دور نـظام التعـليم عن بُعـد في تنمـية المـرأة السعـودية

المؤلفون

کـلية التربية جــامعة أم القــرى

المستخلص

 
مقدمة:
تحاول المجتمعات اليوم،أن توجد وتطور آليات جديدة للتنمية،مستغلة کافة الطاقات المتوفرة والممکنة لإشراکها في عملية التنمية التي اتسعت لتستوعب کافة ما يتوافر لها من إمکانيات لمواجهةالاحتياجات المستقبلية على کافة الأطر ، ولا سيما على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.وقد أدى ذلک لطرح قضية مشارکة المرأة في التنمية کضرورة للتنمية الشاملة والمتکاملة، وکحاجة لاستغلال تلک الطاقات المعطلة في عملية التنمية المجتمعية، غير أن هذه الدعوى لمشارکة المرأة في التنمية قد واجهتها الکثير من المعوقات، وکان أهمها على الإطلاق الحاجة إلى الإعداد والتأهيل( الغلاييني، 2007م)، وأمام النماذج النسائية الناجحة في مجتمعنا، وأمام ما أثبتته المرأة عن مدى مسئوليتها وقدرتها على أداء الأدوار المناطة بها في عملية التنمية، فقد جدّت الحکومة في فتح الباب أمام النساء للتعليم والتدريب والتأهيل،من أجل دخول صحيح لعالم التنمية بکافة مداخله ومستوياته (الرشيد، 2006م) . ومع هذه الجهود، ومع ما تم من أجل تمکين المرأة من أداء أدوارها التنمية المتوقعة منها کما تشير لذلک خطط التنمية وما يلاحظ على ساحة الواقع، إلاّ أن هذا لم يفي بحاجات تلک الأعداد الکبيرة من النساء، ولم يتمکن من کسر حاجز الحدود الجغرافية ، والمسئوليات الأسرية لدى الکثير من النساء، ولم يطور نظاماً لأولئک الفتيات اللواتي يطمحن للمشارکة بمستويات أعلى من مستويات تعليمهن الحالية،إن هذه الطاقات النسوية الکبيرة،وما يرافقها مما نراه من ازدياد الوعي التنموي وسط أفراد المجتمع، رجالاً ونساءً، حول أهمية دور المرأة التنموي ، يطرح إشکالية کبيرة ،حول أهمية استغلال ذلک کله في تطوير وتنمية هذه الطاقات واستغلالها لصالح تنمية المجتمع السعودي. وهو ما يحوجنا إلى بدائل عملية وفاعلة، تسهم إلى جانب الجهود المبذولة من قبل الحکومة والمؤسسات التدريبية والتأهيلية، في دعم توجه المرأة نحو المشارکة التنموية القائمة على أسس علمية.وهنا يتم طرح التعليم عن بُعد کخيار يمکنه أن يسهم في تحقيق المشارکة الحقيقية للمرأة في التنمية، وهو ما ذهب إليه العديد من الباحثين( , 2001Taplin& Kanwar; Miller, 2002; May, 2004) ، وما أکدت عليه منظمة اليونيسکو، وأشارت إليه الکثير من الدراسات من أن التعليم عن بُعد حقق الکثير من النجاحات للعديد من النساء ووفر لهن الکثير من الفرص التنموية التي ما کانت  ستتوافر لهن بدونه (الفريح ، 2005م) .
مشکلة البحث:
أصبحت مشارکة المرأة في التنمية اليوم ضرورة وليست ترفاً ، خصوصاً إذا علمنا أن المرأة تسعى فعلياً إلى تفعيل دورها في هذه المشارکة (باعشن ، 2005م)،ويبرهن على ذلک السعي ما يشهدهوضعالمرأةفي المملکةحراکاً متجدداً فکرياً،اقتصادياً واجتماعياً،ممّا يعتبر مؤشّراًللوعي بأهمية دورهاوتأثيره على تنمية المجتمع،والرغبة في مواصلة دعموتعزيز دورها للمشارکةفي بناء الوطن( أبالخيل،2006م)،على أن هذا التوجه من المرأة تعترضه معوقات عدة أهمها قضية التعليم العالي للمرأة السعودية ، وما يواجهها من تحديات ومعوقات، سواء على المستوى التنظيمي للتعليم کمحدودية الفرص المتاحة للدراسة، والفجوة التي تجاوزت 50% اکبر من الطاقة الاستيعابية للتعليم العالي في المملکة والتنظيمات والقوانين المحددة للتقديرات والتخصصات(فارس والوکيل، 2007م)؛ أو على المستوى الشخصي، کالتزامات المرأة الأسرية، وعدم القدرة على التوفيق بين متطلبات حياتها الأسرية والالتزام بکراسي الدراسة؛ أو على المستوى الجغرافي، ووجود الجامعات في المدن وأثر ذلک في الحد من فرص المرأة للتعليم العالي وتطوير أدائها وقدرتها بالتالي على المشارکة في التنمية.
من خلال هذا يطرح التعليم عن بُعد نفسه کشريک لتعليم المرأة وتطويرها وتنميتها ، متجاوزاً کافة الحدود والمعوقات التي تواجهها المرأة السعودية في طريق حصولها على التعليم العالي .
فهل يمکن أن يؤدي التعليم عن بًعد دوراً فعالاً في تنمية المرأة لسعودية ؟
تساؤلات البحث
1.    ما أهم معوقات تنمية المرأة السعودية ؟
2.    کيف يمکن أن يؤدي التعليم عن بُعد إلى تطوير وتنمية المرأة السعودية؟
3.    ما الآلية المقترحة لتطبيق التعليم عن بُعد في تنمية المرأة السعودية؟
أهداف البحث
1.    الوقوف على أهم معوقات تنمية وتعليم المرأة السعودية.
2.    الوقوف على الدور الذي يمکن أن يؤديه التعليم عن بُعد في تنمية المرأة السعودية.
3.    اقتراح آلية لتطبيق التعليم عن بُعد في المملکة بما يسهم في تنمية المرأة السعودية .
أهمية البحث
في ظل توجه المملکة لتطوير التعليم العالي، والاستفاضة في الدراسات والبحوث التي تنادي بإصلاحه تبرز الحاجة إلى مثل هذه الدراسات والبحوث، والتي يمکن تلخيص أهميتها في النقاط الجوهرية التالية :
1.تعتبر هذه الدراسة هي الأولى - على حد علم الباحثتين - التي تتناول العلاقة بين نظام التعليم عن بُعد وتنمية المرأة السعودية، وهما من القضايا التي بدأت تبرز بوضوح على ساحة الدراسات العلمية والمؤتمرات والندوات في المملکة خلال العقد الأخير ولکن بصورة منفردة ، مما يجعل من الضروري دراستهما بطريقة ترابطية تسمح بالاستفادة من کافة المعطيات لتطوير المجتمع وتوحيد الجهود التطويرية وعکسها على کافة فئات المجتمع.
2.إمکانية الاستفادة من الآلية المقترحة في هذا البحث لتطوير نظام للتعليم عن بعد يسهم في تخطي معوقات التعليم العالي للمرأة السعودية، ويصب في صالح تنمية المرأة وتأهيلها.
3.يمکن لوزارة التعليم العالي والجهات والجمعيات المسئولة عن تدريب وتأهيل المرأة السعودية الاستفادة من نتائج هذا البحث في دراسة إمکانية تطبيق التعليم عن بُعد وجدواه في أنظمتها المخصصة للمرأة.
منهجية الدراسة
يقوم البحث على المنهج الوصفي التحليلي للفکرة الرئيسية لموضوعه، والذي تم اختياره تحديداً لتناسبه مع الدراسة الحالية، حيث سيتم تطبيقه اعتماداً على المصادر ونتائج الدراسات المتوفرة، واستقراءاً للوضع القائم، وتعرفاً على إيجابيات وسلبيات نموذج التعليم عن بُعد بما يبلور الأفکار اللازمة حول إمکانية الأخذ به وتطويره لخدمة أفراد المجتمع عامة والمرأة السعودية خاصة، ومن ثم يتم استخلاص النتائج وتوصيفها للوصول للآلية المقترحة .
مصطلحات الدراسة
1.    التعليم عن بُعد
تتبنى منظمة اليونسکو تعبير "التعلم المفتوح والتعلم عن بعد" (Open & Distance Learning) للإشارة إلى التعلم الذي يکون فيه المتعلم بعيدا مکانيا عن مکان تعلمه. وتشير اليونسکو إلى التعلم عن البعد أو التعليم عن بعد على "أنه عملية تربوية يتم فيها کل أو أغلب التدريس من شخص بعيد في المکان والزمان عن المتعلم، مع التأکيد على أن أغلب الاتصالات بين المعلمين والمتعلمين تتم من خلال وسيط معين سواء کان إلکترونيا أو مطبوعا" (UNESCO, 2002). أما الجمعية الأمريکية للتعلم عن بُعد فتعرفه على أنه "عملية اکتساب المعارف والمهارات بوساطة وسيط لنقل التعليم والمعلومات متضمنا في ذلک جميع أنواع التکنولوجيا وأشکال التعلم المختلفة للتعلم عن بعد"(ASDLA, 2004).
ويمکن تعريف التعليم عن بُعد إجرائياً بأنه: نظام تعليمي وتربوي يتم فيه تقديم المعرفة المخططة دون التقيد بالمکان أو الزمان أو الحضور لتلقيها، باستخدام الوسائل الإلکترونية الممکنة والأدوات المختلفة المتوفرة .
2.   التنمية
تعرف التنمية في صورتها المتکاملة بأنها:" عملية واعية، طويلة الأمد، شاملة ومتکاملة في أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والتکنولوجية، والثقافية، والإعلامية، والبيئية..والتنمية بالإضافة إلى کونها عملية مرسومة لتقدم المجتمع في مختلف المجالات، فهي تعتمد اعتمادا کبيرا على مشارکة جميع أفراد المجتمع فيها" (أبوزيد ، 2009م) .
وعلى المستوى الاجتماعي تحديداً، وفي النطاق الفردي، تعرف التنمية بأنها : "عملية توافق اجتماعي، ويعرفها آخرون بأنها تنمية طاقات الفرد إلى أقصى حد مستطاع أو بأنها إشباع الحاجات الاجتماعية للإنسان؛ أو الوصول بالفرد لمستوى معين من المعيشة؛ أو أنها عملية تغيير موجه يتحقق عن طريقها إشباع احتياجات الأفراد" (الأنصاري، 1404هـ ).
ويمکن تعريف التنمية إجرائياً لغرض الدراسة الحالية بأنها : عملية تطوير أداء المرأة السعودية والاستفادة من طاقاتها القصوى في خدمة المجتمع من خلال الوسائل الحديثة للتدريب والتعليم وفي إطار المحافظة على خصوصيتها وتخطياً للمعوقات التي تواجهها .
التعليم عن بُعد ودوره في تنمية المرأة السعودية
أهمية تنمية المرأة السعودية
تعتبر المرأة السعودية اليوم محوراً هاماً من محاور التنمية في المجتمع ، بل الحقيقة أنها کانت دائماً تمثل محوراً أساسياً في التنمية الإنسانية ، ذلک أنها کانت تسهم بدورها في رعاية الأسرة ودعمها وتوجيهها، وتربية الأجيال وتدبير أمور مملکتها الخاصة، فکانت عماد التنمية في أهم وحدة اجتماعية ، وهي وحدة الأسرة. فلما أن فُتح لها الباب لتتعلم وتدلي بدلوها في مجالات أخرى، أثبتت قدرتها الفعلية على النجاح والتقدم، واستطاعت أن تؤدي دورها وتثبت وجودها في کل مکان وجدت فيه ، فکسرت حاجز عدم الموثوقية في قدرات المرأة وطاقاتها ، وتجاوزت تلک النظرة القاصرة لتحجيمها، کما استطاعت أن تحافظ على خصوصيتها ، فجمعت بين المحافظة على هويتها، والتقدم في أداء أدوارها وتنمية مجتمعها.
