البکاء على فقد المکانة الاجتماعية بين امرئ القيس وعبيد بن الأبرص

المؤلف

محاضر في کلية العلوم والآداب بالمندق


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فقد تختلف الفاجعة من شخص إلى آخر، ويختلف،بناء على ذلک،التعبير عنها، وقد تعرض عدد من الشعراء،إذ لم يکن کلهم، لأنواع من المصائب والهموم ؛ فمنهم من عانى بسبب فقد أهله،ومنهم من عانى لفراق حبيبته،ومنهم و منهم، حتى ظهر لنا بحر من الدموع في أشعارهم.

يقول أبو ذؤيب الهذلي:

وَلَقَدْ أرَى أنَّ البُکَاءَ سَفَاهَةٌ وَلَسَوفَ يُولَعُ بِالبُکَا مَنْ يُفجَعُ

ومن المصائب التي بکاها الشعراء البکاء على فقد المکانة الاجتماعية ؛ إذ کان وما يزال للمکانة الاجتماعية قيمة عظيمة عند الشاعر، وإذا فقدها أخذ يعبر عن هذا الفقد وهذا المصاب بنوع مميز من البکاء أغفله النقاد والدارسون فکان جل اهتمامهم غالبًا في دراسة العصر الجاهلي هو فن الرثاء وفن الغزل، وکأن الدموع کانت مقصورة بين الميت، والحبيبة،والشباب ،بينما يظهر لنا ومن خلال البحث، کثرة البکاء على فقد المکانة الاجتماعية، خصوصا في الجاهلية، ولعل السبب في إغفاله يعود لطبيعة عرض الموضوع . فالشاعر في الغالب لا يظهر لنا بکاؤه ، وإنما هو بکاء خفي حزين مؤلم يتوجع فيه ويسقط هذا التوجع على من حوله ليظهر مدى قوته وتجلده، ولو تتبعا هذا النوع من البکاء لظهرت دراسات عدة، وقد أثرت في هذه الدراسة أن اقتصر على شاعرين من شعراء العصر الجاهلي کلاهما عانى من فقد المکانة الاجتماعية فکان البحث بعنوان " البکاء على فقد المکانة الاجتماعية بين امرئ القيس وعبيد بن الأبرص".

أما اختياري لامرئ القيس فلا أعلم فاجعة أعظم على ملک من قتل والده وزوال ملکه، وأما عبيد بن الأبرص فلما لقيه من ذل ومهانة بعد سيادة وعزة حتى سموا عبيد العصا وقد جمعت بينهما للوقوف على هذه الظاهرة وإبرازها .

فقد بکى امرؤ القيس [1] على مکانته الاجتماعية، وخير دليل على بکائه هو معلقته التي تعد من أشهر المعلقات الجاهلية وأکملها يتحدث فيها عن نفسه وعواطفه،وخواطره وتأملاته، ويسقط تجربته على الطبيعة من حوله، فينظر إلى البرق والمطر الذي سرعان ما يتحول إلى سيل يبعث الخراب والدمار مقتلعًا الأشجار، هادمًا البيوت، وهو تماما مثلما حل بالشاعر فقد تحولت حياته من عز إلى ذل بصورة سريعة تتشابه مع ما يترکه السيل من دمار . فمن خلال ربط هذه المعلقة بحياة الشاعر يتجلى لنا طابعها الباکي الحزين الشاکي على ضياع ملکه وتغير حاله . ونظرًا لطول أبياتها نحاول الوقوف على أهمها،و يستوقفنا في ذلک أول بيت منها وهو قوله :[2]

قِفا نَبکِ مِن ذِکرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ

نلحظ في مطلعها قمة الحزن والبکاء ولکنه بکاء ملک يخفى عبراته فقد وقف و بکى في شطر بيت، وهذا دليل على قدرته الفائقة على الإيجاز، واتساع المعاني وتکثيفها . و مطلع النص هو المفتاح لقراءة القصيدة فقد رأى فيه غالبية النقاد القدماء دلالة موحية لما بنيت عليه القصيدة، وما ترمي إليه،وذلک لما يحويه من إمکانات ؛ ذلک أن " الشعر قفل أوله مفتاح " [3]

فالمطلع مهم لفهم القصيدة والوقوف على أسرارها لأنه مبنى غالبًا على الرمز والإيحاء،لا الوضوح والتصريح کما أنه مرتبط بشخصية القائل ونفسيته ومعاناته ؛ لذلک قال الشاعر ذکرى حبيب ولم يحدد هذا الحبيب .

والشعر غالباً ما يأتي استجابة لمشاعر الشاعر فيظهر النص بصورة حلقة واحدة مترابطة التراکيب،والألفاظ، والصور بحيث تأتي الخاتمة فيه مکملة لبدايته ومتممة له. يقول الدکتور محمد أبو موسى :"لاحظت أن امرأ القيس أذاب هذه المکونات المختلفة من ذکر النساء، وذکر الهم ّ، وذکر الصيد، وذکر البرق، ومزجها مزجًا واحدا بکلمة واحدة، ذکرها في أول القصيدة، وهي کلمة (ذکرى) فأدخل هذا کله في باب الذکرى، وجعل الکلّ معلقًا بها ومنظومًا في سلکها ... وکل القصيدة صور استرجعتها الذکرى وبکاها الشاعر، حتى الصيد والمطر، الذي کان يُرى برقه صاحبه ويقعد هو له يرقبه . ولا شک في أن التجويد البالغ في هذه القصيدة والتي تفوقت به على الشعر کله إنما کان هذا التجويد من فرط توقه وتحرقه وتعلقه بهذه الذکرى "[4]

