المؤلفون
1 المدرس المساعد بقسم التربية الفنية کلية التربية النوعية - جامعة المنصورة
2 أستاذ أشغال الخشب المتفرغ ورئيس قسم الأشغال الفنية والتراث الشعبي الأسبق کلية التربية الفنية - جامعة حلوان
3 أستاذ الأشغال الفنية والشعبية المساعد کلية التربية النوعية - جامعة المنصورة
4 مدرس النحت بقسم التربية الفنية کلية التربية النوعية – جامعة المنصورة
مقدمة :
يعد الفن الجداري أو الجداريات کما اصطلح عليها واحدة من حقول الفن التشکيلي والتي کان لها انتشاراً کبيرا في التاريخ قديما وحديثا مرت خلالها بمراحل کثيرة حيث کانت للعقيدة والخلود أثرا في امتزاجها بالنزعة العقائدية وتحقيق فکرة دينية إلى جانب وظيفتها لتخليد ذکرى أو مناسبات أو أحداث بها جانب خاص بحياة الملوک وانتصاراتهم .
ولقد جاءت الجدارية منذ القدم معبرة عن واقع الإنسان ووجدانه ، وتطورت مع تطور حياته ومتطلبا ته على مر العصور، وکان يتم معالجة الأسطح الجدارية المختلفة من خلال الموضوعات الدينية أو التاريخية أو الأسطورية أو الاجتماعية وغيرها .
نشأة وتطور الفن الجداري عبر العصور المختلفة :
فن الجداريات من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ ، کما أنه يعد أول لغة عرفها الإنسان قبل أن يکون هناک لغة للتخاطب منذ العصور الأولى ، ويعد الفن الجداري من أقدم أشکال التعبير الإنساني التي عرفها الإنسان ،إذ کانت جدارن الکهوف الصخرية أول السطوح التي رسم عليها الفنان القديم لوحاته ولم تکن هذه الرسوم ذات هدف تزيني في ذلک الوقت ، وإنما کان الرسم وسيلة تعبيرية عما يدور في ذهن الإنسان القديم من مخاوف وأفکار ومن حرکات رآها من خلال مراقبته للطبيعة من حوله وذلک قبل أن تظهر الکتابة والخط بزمن کبير([1]).
ومع مرور الزمن تطورت حياة الإنسان وتطور معها فن الرسم الجداري بتطور الخامات والأدوات المستخدمة فيه،کالرسوم الجدارية التي زينت جدران المعابد والمقابر، والتي کانت تأخذ طابعا دينيا ، ويذکر سعيد برکات في هذا السياق قائلا " أن الفن الجداري نشأ في أحضان الدين وکانت الجداريات ترسم في المعابد والمقابر وبعدها الکنائس والمساجد لذا ظلت رسوماتها غالبا ذات طابع ديني لتجسيد رؤى الإنسان للموت والعالم الآخر وذلک لفترة طويلة من الزمن ، کما تجسد أبعادا دنيوية أخرى تُناقض تلک الأبعاد الدينية کمشاهد الصيد وغيرها من المشاهد التي ترسم أبعاد الحياة الإنسانية وما تحفل به من صراعات ([2]).
وبالتالي فإن الفن الجداري من الفنون التي لها عمق فني ثقافي يمتد عبر الحضارات والعصور التاريخية ، وتختلف أيضا وتتنوع تبعا لتنوع الهدف والوظيفة من عصر إلى عصر وسوف نتناول في هذا السياق عرض التطور الجداري في بعض العصور والحضارات المختلفة ومنها :
1- جداريات العصر البدائي :
نشأت تلک الجداريات على جدران الکهوف على هيئة رموز محفورة ومنقوشة أحيانا ومرسومة أحيانا أخرى فلم تکن الرسومات في العصور البدائية الأولى تتجاوز غرض السحر فقد کان الفنان " يخدش بقطعة من الحجر الصوان على جدران الکهوف ، شکل إنسان يضرب ثورا وفى بعض الأحيان الأخرى کانت الأعمال على الجدران بدافع السحر وبعض الطقوس الخاصة به قبل عملية الصيد ومن الملاحظ أنها أعمالاً فطرية ([3]).
وتنوعت وتعددت الأغراض والأهداف من خلال إبداعات الفنان البدائي بشکل متتابع ومتوافق مع نمو علاقته بالطبيعة من خلال حرفه الزراعة واستئناس الحيوان ، ويتضح ذلک من خلال تلک الرسوم التي ترکها الفنان البدائي والتي أظهرت دقة الملاحظة العالية للفنان في ذلک الوقت من خلال ملاحظته لحرکة الحيوانات على سبيل المثال ، واتخذت هذه الرسوم شکلا واقعيا في بعض الأحيان ورمزيا في أحيان أخرى ، ويتضح ذلک في الرسوم التي وجدت على جدران الکهوف في مغارة لاسکو Lascaux في فرنسا والتي اکتشفت سنة (1940 ) وضمت تلک المغارة الکثير من الرسوم الملونة لغزلان وخيول وثيران وأنواع منقرضة من الماشية وأيضا رسومات لإنسان يصطاد ([4]). والشکل رقم (1) يوضح أحد رسوم المغارة والشکل رقم (2) يوضح رسم بالطباشير توضح شکل حيوان الآيل في کهف فان دى جوم بفرنسا .
شکل رقم (1)([5])
أحد رسوم مغارة لاسکو بفرنسا
شکل رقم (2)([6])
رسم بالطباشير والأحبار الملونة
من کهف "فان دى جوم" بفرنسا
2- جداريات الفن المصري القديم :
يعد الفن المصري القديم من أکثر الفنون اعتمادا على الطبيعة وقوانينها وذلک لأن الفنان المصري کانت تقف دائما وراءه عقيدة ثابتة وهى البعث والخلود والتي استمدها من طبيعة مصر والتي کان لها أکثر الأثر في تکوين هذه العقيدة ، إذ رأوا في کثير من مظاهر الکون والطبيعة آلهة مختلفة شيدوا لها الهياکل والمعابد التي نقشوا على جدرانها بالصور والمناظر التي أکدت أن الموت مجازا لحياة أخرى خالدة ، فبالغوا في الاهتمام بمقابرهم والتي أحسنوا بنائها أو حفرها في الصخر وقد زينت مجموعات هائلة من اللوحات الجدارية والتي ارتبطت بالعقائد الدينية والجنائزية.([7])
وهناک مشهد جنائزي وجد في "مقبرة رعموسي ، صور فيها جانباً آخر تکرر تصويره علي جدران المقابر والذي يمثل مرحلة آخري من مراحل نقل متعلقات الميت إلي قبره وفية نري حمل الأثاث الجنائزي إلي غرفة الدفن وهو ما کان يهتم به المصري القديم وفق معتقداته ولهذا صور ذلک علي جدران المقابر لتذکرة في حياته الأخرى عند عودته للحياة مرة ثانية ([8]) شکل رقم (3) .
شکل رقم (3)([9])
لوحة جداريه تمثل حملة الأثاث الجنائزي والمرافقين للنعش من مقبرة رعموسي،طيبة.