ومع ما تشهده المملکة من تطور ملحوظ ، طال کل جوانب الحياة ، وغيّر الکثير من المفاهيم حول ماهية المستقبل، أصبحت المرأة السعودية بحاجة إلى التقدم أکثر نحو المشارکة في التنمية، ليتناسب أداؤها مع معدل وجودها الذي بلغ فعلياً اليوم نصف عدد السکان ، فلم يعد قولنا أن المرأة تمثل نصف المجتمع هو قول مجازي للاستدلالات الاجتماعية والوجدانية ، بل صار قولاً فعلياً مؤيداً بالنسب والإحصاءات (50% من السعوديين = 8 مليون امرأة من أصل 16.2 مليون سعودي) .
ومع هذا فلا زال هناک الکثير من العوائق التي تحول دون أن تسهم المرأة في التنمية بطريقة أکثر فاعلية تتناسب مع حجم وجودها وتمثيلها الإحصائي، ولا زال المفهوم القاصر للتنمية ينظر إلى حجم مشارکة المرأة على أنه معدل مشارکتها في قوة العمل، غافلاً أدوارها التنموية في القطاع الخاص وفي التربية والدعوة والتوجيه ، وإدارة المعرفة ، وغيرها من المجالات الأخرى في إطار التنمية الأسرية، والمجتمعية ، ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها.
ولعل هذا ما استدرکته خطة التنمية الثامنة في المملکة (1425-1430هـ) والتي اعتبرت منعطفاً بارزاً في الجهود لتطوير أوضاع المرأة وضمان تمکينها من المشارکة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملکة. إذ اعتمدت الخطة إطاراً مرجعياً أوسع من سابقيه يؤکد على منظور تکاملي لتطوير أوضاع المرأة بدلاً من حصره بقضايا المشارکة بقوة العمل.  فقد حدد الأساس الاستراتيجي الثاني للخطة "الاهتمام بشؤون المرأة وتطوير قدراتها، وإزالة المعوقات أمام مشارکتها في النشاطات التنموية في إطار ما تقضي به القيم والتعاليم الإسلامية". کما احتوت الخطة أهدافاً وسياسات تعالج قضايا تطوير أوضاع المرأة في مجالات متنوعة کالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والقوى العاملة ( خطة التنمية الثامنة،1425هـ،335).
کما أن حالة الحراک الثقافي والتقني الکبرى التي يشهدها المجتمع السعودي ، تجعل من الضروري أن يشمل الحراک المرأة لتواکب المجتمع الذي تعيش فيه کضرورة للتکيف الاجتماعي .
فالحاجة إذاً إلى تنمية المرأة وتطوير قدراتها تمثل اليوم ضرورة فعلية من أجل تطوير المجتمع ، ومن أجل استغلال طاقاته ، ومن أجل القدرة على مواجهة العولمة ، والتي لا يمکن اعتبارها نهاية مطاف التحديات التي تواجه المجتمعات المحافظة ، هذا بالإضافة إلى التقدم الکبير والتغير السريع الذي يشهده العالم وحاجتنا إلى مواکبته .. کل هذا يجعل المجتمع بحاجة إلى استثارة طاقاته الکامنة في النساء ، وتوجيهها لخدمة المجتمع في أي مجال يتناسب مع خصوصيتها ومسئولياتها وطاقتها، وتوفير الفرص اللازمة، وإزالة العوائق التي تحول دونها .
وهذا يتناسق تماماً مع مطلب الإسلام في المرأة ، وحاجة المجتمعات الإسلامية اليوم إلى أن تکون المرأة أکثر فاعلية من ذي قبل ، وهو ما حذا بمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض ( في الفترة من 25 جمادى الآخرة 1421هـ ـ 1 رجب 1421هـ الموافق 23 – 28 سبتمبر 2000م ) إلى إصدار " الإعلان الإسلامي لدور المرأة في التنمية " والذي جاء في أول بنوده : " إن من أهداف الإسلام بناء مجتمع يکون فيه لکل من الرجل والمرأة دور متکامل في عملية البناء والتنمية، وذلک بما ينسجم مع شخصية المرأة ، وقدراتها وکفايتها، وتطلعاتها ودورها الرئيس في الحياة ".
معوقات تنمية المرأة السعودية
من خلال استقراء الأوضاع القائمة للمرأة في المجتمع السعودي ، ومن خلال نتائج الدراسات، والأدبيات التي استعرضت المجتمع والتنمية ، يمکن حصر بعض المعوقات التي تحول دون تنمية المرأة السعودية ، ومن ذلک على وجه الإجمال :
1.    الحلول المجزأة لتنمية المرأة السعودية ، وعدم وجود آلية متکاملة لذلک.
2.    عدم وجود تخطيط لاستغلال الفرص المتاحة للمرأة في المجتمع(السعد، 1428هـ).
3.المعوقات الاجتماعية المتعلقة بالعادات والتقاليد ، وبمسئوليات الزواج والأسرة والتربية والبيت...الخ، وعدم وجود التشجيع من قبل الأسر حول إقدام المرأة على الدخول في برامج التنمية التي تستهدفها ، وتطوير أدائها التعليمي .
4.    المعوقات الجغرافية التي تحول بين مشارکة المرأة في البرامج الهادفة لتنميتها.
5.    ترکز الجامعات في المدن، ومحدودية الأماکن المتاحة ، وارتباط التخصصات بالتقدير والأماکن المتوفرة ، وليس بالرغبة والميول والمواهب . 
6.المعوقات الاقتصادية المتعلقة بعدم القدرة على الدخول في برامج تنمية خاصة، فغالباً ما تکون هذه البرامج مکلفة، وجدواها لا تتخطى شهادة للحصول على دورة أو تدريب قد لا يفيد في الحياة العملية والتطبيقية.
7.الرسالة السلبية لوسائل الإعلام، والتي ترکز على المرأة کمظهر ، دون أن تنظر لها کطاقة وإمکانات يمکن تنميتها وتطوير أدائها لصالح العملية التنموية الکبرى في المجتمع.
8.إحباط الکثير من النساء والفتيات من جدوى الدخول في برامج تنموية ، نظراً لما يلاحظن ويشاهدن من ضعف الفرص للمشارکة في التنمية، والإمکانات والطاقات النسوية غير المستغلة، أو الموجهة في غير مکانها.
9.قصور مفهوم التنمية الذاتية، وقصره على مفهوم " المقابل " أي: التنمية يقابلها وظيفة، فارتبطت تنمية المرأة بمفهوم الحصول على وظيفة حکومية مجزية ..
10.ضعف نظرة المجتمع إلى التعليم وجدواه، وهذا ناشئ عن ربط مفهوم التعليم وشهادته بالوظيفة ومردودها، أي أن التنمية من وجهة نظر المجتمع علاقة نفعية.
11.عدم وجود برامج تثقيفية للمرأة السعودية ترشدها إلى أساليب وآليات التنمية اللازمة لمرحلتها الحالية ومستقبلها في ظل التطورات التي يشهدها مجتمعنا ، وتشهدها المجتمعات الإنسانية کافة .
مفهوم التعليم عن بُعد
يشير عفيفي (1425هـ،8) إلى أن مصطلحات:التعليم المفتوح open learning ، والفصل الالکتروني الافتراضي virtual electronicclassroom،والتعليم الالکتروني e-learning، قد تعبر جميعها عن التعليم عن بُعد tele- learning في مرحلة تأثره بتقنيات الحاسب والانترنت.
وتشير الفريح (2005م) إلى أن الأدبيات التربوية تستخدم الکثير من المسميات عند الإشارة لمفهوم التعلم عن بعد (Distance Learning) مثل "التعلم عن بعد" و"التعلم الموزع"(Distributed Learning) و"التعلم المرتکز على المصادر" (Resource-based Learning) و"التعلم المرن" (Flexible Learning) وغيرها من المصطلحات .
وهناک العديد من التعريفات التي تناولت التعليم عن بُعد ، منها تعريف الجمعية الأمريکية للتعليم عن بُعد الذي يرى أنه عبارة :"هو تقديم التعليم أو التدريب من خلال الوسائل التعليمية الالکترونية – ويشمل ذلک الأقمار الصناعية،‏ والفيديو،‏ والأشرطة الصوتية المسجلة،‏وبرامج الحاسبات الآلية،‏والنظم والوسائل التکنولوجية التعليمية المتعددة ،‏ بالإضافة إلى الوسائل الأخرى للتعليم عن بعد "‏( الربيعي، 2004م) .
وعرَّفه الجملان (2002م، 147) بأنه: "نوع من التعليم يتباعد فيه المتعلم عن المعلم وعن مکان التعلم مستخدماً فيه کل التکنولوجيا والوسائل والأساليب التي تمکنه من التعلم الذاتي "
ويُقدَم التعليم عن بُعد " إلى الذين لا تسمح ظروفهم الخاصة بالانتقال إلى الصفوف الدراسية النظامية، ومن أشکاله التطبيقية التعليم بالمراسلة والتعليم بالإذاعة والتلفزيون( اللقاني، 1419هـ، 94)، ومن أشکاله المتطورة: التعليم الافتراضي والجامعات الافتراضية(جويلي،2001م،101).
وفي هذا النوع من التعليم – الافتراضي - يتمالتعليمعنطريق:"الاتصال والتواصلبينالمعلموالمتعلم- الکترونياً -، وعنطريق التفاعلبينالمتعلمووسائلالتعليم الالکترونيةکالدروسالالکترونية والمکتبةالالکترونيةوالکتابالالکتروني وغيرها في المجال الافتراضي" ( الأحمر، 2009م، 8) ويوجد نظامان للتفاعل مع المواد التعليمية والمحاضرات: أولها النظام المتزامن، أي المباشر وقت البث، والثاني النظام اللاتزامني حيث يمکن فيه للطالب الرجوع له عبر موقع المؤسسة التعليمية في أي وقت وترک التساؤلات والاستفسارات والتعليقات حول المواد التعليمية ، والحصول على الرد عليها في وقت لاحق.
واقع التعليم عن بُعد عالمياً
يعتبر التعليم عن بُعد اليوم من أهم التقنيات التربوية التي نمت نمواً سريعاً، حيث ازداد عدد الجامعات والمؤسسات التي تقدم هذا النوع من التعليم، وازداد بذلک عدد المسجلين في برامجها، فقد رصدت الإحصائيات في عام 2000م أکثر من70 مليون شخص يتعلمون ويتدربون عن طريق الانترنت، وفي عام 2001م قدمت کليات وجامعات وشرکات في 130 دولة أکثر من 50.000 مقرر للتعليم عن بعد بأساليب متنوعة من بينها التعلم الإلکتروني. کما أن سوق التعليم عن بعد الذي يقدم درجات علمية بوساطة الإنترنت ينمو بنسبة 40% سنويًا،حتى الجامعات المرموقة بدأت تقدم برامج أکاديمية افتراضية؛ فجامعة هارفارد،على سبيل المثال، حققت حوالي 150 مليون دولار من عائدات برنامج التعليم عن بعد الذي يخدم حوالي 60.000 طالب وطالبة متفرغين جزئيًا
(الصالح، 2007م) .

