علاقة الحدس في علم الجمال بعلم نفس الفن وتأثيره على عملية النقد التذوق الفني

المؤلف

أستاذ مساعد الرسم والتصوير بجامعة الملک عبدالعزيز-کلية التصاميم والفنون

المستخلص

الملخص
بوکر، وديعة بنت عبدالله بن أحمد . علاقة الحدس في علم الجمال بعلم نفس الفن وتأثيره على عملية النقد في التذوق الفني.
الهدف:
أهدف إلى التأکيد على العلاقة بين الحدس التجريبي في علم الجمال وارتباطه الوثيق بعلم نفس الفن وأثره الکبير على عملية النقد والتذوق الفني.
النتيجة العلمية:
توجد علاقة وثيقة بين الحدس في علم الجمال وبين علم نفس الفن، بل ويوجد تأثير له على عملية النقد والتذوق الفني.
الأهمية العلمية:
تکمن أهمية هذا البحث في کونه يُظهر ويؤکد على العلاقة بين الحدس في علم الجمال وعلم نفس الفن وأثره على عملية النقد والتذوق الفني.
لکن من خلال قراءاتي في مباحث کثيرة تجمع بين علم الجمال وسيکولوجية الفن لم أجد الترکيز على الحدس التجريبي مباشرة، والذي يُعنى بدوره بالترکيز على إدراکنا المباشر لما تعرضه علينا الحواس من لون وشکل هذا بالنسبة للحدس الحسي ، أما الحدس النفسي فهو يُعنى بإدراکنا المباشر لما يجري في أعماق نفوسنا من أشياء کالعواطف والأفکار. وقد تناولت الباحثة من خلال موضوعها الحالي ثلاث محاور أساسية في البحث وهي الحدس في علم الجمال. ماهيته، فلسفته؟

 علم نفس الفن" سيکولوجية الفن". وعلاقته بالحدس.
تأثير الحدس على النقد والتذوق الفني.

النتائج:

وجدت الباحثة أن الحدس هو وسيلة للکشف عن الرؤى الجمالية والصور الذهنية المتخيلة.
أن هناک علاقة وثيقة بين الحدس في علم الجمال وعلم نفس الفن.

أن الحدس کجانب معرفي يُظهر لنا مدى تأثير الثقافة واختلاف الأذواق على نوعية الاستجابة. ولکن الفن عموماً على عکس مما نتخيل ، فهو فعل وتحقيق وليس مجرد حدس وتعبير.
التوصيات:

الترکيز في تدريس المعايير والقضايا الجمالية التي لها صلة بالنقد الفني.
أن الدراسة الحالية من شأنها إفادة المشتغلين بالنقد والتذوق الفني.
اتباع المنهج السيکولوجي والطرائق العلمية التجريبية إلى جانب الاعتماد على جانب المنهج الفلسفي والنقدي يوصل بالعمل إلى مرحلة الابداع الفني.

الکلمات المفتاحية للبحث:

الحدس: هو کل معرفة تأتينا بشکل مباشر وعفوي ولا تحتاج إلى عناء للحصول عليها وبواسطته نستطيع إدراک الأشياء مباشرة دون الحاجة إلى عمليات ذهنية للوصول إليها

و أنواع الحدس هي :

أ : الحدس الحسي: يطلق على إدراکنا المباشر لما تعرضه علينا الحواس من لون وشکل
وصوت وهو أولى درجات معرفتنا للعالم الخارجي .

ب : الحدس النفسي: يطلق على إدراکنا المباشر لما يجري في أعماق نفوسنا من أشياء
کالعواطف والأفکار والرغبات .ولا يمکن فصلهما عن بعض إلا من خلال موضوعهما

علم الجمال:

" "Aestheticsيدرس طبيعة الشعور بالجمال والعناصر المکونة له کامنةً في العمل الفني. يفکر الناس في علم الجمال عندما يتساءلون لماذا تبدو بعض الأشياء جميلة، وبعضها الآخر غير جميل، أو عمّا إذا کانت هناک قواعد أساسية لابتکار أو تفسير اللوحات الفنية والقصائد، والموسيقى الجيدة.  وکلمة Aesthetics أصلها يوناني وکان يقصد بها العلم المتعلق بالإحساسات طبقاً للفظ Aesthesi , الفيلسوف بول فاليري قال : علم الجمال علم الحساسية وفي الوقت الحالي اصطلح البعض على تسميته کل تفکير فلسفي بالفن , فالاستاطيقا فرع خاص بدراسة
الحس والوجدان.

علم نفس الفن ( سيکولوجية الفن):

هو حقل متعدد التخصصات  لدراسة الإدراک  والخصائص الفنية وإنتاجه لاستخدام مواد الفن کشکل من أشکال العلاج النفسي . وکان لتيودور- وهو طبيب نفسي- اومقره ميونيخ  دورًا هاما في التطور المبکر لمفهوم الفن علم النفس في العقد الأول من القرن العشرين. إمن خلال إ سهامه في التنظير  لمسألة" التعاطف "، وهو المصطلح الذي کاد أن يصبح عنصرًا أساسيًا في العديد من نظريات علم نفس الفن لاحقًا. فالفن رؤية جمالية إنسانية يصوغها الإنسان بعد أن يتفاعل مع ذاته ومع بيئته، فيجسد لنا هذا التفاعل أعمالاً فنية متعددة الرؤى ومتعددة الأحکام الجمالية عبر العصور.( إبراهيم، بدون،ص7). وسيکولوجية الفن وضعت - في القرن 19م- الفلسفه  الجمالية التي تقرب الفن لعلم الجمال و الميتافيزيقا . وتقرب علماء النفس للفن خصوصًا ، ومع ذلک  فمعظم فروع علم نفس الفن تؤکد على أولوية الوعي والحدس.

النقد الفني :

هو رأي أو حکم للتعبير عن التفضيلات، غير أن الحکم على العمل الفني أو تفضيله هو المرحلة الأقل أهمية بالنسبة لعملية النقد. حيث أن وصف العمل وتحليله وتفسيره، في بعض مذاهب النقد الحديثة، تعد مراحل أکثر أهمية.(عطية،2002م،ص16).

التذوق الفني:

 يقول فولتير في قاموسه الفلسفي لتعريف التذوق لاايکفي أن ندرک جمال العمل ونتعرف عليه. بل يجب أن نحس بهذا الجمال ونتأثر به ولا يکفي أن نحس به ونتأثر به بطريقة مبهمة بل يجب أن تتبين کافة عناصره وبسرعة. ويقول الفنان التشکيلي ديلاکروا في کتاباته: ربما التذوق نادرا ندرة الجمال وهو الذي يجعلنا نحدس الجمال حيث يوجد وهو الذي يجعل کبار الفنانين الذين وهبوا القدرة على الإبداع الفني يهتدون إليه.