وعند النظر عن أسباب تحول تلک الأحداث إلى ذکرى عنده نجد أن ضياع مُلکه هو المصاب الذي کان حاضرًا في نفس الشاعر،والسبب في تغير حياته ؛ لذلک ظل ملازمًا له في شعره .وما يثبت ذلک قوله [5]:

کَأَنّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلوا لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ

وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيِّهُم يَقولونَ لا تَهلِک أَسىً وَتَجَمَّلِ

وَإِنَّ شِفائي عَبرَةٌ مَهَراقَةٌ فَهَل عِندَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ

فَفاضَت دُموعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً عَلى النَحرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي

فنجد الشاعر يقف على الدواء المناسب لحالته وهو الدموع والبکاء على ما أصابه، ولکنه ينکر على نفسه هذا الدواء من خلال الاستفهام .فيقول : فهل عند رسم دارس من معول؟: فيرى انه لا فائدة من البکاء على هذه الأماکن، فالبکاء لا يزيد صاحبه إلا تحسرًا وحرقة. وما يلبث إلا أن يستسلم الشاعر للبکاء ِ على الرغم من قوله ِ بأن لا بکاءَ يجدي عند قبر دارس، وهذا يوحي بأن الشاعر لم يقصد البکاء على فراق الحبيبة، وإنما هو البکاء على المکانة السابقة التي کان فيها ملکًا يطاع ويحصل على ما يريد، فحضور المرأة کان على الغالب في هذه المعلقة حضور رمزي، وذکر الحبيبة وغيرها کان بمثابة قناع فني يصل من خلاله إلى عرض معاناته، وحتى إذا کان يقصدها بذاته فمن باب إظهار القوة والتجلد، فحياته السابقة کانت حياة لهو وترف، لکن في المعلقة،وطبيعتها الباکية وکل ما تحمله من ألم وهم وحزن وجودة فنية تؤکد أنها قيلت بعد معاناة، ولا أظن الشاعر يملک تلک القوة التي تحدث عنها والتي هو أخبر عنها أنها ذکرى .وقد اختلف النقاد حول هذه المعلقة، ومتى قيلت غير أن المهم فيها أنها تعبر عن معاناة حقيقية للشاعر سواء کانت قبل موت والده أو بعده، فحياة الشاعر من بدايتها إلى نهايتها ضياعًا وتشردًا، بدليل مقولته المشهورة:" رحم الله أبي! ضيعني صغيرًا وحملني دمه کبيرًا" فملکه قد ضاع منه قبل موت والده!

فلا عجب أن نراه عند ذکره لليل تزداد الهموم عليه و يشعر بحاجة إلى سلطة الملک الذي اعتاد على إصدار الأوامر، غير أنه يعود إلى واقع الأمر المرير، وهو أنه لم يعد ذلک الملک الذي يأمر فيطاع ، فقد أصبح کثير الهموم، والليلُ والنهار عنده سواء، ويظهر ذلک في قولة [6]:

وَلَيلٍ کَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي

فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ وَأَردَفَ أَعجازاً وَناءَ بِکَلکَلِ

أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنکَ بِأَمثَلِ

فَيا لَکَ مِن لَيلٍ کَأَنَّ نُجومَهُ بِکُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت بِيَذبُلِ

کَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت في مَصامِها بِأَمراسِ کتّانٍ إِلى صُمِّ جَندَلِ

 ففي الأبيات السابقة تصوير دقيق لحاله، ونلحظ فيها عبارات الأسى والحزن ؛فقد کان الشاعر يتخير من الألفاظ أقواها وأدلها على مراده من غير تصريح، فتصويره للطبيعة کان تصويرا مميزًا يظهر قدرة الشاعر على الربط بين حاله وحال الطبيعة من حوله، فالليل والمطر والجبل ما هي إلا وسائل استعان بها الشاعر لعرض حياته . يقول في ذلک الدکتور محمد أبو موسى :"وهل يمکن أن تقول إن تکرار الجبل في قصيدة يقص فيها شاعر متميز طرفاً من قصة حياته، يومئ من بعيد إلى علاقة بين الشاعر والجبل، وأن روح الاقتدار والجسارة و الاعتزاز بسلطانه وملکه، الذي رأيناه يجرى في کثير من صور القصيدة کما رآه من قبلنا الأعلم الشنتمرى، قد انتهى إلى صورة الجبل الذي أغرقته الأهوال، ولکنها لم تسقط منه حجرًا ؟ وهل يمکن أن نقول : إن الشجن الذي سکن تحت کل صور البهجة في القصيدة من يوم أن بدأ يحدث عن أيامه الصالحات التي مضت ولم يبق منها إلا الذکرى التي تثير الحنين إليها وتقلقل الأسف على تقضيها وتقضى الشباب معها الذي کان يلهيه ويعجبه ؛ کل ذلک قد تجسد في آخر القصيدة، في هذه الصورة التي نرى في ظاهرها العطاء والسخاء، وفى باطنها الفناء؟ أقول هذا ما عندي و أرجو أن يکون الذي عندک أفضل "[7].فباب الاجتهاد مازال مفتوحًا للوقوف على معاني الشاعر، ومراميه . والوصول إلى ذلک لا يکون إلا من خلال الوقوف على ديوان الشاعر کله، فالشاعر الملک يسعى إلى أمر عظيم ليس مثل غيره ؛ لذلک نراه يقول في غير هذه القصيدة، وهي قريبة الشبه منها :

أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الطَلَلُ البالي وَهَل يَعِمَن مَن کانَ في العُصُرِ الخالي

وَهَل يَعِمَن إِلّا سَعيدٌ مُخَلَّدٌ قَليلُ الهُمومِ ما يَبيتُ بِأَوجالِ

ويختمها بقولة :

فَلَو أَنَّ ما أَسعى لِأَدنى مَعيشَةٍ کَفاني وَلَم أَطلُب قَليلٌ مِنَ المالِ

وَلَکِنَّما أَسعى لِمَجدٍ مُؤَثَّلٍ وَقَد يُدرِکُ المَجدَ المُؤَثَّلَ أَمثالي

وَما المَرءُ ما دامَت حُشاشَةُ نَفسِهِ بِمُدرِکِ أَطرافِ الخُطوبِ وَلا آلي

 فالوقوف على هذه الأبيات يؤکد عمق الحزن الذي أصاب الشاعر، وحرصه على بذل الجهد للوصول إلى المجد الذي يريده، ومحاولته استرداده، مع علمه بصعوبة الوصول إليه ؛ لکنه يجد في نفسه إنسانًا مميزًا ليس کغيره .وفعلا صدق الشاعر مع نفسه، وحرص على استرداد عزه، وکاد أن يصل، فقد فرح بتحقق النصر على أعدائه في بعض قصائده [8] وتمکنه من أخذ الثأر لوالده، ولکنه فرح ناقص إذ لم يستطع استرجاع ملکه الضائع ؛ فقد تمکن بنو أسد من الفرار، وکان شفاء نفسه الحقيقي القضاء على بني أسد، وقد لحق بهم ولم يتمکن من القضاء عليهم فثار وغضب. يقول
في ذلک [9]:

أَلا يا لَهفَ هِندٍ إِثرَ قَومٍ هُمُ کانوا الشِفاءَ فَلَم يُصابوا

وَقاهُم جِدُّهُم[10] بِبَني أَبيهِم وَبِالأَشقينَ ما کانَ العِقابُ

وَأَفلَتَهُنَّ عِلباءٌ جَريضاً وَلَو أَدرَکنَهُ صَفِرَ الوِطابُ

وقال عندما توجهه إلى قيصر ملک الروم مستنجدًا به على رد ملکه :[11]

سَما لَکَ شَوقٌ بَعدَما کانَ أَقصَرا وَحَلَّت سُلَيمى بَطنَ قَوِّ فَعَرعَرا

وذکر رحلته، ثم انتقل إلى الأمر الجلل الذي کان حاضرًا في ذهنه، وقد رتب قصيدته من أجله فقال [12]:

عَلَيها فَتىً لَم تَحمِلِ الأَرضُ مِثلَهُ أَبَرَّ بِميثاقٍ وَأَوفى وَأَصبَرا

هُوَ المُنزِلُ الآلافَ مِن جَوِّ ناعِطٍ بَني أَسَدٍ حَزناً مِنَ الأَرضِ أَوعَرا

وَلَو شاءَ کانَ الغَزوُ مِن أَرضِ حِميَرٍ وَلَکِنَّهُ عَمداً إِلى الرومِ أَنفَرا

بَکى صاحِبي لَمّا رَأى الدَربَ دونَهُ وَأَيقَنَ أَنّا لاحِقانِ بِقَيصَرا

فَقُلتُ لَهُ لا تَبکِ عَينُکَ إِنَّما نُحاوِلُ مُلکاً أَو نَموتَ فَنُعذَرا

 فقد صرح الملک الشاعر بما في نفسه وأنه يحاول التجلد والتصبر، وذلک من خلال الحوار الذي دار بينه وبين صاحبه، فلم يکن لصاحبه أي دور في الحوار سوى الدموع فهي الوسيلة الوحيدة التي يملکها ؛ وما ذاک إلا نتيجة لوصول الشاعر إلى مرحلة اليأس والعجز . والشاعر يحاول أن يصبر نفسه من خلال تهديده لبني أسد وتوعده لهم بأنه لو شاء لغزاهم بجيوش من أرض حمير، ولکنه آثر أن يغزوهم بجيوش من أرض الروم تنکيلا بهم ورغبة بعودة مکانته التي فقدها، ولکن لحظة الأسى والحزن تعود له بالوقوف على الحقيقة والقناعة التامة التي وصل إليها بتخلي الأصحاب عنه لتبدل حاله، ويظهر ذلک في قوله [13]:

کَذَلِکَ جَدّي ما أُصاحِبُ صاحِباً مِنَ الناسِ إِلّا خانَني وَتَغَيَّرا

وَکُنّا أُناساً قَبلَ غَزوَةِ قُرمُلٍ وَرَثنا الغِنى وَالمَجدَ أَکبَرَ أَکبَرا

فهذي الأبيات عبرت بشکل واضح عن حال الملک الضليل الذي أضاع ملکه وضيع معه بطولته ولهوه ومکانته، وقد أصبح العزاء الوحيد أمامه هو تذکر تلک المکانة والبکاء عليها .

فقد عانى الشاعر من تخاذل القبائل عنه، وکثرة الروايات والأخبار عن ذلک . يقول الدکتور شوقي ضيف :"وهذه الأخبار عن امرئ القيس، بعد مقتل أبيه ومصيره، رويت في جملتها عن ابن الکلبى المتهم فيما يرويه، و التلفيق فيها بين واضح .ويمکن أن يکون لها أصل،تشهد به الحوادث، وهو أن يکون قد حاول عبثا استرداد ملک آبائه، ولکنه مات دون تحقيق غايته [14]"

وعلى الرغم من أن الشاعر أخذ ببذل الجهد في محاولة الوصول إلى مجده الضائع، متجرعًا مرارة الألم کلما ابتعد عن هذا الحلم الضائع فأنه لم يعد يحمل من القوة في تحقيقه سوى شعره الباکي الذي يصور قمة حزنه على ضياع ملکه .

