المؤلفون
1 تربية خاصة کلية الأميرة عالية الجامعية جامعة البلقاء التطبيقية
2 علم نفس تربوي کلية الأميرة عالية الجامعية جامعة البلقاء التطبيقية
المستخلص
المقدمة:
لقد حظيت مشکلات النوم لدى الأطفال باهتمام غير مسبوق في السنوات القليلة الماضية، فقد بينت الدراسات التي أجريت في العقدين الماضيين أن مشکلات النوم مشکلات شائعة لدى الأطفال، وأن هذه المشکلات إذا کانت شديدة قد تترک تأثيرات سلبية على الأداء اليومي لکل من الطفل وأسرته، هذا بالنسبة للأطفال العاديين، أما بالنسبة للأطفال ذوي صعوبات التعلم، وذوي الإعاقات بمختلف أنواعها، والتوحديين فتترک مشکلات النوم لديهم تأثيرات سلبية متعددة وتراکمية تؤدي إلى حالات مرضية مختلفة.
وقد أشار (کيوريياما، وميشيما، وسوزوکي، وأريتاک، وأوشيياما(، إلى أن النوم بعد تدريب منظم وهادف لتقوية الذاکرة العاملة أدى إلى تحسين أداء الذاکرة العاملة، وأشارت دراسات حديثة إلى أن للنوم أثراً على الذاکرة العاملة(Working Memory) ، التي تعتبر من أهم العوامل التي تحدد قدرة الشخص على حل المشکلات والاستدلال، .(Kuriyama, Mishima, Suzuki, Aritake, & Uchiyama, 2008)
وبالرغم من أن الدراسات في السنوات الماضية أفادت بأن للنوم أثراً إيجابياً على کل من المهارات السمعية والحرکية والبصرية، إلا أن هذه الدراسات لم توضح بعد طبيعة أثر النوم على وظائف الذاکرة العاملة، (Walker, Brakefield, Morgan, Hobson, & Stickgold, 2002, Atienza, Cantero, Stickgold, 2004).
ومن ناحية ثانية تشير الدراسات إلى أن مشکلات النوم أکثر إنتشاراً بين الأطفال ذوي الإعاقات المختلفة منها لدى الأطفال العاديين، فهي أکثر إنتشاراً لدى الأطفال ذوي صعوبات التعلم، والأطفال ذوي الإعاقة العقلية، والأطفال التوحديين، (Ring & et al, 1998, Richdale,1999, Stein & et al, 2002, Dodd & Arshad, 2008).
اضطرابات النوم وعلاقتها بالذاکرة العاملة لدى الأطفال:
لقد اعتبرت التوجهات البحثية الجديدة أن الذاکرة العاملة (Working Memory) مکوّن أساسي من مکونات الذاکرة البشرية وتلعب دوراً مهماً في أداء المهام المعرفية، ويمثل نموذج بادلي(Baddeley,1986) في الذاکرة العاملة محاولة جديدة لفهم دور الذاکرة في أداء المهام المعرفية.
ويذکر (بادلي وهتش)، أن الذاکرة العاملة تتکون من مجموعة من المکونات والأنظمة أولهما المکون اللفظي الذي يتولى تخزين المعلومات اللفظية ولذلک اکتسب هذه التسمية، وثانيهما نظام خاص بمعالجة المعلومات يسمى المعالجة المرکزية حيث تتم سلسلة من المعالجات بهدف الوصول إلى الإجابة الصحيحة. وأضاف (بادلي) مکوناً آخر هو المکون غير اللفظي وذلک أن وظيفته معالجة الصور المکانية والبصرية، وإدراک العلاقات المکانية، وهذه المکونات تعمل معاً في تکامل واتساق وانسجام تام، .(Baddeley & Hotch, 1974, 1976)
والذاکرة العاملة هي مکون تجهيزي نشط ينقل أو يحول البيانات والمعلومات إلى الذاکرة طويلة المدى وينقل أو يحول منها، وتقاس فاعلية الذاکرة العاملة من خلال قدرتها على حمل کمية صغيرة من المعلومات إلى أن يتم تجهيز ومعالجة معلومات أخرى إضافية، مکونة معلومات بما تقتضيه متطلبات الموقف، وتهتم الذاکرة العاملة بتفسير وتکامل وترابط المعلومات الحالية مع المعلومات السابقة، (Baddeley, 1992).
ويؤکد الباحثون على أن الذاکرة العاملة مهمة للأنشطة المعرفية ذات المستوى الأعلى، مثل الفهم القرائي والاستدلال الرياضي والتفکير الناقد واشتقاق المعاني وغيرها.
فحسب توضيح (بادلي وهتش) تلعب الدائرة اللفظية والتي هي جزء أساسي في الذاکرة العاملة دوراً مهماً في تعلم المهارات الأساسية التي تعتمد عليها القراءة الصامتة، مثل مهارة ترديد کلمات ليس لها معنى، ومهارة تعلم کلمات جديدة وحصيلة المفردات اللغوية لدى الفرد. وهناک العديد من النماذج للذاکرة العاملة تم وضعها في النظريات والاقتراحات التطبيقية، وکلها مدعمة بأدلة امبريقية مختلفة من البيانات المستمدة من النظريات المعرفية والعلوم العصبية. وفي هذه الدراسة سوف تتبنى الباحثتان نموذج بادلي وهتش للذاکرة العاملة حيث مرّ هذا النموذج بمراحل متعددة وتطويرية من عام (1974) حتى عام2001) ). (Baddeley & Hotch, 1974).
ومن المعروف أن النوم ضروري لصحة الطفل وتطوره فالنوم الکافي يستحث الانتباه والذاکرة والأداء الجيد، ولذلک فالأطفال الذين يواجهون مشکلات في النوم ولا ينامون بما فيه الکفاية قد يتعرضون لمشکلات صحية وصعوبات في تأدية الأنشطة المدرسية والأنشطة الحياتية الأخرى، .(Klemper, 2008)
واضطرابات النوم شائعة لدى أعداد کبيرة من الأطفال التوحديين، حيث تقدر المراجع العلمية المتخصصة أن نسبة انتشارها تتراوح ما بين (44%- 83%)، ((Richdale, 1999.
