التکوين الهرمي في الفن المصري القديم کمنطلق لصياغة اللوحة التصويرية المعاصرة

المؤلفون

1 باحثة دکتوراه کلية التربية النوعية جامعة المنصورة

2 أستاذ التصوير المساعد کلية التربية النوعية

الموضوعات الرئيسية


خلفية البحث :

يعد التکوين الهرمي (المثلث) من أهم الأشکال التراثية ، " وهو أصغر وحدة هندسية ، وحدة تجمع القدرة بين التجريد والقدرة على التطبيق ، تعکس صفة حضارية وفکرية وحسية للانسان المصري ، ولذلک فإن الأعمال في مصر قد تفوق الزمان ، وهو رمز من رموز الخلود  کما أنه من الأشکال الرامزة لمضمون ومعنى متصل بمعتقدات الانسان "[1] .

"والرمز الهرمي المثلثي بشکل عام هو رمز عالمي ومرتبط بعلوم عديدة مثل علم الفلک والتنجيم Astronomy & Astrology  وکذلک في علم الکيمياء Alchemy  وفي السحر والشرک Magic & Maystic ورموز الديانة Symbols of Religion وهو يختلف في دلالته من علم لآخرومن زمن لآخر ومن مکان إلى آخر بما بحمله هذا المکان من ثقافة وعقائد وأساطير يمثلها الرمز ، بل إن في خصائصه الشکلية واتجاهاته کمفردة بسيطة يحمل دلالات متغيرة ، فهو يمثل في علم الکيمياء رمز للماء والأرض         والنار         والهواء         غير أن سماته وخصائصه الهندسية تؤثر في معنى الرمز .وهو کمفردة مرکبة يحمل دلالات أخرى، فترمز الصيغة   القائمة على تقابل مثلثين من الرأس إلى العامل الزمني ، وإذا تغير الاتجاه                فإنها تحمل دلالة أخرى تعبر عن بداية العلامات والإشارات الکتابية الدالة على اسم المتوفى أو للتعبير عن التقدم والنجاح غير أن صيغة التقاطعات الأربعة القائمة على تشکيل الأربع مثلثات المتلاحقة لشکل المربع فهي تمثل علاقة في علم الأسطورة والفلک ، وهي تعتبر إحدى علامات الزمن التي من خلالها يتم التعرف على الشهور والمدة الزمنية وعند تراکبها                 فهي دالة على الأحقاب الزمنية البعيدة "[2] .

وإذا ما تعرضنا إلى التکوين الهرمي کمفردة تشکيلية بسيطة أو مرکبة أو مرتبطة بعناصر زخرفية أخرى أو ممثلة لأساس بنائي بوحدات وأشکال أخرى مثل الأشکال النجمية بأنواعها الخماسية والسداسية والسباعية والثمانية ، فهو يمثل أساس الشکل النجمي ، ولکل شکل دلالة يختلف بها عن الأخر ، فهو بالتالي يکتسب دلالات تبعا للصياغات الشکلية التي تعتمد على نظم البنائية التي تقوم عليها والتي تعطي رموزا أخرى لها دلالاتها المتعددة ، وذلک ما يعزز قيمة وأهمية التکوين الهرمي المثلثي حيث أنه أبسط الرموز بساطة وشمولية ، بالاضافة إلى ما يحمله من خصائص هندسية عملت على إنجازه کبناء ورکيزة في عديد من الأشکال والرموز .

وقد تناولت العديد من الفنون الحضارية التکوين الهرمي المثلثي في أعمالها ، بل وکانت لکل منها فلسفتها الخاصة في تناولها لتلک المفردة التکوينية... ومن هذه الفنون الفن المصري القديم ، الفن الإغريقي والروماني ، فنون عصر النهضة ، القبطي ، الفن الإسلامي والعديد من الاتجاهات الفنية الحديثة والمعاصرة .

وعلى ذلک رأى الباحثان أن يکون التکوين الهرمي (المثلثي) هو نقطة البدء في هذا البحث حيث أن هناک اختلافات کثيرة في التناول الفلسفي لهذا التکوين وقد رأيا أنه من خلال المتناولات في الفن المصري القديم يمکن إنتاج أعمال تصويرية من خلال دراسة تحليلية واستخلاص نتائج جديدة .