 وأشار کل من (Allen and Seaman,2006) في ( الصالح، 2008م) إلى أنه في عام 2005 وصل عدد المسجلين في التعليم عن بُعد إلى 302 مليون طالب في التعليم الجامعي، سجلوا على الأقل في مقرر دراسي واحد من خلال الإنترنت. وفي نفس العام مثلت نسبة طلاب التعلم عن بُعد في الولايات المتحدة الأمريکية وحدها حوالي 17% من مجموع الطلاب المسجلين التعليم الجامعي الأمريکي" ولا شک أن هذا العدد وتلک النسب تضاعفت خلال الخمس سنوات الأخيرة.
وهناک العديد من المؤشرات على نمو التعليم عن بُعد في العالم ، منها(الصالح ، 2007م، 13):
1.   ظهور العديد من مشاريع التعلم الإلکتروني عن بعد في المدارس والجامعات في العالم.
2.   تنامي الاستثمار في سوق التعلم الإلکتروني حيث يوجد آلاف المقررات الإلکترونية حول العالم يمکن أن يدرسها الفرد من المنزل.
3.   توقعات بنمو الاستثمارات في التدريب الإلکتروني من (6.6) بليون دولار في عام 2002م إلى حوالي (23.7) بليون دولار في عام 2007م.
4. بروز ظاهرة الجامعة الافتراضية أو المدينة الجامعية الإلکترونية بنماذج تنظيمية مختلفة (ائتلاف، وسيط.. الخ)، ووجود عشرات الجامعات التقليدية التي تقدم تعليمًا إلکترونيًا عن بعد على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
هذا إلى جانب نمو الدراسات العلمية التي تتناول التعليم عن بُعد ، وازدياد الوعي الجماهيري بهذا النوع من التعليم ، وزيادة الإقبال عليه، ودعم منظمات دولية ، کاليونسکو والبنک الدولي، لبعض الجامعات الافتراضية للتعليم عن بُعد کخيار تنموي آتى ثماره في مناطق مثل وسط أفريقيا وجنوبها، بل وفي کثير من أنحاء العالم ، ولا زالت الدراسات المتخصصة تثبت فعاليته وجدواه، بما يفتح المجال لنموه .
دور التعليم عن بُعد في تنمية المرأة السعودية والمبررات الداعية إليه
لا شک أن " تعليم النساء والفتيات يعتبر من أفضل الاستثمارات للمستقبل. وسواء أکان الهدف هو تحسين الحالة الصحية للأسر،أو زيادة عدد الأطفال المسجلين في المدارس، أو تحسين الحياة الاجتماعية، فإن جهود المجتمعات لن تکلل بالنجاح إلا عن طريق تعليم الأمهات وتحسين أوضاع المرأة بوجه عام" (اليونسکو، 1996، 157).
وإذا عدنا للبدايات وسألنا: لماذا وجد التعليم عن بعد؟ فسيمکن الإجابة بأنه وجد ليحل مشکلات عديدة لبعض الطموحين والطموحات ممن وجدوا أنفسهم محرومين من مواصلة تعليمهم العالي بسبب ظروفهم العملية(الموظفون على رأس العمل) أو الجغرافية (سکان الضواحي والأرياف أو الدول المتخلفة علمياً) أو الاجتماعية (الأمهات وربات البيوت) أو الاقتصادية (غير القادرين على تحمل نفقات التعليم العالي المنتظم). ويمکن أن نعتبربأن نظام الانتساب في الجامعات أو المنازل في التعليم العام يتبعان هذاالنهج من التعليم، وعلى ذلک فالتعليم عن بعد ليس جديداً حتى على بلادناذاتها. کل ما في الأمر أن الوسائل المتاحة للطلبة اليوم هي أفضل مما کان عليه الوضع في السابق مثل توفر الإنترنت( مکاوي، 1430هـ ) والفتيات و النساء اللواتي استفدن من التعليم بالانتساب منذ السبعينات في جامعة الملک عبد العزيز ، يمکن تکرار تجربتهن مع شبکة الانترنت ومع هذه الجامعة الرائدة وغيرها من جامعات المملکة، ولذلک لتتمکن من مواکبة عصرها دون الإخلال
بمتطلبات حياتها .

فالتعليم عن بُعد حتماً يمکنه أن يؤثر بطريقة إيجابية في حياة هؤلاء النساء والفتيات التي حالت ظروفهن دون إتمام تعليمهن.
ولذلک ترى کل من (Kanwar,2001& Taplin) في (الفريح،2005م) أن حاجة المرأة للتعليم عن بعد ضرورة نفسية واجتماعية واقتصادية وتنموية.
ويشير الأحمر(2009م، 8) إلى أن التعليم عن بُعد يُعد فرصة واعدة لتثقيف ربات البيوت، وتوعيتهن بما يلزمهن في حياتهن.
هذا فضلاً عن دوره في إرشادها إلى أفضل الطرق لإدارة حياتها، وزيادة وعيها الاجتماعي والاقتصادي والتربوي، وفتح آفاقها على التطورات التقنية الحديثة، وما يمکنه أن يؤثر بالتالي على توجيهها لأبنائها وبناتها، وهو سينعکس حتماً بصورة إيجابية على المجتمع ونموه ورُقيه وتحضره وفهمه وثقافته ، کل ذلک والمرأة في بيتها، وهي تؤدي کافة وظائفها الحياتية ، مستغلة فقط وقت فراغها في التعليم والتدريب عن بُعد .
ولقد أشارت دراسات عدة إلى أن التعليم والتدريب عن بُعد يُعد ضرورة لتطوير المرأة في عصر الانترنت والعولمة (الغلاليني، 2007م)، ولعل هذا يکون حذواً على طريق مشروعات عمل المرأة عن بُعد التي بدأت تنتشر اليوم على شبکة الانترنت.
ويعتبر عبدربه (2001م) أن الاستثمار في التعليم عن بعد هو نتاج ما توصلت إليه المؤتمرات المحلية والعالمية، والندوات وورش العمل على کافة المستويات ، کإستراتيجية ناجحة للتنمية
ويرى کل من فارس والوکيل (2007م) أن التعليم عن بعد في المملکة يمثل أحد الحلول المناسبة للاقتصاد السعودي، فالتعليم عن بعد يحقق إمکانية زيادة الطاقة الاستيعابية للتعليم العالي بدون زيادة کبيرة في التکاليف. کما أن انخفاض الترکز السکاني وصعوبة إنشاء جامعات وکليات في غالب القرى، يجعل من التعليم عن بعد العلاج الناجع لتوصيل التعليم لکل قرية في المجتمعات ومدينة في المملکة وبتکاليف زهيدة مقارنة بتکلفة أنشاء کليات وجامعات في هذه المدن.
"أن الفوائد المباشرة وغير المباشرة من التعليم عن بعد اقتصادياً واجتماعياً تجعل منه خياراً استراتيجياً، يمثل التأخر في الاستثمار فيه خسارة وطنية يصعب تلافيها في المستقبل"
( مندوره، 1425هـ) .

