مستقبل السياسة التعليمية في مصر بعد جائحة کورونا

نوع المستند : مقالات علمیة محکمة

المؤلف

أصول تربية و التخطيط التربوى ووزير التربيه و التعليم و التعليم الفنى السابق

المستخلص

يشهد العالم في القرن الحالي ثورات علمية وتکنولوجية غير مسبوقة أحدثت تغيرات کبيرة في کل مناحي الحياة، الأمر الذى يستوجب منا إعادة النظر في کيفية التعامل مع هذه الثورات وإقناع متخذي القرارات بضرورة تطوير السياسات التعليمية في ضوء المستحدثات التکنولوجية التي أفرزتها والتغيرات العالمية التي أحدثتها، وما يطرحه الفکر التربوي من تساؤلات مهمة حول الفرد الذى يجب أن يتعلم، ولماذا يتعلم، وماذا يتعلم، وأمد التعليم وضوابطه، وآليات انتقال المتعلمين من مرحلة إلى أخرى، والطريقة المُثلى لتوزيع الطلاب على أنماط التعليم المختلفة، ومسؤولية تمويل التعليم، ونوع وطبيعة المعارف التي يجب أن يقدمها النظام التعليمى للمتعلمين، وآليات ومعايير اختيار القيادات التعليمية، وذلک من منطلق أن النظام التعليمي يمثل الرکيزة الأساسية والقلب النابض لأنظمة المجتمع المختلفة؛ وأن مستقبل العالم بات فى يد الشعوب المتعلمة التي تستطيع إنتاج المعرفة وتوظيفها وتحويلها إلى ميزات تنافسية وقيم مضافة.
وإيمانًا بأهمية السياسة التعليمية فى توجيه وضبط عمل أى نظام تعليمى وانعکاساته على کل مناحي الحياة؛ فإن هذه الورقة البحثية تطرح التساؤل الرئيس التالي: کيف يمکن للسياسة التعليمية في مصر أن تُخرج النظام التعليمى من أزماته الحالية إلى حالة من التوازن والتکامل تضمن استمراره في أداء وظيفته بصورة منتظمة ومتوازنة وعلى مستوى عال يفي بمتطلبات وتطلعات المجتمع المصري ويجعل التعليم قطاعًا إنتاجيًا فاعلاً وخلاقًا فيما بعد جائحة کوفيد19؟ وقد تم الإجابة عن هذا التساؤل من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية: ما مفهوم السياسة التعليمية؟، وما أهميتها وخصائصها؟، وما المعايير التي تنطلق منها؟، ، ثم تقديم مجموعة من المقترحات والتوصيات التي يمکن الاسترشاد بها والاستفادة منها في رسم وتحديد توجهات السياسة التعليمية في مصر فيما بعد الجائحة الحالية (کوفيد19).

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


مقدمة

يشهد العالم في القرن الحالي ثورات علمية وتکنولوجية غير مسبوقة أحدثت تغيرات کبيرة في کل مناحي الحياة، الأمر الذى يستوجب منا إعادة النظر في کيفية التعامل مع هذه الثورات وإقناع متخذي القرارات بضرورة تطوير السياسات التعليمية في ضوء المستحدثات التکنولوجية التي أفرزتها والتغيرات العالمية التي أحدثتها، وما يطرحه الفکر التربوي من تساؤلات مهمة حول الفرد الذى يجب أن يتعلم،  ولماذا يتعلم، وماذا يتعلم، وأمد التعليم وضوابطه، وآليات انتقال المتعلمين من مرحلة إلى أخرى، والطريقة المُثلى لتوزيع الطلاب على أنماط التعليم المختلفة، ومسؤولية تمويل التعليم، ونوع وطبيعة المعارف التي يجب أن يقدمها النظام التعليمى للمتعلمين، وآليات ومعايير اختيار القيادات التعليمية،  (6) وذلک من منطلق أن النظام التعليمي يمثل الرکيزة الأساسية والقلب النابض لأنظمة المجتمع المختلفة؛ السياسية والاقتصادية والثقافية، وأن مستقبل العالم بات فى يد الشعوب المتعلمة التي تستطيع إنتاج المعرفة وتوظيفها وتحويلها إلى ميزات تنافسية وقيم مضافة.

مشکلة الدراسة

تسعى هذه الدراسة للإجابة عن التساؤل الرئيس التالي:

کيف يمکن للسياسة التعليمية في جمهورية مصر العربية أن تُخرج النظام التعليمى من أزماته الحالية إلى حالة من التوازن والتکامل تضمن استمراره في أداء وظيفته بصورة منتظمة ومتوازنة وعلى مستوى عال يفي بمتطلبات وتطلعات المجتمع المصرى ويجعل التعليم قطاعًا إنتاجيًا فاعلاً وخلاقًا فيما بعد جائحة کورونا؟

وللإجابة عن هذا التساؤل -ومن ثَم الوصول إلى بعض المقترحات والتوصيات التي يمکن الاسترشاد بها والاستفادة منها في رسم مستقبل السياسة التعليمية في مصر فيما بعد الجائحة الحالية (جائحة کورونا) - سعت الدراسة للإجابة عن الأسئلة الفرعية التالية:

  • ما مفهوم السياسة التعليمية؟ وما أهميتها وخصائصها؟ وما المعايير التي تنطلق منها؟
  • ما علاقة السياسة التعليمية بقضية تحقيق العدالة الاجتماعية؟
  • ما علاقة السياسة التعليمية بقضية تمويل التعليم؟
  • ما علاقة السياسة التعليمية بقضية تجويد التعليم؟
  • ما علاقة السياسة التعليمة بقضية العولمة والمحافظة على الهوية؟
  • ما علاقة السياسة التعليمية بقضية إصلاح حال المعلم؟
  • ما علاقة السياسة التعليمية بقضية بناء مجتمع المعرفة؟
  • ما علاقة السياسة التعليمية بقضية الثقافة والإبداع؟
  • ما المقترحات والتوصيات التي يمکن الاسترشاد بها والاستفادة منها في رسم مستقبل السياسة التعليمية في مصر فيما بعد الجائحة الحالية (جائحة کوفيد19) في ضوء الإجابة عن هذه الأسئلة؟

أولا: مفهوم السياسة التعليمية وأهميتها وخصائصها والمعايير التي تنطلق منها

 يعد مصطلح "السياسة" بصفة عامة من مصطلحات العلوم الإنسانية ومن ثم تتعدد تعريفاته، وبالتبعية تتعدد تعريفات مصطلح "السياسة التعليمية" وتختلف من فترة زمنية لأخرى ومن مجتمع لآخر نظرًا لارتباطه بمفهوم السياسة العامة، وفى هذا السياق يمکن اعتبار السياسة التعليمية مجموعة من التوجهات والمبادئ العامة التي تحکم عمل النظام التعليمى لتحقيق أهدافه في إطار السياسة العامة للدولة.

 وتمثل السياسة التعليمية عملية ديناميکية تتفاعل فيها مجموعة من العوامل المؤثرة من داخل  النظام ومن خارجه ، مع اختلاف کل منها في تأثيره بقدر ما يمتلکه من قوة أو سلطة ونفوذ، وتتمثل أهمية السياسة التعليمية فى أمور کثيرة من بينها تحديد السبل التى يجب اتباعها لتحقيق الأهداف التربوية، وتحويل هذه الأهداف إلى إنجازات ملموسة، والمساعدة على استقرار عمل النظام التعليمى مع تغير المسئولين؛ حيث إنها تمثل دستور عمل يساعد على الفهم السليم لمتطلبات العمل التربوي، ومن ثم التجانس فى الأعمال والقرارات وعدم الانحراف عن الخط المحدد سلفاً.

وهناک أنماط متعددة من السياسات التعليمية ، منها : السياسات  التعليمية العامة؛ وتتولى المستويات الإدارية العليا تحديدها ککل دون الدخول فى التفاصيل، والسياسات التعليمية الإدارية؛ وتتولى وضعها الإدارات المرکزية التى يتکون منها البناء التنظيمى للنظام التعليمى ، والسياسات التعليمية الثانوية؛ ويتم اتباعها فى الإدارات الفرعية لمنظومة النظام التعليمى،  وبالرغم مـن کونهـا ثانوية إلا أنها تعطى توجيهًا وترسم اتجاهًا لعمليتي صنع القرارات واتخاذها ، والسياسات المختلطة وتغطى مجالات مختلفة فى إدارة معينة من إدارات التعليم مثل التمويل، والموارد البشرية، وتحسين المناخ التنظيمى، وتدريب الإداريين وغير ذلک، وبذلک تمثل السياسة التعليمية مظلة تحکم عمل النظام التعليمي ککل بما يتضمنه من محاور ومتغيرات تتعلق بقضايا مثل الإتاحة وتکافؤ الفرص، والتمويل، وتجويد العملية التعليمية بما تتضمنه من مناهج دراسية، وإعداد معلمين وتدريبهم، وتنفيذ الأنشطة التربوية الصفية واللاصفية، والاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة، وربط التعليم باحتياجات سوق العمل وخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلک کما سيتضح من  باقى المحاور التي ستتناولها الدراسة بالتحليل.