وبتنوع اللوحات الجدارية عند المصري القديم والتي کانت جميعها أکثر تأثرا بالعوامل البيئية المحيطة وطبيعة الثقافة العقائدية السائدة في ذلک الوقت قد أعدت لأغراض ووظائف متعددة ومنها :
(2-أ) الغرض الديني :
ويذکر سامى بشاى وآخرون " أن الهدف من اللوحات الجدارية التي نفذت على جدران المقابر لم تکن للتجميل فقط ولکن لأن المصري القديم کان إيمانه بالحياة الثانية مما حفز المصريين إلى تصوير المتوفى وسط مباهج الحياة الأولى حتى لا يحرم شيئا من دنياه ويعيشها مرة أخرى في حياته الثانية ([10]). شکل رقم (4)
شکل رقم (4)
لوحة جداريه تمثل رحلة المتوقي الجنائزية وتطهير المومياء أمام المقبرة "مقبرة أمن أم- أوتن" دير المدينة- طيبة.
(2-ب) غرض تسجيلي :
وفى هذا الغرض تکون تلک الجداريات " منفذة على بناء ضخم يراه ويعرفه الجميع ، لذا فقد حظيت المعابد بتسجيل أعظم الانتصارات والفتوحات في حروبهم من خلال تناولها تشکيليا باستخدام أساليب الحفر البارز والغائر أو الأسلوبين معا على الجدران الخارجية للمعابد([11]) شکل رقم (5) .
شکل رقم (5)([12])
جداريه توضح أجمل نقوش معبد هابو المنحوتة فوق الصرح الجنوبي للملک تحتمس واستخدم فيها الفنان تقنية النحت البارز والغائر.
(2-ج) غرض زخرفي :
وهو يمثل لوحات جداريه لصور الملوک والملکات بأجمل الحلي المزخرفة في ملابسهم والشرائط الزخرفية على توابيت المتوفى وعلى الجدران والأثاث والأسقف وتيجان الأعمدة([13]).شکل رقم (6).
وبالنظر إلى جداريات الفن المصري القديم نجد أن المصري القديم کان يستخدم الخط المتناغم في رسم صورة وتسجيل أحداثه بشکل يثير الإحساس بالجمال والروعة ، وقد کشفت الجداريات الفرعونية عن نمو رائع لجماليات الخطوط والمسطحات اللونية الصافية والصريحة والواقع أن العين عندما تتبع الخطوط المحيطة في الرسوم الجدارية الفرعونية تشعر بالانتقال السهل للعين وتوحي بالارتياح والمتعة البصرية التي تسببت في إحداثها رؤية اتجاهات الخطوط القوية مما حقق الجمال([14]).
ومما سبق يتضح أن الأعمال الجدارية في الفن المصري القديم وبخاصة في المعابد والمقابر إنما تدل على أهمية تلک الجداريات في خدمة العقيدة وکذلک تفانى الفنان المصري القديم في إنتاج تلک الأعمال لخدمة الحياة الأخرى حياة الخلود والبعث بعد الموت.
3- جداريات الفن الأشوري : -
بني الآشوريون عاصمتهم الأولى ( آشور ) نسبة إلى کبير ألهتهم (آشور) إله الشمس واستقر الآشوريين في القسم الشمالي من العراق وعرفت المنطقة باسم بلاد آشور ، وتبعد مدينة أشور عن الموصل حوالي 110 کم وتقع على الضفة اليمنى لنهر دجلة ، واشتهرت بقصرها الملکي وکانت من الحضارات المهمة التي قامت في تلک المنطقة([15]).
وتميزت بلاد الرافدين بالإنتاج الفني الغزير الذي اتصف بالدقة في التعبير عن شتى المواضيع وبالحرفة والمهارة في التنفيذ ، وهذا ما ظهر بوضوح في أثارهم الفنية ، والواقع أن أغلب شعوب هذه المنطقة يتصفون بحب الحياة والنضال من أجل الوصول لأکبر قسط من السيطرة والسلطان فاتجه النشاط الفني في ذلک الوقت لتمجيد ملوکهم المحاربين الأشداء([16]).
واتخذ الآشوريين الحرب کأهم نشاط لهم وکانوا يعتبرون الحرب طلباً من الآلهة وأدى الکهنة دورهم في هذا الصدد فهم همزة الوصل مع الآلهة وکان الملوک لا يتخذون أي إجراء عسکري قبل أخذ رأى الکهنة فيه([17]).
وکان الآشوريين شعبا عسکريا مشهورا بالبأس والفتک ،وکان ملوکهم يعشقون الأبهة والفخامة وتخصص الفن الأشوري في الشئون الملکية الخاصة ، فالقصور الملکية الضخمة تحمل آثار العظمة والجاه وعلى جدرانها صور لحياتهم المعتادة والتي کانوا يقضونها في الحرب والصيد ، ويظهر الثور المجنح ذو الوجه الإنساني بکثرة في مداخل القصور الملکية ، وأهم ما يميز الفن الأشوري هو إظهار صفة القوة الجسمانية في الأشکال الحيوانية المفترسة والإنسانية بشکل واضح وقد برع الآشوريون في تصوير الخيول والأسود بشکل جميل جدا وبأدق التفاصيل ، کما برعوا في التعيير عن انفعالات الحيوانات التي تتألم من الموت ومشاهد الصيد ، فکان الفنان الأشوري حرا في التعبير عن حرکة الحيوانات في حين نلاحظ جمودا في حرکة الأجسام البشرية وربما يعود ذلک إلى قدسية شخصيات الملوک والآلهة ([18]) في الشکل رقم (7) .
وتذکر حلا الصابوني وآخرون أنه جرت العادة في الفن الأشوري على تصوير الأسود والوحوش المجنحة برؤوس بشرية ذات لحى ووضعت هذه الأشکال النحتية الضخمة في المداخل الملکية من أجل تحصين المکان وإثارة الرهبة في نفوس الأعداء، والشکل رقم(8) يوضح ما سبق([19]).والشکل رقم (9) يوضح الروح الحارسة للملک ، وهي عبارة عن شکل رجل له أجنحة يمسک إناء بإحدى يديه وباليد الثانية إناء يُرش به الحاکم دلالة على التقديس .
وبالنسبة لاستخدام الألوان في الفن الجداري الأشوري استخدام الفنان الأشوري تقنيه تشبه الفرسيک وذلک بتغطية الجدران بطبقة سميکة من الطمي تعلوها طبقة من الطلاء الجيري وکانت ترسم فوقها الصور بعد صقلها واضطر الفنان لاستعمال الملاط تلافيا لعيوب الصخر وحتى يسهل الرسم عليه وذلک بعد صقله ويعتقد أن الفنانين استخدموا نوعا من المعاجين المصنوعة من الألوان المعدنية بعد مزجها غالبا بقدر من الصمغ ( أو أي مادة لاصقة أخرى) حتى يسهل لها الالتصاق جيدا بالطلاء الجيري الذي يشکل قاعدة الصورة لکي تبرز بريق الألوان ([20]).