فإذا کانت المرأة تمثل اليوم عنصراً هاماً في مجتمعنا، مع ما يلاحظ من ضعف استغلال طاقاتها وقدراتها ومهاراتها على الوجه المناسب أو بالحد الأقصى، فإنها تعتبر الأولى والأهم لأن توجه الاستثمارات نحوها في مجال التعليم عن بُعد .
من هنا يمکن القول أن هناک العديد من المبررات التي تجعل التعليم عن بُعد ضرورة للمرأة السعودية، منها (العريني، 1430هـ . فارس والوکيل، 2007م. الغلاليني، 2007م . عفيفي،1425هـ . البيطار والسکيف ،2003م) :
1.مبررات جغرافية تتمثل في بُعد المسافة بين کثير من النساء والفتيات وبين أماکن التعليم،وما يعترض ذلک مما نشاهده بين الحين والآخر من الحوادث، وتأثيره على استقرارهن واستقرار أسرهن، وعدم القدرة على استکمال التعليم في ظل الالتزامات الأسرية الأخرى. إلى جانب أن قلة أعداد السکان في کثير من المناطق يحول دون خدمتهم تعليمياً بالطريقة المناسبة، وينعکس الأمر سلباً بالدرجة الأولى على المرأة.
2.مبررات اجتماعية وثقافية تتمثل في انتشار التعليم، وزيادة القدرة على استيعاب التغيرات الاجتماعية والثقافية والتکنولوجية، والتوجه نحو تعليم وتمکين المرأة ، ومحو الأمية التقليدية والحضارية والمعلوماتية. هذا إلى جانب أنه يتناسب تماماً مع خصوصية المرأة السعودية ويحافظ عليها ، ولا يمکن أن يجد أية معارضة على کافة الأطر والمستويات الاجتماعية أو في کافة درجات التمسک بالعادات والتقاليد.
3.مبررات اقتصادية،على اعتبار ما أثبتته الدراسات من أن التعليم عن بُعد يقلل الکلفة، ويوفر الوقت والجهد عن طريق الإسهام في الإنتاج والتعلم في وقت الفراغ وبالتالي توفير الکوادر البشرية اللازمة لخدمة التنمية الاقتصادية، وتدريبهم باستمرار عن طريق التعلم بعد رفع مستوياتهم المهنية، هذا إلى جانب أن التعليم عن بُعد يستوعب عدداً لا محدوداً من الطلاب، وهي نقطة اقتصادية کبيرة في قيمتها.
4.مبررات نفسية تتمثل في کون التعليم عن بُعد يقدم برامج تأخذ في حسبانها الفروق الفردية بين المتعلمين، کما أنه يعمل على إعادة الثقة للمتعلمين بقدرتهم على متابعة التعليم، وخاصة کبار السن والمعاقين والمرضى، وهو الأمر الذي يعمل على إزالة الحاجز النفسي بين المتعلم ورغبته في الالتحاق بالتعليم، هذا إلى جانب تلبية طموحات جميع الأفراد في التعليم، وتنمية مشاعر القدرة على الإنجاز، والإسهام في النمو الذاتي والمجتمعي،والتحسين المستمر، وکل ذلک مما تحتاجه المرأة السعودية اليوم بقوة.
وتشير کل من (Kanwar,2001& Taplin) في (الفريح، 2005م) إلى أن من أبرز الفرص والمزايا التي يمکن أن يتيحها التعلم عن بُعد للمرأة الآتي:
1.   بقاء المرأة في منزلها سواء کانت زوجة أو أم ودون أن يأخذها هذا النوع من التعليم بعيدا عن الزوج أو الأطفال.
2.   الاستفادة الذاتية للمرأة من خلال تحقيق ما تصبو إليه من نمو وتطلعات وزيادة الثقة بالنفس عند التعامل مع الآخرين.
3.   استفادة أطفال الأسرة في کون الأم قدوة يمکن أن يحتذى بها في تنظيم عاداتها الدراسية.
4.   تبادل الخبرات مع نساء أخريات والاستفادة من تجاربهن المماثلة في الحياة.
5.   يمکن أن تعين خبرة التعلم عن بعد المرأة في التخلص من القلق والمخاوف التي تساورها في أن تکون طالبة علم تعود مرة أخرى لمقاعد الدراسية.
هذا إلى جانب بعض المبررات الأخرى ، مثل (الجملان ، 2002م،148):
1.   رخص وتوفر تقنيات التعليم عن بُعد .
2.   ارتباطه بفلسفة التعليم المستمر.
3.عدم تمکن الکثيرات من استکمال تعليمهن، نظراً للانشغال بالعمل والدوام اليومي، مما يفتح أمامها الباب لتحقيق ذلک دون الحاجة للالتزام بکراسي الدراسي.
کما أن لدى الکثير من النساء اليوم رغبة في تغيير أوضاعهن، وتنمية ثقافتهن، وإثبات وجودهن ( البکر، 2003م)، والتعليم عن بُعد يحقق هذا من خلال ما يوفره لهن من تحفيز وتنمية ثقافية ، ومهنية، وتبصير بواقع العالم وتطوراته، وتوافق مع معطيات التقنية وأدوارها المستجدة في عصر اليوم والغد إن شاء الله.
إضافة لذلک، فمناهج التعليم عن بُعد وآليات تقديمها تفرض على المؤسسات التي تقدم هذه الخدمة أن تطور دائماً من مناهجها وموادها الدراسية لتتناسب مع حاجات العصر والتقنيات التي يُقدم عن طريقها هذا النوع من التعليم، وهو ما يشير إلى أن التعليم عن بُعد أکثر ارتباطاً بواقع سوق العمل واحتياجاته، أکثر من التعليم التقليدي، والذي لا زال بعيداً عن الوفاء بمتطلبات سوق العمل وفقاً للدراسات التي أجريت في هذا الموضوع.
و لا ننسى أن التعليم عن بُعد يقدم المادة التعليمية في صياغة جديدة ومشوقة تستثير دافعية المتعلمين، وتزيد من قدرتهم على استيعابها والتفاعل السريع معها ، فضلاً عن إمکانية استرجاعها وحفظها، وإعادة عرضها في أي وقت، بما يفتح الباب للقضاء على إمکانية عدم الاستيعاب ومشاکل تسرب وانسحاب المرأة من التعليم، وهذا في حد ذاته باباً من أبواب التنمية الذاتية للمرأة وتثقيفها وتعليمها لتواکب عصرها ومطالبها الشخصية والأسرية والمجتمعية.
لعل کل ما مر من مبررات کاف لإبراز أهمية وضرورة التعليم عن بُعد للمرأة السعودية، وحاجتها إليه للقدرة على التفاعل مع معطيات العصر بأسلوب علمي مقنن وواعٍ ، من خلال ما استعرضته الدراسات حول الجوانب المختلفة التي يسهم فيها التعليم عن بُعد في تنمية المرأة، على الإطار الفردي والشخصي والمجتمعي.
الآلية المقترحة للاستفادة من التعليم عن بُعد في تنمية المرأة السعودية
من خلال الاستعراض السابق، ومن خلال نتائج دراسات کل من العريني(1430هـ)، والرشيد (2006م) وعفيفي ( 1425هـ) والفريح (2005م) و(May, 2004)، وغيرها من الدراسات، تتضح أن هناک حاجة لتخطي العديد من المعوقات في سبيل تطوير وتنمية المرأة السعودية ، وأن التعليم والتدريب عن بُعد يُعد نموذجاً مثالياً لتخطي هذه المعوقات، ومن أجل الاستغلال الأمثل يمکن اقتراح الآلية التالية للاستفادة من التعليم عن بُعد في هذا الإطار، مع العلم أن هذه الإستراتيجية تقترح الاستفادة من التعليم عن بُعد في إطار هذا المستوى فقط (التعليم العالي والتدريب والتأهيل)، وليس في إطار مستويات التعليم العام ( الابتدائي والمتوسط والثانوي):
1.إنشاء مراکز للتعليم عن بُعد في الجامعات السعودية ومؤسسات التدريب الفني والمهني، وتفعيلها لخدمة المرأة السعودية، وجعلها تحت إدارة واحدة توضع لها أسس وتنظيمات وتشريعات تنظم أداءه وتضبط توجهاته وتحقيق أهدافه، وهذا ما اقترحته دراسة العريني (1430م) وهو معط يتوافق مع توجه المملکة نحو تطوير التعليم العالي وإنشاء مراکز للتعليم عن بُعد في بعضها اليوم ، کما أنه يتوافق مع التجارب العالمية والعربية الناجحة التي
ثمنت بالنجاح.

2.أن يُنفذ تحت الإشراف المباشر للهيئات الأکاديمية لضمان مصداقيته، ولکي تظل المبادئ التربوية کالجودة وطرق التدريس وأساليب التعلم هي المعايير الأساسية، وهذا مطلب بديهي لتجنب الانتقادات التي توجه للتعليم عن بعد، ولتجنب الطعن في نتائجه ، ولشهور النساء والفتيات فيه بالأمن والاستقرار الأکاديمي (عفيفي، 1425هـ) .
3.أن يُرکز فيه على الجانب التحصيلي للمتعلم، وأن تعقد الاختبارات بشکل منتظم في مواعيد محددة معروفة سلفاً لدى المتعلمين وتعقد داخل الجامعات وبرقابة تامة منها.
4.قصر التعليم عن بعد على التخصصات النظرية دون التخصصات التطبيقية، إذ لا يمکن تطبيقه – مبدئياً – على التخصصات العملية التي تحتاج للتجريب ، کالطب والصيدلة والکيمياء ونحوها.
5.   توفر التوجيه والإرشاد والإشراف الأکاديمي عبر المواقع الإلکترونية أو خطوط الهاتف.
6.هناک تجارب ناجحة في العالم العربي والإسلامي، يمکن الاستفادة منها، کتجربة جامعة القاهرة والتي توسعت فيها لتشمل دولاً أخرى، والجامعة العربية المفتوحة، التي بدأت عملها في المملکة، وجامعة القدس المفتوحة،والجامعة السورية الافتراضية، والجامعة الماليزية المفتوحة، هذا إلى جانب الجامعات الأمريکية والبريطانية والکندية المشهورة والتي يمکن الاستفادة من تجارها في تطوير آلية محکمة للاستفادة منها في تعليم المرأة السعودية وتدريبها عن بُعد.
7.ضرورة إشراک مؤسسات القطاع الخاص في اختيار وتطوير المقررات بما يسهم في الوفاء بمتطلباتها وقبولها لمخرجات هذا النوع من التعليم وقناعتها به.
8.التعاون مع القطاعات الحکومية الأخرى ذات الصلة بتنمية المرأة وقضاياها، والجمعيات الخيرية وبرامجها التنموية الخاصة بالمرأة السعودية ، وذلک للتعرف على احتياجات المرأة السعودية ، ومطالبها التنموية ،والبرامج المقدمة ، وآليات دعمها، بحيث يصب ذلک کله في النهاية في صالح تنمية المرأة السعودية.
9.الاستفادة من المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية والتلفزيونية في خدمة هذا النوع من التعليم على غرار نموذج قنوات النيل التعليمية، هذا إلى جانب التقنيات الإلکترونية المرتبطة بالحاسب والانترنت والأقراص المليزرة ...
10.لا حاجة إلى الکثير من التعقيدات والآليات التي تطيل مدة الدراسة،وخصوصاً إذا وجد الاستعداد لدى المتعلمات والتفاعل،وإذا وجد أنه لا حاجة لعطلات صيفية أو نصف سنوية ونحوها،حيث يمکن استمرار الدراسة في ظل الإجازات دون الحاجة لاحتساب فترات زمنية أطول من اللازم، خصوصاً وأن معظم المتعلمات في هذا النوع من کبيرات السن نوعاً ما أو ربات بيوت أوعاملات.
لا شک أن هناک مواهب يمکن أن تظهر تتخطى حاجز الوقت، وتتمکن من استيعاب مقررات أکثر في وقت قياسي، والاختبارات المقننة  خير فيصل في هذا ، فينبغي وضع خيارات لهذه القدرات، وعدم تجاهل الإبداع لديها.

مقدمة:

تحاول المجتمعات اليوم،أن توجد وتطور آليات جديدة للتنمية،مستغلة کافة الطاقات المتوفرة والممکنة لإشراکها في عملية التنمية التي اتسعت لتستوعب کافة ما يتوافر لها من إمکانيات لمواجهةالاحتياجات المستقبلية على کافة الأطر ، ولا سيما على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.وقد أدى ذلک لطرح قضية مشارکة المرأة في التنمية کضرورة للتنمية الشاملة والمتکاملة، وکحاجة لاستغلال تلک الطاقات المعطلة في عملية التنمية المجتمعية، غير أن هذه الدعوى لمشارکة المرأة في التنمية قد واجهتها الکثير من المعوقات، وکان أهمها على الإطلاق الحاجة إلى الإعداد والتأهيل( الغلاييني، 2007م)، وأمام النماذج النسائية الناجحة في مجتمعنا، وأمام ما أثبتته المرأة عن مدى مسئوليتها وقدرتها على أداء الأدوار المناطة بها في عملية التنمية، فقد جدّت الحکومة في فتح الباب أمام النساء للتعليم والتدريب والتأهيل،من أجل دخول صحيح لعالم التنمية بکافة مداخله ومستوياته (الرشيد، 2006م) . ومع هذه الجهود، ومع ما تم من أجل تمکين المرأة من أداء أدوارها التنمية المتوقعة منها کما تشير لذلک خطط التنمية وما يلاحظ على ساحة الواقع، إلاّ أن هذا لم يفي بحاجات تلک الأعداد الکبيرة من النساء، ولم يتمکن من کسر حاجز الحدود الجغرافية ، والمسئوليات الأسرية لدى الکثير من النساء، ولم يطور نظاماً لأولئک الفتيات اللواتي يطمحن للمشارکة بمستويات أعلى من مستويات تعليمهن الحالية،إن هذه الطاقات النسوية الکبيرة،وما يرافقها مما نراه من ازدياد الوعي التنموي وسط أفراد المجتمع، رجالاً ونساءً، حول أهمية دور المرأة التنموي ، يطرح إشکالية کبيرة ،حول أهمية استغلال ذلک کله في تطوير وتنمية هذه الطاقات واستغلالها لصالح تنمية المجتمع السعودي. وهو ما يحوجنا إلى بدائل عملية وفاعلة، تسهم إلى جانب الجهود المبذولة من قبل الحکومة والمؤسسات التدريبية والتأهيلية، في دعم توجه المرأة نحو المشارکة التنموية القائمة على أسس علمية.وهنا يتم طرح التعليم عن بُعد کخيار يمکنه أن يسهم في تحقيق المشارکة الحقيقية للمرأة في التنمية، وهو ما ذهب إليه العديد من الباحثين( , 2001 Taplin& Kanwar; Miller, 2002; May, 2004) ، وما أکدت عليه منظمة اليونيسکو، وأشارت إليه الکثير من الدراسات من أن التعليم عن بُعد حقق الکثير من النجاحات للعديد من النساء ووفر لهن الکثير من الفرص التنموية التي ما کانت  ستتوافر لهن بدونه (الفريح ، 2005م) .