ثانيًا: السياسة التعليمية وقضية تحقيق العدالة الاجتماعية وتکافؤ الفرص التعليمية

کانت مؤسسات التعليم فى العالم حتى نهاية الحرب العالمية الثانية - في الغالب- مؤسسات لتعليم النخبة Elite  بمعنى أنـه لم يکن هناک تکافؤ بين النسب الممثلة لطبقات المجتمـع داخـل المجتمـع الطلابـى بهـذه المؤسسات، إلا أنه مع نهاية الحرب العالمية الثانية لم تعد السياسة التعليمية تهتم بتحديد من الذى يلتحق بمؤسسات التعليم ، وفى ظل هذا الوضع رکزت السياسة التعليمية فى مصر منذ عام ١٩٥٢ على إحداث تغيرات جذرية من أجل بنـاء الهيکل الاجتماعي على أساس سليم، و کانت الظروف السياسية والـسعي وراء التنميـة الاقتصادية بالإضافة إلى حاجة أفراد المجتمع إلى التعليم هي المحرک الأساسى والمـشجع الأول للحکومة على التوسع فى إنشاء المدارس والجامعات وکذلک المعاهد والکليات التطبيقية، وکان المبرر لهذا التوسع يندرج تحت مفاهيم تتعلق بالديمقراطية والتنويع ونشر التعلـيم بکـل مستوياته فى البيئات المحلية ، ومن ثم کان هناک توسعا کبيرًا فى التعليم الابتدائى والإعدادى والثانوى والجامعى فى فترة الـستينيات والسبعينيات من القرن الماضى وأصبحت الفرصة  متاحة - لأول مرة- أمام أعداد کبيرة من أبناء المجتمع بکل طبقاته للالتحاق بالتعليم فى مراحله المختلفة .

والواقع أن النجاح فى الالتحاق بأى مؤسسة تعليمية أيًا کانت السعة المتاحة بها يعد نتاجًا لعدة عوامل، هى الطموح من قبل الطالب وأسرته، والقدرات وإمکانية الالتحاق، ومن هـذا يتضح أن فرص الالتحاق لا تتساوى أمام الأفراد من الطبقات الاجتماعية المختلفة، وذلک لأن الکلفة ومستوى الطموح يختلفان طبقا للإمکانات المادية والتعليمية المتاحة، والحقيقة أنه لم يکن هناک أى نوع من القلق إزاء هذا الوضع  في  النصف الأول من القرن الماضى ، فقد کان هناک اعتقادٌ بأن السياسة التعليمية ترکز بشکل ملحوظ على  تعليم أبناء الطبقات العليا فى المجتمع، إلا أنه مع نهاية الحرب العالمية الثانية تغير الوضع ولم تعد السياسة التعليمية في معظم المجتمعات تهتم  بتحديد من الذي يتلقى لتعليم ، بل إن المحور الأساسى فى أى سياسة تعليمية فى معظم المجتمعات بات يدور حول مدى قدرتها على اجتذاب عددٍ  أکبر من الطلاب ، ثم تزايد هذا الاهتمام مرة ثانية بتحديد من الذي يجب أن  يلتحق  بالتعليم، وقد تناولت الدراسات السابقة هذا السؤال من خلال اتجاهين: (22 : 26 - 65)

الأول يرى أن هناک اهتمامًا متناميا للتعرف على المواهب وزيادة حجم القوى البشرية المدربة المطلوبة لسد حاجات سوق العمل، وفى ظل هذا الاتجاه ازداد اهتمام العديد من الدول الصناعية الغربية بالتعرف على ذوي القدرات العقلية المرتفعة والتوسع فى التعليم بغرض زيادة رأس المال البشري، أما الاتجاه الآخر فيرکز على تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية الذي لم يکن مطروحًا لفترة طويلة، من خلال توزيع فرص الالتحاق بالتعليم بين الطلاب على أساس القدرات العقلية بصرف النظر عن نوعية الطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها.

وقد کان التوسع في التعليم  في مصر  بعد عام 1952يندرج تحت مفاهيم تتعلق بالديمقراطية Democratization والتنويع Diversification ونشر التعليم بکل مستوياته فى البيئات المحليةRegionalization، وقد ظهر مفهوم الديمقراطية لتحقيق مزيدٍ من الفرص التعليمية، ومن ثم کان لابد من التوسع، أما فيما يتعلق بسياسة التنويع فکان المقصود بها تنويع الوظائف والبرامج ، وقد تم تبيينها کنوع من الاستجابة لمتطلبات التنمية الوطنية، وکاستراتيجية تسعى لإرضاء طموحات الطلاب الذين يرغبون فى الاستمرار ومواصلة دراساتهم، ويعد التنويع محاولة أساسية لربط متطلبات الإنتاج بمؤسسات التعليم ، مما يترتب عليه اختفاء بعض الوظائف التقليدية والتحول نحو وظائف ومجالات عمل جديدة.

وأما رؤية الحکومة فى ضرورة نشر التعليم بکل مستوياته على المستوى المحلي؛ فقد کان لإرضاء ومواجهة الحاجات المحلية لکل محافظة، وقد أدت هذه السياسة التوسعية التنموية إلى ضرورة وجود نظام تعليمى جديد يتميز بمداخل واستراتيجيات جديدة؛ حيث أن البعض يفترض أن السياسة التعليمية التى تبنتها الدولة المصرية فى مجال التعليم بکل مستوياته في العقود الخمسة الأخيرة وما ترتب عليها من توسع قد أدى إلى وجود نظام تعليمي هرمي A Hierarchical Educational System  يساعد على إبراز الطبقية وإعادة تشکيل الطبقات الاجتماعية فى المجتمع المصرى. (9)

وإذا کان ذلک التوسع قد جاء من قبل الدولة کى يساعد أبناء المجتمع فى التغلب على الحواجز التى تعوق التحاقهم بمراحل التعليم المختلفة بصفة عامة، وإذا کان التغيير فى الترکيب الاجتماعي للطلاب بمراحل التعليم المختلفة شيئًا متوقعًا بعد هذا التوسع من منطلق أن الأماکن التى أضيفت قد استوعبت أعدادًا کبيرة من الطبقات التى لم تکن ممثلة فى التعليم، فإن التساؤل الجوهري الذي يحتاج إلى إجابة هنا يدور حول تحديد الطبقات التى استفادت بالفعل من هذا التوسع؛ فعلى سبيل المثال قد يکون تمثيل الطبقة العليا قد بلغ ذروته فى التعليم نتيجة للقدرات المتاحة لديهم مما يجعل المنافسة بينهم وبين أبناء بقية الطبقات شيئًا صعبًا.

إن فرص الالتحاق بمؤسسات التعليم لا تتساوى أمام الأفراد من الطبقات الاجتماعية المختلفة، وذلک لأن الکلفة ومستوى الطموح يختلفان طبقا للمواد والظروف التعليمية المتاحة؛ فالطالب الذي ينتمى لأسرة غنية أو ذات مستوى تعليمى مرتفع يکون أکثر دراية بالفوائد التى يمکن أن يحصل عليها فى المستقبل نتيجة لحصوله على مستوى معين من التعليم " دخل أعلى، نمط حياة أفضل ….. الخ " مما يجعله أکثر استعدادًا وطموحًا للاستفادة من الدراسة وممارسة أنشطة إضافية ذات علاقة بها، هذا بالإضافة إلى أن کلفة التعليم لا تمثل له مشکلة إذا ما قورن بزميل له ينتمي لأسرة فقيرة ، فعلى الرغم من أن المصاريف الدراسية والکتب والأدوات قد تکون واحدة إلا أن مستوى التضحية غالبًا ما يکون أعلى بالنسبة للطلاب الفقراء، وهکذا فالتغلب على عاملي الکلفة وتوفير الأماکن من الممکن أن يؤثر على الترکيب الاجتماعي للطلاب إلى حد تصبح فيه الظروف المدرسية والأسرية محدودة التأثير على مستوى الطموح والتحصيل ، وهناک اتجاهات متعددة ومتباينة حول هذا الموضوع .

