وقد کان اول انتاج لها(1929_1932) ذا نزعه طبيعية قائمة في معظمها علي ملاحظة الشخصية الانسانية عن قرب ،ولکننا نلاحظ ان التاکيد علي العناصر الشکلية الخالصة يتزايد بالتدريج ،حتي تحقق في النهاية التحرر الکامل من النموذج،واختفت کل اشارة الى الموضوعات الطبيعية ،واصبحت العناوين على سبيل المثال :"اشکال" ،"دوائر" ،"اجواء" ،"مخروطات" بدلا من "الام والطفل" ...الخ.[37]
وهکذا فان الحديث عن التجريد کاتجاة فني قد لا ينتهى ،وقد حاول الباحث قدر استطاعتة ان يقدم لهذا الاتجاه الفنى من اسباب لاختياره کموضوع للبحث ،کذلک تفسير التجريد کمصطلح واصوله فى فنون التراث ، وتطوره فى الفن الحديث،واخيرا اتجاهات التجريد فى النحت الحديث ،وذلک تمهيدا لتناول التجريد فى النحت المصرى المعاصر.
بابربارا هيبورث:اشکال مجردة ، خشب ملون ،1983.
الشکل المجرد الخالص "Pure Form"
"هو شکل تجريدى ليس مشخصا ولا يقترب من الطبيعه او يحاکيها "ويعرفه "هربرت ريد".[38]
"هو ذلک الاسم الذى نعنى به الفن المتخلص او المتحرر من الطبيعه ،وهو الشکل الجوهرى او الخالص والمتجرد من التفاصيل المحدده".
وهو يعتبر لغه التشکيل نفسها وهى قادره على التعبير ونقل المعانى دون استناد الى اصل طبيعى
ان الفنانين يعالجون صورهم وتعبيراتهم استنادا الى الخط والمساحة والکتلة ،على اساس انها تستطيع ان تحدث المعاني کما تفعل الانغام في الموسيقي ،وتهز المشاعر دون استناد الي الاصل
الطبيعي الخارجى .
فمن التجريديين من يبداون بوضع الوان او اشکال خالصة ،وتؤثر هذه بعضها على بعض وتثير المشاکل الفنية امام الفنان ،وتوحي له بالحلول ،فيمضي اليها ويتجسد الحوار المتبادل بينها وبين الفنان فى أجزاء العمل الفني وهکذا تتبلور ببطئ واقعه تشکيليه لا تستجيب لاى صوره مسبقه ، ولا تترجم اى إحساس محدد ،ولکنها تتغذى من خبرات شتى مر بها ىالفنان فى حياته .[39]
والتجريديون اللاموضيعيون يعتقدون أن الإيقاع والتوافق الذي تحفل بها الأعمال هما من طبيعة الانسان ذاته ، ومن قوانين وجوده يتوافران في دورته الدموية ،وفى نبضه و تنفسه .
[1] السيد جمال محمد فوزى : الرمزية وأثرها على القيم الجمالية فى النحت العالمى والمصرى المعاصر ،رسالة دکتوراه،کلية الفنون الجميلة ، جامعة حلوان ،1990،ص69.
[2] عفيف البهنسى : الفن فى اوربا (من عصر النهضة حتى اليوم )،دار الرائد العربى ،لبنان ،1982 ،ص324.
[3] محمود البسيونى :أصول التربية الفنية ، عالم الکتب ، مصر 1985،ص141."
[4] Peter&Linda Murray:"Adictionary of Art and Artist ",Penguin books ,Great Britain,1959,p.1.
[5] Peter Selez:"Art in our times"Tomas&Hudson,N.Y.,1982,p.166.
[6] محمد اسماعيل محمد : فن النحت المصرى القديم وأثرة على الإتجاهات النحتية المصرية المعاصرة ، رسالة ماجستير ، کلية الفنون الجميلة، القاهرة ،1983،ص 56.
[7] محمد حمزة : الصعود إلى المجهول ( طريق التجريدية ) ، الهيئة المصرية العامة للکتاب ، مصر ، 1997، ص15 .