وأدت الألوان دورا رمزيا في الفن الأشوري وغيره من الفنون القديمة ، إذ اختلفت معاني الألوان من حضارة إلى أخرى ، فکل حضارة من الحضارات السابقة فضلت مجموعة لونية ومعينة وهذا التفضيل کان نتيجة مجموعة من العوامل المختلفة ومنها توافر اللون من عدمه ودور اللون في العادات والتقاليد ورمز اللون في الدين ([21]).
وفى النهاية نلاحظ أن الفن الجداري الأشوري لم يکن فنا دينياً فقط إذا کانت الملوک تسجل الأمجاد والانتصارات التي تمت لهم أو لکي تقص على الناس أساطير بطولة القنص والحرب والتي خاضها الملوک والأمراء في ذلک الوقت.
شکل رقم (7)([22])
نحت آشوري) الملک يطعن أسداً).
شکل رقم (8)([23]) شکل رقم(9)([24])
نحت آشوري يمثل الثور المجنح. نحت آشوري يمثل الروح الحارسة للملک.
4- جداريات الفن القبطي :
مع التطور التاريخي اختلفت نظرة الفنان القبطي عن الفنانون في العصور السابقة فقد اختلفت الأعمال الجدارية في الفن القبطي عن الفنون السابقة باختلاف عناصرها وخاماتها وأساليب تشکيلها فقد کان الفن القبطي فنا رمزيا لذلک کانت معظم الرسوم التي وجدت على الجدران في الأديرة ترسم من أجل تعليم عامة الشعب([25]).
واللوحات الجدارية في الفن القبطي وبخاصة " المذهب الکاثوليکي" اعتمد کليا على الفن في توضيح تعاليمه ، وتصوير الحوادث الدينية وتاريخ المسيحية وسيرة أبطالها في تصميمات زخرفيه عديدة ومنها لوحة للفنان " مايکل أنجلو " وهى ( يوم القيامة ) وهى لوحة جداريه بقبو وسقف مصلى کنيسة سيستين بالفاتيکان بروما([26]) .ويتضح ذلک في شکل (10) .
ويذکر "جودت جبره" أن الفنان القبطي اهتم منذ بدايته بالخطوط الهندسية وبعض النقوش،حيث ازدادت هذه الخطوط وأصبحت أشکالا أکثر تعقيدا منها الزخارف المجدولة والمعقودة وقد تطورت هذه الأنواع إلى تکوينات مرکبة ومعقدة حتى وصل بعضها إلى أن يکون شکل الصليب ، وکانت تلک الرسوم تنفذ فوق الجدران المبنية بالطوب اللبن بعد طلائها بطبقة من الملاط الأبيض اللون أو الجص ([27]).
وأصبحت الأعمال الجدارية في الفن القبطي جزءا أساسيا للتأکيد على الأهداف الروحية لبنائها ويحکى بالشکل والرمز ما ارتبط بالدين ، وبالنسبة لموضوعاتها فهي مستوحاة من العهد القديم فضلا عن الموضوعات المتأثرة بالزخارف الرومانية وغيرها من الزخارف بصورة غير مباشرة.([28]) ونجد ذلک في ايطاليا على وجه التحديد حيث قصر ( الباباوية ) فإنه يدهشنا أن نجد الطراز القوطى هو الطراز الفني الذي يسود معمار الکنائس المسيحية مع أن هذا الطراز ليس مسيحيا في نشأته وکانت الکنائس في العصور الوسطى کلها تتراوح في معمارها بين الطرازين البيزنطي والقوطى([29]) .
وهناک العديد من اللوحات الجدارية القبطية والتي تخدم الدين بشکل واضح ومنها لوحة أخرى للفنان مايکل أنجلو شکل رقم (11) ، وهذه اللوحة تفعيل ليوم القيامة ويتوسطها السيد المسيح في الأعلى يمين الصليب وأدوات التعذيب، وفى القسم الأوسط مجموعة بشرية من الأخيار ينعمون بالجنة، وفى القسم الذي يليه القادمون والذين سينزلون إلى الجحيم خائفون وقلقون من لحظة انتظارهم الجحيم ، وهذه اللوحة لها طابع زخرفي جداري بديع ورائع حيث يحکى قصة الخير والشر والمکافأة والعقاب([30]).
شکل رقم (10)([31])
لوحة يوم القيامة للفنان مايکل انجلو بسقف کنيسة سيستين بروما.
شکل رقم (11)([32])
تفصيل للوحة يوم القيامة لمايکل أنجلو يوضح مجموعات البشر تمثل مواقف مختلفة.
5- جداريات الفن الإسلامي :
کانت الفنون الإسلامية تحرص دائما على الإبقاء على فنون البلاد والأقاليم التي ينتشر فيها الدين الإسلامي إلى جانب التفاعل الذي کان يحدث بين هذه الفنون وبين فکر الدين الإسلامي ، وتذکر نعمت إسماعيل في هذا الصدد أن " حکام المسلمين استمر اهتمامهم بفنون البلاد التي تکونت فيها إمبراطوريتهم الواسعة والتي کانت مراکز الحضارات العريقة التي ازدهرت قبل العصر الإسلامي ، وکانت لکل بلد من البلاد والأقاليم التي دخلها الإسلام طرز وأساليب فنية محلية وخاصة به وأضاف إليها الفنان المسلم بعض الأساليب الجديدة التي تلاءمت مع الأحداث الناشئة عن الدين الإسلامي([33]).
وقد نتج عما سبق امتزاج الفن الإسلامي بفنون تلک البلاد التي فتحها الإسلام وأدى هذا الامتزاج إلى ظهور فنون ذات طرز وأساليب جديدة تختلف عن الفنون الأصلية لتلک البلاد ، وهذه الأساليب الإسلامية الجديدة نسبت إلى مدارس فنية عديدة، وازدهرت هذه المدارس الفنية الإسلامية بتشجيع من الأسر الحاکمة التي مکنت من فرض سلطانها على الإمبراطورية الإسلامية أو على أجزاء منها .
ومن الفنون الإسلامية التي ازدهرت فى العصر الإسلامي فن الجداريات، واشتملت الجداريات على العديد من المساحات الفنية في کثير من الواجهات المعمارية الداخلية والخارجية باستخدام الخامات المختلفة مثل الجص والرخام والفيسفساء وغيرها من الخامات الأخرى .
ويذکر مختار العطار أن المؤرخون اتفقوا على أن الجداريات الإسلامية أول ما ظهرت کانت من فن التصوير الإسلامي ومنها الجداريات التي تزين من مبنى " قبة الصخرة " فى مدينة القدس وهو أول بناء إسلامي ضخم أمر بتشييده سنة 691 م الخليفة الأموي عبد الملک بن مروان ، وتزينت الجدران الداخلية بصور من الفسيفساء الزجاجية الملونة لأشجار وأوراق وثمار بأسلوب واقعي مستمد من الطابع الکلاسيکي البيزنطي الذي کان يسود المنطقة من قبل([34]) ، وهناک العديد من مصادر الجداريات الإسلامية ومنها على سبيل المثال تصوير جداري بقصر الحيز الغربي في القرن الثاني الهجري (العصر الأموي) وهى حاليا موجودة بالمتحف الأهلي بدمشق والشکل رقم (12) يوضح ذلک .