أحد هذه الاتجاهات ذو علاقة وثيقة بالحراک الاجتماعي ، وهو يرى أنه إذا ما درسنا المجتمع السکاني الذي يقع فى شکل هرمي من حيث المستوى الاجتماعي فى ضوء ( الدخل ومستوى التعليم والوضع الوظيفى ) يکون من المتوقع أن يؤدي التغلب على الحواجز وتوفير مزيد من الأماکن إلى إتاحة فرص أکثر أمام الطبقات الأقل تمثيلا فى التعليم بمستوياته المختلفة، وهذا الرأي مبنيٌ على أساس أن القدرة العقلية الفطرية ليست مرتبطة بشکل نهائي بالطبقة الاجتماعية، وان التمثيل المحدود للطبقات التى تقع أسفل السلم الاجتماعي بمؤسسات التعليم المختلفة يعود بدرجة کبيرة إلى الظروف المحيطة بهذه الطبقات، ويمثل هذا الرأي الاتجاه الميرتوقراطى الذي ينادي بالمساواة فى القبول بکل مستويات التعليم بين الأفراد المتساويين فى القدرات، بصرف النظر عن الطبقات الاجتماعية التى ينتمون إليها، وهذا ما يؤکده " دانيال بل  Daniel Bell   " حينما يقول " إنه فى ظل النظام الميرتوقراطى تکون درجات الطالب هى المعيار فى القبول بمؤسسات التعليم بغض النظر عن وضعهم فى المجتمع حتى يمکن استغلال المواهب " . (15)

وهناک اتجاه آخر يرى أن التغلب على الحواجز وتوفير الأماکن، لا يؤدي إلى مزيد من التمثيل أمام الطبقات المحرومة ، أو الأقل تمثيلاً بمراحل التعليم المختلفة، ولکن بدلاً من ذلک قد يؤدي إلى المزيد من التمثيل للطبقات المتوسطة وذلک من منطلق أن الظروف المادية الأفضل والمستوى الثقافي المناسب للطبقة المتوسطة قد يرجح أي جهد عقلى لدى أبناء هذه الطبقة مما يؤدي إلى استبعاد الطبقة الدنيا، حيث أن الظروف الأفضل للطبقة المتوسطة تمکنها من مقاومة أي تغيير مبني على أساس المساعدة المادية للطبقة الدنيا، وبالتالي تکون أکثر نجاحًا فى الحصول على المزيد من الأماکن  .

وهناک اتجاه ثالث يؤکد على أن التغلب على الحواجز وتوفير المزيد من الأماکن لا يحدث أي تغيير فى التوازن الاجتماعي الموجود، وذلک من منطلق أن القوة التى تتمتع بها الطبقة الاجتماعية هى التى تمکنها من مقاومة أي تغيير من الممکن أن يؤثر على موقفها بين طبقات المجتمع، فلو أنه على سبيل المثال تم تخصيص منح دراسية أو مادية للطلاب الفقراء من الطبقة الدنيا بالمدارس الحکومية سوف نجد أن الطبقات الأفضل وضعًا فى الهرم الاجتماعي ستزيد من جهودها کى تؤکد أنها ذات مکانة معينة فى المجتمع لا يمکن التأثير عليها، وقد يکون رد الفعل الطبيعى فى مثل هذه الحالة هو الانتقال من المدارس الحکومية إلى المدارس الخاصة أو الدولية. (15)

ويذهب" بولز وجينتزBowles& Gintis  "  في هذا الشأن إلى أن الميرتوقراطية هي الأيديولوجية التى تساعد على تقنين وتدعيم مبدأ عدم تکافؤ الفرص السائد فى المجتمع ، وذلک على أساس أن مظهر الميرتوقراطية الذي يتسم بتحقيق المساواة يخفي وراءه حقيقة نظام تربوي مرتبط بإعادة إنتاج العلاقات الاقتصادية (21 : 240) ، ويضيف " بورديو Bordiew    " إلى ذلک ما أسماه بآلية إعادة الإنتاج ، والتي تتمثل فى أن رأس المال الثقافى هو الذي يحدد التحصيل الدراسي فى المدارس وبالتالى الالتحاق بالمراحل الدراسية التالية فى السلم التعليمى ، وذلک من منطلق أن المدرسة لا تقدم فرصًا تعليمية متساوية بمعنى أنها لا تراعى الفروق الفردية فى عملية التعليم ، وبالتالي فإن الطلاب الذين يتمتعون بخلفية ومستوى ثقافي عال هم الذين يستفيدون بشکل جيد من التعليم ، وعلى هذا الأساس فإن التغلب على الحواجز المتعلقة بکلفة التعليم لا يکفى لتحقيق مبدأ المساواة ، ولکي يتحقق هذا المبدأ يجب أن ترکز السياسة التعليمية على إحداث تغيير أکثر عمقًا يتضمن إعادة توزيع رأس المال الثقافي  Cultural Capital ( 14 :201)

معدل التمثيل %

 

ويؤکد " هلسى Halsey    " أنه على افتراض أن القدرة العقلية والدافعية هما اللذان يحددان الالتحاق بمراحل التعليم المختلفة، فتأثير التوسع فى أى مرحلة سوف يؤدي إلى تقليل فرص أي طبقة فى الالتحاق بها إلى أقصى حد، والشکل التالى رقم (2) يوضح التغيير الذي يحدث فى تمثيل کافة الطبقات الاجتماعية بالتعليم العالي فى ظل التوسع المنظم والمستمر مع مرور الوقت فى هذا التعليم ( 16: 167)

 

شکل رقم (1)

منحنيات افتراضية لمعدل التغيير فى تمثيل الطبقات الاجتماعية المختلفة

مع مرور الوقت وتحويل التعليم من النظام النخبوي إلى النظام الجماهيري

ويتضح من هذا الشکل أنه فى البداية، وعندما يکون نظام التعليم نظامًا نخبويًا يکون تمثيل الطبقات العليا هو التمثيل الرئيس ثم يزداد معدل هذا التمثيل تدريجيًا، ولکن بدرجة بطيئة فى البداية ثم تزداد سرعته فيما بعد حتى يصل إلى الذروة ويصبح فى مستوى أفقي، وبعد ذلک يکون من الطبيعي والمتوقع أن يأخذ تمثيل الطبقة المتوسطة نفس الخط، أما تمثيل الطبقة الدنيا، فيزداد عندما يتحول نظام التعليم إلى نظام جماهيري. [1]*

وقد تناول کل من " نونان وسلتزمان Noonan & Eelgquist Saltzman    عدة طرق أخرى يمکن استخدامها فى الإجابة عن السؤال سالف الذکر؛ حيث يريان أن صياغة السؤال بالشکل التالى: (ما مدى العلاقة بين إسهام کل طبقة من طبقات المجتمع فى التعليم فى سنة معينة بنظيره فى سنة معينة أخرى ولتکن 1973 مع 1992؟) يتطلب تقدير هذا الإسهام فى الفترتين لکل طبقة ، لکن من المحتمل هنا أن يأتي التغيير حسب توقع غالبية الناس وتکون الطبقة الثالثة هى أکثر الطبقات استفادة فى تحقيق المکاسب ، ولکن الاعتراض الأساسي على هذه الطريقة يکمن فى أنها تبالغ فى حرکة الطبقة الدنيا ، وذلک لأنها تبدأ بقاعدة بسيطة جدا وبمعدل يبالغ في أي تغيير ،  فلو انه على سبيل المثال کان هناک صفر لمعدل النمو فى عام 1973 لطبقة معينة  فأي تحسن سوف يکون بلا نهاية ، ولتفادي هذا الوضع قدم " نونان وسلتزمان  " طريقة تسمح بوجود قواعد لمراتب مختلفة الأهمية وذلک بأن نسأل السؤال على النحو التالي: ما علاقة المکسب الذي تم تحقيقه بأعلى مکسب کان من الممکن تحقيقه وأطلقوا عليه اسم المکسب النهائى  Residual Gain Method   فعلى سبيل المثال : نفترض أن حققت المجموعة  X والمجموعة Y

5% إسهامًا جديدًا ولکن المجموعة X   بدأت عند مستوى 90% من الإسهام والمجموعة   Y عند مستوى 10% من الإسهام بتحليل علاقة هذه المکاسب بأعلى مکسب کان من الممکن تحقيقه نجد أن نسبة 5% عندما تقسم على 10% وهي قاعدة البداية توضح أن المکسب عبارة عن 50% فى المجموعة X   بينما عندما نقسم 5% على 90% فى المجموعة Y نجد أن المکسب عبارة عن 6.5% فى هذه المجموعة (20: 3)

وهنا نلاحظ أن هذه الطريقة تحدث نوعًا من التوازن بالنسبة للحد الأقصى للتأثير بمعنى أنه کلما کانت قاعدة البداية قريبة من 100% کان من الصعب تحقيق قدر عال من الإسهام فى الطريقة الطولية على المدى البعيد، وعلى الرغم من ذلک قد يکون هناک حد أدنى وأقصى للتأثير يزداد ببطء فى البداية ثم تزداد السرعة فى الوسط ثم يعود بعد ذلک إلى البطء وهذا الرأى يتفق مع منحنى " هلسى Halsey " للإسهام الذي تحققه طبقة اجتماعية فى التعليم على مدار فترة زمنية معينة.