الهدف الرئيسي من البحث:

تم تناول علم الجمال في أبحاث کثيرة جداً، ولقد أصبح علم الجمال الحديث مع نهاية القرن الثامن عشر مرتبطاً بمشکلات التذوق الجمالي (Aesthetic Appreciation) ويندرج تحتها المشکلات السيکولوجية والفسيولوجية المتعلقة بالشعور بالجمال وعلاقته بالخيال والحس وأثر الترابط وأثر المتعة بالجميل في العمليات الحيوية والحالة النفسية للإثارة الجمالية وعلاقات التناغم والانسجام...الخ. وتتطلب هذه المشکلات منهجا نقدياً لدراستها. وتنشأ من تحليل محتوى الأشياء التي نحکم بجمالها، وهي مسألة النقد الفني. ومشکلات الإنتاج الفني ويندرج تحتها غاية الفن، طبيعة الدافع الفني، الخيال وعلاقته بفکرة العمل الفني، الدافـع الفـني ووظيفتـه في تقـدم الجنس البشري، وتطـور الفـن لکن من خلال قراءتي في مباحث کثير تجمع علم الجمال وسيکولوجية الفن لم أجد الترکيز على الحدس التجريبي مباشرة، والذي يُعنى بدوره بالترکيز على إدراکنا المباشر لما تعرضه علينا الحواس من لون وشکل هذا بالنسبة بالحدس الحس، أما الحدس النفسي فهو يُعنى بإدراکنا المباشر لما يجري في أعماق نفوسنا من أشياء کالعواطف والأفکار. لذا فإنني أهدف إلى التأکيد على العلاقة بين الحدس التجريبي في علم الجمال وارتباطه الوثيق بعلم نفس الفن وأثره الکبير على عملية النقد والتذوق الفني

النتيجة العلمية:

توجد علاقة وثيقة بين الحدس في علم الجمال وبين علم نفس الفن، بل ويوجد تأثير له على عملية النقد والتذوق الفني.

 

الأهمية العلمية:

تکمن أهمية هذا البحث في کونه يُظهر ويؤکد على العلاقة بين الحدس في علم الجمال و علم نفس الفن وأثره على عملية النقد والتذوق الفني.

النتيجة المتوقعة:

 الحصول على نتيجة علمية تزيد من مدى إدراکنا ووعينا للعلاقة بين الحدس في علم الجمال وعلم نفس الفن، وتُظهر تأثيرها على الفن ، وعملية النقد التذوق الفني.

أهداف البحث:

  1. تحليل وتفسير الحدس خاصة في علم الجمال، و الکشف عن منطلقاته الفکرية والفنية .
  2. التأکيد على العلاقة بين الحدس في علم الجمال وارتباطه الوثيق بعلم نفس الفن وأثره الکبير على عملية النقد والتذوق الفني

الحدود الزمانية والمکانية:

يبدأ التتبع التاريخي للحدس في علم الجمال وسيکولوجية الفن منذ النشأة إلى المعاصرة. وارتباطهم بعملية النقد والتذوق الفني، مع تحديد الفترات التاريخية المبکرة من ظهورهما.

أساليب جمع البيانات:

  1. المقابلات الشخصية المباشرة والغير مباشرة للعلماء و المهتمين والمنشغلين بعلم الجمال وعلم نفس الفن، والتذوق الفني من المتخصصين کأعضاء هيئة التدريس في الجامعات والفنانين، والنقاد الفنيين، والمحللين النفسانيين، و المحللين الفنيين کذلک.
  2. الاستبيانات العلمية المصممة خصيصًا للبحث وذلک لضبط المعلومات المتخصصة والتي تمس البحث مباشرة.
  3. المؤتمرات العلمية التي تتمحور حول موضوع علم الجمال وسيکولوجية الفن عامةً، والتذوق الفني.
  4. اللقاءات العلمية التي تقيمها أقسام التربية الفنية في الجامعات والتي تناقش الموضوعات التي تخص الحدس في علم الجمال وعلم نفس الفن والنقد والتذوق الفني.
  5. الاطلاع على الرسائل العلمية التي تناولت الحدس في علم الجمال وسيکولوجية الفن والنقد والتذوق الفني.
  6. البحث في الشبکة العنکبوتية عن الموضوعات ذات الصلة بالحدس في علم الجمال وعلم نفس الفن والنقد والتذوق الفني.

مبررات البحث:

من خلال تتبعي وقراءتي للکثير من مباحث علم الجمال، لم أجد الترکيز الکافي للعلاقة المتبادلة بين الحدس في علم الجمال على وجه الخصوص وسيکولوجية الفن،  وتأثيره على التذوق الفني. مع وجود أهمية کبيرة في مجال إدراکنا المباشر لما تعرضه علينا الحواس من لون وشکل وإحساسنا تجاه ذلک، خاصة مع أننا من المشتغلين والمهتمين بحقل الفنون خاصةً.

ستتناول الباحثة من خلالها موضوعها الحالي ثلاثة محاور أساسية في البحث وهي:

  1. الحدس في علم الجمال. ماهيته، فلسفته؟
  2. علم نفس الفن " سيکولوجية الفن". وعلاقته بالحدس.
  3. تأثير الحدس على النقد والتذوق الفني.

أولاً: الحدس في علم الجمال. ماهيته، فلسفته؟

لقد أصبح علم الجمال غريبًا في عالم حداستة الصدفة، إذ أن هذا المصطلح مشتق من کلمة Aeistheta التي تعني الأشياء القابلة للإدراک، بينما يعرف قاموس أکسفورد هذا المصطلح من انه المعرفة المستمدة من الحس. وبهذا يحتار هذا العلم في أن يکون إدراکًا فقط أو إحساسًا فقط، بينما يرى برغسون أن الجماليات تقوم على الإدراک الحسي، الحدس Intuition. (البهنسي،2004م، ص104،103 ).