مشکلة البحث :

هناک العديد من الفنون والحضارات على المستوى الإنساني تناولت کثير من الظواهر والأشکال الطبيعية أو المستحدثة کل حسب معتقداته وفلسفته ، کان من ضمن هذه الأشکال هو التکوين الهرمي الذي بدأ مع أولى الحضارات الإنسانية وهي الحضارة المصرية القديمة التي بلغت مبلغ الأساطير ثم تلاها بعد ذلک العديد من الفنون مثل الفن الاغريقي والروماني ثم القبطي والإسلامي وصولا إلى الفن الحديث . وکان التناول في کل من هذه الفنون يختلف في فلسفة البناء و في فلسفة المعتقد ولم تدع تلک الفنون کل في زمنها قيمة للشکل الهرمي إلا وقد تناولتها ، وبذلک تعددت تلک القيم بمرور الزمن وهذا ما لفت نظر الباحثان کي يبدءا في البحث من تلک القيم وتربطها بعضها ببعض في محاولة للوصول إلى صياغات فلسفية جديدة يمکن من خلالها إنتاج أعمال تصويرية قائمة على تواصل الحضارات مستعينين بالوسائل التکنولوجية التي أمدنا به التطور العلمي.

ويمکن تحديد مشکلة البحث في الإجابة على التساؤل التالي :

کيف يمکن الاستفادة من فلسفة التکوين الهرمي المثلثي في الفن المصري القديم لإنتاج أعمال تصويرية معاصرة ؟

ويهدف البحث :

1 -إبراز القيمة الفلسفية للتکوين الهرمي في الفن المصري القديم  .

2 -إمکانية الاستفادة من تلک القيم في بناء التکوين في التصوير الحديث.

3 -إنتاج لوحات تصويرية حديثة تربط بين الأصالة والمعاصرة .

فروض البحث : 

يفترض الباحثان أن :_

1-هناک اتجاهات فلسفية للشکل الهرمي في التصوير المصري القديم يمکن تأکيدها و تصنيفها لإثراء القيم التشکيلية في التصوير الحديث .

2-يمکن توظيف التکوين الهرمي في اللوحة التصويرية وذلک لانتاج اعمال تجمع بين الأصالة والمعاصرة وتحمل قيم فن جديد .

3-هناک علاقة بين المتناولات المختلفة للشکل الهرمي في الفن المصري القديم وبين إنتاج أعمال تصويرية جديدة . 

أهمية البحث  :

1-يسهم البحث في الحفاظ على استمرارية جزء من التراث الإنساني وذلک بتجميع أهم النماذج التصويرية والوقوف على طرق الاستفادة منها .

2-يسهم البحث في الاستفادة من التراث الإنساني بما يتلاءم وحداثة العصر في ضوء العملية الإبداعية .

3-تأتي أهمية هذه الدراسة في کونها تمثل رؤية جديدة حول استخدام المفردة التشکيلية الواحدة خلال إطار ثقافي معين ، وذلک بمحاولة استخدام صياغات تصويرية مستوحاة من التکوين الهرمي .

4-يسهم البحث في تأصيل القيم التعبيرية لاتجاهات التصوير الحديث في إبراز الانفعالات والانعکاسات الداخلية والإفادة منها في التصوير الحديث .

5-تتفق هذه الدراسة مع أهداف التربية الفنية ، من خلال التعمق في دراسة التراث والامتداد به نحو العصر الحالي .

حدود البحث :

تنحصر حدود البحث فيما يلي :

  • أولا: الحدود الزمانية :

وفيها يقوم الباحثان بدراسة القيم الفلسفية في التکوين الهرمي في الفن المصري القديم حسب التسلسل الزمني لکل دولة .

  • ثانيا: الحدود المکانية والبشرية :

يقوم الباحثان بعمل تجربة ذاتية لإثبات صحة فروض البحث وتحقيق أهدافه .

 

منهج البحث :

الإطار النظري :

يتبع الباحثان المنهج الوصفي التحليلي في تناول مختارات من الفن المصري القديم لتحقيق أهداف البحث وإثبات فروضه .

الإطار التطبيقي :

يقوم الباحثان بعمل تجربة فنية ذاتية يحاولا فيها تحقيق اهداف بحثها .

مصطلحات البحث :

1 -  المفردة التشکيلية :

" هي وحدة بناء العمل الفني ، ويرتبط بمفهومها على هذا النحو أنها تتباين من حيث مظهرها المرئي في الأعمال الفنية المختلفة ، فقد تکون بسيطة أو مرکبة ، وقد تکون مألوفة أو غير مألوفة ، وقد تکون واقعية أو خيالية هندسية أو عضوية تمثيلية أو مجردة .. ويمکن أن يضم العمل الفني بين مکونات بعض النوعيات المتباينة من هذه المفردات في آن واحد ويتوقف ذلک على أسلوب الفنان في المعالجة التشکيلية والهدف التعبيري الذي يسعى إليه" .