ولا يعرف إلى يومنا هذا الکثير عن أثر نوعية النوم ومدته على الذاکرة، فالدراسات التي تناولت هذا الموضوع محدودة جداً .ولکن بعض الدراسات توصلت إلى نتائج مثيرة للاهتمام، فقد تبين أن الحرمان من النوم يترک تأثيرات سلبية على الذاکرة وعلى الأداء بشکل عام، وعلى وجه التحديد فقد أشارت البحوث السابقة إلى أن أکثر أشکال الذاکرة تأثراً بمشکلات النوم هي الذاکرة العاملة کونها ترتبط بالقشرة الدماغية الأمامية، ووجد (راندازو وزملاؤه)، أن ضعفاً قد حدث في الوظائف المعرفية العليا مثل التفکير المجرد والإبداع اللفظي بعد ليلة واحدة من قلة النوم، ووجد (کارسکادون وزملاؤه)، أن حرمان الطفل أکثر من أربع ساعات نوم في الليلة کان له أثر سلبي ملحوظ على الذاکرة، (Steenari, & et al, 2003).
اضطرابات النوم وعلاقتها بالمشکلات السلوکية لدى الأطفال:
يظهر لدى الأطفال ذوي الإعاقة طائفة واسعة من المشکلات السلوکية التي تميزهم عن غيرهم من الأطفال، وهذه المشکلات تشکل مصدر توتر وانزعاج شديدين لکل من أولياء أمور هؤلاء الأطفال ومعلميهم، ومن جهة أخرى تشکل هذه المشکلات السلوکية حاجزاً يعيق تعلم هؤلاء الأطفال ونموهم، مما يتطلب تصميم وتنفيذ برامج تدخل سلوکية وعلاجية مکثفة ومتواصلة لمعالجتها، (الشامي،2004).
ومن أهم هذه المشکلات:
1- السلوک النمطي ( .(Stereotypic Behavior
2- إيذاء الذات (Self- injury).
3- العدوان (Aggressiveness).
4- السلوک التخريبي.(Destructiveness)
5- ثورات الغضب الشديدة (Sever Temper Tantrums).
6- الانسحاب (Withdrawal).
أسباب هذه المشکلات:
1- أسباب نفسية إجتماعية مثل عدم الثبات في التعامل مع الطفل في المواقف المختلفة.
2- أسباب بيئية مثل الإضاءة والعجز في التعبير اللغوي أو الاستقبال اللغوي والتحسس من أنواع مختلفة من الأطعمة، وسهولة الاستثارة، (Edelson, 2008).
وقد أفادت عدة دراسات نشرت مؤخراً بوجود علاقة بين مشکلات النوم والمشکلات السلوکية لدى الأطفال، ولکن الباحثين لا يعرفون بعد ما إذا کانت المشکلات السلوکية تسبب مشکلات في النوم أم أن مشکلات النوم هي التي تسبب المشکلات السلوکية، .(Mathis, 2004)
وقد توصلت دراسة (نوتر، وبالمز، وتيجين) إلى أن مشکلات النوم ترتبط بمشکلات انفعالية وسلوکية ومعرفية ملحوظة،(Nutter, Palmes, & Tegene, 2007) .
وينبغي التنويه إلى أن الدراسات الأجنبية التي تناولت مشکلات النوم لدى الأطفال ذوي الإعاقة هي دراسات قليلة جداً، وأما الدراسات التي حاولت فهم العلاقات بين مشکلات النوم ومشکلات أخرى لدى هؤلاء الأطفال فهي أقل بکثير، ولم تتمکن الباحثتان من العثور على أي دراسة عربية تناولت مشکلات النوم لدى أي فئة من فئات الأشخاص ذوي الإعاقة، الأمر الذي دفعهما إلى توجيه دراستها الحالية نحو دراسة مشکلات النوم وعلاقتها بمتغيرين مهمين هما :متغير الذاکرة العاملة، ومتغير المشکلات السلوکية لدى عينة من الأطفال التوحديين في الأردن فحسب توضيح (بادلي، وهيتش)، تلعب الدائرة اللفظية والتي هي جزء أساسي في الذاکرة العاملة دوراً مهماً في تعلم المهارات الأساسية التي تعتمد عليها القراءة الصامتة، مثل: مهارة ترديد کلمات ليس لها معنى، ومهارة تعلم کلمات جديدة وحصيلة المفردات اللغوية لدى الفرد، (Baddeley &Hotch, 1974).
وهناک العديد من النماذج للذاکرة العاملة تم وضعها في النظريات والاقتراحات التطبيقية وکلها مدعمة بأدلة امبريقية مختلفة من البيانات المستمدة من النظريات المعرفية والعلوم العصبية.
مشکلة الدراسة:
تناولت مشکلة الدراسة التساؤل التالي:
هل توجد علاقات دالة إحصائياً عند مستوى دلالة (α =0,05) بين اضطرابات النوم وکل من الذاکرة العاملة والمشکلات السلوکية لدى الأطفال التوحديين؟
أهمية الدراسة:
تتمثل أهمية الدراسة الحالية في تناولها لمتغيرات على درجة عالية من الأهمية في مجال أطفال التوحد على المستوى النظري والمستوى التطبيقي، ولم تتطرق أي من الدراسات العربية لها بعد، فهي تحاول معرفة مدى الذاکرة العاملة ومدى شيوع مشکلات النوم لدى هؤلاء الأطفال، کذلک فهي تسعى لمعرفة العلاقة ما بين الذاکرة العاملة وکل من مشکلات النوم والمشکلات السلوکية، وهي التي تشکل مصدر اهتمام کبير لکل من المعلمين في الميدان وأولياء الأمور، إضافة إلى ما سبق تبرز أهمية الدراسة الحالية في:
1- توفير أداة حديثة لقياس الذاکرة العاملة سهلة التطبيق تساعد المعلمين وأولياء الأمور على معرفة مشکلات الذاکرة العاملة، وبالتالي التغلب على إحدى المشکلات الشائعة في الميدان حالياً، فمقياس الذاکرة العاملة الذي تم تطويره في هذه الدراسة سيزيد من احتمالات التعرف الصحيح على الأطفال الذين لديهم ضعف في الذاکرة العاملة، وبالتالي توفير دعم مدرسي فعال لهؤلاء الأطفال، مما سيقود إلى الحد من المشکلات التعليمية التي يواجهونها.