وذهب الفلاسفة إلى أن المعرفة لا تصل إلينا إلا عن طريق العقل أو الحواس، وإنما عن طريق الحدس وهؤلاء أطلق عليهم الحدسيون. وبشيء من التفصيل فالمذهب الحدسي Intuitionism  يحددون الحدس بأنه الإدراک المباشر للواقع ، أو الفهم الفوري للحقيقة، فالذين يأخذون مذهب الحدسي في نظرية المعرفة هو الذي يرد المعرفة في صورها المختلفة إلى الحدس، ويرى الشعور المباشر الذي يتم بلا توسط، ودون تفکير عقلي، أو استدلال منطقي، هو أفضل مصدر للمعرفة، ويعتبر أن الإنسان لديه ملکة مستقلة تمکنه من فهم الحقيقة، وإدراک الواقع مباشرة. وهذه الملکة ليست حسية ولا عقلية.لذا فإن مصدر المعرفة عند الحدسيين هو العقل، الذي يستنبط ويستدل، وليست هي الحواس التي تلمس وتحس، وإنما هو الحدس الذي يدرک الواقع بغير وساطة، ويکشف الحقيقة مباشرة، ويقودنا إلى جوهر الحياة.وأفضل من يمثل المذهب الحدسي هو الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون[1]H.Bergson.( السکري، 1999م،ص53).

و قد يبدو الحدس مرادفًا للخيال، کلاهما يسعى للکشف عن الطارف والبديع اعتمادًا على الحس التصميمي بالوجود، وهذا معنى الإبداع. ولکن الحدس  لا يتخلى عن المحاکمة مکتفيًا بالوهم، ولذلک يعتمد کانط على العقل والإحساس معاً لتحديد الإبداع. (البهنسي،2004م، ص11).

ويطلق کروتشة[2] على الفن بالحدس، فهو يتساءل عن ما هو الفن؟ فيجيب أنه رؤيا أو حدس، وبالتالي فإن رؤية الفن حدسية تعبيرية. ولما کان الحدس هو حد مشترک بين الناس جميعًا، فإنه رؤية مشترکة بين الناس، ويرى أننا جميعًا فنانون وإن اختلفنا في العمق والاتساع الذي يأتي من القدرة عل امتلاک الصور التعبيرية، بمعنى أنا قادرون على أن نعکس إحساسنا بالجمال من خلال أنماط سلوکية مختلفة.( إبراهيم، بدون،ص84). ووحد کروتشة بين الحدس Intuition والتعبير   Expression فکل حدس تعبير وکل تعبير حدس. ومعنى هذا أن الحدس قد اتخذ دلالة معينة ومعنى محددًا ومميزًا في فلسفته الجمالية حيث أصبح لا يفهم إلا باعتباره عقليًا خالصًا. وعلى هذا الأساس افتقدت الطريقة التي يتم بها الحدس أهميتها عند کروتشة فقد اعتبرها شيئًا دخيًلا بالنسبة لشخصية العمل الفني أو بالنسبة لقيمته، فالشيء الهام وحده هو حدس الفنان لا تجسد هذا الحدس في مادة عينة.( الجزيري،2002م،ص178).

وقال کروتشة الايطالي و برغسون[3] الفرنسي أيضًا عن الحدس " ثمة معرفة تأتي عن طريق التصور والإدراک الذي تفرزه المعرفة العقلية، وعن طريق الإحساس وهو نفسي ذاتي، ويتم تفاعل الإدراک مع الحدس، أو تفاعل التصور مع الصورة عن طريق الحدس".(البهنسي،2004م، ص104).

وقد ربط الکثير ما بين الحدس ودوره في عملية کعالم النفس " والاس Wallas, 1926 " الذي حدد مراحل عملية الإبداع في أربعة مراحل، ثالثها الاستبصار وهو " الحدس"  الذي عنى فيه الوصول إلى الذروة الإبداعية، حيث تظهر الفکرة فجأة وتبدو المادة أو الفکرة کأنها قد نظمت تلقائيًا دون تخطيط، وبالتالي يتجلى واضحًا کل ما کان غامضًا ومبهمًا، وهذه العملية ليست شرطًا أساسيًا لوجود وتحقق النشاط الإبداعي. أما حدة البصيرة فهي الوصول إلى نتاج غير منتظر عبر الفکر الثاقب.( علي، 1998م،ص23).

وإذا جئنا للظاهراتية أو الفينومينولوجيا هي مدرسة فلسفية تعتمد على الخبرة الحدسية للظواهر کنقطة بداية (أي ما تمثله هذه الظاهرة في خبرتنا الواعية) ثم تنطلق من هذه الخبرة لتحليل الظاهرة وأساس معرفتنا بها. غير أنها لا تدعي التوصل لحقيقة مطلقة مجردة سواء في الميتافيزيقا أو في العلم بل تراهن على فهم نمط حضور الإنسان في العالم. وقد کان لهذه التحليلات الفينومينولوجية للوعي الفني والخبرة الجمالية أبعد الأثر في الفکر الجمالي الذي استلهم المنهج الفينومينولوجي، کما نجده عند رومان إنجاردن [4]Roman Ingarden الذي عني بدراسة العمل الفني باعتباره موضوعًا تقصد إليه الذات.(مطر، 1998م،ص215).

 والاتجاه المثالي: الفن رؤية حدسية أو روحية: الفن رؤية حدسية يدرک بها الفنان حقائق الأشياء. ويمثل هذا الاتجاه کروتشة الذي تابعه کل من کالنجوودR.G.Collingwood  وصموئيل الکسندر، و سارتر[5] .Jean-Paul Sartre يمثل العمل الفني في هذه الوجهة من النظر " رؤية خيالية"، فهم ينکرون عليه أن يکون واقعة مادية، کالألوان، أو أن يکون نسبًا بين ألوان،أو أن يکون أشکالاً جسمية. بمعنى أنه يتميز عن الموضوعات الفيزيائية مثل الصور المعلقة على الحائط، وعن الأصوات التي تنساب في صالة العرض imaginary وما يحتج به أولئک المثاليون هو أن العمل الفني على الرغم من أنه لا يمکن توصيله إلا عن طريق الناقل المادي إلا أنه موضوع متخيل imaginary object يبدأ وينتهي في عقل الفنان. ويکون هو أول متذوق له على الأصالة. أما صبه في مادة فهذا من قبيل إعطاء الروح جسدًا تمشي به بين الناس وعلى الناس أن ينفذوا من خلاله إلى الروح، وذلک لأن المادة لا تخدم إلا غرضًا ثانويًا يتحدد في أنه يحفظ للعمل الفني نوعًا من الوجود العيني على نحو يکفل تقديمه کموضوع عام لإدراک مشترک. وبذلک يتأکد أن واقع التخيل أو الرؤية الحدسية لشيء أو فکرة تأتي في وعينا ومعها وسائل إخراجها المادي. ويمکن أن نجمل القول في الرد على رأي المثاليين القائل بأن العمل الفني هو موضوع ذاتي نابع من الخيال بأنه يغفل عملية کاملة من عمليات الإدراک الحسي للأشياء ألا وهي عملية الإدراک الحسي الشامل للکل prehensoin لا لفکرة أو شعور.( إبراهيم، بدون،ص97-98-99).