2- الشکل الهرمي أو المثلثي :

هو شکل له ثلاث جوانب إما متساوية في الأضلاع أو مختلفة ، وتتقابل رؤوس هذه الخطوط مع بعضها في ثلاث نقاط تسمى الزوايا  وکل هذه الأضلاع مستقيمة

3 - التفکير الإبداعي :

" هو تفکير منطلق أو متشعب أو تباعدي ، يملک القدرة على تعدد الاستجابات عندما يکون هناک مؤثر ، بل يمکن القول أنه نوع من التفکير الذي يملک التجديد والتأمل والاختراع والابتکار .

إنه تفکير انتاجي ، تستخدم فيه معلومات متاحة باحتمالات مختلفة وفي اتجاهات متباينة لانتاج معلومات متنوعة ومتعددة ، أي أنه يعتمد على تعدد الاستجابات الناتجة عن المعلومات المستخدمة بهدف التوصل إلى اجابة واحدة صحيحة  .

الدراسات السابقة :

1 - دراسة إبراهيم عبد الحميد عوض منسي بعنوان التراکيب الهندسية للمثلث والإفادة منها في تدريس اللوحة الزخرفية في التربية الفنية[3]

تبنت الدراسة رصد مجموعة من الحلول للتراکيب الهندسية للمثلث من خلال الکشف عن المتغيرات المؤثرة عليها في ضوء التناول التاريخي للمجموعة القائمة منها على المثلث في الطبيعة وذلک لتحليل العديد من التراکيب الهندسية وإخراج احتمالات ثنائية وثلاثية الأبعاد وإمکانية إثراء تلک التراکيب في اللوحة الزخرفية المسطحة

تشابهت مع الرسالة الحالية في تناول المثلث وتطبيقاته فقط ، واختلفت حيث أن الدراسة الحالية تبحث الصياغات المختلفة لشکل الهرم في العديد من الفنون وعمل دراسة مقارنة بينهم واستخلاص رؤية تصويرية جديدة ، أيضا التجربة کانت تجربة طلابية أما في البحث الحالي فالتجربة ذاتية .

2- دراسة أسماء يوسف بربري أحمد بعنوان الإمکانات التشکيلية لتوظيف المثلث کرمز في التراث النوبي لاثراء المشغولة الفنية [4]

کانت مشکلة البحث کيفية الإفادة من الإمکانات التشکيلية للمثلث کرمز ومفردة تشکيلية في التراث النوبي لإثراء المشغولة الفنية المعاصرة  وافترضت أن هناک إمکانات تشکيلية للمثلث کرمز ومفردة تشکيلية يمکن أن تثري المشغولة الفنية في التراث النوبي

هدفت للکشف عن الامکانات التشکيلية والتعمق في الصيغ الجمالية والقيم الفنية کوحدة مستقلة ومفردة مرتبطة بعناصر زخرفية وتوظيفها لايجاد حلول فنية مبتکرة يمکن من خلالها اثراء المشغولة الفنية

تشابهت هذه الدراسة مع الدراسة الحالية في الشکل تناول المثلث الذي يعتبر أساس بناء الهرم من حيث التناول واختلفت في المجال حيث تناولت المثلث في الأشغال الفنية وحيث استخدمت الدراسة السابقة المثلث بشکل مسطح ، أيضا اختلفت في المرحلة الزمنية حيث تناولت المثلث منذ العصر الحجري القديم وحتى فترة ما قبل التهجير  وفي الدراسة الحالية تتناول التکوين الهرمي المجسم في عدة مراحل فنية للوصل إلى إثراء التصوير المعاصر بداية من المصري القديم مرورا بفنون عصر النهضة ثم الإسلامي فالحديث والمعاصر

إجراءات البحث:

أ. الإطار النظري

فلسفة الشکل الهرمي :

أن الهرم ما هو إلا تدرج طبيعي من شکل المصطبة ثم الهرم المدرج ثم الهرم الکامل يهدف العلو والارتفاع والظهور للتعبير عن العظمة والفخامة.

أنه شکل يعکس فکراً دينياً مرتبطاً بعبادة الشمس من أکثر من جهة، فعلى سبيل المثال أنه يمثل قمة المسلة ورمز إله الشمس في معبده الرئيسي في أون (هليوبوليس). إن شکل الهرمي أفضل شکل تظهر عليه أشعة الشمس وبالتالي فضل الإله وعطاؤه لاسيما ما يقال عن تذهيب القمم للأهرأمات وبالتالي زيادة بريقه وضيائه.