يقول مصورًا حاله في نهاية حياته [15]:

قِفا نَبکِ مِن ذِکرى حَبيبٍ وَعِرفانِ وَرَسمٍ عَفَت آياتُهُ مُنذُ أَزمانِ

أَتَت حجَجٌ بَعدي عَلَيها فَأَصبَحَت کَخَطِّ زَبورٍ في مَصاحِفِ رُهبانِ

ذَکَرتُ بِها الحَيَّ الجَميعَ فَهَيَّجَت عَقابيلَ سُقمٍ مِن ضَميرٍ وَأَشجانِ

فَسَحَّت دُموعي في الرِداءِ کَأَنَّها کُلى مِن شعيبٍ ذاتُ سَحٍّ وَتَهتانِ

إِذا المَرءُ لَم يَخزُن عَلَيهِ لِسانَهُ فَلَيسَ عَلى شَيءٍ سِواهُ بِخَزّانِ

فَإِمّا تَرَيني في رِحالَةِ جابِرٍ عَلى حَرَجٍ کَالقَرِّ تَخفقُ أَکفاني

وفي المقابل نجد عبيد بن الأبرص[16] يعبر عن فقد مکانته الاجتماعية وبکائه عليها بطريقة مختلفة عن امرئ القيس، فيها نوع من المباشرة والوضوح، فنجد له قصائد کاملة مدارها البکاء والحزن فقد تفجع لخراب الديار وتبدد أهلها في أشهر قصائده [17]:

أَقفَرَ مِن أَهلِهِ مَلحوبُ فَالقُطَبِيّاتُ فَالذَنوبُ

فَراکِسٌ فَثُعَيلِباتٌ فَذاتُ فِرقَينِ فَالقَليبُ

فَعَردَةٌ فَقَفا حِبِرٍّ لَيسَ بِها مِنهُمُ عَريبُ

إِن بُدِّلَت أَهلُها وُحوشاً وَغَيَّرَت حالَها الخُطوبُ

أَرضٌ تَوارَثُها شُعوبُ وَکُلُّ مَن حَلَّها مَحروبُ

إِمّا قَتيلاً وَإِمّا هالِکاً وَالشَيبُ شَينٌ لِمَن يَشيبُ

 فعبارات الخراب،والدمار،والموتِ منتشرة في أرجاء قصيدته، ولکن أصدق تعبيرًا له عن فقد تلک المکانة کان في قصيدته التي توجه بها إلى الملک يقول فيها:[18]

يا عَينِ فَابکي ما بَني أَسَدٍ فَهُم أَهلُ النَدامَه

أَهلَ القِبابِ الحُمرِ وَالـ نَعَمِ المُؤَبَّلِ وَ المُدامَــه

وَذَوي الجِيادِ الجُردِ وَالـ أَسَلِ المُثَقَّفَةِ المُقامَــــه

حِلّاً أَبَيتَ اللَعنَ حِـــــ ــلّاً إِنَّ فيما قُلتَ آمَه

في کُلِّ وادٍ بَينَ يَث ـرِبَ فَالقُصورِ إِلى اليَمامَه

تَطريبُ عانٍ أَو صِيا حُ مُحَرَّقٍ أَو صَوتُ هامَه

وَمَنَعتَهُم نَجداً،فَقَد حَلّوا عَلى وَجَلٍ تِهامَه

بَرِمَت بَنو أَسَدٍ کَما بَرِمَت بِبَيضَتِها الحَمامَه

جَعَلَت لَها عودَينِ مِن نَشَمٍ وَآخَرَ مِن ثُمامَــــه

إِمّا تَرَکتَ تَرَکتَ عَفـ ـواً أَو قَتَلتَ فَلا مَلامَــه

أَنتَ المَليکُ عَلَيهِمُ وَهُمُ العَبيدُ إِلى القِيامَـــه[19]

ذَلّوا لِسَوطِکَ مِثلَما ذَلَّ الأُشَيقِرُ ذو الخِزامَــه

فالقصيدة في دلالتها العامة بکاء وتوجع واستعطاف مبطن بأخذ الثأر، وأنفة وحزن على الماضي، فکل ما في القصيدة من ألفاظ ودلالات توحي برغبة مکبوتة لا يستطيع الشاعر الفارس إظهارها.فهي رسالة موجهة بطريقتين : طريقة ظاهرة للملک (قراءة سياقية)، وطريقة مبطنه لبني أسد (قراءة رمزية من خارج النص ) .

 فقد استفتح الشاعر قصيدته بمطلع مؤثر حيث بدأ بالنداء، وکان المنادى جزءًا من الإنسان وکلمة فابکي دلالة على طلب الاستمرار على البکاء ؛ فما حصل لهم أمر عظيم، وطلب البکاء من العين ما هو إلا استحضار من الشاعر للمشاهد الماضية ؛ لذلک وجه طلبه إلى العين مباشرة فهي العضو الوحيد الذي أبصر المجد والعز الذي کان بنو أسد عليه کما هي الآن الشاهد الوحيد على الحاضر الذي صار إليه حالهم ؛ فحالهم يستوجب استحضار الدمع، فلعل في الدمع شفاء للحزن والهم الذي هم فيه، و الشاعر هنا يحاول استعطاف الملک بالبکاء؛ فالبکاء والدموع عادة ما تکون وسيلة لإظهار الضعف والندم، وهو ما يريد أن يوصله الشاعر إلى الملک، حتى تتشکل لديه و لدى السامع الحالة المحزنة التي بلغها قوم الشاعر، والذل والقهر الذي أصابهم بعد أن کانوا في عز في ظل ذلک الملک، وقوله : ما بني أسد :ما زائدة .