ويمکننا القول ببساطـة أن تلک الفکرة الجمالية تقابل الفکرة العقلية التي هي تصور لا يوازيه أي حدس( أو صورة متخيلة). الفکرة الجميلة الطبيعية هي حدس خيالي يقدم الجزء، شيئًا ما، نموذجًا لنوع بکامله. هي صورة عامـة جرى ترکيبـها من الأجزاء. وهي تبلـغ غايتهـا (أو کمالها) حين تنجح في تمثيل النوع تمثيلاً تامًا. أما المثالي الجمالي فهو حدس من الخيال يقدم جزءًا أو فردًا على اعتبار أنه أکمل تجسيد أو تمثيل للنوع. هو أعلى أنواع الجمال اللاحق وهو وقف على الإنسان، لأنه وحده يمتلک " جوهرًا أعلى من الحس" ويستطيع في ضوء العقل أن يحدد غاياته. في المثال الجمالي، إذاً هناک معنى وقيمة على المستويين الأخلاقي والعملي، وهو ما يضعه خارج إطار الجمال الآخر.
( شيا، 1985م،ص69).

ثانيًا: علم نفس الفن " سيکولوجية الفن"، وعلاقته بالحدس:

نستطيع في الواقع أن نقول أن إن علم النفس برمته ‘نما هو علم تحليل السلوک الإنساني بکافة مجالاته ، علمًا بأن هذه المجالات تتمثل في التصرفات التي تصدر عن الإنسان والبادية للعيان من جهة، ومشاعر وأفکار المرء التي يدرکها وقد يعبر عنها إلى الخارج وقد لا يفعل ذلک، وأخيرًا في المقومات النفسية التي لا يستطيع المرء أن يتوصل إلى الوقوف عليها لأنها مختفية في أعماقه باللاشعور. ولقد اختلفت مدارس علم النفس بصدد تحليل السلوک الإنساني الذي يتضمن هذه الزوايا الثلاث.اهتمت بعض المدارس بالفکر واعتمدت تداعي المعاني، واهتم الثاني بالمشاعر الوجدانية عمومًا، وبعضها الثالث اهتمت بردود الفعل.

ومن الثابت أن نشأة سيکولوجية الفن التجريبية قد واکبت ظهور علم النفس التجريبي ذاته بعد أن کانت الاستطيقيا الفلسفية قد قطعت شوطًا لا بأس به في طريق بلورة ملامحها. فقد شرع فخنر[6]في تطبيق منهجه التجريبي في مجال الفن والتذوق الجمالي.( توفيق، 1992م،ص 150).  وعمومًا لم ينطوي موضوع من موضوعات علم النفس على مثل ما انطوت عليه عملية الإدراک من الأبحاث الکثيرة. فهي العمل الأساسي بالنفس أو العقل. 

فالحدس سيکولوجيًا يمر بعدة مراحل متتابعة وبحلقات متصلة متعاقبة ليس بينهما انفصال أو هوة، فأبرز ما يميز الحدس هو الوحدة والاتصال والاستمرار واللحظة. وحين يکون بزوغ الحدس مصاحبًا لوقوع انفعال عميق ثم يتقدم الانفعال بقوته الدافعة الحيوية الخلاقة فيدفع هذا التخطيط الواقعي ، ويحاول أن يملأه بالصور أو بالأصوات أو بالأحداث على حسب المادة التي يعمل فيها العبقري، فالتشکيلي يمتلأ بالصور البصرية ، وتکون مهمة الانفعال أن تثير الذاکرة فتنير الصور التي تملؤها وانتقاء ما يلائم التخطيط نحو التعبير أو التحقيق وعلى امتداد الحرکة الوجدانية التي تبدأ من التخطيط التخيلي للصور أو الرؤى الجمالية إلى التخطيط المحقق أي الحرکة من الکل إلى الأجزاء فالفنان يتناول موضوعه من جوانبه المختلفة ثم تمضي هذه الحرکة بين عدة مستويات نفسية ولا تبقى في مستوى واحد. ولذا تقترن بالشعور ببذل الجهد ولا تتم لمجرد الشعور بالتداعي الآلي ومن خصائص هذه الحرکة أيضًا أن تأتي بتغييرات لم تکن منتظرة تطرأ على التخطيط العام، فبدلاً من أن يظل ثابتًا حتى يمتلئ بالصور، نجده يتغير تحت ضغط هذه الصور من وقت لآخر وفي هذا التغيير غير عنصر الجدة أو الابتکار کما يمارسه المبدع، وهذا من شأنه أن يوجد تذبذبًا کحرکة البندول.

ويصاحب الحدس إيقاع معين في العمل الفني الذي نشأ بمثابة امتداد للأعراض السيکوفيزيقية [7]  التي تصاحب بالانفعال لدى الفنان منذ بدء التجربة الإبداعية بمرحلة المؤثر أو المثير النفسي إلى مرحلة بزوغ الحس وانتقائه لصورة فريدة من عدد من الرؤى الجمالية المتناثرة والتي يجلو غوامضها بفعل الحدس الخالص أو العبقرية وهما الوجه الآخر للحدس في تفسير الإبداع الفني الخلاق.

يقول کروتشة إذا سألت: ما الفن؟ فإنني أقول "إنه في أبسط صورة إن الفن هو حدس" فکروتشة هنا لا يرى إلا حقيقة روحية لا سبيل إلى قياسها أو تجزئتها.فالفن من حيث هو حدس فهو مستقل بذاته، لا يهدف إلى شيء سواه، وليس مطلوبًا منه تحقيق هدف غير ذاته، حتى لو کان هذا الهدف هو اللذة أو تجنب الألم أو تقديم منفعة.(الصباغ، ص56،55). ولقد ميز کروتشة بين الحدس والتصور، فالبحوث يمکن ن تکشف عن العالم أو الظاهرة بينما التصور يکشف لنا عن الحقيقة المعقولة أو الروح. والحق أننا جميعاً نوجد بصدد عمل فني فإنه ليس من حقنا أن نتساءل عما إذا کان الشيء الذي أراده الفنان أن يعبر عنه صادقًا أو کاذبًا من الناحية الميتافيزيقية[8] أو من الناحية التاريخية لأن مثل هذا التساؤل عبء، هذه المعرفة حدسية، فبواسطة الحدس نکشف عن الصورة أو الرؤية الجمالية، فهو ذاته ينبثق م أغوار الوجدان والعاطفة وهي ما تضفي على الفن الرمزية، هنا يستشهد کروتشة بأن مبدعات العمل الفني في أصلها آثار حدسية.( سالم، 1985م،ص64). ويجب علينا الإشارة إلى کروتشة في بحثه أن الفن حدس، فقد اختار الحدس وآثره على کلمة الخيال ليس لأن إحداهما تختلف عن الأخرى في مدلولها العام عن الأخرى، وإنما لأن کروتشة کان حريصًا على اختيار کلمة تکون أوغل في الدلالة على أن الفن: إحساس وأنه مستقل عن أية عملية أو نفعية أو منطقية أو أخلاقية أو فلسفية.( خضر، 2004م، ص96). 