أيضا هو فکراُ دينياً مرتبطاً بنشأة العالم والکون عن طريق تل أزلي (ارتفاع) ظهر من وسط محيط أزلي، ويمثل ارتفاع الهرم هذه الفکرة وبالتالي عودة وتکرار خلق العالم.
أنه کشکل وخاصة الأهرام المدرجة قد تکون تمثل سلماً عملاقاً يسهل عملية صعود الملک واتحاده مع إله الشمس رع ومثل هذه الأفکار وجدت سبيلها بالفعل في مدون الأهرام .

هذه العناصر الأساسية، ولکن هناک عدداً آخر من المکملات المهمة المرتبطة بالمجموعة ارتباطاً وثيقاً مکانياً فهي في حرم المجموعة من أهمها:

" المراکب: تختلف في عددها من هرم إلى آخر وقد تختفي.

الهرم أو الأهرام الجنوبية: مازال العلماء مختلفين في تحديد الغرض منه، وکما يتضح من الاسم أن يلتزم جهة الجنوب عادة، ويکون صغير الحجم وملحقة بواجهته مقصورة جنائزية صغيرة، وقد يعرف في بعض الکتابات بهرم العبادة "[5].

العقيدة وفلسفة البناء الهرمي :

وبنظرة واحدة لهذا العنصر الهرمي من التاريخ المصري القديم ووجود الهرم لعبادة الاله رع نجد أن هذا الشکل إنما هو انتصار لعقيدة الشمس الهليوبوليسية . إذ کان مستلهما من البنين (  Benen ) وهو حجر هرمي الشکل مرتفع مدبب القمة کان يقدس في هليوبوليس باعتباره مثوى ومستقر للشمس التي تفيصض بأشعتها عندما تشرق على قمته .

وبتفسير آخر لو نظرنا من منتصف أي ضلع عند القاعدة إلى أعلى لينتابنا لحظة من التلاشي لأن ميل الجانبين الأيمن والأيسر وتلاقيهما عند القمة مع ميل السطح المثلثي إلى الخلف يعطي الرائي احساسا باللانهاية والتي تؤکد العقيدة الشمسية .

ولذلک فالعقيدة قد ترجمها الشکل الهرمي من وجهة النظر الفنية ، کما نلاحظ أن الشکل الهرمي هو أصلح الأشکال استقرارا لأشعة الشمس عليه طوال النهار ،  فعند الشروق يسطع وجه الهرم المقابل للشرق وعندما ترتفع الشمس تکسوا أشعته کل أوجه الهرم وعند الغروب تقابل الأشعة الوجه الغربي منه ، غير أننا نلاحظ أن شروق الشمس وغروبها يتغير بمعنى أن الشکل الهرمي يتمتع بأشعة الشمس طوال النهار ويسطع أکثر من ضلع له على أقل تقدير بسقوط الأشعة عليه ، أي أن إرتباط الشمس بالشکل الهرمي يعد أقوى ارتباط لا نحصل عليه مع المکعب أو أي شکل هندسي آخر.

" ومن الناحية المعمارية ، نجد أن الهرم يعد أقوى الأشکال لاستقراره على الأرض ، حيث يحمل في جوهره البنائي معنى التدرج نحو النقطة المرکزية في قمته من الأکبر إلى الأصغر ، ومن الأثقل إلى الأقل ثقلا ، ويتأکد الاحساس بالصعود نتيجة لفاعلية الحرکة التقديرية لأحرفه المائلة .. بهذا تتضح الطاقة الکامنة في التکوين الهرمي في قوتين فاعليتين الأولى منهما مادية وکامنة في الحجم المادي وثقله لأسفل والقوة الثانية هي قوة مضادة متتمثل معنويا في الاحساس بالحرکة التقديرية لأعلى نتيجة للمعاني والصفات التکوينية .

الهرم والمثلث الکوني :

" ويلاحظ هنا وجود تشابه بين النسب التکوينية للأهرأمات وبين المثلث القائم الذي نسب أضلاعه ( 3-4-5 ) والذي اعتبره المصريون مثلثا کونيا مقدسا ، فهذه النسب تمثل بحسب  الترتيب (اوزوريس – إيزيس – حورس) ويعني ذلک أن هذا المثلث قد مثل في العقيدة المصرية القديمة کل قوى وطاقات الوجود الممثلة في الشمس والقمر والکواکب الخمس والتي ترمز لها الآلهة المذکورة على الترتيب ، وکذلک يحمل معان الأنوثة کقوى متقابلة وضرورية لحدوث الخلق ونشأة الکون "[6].