2- توفير أداة حديثة لقياس اضطرابات النوم لدى الأطفال سهلة التطبيق الأمر الذي من شأنه أن يساعد في التعرف على هذه المشکلات، وبالتالي تصميم برامج فعالة للتغلب على إحدى المشکلات الشائعة لدى الأطفال التوحديين.
3- توفير قاعدة من المعلومات المشتقة من البحث العلمي حول المشکلات السلوکية الأکثر شيوعاً لدى الأطفال التوحديين، وإلقاء الضوء على بعض مصادر هذه المشکلات الأمر الذي من شأنه مساعدة المعلمين وأولياء الأمور على تطوير استراتيجيات ذات أثر وفاعلية للوقاية والعلاج.
أهداف الدراسة:
هدفت هذه الدراسة التعرف إلى:
طبيعة العلاقة بين اضطرابات النوم وکل من الذاکرة العاملة والمشکلات السلوکية لدى الأطفال التوحديين.
الإطار النظري والدراسات السابقة:
تناولت هذه الدراسة العلاقات بين مشکلات النوم وکل من المشکلات السلوکية والذاکرة العاملة لدى الأطفال التوحديين، وسيتم عرض معلومات موجزة عن کل من هذه المشکلات وعن فئات الإعاقة الثلاث محور الاهتمام في الدراسة.
التوحد:
ازداد الاهتمام مؤخراً باضطراب التوحد في الوطن العربي، نظراً لتوفر مقاييس تشخيص التوحد وبالتالي زيادة نسبة الحالات التي يتم تشخيصها، ولأن الوعي باضطراب التوحد قد ازداد نتيجة الدراسات والمؤلفات التي تناولته في البيئة العربية في السنوات الماضية. وبالرغم من حداثة الاهتمام بمجال اضطراب التوحد في الوطن العربي، إلا أن الکثيرين حاولوا منذ القدم تفسير هذا الاضطراب. ويبرز هنا اسم الطبيب النفسي الأمريکي ليو کانر (Leo Kanner) الذي أطلق مسمى التوحد، وذکر أعراض حالة التوحد في الطفولة المبکرة عام (1943)، حيث أثارت هذه المعلومات اهتماماً کبيراً وملحوظاً، وشکلت هذه المعلومات أولى البدايات لدراسة أعراض وحالات التوحد(Autism) ، ثم استمرت البحوث والدراسات في محاولة لإجلاء الغموض عن هذا الاضطراب، (الشخص، 2003).
وقد افترض الباحثون عدة أسباب لحالة التوحد وعدة طرق لعلاج هذه الحالة، إلا أنه لم يتم تأييد أي منها بالبرهان. ولقد بينت البحوث والدراسات النفسية والفسيولوجية أن الأفراد التوحديين (Autistic) لا يعيشون في عالمهم الداخلي الغني والمثير بيئياً، بل هم على عکس ذلک فهم ضحايا نقص بيولوجي يجعلهم شديدي الاختلاف عن الأفراد العاديين، (سليمان، 2002).
ويرى نيوسوم (Newsom) أنه على الرغم من أن بعض الأطفال التوحديين يظهرون بعض التحسن، فإن الغالبية منهم يستمرون على إعاقتهم الشديدة خلال مرحلة المراهقة، ويظلون غير قادرين على العناية الکاملة بأنفسهم ما لم توجد هناک تدخلات مبکرة تهدف إلى تقديم الرعاية المناسبة لهم، وعلى هذا الأساس، يعد توفير الرعاية النفسية والإرشادية للأطفال التوحديين کغيرهم من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، واجباً من واجبات المجتمع نحو هذه الفئة من الأطفال حتى يصبح بإمکانهم تحقيق مستوى مقبول من الصحة النفسية والتوافق النفسي من جراء تقديم البرامج التربوية الخاصة لهم، سواء کانت تلک البرامج تدريبية أو إرشادية أو علاجية، .(Newsom, 2003)
ومن الناحية التاريخية استخدم مصطلح التوحد في البداية في ميدان الطب النفسي عندما عرف الفصام في مرحلة الطفولة، وفي ذلک الوقت کان يستخدم مصطلح (الذاتوية) ويعني (إعاقة التوحد) کوصف لصفة الإنسحاب لدى الفصاميين، ثم بعد ذلک أصبح يستخدم کإسم للدلالة على اضطراب الذاتوية إعاقة التوحد بأکمله،.(Biklen, 2005)
فقد کان التوحد (Autism)، قديماً يعتبر من حالات الاضطراب العقلي(Mental Disorder) أو الفصام الطفولي (Childhood Schizophrenia)، حتى اکتشفها الطبيب النفسي الأمريکي ليو کانر (Leo Kanner) عام (1943) من بين مجموعة من الأطفال المتخلفين عقلياً الذين يتعامل معهم، حيث تميز أحد عشر طفلاً منهم بأعراض مختلفة عن الأعراض المعروفة للتخلف العقلي آنذاک، وظل ينظر إليها على أنها قريبة الشبه بحالة الفصام(Schizophrenia) ، بالرغم من أنه لم يکن من بين أعراضها مظاهر الهلوسة والتهيؤات والتخيلات التي تعتبر أحد الأعراض المميزة للفصام، لذا اعتبرت بعد ذلک فئة إعاقة مختلفة عنه، أطلق عليها مصطلح اضطراب التوحد، وبدأ اهتمام الدوائر النفسية والصحية بدراستها وإجراء البحوث عليها على مستوى العالم، (فراج، 2002).