مشکلة البحث:

أصبحت مشارکة المرأة في التنمية اليوم ضرورة وليست ترفاً ، خصوصاً إذا علمنا أن المرأة تسعى فعلياً إلى تفعيل دورها في هذه المشارکة (باعشن ، 2005م)،ويبرهن على ذلک السعي ما يشهده وضع المرأة في المملکة حراکاً متجدداً فکرياً، اقتصادياً واجتماعياً، ممّا يعتبر مؤشّراً للوعي بأهمية دورها وتأثيره على تنمية المجتمع، والرغبة في مواصلة دعم وتعزيز دورها للمشارکة في بناء الوطن( أبالخيل،2006م)،على أن هذا التوجه من المرأة تعترضه معوقات عدة أهمها قضية التعليم العالي للمرأة السعودية ، وما يواجهها من تحديات ومعوقات، سواء على المستوى التنظيمي للتعليم کمحدودية الفرص المتاحة للدراسة، والفجوة التي تجاوزت 50% اکبر من الطاقة الاستيعابية للتعليم العالي في المملکة والتنظيمات والقوانين المحددة للتقديرات والتخصصات(فارس والوکيل، 2007م)؛ أو على المستوى الشخصي، کالتزامات المرأة الأسرية، وعدم القدرة على التوفيق بين متطلبات حياتها الأسرية والالتزام بکراسي الدراسة؛ أو على المستوى الجغرافي، ووجود الجامعات في المدن وأثر ذلک في الحد من فرص المرأة للتعليم العالي وتطوير أدائها وقدرتها بالتالي على المشارکة في التنمية.

من خلال هذا يطرح التعليم عن بُعد نفسه کشريک لتعليم المرأة وتطويرها وتنميتها ، متجاوزاً کافة الحدود والمعوقات التي تواجهها المرأة السعودية في طريق حصولها على التعليم العالي .

فهل يمکن أن يؤدي التعليم عن بًعد دوراً فعالاً في تنمية المرأة لسعودية ؟

تساؤلات البحث

  1. ما أهم معوقات تنمية المرأة السعودية ؟
  2. کيف يمکن أن يؤدي التعليم عن بُعد إلى تطوير وتنمية المرأة السعودية؟
  3. ما الآلية المقترحة لتطبيق التعليم عن بُعد في تنمية المرأة السعودية؟

أهداف البحث

  1. الوقوف على أهم معوقات تنمية وتعليم المرأة السعودية.
  2. الوقوف على الدور الذي يمکن أن يؤديه التعليم عن بُعد في تنمية المرأة السعودية.
  3. اقتراح آلية لتطبيق التعليم عن بُعد في المملکة بما يسهم في تنمية المرأة السعودية .

أهمية البحث

في ظل توجه المملکة لتطوير التعليم العالي، والاستفاضة في الدراسات والبحوث التي تنادي بإصلاحه تبرز الحاجة إلى مثل هذه الدراسات والبحوث، والتي يمکن تلخيص أهميتها في النقاط الجوهرية التالية :

1. تعتبر هذه الدراسة هي الأولى - على حد علم الباحثتين - التي تتناول العلاقة بين نظام التعليم عن بُعد وتنمية المرأة السعودية، وهما من القضايا التي بدأت تبرز بوضوح على ساحة الدراسات العلمية والمؤتمرات والندوات في المملکة خلال العقد الأخير ولکن بصورة منفردة ، مما يجعل من الضروري دراستهما بطريقة ترابطية تسمح بالاستفادة من کافة المعطيات لتطوير المجتمع وتوحيد الجهود التطويرية وعکسها على کافة فئات المجتمع.

2. إمکانية الاستفادة من الآلية المقترحة في هذا البحث لتطوير نظام للتعليم عن بعد يسهم في تخطي معوقات التعليم العالي للمرأة السعودية، ويصب في صالح تنمية المرأة وتأهيلها.

3. يمکن لوزارة التعليم العالي والجهات والجمعيات المسئولة عن تدريب وتأهيل المرأة السعودية الاستفادة من نتائج هذا البحث في دراسة إمکانية تطبيق التعليم عن بُعد وجدواه في أنظمتها المخصصة للمرأة.

منهجية الدراسة

يقوم البحث على المنهج الوصفي التحليلي للفکرة الرئيسية لموضوعه، والذي تم اختياره تحديداً لتناسبه مع الدراسة الحالية، حيث سيتم تطبيقه اعتماداً على المصادر ونتائج الدراسات المتوفرة، واستقراءاً للوضع القائم، وتعرفاً على إيجابيات وسلبيات نموذج التعليم عن بُعد بما يبلور الأفکار اللازمة حول إمکانية الأخذ به وتطويره لخدمة أفراد المجتمع عامة والمرأة السعودية خاصة، ومن ثم يتم استخلاص النتائج وتوصيفها للوصول للآلية المقترحة .

مصطلحات الدراسة

  1. التعليم عن بُعد

تتبنى منظمة اليونسکو تعبير "التعلم المفتوح والتعلم عن بعد" (Open & Distance Learning) للإشارة إلى التعلم الذي يکون فيه المتعلم بعيدا مکانيا عن مکان تعلمه. وتشير اليونسکو إلى التعلم عن البعد أو التعليم عن بعد على "أنه عملية تربوية يتم فيها کل أو أغلب التدريس من شخص بعيد في المکان والزمان عن المتعلم، مع التأکيد على أن أغلب الاتصالات بين المعلمين والمتعلمين تتم من خلال وسيط معين سواء کان إلکترونيا أو مطبوعا" (UNESCO, 2002). أما الجمعية الأمريکية للتعلم عن بُعد فتعرفه على أنه "عملية اکتساب المعارف والمهارات بوساطة وسيط لنقل التعليم والمعلومات متضمنا في ذلک جميع أنواع التکنولوجيا وأشکال التعلم المختلفة للتعلم عن بعد"(ASDLA, 2004).

ويمکن تعريف التعليم عن بُعد إجرائياً بأنه: نظام تعليمي وتربوي يتم فيه تقديم المعرفة المخططة دون التقيد بالمکان أو الزمان أو الحضور لتلقيها، باستخدام الوسائل الإلکترونية الممکنة والأدوات المختلفة المتوفرة .

  1. التنمية

تعرف التنمية في صورتها المتکاملة بأنها:" عملية واعية، طويلة الأمد، شاملة ومتکاملة في أبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والتکنولوجية، والثقافية، والإعلامية، والبيئية..والتنمية بالإضافة إلى کونها عملية مرسومة لتقدم المجتمع في مختلف المجالات، فهي تعتمد اعتمادا کبيرا على مشارکة جميع أفراد المجتمع فيها" (أبوزيد ، 2009م) .

وعلى المستوى الاجتماعي تحديداً، وفي النطاق الفردي، تعرف التنمية بأنها : "عملية توافق اجتماعي، ويعرفها آخرون بأنها تنمية طاقات الفرد إلى أقصى حد مستطاع أو بأنها إشباع الحاجات الاجتماعية للإنسان؛ أو الوصول بالفرد لمستوى معين من المعيشة؛ أو أنها عملية تغيير موجه يتحقق عن طريقها إشباع احتياجات الأفراد" (الأنصاري، 1404هـ ).

ويمکن تعريف التنمية إجرائياً لغرض الدراسة الحالية بأنها : عملية تطوير أداء المرأة السعودية والاستفادة من طاقاتها القصوى في خدمة المجتمع من خلال الوسائل الحديثة للتدريب والتعليم وفي إطار المحافظة على خصوصيتها وتخطياً للمعوقات التي تواجهها .

التعليم عن بُعد ودوره في تنمية المرأة السعودية

أهمية تنمية المرأة السعودية

تعتبر المرأة السعودية اليوم محوراً هاماً من محاور التنمية في المجتمع ، بل الحقيقة أنها کانت دائماً تمثل محوراً أساسياً في التنمية الإنسانية ، ذلک أنها کانت تسهم بدورها في رعاية الأسرة ودعمها وتوجيهها، وتربية الأجيال وتدبير أمور مملکتها الخاصة، فکانت عماد التنمية في أهم وحدة اجتماعية ، وهي وحدة الأسرة. فلما أن فُتح لها الباب لتتعلم وتدلي بدلوها في مجالات أخرى، أثبتت قدرتها الفعلية على النجاح والتقدم، واستطاعت أن تؤدي دورها وتثبت وجودها في کل مکان وجدت فيه ، فکسرت حاجز عدم الموثوقية في قدرات المرأة وطاقاتها ، وتجاوزت تلک النظرة القاصرة لتحجيمها، کما استطاعت أن تحافظ على خصوصيتها ، فجمعت بين المحافظة على هويتها، والتقدم في أداء أدوارها وتنمية مجتمعها.

ومع ما تشهده المملکة من تطور ملحوظ ، طال کل جوانب الحياة ، وغيّر الکثير من المفاهيم حول ماهية المستقبل، أصبحت المرأة السعودية بحاجة إلى التقدم أکثر نحو المشارکة في التنمية، ليتناسب أداؤها مع معدل وجودها الذي بلغ فعلياً اليوم نصف عدد السکان ، فلم يعد قولنا أن المرأة تمثل نصف المجتمع هو قول مجازي للاستدلالات الاجتماعية والوجدانية ، بل صار قولاً فعلياً مؤيداً بالنسب والإحصاءات (50% من السعوديين = 8 مليون امرأة من أصل 16.2 مليون سعودي) .

ومع هذا فلا زال هناک الکثير من العوائق التي تحول دون أن تسهم المرأة في التنمية بطريقة أکثر فاعلية تتناسب مع حجم وجودها وتمثيلها الإحصائي، ولا زال المفهوم القاصر للتنمية ينظر إلى حجم مشارکة المرأة على أنه معدل مشارکتها في قوة العمل، غافلاً أدوارها التنموية في القطاع الخاص وفي التربية والدعوة والتوجيه ، وإدارة المعرفة ، وغيرها من المجالات الأخرى في إطار التنمية الأسرية، والمجتمعية ، ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها.

ولعل هذا ما استدرکته خطة التنمية الثامنة في المملکة (1425-1430هـ) والتي اعتبرت منعطفاً بارزاً في الجهود لتطوير أوضاع المرأة وضمان تمکينها من المشارکة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملکة. إذ اعتمدت الخطة إطاراً مرجعياً أوسع من سابقيه يؤکد على منظور تکاملي لتطوير أوضاع المرأة بدلاً من حصره بقضايا المشارکة بقوة العمل.  فقد حدد الأساس الاستراتيجي الثاني للخطة "الاهتمام بشؤون المرأة وتطوير قدراتها، وإزالة المعوقات أمام مشارکتها في النشاطات التنموية في إطار ما تقضي به القيم والتعاليم الإسلامية". کما احتوت الخطة أهدافاً وسياسات تعالج قضايا تطوير أوضاع المرأة في مجالات متنوعة کالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والقوى العاملة ( خطة التنمية الثامنة،1425هـ،335).

کما أن حالة الحراک الثقافي والتقني الکبرى التي يشهدها المجتمع السعودي ، تجعل من الضروري أن يشمل الحراک المرأة لتواکب المجتمع الذي تعيش فيه کضرورة للتکيف الاجتماعي .