شکل رقم (12)([35])
تصوير جداري قصر الحير الغربي القرن الثاني الهجري العصر الأموي ، سوريا – المتحف الأهلي بدمشق.
لذا فإن التصوير الجدارى في الفن الإسلامي يتصل اتصالاً وثيقا بالزخارف المعمارية، وکانت الزخارف المستخدمة فيه عادة تعبر عن موضوعات مثل تجميد الملوک ومناظر الصيد والطرب الخ ، کما استخدمت زخارف الأشکال النباتية والطيور کما ظهر على جدران القاعات الخاصة والحمامات ([36]) ، واستخدم الفنان المسلم في تلک الجداريات الألوان المائية التي کان يرسم بها جدارياته وهى أحد الخامات المستخدمة في ذلک الوقت ، واستخدم الفنان المسلم (29) لونا بينها عشر درجات من الأخضر وأربع من الأزرق وثلاث من الفضي([37]) .
ويتضح مما سبق مدى تفانى الفنان المسلم في شغل کل المساحات المتاحة بجداريات ذات تکوينات غنية بالتنوع والقيم الفنية، وهذا الجهد لا يتأتى إلا من دافع قوى وعقيدة راسخة وإيمانه بأهمية ذلک النوع من الفن ، ويذکر" برکات سعيد محمد " أن الفنان المسلم يبذل کل جهده في زخرفة دور العبادة من المساجد إيمانا منه أن هذا لخدمة عقيدته من خلال زخرفية وإبراز مهاراته في ملئ أي فراغ من مساحة الجدران کما تملأ العقيدة فکرة وقلبه " ([38]) والشکل رقم (13) يوضح ذلک وهو مسجد البردينى بالقاهرة من الداخل ويظهر على جدرانه اللوحات الزخرفية المتعددة والمتنوعة .
شکل رقم (13)([39])
مسجد البرديني بالقاهرة من الداخل ويظهر علي جدرانه اللوحات الزخرفية المتعددة والمتنوعة.
6- جداريات عصر النهضة :
بدأت في هذا العصر صحوة کبرى للفنون بصفة عامه ومنها الجداريات بظهور مجموعة من الفنانين العظام الذين أبدعوا أشکالا وأساليباً جديدة ، وظهرت لکل فنان شخصيته المستقلة وأسلوبه المميز، حيث جمع کل فنان جميع الخبرات الحضارية التي سبقته وصهرها في بوتقة ليخرج للعالم الأسلوب المميز([40]).
وخلال عصر النهضة اتجه العلم لمحاولة الکشف عن النسب الجمالية في بناء العمل الفني والاهتمام به مع ظهور بعض الاکتشافات العلمية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر مما کان له الأثر على العديد من المفاهيم والأفکار الفنية التي انعکست بدورها على جميع المجالات الفنية، فظهرت المدارس الفنية التي اعتمدت على النظريات العلمية الحديثة مثل المدرسة التأثيرية والمدرسة التکعيبية وغيرها([41]).
وکان من الطبيعي أن يکون هذا التطور انعکاسا للإنجاز العلمي الذي يعتمد على العقل والمعرفة ، وأصبح مسيطرا على الحياة بکل أشکالها ومضامينها الفکرية والثقافية والفنية ، وأثر ذلک بصورة مباشرة على فن الجداريات مثله مثل جميع المجالات الفنية الأخرى سعياً وراء الفکر الحديث والاستفادة من النظريات والاکتشافات العلمية، وظهور الصناعة وأثرها على المنتجات بخصائصها التجريدية فضلا عن السعي وراء الترکيز والتنشيط([42]).
وتدل تلک الانعکاسات لتطور الفن المعاصر وارتباطه بالتصميمات الجدارية على أن هذه الأعمال ما هي إلا انجازات لها أهمية کبيرة ، وذلک لأن التصميمات الجدارية يجب أن تعنى شيئا ما ، ويجب أن يکون الفنان قادرا على توضيح أهدافه بصورة قاطعة والتعبير عما بداخله بقوة ووضوح ، وفى نفس الوقت يجب ألا يُترک عالم الجدار الماثل أمامه دون أن يعبر عن نفسه بواقعية أکثر من اللازم بل ينبغي خلق تأثير عميق للغاية في الفراغ.
7- الجداريات في العصر الحديث :
تأثر الفن عقب الحرب العالمية الثانية ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين تأثراً کبيرا في الفکر، ولجأ الفنانون إلى الهروب من أثار الحرب والخراب والتدمير والتحطيم إلى التمرد من قيود المنطق العقلي ومعرفة المجهول، واکتشاف ما وراء الطبيعة والبحث عن مفاهيم فنية تتواکب مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والفکرية والاقتصادية والثورة العلمية والصناعية التي حدثت منذ ذلک الحين.([43])
ولقد قدم الفنانون في تلک الفترة حلولا جمالية جديدة أمام الفن بصفة عامة وفن الجداريات بصفة خاصة من خلال الصياغات التشکيلية الجديدة والواسعة النطاق ، والتي تتفق مع ملامح الفن المعماري المعاصر ، کما اتجهوا إلى استخدام مقومات العصر التکنولوجية في أعمالهم وتناولهم للخامات الجديدة والمتعددة والتي تعبر عن أفکارهم واتجاهاتهم الفنية تلک ومنها (الحديد والخردة والأشکال جاهزة الصنع والخامات الأثيرية مثل الضوء والليزر) .([44])
وتغيرت الکثير من المفاهيم الجدارية وتنوعت مداخل الرؤية للفنان بعد أن اهتزت فکرة الثبات والرسوخ والثقل إلى تناول الکثير من العناصر الفنية کالفراغ والحرکة والعلاقات التشکيلية المتنوعة المرتبطة بجماليات الخامة، ومع ذلک نجد أن فکر الفنان تأثر بما توصل إليه العلماء من کشوف ونظريات علمية في مختلف المجالات وکان لها الأثر الواضح في تغير النظرة التقليدية ، ووجهت نظر الفنان إلى المواد والخامات الجديدة التي ظهرت نتيجة للتقدم التکنولوجي الواسع في مجال الصناعة والخامات مما دفع الفنانين إلى اتجاهات جديدة ومتغيرة في مجال الفن الجداري بما تيسر لهم من خامات ، ووسائل تشکيلية بفعل التکنولوجيا وذلک لم يکن متاحا أمام أجيال الفنانين السابقين .([45])
ولقد ظهرت أفکار وفلسفات واکتشافات جعلت الفنان الجداري وأعماله ذات سمات خاصة والتي ارتبطت باکتشاف العديد من الخامات الحديثة التي لها دور فعال مع البيئة المعمارية والمجتمع ، ولم يعد الفن الحديث يعتمد على الأصول التقنية التي تحد من طرق تعبيره ، فلقد استخدم في إنتاجه لجدارياته مواد غريبة ومتنوعة تخدم أفکاره الفنية وما يهدف إليه من خلال التغيير في مفهوم الجداريات وجه العديد من الحرکات والاتجاهات الفنية المتعددة ذات المضامين والمفاهيم الخاصة لکل منها وأثر کل منها على الصباغات التشکيلية والأساليب التقنية وطرق التنفيذ ([46]) .