ويبدو أن الأمر المهم الذي يريد أن يوصله الشاعر إلى قومه هو أنهم يستحقون ما حل بهم، وهذا يظهر في قوله ( أهل الندامة ) ثم يعود ويکرر کلمة ( أهل) مرة ثانية، ولکن هذه المرة مع مسببات النصر التي کان من الممکن العمل بها للقضاء على الملک ؛ فکأن الشاعر يتعجب مما عليه قومه وهم أصحاب سيادة ومال وثروة تمثل ذلک في اقتنائهم الإبل الکثيرة وشربهم للخمر، وشرب الخمر کان من علامات الکرم، وهم أصحاب فروسية وخيل ورماح وشجاعة، غير أن ظاهر الأبيات يدل على ذکر ماضيهم للتأکيد على التوجع وليثبت للملک بأن قوتهم ذهبت بعد الذي حل بهم، فلم يعودوا يملکون ما أغراهم بمواجهته . لذلک نراه يتوجه للملک بطلب الحل من اليمين التي أبرمها في أمر بني أسد . وذلک في قوله: حلا أبيت اللعن حلا أبيت َ فأبيتَ ا للعنَ نوع من أنوع التحية عند العرب وهي خاصة بالملوک

 قال ابن الأنباري : معناها : أبيت أن تأتي من الأشياء ما يُستحق اللعن ُ عليه

 و "يلاحظ إن ( أبيت اللعنَ) دعاء قاصر أو تحية ناقصة فکل ما تدل عليه حثّ المخاطب بها على تجنب ما يستحق اللعن عليه ؛ فقد يأتي بما يستحق اللوم و العتب و لا يستحق اللعن، أو ربما جاء بعمل لا يستحق عليه شيئًا من ذلک کله و لذلک ليس لهذه التحية مردود إيجابي على المخاطب بها، اللهم إلا الحث على تجنب ما يعاب، و ليس فيها الحث على فعل ما يحمد ويمدح صاحبه"[20] فالشاعر کان يقصد من هذه التحية أن يعود الملک عن يمينه ليعودوا إلى ديارهم .

ثم انتقل الشاعر إلى تفسير ذلک و تصوير العذاب الذي لقيه قومه وتشريدهم في الأرض :

في کُلِّ وادٍ بَينَ يَث ـرِبَ فَالقُصورِ إِلى اليَمامَه

تَطريبُ عانٍ أَو صِيا حُ مُحَرَّقٍ أَو صَوتُ هامَه

ومنعتهم نجدًا،فَقَد حَلّوا عَلى وَجَلٍ تِهامَه

فرغم قصر العبارات إلا أنها تحمل الکثير من الدلالات و تتکثف فيها الصور وتغزر، وفي استحضار الشاعر للأماکن دلالة على التشرد وقسوة العقاب الذي طالهم في أماکن کثيرة، ودلالة على سطوة العذاب وتجبر الملک وملاحقتهم في أماکن عدة، ثم ينتقل الشاعر إلى تقريبٍ أکثر لمشهد المأساة ؛ فعبارة (تطريب عان) تعني : الأسير، الذي يمد صوته بالصياح، ولعله يقصد نفسه فلم يعد يملک إلا الصوت، وفي هذا إظهار للعجز، (وصياح محرق) تعني : الخراب والدمار وفيه إشارة إلى الذين أحرقهم اللخميون فسموا من أجل ذلک آل محرق والحُرْقةُ: ما يجده الإنسان من لَذْعةِ حُبّ أو حزن أو طعم شيء فيه حرارة. والحُرقة ما تجد في العين من الرمَد، وفي القلب من الوجَع.وفي هذه الدلالة استحضار للثأر .

و(صوت هامة) تدل أيضًا على: استحضار الثأر فصورة الهامة تزخر بها دواوين الشعراء " الهامة " تزعم العرب أن روح القتيل الذي لم يدرک بثأره تصير هامة - وهو من طيور الليل - فتزقو تقول: اسقوني اسقوني، ولعل وراء ذالک حثاً من الشاعر على طلب الثأر، ولاسيما وأن ديوان عبيد يزخر بالفخر على امرئ القيس،وهذا دليل على أن الشاعر کان يخفي هذه الرغبة ويضمنها شعره، وعندما استطاع تحقيقها افتخر بها. کما أن قوله: ـ تَطريبُ عانٍ أَو صِياحُ مُحَرَّقٍ،يقصد أن الأسى والحزن والبکاء يعم محيط القبيلة.والمشاهد والأحداث تتداخل وتتنازع فيما بينها، وهذا يدل على تداخل الأصوات وعلوها وکثرتها، لذلک فقد الترکيز، فلم يعد يميز الشاعر بين الأصوات،کما تداخلت معها مشاعر الشاعر بين العفو وبين الثأر.

 وقوله : وَمَنَعتَهُم نَجداً،فَقَد حَلّوا عَلى وَجَلٍ تِهامَه

يدل على سطوة الملک ومقدار الرعب الذي عاشوا فيه من وراء ذلک الحکم الجائر الذي جعلهم يترکون بلادهم، ولم يسلموا مع ذلک من الخوف، فقد رحلوا ورحل الخوف معهم. فالشاعر يرصد حالتهم النفسية بعد رصد حالتهم الجسدية ؛ وذلک للوصول إلى مراده فکأنه صرخة فارس أو رسالة نذير محبوسة في النفس .