وفي علم النفس فإن فئة الحدسيين يکتشفون خبايا الأمور بقدرة ذهنية سابرة للغور دون أن تکون بين أيديهم شواهد يستندون إليها. والفرق بين الحدس والإلهام أن الحدس عملية ذهنية بحتة، بينما الإلهام عملية روحية قد يکون العامل المؤثر فيها عاملاً أو مؤثرًا غيبيًا.(أسعد،ص22)

وفي الموقف الحدسي فإن إدراکنا لن يکون إدراکًا قائمًا على الاستدلال والبرهنة العقلية، وإنما نجد أنفسنا مندفعين إلى ما هو حدسي مفاجئ. من هنا نميل إلى الموضوع أو ننفر منه  نتيجة تفکير منطقي وإنما نتيجة إحساس حدسي مبهم يتملکنا منذ البداية.

ويستنتج  کانط[9] أن المکان والزمان أشيا ذاتية فلا يمثلان أية صفة موضوعية في الأشياء بذاتها و لا أية علاقة بينها. فالواقع بذاته لا مکاني ولا زماني، ولا تکون الأشياء في المکان والزمان إلا بمقدار ما تتمثل أو تظهر لحواسنا. مع أن الحدوس والانطباعات الحسية التي ترد العقل تکون مرتبة حسب صورتي الحساسية عندنا وهما المکان والزمان- فإنها لا تفهم إلا من خلال مفاهيم معينة يقدمها العقل نفسه. وإذا أطلقنا على قابلية العقل على تسلم الادرکات اسم الحساسية Sensibility فإن قوة العقل على توليد إدراکات من ذاته، أي تلقائية المعرفة ينبغي أن تدعي الفهم Understanding. ومن طبيعتنا أن الحدس لا يمکن أن يکون إلا محسوسًا أي لا يحتوي إلا على طريقة تأثير الأجسام فينا. أما الملکة التي تملکنا من التفکير في موضوع الحدس المحسوس فهي الفهم. وليس لإحدى هاتين القوتين العقليتين أولوية على الأخرى لأنه بدو الحساسية لا يمکن أن نحصل على أي شيء وبدون الفهم لا يمکن التفکير في أي شيء. فالأفکار بدون محتوى فارغة، والحدوس ( الادراکات) بدون فهم مفاهيم عمياء. وعليه فمن الضروري أن نجعل مفاهيمنا محسوسة، أي نضيف إليها جسمًا في الحدس ضرورة جعل حدوسنا مفهومة أي وضعها تحت مفاهيم. وهاتان القوتان أو القابليتان لا يمکن أن تقوم إحداهما بوظيفة الأخرى. فلا يستطيع الفهم أن يحدس ( يدرک) شيئًا و لا تستطيع الحواس أن تفهم ( تفکر في ) شيئًا، ومن خلال اتحادهما فقط تنشأ المعرفة[10].( متى، 2001، ص247،246،245).

 وعمومًا فإن تنبيه الحس هو متضمن في عملية التخيل، وذلک " أنه في التخيل حيث تکون التصورات Imagery الموضوعية موجودة، يوجد هناک کما هو الشأن في الإدراک الحسي، شيء حقيقي يوجه نحوه فن التمييز، وذلک يعد تعديًلا للصفة الموضوعية Objective التي يبدو أن المحتوى المستبان يمتلکها، وإن کان عدد ملامح ذلک الشيء التي يتم تمييزها فعلاً أقل کثيرًا منه في الإدراک الحسي. (ريد،1996م،ص51).

وسيکولوجيًا، ترتبط المتعة الفنية بالتذوق الجمالي الذي ينبثق من خلال الصراع بين الشکل والمضمون وبمساعدة الشکل الجميل الممتع فقط يستطيع الفنان أن يجعل من المرعب المفزع فنًا جميلاً وسهلاً، ومن المعکر صافيًا رقيقًا. وقد أشار فيغولسکي[11]Lev Semyonovich Vygotsky  في کتابه " سيکولوجية الفن" إلى ازدواجية أي ردة فعل جمالي على الشکل والمضمون.(عبيد،2005م،ص59).

ثالثًا: تأثير الحدس على النقد والتذوق الفني

حين نعتقد أن النقد يهدف إلى إبراز سلبيات العمل الفني وجوانب الضعف فيه، فإن هذا لا شک انتقاض لمرحلة النقد بمعناه الشمولي الذي يمارسه النقاد الناجحون الموضوعيون في حکمهم. فالنقد بمعناه الواسع تحليل للعمل الفني وبحث في نقاط القوة والضعف فيه معًا محاولة تعميقه وإطلاق حکم عليهن وليست غالبة النقد التحليلي والتقدير فقط بل تتضح أهميته في إبراز القيم الموضوعية والتعبيرية والانفعالي في العمل الفني ودراسة مدى ما أضافه إلى التراث الفني والبحث عن الخصائص التي تدفعنا إلى التعاطف معه بهدف إنجاح التجربة الجمالية والفنية والنفسية التي ترتبط بالعمل الفني.

فيرکز المتذوق وهو يتأمل عملاً فنيًا على صفة جمالية معينة، فيستغرق في النظر إليها لذاتها، ويصبح هدف الفنان أن يبقى على استجابة المشاهد حساسة تجاه عمله الفني، من أجل أن يکتشف طابعه الجوهري الأکثر خصوبة، وتميزًا.( عطية، محسن محمد، 2005م، ص71).

وفي مسألة الذوق يقول " مايرز" ( يعبر هذا الوضع عن نفسه بنوع من الذوق الفني الذي  يختلف من فترة إلى أخرى تمامًا کما تغير السلوک الجمالي الجسدي من العصر الفيکتوري[12]إلى عصرنا الحالي. فنجد لدينا مشکلتين : کيف ينظر عصر معين إلى فنه، وکيف ينظر إلى فن عصر آخر أو إلى ثقافة قد بعدت من حيث الزمان والمکان. وفوق ذلک، فإن الطريقة التي ننظر بها إلى فن الآخرين مکيفة إلى حد کبير بالطريقة التي ندرک بها فننا، أي بما نعتبره جيدًا أو يستحق التقدير).( مايرز، 1958،ص19،18).