ومما سبق نجد أن مفهوم الفن الجداري المعاصر قد تغير عن المفهوم التقليدي له في العصور السابقة ، حيث تميز باستخدام عدة أشکال مختلفة من الجداريات کالجداريات الحرکية أو الضوئية أو التي تقوم على علاقات بينية لأشکال جاهزة الصنع أو الخردة أو التجميع والترکيب أو تحطيم الأشکال المعروضة ، وإعادة صياغتها تشکيليا مرة أخرى أو تمثيل الواقع ومحاکاة عناصر الطبيعية في صياغات متعددة ومختلفة ، کما تباينت أشکال الجداريات المعاصرة نظرا لاختلاف اتجاهات وأفکار کل فنان ، کما اعتمد التغيير في المفهوم التشکيلي لها على الشکل والمضمون والصياغة التشکيلية والخامات المستخدمة وقيمها الجمالية، والأشکال رقم (14 ،15) توضح بعضا من تلک الجداريات .
شکل رقم (14)
شکل رقم (15)
جزء من جداريه تجمل أحد الأسوار بمحافظة المنيا – فسيفساء ومنحوتات جصية 2002م.
2- الخامات المستخدمة في تنفيذ اللوحة الجدارية :
تعد طبيعة الخامات والأساليب التشکيلية المتصلة بها من أهم المحددات الأساسية في بناء التکوين في اللوحة الجدارية ، وعلى هذا فإنه کلما اتسعت معرفة المصمم بإمکانات الخامة والأساليب التشکيلية المتصلة بها أدى ذلک إلى زيادة في أفکار المصمم التخيلية وقدرته على الإبداع .
ويذکر برکات سعيد في هذا الصدد " أن لکل خامة حدودها وإمکاناتها ونواحي قصورها الطبيعية ، وهناک أساليب فنية متعددة لاستخدام أي خامة فالأسلوب الفني هو الطريقة التي يتبعها الفنان في التعبير عن الموضوع مستخدما في ذلک أدواته الخاصة به ومستعينا بأفکار وعناصر تصميمية من شأنها أن تخدم العمل الفني "([47]).
وتختلف الخامات فيما بينها من حيث طبيعتها وإمکاناتها التشکيلية ومعالجتها الفنية، فالطينات تختلف عن الأخشاب والمعادن والزجاج وغيرها من الخامات الأخرى التي يمکن استخدامها في عملية تنفيذ اللوحة الجدارية وبالتالي يختلف التصميم الذي يلاءم طبيعة تلک الخامات ، فالخامة هي مصدر لا نهائي لإلهام الفنان ، فقد توحي ألوان الخامات وقيمتها السطحية وصفاتها الأخرى للفنان ابتکارات في التصميم .
والابتکار في التصميم لا يأتي من إدراک المصمم وخبرته في التعامل مع الخامة فقط ولکن يتعين عليه إدراک ومعرفة الأسلوب الأمثل في المعالجة التشکيلية لإمکانات تلک الخامة کوسيط تعبيري يستطيع من خلاله تجسيد وترجمة مشاعره وأحاسيسه لتحقيق مضمون محدد على السطح المراد تصميمه وزخرفته ([48]).
بعض الخامات والتقنيات التطبيقية الحديثة :
أولا : بعض الخامات التقليدية المستخدمة فى تنفيذ اللوحات الجدارية :
أ- الطباشير والأحبار الملونة .
ب- الألوان المائية بتقنية ( التمبرا والافرسکو).
ج- الأحجار والجص بأسلوبي النحت ( الغائر والبارز ) .
د- الموازيک " الفسيفساء " .
أ- الطباشير والأحبار الملونة :
الطباشير :
من الطبيعي أن يبدأ إنسان هذا العصر تجريب کل ما تدرکه يداه من خامات طبيعية يمکن أن تترک أثرا على السطوح الموجودة حوله ، ولذلک کان الطباشير من أوائل المواد التي استعملها في إنتاج خطوط يمکن أن تصنع رسوماً بدائية وهى مواد استطاع الفنان الحصول عليها من البيئة والأشکال رقم ( 16 ، 17 ) توضح استخدام تلک الخامة وذلک في العصور البدائية وعلى جدران الکهوف ([49])
شکل رقم(16)([50])
رسوم بالطباشير وتظهر بها حيوانات ورجل يصطاد نعامة .
شکل رقم (17)([51])
رسوم بالطباشير لنوعين مختليفين من القوارب البدائية.
الأحبار الملونة :
نفذ بها رسوما تحضيرية لرسوم مبدئية سريعة وخطوط تجريبية وجدت مرسومة ومحفوظة على أسطح رقائق الحجر الجيري ، ويطلق عليها اسم سقفه أو ( الأوستراکا ) ، ومن أمثلة الرسوم الزخرفية التحضيرية ما اعتاد عليه الرسامون المصريون القدماء فى الاستعانة بالخطوط الحمراء في بداية التصميم لرسومهم سواء التي سوف يتم نحتها بارزا أو التي سوف يتم استکمالها کتصوير جداري ، والشکل رقم (18) يوضح ذلک على جدران مقبرة (نفرحربتاج ) بسقارة وهو يمثل طيور وقعت في شبکة صيد نصيبها صياد ، ويبدو الرسم وکأنه مرحلة تحضيرية لعمل من أعمال التصوير أو النحت البارز التي کانت ستشکل على نفس الحائط على أساس هذا الرسم([52]).
شکل رقم (18)
رسم زخرفي بالحبر الملون يمثل طيور في شبکة صيد حوالي سنة (1305-1080 ق.م).
ب- الألوان المائية بتقنية ( الافرسکو والتمبرا ) :
الأفرسکو :
إن أصل تسمية ( الافرسکو ) مأخوذ من اللغة الايطالية Alfresco وهى تعنى " على الطريقة الطازجة" وذلک لأن الرسم بهذه التقنية ينفذ بالألوان على الجدار المعد لذلک وخاصة عندما يکون بياضه طازجا أي لم يجف([53]).
وفى التقنية يکون الجير ( أيدورکسيد الکالسيوم ) هو الوسيط في صناعة اللون وهو المادة الأساسية التي تتکون منها الأرضية ( سطح العمل الفنى ) وهو من ملاط الجير الطازج الذي لم يجف بعد، وهذا السطح والأرضية من الجير تمتص اللون وتدخل في سمک الأرضية وفى ذلک سر بقائه طويلا دون تلف ([54]).