فالحاجة إذاً إلى تنمية المرأة وتطوير قدراتها تمثل اليوم ضرورة فعلية من أجل تطوير المجتمع ، ومن أجل استغلال طاقاته ، ومن أجل القدرة على مواجهة العولمة ، والتي لا يمکن اعتبارها نهاية مطاف التحديات التي تواجه المجتمعات المحافظة ، هذا بالإضافة إلى التقدم الکبير والتغير السريع الذي يشهده العالم وحاجتنا إلى مواکبته .. کل هذا يجعل المجتمع بحاجة إلى استثارة طاقاته الکامنة في النساء ، وتوجيهها لخدمة المجتمع في أي مجال يتناسب مع خصوصيتها ومسئولياتها وطاقتها، وتوفير الفرص اللازمة، وإزالة العوائق التي تحول دونها .

وهذا يتناسق تماماً مع مطلب الإسلام في المرأة ، وحاجة المجتمعات الإسلامية اليوم إلى أن تکون المرأة أکثر فاعلية من ذي قبل ، وهو ما حذا بمجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض ( في الفترة من 25 جمادى الآخرة 1421هـ ـ 1 رجب 1421هـ الموافق 23 – 28 سبتمبر 2000م ) إلى إصدار " الإعلان الإسلامي لدور المرأة في التنمية " والذي جاء في أول بنوده : " إن من أهداف الإسلام بناء مجتمع يکون فيه لکل من الرجل والمرأة دور متکامل في عملية البناء والتنمية، وذلک بما ينسجم مع شخصية المرأة ، وقدراتها وکفايتها، وتطلعاتها ودورها الرئيس في الحياة ".

معوقات تنمية المرأة السعودية

من خلال استقراء الأوضاع القائمة للمرأة في المجتمع السعودي ، ومن خلال نتائج الدراسات، والأدبيات التي استعرضت المجتمع والتنمية ، يمکن حصر بعض المعوقات التي تحول دون تنمية المرأة السعودية ، ومن ذلک على وجه الإجمال :

  1. الحلول المجزأة لتنمية المرأة السعودية ، وعدم وجود آلية متکاملة لذلک.
  2. عدم وجود تخطيط لاستغلال الفرص المتاحة للمرأة في المجتمع(السعد، 1428هـ).

3. المعوقات الاجتماعية المتعلقة بالعادات والتقاليد ، وبمسئوليات الزواج والأسرة والتربية والبيت...الخ، وعدم وجود التشجيع من قبل الأسر حول إقدام المرأة على الدخول في برامج التنمية التي تستهدفها ، وتطوير أدائها التعليمي .

  1. المعوقات الجغرافية التي تحول بين مشارکة المرأة في البرامج الهادفة لتنميتها.
  2. ترکز الجامعات في المدن، ومحدودية الأماکن المتاحة ، وارتباط التخصصات بالتقدير والأماکن المتوفرة ، وليس بالرغبة والميول والمواهب . 

6. المعوقات الاقتصادية المتعلقة بعدم القدرة على الدخول في برامج تنمية خاصة، فغالباً ما تکون هذه البرامج مکلفة، وجدواها لا تتخطى شهادة للحصول على دورة أو تدريب قد لا يفيد في الحياة العملية والتطبيقية.

7. الرسالة السلبية لوسائل الإعلام، والتي ترکز على المرأة کمظهر ، دون أن تنظر لها کطاقة وإمکانات يمکن تنميتها وتطوير أدائها لصالح العملية التنموية الکبرى في المجتمع.

8. إحباط الکثير من النساء والفتيات من جدوى الدخول في برامج تنموية ، نظراً لما يلاحظن ويشاهدن من ضعف الفرص للمشارکة في التنمية، والإمکانات والطاقات النسوية غير المستغلة، أو الموجهة في غير مکانها.

9. قصور مفهوم التنمية الذاتية، وقصره على مفهوم " المقابل " أي: التنمية يقابلها وظيفة، فارتبطت تنمية المرأة بمفهوم الحصول على وظيفة حکومية مجزية ..

10. ضعف نظرة المجتمع إلى التعليم وجدواه، وهذا ناشئ عن ربط مفهوم التعليم وشهادته بالوظيفة ومردودها، أي أن التنمية من وجهة نظر المجتمع علاقة نفعية.

11. عدم وجود برامج تثقيفية للمرأة السعودية ترشدها إلى أساليب وآليات التنمية اللازمة لمرحلتها الحالية ومستقبلها في ظل التطورات التي يشهدها مجتمعنا ، وتشهدها المجتمعات الإنسانية کافة .

مفهوم التعليم عن بُعد

يشير عفيفي (1425هـ،8) إلى أن مصطلحات:التعليم المفتوح open learning ، والفصل الالکتروني الافتراضي virtual electronic classroom،والتعليم الالکتروني e-learning، قد تعبر جميعها عن التعليم عن بُعد tele- learning في مرحلة تأثره بتقنيات الحاسب والانترنت.

وتشير الفريح (2005م) إلى أن الأدبيات التربوية تستخدم الکثير من المسميات عند الإشارة لمفهوم التعلم عن بعد (Distance Learning) مثل "التعلم عن بعد" و"التعلم الموزع"(Distributed Learning) و"التعلم المرتکز على المصادر" (Resource-based Learning) و"التعلم المرن" (Flexible Learning) وغيرها من المصطلحات .

وهناک العديد من التعريفات التي تناولت التعليم عن بُعد ، منها تعريف الجمعية الأمريکية للتعليم عن بُعد الذي يرى أنه عبارة :"هو تقديم التعليم أو التدريب من خلال الوسائل التعليمية الالکترونية – ويشمل ذلک الأقمار الصناعية،‏ والفيديو،‏ والأشرطة الصوتية المسجلة،‏وبرامج الحاسبات الآلية،‏والنظم والوسائل التکنولوجية التعليمية المتعددة ،‏ بالإضافة إلى الوسائل الأخرى للتعليم عن بعد "‏( الربيعي، 2004م) .

وعرَّفه الجملان (2002م، 147) بأنه: "نوع من التعليم يتباعد فيه المتعلم عن المعلم وعن مکان التعلم مستخدماً فيه کل التکنولوجيا والوسائل والأساليب التي تمکنه من التعلم الذاتي "

ويُقدَم التعليم عن بُعد " إلى الذين لا تسمح ظروفهم الخاصة بالانتقال إلى الصفوف الدراسية النظامية، ومن أشکاله التطبيقية التعليم بالمراسلة والتعليم بالإذاعة والتلفزيون( اللقاني، 1419هـ، 94)، ومن أشکاله المتطورة: التعليم الافتراضي والجامعات الافتراضية(جويلي،2001م،101).

وفي هذا النوع من التعليم – الافتراضي - يتم التعليم عن طريق:" الاتصال والتواصل بين المعلم والمتعلم- الکترونياً - ، وعن طريق التفاعل بين المتعلم ووسائل التعليم الالکترونية کالدروس الالکترونية والمکتبة الالکترونية والکتاب الالکتروني وغيرها في المجال الافتراضي" ( الأحمر، 2009م، 8) ويوجد نظامان للتفاعل مع المواد التعليمية والمحاضرات: أولها النظام المتزامن، أي المباشر وقت البث، والثاني النظام اللاتزامني حيث يمکن فيه للطالب الرجوع له عبر موقع المؤسسة التعليمية في أي وقت وترک التساؤلات والاستفسارات والتعليقات حول المواد التعليمية ، والحصول على الرد عليها في وقت لاحق.

واقع التعليم عن بُعد عالمياً

يعتبر التعليم عن بُعد اليوم من أهم التقنيات التربوية التي نمت نمواً سريعاً، حيث ازداد عدد الجامعات والمؤسسات التي تقدم هذا النوع من التعليم، وازداد بذلک عدد المسجلين في برامجها، فقد رصدت الإحصائيات في عام 2000م أکثر من70 مليون شخص يتعلمون ويتدربون عن طريق الانترنت، وفي عام 2001م قدمت کليات وجامعات وشرکات في 130 دولة أکثر من 50.000 مقرر للتعليم عن بعد بأساليب متنوعة من بينها التعلم الإلکتروني. کما أن سوق التعليم عن بعد الذي يقدم درجات علمية بوساطة الإنترنت ينمو بنسبة 40% سنويًا،حتى الجامعات المرموقة بدأت تقدم برامج أکاديمية افتراضية؛ فجامعة هارفارد،على سبيل المثال، حققت حوالي 150 مليون دولار من عائدات برنامج التعليم عن بعد الذي يخدم حوالي 60.000 طالب وطالبة متفرغين جزئيًا
(الصالح، 2007م) .

 وأشار کل من (Allen and Seaman,2006) في ( الصالح، 2008م) إلى أنه في عام 2005 وصل عدد المسجلين في التعليم عن بُعد إلى 302 مليون طالب في التعليم الجامعي، سجلوا على الأقل في مقرر دراسي واحد من خلال الإنترنت. وفي نفس العام مثلت نسبة طلاب التعلم عن بُعد في الولايات المتحدة الأمريکية وحدها حوالي 17% من مجموع الطلاب المسجلين التعليم الجامعي الأمريکي" ولا شک أن هذا العدد وتلک النسب تضاعفت خلال الخمس سنوات الأخيرة.

وهناک العديد من المؤشرات على نمو التعليم عن بُعد في العالم ، منها(الصالح ، 2007م، 13):

  1. ظهور العديد من مشاريع التعلم الإلکتروني عن بعد في المدارس والجامعات في العالم.
  2. تنامي الاستثمار في سوق التعلم الإلکتروني حيث يوجد آلاف المقررات الإلکترونية حول العالم يمکن أن يدرسها الفرد من المنزل.
  3. توقعات بنمو الاستثمارات في التدريب الإلکتروني من (6.6) بليون دولار في عام 2002م إلى حوالي (23.7) بليون دولار في عام 2007م.
  4. 4.  بروز ظاهرة الجامعة الافتراضية أو المدينة الجامعية الإلکترونية بنماذج تنظيمية مختلفة (ائتلاف، وسيط.. الخ)، ووجود عشرات الجامعات التقليدية التي تقدم تعليمًا إلکترونيًا عن بعد على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

هذا إلى جانب نمو الدراسات العلمية التي تتناول التعليم عن بُعد ، وازدياد الوعي الجماهيري بهذا النوع من التعليم ، وزيادة الإقبال عليه، ودعم منظمات دولية ، کاليونسکو والبنک الدولي، لبعض الجامعات الافتراضية للتعليم عن بُعد کخيار تنموي آتى ثماره في مناطق مثل وسط أفريقيا وجنوبها، بل وفي کثير من أنحاء العالم ، ولا زالت الدراسات المتخصصة تثبت فعاليته وجدواه، بما يفتح المجال لنموه .

دور التعليم عن بُعد في تنمية المرأة السعودية والمبررات الداعية إليه

لا شک أن " تعليم النساء والفتيات يعتبر من أفضل الاستثمارات للمستقبل. وسواء أکان الهدف هو تحسين الحالة الصحية للأسر،أو زيادة عدد الأطفال المسجلين في المدارس، أو تحسين الحياة الاجتماعية، فإن جهود المجتمعات لن تکلل بالنجاح إلا عن طريق تعليم الأمهات وتحسين أوضاع المرأة بوجه عام" (اليونسکو، 1996، 157).