وقد نادى أوسکار وايلد (Oscar Wilde)[13]بالثورة على الموضوعية في النقد لاعتقاده أن الفن هو" انفعال: أما "أناتول فرانس[14] (Anatole France) فيقول في هذا الصدد:" أن النقد الموضوعي لا وجود له، لأنه لا يوجد فن موضوعي کذلک، کما أن القواعد هي أکثر جمودًا وشکلية من أن يتأثر بها الناقد الذاتي". وشددوا على النقد" حدسي" أساسه الاعتقاد في مبدأ " العفوية"، وهذه المبادئ في الحقيقة کانت ذاتها مؤشر على بزوغ الاتجاه الانطباعي[15] في النقد. لذلک النقد يقع فقط في دائرة الحدس، ويصنف على أنه انطباعين فهو يخلو من التحليل المنظم، ولا يستند إلى دراسات أسلوبية، وکذلک يستبعد أي اهتمام بالأثر الفني ذاته، بوصفه موضوعًا متکاملاً أو ترکيبًا ذا معنى، وبنية رمزية وشکلية للمعنى.(عطية،2002م،ص70،69).

إن ما يحدث للمستمتع أثناء عملية التذوق هو أن أنه يحاول أن يعيش ما قد عاشه الفنان من آثار لحياة معيشية قد مر بها الفنان، وهو مثله بذلک کمثل الشخص الذي يحاول أن يتتبع آثار أقدام ترکها صاحبها عن طريق ما، ويکون المتذوق أثناء ذلک في حالة عقلية شبه لا شعورية، أي حالة تجمع بين الشعور واللاشعور في صعيد واحد، وهي تعتبر من الحالات النادرة والتي يکون فيها المتذوق في حالة حقيقية واقعية.

وإذا کان الإبداع يقوم على الحدس، أي على العقل والعاطفة‘ فإن التذوق الفني والنقد يقوم على الحدس أيضًا عندما يمارس أدوراه في تحديد المستوى الفني للفنان. وأول هذه الأدوار الدور التصنيفي الذي يقارن فيه العمل الفني بغيره، والمدرسة الفنية بغيرها. والدور الثاني هو دور تاريخي إذ يحدد العلاقة القائمة بين عمل اليوم وعمل الأمس، وبين الأساليب المعاصرة والأساليب التي تتالت عبر تاريخ الفن والحضارة. والدور الثالث إرشادي ، وکثيرًا ما کان للناقد أثر في تکوين الفنان کما له دور في تکوين الرؤية النقدية عند الجمهور. (البهنسي،2004م، ص172،171).

  وتذوق العمل الفني عمومًا يعني بأن نطيل تأمل العمل الفني في محاولة لفهمه وتحليله، من هنا نستنتج بأن العمل الفني ليس شيئًا يتم کله دفعةً واحدةً وإنما عملية نامية، متدرجة، خلاقة. وقد ننتقل إلى عمل فني آخر ولکن لا نلبث أن نعود لتأمله أکثر من مرة وتفحصه، والربط بين أجزاؤه ، لندخل في المرحلة المتأخرة وهي الإدراک.(الصراف،2006، ص53،52).

وعند البحث في سيکولوجية التذوق الفني نجد أن الموقف الحدسي له أثر کبير عليها، فليس البحث العقلي هو رائدنا في السلوک الجمالي بل هو الحدس أو العيان المباشر والإدراک المفاجئ، فالإحساس المبهم يؤدي إلى الانجذاب أو النفور.( علي، 1998م،ص35).

ونلاحظ أن عملية التذوق الفني لا تتم على مستوى واحد من النجاح. بل تأتي عادة على مستويات متفاوتة نتيجة لتفاوت ثقافة المتذوقين وحالتهم المزاجية والنفسية والاجتماعية والبيئية. حيث لا بد من وجود لغة حوار مشترکة ( راقية) يفهمها المتلقي للعمل الفني حتى يتم التواصل بينهما( الفنان وعمله باتجاه المتذوق) بدون غموض أو لبس بينهما.( يحي، 1990م، ص20).

ويشير "عبدالرحمن" إلى العلاقة بين الأساس النفسي الفعال والتذوق الفني فيقول" تذهب الدراسات النفسية إلى وجود علاقة وثيقة بين التذوق الفني، باعتباره أحد جوانب النشاط الإنساني،وبين ما يسمى " الأساس الفعال"Psychic Functional Constitution" بأبعاده المختلفة"( عبدالرحمن،2007م، ص4).

ومما يجدر بي التأکيد عليه هو أن الأساس النفسي الفعال له أربعة عناصر أساسية، منها البعد الذهني العقلي المعرفي والذي يمثل القدرات والعمليات العقلية ..کالتخيل والفهم والتفکير والحدس. ويجد الناقد نفسه أمام قيمتين اثنتين لعلم فني واحد لا قيمة واحدة ، فنجد کروتشة من أکثر الفلاسفة الذين تعرضوا للشکل والمضمون ، ولکن قضية الشکل والمضمون عند  کروتشة وجدت الحل تلقائيًا في تغيره للفن وتحديده لمفهومه فيقول هنا " إذا کان المضمون قد برز في الصورة أي الشکل وأن الصورة ممتلئة بالمضمون".فقد جعل کروتشة الحدس ملکة لعموم من البشر إلا أنها تختفي وتظهر حسب الظروف المواتية لها.فالفن عنده يحکمه الخيال، ثروته الصورة الذهنية والحدسية فقط وقيمة الفن تکمن في قدرته على تحقيق الصور الحدسية الذهنية بحکم الخيال والمخيلة في داخل الإنسان والعلوم تباعد بين الفرد والحقيقة وتنقل الإنسان إلى عالم المجردات الرياضية أما الفن فيتجه مباشرة إلى داخل الإنسان ويبني داخله  الحقيقة فالفن هو حدس وتعبير.، ويتفق بذلک مع مايکل أنجلو[16] لأن معجزة الفن تکمن في عملية تصور الفکرة وليس في إظهارها فقط، فتصور الفکرة أکبر وأعظم قيمة من قيمة الإظهار والإخراج لأن التصور محکوم بالحدس فالتصور قبلي أما الإخراج ترکيبي تحکمه آلية العقل والتجربة.(حسان وآخرون، 2005،ص 86،85). 