ومنذ أن أشار (کانر) إلى هذا الاضطراب استخدمت مصطلحات مختلفة التسمية مثل توحد الطفولة المبکر(Early Infantile Autism) ، أو(Early Childhood Autism) ، وذهان الطفولة (Childhood Psychosis)، والتطور غير السوي(Atypical Development) ، وتطور الأنا غير السوي(Atypical Ego Development) . ويرى (بخيت) أن هذه المصطلحات تعکس التطور التاريخي للتوحد واختلاف اهتمامات وتخصصات المهتمين بهذا الاضطراب، (بخيت، 1999).
ولاحظ (کانر) أن هؤلاء الأطفال يميزهم استغراقهم المستمر في انغلاق کامل على الذات، والتفکير المتميز بالاجترار الذي تحکمه الذات و حاجات النفس والتي تبعدهم عن الواقعية، بل وعن کل ما حولهم من ظواهر أو أحداث أو أفراد، حتى لو کانوا والديه وأسرته کاملة، فهم دائمو الانطواء(Introverting) والعزلة، ولا يتجاوبون مع أي مثير بيئي في المحيط الذي يعيشون فيه کما لو کانت حواسهم الخمسة قد توقفت عن توصيل أي من المثيرات الخارجية إلى داخلهم المعرفي التي أصبحت في حالة انغلاق تام، بحيث يصبح هناک استحالة لتکوين علاقة مع أي ممن حولهم کما يفعل غيرهم من الأطفال، وحتى المتخلفين عقلياً منهم، (سليمان، 2002).
وهناک العديد من التعريفات التي قدمها عدد من العلماء لاضطراب التوحد، ومن أهم هذه التعريفات تعريف الجمعية الأمريکية للطب النفسي(American Psychiatric Association) ، التي عرّفت التوحد بأنه:" إعاقة نمائية شاملة، حيث يتسم الفرد بالانسحاب من الحياة الاجتماعية، والتأخر الذهني، والمشکلات اللغوية والعدائية تجاه الآخرين عند بلوغ الثلاثين شهراً من العمر، والذي يمکن أن تظهر أعراضه المرتبطة به وتشخص لاحقاً، کما أن الاضطرابات المرتبطة التي يعاني منها الطفل لا تکون واضحة أو أکيدة في بداية الأمر، وعادة مايتضمن هذا الطيف من الاضطرابات بالعزلة والتأثيرات النوعية على التفاعل والتواصل الاجتماعي"، (Wing, 1993).
ويعرّف التوحد أيضاً بأنه إعاقة عصبية حيوية للتطور تؤدي إلى إحداث اختلافات أو فروق في طريقة معالجة المعلومات، حيث تؤثر هذه الفروق في معالجة المعلومات على قدرة الفرد في فهم واستخدام اللغة في التفاعل والتواصل مع الناس، وفهم الارتباط بطريقة طبيعية مع الناس والأشياء والأحداث البيئية، وفهم المثيرات الحسية والاستجابات لها مثل الألم والسمع والذوق بالإضافة إلى التعلم والتفکير بنفس الطريقة التي يستخدمها الأطفال العاديون، .(Williams & Minshew, 2005)
أما تعريف وزارة التربية الأمريکية(U.S. Department of Educations) ، فقد نص على أن التوحد عجز تطوري في الاتصال اللفظي وغير اللفظي يؤثر بشکل کبير على التفاعل الاجتماعي، يحدث في عمر ثلاث سنوات، ويؤثر عکسياً على الأداء التربوي للطفل.
وأخيراً تعرّف (NSAC)الجمعية الأمريکية للأطفال التوحديين (National Society of Autistic Children) ، التوحد بأنه متلازمة من الأعراض تعرّف سلوکياً وتشمل الاضطراب في الجوانب التالية (النمو- الاستجابة للمثيرات الحسية - اللغة والکلام - القدرات المعرفية - التعلق والانتماء للناس - التعلق بالأشياء والمواضيع المختلفة). وتظهر هذه المتلازمة في الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل وهي نتائج لاضطرابات تؤثر في وظائف الدماغ، (الزريقات، 2004).
الدراسات ذات العلاقة بالذاکرة العاملة:
أشارت الدراسات في العقدين الماضيين إلى أن مشکلات الذاکرة العاملة من الخصائص المميزة لعدد کبير من الاضطرابات العصبية التطورية، واستناداً إلى ذلک فقد سعت عدة دراسات إلى معرفة الأسس العصبية النفسية لضعف الذاکرة العاملة لدى الأطفال التوحديين، لأن التوحد أحد الاضطرابات العصبية التطورية ذات الخصائص السلوکية الفردية. ولکن البحوث العلمية لم تتوصل بعد إلى نتائج حاسمة بشأن ضعف الذاکرة العاملة لدى الأطفال التوحديين. ففي حين بينت دراسات وجود ضعف في الذاکرة العاملة لدى الأطفال التوحديين، وأشارت دراسات أخرى إلى عدم وجود ذلک الضعف، (Hughes, & Russell, 1993, Bennetto, Pennington, & Rogers, 1996, Hughes, 1996, Russell, 1997).