وفى ضوء ما تقدم يمکن القول بأن الميرتوقراطية هى الأيديولوجية التى تساعد على تقنين وتدعيم مبدأ عدم تکافؤ الفرص السائد فى المجتمع، وأن التغلب على الحواجز المتعلقة بکلفة التعليم لا يکفي لتحقيق مبدأ المساواة، ولکي يتحقـق هـذا المبدأ يجب أن ترکز السياسة التعليمية على إحداث تغييرٍ أکثر عمقاً يتضمن إعـادة توزيـع رأس المال الثقافى Capital Cultural

ثالثًا: السياسة التعليمية وقضية تمويل التعليم

شهد العالم فى السنوات القليلة الماضية تغيرات کبيرة وترسخ  مفاهيم کثيرة ؛ من بينها:  انتشار مفاهيم الديمقراطية، وتطبيق مبادئ منظمـة التجارة العالمية على الخدمات، وعولمة رأس المال، وتدويل العمالة، وقد أثرت هذه التغيرات على التعليم بکل مراحله باعتباره الوسيلة الفاعلـة فـى مواجهـة هـذه التغيرات من خلال إعداده لجيل من المتخرجين يتميز بالقدرة على الإبداع والمنافسة فى سوق العمل العالمى، الأمر الذى جعل معظم أنظمة التعليم فى العالم تواجه عجزًا فى الموارد المالية بسبب عدة عوامل؛ منها: النمو السکاني السريع خاصة فى دول العالم الثالث، وارتفاع کلفة التعليم فى مراحله المختلفة.

وفى ظل ما يشهده العالم من ثورات تکنولوجية ومعرفية انعکست على کل مناحي الحياة ظهرت فى الآونة الأخيرة اتجاهات متعددة في تمويل التعليم في کثير من دول العالم؛ بعـضها يرکز على التمويل الذى تقدمه الدولة وترشيده کمصدر أساسي للتمويل ، والبعض يرکز على إسهامات الطلاب وأولياء الأمور والتبرعات والهبات وعوائد الأوقاف، والبعض الآخر يرکز على خصخصة التعليم أو جزء منه وتسويق الخدمات والأنشطة، ويمکن إجمال الإصلاحات التى رکزت عليها السياسة التعليمية فى هذا الصدد فى معظم دول العالم فى الإصلاحات المتعلقة بالموازنة وتخصيص الموارد، وبتخفيض النفقات وزيادة الکفاءة، وبالتشغيل والمکافآت، وبالإدارة وتوزيع السلطات، وکذا دعم التمويل الحکومي المقدم للتعليم بمصادر تمويل إضافية غير حکومية مثل: الرسوم الدراسية والقروض الطلابية والهبات والتحول إلى المؤسسات التعليمية المنتجة ، وکذا تسليع جزء من التعليم والخدمات والأنشطة المرتبطة به.

والواقع أنه على الرغم من التزايد فى حجم التمويل الذي يقدم إلى مؤسسات التعليم مـن جهـات غـير حکومية فى کثـير من دول العالم فى السنوات العشر الماضية، إلا أن التمويل الحکومي لا يزال يمثـل المصـدر الرئيس لتمويل تلک المؤسسات، والمقصود هنا بالتمويل الحکومي ذلک التمويل المستمد من حصيلة الضرائب وهو ما يطلق عليه فى کثير من دول العالم "التمويل العام"؛ ويقدم هذا التمويل للتعليم عن طريق الحکومة المرکزية أو عن طريق المشارکة بينها وبين الحکومات المحلية ( 8: 187)، وبالتدقيق فى طبيعة التمويل العام للتعليم نجد أن له ثلاثة مؤشرات أساسية؛ تشمل: (12: 9) التمويل العام للتعليم کنسبة من الناتج المحلى القومي الإجمالى، والتمويل العام للتعليم کنسبة من مجمل الإنفاق الحکومي، ونصيب الفرد من التمويل العام للتعليم.

   وفى ضوء حجم وأهمية التمويل الحکومى الذى يقدم للتعليم في مختلف دول العالم ظهر اتجاه قوى يرى ضرورة إجراء إصلاحات فى هـذا التمويل تساعد على تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد التي يوفرها، ويؤکد على أن ذلک يمثل اتجاهاً مهماً فى عمليـة البحث عن طـرق وأساليب جديدة لتمويل التعليم فى العصر الحالي، ويمکن إجمال الإصلاحات التى رکزت عليها السياسة التعليمية فى هذا الصدد فى معظم دول العالم فيما يلى: 

أ- الإصلاحات المتعلقة بالموازنة وتخصيص الموارد (Budget Reform)؛ وتشمـل التدابير التى أقرتها معظم النظم التعليمية فى هذا الشأن (10: 436 – 437، 19: 6):

  • نقل المسئولية والمساءلة المالية إلى الوحدات الفرعية العاملة بقدر ما تسمح به خبرة هذه الوحدات مع عدم التخلي الکامل عن السيطرة المرکزية.
  • الأخذ بنظام التمويل المبني على الصيغة المعادلة الذى يتخذ عدد المقيدين ونتائج الخريجين ومؤشرات أخرى أساساً لـه.
  • مراقبة الميزانية بشکل منتظم طوال العام عن طريق مقارنة التمويل الفعلي والإنفاق بالنسبة لمختلف بنود المـيزانية، فإذا وجدت فروق بين التمويل الفعلي والإنفاق، کما من المحتمل أن يحدث تکون وظيفة الإدارة تصحيـح هـذه الأخطاء.
  • عمل تدريب خاص في أعمال الميزانية لکل المديرين ورؤساء الوحدات؛ حيث إن أغلب العاملين فى مجال التعليـم تکون خلفياتهم محدودة فى الإدارة المالية.

ب- الإصلاحات المتعلقة بالإنفاق (تخفيض النفقات وزيادة الکفاءة) (ExpenditureReforms)؛ ويتطلب هذا النوع من الإصلاح فى مؤسسات التعليم الترکيز على عدة أمور؛ تشمل: (18: 24)

  •  نقل مسئولية اتخاذ القرارات بکل مستوياتها إلى قادة التعليم.
  •  العمل على تطوير الإدارة، حتى تستطيع اتخاذ القرارات المناسبة.
  •  الترکيز على الأنشطة التي تحظى باهتمام جماهيرى.
  •  الاهتمام بالمحاسبية لتقليل نسبة الشک وعدم الثقة لدى جهات التمويل.
  •  تقييم تکلفة الخدمات المقدمة من مؤسسات التعليم وبحث ما إذا کان التعاقد مع جهات أخرى من خارج هذه المؤسسات أکثر فعالية بالنسبة للتکلفة.
  •  إنشاء آليات لتحليل التکاليف ومحاولة الربط بينها وبين الفوائد فى کل قطاع من قطاعات التعليم الجامعي.

جـ- الإصلاحات المتعلقة بالتشغيل والمکافآت (استخدام الموارد) Employment and Compensation Reforms؛ ويقصد بهذه الإصلاحات في المؤسسات التى تنتج الخدمات أو البضائع التغيير فى التکنولوجيا المستخدمة فى الإنتاج وکذا فى المهارات وفى الخصائص وفى عدد العمال بما يؤدى فى النهاية إلى تغيير الرسالة أو المنتج، أما هذه الإصلاحات فى مؤسسات التعليم فيقصد بها وجود مؤسسات مختلفة - على الأقل - من حيث السلوک بما تتضمنه من أعضاء هيئة تعليم وإداريين وعمال. ويذهب (جونستون وآخرون 1998) فى هذا الصدد إلى أن الاستخدام الکفء والفعال للموارد العامة فى مؤسسات التعليم فى ظل التغير السريع فى قطاعات العمالة يتطلب کثيرًا من الإصلاحات، من بينها: (18: 25)

  • القدرة على زيادة المکافآت التي يتم دفعها مقابل مهارات معينة يتطلبها السوق.
  • القدرة على التوقف عن الدفع عندما يصبح من يتلقون هذه المکافآت غير قادرين على مواجهة وتحقيق ما يطلب منهم.
  • القدرة على تغيير حجم الأعباء من خلال التحول إلى العمل بنظام بعض الوقت Part time
  • القدرة على خفض متوسط تکاليف مرتبات العاملين وأعضاء هيئة التعليم فى الدول ذات الدخل المرتفع، وذلک بتعيين المزيد من أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم الأصغر سناً والذين يمکن أن يکملوا عمل أعضاء هيئة التدريس ذوي المرتبات المرتفعة والتدريب الکافى والخبرة العالية.

وبالطبع فإن هذه الإصلاحات قد تتعارض مع نظام الخدمة المدنية فى بعض الدول -ومنها مصر - وکان من الصعب على کثير منها قبل سنوات قليلة مجرد التفکير فيها، إلا أنها طبقتها حاليًا وأصبح هناک إمکانية الاستغناء عن العامل عندما يصبح غير منتج ، ومن بين هذه الدول روسيا ودول شرق أوروبا والصين ، کما ظهرت فى مصر أصوات تنادي بضرورة إعادة النظر فى هيکل العمالة بالمؤسسات التعليمية والتخلص من جوانب الهدر المتمثلة فى مرتبات ومکافآت بعض أعضاء هيئة التعليم الذين لا يقدمون خدمات تعليمية، وکذا الأعداد الزائدة من الموظفين الإداريين، وتقديم خدمات طلابية مجانية غير مبررة والتأثيث الترفي، ومکافأة البعض بدون وجه حق (11 : 92).