فالقصيدة قالها أمام الملک وأمام أبناء القبيلة الذين يتوسم فيهم الخير والقضاء على الذل والخوف الذي لحقهم .

ثم ذهب إلى ذکر السبب فيما حصل لقومه، وذلک لم يکن بشکل مباشر وإنما من خلال عقد موازنة بين صنيعهم في ملکهم وصنيع الحمامة في بيضها في قوله :

بَرِمَت بَنو أَسَدٍ کَما بَرِمَت بِبَيضَتِها الحَمامَه

جَعَلَت لَها عودَينِ مِن نَشَمٍ وَآخَرَ مِن ثُمامَــــه

ففي هذا المقطع يتنامى النص من خلال إحساس الشاعر بذله وذل قومه في مقابل سطوة الملک وقسوته، فيندفع إلى رصد تلک الحالة بضرب المثل حتى يبتعد عن المباشرة والإفصاح، فاتخذ من التشبيه وسيلة ليکشف عن السبب الذي أدى بقومه إلى الوصول إلى هذه الحالة:

إن استحضار الشاعر للحمامة يرمز إلى الحمق وقلة الحکمة، وتأدبًا مع قبيلته لم يصرح بهذا القول فأودع مقالته في قالب من الحکمة ؛ فبنو أسد هم من ضيعوا ملکهم بأيديهم کما ضيعت الحمامة بيضها، فقد رضوا أن يکون حجر ملکًا عليهم وهم يحسبون أنهم اختاروا الصالح لهم ولملکهم مثلما ظنت الحمامة أنها وضعت بيضها في المکان الصحيح، قال ابن السيرافى: " وضعت لها عودين من ...الخ يريد أنهم لم يتوجهوا للخلاص مما وقعوا فيه، وإنما جعلهم کالحمامة لأن فيها خرقًا، وهى قليلة الحيلة،و قال ابن السيد في شرح أبيات أدب الکاتب: " تشبيه أمر بنى أسد بأمر الحمامة فتلخيصه أنه ضرب النشم مثلًا لذوى الحزم وصحة التدبير، وضرب الثمام مثلًا لذوى العجز والتقصير، فأراد أن ذوي العجز منهم شارکوا ذوى الحزم في آرائهم فأفسدوا عليهم تدبيرهم، فلم يقدر الحکماء على إصلاح ما جناه السفهاء، کما أن الثمام لما خالط النشم في بنيان العش فسد العش وسقط، لو هن الثمام وضعفه، ولم يقدر النشم على إمساکه بشدته وقوته "

وقيل،:وإنما المراد من تشبيههم بها عدم الاهتداء لصلاح الحال،قال الأعلم: " وصف خرق قومه وعجزهم عن أمرهم، وضرب لهم مثلًا بخرق الحمامة وتفريطها في التمهيد لعشها، لأنها لا تتخذ عشها إلا من العيدان المکسرة، فربما طارت عنها فتفرق عشها وسقطت البيضة فانکسرت، ولذلک قالوا في المثل: أخرق من حمامة، وقد بين خرقها في بيت بعده، وهو: جعلت لها عودين."[21]

 ويبلغ الانفعال ذروته في نفس الشاعر، فبعد عرض حالهم وتجبر الملک عليهم يندفع مباشرة إلى تخيير الملک بين العفو أو القتل وکأن الشاعر وصل إلى مرحلة اليأس والعجز
التام فيقول:

إِمّا تَرَکتَ تَرَکتَ عَف ـواً أَو قَتَلتَ فَلا مَلامَه

أَنتَ المَليکُ عَلَيهِمُ وَهُمُ العَبيدُ إِلى القِيامَه

ذَلّوا لِسَوطِکَ مِثلَما ذَلَّ الأُشَيقِرُ ذو الخِزامَه

فالشاعر من خلال تخيير الملک يستثير عواطفه بجعل الأمر بيده وعدم اقتصاره على طلب العفو ؛ فقط وذلک له دوره في استماله قلب المليک وجعله بين أمرين،وما سبقهما من إشارة إلى حالهم حتى يشفق عليهم ولا يظن أنه يظهر التمرد عليه، بل هو معترف له بالسيادة وحق
التصرف فيهم .

ومع إقرار الشاعر للملک بالسيادة غير أننا نلحظ أنه لم يمدحه، فالقصيدة لم يظهر فيها مدح للملک فکيف يمدح من أذله وأذل قومه، وإقراره کان من باب الاعتراف له بالنصر عليهم، خصوصًا أن هذا الإقرار أتى بعد الإشارة إلى قلة حکمتهم وتشبيهه لهم بالحمامة، ثم إن هذا يؤکد أن القصيدة ليست استعطافًا فلا يوجد فيها مدح ولا اعتذار ولا ثناء مما اعتاد الشعراء قوله ؛ فالقصيدة کلها بکاء على المکانة الاجتماعية و دعوة مبطنه لأخذ الثأر . إما أن تثأروا أو تکونوا عبيدًا إلى القيامة، وکلمة عبيد هي التي أخرجت البيت الأخير:

ذَلّوا لِسَوطِکَ مِثلَما ذَلَّ الأُشَيقِرُ ذو الخِزامَه[22]