لقد بحثت عدة دراسات في العلاقة بين الذاکرة العاملة لدى الأطفال بشکل عام، ومن تلک الدراسات الدراسة التي أجراها مونتجومري (Montgomery, 1995)، وکانت بعنوان" فهم الجملة عند الأطفال ذوي العجز اللغوي المحدد"، وهدفت الدراسة إلى فحص تأثير المکون اللفظي للذاکرة العاملة على فهم الجملة لدى مجموعة من الأطفال ذوي العجز اللغوي المحدد (Specific Language Impairment)، وتکونت عينة الدراسة من (14) طفلاً من ذوي العجز اللغوي المحدد، و(13) طفلاً سوياً تتراوح أعمارهم بين (8-13) عاماً، تم وضع المجموعتين على مهمتين، الأولى هي تکرار کلمات عديمة المعنى حيث يعيد المشارکون جملاً تتدرج في الصعوبة من کلمة واحدة حتى أربع کلمات, والمهمة الثانية هي سماع المشارک الجمل تحت شرطين، وهما إما أن تکون جملاً ذات نغمة أو جملاً خالية النغمة، وأشارت نتائج الدراسة إلى وجود عجز في المکون اللفظي للذاکرة العاملة، وأن ذلک العجز في سعة المکون اللفظي يتسبب في بذل مجهود أکبر للاحتفاظ بالکلمة التي تليها وتؤدي إلى صعوبة في فهم الجملة.
کما قام إليس ((Ellis, 1996، بدراسة بعنوان" دور الذاکرة العاملة في اکتساب المفردات والنحو"، وناقشت الدراسة إذا ما کان للذاکرة العاملة دور رئيسي في اکتساب اللغة، وتکونت عينة الدارسة من (18) طفلاً توحدياً تتراوح أعمارهم بين (8-12 سنة )، و أشارت النتائج إلى أن عملية تعلم اللغة الثانية لا يؤدي إلى نتائج جيدة، وأن الأفضل هو تعلم اللغة الثانية باستخدام الصوت، لأن ذلک يرجع إلى المکون اللفظي في الذاکرة العاملة الذي يحسن من عملية نطق اللغة.
وبحثت دراسة آن وجاثرکول (Anne, & Gathercole, 1996)، في "العلاقة بين المکون اللفظي للذاکرة العاملة وتطور اللغة المنطوقة عند الأطفال"، وتکونت العينة من (22) طفلاً توحدياً تتراوح أعمارهم ما بين (4 و5 سنوات). وقد تم تقدير اللغة المنطوقة عند الأطفال من خلال سرد قصة معينة يستمع لها الأطفال ثم يطلب منهم استدعائها وتتم مساعدتهم من خلال عرض الصور، وکم المعلومات التي يسترجعها الطفل من خمسة جمل منطوقة تؤخذ کمؤشر لقدرات الطفل اللغوية، کما أن مهارات المکون اللفظي للذاکرة العاملة تمت الإشارة إليها من خلال مدى الذاکرة، ومن خلال القدرة على إعداد الجمل غير المترابطة، وأظهرت النتائج علاقة إيجابية بنسبة ضئيلة.
ففي دراسة راسل وجارولد وهنري (Russell, Jarrold, & Henry, 1996)، المعنونة بِـ "الذاکرة العاملة لدى الأطفال التوحديين مع صعوبات التعلم متوسطة الحدة"، هدفها معرفة إذا ما کان الأطفال التوحديين ضعافاً بشکل عام على اختبارات الذاکرة العاملة، وضمت الدراسة عينة قوامها (22) طفلاً توحدياً بمتوسط عمري (12,4 عاماً), و(22) طفلاً سوياً بمتوسط عمري (6,3 عاماً)، وجميعهم تم إعطاؤهم سبعة مهام من أجل فحص الفروق الجماعية في سعة الذاکرة العاملة، وأشارت نتائج الدراسة إلى أن الأطفال التوحديين يستخدمون المکون اللفظي في الذاکرة العاملة بنفس کفاءة الأطفال الأسوياء، وهم ليسوا ضعافاً بشکل عام على اختبارات الذاکرة العاملة.
وقام بينيتو وزملائه (Bennetto, & et all, 1996) بدراسة بعنوان "وظائف الذاکرة العاملة التامة والتالفة في التوحد"، حيث هدفت الدراسة إلى مقارنة وظائف الذاکرة لدى (19) شخصاً توحدياً عالي الوظيفية وتتراوح أعمارهم ما بين (11-24)، مع (19) شخصاً من الأسوياء تتراوح أعمارهم ما بين (11-21عاماً), وذلک من خلال اختبار مکونات الذاکرة العاملة بطريقة المهمة المزدوجة. وقد أشارت النتائج إلى أن التوحديين کانوا أقل أداءً بشکل عام على کل من (ذاکرة الترتيب المؤقت, وذاکرة الاستدعاء الحر, والذاکرة العاملة, والوظيفة الإجرائية)، بينما لم يکونوا قليلي الأداء على المقاييس الفرعية للتعرف, والإدراک, والاستدعاء الملقن, وقدرات التعلم الجديدة.
أما دراسة ويزمر وإيفانس وهيسکث (Weismer, Evans, & Hesketh, 1999) والتي کانت بعنوان"اختبار سعة الذاکرة العاملة اللفظية، في الأطفال ذوي العجز اللغوي المحدد"، فقد هدفت إلى فحص سعة الذاکرة العاملة اللفظية (ذوي العجز اللغوي) المحدد باستخدام مهمة المعالجة النحوية التي وضعها کل من جوليان وکامبل Gaulin & Campbell))، وتکونت عينة الدراسة من (20) طفلاً ذا عجز لغوي محدد, تتراوح أعمارهم ما بين (9-13) عاماً، ولقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن کلاً من الأطفال الأسوياء والأطفال ذوي العجز اللغوي المحدد، قد أظهروا ضعفاً في استدعاء الکلمات، وتم تفسير ذلک على أنه يشير إلى السعة المحدودة للمعالجة اللغوية المرتبطة بدورها بالسعة المحدودة للذاکرة العاملة.