د - الإصلاحات المتعلقة بالإدارة وتوزيع السلطة Devolution of Management and Spending Authority؛ ويقصد بهذه الإصلاحات تحريک السلطة من الحکومة المرکزية إلى الحکومات الإقليمية ثم إلى مؤسسات التعليم نفسها، وأن يتضمن أى هيکل تنظيمى فى أى مؤسسة تعليمية عدة نماذج لتوزيع السلطة على الإدارة المالية، والقائمة التالية تقدم نماذج بعضها يرکـز على المرکزية والبعض الآخر يرکز على اللامرکزية فى هذا الصدد. (10: 432 – 433، 17: 130-134):

  • النموذج البيروقراطي المرکزي؛ وتقوم من خلاله الإدارة المرکزية بتلقي کل الموارد، ثم تقوم بعد ذلک بتوزيعها وإدارتها.
  • النموذج البيروقراطي اللامرکزي؛ ويتم من خلاله اتخاذ القرارات الاستراتيجيـة بمعرفة الإدارة المرکزيـة، ثم تترک قرارات التشغيل اليومية للإدارات الفرعية.
  •  نموذج القرار السياسي؛ ويتم من خلاله اتخاذ القرارات الاستراتيجية فى المرکز وتکون مبنية علـى الإجمـاع فى إطار من الحوار الجماعي.
  • نموذج الوحدات المشترک؛ ويتم من خلاله تحصيل الموارد عن طريق الإدارات الفرعية وإدارتها عن طريق الإدارة المرکزية.
  • نموذج التنظيم الليبرالي؛ ويتم من خلاله تحصيل الموارد والاحتفاظ بها أو استخدامها أو شـراء خدمـات مرکزية عند الحاجة بمعرفة الإدارات الفرعية.

ويمکن أن تکون عملية تخصيص الموارد وإدارتها خليطًا من أکثر من نموذج. وقد حدث تحول فى کثير من دول العالم - وخاصة النامية منها - فى النظم البيروقراطية للإدارة المالية فى المؤسسات التعليمية والتى کانت مفروضة من الحکومات، إلا أن هذا الأمر ما زال يتطلب مزيدًا من الإصلاح والتحول، الأمر الذى يستلزم وجود تفاهم وتحديد للأدوار والمسئوليات بين الوزارات المرکزية المعنية مثل وزارة التعليم ووزارة المالية، وکذا المديريات المحلية بما فيها التعليم والمالية وغيرها.

           ويذهب (أندرسون وبريجز وبورتون (Anderson, Briggs & Burton,2001 في هذا الشأن إلى أن إدارة مصادر التمويل الذى يقدم للتعليم يجب أن تتم من خلال نموذج يتکون من أربع مراحل أساسية؛ تشمل: (13: 22)

  • مرحلة تأمين المصادر Obtaining Resources، وفيها يتم تأمين هذه المصادر عن طريق الحکومة أو الرسوم الدراسية أو الهبات أو تسليع جزء من التعليم والخدمات والأنشطة المرتبطة به أو غيرها.
  • مرحلة توزيع المصادر Allocating Resources، وفيها يتم اتخاذ القرارات المتعلقة بتوزيع هذه المصادر على المراحل الدراسية وأنوع التعليم والأنشطة المختلفة.
  • مرحلة استخدام المصادر Using Resources، وفيها يتم تنفيذ القرارات؛ حيث يتم الإنفاق على البنود المختلفة، ومن ثم يتضح مدى فاعليتها.
  • مرحلة التقويم والمراجعة Evaluation and Review، وفيها يتم التقويم والمراجعة لما تم تمهيداً للمرحلة التالية من دائرة إدارة الموارد.

والواقع أن السياسة التعليمية فى مصر منذ خمسينيات القرن الماضي ظلت تنطلق من مبدأ أن الحکومة هى المصدر الرئيس لتمويل التعليم؛ على اعتبار أن الدولة وحدها - دون أفرادها ومؤسساتها - هي المسئولة عن تمويل الإنفاق على مؤسسات التعليم الحکومية باعتبارها مؤسسات الدولة التى تقدم التعليم بالمجان طبقًا للدستور، وقد ترتب على هذا الوضع عدم کفاية الموارد التى تقدمها الحکومة للإنفاق على التعليم، وأصـبح الأمر يستلزم ضرورة البحث عن طرق ومصادر جديدة للإسهام فى تمويل التعليم خاصة فى ظل ظهور متغيرات عديدة، لعل فى مقدمتها الانفجار فى أعداد الطلاب الراغبين فى الالتحاق بمراحل التعليم المختلفة، وارتفاع کلفة التعليم  والأنشطة المرتبطة به بکل المراحل التعليمية، و سعي مؤسسات التعليم إلى تحقيق مستوى معرفي يساعد المتخرجين على المنافسة فى سوق العمل العالمي.

وحيث إن مشکلات تمويل التعليم فى مصر وکثير من دول العالم تتمثل فى عدم کفاية الموارد المالية وسوء تخصيصها وانخفاض کفاءتها، فقد رکزت السياسة التعليمية فى هذه الدول فى على إجراء مجموعة من الإصلاحات المهمة حول تمويل التعليم، وقد کان الشيء اللافت حول هذه الإصلاحات هو وجود تشابه بين النماذج الإصلاحية التى تبنتها السياسة التعليمية فى کثير من تلک الدول على الرغم من اختلاف النظم السياسية والاقتصادية والتقاليد السائدة فى کل منها، وکذا المستوى الصناعى والتکنولوجي الذى وصلت إليه.

رابعًا: السياسة التعليمية وقضية تجويد التعليم:

هناک رؤىً متعددة حول قضية تجويد العملية التعليمية بکل أبعادها؛ منها ما کان يرفض تطبيق إدارة الجودة الشامة فى مؤسسات التعلـيم، ومنها ما کان -ومازال- يؤکد على أهمية الاستفادة منها فى هذه المؤسسات ، والواقع أن تطبيق إدارة الجودة الـشاملة فـى مؤسسات التعليم بات من المسائل الضرورية بل والملحة بسبب أمور کثيرة؛ منها ارتفاع کلفة التعليم ، والعجز التعليمـى المتمثـل فـى الاستثمار دون عائد؛ نظرًا لعدم استجابة  المخرجات التربوية لاحتياجات أسواق العمل في کثير من الأحيان ، ومن ثم ارتفاع معدلات البطالة ، هذا بالإضافة إلى أن الواقع الدولى يشير إلى أن مؤسسات التعليم فى دول العالم التي حققت نجاحات ملموسة في مجال إعداد القوى البشرية لأسواق العمل وإنتاج وتوليد رأس المال المعرفى القادر على المنافسة وتحقيق قيم مضافة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية يشير إلى أنها قد استفادت بدرجة کبيرة من محاولات تطبيق مبادئ إدارة الجـودة الـشاملة التي بدأتها منذ ثمانينيات القرن الماضي ، ثم ضاعفتها عدة مرات منذ ذلک الحين حتى أصبح من الصعب الآن - کما يشير " مارشـيز  Marchese "- أن نجـد مؤسسة تعليم واحدة فى أمريکا أو اليابان لا تطبق مبادئ إدارة الجودة الشاملة .

وتتضمن المحاور الرئيسة لأى نموذج لتطبيق مبادئ إدارة الجودة الشاملة فى مؤسسات التعليم جودة کل من : الطالب، وعضو هيئة التعليم، والبرامج التعليمية، وطرق التدريس ، والکتاب ، وقاعات الدراسة وتجهيزاتها ، والإدارة التعليمية ، واللوائح والتشريعات ، والتمويل ، و تقييم الأداء، ويتمثل الهدف الرئيس لفلسفة إدارة الجودة الشاملة فى الترکيز على احتياجات العميل ، والعمل على تحقيقها من خلال أساليب وأدوات متعددة؛ منها: المقابلات الشخصية مع العملاء والاستماع الفعال المتبادل ، واستخدام الاستبيانات وعمليات المسح ، والعصف الذهني، والرسومات البيانية للاحتمالات المتوقعة .

وعلى الرغم من أن هناک أوجهًا للتشابه بين عملاء التعليم وعملاء الصناعة والتجارة، هناک أيضًا  أوجه للاختلاف؛ فعملاء التعليم ليسوا بالضرورة الأفراد الذين يدفعون الأموال ، کما أنهم ليسوا فقط الطلاب، لأن فهم عملاء التعليم علـى هـذا النحو قد يؤدى إلى اعتقاد الکثيرين داخل مؤسسات التعليم - وخاصة القيادات منهم - أنهم يعرفون احتياجات العملاء (الطلاب)  أکثر منهم  أنفسهم باعتبارهم أقل معرفة وإدراکًا ، ومن هنا تتضح أهمية القيادة کعنصر من العناصر المهمة فى حرکة الجـودة داخـل المؤسسة التعليمية؛ حيث إن کـل فـرد  من أعضاء هيئة التعليم ومعاونيهم والإداريين في تلک المؤسسات يجب أن يتحول إلى قائد في موقعه. وهذا الشيء ينطبق على التعليم کما ينطبـق علـى أى قطاع آخر.