وإذا عدنا للبدايات وسألنا: لماذا وجد التعليم عن بعد؟ فسيمکن الإجابة بأنه وجد ليحل مشکلات عديدة لبعض الطموحين والطموحات ممن وجدوا أنفسهم محرومين من مواصلة تعليمهم العالي بسبب ظروفهم العملية(الموظفون على رأس العمل) أو الجغرافية (سکان الضواحي والأرياف أو الدول المتخلفة علمياً) أو الاجتماعية (الأمهات وربات البيوت) أو الاقتصادية (غير القادرين على تحمل نفقات التعليم العالي المنتظم). ويمکن أن نعتبر بأن نظام الانتساب في الجامعات أو المنازل في التعليم العام يتبعان هذا النهج من التعليم، وعلى ذلک فالتعليم عن بعد ليس جديداً حتى على بلادنا ذاتها. کل ما في الأمر أن الوسائل المتاحة للطلبة اليوم هي أفضل مما کان عليه الوضع في السابق مثل توفر الإنترنت( مکاوي، 1430هـ ) والفتيات و النساء اللواتي استفدن من التعليم بالانتساب منذ السبعينات في جامعة الملک عبد العزيز ، يمکن تکرار تجربتهن مع شبکة الانترنت ومع هذه الجامعة الرائدة وغيرها من جامعات المملکة، ولذلک لتتمکن من مواکبة عصرها دون الإخلال
بمتطلبات حياتها .

فالتعليم عن بُعد حتماً يمکنه أن يؤثر بطريقة إيجابية في حياة هؤلاء النساء والفتيات التي حالت ظروفهن دون إتمام تعليمهن.

ولذلک ترى کل من (Kanwar,2001& Taplin) في (الفريح،2005م) أن حاجة المرأة للتعليم عن بعد ضرورة نفسية واجتماعية واقتصادية وتنموية.

ويشير الأحمر(2009م، 8) إلى أن التعليم عن بُعد يُعد فرصة واعدة لتثقيف ربات البيوت، وتوعيتهن بما يلزمهن في حياتهن.

هذا فضلاً عن دوره في إرشادها إلى أفضل الطرق لإدارة حياتها، وزيادة وعيها الاجتماعي والاقتصادي والتربوي، وفتح آفاقها على التطورات التقنية الحديثة، وما يمکنه أن يؤثر بالتالي على توجيهها لأبنائها وبناتها، وهو سينعکس حتماً بصورة إيجابية على المجتمع ونموه ورُقيه وتحضره وفهمه وثقافته ، کل ذلک والمرأة في بيتها، وهي تؤدي کافة وظائفها الحياتية ، مستغلة فقط وقت فراغها في التعليم والتدريب عن بُعد .

ولقد أشارت دراسات عدة إلى أن التعليم والتدريب عن بُعد يُعد ضرورة لتطوير المرأة في عصر الانترنت والعولمة (الغلاليني، 2007م)، ولعل هذا يکون حذواً على طريق مشروعات عمل المرأة عن بُعد التي بدأت تنتشر اليوم على شبکة الانترنت.

ويعتبر عبدربه (2001م) أن الاستثمار في التعليم عن بعد هو نتاج ما توصلت إليه المؤتمرات المحلية والعالمية، والندوات وورش العمل على کافة المستويات ، کإستراتيجية ناجحة للتنمية

ويرى کل من فارس والوکيل (2007م) أن التعليم عن بعد في المملکة يمثل أحد الحلول المناسبة للاقتصاد السعودي، فالتعليم عن بعد يحقق إمکانية زيادة الطاقة الاستيعابية للتعليم العالي بدون زيادة کبيرة في التکاليف. کما أن انخفاض الترکز السکاني وصعوبة إنشاء جامعات وکليات في غالب القرى، يجعل من التعليم عن بعد العلاج الناجع لتوصيل التعليم لکل قرية في المجتمعات ومدينة في المملکة وبتکاليف زهيدة مقارنة بتکلفة أنشاء کليات وجامعات في هذه المدن.

"أن الفوائد المباشرة وغير المباشرة من التعليم عن بعد اقتصادياً واجتماعياً تجعل منه خياراً استراتيجياً، يمثل التأخر في الاستثمار فيه خسارة وطنية يصعب تلافيها في المستقبل"
( مندوره، 1425هـ) .

فإذا کانت المرأة تمثل اليوم عنصراً هاماً في مجتمعنا، مع ما يلاحظ من ضعف استغلال طاقاتها وقدراتها ومهاراتها على الوجه المناسب أو بالحد الأقصى، فإنها تعتبر الأولى والأهم لأن توجه الاستثمارات نحوها في مجال التعليم عن بُعد .

من هنا يمکن القول أن هناک العديد من المبررات التي تجعل التعليم عن بُعد ضرورة للمرأة السعودية، منها (العريني، 1430هـ . فارس والوکيل، 2007م. الغلاليني، 2007م . عفيفي،1425هـ . البيطار والسکيف ،2003م) :

1. مبررات جغرافية تتمثل في بُعد المسافة بين کثير من النساء والفتيات وبين أماکن التعليم،وما يعترض ذلک مما نشاهده بين الحين والآخر من الحوادث، وتأثيره على استقرارهن واستقرار أسرهن، وعدم القدرة على استکمال التعليم في ظل الالتزامات الأسرية الأخرى. إلى جانب أن قلة أعداد السکان في کثير من المناطق يحول دون خدمتهم تعليمياً بالطريقة المناسبة، وينعکس الأمر سلباً بالدرجة الأولى على المرأة.

2. مبررات اجتماعية وثقافية تتمثل في انتشار التعليم، وزيادة القدرة على استيعاب التغيرات الاجتماعية والثقافية والتکنولوجية، والتوجه نحو تعليم وتمکين المرأة ، ومحو الأمية التقليدية والحضارية والمعلوماتية. هذا إلى جانب أنه يتناسب تماماً مع خصوصية المرأة السعودية ويحافظ عليها ، ولا يمکن أن يجد أية معارضة على کافة الأطر والمستويات الاجتماعية أو في کافة درجات التمسک بالعادات والتقاليد.

3. مبررات اقتصادية،على اعتبار ما أثبتته الدراسات من أن التعليم عن بُعد يقلل الکلفة، ويوفر الوقت والجهد عن طريق الإسهام في الإنتاج والتعلم في وقت الفراغ وبالتالي توفير الکوادر البشرية اللازمة لخدمة التنمية الاقتصادية، وتدريبهم باستمرار عن طريق التعلم بعد رفع مستوياتهم المهنية، هذا إلى جانب أن التعليم عن بُعد يستوعب عدداً لا محدوداً من الطلاب، وهي نقطة اقتصادية کبيرة في قيمتها.

4. مبررات نفسية تتمثل في کون التعليم عن بُعد يقدم برامج تأخذ في حسبانها الفروق الفردية بين المتعلمين، کما أنه يعمل على إعادة الثقة للمتعلمين بقدرتهم على متابعة التعليم، وخاصة کبار السن والمعاقين والمرضى، وهو الأمر الذي يعمل على إزالة الحاجز النفسي بين المتعلم ورغبته في الالتحاق بالتعليم، هذا إلى جانب تلبية طموحات جميع الأفراد في التعليم، وتنمية مشاعر القدرة على الإنجاز، والإسهام في النمو الذاتي والمجتمعي،والتحسين المستمر، وکل ذلک مما تحتاجه المرأة السعودية اليوم بقوة.

وتشير کل من (Kanwar,2001& Taplin) في (الفريح، 2005م) إلى أن من أبرز الفرص والمزايا التي يمکن أن يتيحها التعلم عن بُعد للمرأة الآتي:

  1. بقاء المرأة في منزلها سواء کانت زوجة أو أم ودون أن يأخذها هذا النوع من التعليم بعيدا عن الزوج أو الأطفال.
  2. الاستفادة الذاتية للمرأة من خلال تحقيق ما تصبو إليه من نمو وتطلعات وزيادة الثقة بالنفس عند التعامل مع الآخرين.
  3. استفادة أطفال الأسرة في کون الأم قدوة يمکن أن يحتذى بها في تنظيم عاداتها الدراسية.
  4. تبادل الخبرات مع نساء أخريات والاستفادة من تجاربهن المماثلة في الحياة.
  5. يمکن أن تعين خبرة التعلم عن بعد المرأة في التخلص من القلق والمخاوف التي تساورها في أن تکون طالبة علم تعود مرة أخرى لمقاعد الدراسية.

هذا إلى جانب بعض المبررات الأخرى ، مثل (الجملان ، 2002م،148):

  1. رخص وتوفر تقنيات التعليم عن بُعد .
  2. ارتباطه بفلسفة التعليم المستمر.

3. عدم تمکن الکثيرات من استکمال تعليمهن، نظراً للانشغال بالعمل والدوام اليومي، مما يفتح أمامها الباب لتحقيق ذلک دون الحاجة للالتزام بکراسي الدراسي.

کما أن لدى الکثير من النساء اليوم رغبة في تغيير أوضاعهن، وتنمية ثقافتهن، وإثبات وجودهن ( البکر، 2003م)، والتعليم عن بُعد يحقق هذا من خلال ما يوفره لهن من تحفيز وتنمية ثقافية ، ومهنية، وتبصير بواقع العالم وتطوراته، وتوافق مع معطيات التقنية وأدوارها المستجدة في عصر اليوم والغد إن شاء الله.

إضافة لذلک، فمناهج التعليم عن بُعد وآليات تقديمها تفرض على المؤسسات التي تقدم هذه الخدمة أن تطور دائماً من مناهجها وموادها الدراسية لتتناسب مع حاجات العصر والتقنيات التي يُقدم عن طريقها هذا النوع من التعليم، وهو ما يشير إلى أن التعليم عن بُعد أکثر ارتباطاً بواقع سوق العمل واحتياجاته، أکثر من التعليم التقليدي، والذي لا زال بعيداً عن الوفاء بمتطلبات سوق العمل وفقاً للدراسات التي أجريت في هذا الموضوع.

و لا ننسى أن التعليم عن بُعد يقدم المادة التعليمية في صياغة جديدة ومشوقة تستثير دافعية المتعلمين، وتزيد من قدرتهم على استيعابها والتفاعل السريع معها ، فضلاً عن إمکانية استرجاعها وحفظها، وإعادة عرضها في أي وقت، بما يفتح الباب للقضاء على إمکانية عدم الاستيعاب ومشاکل تسرب وانسحاب المرأة من التعليم، وهذا في حد ذاته باباً من أبواب التنمية الذاتية للمرأة وتثقيفها وتعليمها لتواکب عصرها ومطالبها الشخصية والأسرية والمجتمعية.

لعل کل ما مر من مبررات کاف لإبراز أهمية وضرورة التعليم عن بُعد للمرأة السعودية، وحاجتها إليه للقدرة على التفاعل مع معطيات العصر بأسلوب علمي مقنن وواعٍ ، من خلال ما استعرضته الدراسات حول الجوانب المختلفة التي يسهم فيها التعليم عن بُعد في تنمية المرأة، على الإطار الفردي والشخصي والمجتمعي.