فالبيت الأخير امتداد لما قبله يحمل دلالات عدة . ففي کلمة (ذلوا ) إحساس بالمهانة وفي کلمة (سوطک ) تأکيد للقوة التي بلغها ذلک الملک کما فيها أيضا تأکيد للذل الذي وصل إليه قومه !فقد ختم الشاعر القصيدة بموقف مؤثر يظهر فيه عمق الإحساس بالمذلة واحتقار النفس، وليس في هذا إلا زيادة من الشاعر ليوقظ قومه من الغفلة التي هم فيها، وصرخة من فارس أراد أن يوصل إلى قومه رسالة مکبوتة مغلفة بألفاظ الحزن والمذلة والمهانة والبکاء، ولقد نجح الشاعر في ذلک فرق قلب الملک عليهم وعفا عنهم، کما تأسف بنو أسد على ماضيهم وسعوا في محو العار الذي لحقهم وذلک بقتلهم لذلک الملک الذي أذلهم، ولقد هدّدهم ابنه امرؤ القيس بفرسان قحطان،. فخاطبه عبيد بقصيدة يفتخر فيها بقومه ويتحدّاه،يقول فيها:

يـاذا المُخَوِّفَنَــا بِمَقْتَلِ شَيْخِــهِ حُجْـرٍ، تَمَنِّيَ صَاحِبِ الأحْلاَمِ

وشتان بين القصيدة الأولى والثانية وشعر عبيد يزخر بالإشادة بهذا النصر لقبيلته، هذه الإشادة إلا نتيجة طبيعية لعظم المصيبة التي نزلت بهم والتي بقى أثرها رغم انتصارهم وفرحهم .

يقول الدکتور : أحمد عبد الواحد "من الناحية النفسية يدل شعره على رقة شعوره وتغلغل الأسى في نفسه وغلبة الحزن على طبيعته، بما يُستشف من البکاء المرير على خراب الديار وتبدد الأهل وتفرق الشمل ... ومن الناحية الاجتماعية يدل على قوة الوجدان الجماعي والإحساس القومي في نفسه، بما مکنه من أن يتکلم بلسان عشيرته، ويفصح عن همومها ويصور أساها "[23]

وختامًا، ومن خلال عرض معاناة الشاعرين نستطيع القول . بأن شعراء العصر الجاهلي استطاعوا أن ينقلوا لنا صورًا رائعة من حياتهم الاجتماعية , فصوّروا لنا جوانب تشهد على رقتهم وأصالتهم , فأنتجوا لنا أشعارًا شاکية باکية دلَّت على مکابدتهم، وعمق معاناتهم النفسية، قبل الجسدية، وراء مصابهم الجلل في أهم رکيزة من رکائز مجتمعهم وهي مکانتهم الاجتماعية .

النتائج :

  1. أنَّ شعر البکاء في العصر الجاهلي لم يحظَ بعد بدراسة مستفيضة, ولم ينل ما هو أهل له من العناية والاهتمام .
  2. تختلف صور البکاء من شاعر إلى آخر بحسب طبيعة الشاعر ومعاناته .
  3. صدق تجربة الشاعر وبراعته الفنية في التعبير عنها .
  4. لابد من ربط النص الشعري بحياة الشاعر لاسيما في العصر الجاهلي، فقد کانت حياة الشاعر هي الطريق لفهم النص و معانيه ومراميه .
  5. قد يکون البکاء والمعاناة سببًا لکثرة الإنتاج الشعري وتميزه .
  6. اختلف بکاء امرئ القيس عن بکاء عبيد بن الأبرص على فقد المکانة الاجتماعية فبکاء امرئ القيس لم يظهر بشکل واضح، وإنما أسقط حزنه على الطبيعة من حوله، بينما عبيد بن الأبرص لم يستطع إخفاء هذا الحزن والذل الذي أصابه لفقد مکانته الاجتماعية فصرح به وفصل في بعض قصائده .

وما توفيقي إلا بالله عليه توکلت وإليه أنيب

والحمد لله رب العالمين



[1] امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الکندي کان أبوه ملک أسد وغطفان.قال الشعر وهو غلام، وجعل يشبب ويلهو، فبلغ ذلک أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته. فأبعده عنه و أستمر في شربه وطربه وغزوه ولهوه، إلى أن ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه، فبلغ ذلک امرأ القيس وهو جالس للشراب فقال: رحم الله أبي! ضيعني صغيرًا وحملني دمه کبيرًا، لا صحو اليوم، ولا سکر غدا! اليوم خمر، وغدا أمر!، ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بني أسد، وقال في ذلک شعرًا کثيرًا. وکانت حکومة فارس ساخطة على بني آکل المرار (آباء امرئ القيس) فأوعزت إلى المنذر بطلب امرئ القيس، فطلبه، فابتعد، وتفرق عنه أنصاره، فطاف قبائل العرب حتى انتهى إلى السموأل، فأجاره. فمکث عنده مدة. ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس. وقال ابن قتيبة: (هو من أهل نجد. والديار التي يصفها في شعره کلها ديار بني أسد). ويعرف امرؤ القيس بذي القروح (لما أصابه في مرض موته) و بالملک الضّليل (لاضطراب أمره طول حياته) .وهذا ما يؤکد شدة الحزن الذي لحق بالشاعر فظهر في شعره .

[2] ديوان امرئ القيس ضبطه وصححه الأستاذ : مصطفى عبد الشافي بتحقيق : حسن السندوبي، ص: 110 وما بعدها، دار الکتب العلمية بيروت الطبعة الخامسة 1425 هـ/ 2004 م.

[3] العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لابن رشيق القيرواني تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد مطبعة حجازي القاهرة ط 1، 1 / 197 .