ويتفق کثير من التربويين والاقتصاديين على أنه -أياً کان الحال- تظل إدارة الجودة الشاملة مجرد وسيلة أو أداة نظرية في مؤسسات التعليم حتـى يـتم تطبيقهـا والاستفادة منها فى الواقع الميداني، وذلک مـن خـلال عدة إجراءات؛ منها:

  • وضع رؤية شاملة للمؤسسة التعليمية تقودها مباشرة إلى بناء بيئة الجودة والترکيز بدرجة کبيرة على العميل.
  • تحديد البناء التنظيمي لتنفيذ الجودة ويتضمن ذلک وجود مجلس ومدير للجودة، وفريقًا لتصميمها، وتقييمًا ذاتيًا.
  • توسيع الهيکل التنظيمى بما يضمن إنشاء قسم للجودة، وتحديد قائد لفريق الجودة.
  • ضمان استمرارية الجودة، وذلک من خلال تدريب العاملين على تطويرها، والمراجعة الدورية للبرامج والعمليات المختلفة للمؤسسة التعليمية.
  • التطوير والتحسين، وتعد هذه الخطوة من أهم الخطوات فى رحلة الجودة؛ حيث تعد فرق تصميم الجودة، بمثابة المحرک الرئيسي لعملية إدارة الجودة الشاملة، وهذه العملية لا يمکنها الاستمرار بدون وجود فرق للتطوير والتحسين الفعال.
  • التخطيط الاستراتيجى للجودة؛ فعندما تقوم المؤسسة التعليمية بوضع وتحديد خطط قصيرة المدى، وأخرى طويلة المدى وکذلک رؤى وأهداف خاصة بها، يکون من الضرورى إدراج برنامج الجودة ضمن هذه الاستراتيجيات والأهداف؛ حيث إن الجودة لا يمکن أن ينظر إليها کجزء منفصل عن هذه العناصر الحيوية فى إدارة المؤسسة التعليمية

خامسًا: السياسة التعليمة وقضية العولمة والمحافظة على الهوية:

من المعلوم أن الهُويَّة تتشکل من خلال تراکم معرفي طويل ومشترک، وتمثل حجر الأساس في تکوين الأمم ، وأنها لا تتشکل عن طريق قرارات فوقية أو توجيهات عليا سياسية، وذلک على عکس الوحدة الاقتصادية التى لا تتطلب تراکمًا تاريخيًّا ثقافيًا مشترکًا، وينحصر کل ما تحتاجه في مجرد إرادة سياسية وقرارات فوقية وبعض القواعد التنظيمية والتنفيذية، ويمکن أن نلاحظ ذلک بسهولة من خلال المقارنة بين وحدة أوروبا والوحدة العربية؛ حيث إن الأولى تعتمد بالأساس على تبادل المصالح الاقتصادية، بل وتنطلق منها وتلتزم بها کل الأطراف المشارکة من خلال قرارات سياسية وقواعد تنظيمية وتنفيذية، أما الثانية فتعتمد بالأساس على وحدة اللُّغة والتراکم التاريخى والثقافى المشترک، مع التمحور حول مجرد الفکرة والتغنى بها دون النظر للمصالح القومية المشترکة، وذلک لأننا لم نتمکن يومًا من ترجمة وحدتنا الثقافية إلى تکامل وتبادل للمصالح، وربما يعود ذلک لتضارب المصالح القُطرية في عصر العولمة وما فرضته من تحديات وآليات باتت تعصف بکثير من الدول الفقيرة والضعيفة.

ولا شک أن المخاطر والتهديدات والفرص والتحديات التى تفرضها حرکة العولمة على الهويَّة الثقافيَّة للدول الضعيفة والفقيرة تنعکس سلبًا وإيجابًا على مفهوم الدولة الوطنية وما يرتبط به من مفاهيم أخرى مثل الاستقلال والإرادة الوطنية؛ فهناک من يُجَمِل العولمة فيراها انتخابات وتجميع لکل القيم الإنسانية النبيلة الموجودة في کل المجتمعات ونشرها على المستوى الإنسانى، وهذا الکلام غير صحيح لأن واقع الحال أن العولمة تعنى القولبة؛ بمعنى قولبة العالم في قالب واحد غربي أو بالأحرى أمريکي، تدور فيه کل الأطراف في فلک المرکز الذى يجذبها نحوه ويشدها إليه، بل وإن شئت فقل أنه يربطها به برباط قوي تتکون حلقاته من الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، وأحيانًا التخريب والتدمير. إنه قالب يرکز في مرکزه على قيم الإنتاج وإنجاز المشروعات القومية في إطار من الخطط الاستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى، وفى أطرافه يرکز على نشر قيم الاستهلاک والاستمتاع والکسب السهل والإيقاع السريع، وکذا تضييع الوقت والجهد والمال في صراعات جهوية، أو دينية مذهبية، أو عرقية وقبلية.

وللعولمة آليات ومخالب وأدوات تُستخدم وقت الحاجة ضد المناوئين والمعارضين والرافضين؛ تضم منصات الإعلام الدولية القادرة على هدم مجتمعات في أيام أو ساعات، والشرکات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات التى صارت تتحکم في کل الثروات وعناصر الإنتاج، وکذا مؤتمرات الکبار، والبنک الدولي، وصندوق النقد الدولي، والجنائية الدولية، ومنظمات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الأجيال الجديدة من الحروب التى تُبث عبر الأقمار الصناعية والقنوات الفضائيَّة، وشبکة الإنترنت، وعبر ممارسات الحياة اليوميَّة، ونظم التدريب والتعلم والتعليم.

ويطرح محمد عابد الجابري في کتابه (مسألة الهُويَّة) سؤالًا جوهريًّا مضمونه: "ما العربي؟" ونضيف سؤالاً موازيًا: وما الأوروبى؟ وقد ذهب الجابري إلى أن الإجابة عن السؤال الأول ترتبط بنوع الوعي الذي يتسم به من يتلقى السؤال ويستقبله، فإذا کان هذا الشخص أوروبيًا تشکل وعيه بواسطة وسائل الإعلام الغربية، فإن وصفه للعربي سيکون "أنه شخص ينتمي إلى منطقة بها بترول وجماعات إسلامية متطرفة، أو مهاجر يزاحمه العمل"، أما إذا کان متلقي السؤال شخصًا من أصول عربية أرغمته الظروف على الهجرة إلى أوروبا؛ فإنه سيصف العربي بأنه "شخص غير مرغوب فيه يتعرض لممارسات عنصرية"، وعلى الجانب الآخر إذا طرح سؤال ما الأوربي؟ ستختلف بالطبع الإجابات طبقًا أيضًا لطبيعة المتلقي والبيئة التى نشأ فيها وتشکل فيها وعيه، والواقع أن تعدد الإجابات بهذه الصورة هو شيء طبيعي؛ لأن السؤال في کلتا الحالتين يتعلق بالهُويَّة، التى هى وجود وماهية.

ويؤکد أنتونى فيرجر وآخرون Antoni Verger أن العولمة تؤثر بشکل حتمي سواء إيجابًا أو سلبًا علي واضعي السياسات التعليمية ومتخذي القرار التعليمي على المستوى الوطني للدول، وبصفة خاصة الدول النامية الفقيرة والضعيفة، التي تکون مضطرة في کثير من الأحيان للالتزام بما تفرضه المؤسسات الدولية -المانحة والممولة لمشروعات السياسات التعليمية - من شروط مباشرة وصريحة  أو غير مباشرة من خلال الدفع بخبراء واستشاريين دوليين للمشارکة في رسم السياسات التعليمية في تلک الدول کشرط للتمويل والتعاون ، ويذهب فيرجر وزملاؤه إلى أن واضعي السياسات التعليمية في الدول النامية يجب أن يکونوا هم أصحاب القول الفصل في رسم السياسات التعليمية لبلادهم حتى وإن کان لا مفر من إعطائها البعد العولمي الذي لم يعد منه مفر بسبب ثورة الاتصالات وحرية انتقال العمالة بين الدول بعد توقيع اتفاقية الجاتس، ويؤکدون على أهمية وجود البعد المحلي والوطني تراثيًا وثقافيًا وحضاريًا وإنسانيًا في کل مکونات السياسات التعليمية الوطنية حتى مع دمجها في البعد العولمي.