وتتم هذه الطريقة فى الغالب عن طريق تسجيل فکرة الرسم الجداري على الورق بالحجم الطبيعي ، وبعد ذلک تجرى عملية تخريم الرسم بواسطة العجلة المشرشرة وتنقل الرسوم إلى سطح الجدار بتمرير کيس مملوء بلون ترابي ( أسود وأحمر ) بحيث يتخلل اللون الثقوب المخرمة فى الرسم ، ويلتصق بسطح بياض الجدار، وبهذه الطريقة تتحدد الخطوط الأساسية التصميم ، أما التلوين فيستوجب الأمر إکماله في يوم واحد قبل جفاف طبقة الملاط، وقرار الفنان أن يختار وسيطا معينا مثل الافرسکو يقوم أساسا على رؤيته الفنية([55]). والشکل رقم (19) يوضح نموذجا من الفن المصري القديم مستخدما تقنية ( إوز ميدوم ) ، والشکل رقم (20) يوضح أحد أعمال الفن الشعبي الجداري وهو على أحد المنازل بغرب أسوان وهو بنفس النقش ( الافرسکو) .
شکل رقم (19)
تصوير بتقنية الإفرسکو يمثل لوحة (اوز ميدوم)
من مقبرة نفرميت– الدولة القديمة– الأسرة الرابعة 2620ق.م.
شکل رقم (20)
تصوير جداري شعبي بتقنية الإفرسکو
وهو عبارة عن منزل بغرب أسوان.
التمبرا : Tempera :
عرفت هذه الطريقة منذ القرن الثاني الميلادي حيث شاعت طريقة في الرسم على الخشب بالألوان المائية مضافا إليها الصمغ الممزوج بخليط من زلال البيض.
وتعد ألوان التمبرا غير شفافة وذات قدرة على تغطية سطح الرسم ، وهى تحضر بخلطها وسيط مائي لاصق مثل الصمغ العربي أو الغراء المستخرج من جلد الأرانب أو السمک کما يستخدم زلال البيض وشمع النحل ، وقد استعمل الصمغ وزلال البيض کوسائط لاصقة أو مثبتة للألوان في الرسوم المصرية القديمة .
ولتحضير ألوان التمبرا بواسطة صفار البيض ، تؤخذ بيضة طازجة ويوضع الصفار في إناء ويضاف إليه نسبة من الماء البارد تساوى حجمه ، ثم يقلب ويضاف إليه نقطتين من الخل لمنع التعفن ، ويسحق معجون من اللون والماء بنسبة متساوية ويخلط کمية من هذا المعجون اللوني مع کمية مماثلة من صفار البيض ويقلب ويخلط.
ولقد نفذ بتقنية التمبرا معظم الصور الحائطية في الفن المسيحي الشرقي ،ووجد له أمثلة في وادي حلفا في القرن السابع الميلادي ، فقد مثلت بها معظم الرسوم الجدارية القبطية في الأديرة وخصوصا رسوم باويط وسقارة التي ترجع إلى القرنين السادس والسابع ، وکانت الرسوم تنفذ فوق الجدران المبينة بالطوب اللبن بعد طلائها بطبقة من الملاط الأبيض ، وکان ذلک الأسلوب المتبع في الرسوم هو أسلوب التمبرا والشکل رقم (21) يمثل تصوير جداري بتقنية التمبرا القرن ( 6 – 7 ) دير الأنبا أبوللو بباويط .
شکل رقم (21)
تصوير جداري بتقنية التمبرا القرن(6-7) ديرالأنبا بباويط.
ح- الأحجار والجص :
ترجع أهمية تلک الخامات في الزخرفة منذ زمن قدي م يرجع إلى عصر ما قبل الأسرات واستمر حتى الأحجار أکثر صلابة في تنفيذ اللوحات الجدارية حيث أنها أکثر مقاومة للعوامل الطبيعية وأکثر قدرة على البقاء من الخامات الأخرى ومن أکثر أنواع الأحجار استعمالا في تنفيذ اللوحات الجدارية ومنها الحجر الجيري والذي يتميز بألوانه الأحمر والأصفر والرمادي والوردي والأزرق والفاتح ويسهل النقش عليه ( حجر الجرانيت) الذي يعد أکثر صلابة ومنه الأسود – الرمادي الأخضر – الوردي ) والأساليب الفنية المستخدمة في الحجر هي الحفر المباشر الغائر والبارز.([56])
والشکل رقم (22) يوضح بعض جدران بأسلوب النحت الغائر على الحجر الصناعي للفنان محمود مختار والشکل رقم (23 ) يوضح لوحة جداريه بأسلوب النحت البارز على الجرانيت في الفن المصري القديم في مقبرة للدولة الوسطى.
أما بالنسبة لخامة الجض فقد ظهر استخدام تلک الخامة واضحا في الجداريات القبطية والإسلامية حيث کانت الجداريات تنفيذ فيها بأسلوب الحفر الغائر على السطوح والشکل رقم (12) يوضح زخارف جصية من قصر ( خربة المعجز ) وهى عبارة عن أشکال الزخارف نباتية وهندسية إسلامية .
وتذکر نعمت إسماعيل علام في هذا الصدد أن أول من استخدم أسلوب التزيين بالزخارف الجصية للجدران في بلاد الفرس والعراق وأول من استخدامه في هم البارزيون ثم الساسانيون ونقل العرب هذا الفن عنهم عندما فتحوا هذه البلاد ([57]).
شکل رقم (22)
لوحة جداريه بأسلوب النحت الغائر حجر صناعي – الفنان محمود مختار.
شکل رقم (23)
لوحة جداريه – بأسلوب النحت البارز (شديد البروز)- جرانيت رمادي أوخ حوتب وأسرته – الدولة الوسطي – الأسرة 12-(1878-1842) ق.م.
د- الموازيک " الفسيفساء :-
الموزايک أو الفسيفساء هي کلمة مشتقة من اللغة اليونانية والمقصود بها الأشکال المؤلفة من قطع صغيرة من الحجر أو الصدف أو غيرها وقد عرفت في بلاد المغرب والأندلس باسم ( المفصص ) وتلک التقنية يعمل بها العديد من اللوحات ويتم ذلک عن طريق تجميع قطع صغيرة من الزجاج الملون أو من الأحجار کالرخام بألوانه المختلفة أو من الأصداف وتجمع هذه القطع إلى جوار بعضها البعض وتثبت بمونه تعمل على تماسکها وبهذه الطريقة يمکن تنفيذ تکوينات أو مناظر مختلفة على سطوح الجدران([58]) .
وقد تعددت أمثلة اللوحات الجدارية بهذه التقنية عبر العصور المختلفة ونذکر منها في الفن المصري القديم في الأسرة والعشرين ( 1193 – 1162 ق.م ) وفيها درجة من الإتقان في استخدام تلک التقنية واستخدم فيها القراميد والقطع الحرفية الملونة وقد وجد مجموعة من اللوحات بجدران معبد رمسيس الثالث الجنائزسى بمدينة هابو بطيبة وهى تمثل مجموعة من المساجين الأجانب متعددي الجنسيات على غير العادة في الفن المصري القديم ، وقد صورت الشخصيات بشکل غاية في الإتقان في الشکل (24 ) .