" واستنادا إلى تلک المعان للتکوين الهرمي ، وإلى ما لوحظ من تشابه شکلي مع المثلث الکوني نجد أن الجوهر البنائي للأهرأمات قد خضع للنسبة بين أضلاع المثلث الکوني المشار إليه وقد تبن بالقياس أن زاوية القاعدة للمثلث الکوني مقدراها (53ْ) وهي قريبة من زاوية ميل أوجه أهرأمات خوفو ،خفرع ومن کاو رع وهي على التوالي( 51.50 ْ )( 53.10ْ ) (51 ْ)" [7]

ويتضح مما سبق أن الهرم يعکس تصور المصريين لقوة التکوين الهرمي شکلا ومضمونا . وأنهم قد حققوا جوانبه الحسية والروحية والعقلية ، استنادا إلى ما توصلوا إليه من علوم فلکية ورياضية لذلک العصر .

لذلک يتبين أن الهرم قد جسد البعد الرحي ومفهوم التکوين بارتباطه الرمزي بمعان التل الأزلي الأول والقوى الکونية التي ترمز لألهته .

البناء الهرمي المثلثي في النحت المصري القديم :

ومن استخدامات المثلث في الفن المصري القديم استخدامه في فن النحت ، حيث وضع الفنان المصري المثلث ليکون محور ارتکاز لتماثيله بحيث يجعل جسم التمثال في حالة وقوفه ضلعا لمثلث قائم الزاوية ، بينما قاعدة التمثال قاعدة للمثلث وقدم التمثال والتي تمتد إلى الأمام وتر لذلک المثلث القائم الزاوية والذي يتکون من التمثال بما يعطي ثباتا وارتکازا للشکل العام للتمثال .

کما اقترنت کتابات المصريين القدماء بالأشکال الهندسية المکونة من الخط المستقيم والمربع والدائرة والمثلث .. ومثال ذلک استخدام المثلث في التعبير عن حرف ( القاف ) في اللغة الهيروغليفية

إن تماثيل الملوک والخاصة، وکذلک اللوحات المصورة والمحفورة، عکست مفاهيم فنية، هدفها خدمة طقوس الآلهة والملوک والموتى . ونجد للتماثيل الملکية أوضاعا تقليدية ذات خطوط مثالية للوجه، تسعى لتصوير الشخصيات الملکية، في بنيان جسدي قوي، وأحيانا مع بعض اللمسات الواقعية، التي هي أقل حدة لتفاصيل الوجه.

ولعلنا نستطيع تتبع ذلک الاستخدام فنجد الفنان المصري القديم قد قام بانشاء العديد من التماثيل التي تتخذ الشکل الهرمي کقاعدة لبنائها ومن هذه التماثيل تمثال خفرع" * شکل رقم1      

هذا التمثال بحجمه الطبيعي، وما به من روعة التصوير، وحسن الصقل للملک خفرع باني الهرم الثاني..وقد عثر عليه في الردهة الأمامية من معبد الوادي بالجيزة ، إذ يجلس الملک على عرش يکتنفه رأسا أسدين ، کما زين جانبا العرش بما يسمى سماتاوي، رمز توحيد مصر العليا، ومصر السفلى. 

ويرى خفرع بغطاء الرأس النمس، تعلوه حية الکوبرا الملکية، وبنقبة ذات طيات، کما ألحقت بذقنه لحية الشعائر المستعارة، ويجثم من خلفه الصقر حورس يحميه بجناحيه المحيطين. 

" تمثال الکاتب المصري الذي يجلس القرفصاء( شکل رقم 2 ) وهو مصنوع من الحجر الجيرى الملون وقد کانت منزلة الکاتب من أکثر المناصب تعرضا للحسد في مصر، وقد حرص العديد من أصحاب القبور، منذ عهد خوفو حتى العصر المتأخر، على تصوير أنفسهم في جلسة القارئ أو الکاتب"[8]ويفترش هذا الکاتب الأرض متربعا، وقد بسط بردية على حجره، مع إبقاء سائر لفافتها في يسراه، على حين يهم بالکتابة بيمناه، بقلم من البوص، وقد اتخذ شعرا مستعارا أسودا قاتما، ونقبة بيضاء مثبتة بحزام.

       
   
     
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الإطار التطبيقي :

وفيه يستخدم الباحثان المنهج التجريبي وذلک من خلال تجربة عملية يحاولا فيها استحداث أعمال تصويرية يعتمد أساسها البنائي على التکوين الهرمي من خلال رؤية تشکيلية معاصرة  .

 

 

       
   

لوحة رقم 1

أبعاد اللوحة : 60×80 سم

ألوان زيتية على توال .