ولمواجهة خطر العولمة والمحافظة على الهُويَّة العربية؛ فإن الأمر يتطلب منا نحن العرب أن نسلک دروبًا ونبذل جهودًا؛ أولها التشبث بالهوية والمحافظة على مفهوم الدولة الوطنية والمبادرة والسعى نحو بناء وحدة قومية عربية تحافظ على الهوية وتعتمد مبدأ التکامل وتبادل المنافع والمصالح، وتتبنى منهج الإبداع الذاتي عبر إعادة الطلاب والمعلمين إلى المدارس، وکذا التعاون والاعتماد المتبادل مع الآخر من مبدأ الندية والمعاملة بالمثل، ومن ثم التحول من الاستهلاک إلى الإنتاج ومن الاستيراد إلى التصدير ومن الجواب عن سؤال: ما العربي؟ على أنه "کيان خطي أو استاتيکي جامد" إلى: "کونه هوية ديناميکية قادرة على التفاعل والتأثير والتأثر مع محيطها والخروج من جلبات القابعين في مدرجات المتفرجين".

وحيث إن فعالية أي سياسة تعتمد على تنفيذها، فإن الأمر يتطلب العديد من المبادرات والإجراءات ، التي يجب أن تتخذها جهات متعددة بشکل متزامن وبطريقة منهجية، منها قطاعات وإدارات ديوان عام الوزارة ، والمديريات والإدارات التعليمية بالمحافظات ، والمجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى ، والمراکز البحثية النابعة للوزارة ، ونقابة المعلمين ، والمجلس الأعلى للآباء والمعلمين والمجلس الأعلى للجامعات ، والمدارس والجامعات من أجل ضمان أن يتم تنفيذ السياسة بروحها وهدفها، من خلال الاتساق في التخطيط والتآزر عبر کل هذه الهيئات المشارکة في التعليم، وتأسيسًا على ذلک ، تکون السياسة التعليمية في أي نظام تعليمي عملية مهمة وضرورية؛ لأنها تکون بمثابة موجهات لهذا النظام من حيث: أهدافه التي يسعى إلى تحقيقها، والخطط والأنشطة والبرامج التي يقدمها من خلال مراحله التعليمية المختلفة، والعمل على تنفيذها وتقييمها، وما يتعلق بها من قرارات لتطويرها .

سادسًا: السياسة التعليمية وقضية إصلاح حال المعلم:

هناک اعترافٌ على المستوى الرسمي والشعبي في مصر وکثير من دول العالم بحاجة التعليم قبل الجامعي إلى إصلاح وتطوير، کما يوجد اعتراف أيضًا أن إصلاح حال المعلم من حيث الإعداد العلمي، والتربوي، والتدريب المهني، والاهتمام به ماديًا، واجتماعيًا، ومعنويًا يأتي على رأس هذا الإصلاح انطلاقًا من نتائج دراسات علمية کثيرة مؤداها أن نجاح العملية التعليمية يعتمد بنسبة تفوق 50% على المعلم وحده وتتوزع النسبة المتبقية على المناهج، والکتب، والإدارة التعليمية، والأنشطة التربوية، والتقويم والامتحانات، وغيرها.

وعلى الرغم من اعترافنا في مصر بالدور المهم للمعلم إلا أننا في الواقع ما زلنا نهمله ولا نوفيه حقه ولا نثق فيه، ونحمله مسئولية تدهور العملية التعليمية، بل والتربوية أيضًا، وهکذا الحال منذ عقود، الدولة تتظاهر بأنها تحترم المعلمين وتقدر دورهم وتوفيهم حقوقهم المادية والمعنوية، والمعلمون بدورهم يتظاهرون بأنهم يؤدون دورهم في العملية التعليمية والتربوية بأمانة وشرف ونزاهة.

سابعا: السياسة التعليمية وقضية بناء مجتمع المعرفة:

إن التحول إلى مجتمع المعرفة في کل مکونات نظامنا التعليمي والبحثي صار أمرًا حتميًا ماسًا وضروريًا لحماية أمننا القومى سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، وکذا للحفاظ على وحدة الوطن وتماسکه وسلامة أراضيه، وهذا الأمر يتطلب بالطبع الاهتمام برأس المال المعرفي والاعتماد عليه انطلاقًا من سيادة مبدأ (المعرفة في يد الکثرة) وليس (الأموال في يد القلة)، وکذا الاعتماد عليه في إنتاج المعرفة في مؤسساتنا التعليمية ومراکزنا البحثية وتوظيفها واستثمارها کمورد اقتصادي متنامٍ لا يتوقف بالنسبة لموازنة الدولة والمؤسسات والشرکات.

وقد تضمن تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر في عام (2003) رؤية استراتيجية للدخول في مجتمع المعرفة تعتمد على مجموعة من المبادئ تتضمن: إطلاق حرية الرأي والتعبير، ونشر التعليم والارتقاء بنوعيته، وتوطين العلم والتکنولوجيا، وتطوير القدرات الذاتية في التعليم والبحث العلمي، هذا بالإضافة إلى إقامة نموذج معرفي عربي منفتح على الثقافات الأخرى ومستنير يعتمد على صحيح الدين ويبتعد عن الخرافات والخزعبلات وتوظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية وتخريبية.

ولکن يظل السؤال الذي يطرح نفسه أيضًا هنا: وماذا فعلنا بعد عام (2003) وسقوط بغداد ومن قبلها الصومال، وتنامي دور الدول غير العربية في المنطقة بشکل غير مسبوق في کافة مناحي الحياة اعتمادا على التقدم الذى تم إحرازه في هذه الدول في مجالي التعليم والبحث العلمي؟ الحقيقة أن الدول العربية بالرغم من امتلاکها لکل مقومات نجاح مثل تلک الاستراتيجية من عقول وأرض وأسواق ورؤوس أموال لم تحقق شيئًا کبيرًا بسبب تراجع وربما تدهور نظمنا التعليمية وتشرذم سياستنا البحثية.

 ثامنًا: السياسة التعليمية وقضية الثقافة والابداع:

إن الثَّقافة والإبداع يمثلان الطريق إلى التميز في کل مناحي النشاط الإنسانى؛ ومن ثم فهما يمثلان أُسسًا جوهرية وأعمدة رئيسة في أي بناء حضاري؛ وحيث إن أى ثقافة غالبًا ما لا يمکن أن تنمو وتزدهر بمعزل عن الدين؛ فقد ارتبط انتشار الثقافة العربية وسيادتها وتحولها إلى ثقافة عالمية إنسانية أفادت البشرية في زمن ازدهارها في کل مناحي الحياة من علوم ومنتجات ومبتکرات وقيم وأخلاق وفلسفة وحکمة بظهور الإسلام وانتشاره.

والواقع أن أزمة الثَّقافة العربيَّة المعاصرة تعد جزءًا لا يتجزأ من أزمتي العملية التعليمية والتربوية، والقوميَّة العربية التى لم يتفق العرب يومًا على مفهومها وحدودها، بسبب الذاتية والأنانية والقُطرية، وأحيانًا التبعية والبعد عن إعمال العقل والعلم واحتضان التفکير الخرافي، هذا بالإضافة إلى طبيعة البنية الاجتماعيَّة المتوارثة منذ مئات السنين، والتى تتسم بالثبات والجمود، وفى بعض الأحيان بالامتثال والاستسلام والبعد عن حقائق العصر وتحدياته.

ومع بدء سياسة الانفتاح في منتصف سبعينيات القرن الماضي، واستيعاب إسرائيل لدروس حرب أکتوبر عام 1973، والتخطيط والتنسيق مع الغرب لنهب ثروات المنطقة وتدمير جيوشها والتحکم في مقدراتها، توقفت المجتمعات العربية تدريجيًا عن الإنتاج وتحولت إلى الاستيراد والاستهلاک بدعم من نفر غير قليل ممن تعلموا في الغرب وعادوا بعد أن انبهروا بما رأوه أو عايشوه من سلوکيات، کما ظهرت جماعات ونزعات للتعصب الطائفي والتطرف الدينى وصارت للإرهاب حضانات تفرخ إرهابيين لتنفيذ تخريب وقتل وتدمير يحتمي کذبًا بالدين.

وقد نشطت تلک الجماعات لکنها حول نفسها تمحورت وبمفاهيمها المتوارثة القديمة تمسکت، وصارت تلک الجماعات مثل أولئک الذين أشار إليهم أفلاطون وفرانسيس بيکون بأنهم کمن دخلوا کهفًا وأداروا ظهورهم إلى فتحة الخروج فلم يروا إلا ظلامًا أو ظلالاً تنعکس على الجدار الداخلي من المارة بالخارج مضافًا إليه مخزون أنفسهم، ومع ذلک تخيلوا أنهم توصلوا إلى اليقين وحقائق الوجود وأسرار التقدم والتطور والسيادة وکيف يکون الخلود.

وخشية أن تقتلع تلک الجماعات رياح التغيير القادم بقوة من الغرب مدفوعًا ومعززًا بمفاهيم ومصطلحات جديدة لم تکن مألوفة من قبل مثل العولمة والکوکبة والعالمية والکونية، وانهيار أيديولوجيات وإمبراطوريات، مثل: الشيوعية والاشتراکية والاتحاد السوفيتى، وسيطرة أخرى مثل: الرأسمالية والإمبريالية والصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريکية، زاد رد فعل تلک الجماعات؛ فانتشرت على المستوى العربي والإقليمى والدولى موجات التعصب والإرهاب.