کما أجرى أوندراسيک وجاري (Ondracek, & Gary 2000) دراسة بعنوان:"اکتساب الأطفال المعلومات المکانية من خلال الوصف اللفظي"، وهدفت الدراسة إلى فحص التأثيرات المختلفة للاستدلال المکاني على ذاکرة الأطفال لوصف البيئة، وأيضاً على قدرة الأطفال على الاستدلال المکاني من خلال الوصف اللفظي, وتکونت عينة الدراسة من (48) طفل تتراوح أعمارهم من (6-7) أعوام, وکانت المهمة هي أن يحاول الأطفال وصف مکان ما قد شاهدوه مسبقاً حيث يحدث تخيل بصري للمکان أثناء شرح هذا المکان لفظياً, وأظهرت النتائج بشکل عام الدور الواضح لمکونات الذاکرة العاملة في التنسيق بين المعلومات البصرية والمعلومات اللفظية.
وفي دراسة أخرى أجرتها اَن وجاثرکول (Anne, & Gathercole, 2000)، بعنوان" حدود الذاکرة العاملة متضمنة تطور اللغة "، کان الغرض الأساسي هو تحديد ما إذا کان اختلاف الأشخاص في اکتساب مهارات الاتصال اللغوي يرجع إلى حدود الذاکرة العاملة. وقد تم اختبار هذه العلاقة بين إنتاج اللغة وقدرات الذاکرة العاملة من خلال مجموعتين من الأطفال متناظرتين من حيث القدرات اللغوية، لکنهم يختلفون في قدراتهم من حيث مهارات إعادة الکلمات غير المترابطة. وتکونت کل مجموعة من (10) أطفال, وأشارت نتائج الدراسة إلى أن هناک علاقات دالة إحصائياً وجدت بين کل من نمو اللغة وبين مدى الذاکرة العاملة اللفظية (المکون اللفظي للذاکرة العاملة)، وقد تم قياسها من خلال الاستدعاء غير المنطوق.
وقام أندريد Andrade, 2001) )، بدراسة بعنوان: شواهد عن الذاکرة العاملة في التوحد "هدفت إلى فحص الذاکرة العاملة لدى عينة توحد عالية الوظيفية"، مکونة من (4) إناث و(21) ذکراً، تتراوح أعمارهم ما بين (7-18 عاماً)، مقارنة مع کل مجموعة إکلينيکية ضابطة مشخصة بأعراض متلازمة (توريت) مکونة من (4) إناث و(11) ذکراً، تتراوح أعمارهم ما بين (8-19 عاماً)، ومجموعة أسوياء مکونة من (6) إناث و(9) ذکور تتراوح أعمارهم ما بين (9-18 عاماً)، وذلک من خلال منهج المهمة المزدوجة، وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن الذاکرة العاملة لا يکون الضعف فيها خطيراً في حالة التوحد.
وفي نفس العام أجرت إيجيستي وماري ((Eigsti, & Marie, 2002، دراسة بعنوان "عملية تعلم الکلمات ووظائف الذاکرة عند الأطفال التوحديين", وقد هدفت هذه الدراسة لفحص عملية تعقد اللغة التلقائية عند التوحديين، وتنوع المهام اللغوية بهدف تکوين قصة من خلال مشاهدة صور ذات مغزى، وقد أشارت النتائج إلى أن التوحديين ظهر لديهم قصور محدد في العمليات النحوية والإعرابية, والمفردات، وفي جوانب عديدة من مهام الذاکرة العاملة.
کما أجرى کل من ريد وتافي (Read, & Taffy, 2002)، دراسة بعنوان "الإدراک البصري کمقياس للذاکرة العاملة عند الأطفال التوحديين"، وقد هدفت الدراسة إلى التحقق من فرضية أن الأطفال التوحديين لديهم قصور في الذاکرة العاملة وهذا الافتراض قد تم اختباره باستخدام مهمة المنظور البصري حيث تم تحميل الذاکرة العاملة بشکل منظم. وقد شارک في هذه الدراسة مجموعتان مجموعة من الأطفال التوحديين، ومجموعة من الأطفال المتخلفين عقلياً، وأشارت نتائج الدراسة إلى أن أداء التوحديين على مهام الذاکرة العاملة بشکل منظم أقل بکثير من المتخلفين عقلياً.
وقام جارسيا وآخرون (Garcia, Domingo, 2002)، بدراسة بعنوان "أداء مهمة مزدوجة في التوحديين البالغين" بهدف الکشف عن العجز في الأنظمة التابعة في نموذج الذاکرة العاملة، وذلک بالمقارنة بين مجموعة من التوحديين، ومجموعة من الأسوياء على العجز الوظيفي لأنظمة الذاکرة العاملة التابعة، والمدير التنفيذي على أساس الشواهد السابقة على وجود عجز وظيفي في التوحد، والتي اقترحت أن الأطفال التوحديين قد أظهروا نموذج من القدرات غير الواضحة في الأنظمة الفرعية للذاکرة العاملة, على الرغم من العجز الظاهر في وظائف المدير التنفيذي. وتکونت العينة من (16) فرد توحدي بمتوسط عمري (21,9) عاماً, وتمت المقارنة على أداء مهام تنفيذية متضمنة مهام ثنائية، وأشارت النتائج إلى أن مجموعة التوحديين قد أظهروا تلفاً واضحاً في المدير التنفيذي، والأنظمة الفرعية للذاکرة العاملة بالنسبة للمجموعة الضابطة, لکن لم توجد فروق دالة إحصائياً بين المجموعتين في أداء المهام الفرعية.
کذلک قامت بولت وآخرونBolt, & Poustka, 2002) )، بدراسة بعنوان "مقارنة الصور الجانبية لذکاء کل من الطفل التوحدي عالي الوظيفة والطفل العادي"، وهدفت الدراسة إلى معرفة ما إذا کان الأطفال التوحديون مرتفعو الوظيفية يختلفون عن أقرانهم منخفضي الوظيفية على مهام الذاکرة العاملة، مع وضع البروفيل الخاص بالذکاء في الاختبار, وتکونت العينة من (33) طفلاً توحدياً مرتفع الوظيفية و(26) طفلاً توحدي منخفض الوظيفية, وتم استخدام مقياس وکسلر لذکاء الأطفال ومهام سعة للذاکرة العاملة, وأشارت النتائج إلى عدم وجود فرق واضح بين التوحدي المرتفع والمنخفض في بروفيل الذکاء، ولکن النتائج ذات المغزى ظهرت في اختبار مدى الأرقام حيث أن التوحدي المرتفع وجد لديه تلف بسيط في الذاکرة العاملة, وأن التوحدي المنخفض لديه تلف أکبر مما يؤدي إلى نسبة معالجة أقل من خلال الذاکرة العاملة.