الآلية المقترحة للاستفادة من التعليم عن بُعد في تنمية المرأة السعودية

من خلال الاستعراض السابق، ومن خلال نتائج دراسات کل من العريني(1430هـ)، والرشيد (2006م) وعفيفي ( 1425هـ) والفريح (2005م) و(May, 2004)، وغيرها من الدراسات، تتضح أن هناک حاجة لتخطي العديد من المعوقات في سبيل تطوير وتنمية المرأة السعودية ، وأن التعليم والتدريب عن بُعد يُعد نموذجاً مثالياً لتخطي هذه المعوقات، ومن أجل الاستغلال الأمثل يمکن اقتراح الآلية التالية للاستفادة من التعليم عن بُعد في هذا الإطار، مع العلم أن هذه الإستراتيجية تقترح الاستفادة من التعليم عن بُعد في إطار هذا المستوى فقط (التعليم العالي والتدريب والتأهيل)، وليس في إطار مستويات التعليم العام ( الابتدائي والمتوسط والثانوي):

1. إنشاء مراکز للتعليم عن بُعد في الجامعات السعودية ومؤسسات التدريب الفني والمهني، وتفعيلها لخدمة المرأة السعودية، وجعلها تحت إدارة واحدة توضع لها أسس وتنظيمات وتشريعات تنظم أداءه وتضبط توجهاته وتحقيق أهدافه، وهذا ما اقترحته دراسة العريني (1430م) وهو معط يتوافق مع توجه المملکة نحو تطوير التعليم العالي وإنشاء مراکز للتعليم عن بُعد في بعضها اليوم ، کما أنه يتوافق مع التجارب العالمية والعربية الناجحة التي
ثمنت بالنجاح.

2. أن يُنفذ تحت الإشراف المباشر للهيئات الأکاديمية لضمان مصداقيته، ولکي تظل المبادئ التربوية کالجودة وطرق التدريس وأساليب التعلم هي المعايير الأساسية، وهذا مطلب بديهي لتجنب الانتقادات التي توجه للتعليم عن بعد، ولتجنب الطعن في نتائجه ، ولشهور النساء والفتيات فيه بالأمن والاستقرار الأکاديمي (عفيفي، 1425هـ) .

3. أن يُرکز فيه على الجانب التحصيلي للمتعلم، وأن تعقد الاختبارات بشکل منتظم في مواعيد محددة معروفة سلفاً لدى المتعلمين وتعقد داخل الجامعات وبرقابة تامة منها.

4. قصر التعليم عن بعد على التخصصات النظرية دون التخصصات التطبيقية، إذ لا يمکن تطبيقه – مبدئياً – على التخصصات العملية التي تحتاج للتجريب ، کالطب والصيدلة والکيمياء ونحوها.

  1. توفر التوجيه والإرشاد والإشراف الأکاديمي عبر المواقع الإلکترونية أو خطوط الهاتف.

6. هناک تجارب ناجحة في العالم العربي والإسلامي، يمکن الاستفادة منها، کتجربة جامعة القاهرة والتي توسعت فيها لتشمل دولاً أخرى، والجامعة العربية المفتوحة، التي بدأت عملها في المملکة، وجامعة القدس المفتوحة،والجامعة السورية الافتراضية، والجامعة الماليزية المفتوحة، هذا إلى جانب الجامعات الأمريکية والبريطانية والکندية المشهورة والتي يمکن الاستفادة من تجارها في تطوير آلية محکمة للاستفادة منها في تعليم المرأة السعودية وتدريبها عن بُعد.

7. ضرورة إشراک مؤسسات القطاع الخاص في اختيار وتطوير المقررات بما يسهم في الوفاء بمتطلباتها وقبولها لمخرجات هذا النوع من التعليم وقناعتها به.

8. التعاون مع القطاعات الحکومية الأخرى ذات الصلة بتنمية المرأة وقضاياها، والجمعيات الخيرية وبرامجها التنموية الخاصة بالمرأة السعودية ، وذلک للتعرف على احتياجات المرأة السعودية ، ومطالبها التنموية ،والبرامج المقدمة ، وآليات دعمها، بحيث يصب ذلک کله في النهاية في صالح تنمية المرأة السعودية.

9. الاستفادة من المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية والتلفزيونية في خدمة هذا النوع من التعليم على غرار نموذج قنوات النيل التعليمية، هذا إلى جانب التقنيات الإلکترونية المرتبطة بالحاسب والانترنت والأقراص المليزرة ...

10. لا حاجة إلى الکثير من التعقيدات والآليات التي تطيل مدة الدراسة،وخصوصاً إذا وجد الاستعداد لدى المتعلمات والتفاعل،وإذا وجد أنه لا حاجة لعطلات صيفية أو نصف سنوية ونحوها،حيث يمکن استمرار الدراسة في ظل الإجازات دون الحاجة لاحتساب فترات زمنية أطول من اللازم، خصوصاً وأن معظم المتعلمات في هذا النوع من کبيرات السن نوعاً ما أو ربات بيوت أوعاملات.

لا شک أن هناک مواهب يمکن أن تظهر تتخطى حاجز الوقت، وتتمکن من استيعاب مقررات أکثر في وقت قياسي، والاختبارات المقننة  خير فيصل في هذا ، فينبغي وضع خيارات لهذه القدرات، وعدم تجاهل الإبداع لديها.

  1. المراجع

    1. أبا الخيل نورة (2006م)  مشارکة المرأة السعودية في التنمية الاقتصادية، ورقة عمل مقدمة لندوة مساهمات عمل المرأة في تنمية المجتمع 16 نوفمبر 2006م.
    2. الأحمر، حيدر طالب(2009م) التعليم الافتراضي يقترب ويهدّد بتغيير أُسّس المدرسة،  مجلة أسواق العرب، عدد 2/8/2009م، ص 8.
    3. الأنصاري، محمود (1404هـ) دور البنوک الإسلامية في التنمية الاجتماعية، مجلة المسلم المعاصر ، العدد 37.

    4. باعشن، نادية(2005م)  المساهمة الاقتصادية المرأة في المملکة العربية السعودية، ورقة عمل مقدمة لمنتدى الرياض الاقتصادي الثاني،المنعقد في الفترة من 4-6 ديسمبر 2005م.

    1. البکر ، فوزية بکر (2003م) المرأة والتعليم في المملکة : صراع من أجل التغيير : ورقة مقدمة لأکاديمية التقدم التربوي ، واشنطن دي سي .

    6. البکر، فوزية بکر (2005م)المرأة السعودية والعمل والتعليم: تحديات مطروحة، ورقة عمل مقدمة لمنتدى وورشة عمل "المرأة والألفية" برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الفترة 15-17 ذو القعدة 1426هـ (الموافق 17- 19 ديسمبر 2005م) مقر الأمم المتحدة بالرياض.

    1. البيطار، هيثم والسکيف ، ميس (2003م) آفاق التعليم عن بُعد، دار الرضا، دمشق.

    8. الجملان، معين حلمي(2002م) التعليم عن بُعد بين ممارسات الواقع وتوجهات المستقبل، مجلة العلوم التربوية والنفسية ، المجلد 3، العدد الأول ، مارس 2002م، ص ص 137-162.

    1. جويلي، علي(2001م)  نظام التعليم عن بعد يسهم في حل أزمات البطالة والفقر والهجرة, مجلة النور, العدد 124, أيلول 2001, ص 101.
    2. الربيعي،السيد محمود(2004م) التعليم عن بعد وتقنياته في الألفية الثالثة،مکتبة الملک فهد الوطنية ، الرياض .2004م.
    3. الرشيد ، وفاء (2006م) المملکة العربية السعودية: المرأة وأهداف التنمية في الألفية الثالثة، برنامج الأمم المتحدة للتنمية ، الرياض.
    4. السعد ، نورة خالد (1428هـ) المرأة السعودية والتنمية ، جريدة الرياض ، الخميس 3 ربيع الأول 1428هـ - 22 مارس 2007م - العدد 14150.

    13. الصالح، بدر بن عبدالله (2007م). التعليم الجامعي الافتراضي: دراسة مقارنة لجامعات عربية وأجنبية افتراضية مختارة. مجلة کليات المعلمين: العلوم التربوية، م(7)، ع(1).

    1. الصالح، بدر عبدالله (2008م) التعلم الإلکتروني عن بعد في الجامعات السعودية تجويد التعليم أم تعليم الجماهير؟ مجلة المعرفة، ربيع الأول/مارس، العدد 156.

    15. العبدالکريم، فيصل(2009م) مخرجات التعليم الحالية لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل السعودي ورصدنا عشرات الشرکات المتحايلة في التوظيف، جريدة الرياض، الاثنين 8 جمادي الآخرة ، 1430هـ 1 يونيو 2009م ، العدد 14952.

    16. العريني، سارة إبراهيم (1430هـ) نموذج مقترح للتعليم عن بُعد في المملکة العربية السعودية في ضوء تجربة الجامعة البريطانية المفتوحة والجامعة الماليزية المفتوحة والجامعة العربية المفتوحة ، ورقة عمل مقدمة للمؤتمر الدولي الأول للتعليم عن بُعد والتعليم الإلکتروني، جامعة الملک سعود ، في الفترة من 19-21/3/1430هـ.

    17. عفيفي، محمد بن سوف أحمد ( 1425هـ) التعليم عن بُعد الحاجة إليه وکيفية تطبيقه، ورقة عمل مقدمة للملتقى الثاني للجمعية السعودية للإدارة16-17/1/1425هـ.

    1. الغلايينى، لمى(2007م) تأهيل المرأة في سوق العمل: تدريب من أجل التمکين، ورقة عمل مقدمة لملتقى الخليج العربي للتدريب بجدة ،مايو 2007م.
    2. فارس، عبيد سعد والوکيل، سامي صالح ( 2007) مؤتمر التربية والانترنت الدولي السادس، المنعقد في الفترة (2-7 سبتمبر ) 2007م، القاهرة .

    20. الفريح، سعاد (2005م) التعلم عـن بعد ودوره في تنمية المرأة العربيـة ، ورقة بحثية مقدمة  لمنتدى المرأة العربية والعلوم والتکنولوجيا – المنعقد في القاهرة خلال الفترة من  8-10 يناير2005 م .

    1. اللقاني،أحمد حسين (1419هـ) معجم المصطلحات المعرفة في المناهج وطرق التدريس، الطبعة الثانية، عالم الکتب،بيروت.
    2. مکاوي، مرام عبد الرحمن ( 1430هـ) التعليم عن بُعد : مع أم ضد؟ جريدة الوطن، الأربعاء 28 ربيع الأول 1430هـ الموافق 25 مارس 2009م العدد (3099).

    23. مندورة، محمد محمود (1425هـ) التعلم الإلکتروني من التخطيط إلى التطبيق. ورقة عمل مقدمة للقاء الدوري الثاني لأعضاء المجلس التنفيذي المنعقد بدبي في دولة الإمارات العربية المتحدة بتاريخ 27 ربيع الأول الموافق 26 مايو2004م. مکتب التربية العربي.

    1. أبو زيد، جواد (2009م) قراءة في مفهوم التنمية ، متاح بتاريخ 15 يوليو 2009م، متاح في: http://www.nibraschabab.com/?p=1362

    25. May, S. (2004). Women's Experiences as Distance Learners: Technology. http://www.cade-aced.ca/en_pub.php  

    26. Miller, M. (2002). Distance Learning Education for Women. http://ks.essortment.com/distancelearnin_rczp.htm