وفى الفن القبطي توجد أعمال من الجداريات التي نفذت الفسيفساء ونذکر منها في مصر في کنيسة العذراء بدير سانت کاترين بسيناء وفى کنيسة ( سان فيناالى ) والتي أمر حبستنيان بزخرفتها ففيها أعمال تميزت بالتأثيرات التزينية ، وبصور الأشخاص ذات الوجوه الشاخصة وفى الحقيقة تظهر هنا الطراز البيزنطى بوضوح حيث لوحة تصور الإمبراطور محاطا برجال الکنيسة بأسلوب تعبيري وبألوان قوية ويتضح ذلک في شکل (25 )([59]).
ولاشک أن فن ( الفسيفساء ) الإسلامي هو أکثر تفردا وتميزا من بين کل فنون الفسيفساء الأخرى ، وحيث يعتبر وحدة متميزة بذاتها رغم ما فيه من تنوع شديد الجمال والخصوصية ، وقد استخدم الفنان المسلم منهجا جديدا في فن الفسيفساء بأشکال هندسية خماسية وسداسية وغيرها من الأشکال النباتية الأخرى والتي أبدع فيها الفنان المسلم [60] والشکل رقم (26) يوضح زخارف فسيفساء تغطى عقود مسجد قبة الصخرة والشکل رقم ( 27 ) زخارف تغطى الرواق الغربي بالجامع الأموي بدمشق وهى من الفسيفساء أيضا .
وفى الفن الحديث نجد الشکل رقم (28) وهو عبارة عن لوحة جداريه من الفسيفساء وهى منقولة عن لوحة للرسام الأمريکي ( نورمان روکوال ) وسميت بالقاعدة الذهبية ولمشاهدة هذه اللوحة يخيل للمشاهد أنها مرسومة بالزيت من فرط تعدد وتداخل کل الدرجات اللونية فيها.
شکل رقم(24)
تصوير جداري بتقنية تشبه تقنية الفسيفساء– لوحة زخرفية من الخزف والقراميد تمثل مجموعة من مساجين من عصر رمسيس الثالث الأسرة(20).
شکل رقم(25)
تصوير جداري بتقنية الفسيفساء يمثل الإمبراطور محاطاً برجال الکنيسة کنيسة سان فيتالي(547م).
شکل رقم(26)
تصوير جداري بتقنية الفسيفساء تمثل زخارف نباتية
ونخيل وآنية زهور– قبة الصخرة- بيت المقدس(7هـ - 691م)
شکل رقم (27)
تصوير جداري بتقنية الفسيفساء تمثل نماذج کلاسيکية من الصور والمناظر الطبيعية الجامع الأموي بدمشق- عهد بيبرس 715هـ.
شکل رقم (28)
لوحة للرسام الأمريکي(نورمان روکوال) بمناسبة الذکري الأربعين لإنشاء الأمم المتحدة 1985م- وتسمي (القاعدة الذهبية) .
ثانيا : الخامات والتقنيات التطبيقية الحديثة :
تتعدد تلک الخامات ومنها نذکر ما يلي :
أ- خامة زجاج الأوبالين الملون : -
هو نوعية من الزجاج البلوري والذي يعطى انعکاسا ضوئيا عاليا کالکريستال وله درجات لونية متعددة تتيح الفرصة للفنان أن يستعين بتلکس المجموعة اللونية في أداء عمله وهو بديل جيد لقطع السيراميک الصغيرة والمرتفع ثمنها ، وقد نفذت بها العديد من لوحات الفسيفساء والتي يمکن من خلالها إتاحة الفرصة لتشکيل العناصر بأجزاء متنوعة لا ترتبط بقطع المربع التي عليها الموازيک و الفسيفساء شکل (29) .
شکل رقم (29)
جدارية بقطع زجاج الأوبالين الملون بمساحات مختلفة بأسلوب الفسيفساء منطقة الشاطبي الإسکندرية1999م(للفنانين شريف رسلان- طارق حسن- ابراهيم محمود)
خامات ( البولى استر – الفوم ) :
البولى استر : -
هو من اللدائن الصناعية الحديثة ، وهو من الخامات التي تميزت بسهولة التشکيل وذلک لصبه في القالب الذي أعد له بعد الانتهاء من التشکيل ولقد شاع استخدامه في الآونة الأخيرة في مصر.
والشکل رقم (30) لوحة جداريه للفنان ( أحمد عبد العظيم ) وسمى بانوراما عن مصر " وتم تنفيذه عام 1996 وهذه اللوحة تحتوى على النهضة العلمية والعدل والزراعة والثروة السمکية في تکوين رائع ومحاکاة للواقع مع استخدام عناصر أخرى خلف العناصر البشرية التي تتقدم العمل في توزيع متنوع وإيقاع متناغم([61]).
شکل رقم(30)
لوحة نحت جداري بخامة البولي استر – للفنان أحمد عبد العظيم (بانوراما عن مصر) سور نادي الجلاء – 1996م.
- التشکيل الأسمنتى من خلال الفوم :
والفوم هو من المواد الهشة وخفيفة الوزن ذات اللون الأبيض في الغالب ولها القدرة على الضغط وهى نتاج تکنولوجيا الصناعة فهي سهلة التشکيل في مکابس خاصة ، وهو يوجد بخانات متعددة مناسبة مما أتاح للفنانين الفرصة لاستخدامه ، ويعتبر کخامة مساعدة ويتم التخلص منه بعد انتهاء العمل والشکل رقم (31 ، 32 ) يوضح استخدام تلک الخامة هو عمل للفنان ( مصطفى الرزاز ) واعتمد فى هذا العمل على استخدام الفوم عن طريق التبادل من السالب والموجب حيث يتم تشکيل العناصر بالفوم وتثبت ثم يملأ الفراغ الباقي بالخلطة الخراسانية على الجدار وبعد أن تجف الخلطة يزال الفوم ليخلف مکانه عمقا ليصبح جدار ( الکبرى ) وکأنه تم حفرة وبعدها يلون العمق الداخلي بلون غامق عن لون السطح حتى يتأکد عناصره حتى يراها المشاهد.
شکل رقم (31)
شکل رقم(32)
شکل رقم(32،31) يمثلان جداريتان نحت غائر للفنان (مصطفي الرزاز) علي الجدران الداخلية والخارجية للکوبري العلوي بالدقي – الجيزة.
[1] ) حلا الصابوني وعلى السرمينى (2009 ) : الفن الجدارى الأشوري، مجلة جامعة دمشق للعلوم الهندسية ، المجلة الخامس والعشرون ، العدد الأول ، ص 2
[2] ) برکات سعيد محمد ( 2008 ) : الفن الجدارى ، عالم الکتب ، ط1 ، القاهرة ، ص 9
1) صفية طه القبانى (1998 ) : الجداريات ذاکرة أمة ومرآة عبر العصور ، المؤتمر العلمي الثاني ، کلية الفنون الجميلة ، جامعة حلوان ، ص 204 .