 

 

 

 

 
 
 

لوحة رقم 1

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اعتمد البناء التکويني لهذا العمل على الشکل الهرمي والذي تمثل في المثلث الأصفر والمعالج بمشتقات لونية والذي رسمت فوقه مجموعة من المساحات المتحرکة والتي تنبعث حرکتها من منتصف اللوحة في حرکة شـبه عشوائية متجهة ناحية أعلى اللوحة مکونة هي الأخرى شکلا هرميا تبدأ قمته من أعلى منتصف اللوحة متجها بقاعدته لأسفل ، کما اعتمد في تلوين تلک الأشکال على الألوان الساخنة الغير صريحة في أغلب الأحيان ثم الربط بين تلک الأشکال وبين خلفية العمل والتي تم تقسيمها إلى مساحات اعتُمد فيها على الجمع بين بعض الألوان الساخنة والألوان الباردة في تناول هادئ ، وقد روعي تحقيق الإيقاع التناغمي بين مجموعة عناصر مقدمة اللوحة وبين مساحات الخلفية . أيضا تم استخدام تقنية التلوين ذو ضربات الفرشاة القوية الواضحة التي حققت العديد من الملامس اللونية

 

 

       
   
   

لوحة رقم 2

أبعاد اللوحة : 60×80 سم

ألوان زيتية على توال .

 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الشکل الهرمي هو الأساس البنائي لهذه اللوحة ، حيث أعطى التکوين سمة القوة والرسوخ المستلهمة من العمارة المصرية القديمة حيث تتجلى هذه الصفة المتزنة الراسخة فيها . وقد تکون الشکل الهرمي نتيجة تقابل بعض الخطوط الوترية المتجهة لأعلى اللوحة مما شکل هذا البناء

 
 

وقد قسمت خلفية اللوحة بهذه الخطوط الوترية والتي تتوارى خلف مجموعة من الأشکال شبه الهندسية الموجودة أسفل اللوحة لتؤکدها وتبرز قيمها التشکيلية ، وقد لونت تلک الأشکال والتي مثلت الخلفية بألوان متکاملة حيث وزعت کل من اللونين البرتقالي والأزرق على المساحات ، وأيضا وزعت الإضاءات في مساحات الألوان بل وفي اللون الواحد فأکدت على دور الضوء في إبراز البناء التشکيلي المحمل بالقيمة التشکيلية للون .

 

       
   

لوحة رقم 3

أبعاد اللوحة : 50×70 سم

ألوان زيتية على توال .

 
 
 

لوحة رقم 3

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اعتمد البناء التکويني لهذا العمل على التنوع في أشکال المثلث  والذي تمثل في المثلثين الملونين باللون الأصفر والمعالج بمشتقات لونية والذي رسم فوقه مثلث آخر في وضع أفقي ولون باللون الأزرق ، وتبدو فيه الشفافية فربط بذلک المثلثين محققا الوحدة في بناء الشکل .

 
 

واعتمد البناء اللوني للوحة على الألوان ومکملاتها في کل من الأشکال والأرضية  ، فقد لونت اللوحة باستخدام أربعة ألوان فقط تربطهم علاقة التکامل ، حيث الأصفر يکمله البنفسجي والأزرق يکمله البرتقالي ذلک ما احدث تباين واضح بين الألوان المکملة ، فظهرت الألوان الساخنة أکثر سخونة والباردة أکثر برودة ، کما تم الجمع بين الألوان الساخنة والباردة لتعطي لونا يتوسط الألوان الباردة والألوان الساخنة وهو اللون البنفسجي المتعادل ووضعه في خلفية اللوحة بشکل يدفع أحيانا عناصر مقدمة اللوحة إلى الأمام ، وأحيانا أخرى يشعر المتلقي بتراجع الأشکال .

 

       
   

لوحة رقم 4

أبعاد اللوحة : 60×80 سم

ألوان زيتية على توال .

 

 

 
 
 

لوحة رقم 4

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اللون الأزرق الذي يتسيد اللوحة ، وقد قسمت اللوحة في وضعها الأفقي بنسبة 1 : 4 وقد قام بإنشاء سبعة أعمدة رأسية غير کاملة للربط بين الجزء الأفقي الأصغر والذي هو نسبة 1 في أسفل اللوحة ، وکان القطع في النسب الرأسية باستخدام شريط أفقي يقسم بها مساحة اللوحة.