تحليل :-

الحدس في نطاق الإبداع إذن هو بديهة ورؤية ، إدراک وحس، صنعة وصدفة، واقع وخيال، حقيقة  ووهم، علم وشعر. والحدس في نطاق التلقي هو ذوق سليم ونشاز، معرفة عملية وفنية، هو تقليد ودهشة، هو متوقع وغير متوقع، هو برهان وتأويل. وفي تاريخ الفن تناوب لجميع المتضادات. (البهنسي،2004م، ص105).

إن الهدف الأول للنقد الفني هو تحقيق الفهم. وهذا يتطلب منا إتباع طريقة نقدية للنظر إلى مواضيع الفن، وطريقة توفر لنا الحد الأقصى من التبصر في معانيها ومزاياها. ومع أن العمل الفني يقدم معلومات للمشاهد المدرب، فإننا مهتمون أساسًا بمعرفة کيف تنتمي هذه المعلومات إلى جودة العمل الفني. ولهذا السبب فإن المعلومات الأثرية، والتاريخية، والسير الذاتية عن الفن والفنانين قد تکون هامة ولکنها ليست حتمًا مفيدة في النقد الفني. إذن فهدفنا الرئيسي هو فهم وجود الأسباب الموجودة في العمل الفني والتأثير الذي تمتلکه فينا.( فيلدمان،1987م،ص42).

النتائج:

  1. أن الحدس هو وسيلة للکشف عن الرؤى الجمالية والصور الذهنية المتخيلة.
  2. هناک علاقة وثيقة بين الحدس في علم الجمال و علم نفس الفن.
  3. أن الحدس کجانب معرفي، يُظهر لنا مدى تأثير الثقافة واختلاف الأذواق على نوعية الاستجابة. ولکن الفن عمومًا على عکس مما تخيل، فهو فعل وتحقيق وليس مجرد حدس وتعبير.
  4.   کان الفيلسوف " بندتوکروتشة" هو صاحب الصياغة المتماسکة لفصل الفن عن کل ما عداه من أنشطة الإنسان.
  5. يوجد تأثير کبير للحدس على عملية النقد والتذوق الفني.
  6. يمکننا بالحدس الذوقي إبراز آثار العمل الفني والکشف عن مکنونات الفنان المبدع لموضوعات الرؤى والصور الجمالية بالإضافة إلى مهارة التکنيک.

التوصيات:

  1. الترکيز في تدريس المعايير الفنية والقضايا الجمالية التي لها صلة بالنقد الفني.
  2.  الدراسة الحالية من شأنها إفادة المشتغلين بالنقد والتذوق الفني.
  3. إتباع المنهج السيکولوجي والطرائق العلمية التجريبية إلى جانب الاعتماد على جانب المنهج الفلسفي والنقدي يوصل بالعمل الفني إلى مرحلة الإبداع.  

 



[1] Henri Bergsonهنري برغسون    1859توفي عام1941  ، فيلسوف فرنسي. حصل على جائزة نوبل للآداب عام1927

[2] بينيديتو کروتشه  (1866 - 1956) فيلسوف إيطالي من أتباع المدرسة الهيغلية الجديدة أنظر الهيغلية الجديدة وأستاذ بنابولي (1902-1920)، وقد ظهر کروتشه قرب نهاية القرن التاسع عشر بنقد للنظريات الفلسفية والاقتصادية للمارکسية.

[3] Henri Bergsonهنري برغسون  18 أکتوبر 1859 - 4 يناير1941 فيلسوف فرنسي. حصل على جائزة نوبل للآداب عام1927.

[4] فيلسوف وناقد بولندي.

[5] جان-بول شارل ايمارد سارتر 1905 باريس 1980 هو فيلسوف وروائي وکاتب مسرحي کاتب سيناريو و ناقد أدبي وناشط سياسي فرنسي. بدأ حياته العملية أستاذاً. درس الفلسفة في ألمانيا. بعد الحرب أصبح رائد مجموعة من المثقفين في فرنسا. وقد أثرت فلسفته الوجودية، التي نالت شعبية واسعة، على معظم أدباء تلک الفترة. منح جائزة نوبل للآداب عام 1964

[6] جوستاف فخنر (بالألمانية: Gustav Fechner) من مواليد 19 إبريل 1801 ووفيات 28 نوفمبر 1887 هو فيلسوف وعالم ألماني، درس الفيزيولوجيا على يد فيبر ثم درس الفيزياء والکيمياء والرياضيات. کان جوستاف من رواد علم النفس التجريبي ومؤسس السيکوفيزيقا وصاحب قانون (فيبر - فخنر للإحساس). ويربط هذا القانون بين المثير والإحساس بمعادلة رياضية تقول إن شدة الإحساس يتناسب تناسباً طردياً مع لوغاريتم شدة المثير، أي إن الزيادة في شدة المثير تؤدى إلى الزيادة في شدة الإحساس.

 [7]العلوم السيکوفيزيقية : والتي تهتم بالعلاقة بين الاستجابات السيکولوجية والأحداث التي تقع في العالم الفيزيائي أي العالم الخارجي ، بحيث تصل إلى علاقات عامة لها صفة القانون العلمي ينطبق على جميع الأفراد أو معظمهم وهذا جعلها احد دعائم علم النفس التجريبي الحديث ، ومن أهم مساهماتها في دراسة الفروق الفردية استخدام أسئلة  الاختبارات متعدد .

[8] الميتافيزيقا نشأة الميتافيزيقا ظهرت کلمة ميتافيزيقا من الکلمة الإغريقية (Meta) التي تعني (ما وراء أو بعد) وکلمة (Physika) وتعني (الطبيعة). وتشير الکلمة إلى العلوم المختلفة عن الطبيعة والمادة في کتابات أرسطو في العصور القديمة.

[9] إيمانويل کانت بالألمانية: Immanuel Kant 1724 – 1804  و قد يکتب «عمانوئل کانط») فيلسوف من القرن الثامن عشر ألماني من بروسيا ومدينة کونغسبرغ. کان آخر فيلسوف مؤثر في أوروبا الحديثة في التسلسل الکلاسيکي لنظرية المعرفة خلال عصر التنوير الذي بدأ بالمفکرين جون لوک، جورج برکلي وديفيد هيوم.

[10] المعرفة هي الإدراک والوعي وفهم الحقائق أو اکتساب المعلومة عن طريق التجربة أو من خلال التأمل في طبيعة الأشياء وتأمل النفس أو من خلال الإطلاع على تجارب الآخرين وقراءة استنتاجاتهم، المعرفة مرتبطة بالبديهة والبحث لاکتشاف المجهول وتطوير الذات وتطوير التقنيات.