وأجرى وليامز وآخرون (Williams, & et al, 2005)، دراسة بعنوان "قصور الذاکرة في الجوانب الاجتماعية لدى التوحديين"، هدفت إلى فحص کل من الذاکرة الصوتية والبصرية لدى (29) من التوحديين و(43) من الأسوياء کمجموعة ضابطة، واستخدمت الدراسة مقياس وکسلر للذاکرة في قياس مدى الذاکرة العاملة، ولقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن مجموعة التوحديين قد أدت تماماً مثلما فعلت المجموعة الضابطة على المهام المباشرة والمتأنية للذاکرة في الکلمات، وأيضاً الذاکرة العاملة اللفظية، لکن أظهر الأطفال التوحديون عجزاً مقارنة بأقرانهم في المجموعة الضابطة على المهام المباشرة والمتأنية، وأيضاً مهام الذاکرة العاملة وظهر ذلک في تذکر الوجوه والأماکن.
الدراسات ذات العلاقة بالمشکلات السلوکية والوظيفية ومشکلات النوم:
وقام کل من لوبيز ورسل (Lopez, & Russell, 2001)، بدراسة بعنوان "دراسة العلاقة بين الوظائف التنفيذية والأعراض التکرارية للطفل التوحدي عالي الوظيفية"، وهدفت الدراسة إلى فحص العلاقة بين الوظائف التنفيذية والأعراض التکرارية للطفل التوحدي, حيث تمت مضاهاة (17) شخصاً بالغاً توحدياً من حيث العمر والأداء، مع (17) شخصاً سوياً على مقياس الذکاء، وقد تضمنت الدراسة صفحة الوظائف التنفيذية للتوحد مثل(العجز في المرونة المعرفية، والتخطيط، والقدرات المشوشة نسبياً في الذاکرة العاملة), وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن کلاً من المرونة المعرفية، والذاکرة العاملة، وکبت الاستجابة مرتبطين بالاستجابات التکرارية لدى الطفل التوحدي.
کما قامت جيلوتي وزملائها ((Gilotty, Kenworthy, Sirian, Black, & Wegner, 2002، بدراسة بعنوان "مهارات التکيف والوظيفة الإجرائية في اضطراب الطيف التوحدي"، ولقد هدفت هذه الدراسة إلى تحديد العلاقة بين القدرات التنفيذية والسلوک التکيفي، على عينة قوامها (35) طفلاً توحدياً مستخدمة في ذلک اثنين من التقارير الوالدية لوظائف الحياة اليومية، وقد أشارت نتائج الدراسة إلى أن الذاکرة العاملة ارتبطت ارتباطاً سلبياً مع معظم السلوک التکيفي عند الأطفال التوحديين.
وبحثت دراسة ويليام وآخرون (William, & et all, 2004)، عن مشکلات النوم عند الأطفال التوحديين، حيث تم إجراء المسح على عينة من (210) طفلاً توحدياً, باستعمال استبانة اعتمدت مقياس ليکرت الخماسي لإعداد تقرير الآباء, وأشارت غالبية المشکلات التي تم رصدها في الاستبانة إلى أن هذه المشکلات تتضمن مشکلات الذهاب إلى النوم, والنوم الممتلئ بالأرق, وعدم الذهاب للنوم في السرير المخصص للنوم، وأشارت کذلک إلى أن بعض مشکلات النوم تتمثل في: هو يسير, يتحرک, الصداع في الصباح, البکاء أثناء النوم, المعاناة من الکوابيس. حيث أشارت النتائج إلى عدم وجود فروق في مشکلات النوم والتي لها علاقة بالعمر وکذلک التبول اللاإرادي، وتمت ملاحظة توافق بين المشکلات الطبية ومشکلات النوم، والمشکلات المشاهدة، وهي مشکلات التنفس، وسيلان الأنف الذي يرتبط مع قلة فترات النوم الليلية، والافتقار إلى الشهية, وعدم النمو, مع زيادة فترات عدم النوم في الليل, والافتقار إلى الشهية وعدم النمو يترابط مع قلة التوق إلى النوم.
منهج الدراسة:
استخدمت الباحثتان المنهج الوصفي الارتباطي.
الطريقة والاجراءات:
العينة:
وقد أجرت الباحثتان الدراسة على عينة عشوائية مکونة من (30) طفلاً مصاباً باضطراب التوحد حسب التشخيص الطبي والمقاييس النفسية لهم، حيث کانت العينة من أکاديمية التوحد الأردنية، ومرکز إدراک للتربية الخاصة، والمرکز العربي للتربية الخاصة.
الأداة:
قامت الباحثتان بتطوير استبانة خاصة لفئة التوحديين ومايعانوه من مشکلات صحية ونفسية مکونة من تسعة أبعاد، ويحتوي کل بعد على خمس فقرات تفي لأغراض هذه الدراسة لتقيس مايلي:
الذاکرة العاملة – مشکلات النوم – السلوک الفوضوي – ضبط الانتباه والتهور - المشکلات الانفعالية - الإنسحاب الاجتماعي - ضعف القدرات - الضعف الجسمي - ضعف الثقة بالذات.