أما المعالجة اللونية قد تم تناول اللون والتأکيد فيه قوة ضربات الفرشاة وإضافة بالتة لونية متکاملة ، فقد امتلأت بالألوان الباردة والساخنة کالأحمر والأخضر والأصفر الأوکر والبني إضافة إلى الأسود والأبيض ، وأکدت ضربات الفرشاة قوة وعمقا في اللوحة ، وکانت العلاقة مختلفة من حيث الشکل بين الضوء والفراغ والمساحة ، والخطوط الرأسية أصبحت أکثر استقرار حيث الشکل الهرمي الذي أصبح محور أساسي في اللوحة والتي تشکل من الضوء ، کما أکد تبادل عنصري الضوء والظل کل هذه المفاهيم .

 

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وفيه لعبت المجسمات دورا مهما ، فقد تقلص اللون بشکل واضح فأصبح بدلا من أنه بالتة لونية تحتوي على العديد من الألوان ، أصبح عبارة عن مسطحات لونية لونت بلون واحد فقط وأصبح اللون يتوارى خلف غلالة بيضاء والمتمثلة في الأشکال الهندسية المجسمة والأسطح المختلفة في اللوحة وأصبح اللون رمزا فلا يوجد إلا من خلال ثلاثة ألوان وهي الأزرق والأصفر الأوکر والأسود ..

وتبدو الحرکة في هذا العمل حيث الأشکال المتقاطعة والتي أخذت عين المتلقي لتسبح في أنحاء اللوحة تارة في حرکة هادئة وأخرى قوية .. واللوحة في مجملها مترابطة من حيث علاقة کل من الشکل والمساحة وأيضا من بقايا اللون الموجود على بعض المسطحات .

وتمثل التوظيف البنائي للوحة في شکل هرم أو مثلث انشأ من خلال طيف لوني بلون محايد تخطى الإنشائية البنائية لمجموعة الأشکال المجسمة والمکونة للعمل ليسيطر على تلک الأشکال محدثا نوعا من الاتزان المعماري لکتلة الأشکال ولعموم اللوحة .

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العمل عبارة عن مجموعة أشکال هندسية محللة إلى صياغات مختلفة ومختزلة ومتعددة المستويات والحجوم  ، وکان للشکل الهرمي الناتج من التقاء خطوطه محورا مهما في إنشائية هذا العمل ، حيث استمد أصوله البنائية أيضا من جماليات العمارة المصرية القديمة وصرحيتها وأصبح للضوء فيها عامل أساسي کأنما يرى في مدخل المعبد .وقد تم إضافة بعض الخامات الأخرى کالورق المعدني ( الفويل ) بعدما غير من هيئته ليصطدم الضوء بما تم تغييره في ملمسه الناعم فيعطي اتجاهات ضوئية وظلية عالية يظن أنها أعطت قيمة ثرية للعمل من الناحية التشکيلية . وقد تتسلل هذا العمل بغرابته وبساطته المتناهية داخل الحيز الوجداني والفکري لکل من يشاهده ، حتى ولو کان على غير دراية بأمور الفن ورحلاته الغيبية البعيدة .. قد يستنکرها .. أو ربما أنها قد تثير فضوله أو تستفز ذائقته .. ولکن لن يختلف أحد على أنها تحرض على التأمل .. وربما لهذا السبب الأخير حازت على أهميتها وباتت ذات علاقات مترابطة وقوية ، وهذا يعتبر أهم ما يميزها.

النتائج والتوصيات

أولا النتائج :

1. ارتبطت التجربة بأهداف التربية الفنية ، حيث تهدف التربية الفنية إلى نقل التراث الحضاري والاستفادة منه ، کذلک تهدف إلي تنمية روح الابتکار لدى الفرد ، حيث بدا أکثر تحرر .

2. أوضحت الدراسة أن العديد من الفنون الحديثة قد تأثرت تأثرا واضح بالقيم التشکيلية التي أبدعها الفنان المصري القديم ، بل وکونت شخصياتها الفنية على أسس مصرية قديمة .

3. أثبتت الدراسة الميدانية أنه يمکن الاستفادة من فلسفة الشکل الهرمي التي حققها الفنان المصري القديم في وتوظيفها لإنتاج أعمال تصويرية تحمل صفة الأصالة والمعاصرة ، وهذا ما تأکد من خلال الممارسات العملية في التجربة البحثية .

ثانيا التوصيات :

1. التراث الفني المصري القديم من أغنى الفنون التي يجب أن تدرس بعناية فائقة لنهل منطلقات فنية وتقنية ، واستلهام منطلقات فنية وفلسفية جديدة .

2. ينبغي أن تعنى مناهج التذوق وتاريخ الفن بدراسات تحليلية للقيم الفنية المتعددة في التراث المصري القديم وتطبيقها في مجال تدريس الفنون وخاصة فن التصوير في التربية الفنية  .