[4] ) حلا الصابونى وعلى السرمينى (2009 ) : الفن الجدارى الأشورى ، مرجع سابق .
[6]) برکات سعيد محمد ( 2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 5(ملحق الصور).
[7] ) محمد أنور شکرى (1998 ) : الفن المصرى القديم منذ اقدم عصوره حتى نهاية الدولة القديمة ، الهيئة العامة المصرية للکتاب ، ص 4 ، 5
[8] ) برکات سعيد محمد (2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 10 ، 11 .
[9] )المرجع السابق:ص 3(ملحق الصور)
[10] ) سامى بشاى رزق وآخرون (1992) : تاريخ الزخرفة ، مطابع الشروق ، القاهرة ، ط1 ، ص 76 .
[11] ) المرجع السابق : ص 77 .
[12] )هشام رمضان(2007):البيئة وتأثيرها علي الحلول التشکيلية في تصميم اللوحة الجدارية، مرجع سايق،ص108.
[13] ) محمد أنور شکري (1998 ) : الفن المصري القديم منذ أقدم عصوره حتى نهاية الدولة القديمة ، مرجع سابق ، ص 70 .
[14] ) سامى بشاى رزق وآخرون (1992) : تاريخ الزخرفة ، مرجع سابق ، ص 79 .
[15] ) حلا الصابونى وعلى السرمينى (2009 ) : الفن الجداري الأشوري ، مرجع سابق ، ص 5 .
[16] ) عز الدين اسماعيل (2003 ) : الفن والإنسان ، مهرجان القراءة للجميع ، مکتبة الأسرة ، القاهرة ، مص 58 .
[17] ) سيد توفيق (1987 ) : تاريخ الفن فى الشرق الأدنى القديم مصر والعراق ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ص 33
[18] ) حلا الصابونى و على السرمينى ( 2009 ) : الفن الجدارى الأشورى ، مرجع سابق ، ص 7 ، 8
[19] ) المرجع السابق : ص 9 .
[20] ) سيد توفيق ( 1987 ) : تاريخ الفن فى الشرق الأدنى القديم مصر والعراق ، مرجع سابق ، ص 261 .
[21] ) حلا الصابوني وعلى السرمينى ( 2009 ) : الفن الجدارى الأشوري ، مرجع سابق ، ص 11
[24]) حلا الصابوني وعلى السرمينى ( 2009 ) : الفن الجدارى الأشوري ، مرجع سابق ، ص 10.
[25] ) شريف ربيع ( 2007 ) : القيم الجمالية والتقنية لاستخدام عجائن مستحدثة في بناء جداريات معاصرة في الأشغال الفنية ، رسالة ماجستير ، غير منشورة ، کلية التربية النوعية ، جامعة عين شمس ، ص 63 .
[26] ) برکات سعيد محمد (2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 14 .
[27] ) جودت سعيد محمد (2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 14
[28] ) شريف ربيع (2007 ) : مرجع سابق ، ص 44 ، ص 64
[29] ) عز الدين اسماعيل ( 2003 ) : الفن والانسان، مرجع سابق ، ص 103 .
[30] ) برکات سعيد محمد ( 2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 14 ، 15 ، 16
[31] ) برکات سعيد محمد ( 2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 3(ملحق الصور).
[32] )المرجع السابق:ص 4(ملحق الصور).
[33] ) نعمت إسماعيل علام (1993 ) : فنون الشرق الأوسط في العصور الإسلامية ، دار المعارف ، القاهرة ، ط 5 ، ص 18
[34] ) مختار العطار (1999 ) : آفاق الفن الإسلامي ، دار المعارف ، القاهرة ، ص 60 ، 61
[35] ) نعمت إسماعيل علام ( 1993 ) : فنون الشرق الأوسط في العصور الإسلامية ، مرجع سابق ، ص 45.
[36] ) المرجع السابق: ص41 ، 42.
[37] ) مختار العطار (1999 ) : آفاق الفن الإسلامي ، مرجع سابق ، ص 61 .
[38] ) برکات سعيد محمد ( 2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 17 ، 18
[39] ) برکات سعيد محمد ( 2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص4(ملحق الصور).
[40] ) نعمت إسماعيل علام ( 1982 ) : فنون الغرب في العصور الوسطى والنهضة والباروک ، دار المعارف،القاهرة،ط2، ص 45.
[41] ) المرجع السابق:ص 48.
[42]2 ) برکات سعيد محمد ( 2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص.
[43] ) شريف ربيع ( 2007 ) : القيم الجمالية والتقنية لاستخدام عجائن مستحدثة فى بناء جداريات معاصرة فى الأشغال الفنية ،مرجع سابق،ص 68 .
[44] )نرمين فتحي المصري(2008):الجداريات المعاصرة وتنمية الثقافة البصرية في المجتمع المصري، الفنون الجميلة في مصر في 100عام من الإبداع،القاهرة،ص4.
[45] ) شريف ربيع ( 2007 ) : القيم الجمالية والتقنية لاستخدام عجائن مستحدثة فى بناء جداريات معاصرة فى الأشغال الفنية ،مرجع سابق،ص 69 .
[46] ) نرمين فتحى المصرى (2008 ) : الجداريات المعاصرة وتنمية الثقافة البصرية فى المجتمع المصرى ، مرجع سابق ، ص 6
[47] ) برکات سعيد محمد ( 2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 22 .
[48] ) زينب محمد نور الدين (2008 ) : التصوير الجدارى بين النزعة القومية والحرية المطلقة للإبداع ، الفنون الجميلة فى مصر 100 عام من الابداع القاهرة ، ص 3 .
[49] ) Ralf Mayer (1982 ) : Materials And Techniques , ( Op cit . P.333) .
[50] ) برکات سعيد محمد ( 2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 25.
[51] ) المرجع السابق: ص 26.
[52] ) برکات سعيد محمد (2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 31 .
[53] ) محمد حماد(1972):تکنولوجيا التصوير،مطابع الهيئة العامة للکتاب،ص74.
[54] )المرجع السابق:ص76.
[55])برکات سعيد محمد(2008):الفن الجداري،مرجع سابق،ص33.
[56] ) برکات سعيد محمد(2008):الفن الجداري،مرجع سابق،ص33.
[57] ) نعمت اسماعيل علام ( 1993 ) : فنون الشرق الأوسط فى العصور الإسلامية ، مرجع سابق ، ص 40
[58] ) محمد حماد (1972) : تکوينات التصوير المصرى ، مرجع سابق ، ص 79 .
[59] ) المرجع السابق : ص 68 ، 69
[60] ) نعمت اسماعيل علام (1993 ) : فنون الشرق الأوسط فى العصور الإسلامية ، مرجع سابق ، ص
[61] ) برکات سعيد محمد (2008 ) : الفن الجدارى ، مرجع سابق ، ص 81 .
المراجع:
15.Ralf Mayer (1982) : Materials and Techniques , Viking press.
16.http://en.wikipedia.org/wiki/Lascaux.
17.http// www_ancientreplicas_com-kingstabbing, lion_jpg.mht.
18.http// www.tronchin.com.