صدق وثبات الأداة:
وللتحقق من صدق استبانة الذاکرة العاملة ومشکلات النوم والمشکلات السلوکية لفئة التوحد، قامت الباحثتان بعرضها على محکمين من ذوي الاختصاص وذوي الخبرة والکفاءة في مجال التربية الخاصة من أعضاء هيئة تدريس في الجامعات، وعاملين في مراکز التربية الخاصة، ومعلمي صعوبات التعلم، للحکم على صلاحية فقراتها ووضوح اللغة، وقد طُلِب منهم إبداء ملاحظاتهم وآرائهم حول مدى وضوح الفقرات ومناسبتها لمجال الذاکرة العاملة ومشکلات النوم والمشکلات السلوکية لفئة التوحد الذي تنتمي إليه، ولقد اعتمدت نسبة الموافقة (85%) فأکثر من آراء المحکمين للإبقاء على الفقرة، مع الأخذ بعين الاعتبار التعديلات، والملاحظات، والإضافات، حيث تم إعادة صياغة بعض الفقرات غير المناسبة لتخلص إلى (45) فقرة.
کما تم التحقق من ثبات الأداة من خلال حساب معامل ثبات الاتساق الداخلي حسب معادلة کرونباح ألفا، على عينة من خارج عينة الدراسة بلغ عددها (10) طلاب، ويوضح جدول (1) معاملات ثبات استبانة الذاکرة العاملة ومشکلات النوم والمشکلات السلوکية لفئة التوحد:
جدول (1)
معاملات ثبات استبانة الذاکرة العاملة ومشکلات النوم والمشکلات السلوکية لفئة التوحد
أبعاد الإستبانة |
الذاکرة العاملة |
مشکلات النوم |
السلوک الفوضوي |
ضبط الانتباه والتهور |
المشکلات الانفعالية |
الإنسحاب الاجتماعي |
ضعف القدرات |
الضعف الجسمي |
ضعف الثقة بالذات |
الثبات |
0,863 |
0,832 |
0,856 |
0,873 |
0,793 |
0,842 |
0,876 |
0,813 |
0,884 |
ويتضح من جدول (1) أن معاملات الثبات تراوحت مابين (0,793- 0,884)، وهذه المعاملات مناسبة وتفي لأغراض الدراسة الحالية.
نتائج الدراسة:
ولاختبار سؤال الدراسة:
هل توجد علاقات دالة إحصائياً عند مستوى دلالة (α =0,05) بين اضطرابات النوم وکل من الذاکرة العاملة والمشکلات السلوکية لدى الأطفال التوحديين؟
تم حساب معاملات الارتباط بين درجات الأطفال التوحديين على مقياس اضطرابات النوم وکل من درجات الطلبة التوحديين على مقياس الذاکرة العاملة ودرجات الطلبة التوحديين على أبعاد مقياس المشکلات السلوکية، ويوضح جدول (2) هذه النتائج:
جدول(2)
جدول معاملات الارتباط بين الذاکرة العاملة ومشکلات النوم والمشکلات السلوکية لفئة التوحد
|
الذاکرة العاملة |
مشکلات النوم |
السلوک الفوضوي |
ضبط الانتباه والتهور |
المشکلات الانفعالية |
الإنسحاب الاجتماعي |
ضعف القدرات |
الضعف الجسمي |
ضعف الثقة بالذات |
الدرجة الکلية |
الذاکرة العاملة |
|
0,103 |
-0,256 |
0,051 |
0,027 |
0,201 |
0,258 |
0,274 |
0,274 |
0,137 |
مشکلات النوم |
|
|
-0,078 |
0,032 |
-0,046 |
0,009 |
-0,053 |
-0,106 |
-0,076 |
-0,061 |
مستوى الدلالة (α =0,05)
يتضح من النتائج في جدول (2) أعلاه عدم وجود ارتباط بين اضطرابات النوم وکل من الذاکرة العاملة والمشکلات السلوکية لدى الأطفال التوحديين حيث تراوحت معاملات الارتباط (-0,256- 0,274) وهي نتائج غير دالة إحصائياً عند مستوى الدلالة (α =0,05).
مناقشة النتائج:
ومن خلال نتائج التحليل الإحصائي توصلت الباحثتان إلى النتائج التالية:
1- عدم وجود ارتباط بين اضطرابات النوم وکل من الذاکرة العاملة والمشکلات السلوکية لدى الأطفال ذوي اضطراب التوحد وتراوحت معاملات الارتباط بين (-0,256- 0,274)، وهي غير دالة إحصائياً عند مستوى الدلالة (α =0,05).
2- لم توضح النتائج وجود أي فروقات دالة إحصائياً وهذه النتيجة اتفقت مع ما سبق ذکره في الأبحاث والدراسات السابقة، من صعوبة دراسة مثل هذه المتغيرات عند هذه الفئة من فئات أفراد التربية الخاصة، کما أن الدراسات السابقة أجمعت على أن هذه المتغيرات لايمکن تحديد أثرها ومدى ارتباطها بمتغيرات أخرى، وترى الباحثتان أن مثل هذه الدراسات لهذه الفئة من أفراد التربية الخاصة تحتاج لدراسات طولية بمدة زمنية مابين (3-5) سنوات، من خلال أخصائيين في التربية الخاصة وبالمشارکة مع أطباء متخصصين وذوي خبرة بمعالجة وتدريب مثل هذه الفئة من أفراد التربية الخاصة.
توصيات الدراسة:
1. العمل على تکثيف البحوث والدراسات الطولية على عينة أکبر من الأطفال التوحديين لمعرفة العلاقة الواضحة بين الذاکرة العاملة ومتغيرات أخرى مرتبطة.
2. دراسة المتغيرات على الأطفال التوحديين بشکل منفرد ومن ثم ربط العلاقات.
3. تکثيف الدراسات العربية على فئات التوحد، ولکثير من المشکلات والسمات المصاحبة لهم لأن قلة الدراسات شکلت عائقاً لربط علاقات المتغيرات وإيجاد حلول لها.
4. توفير دعم مدرسي فعال لهؤلاء الأطفال، مما يقلل من المشکلات التعليمية التي يواجهونها.