3. إتاحة الفرص للطلاب للقيام بالتجريب في الفن ليتمکنوا من استخلاص القيم الجمالية والإبداعية من تلقاء أنفسهم ، کذلک تجعل الطالب يصدر أحکام فنية سليمة وعلى أساس منطقي واع

4. يجب أن تضم کليات التربية النوعية متحفا صغيرا يعرض لنماذج أو مستنسخات من أعمال الفنان المصري القديم لتحديد معالم الهوية التاريخية والفلسفية والحضارية التي سعى الفنان المصري القديم إلى الوصول إليها وتحقيقها



1-ابراهيم عبدالحميد عوض مسيري : التراکيب الهندسية للمثلث والافادة منها في تدريس اللوحة الزخرفية  في التربية الفنية ، رسالة ماجستير غير منشورة ، کلية التربية الفنية – جامعة حلوان  1998 ص 47

2-أسماء يوسف بربري : الامکانات التشکيلية لتوظيف المثلث کرمز في التراث النوبي لاثراء المشغولة الفنية ، رسالة ماجستير غير منشورة ، کلية التربية الفنية ، ج حلوان  2004 ص 29

1-إبراهيم عبد الحميد عوض منسي - التراکيب الهندسية للمثلث والإفادة منها في تدريس اللوحة الزخرفية في التربية الفنية  - رسالة ماجستير – کلية التربية الفنية -  جامعة حلوان -  1998 م .

2-أسماء يوسف بربري : الامکانات التشکيلية لتوظيف المثلث کرمز في التراث النوبي لاثراء المشغولة الفنية – رسالة ماجستير  مقدمة لکلية التربية الفنية -  جامعة حلوان -   2003م .

1-ممدوح محمد الدماطي ، سعيد عبد الحفيظ: آثار مصر القديمة من أقدم العصور حتى نهاية الدولة الوسطي.مکتبة الأنجلو

أ-إدوارد : أهرام مصر ترجمة مصطفى عثمان – الهيئة العامة للکتاب 1999

2-کمال الدين سامح : لمحات في تاريخ العمارة المصرية – وزارة الثقافة – هيئة الآثار المصرية - 1986

* خفرع فرعون من الأسرة الرابعة.هو ثالث أو رابع فرعون الأسرة الرابعة بالمملکة القديمة حکم بين سنتي 2559 و2535ق م هو من شيد الهرم الثاني بالجيزة. هو على الأغلب ابن الملک خوفو من زوجة ثانوية تولى الحکم بعد الملک جرف رع الذي کان قد استولى على الحکم

المراجع
المراجع العربية :
1-أحمد فکري : مساجد القاهرة ومدارسها ، القاهرة  ، دار المعارف ، ط 3 ،1993
2-ثروت عکاشة ثروت عکاشة – العين تسمع والأذن ترى – الفـن المصـري القديـم  النحت والتصوير - الهيئة المصرية العامة للکتاب –  القاهرة – 1991
3-عبد العزيز جودة : قراءات في الفن الحديث – کلية الفنون التطبيقية ج حلوان القاهرة – 1994
4-على أحمد الطايش : الفنون الزخرفية الإسلامية المبکرة في العصرين الأموي والعباسي، الزهراء للطبع والنشر، 2000
5-أرنست فيشر:  جذور الفن ، ترجمة سعد حليم ، الهيئة العامة للتأليف والنشر ، القاهرة ، 1971
6-سارة نيوماير : قصة الفن الحديث، ترجمةرمسيس يونان، سلسلة الفکر المعاصر ،القاهرة 1984
7-جورج .أ. فلانجان : حول الفن الحديث – ترجمة کمال الملاخ – مراجعة صلاح طاهر – دار المعارف – القاهرة 1992 
الرسائل العلمية :
8-أسماء يوسف بربري : الامکانات التشکيلية لتوظيف المثلث کرمز في التراث النوبي لإثراء المشغولة الفنية ، رسالة ماجستير غير منشورة ، کلية التربية الفنية ، ج حلوان  2004
9-إبراهيم عبد الحميد عوض مسيري : التراکيب الهندسية للمثلث والإفادة منها في تدريس اللوحة الزخرفية  في التربية الفنية ، ماجستير غير منشورة ، کلية التربية الفنية – جامعة حلوان  2004
المراجع الأجنبية
10- Smith , w . stevenson , the Art and architelure of Ancient egypt .England : pengun book , 1988 .
11-Wilkinson , Richard .M . : Reading egyption Art , thames & Hudson – London  1998