[8] A.G.Gimson :"the new callins",printed by William Callins Sons & Co. Ltd., Clasgaw, England,1982,p.5.
[9] محمد حمزة : الصعود إلى المجهول ( طريق التجريدية ) ، الهيئة المصرية العامة للکتاب ، مصر ، 1997، ص15.
[10] Herbrt Read:"The Philosophy of Madem Art ",Laimen Trand&co.Ltd Whitstalle, London , great Britain , 1951,p.37,38,51.
[11] محمود البسيونى : التجريد فى الفن ، مکتبة النهضة المصرية القاهرة 1950 ،ص5.
[12] جون ديوى :" دار النهضة المصرية ، القاهرة ، 1963 ، ص161.
[13] حسن محمد حسن :مرجع سابق ، ص184.
[14] عز الدين إسماعيل : "الفن والإنسان ، مکتبة غريب القاهرة ، 1974 ص198.
[15] عز الدين إسماعيل : مرجع سابق ، ص199.
[16] محمود البسيونى :" التجريد فى الفن ، مرجع سابق ،ص 6.
[17] المرجع السابق ، ص 18.
[18] رمسيس يونان : دراسات فى الفن ، دار الکتاب العربى ، مصر ، 1969، ص 162.
[19] محمد حمزة : الصعود إلى المجهول ( طريق التجريدية )، الهيئة المصرية للکتاب ،مصر ، 1997،ص21.
[20] رمسيس يونان : مرجع سابق ، ص 160.
[21] أميرة حلمى مطر : "علم الجمال وفلسفة الفن " ، دار المعارف ، مصر ، 1989 ، ص130 ، 131 ،132.
[22] صالح رضا : ملامح وقضايا فى الفن التشکيلى المعاصر " ، الهيئة المصرية العامة للکتاب ، مصر 1990 ، ص98،99.
[23] Seuphor,Michel,"Adictionary of abstract Paintiong", Methuen,London,1960,p.9.
[24] عز الدين إسماعيل :" مرجع سابق, ص191,192.
[25] محمود البسيونى : الفن فى القرن العشرين ، دار المعارف ، مصر ، 193 ،ص145.
[26] عز الدين اسماعيل :"مرجع سابق " ص 201.
[27] محمود البسيونى : مرجع سابق ,ص 19, 20.
[28] عفيف البهنسى :الفن فى أوربا ( من عصر النهضة حتى اليوم ) , دار الرائد العربى , لبنان , 1982, ص325.
[29] عفيف البهنسى :الفن فى أوربا ( من عصر النهضة حتى اليوم ) , دار الرائد العربى , لبنان , 1982, ص233.
[30] زکية محمودصدقى : الجانب الهندسي فى الفن والإفادة منه تربويا فى التعليم العام ,رسالة ماجيستير ,کلية التربية الفنية ,جامعة حلوان ,القاهرة ,1972,ص 57.
[31] أحمد عبد العزيز عباس : النحت بين العضوية والمعمارية ، رسالة ماجستير کلية الفنون الجميلة ، جامة حلوان ، القاهرة ، 1980 ،ص9.
[32] محمود البسيونى : التجريد فى الفن ، مکتبة النهضة المصرية القاهرة 1950،ص159،161.
[33] محمود البسيونى:مرجع سابق ،ص 160.
[34] نعييم عطية : الفن الحديث محاولة للفهم ، دار المعارف ، مصر ، 1982 ، ص47.
[35] محمد بسيونى : مرجع سابق ،147.
[36] المرجع السابق ، ص149.
[37] محمد البسيونى : أصول التربية الفنية ، ص141 .
[38] عبد الغنى الشال : مرجع سابق ، ص234.
[39] هربرت ريد : الفن ، ترجمة ( محمد فتى ، جرجس عبده) دار المعارف ، مصر ، 1986، ص 269.
المراجع :
1. السيد جمال محمد فوزى : الرمزية وأثرها على القيم الجمالية فى النحت العالمى والمصرى المعاصر ،رسالة دکتوراه،کلية الفنون الجميلة ، جامعة حلوان ،1990.
المراجع الأجنبية :