[11] ليڤ سيميونوڤيتش ڤيغوتسکي Lev Semyonovich Vygotsky، (1869ـ 1934)، عالم نفس وتربوي روسي، عُرف بأبحاثه ونظرياته المتعلقة بنمو الإدراک لدى الطفل وبالتفاعلات الثقافية الاجتماعية. لم تعرف أعماله لأسباب سياسية، لا في وطنه ولا في العالم الغربي إلا في وقت متأخر.

[12] العصر الفيکتوري (بالإنجليزية: The Victorian era‏) حقبة تاريخية في المملکة المتحدة تميز بکونه قمة الثورة الصناعية في بريطانيا وأعلى نقطة في الامبراطوية البريطانية، وهو يشير إلى فترة حکم الملکة فيکتوريا
بين 1837 و1901 .

[13] أوسکار فينغال أوفلاهيرتي ويلز وايلد بالإنجليزية  Oscar Fingal O'Flahertie Wills Wilde 1854 - 1900 مؤلف مسرحي وروائي وشاعر أنجلو-ايرلندي.

[14] أناتول فرانس هو روائي وناقد فرنسي ولد في باريس في  1844 لعائلة تعمل في الفلاحة وتوفي في 1924. من رواياته "جريمة سلفستر بونار" و"الزنبقة الحمراء" و"تاييس" و"ثورة الملائکة" و"الآلهة عطشى". دخل في أکاديمية اللغة الفرنسية في 23 يناير 1869 متحصلا على المقعد 38. تحصل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1921 لمجموع أعماله.

[15] انتقلت الانطباعية إلى النقد العربي بتسميات مختلفة (کالمنهج التأثيري أو الذاتي أو الذوقي أو الانفعالي) ، وقد أجمعت جملة من الدراسات (کـ "دراسة الأدب العربي" لمصطفى ناصف ، و"المرايا المتجاورة" لجابر عصفور على أن طه حسين (1889- 1973) هو زعيم النقد الانطباعي ، لأنه أدرک أن طبيعة النص الأدبي ليست في يد المؤرخ ، وأن الحضور الانطباعي ضرورة يقتضيها النقص الذي يواجه الناقد / المؤرخ.

[16] ميکيلانجيلو بوناروتي بالإيطالية: Michelangelo Buonarroti هو رسام ونحات ومهندس وشاعر إيطالي، کان لإنجازاته الفنية الأثر الأکبر على محور الفنون ضمن عصره وخلال المراحل الفنية الأوروبية اللاحقة.

  1. المراجع:

    م

    اسم المؤلف

    اسم الکتاب

    1.  

    إبراهيم ، وفاء محمد:

    " علم الجمال " قضايا تاريخية ومعاصرة"، القاهرة، مکتبة غريب، بدون تاريخ نشر

    1.  

    أ.نوکس: شيا،  محمد شفيق:

    "النظريات الجمالية، کانط- هيجل- شوبنهاور"منشورات بحسون الثقافية، لبنان، 1985م.

    1.  

    أسعد، يوسف ميخائيل:

    " سيکولوجية النمطية والإبداعية"، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة.

    1.  

    البهنسي، عفيف:

    " علم الجمال وقراءات النص الفني"، دار الشرق للنشر، القاهرة، ط1، 2004م.

    1.  

    السکري، عادل:

    " نظرية المعرفة من سماء الفلسفة إلى أرض المدرسة"، الدار المصرية اللبنانية، 1999م.

    1.  

    الصراف، آمال:

    " موجز في علم الجمال"،مکتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006م.

    1.  

    الجزيري، مجدي:

    " الفن والمعرفة الجميلة عند کاسيرر"، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسکندرية،2002م

    1.  

    الصباغ، رمضان:

    "الفن والقيم الجمالية بين المثالية والمادية"، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسکندرية،2000م

    1.  

    توفيق، سعيد:

    "جدل حول علمية علم الجمال، دراسات على حدود مناهج البحث العلمي"، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة،1992م.

    1.  

    حسان، محمد سعد:

    غيث، خلود بدر: الکرابلية، معتصم عزمي:

    "مقدمة في علم الجمال"، مکتبة المجتمع العربي للنشر، عمان، 2005م.

    1.  

    خضر، سناء:

    " مبادئ فلسفة الفن"، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسکندرية،2004م

    1.  

    خميس، حمدي:

    " التذوق الفني ودور الفنان والمستمع"، دار المعارف بمصر، 1975م.

    1.  

    ريد، هربرت: ترجمة: جاويد، عبدالعزيز توفيق

    " التربية عن طريق الفن"،الهئة المصرية العامة للکتاب، القاهرة، 1996م.

    1.  

    سالم، محمد عزيز نظمي:

    "الإبداع الفني"، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والتوزيع، الإسکندرية، 1985م.

    1.  

    عبد الرحمن، عادل:

    "فلسفة الجمال والفن، دراسة فلسفية ونفسية وفنية"، القاهرة،2007م.

    1.  

    عبيد ، کلود :

    " الفن التشکيلي ، نقد الإبداع و إبداع النقد "، دار الفکر اللبناني ، بيروت ، لبنان ،ط1، 2005م.

    1.  

    عطية، محسن محمد:

    "مفاهيم في الفن والجمال"، عالم الکتب،2005م.

    1.  

    .............................ــ:

    " نقد الفنون"من الکلاسيکية إلى عصر ما بعد الحداثة،  منشأة المعارف بالإسکندرية،2002م.

    1.  

    علي، أحمد رفقي :

    "التذوق والنقد الفني، دار المفردات للنشر والتوزيع، الرياض، 1998م.

    1.  

    فيلدمان، أدموند:

    ترجمة :حداد، زياد سالم:

    " النقد الفني، أبحاث في النقد الفني، مشاکل النقد الفني"، دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع،لبنان،1993م.

    1.  

    مايرز، برنارد: ترجمة: المنصوري، سعد القاضي، مسعد

    " الفنون التشکيلية وکيف نتذوقها"، مکتبة النهضة المصرية، دار الزهراء، الرياض.1958م.

    1.  

    متى، کريم:

    " الفلسفة الحديثة، عرض نقدي"، دار الکتاب الجديد المتحدة، ط2، بنغازي،2001م.

    1.  

    مطر، أميرة حلمي:

    " فلسفة الجمال (أعلامها ومذاهبها)، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1998م.

    1.  

    يحيى، مصطفى:

    " التذوق الفني والسينما"، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة،1990م.