[4] الشعر الجاهلي دراسة في منازع الشعراء، تأليف : الدکتور . محمد أبو موسى، ص: 27 وما بعدها مکتبة وهبة ـ القاهرة، الطبعة الأولى 1429هـ ـ 2008 م .

[5] الديوان، ص: 111ومابعدها

[6] السابق : ص: 117

[7] الشعر الجاهلي دراسة في منازع الشعراء، ص : 152 وما بعدها.

[8] ينظر الديوان مثل قولة : قولا لِدودانَ عَبيدِ العَصا ما غَرَّکُم بِالأَسَدِ الباسِلِ

[9] السابق ص: 45

[10] جدهم : حظهم، فالشاعر يرى أن الحظ هو الذي ساعدهم في الخلاص من قيضته .

[11] السابق : ص: 59

[12] السابق : ص: 63وما بعدها .

[13] السابق ص : 66

[14] العصر الجاهلي، تأليف : الدکتور شوقي ضيف، ص : 240 دار المعارف بمصر، الطبعة السابعة

[15] الديوان ص : 163

[16] عبيد بن الأبرص الأسدي،. کان يُعدّ، في شعراء الجاهلية من الطبقة الأولى، عاصر امرأ القيس وله معه مناظرات ومناقضات، وعمر طويلاً حتى قتله النعمان بن المنذر، وقد وفد عليه في يوم بؤسه. وهو شاعر من دهاة الجاهلية وحکمائها، وأحد أصحاب المجمهرات المعدودة، جعله محمد بن سلاّم في الطبقة الرابعة، وعبيد من سادات قومه وفرسانهم المشهورين، وکان في أيّامه حُجر بن الحارث، أبو امرئ القيس الشاعر، ملکاً على بني أسد، فنادمه عبيد ثم تغيّر عليه حُجر وطفق يتوعّده في شيء بلغه عنه، ثم عفا عنه، ولما تمرّد بنو أسد على حُجر، وأبوا أن يدفعوا له الجباية، وقتلوا رسله، غضب وسار إليهم بجنده، وأخذ سرواتهم، فجعل يقتلهم بالعصا، فسمّوا عبيد العصا، وحبس منهم عمرو بن مسعود بن کندة، وکان سيّداً، وعبيد بن الأبرص، وأباح أموالهم وصيّرهم إلى تِهامة وأبى أن يساکنهم في بلدٍ. فسارت بنو أسدٍ ثلاثاُ، ثم إن عبيداً قام فقال: أيّها الملک اسمع مقالتي:

يا عين فابکي ما بني- أسد، فهم أهل الندامة فرق قلبُ حُجر حين سمع قوله فبعث في إثرهم، فأقبلوا، ولم يطل الأمر حتى ثاروا عليه وقتلوه،

[17] ديوان عبيد بن الأبرص، شرح : أشرف أحمد عدرة، ص: 19 وما بعدها، دار الکتاب العربي، الطبعة الأولى : 1414 هـ / 1994 م، بيروت .

[18] السابق ص: 108 وما بعدها .

[19] قول عبيد إلى القيامة إذا صحت نسبته إليه قد يکون قصد فعلًا يوم القيامة فلا نستطيع إغفال الديانات الأخرى لاسيما وأن عبيدًا يعتبر من شعراء النصرانية ، وقد يکون المقصود إلى قيام ثورتهم عليک والقضاء على الذل الذي لحق بهم، وهذا ما أضمره الشاعر في نفسه وما تحقق بعد ذلک لهم .

[20] بلاغة أساليب التحية في الشعر العربي لـ : محمد بن علي الصامل، ص : 675 مجلة جامعة أم القرى ج : 16 ع: 28
شوال 1424 هـ

[21] شرح شافية ابن الحاجب، رضي الدين الأستراباذي، 4 /359

[22] الأشيقر، تصغير الأشقر وهو الفرس، و الخِزَامة : حلقة يشد فيها الزمام، يقولون : جعل في أنف فلان الخزامة، أي أذلَّهُ.

[23] عبيد بن الأبرص حياته وشعره، تأليف : الدکتور . أحمد عبد الواحد ص:35 الطبعة الأولى : 1415هـ

  • ثبت بأهم المراجع:

    • بلاغة أساليب التحية في الشعر العربي لـ : محمد بن علي الصامل، مجلة جامعة أم القرى ج : 16 ع: 28 شوال 1424 هـ
    • ديوان امرئ القيس ضبطه وصححه الأستاذ : مصطفى عبد الشافي بتحقيق : حسن السندوبي، دار الکتب العلمية بيروت الطبعة الخامسة 1425 هـ/ 2004 م.
    • ديوان عبيد بن الأبرص، شرح : أشرف أحمد عدرة، دار الکتاب العربي، الطبعة الأولى : 1414 هـ / 1994 م، بيروت.
    • شرح شافية ابن الحاجب، رضي الدين الأستراباذي .
    • الشعر الجاهلي دراسة في منازع الشعراء، تأليف : الدکتور . محمد أبو موسى، ص: 27 وما بعدها مکتبة وهبة ـ القاهرة، الطبعة الأولى 1429هـ ـ 2008 م .
    • عبيد بن الأبرص حياته وشعره تأليف : الدکتور . أحمد عبد الواحد،الطبعة الأولى : 1415هـ.
    • العصر الجاهلي، تأليف : الدکتور شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، الطبعة السابعة.
    • العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده لأبن رشيق القيرواني تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد مطبعة حجازي القاهرة،ط 1، 1 / 197 .