تاسعًا: الخاتمة والمقترحات والتوصيات:

فى ضوء کل ما تقدم وما ترتب عليه من عدم استقرار السياسة التعليمية وعدم تبنى فلسفة واضحة ينطلق منها إصلاح النظام التعليمى، وظهور حاجة ماسة لوجود منظومة من الإجراءات تُخرج النظام التعليمى من أزماته الحالية إلى حالة من التوازن والتکامل تضمن استمراره في أداء وظيفته بصورة منتظمة ومتوازنة وعلى مستوى عال يفي بمتطلبات وتطلعات المجتمع المصرى ، ويحقق مبدأ تکافؤ الفرص لجميع المصريين ، ويجعل التعليم قطاعًا إنتاجيًا خلاقًا ، في ضوء کل ذلک يمکن تقديم المقترحات التالية لتطوير السياسة التعليمية وإصلاح النظام التعليمي في مصر فيما بعد جائحة کورونا:

  1. نظرًا لأن فرص التعليم ما تزال موزعة على نحو غير متکافئ بين أبناء المجتمع المصرى وعدم انتفاع أعداد کبيرة من الطلاب بتعليم عالى الجودة - خاصة في ظل جائحة کوفيد-19 - واستمرار الأفکار النمطية التي ترکز على التمييز بين أنماط التعليم، وشعور کثير من الطلاب بالاغتراب داخل الفصول ومن ثم تسرب کثير منهم من التعليم، بات من الضرورى توسيع نطاق التعليم الجيد الشامل لکل أبناء المجتمع طبقًا للمادة 19من الدستور المصرى الصادر في عام 2014، وخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 التي تتعهد بقيام عالم قوامه العدل والإنصاف والتسامح والانفتاح، وتُلبى فيه احتياجات أشد الفئات حرمانا.
  2. إعادة  النظر في مفاهيم التعليم والتربية والثقافة؛ فنحدد من أين نبدأ وأين نتقاطع وأين ننتهى، وبالطبع لن يتحقق ذلک من غير أن نحدد مواطن القصور، ونغير من رؤيتنا الثقافية والتعليمية والتربوية فنستبدل المناهج وطرائق التدريس، ونعيد الأنشطة والانضباط إلى مؤسسات التعليم کى يتبدل الجهل بالعلم، والفقر بالغنى؛ والأنانية بالتعاون والتکامل والتکافل، وهنا فقط تتحول مخرجات التعليم والتربية والثقافة إلى أفعال ومنجزات وإسهامات حقيقية لديها  القدرة على  التأثير في کل التيارات الفکرية العالمية والإقليمية والمحلية المرتبطة بکل مناحي الحياة .
  3. عدم قصر مفهوم "إتاحة الحق في التعليم" في مجرد توفير فرصة للالتحاق بمؤسسات التعليم وإنما أيضًا إتاحة أماکن ووسائل ومصادر التعليم والتعلم للجميع بنفس الکم والجودة.
  4. ضرورة الاهتمام بالتطوير المهني للمعلمين في مجال تدريس الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، والترکيز على تأهيل المعلمين وتدريبهم لأدوار جديدة لم تکن موجودة من قبل بحيث يتحول دور المعلم إلى مرشد وميسر ومساعد بدلاً من کونه محفظًا وملقنًا ومصدرًا وحيدًا للمعلومات، وکذا احترام مهنة التدريس وتقدير المعلمين ومنحهم الثقة والمرونة التي تمکنهم من أداء أدوارهم الجديدة المنشودة.
  5. التعامل مع السياسة التعليمية على أساس أنها عمل مؤسسي کبير وعدم اختزالها في شخص واحد يحرک ويوجه کل شيء -أيًا کان موقعه- ومن ثم الحرص على مشارکة الطلاب وأولياء الأمور وکذا المعلمين من الأجيال المختلفة في صنع الخطوط العريضة للسياسة التعليمية ورسم ملامح التغيير المنشود.
  6. عدم اختزال العملية التعليمية في مجرد منصات رقمية تديرها شرکات غير تعليمية، والعمل على إعادة المعلمين والمتعلمين إلى المدارس لممارسة عملية تعليمية حقيقية، يترسخ من خلالها الدور التربوي والاجتماعي للمدرسة في حياة الطلاب؛ إذ کيف نتحدث عن تطوير العملية التعليمية ونحن غير قادرين على مجرد الاحتفاظ بالطلاب داخل المدارس، وإلحاق بعض من هم في سن التعليم بالمدارس.
  7. عدم الاعتماد الکامل على التجارب والأدوات والأساليب سابقة التجهيز في مجتمعات أجنبية قد لا تتناسب مع طبيعة المجتمع المصري، انطلاقًا من افتراض أن المعرفة الأجنبية عالمية، دون النظر لطبيعتها الخاصة باعتبارها انعکاسًا لظروف المجتمع الذى أفرزها کجزء من ثقافته وأيدولوجيته، وتناقضاته التى تتعلق بالدين أو بالعرق أو النوع.
  8. ترکيز المناهج الدراسية على بناء خلفيات علمية لدى الطلاب وتکوين قدراتهم العقلية من خلال توجهات مبنية على الحقائق بعيدًا عن الخلفيات المشوهة معلوماتيًا.
  9. التنسيق والتکامل بين التعليم قبل الجامعي والجامعي، ومنح المتعلمين الحرية في اختيار نوع التعليم وفقا لمواهبهم واحتياجاتهم.
  10. ترسيخ منظومة من القيم الخلقية والسلوکية لدى الطالب وبناء قدراته البدنية والذهنية والثقافية والوطنية في إطار من تطوير المناخ التنظيمي وتأهيل المعلمين والمشارکة المجتمعية.
  11. الترکيز على قضية القرائية والعمليات الحسابية الأولية لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية.
  12. الترکيز على التکامل بين جميع العلوم الاجتماعية والإنسانية والفنون والرياضيات والعلوم   والهندسة والتکنولوجيا لعالم متعدد التخصصات.
  13. الترکيز على الفهم بدلاً من الحفظ والتعلم للامتحانات، وعلى الإبداع والتفکير النقدي واتخاذ القرارات المنطقية والابتکار، وعلى التقييم التکويني المنتظم للتعلم بدلاً من التقييم التجميعي.
  14. الترکيز على القيم الأخلاقية والإنسانية والعدل والمساواة والإنصاف والتعاطف والتسامح واحترام الآخر والنظافة والديمقراطية والمحافظة على الممتلکات العامة والحرية والمسؤولية والتعددية والمهارات الحياتية مثل التواصل والتعاون والعمل الجماعي والمرونة.
  15. دراسة تجربة التعليم عبر الإنترنت وتقييم فوائد دمج التعليم التقليدي مع التعليم عبر الإنترنت وکيفية تعزيز الجوانب الإيجابية والتخفيف من آثار الجوانب السلبية.
  16. تشجيع الاستثمار في البنية التحتية الرقمية في مجال التعليم، وتوظيف التکنولوجيا في التعليم والتعلم، وإزالة الحواجز اللغوية، والتخطيط التعليمي والإدارة الحديثة.
  17. تزويد المعلمين بمنصات وأدوات تدريس سهلة الاستخدام عبر الإنترنت مثل واجهة الفيديو ثنائية الاتجاه والصوت ثنائي الاتجاه، ورصد تقدم المتعلمين وذلک لتقديم الدروس عبر الإنترنت کما هو الحال في ظل الوباء الحالي.
  18. إنشاء مستودع رقمي للمحتوى بما يتضمنه من دورات دراسية وألعاب للتعلم والمحاکاة والواقع المعزز وتطوير الواقع الافتراضي، وأدوات تعلم قائمة على المرح تناسب جميع الطلاب.
  19. معالجة الفجوة الرقمية انطلاقا من حقيقة مؤداها أنه لا يزال هناک قسم من السکان لا يمکنهم التواصل الرقمي، ومن ثم يمکن الاستعانة بوسائل الإعلام المتاحة مثل الإذاعة والتلفزيون.
  20. تنفيذ مبادرات السياسة على مراحل، حيث أن لکل نقطة سياسة عدة خطوات تتطلب کل منها الخطوة السابقة ليتم تنفيذها بنجاح.
  21. الترکيز على الشمولية في التنفيذ على أساس أن السياسة مترابطة وشاملة وليست مجزأة، مع تحديد الأولويات والتسلسل الأمثل لنقاط السياسة، واتخاذ الإجراءات الأکثر أهمية وإلحاحًا أولاً، ومن ثم تحقيق الأهداف المرجوة.
  22. ضخ الموارد البشرية والبنية التحتية والمالية المطلوبة في الوقت المناسب بما يضمن التنفيذ المرضي للسياسة، وعدم الاعتماد الکامل في تمويل صنع السياسات التعليمية أو أحد جوانبها أو مراحلها على المنح والقروض فقط خاصة إذا کانت مشروطة بانتهاج سياسات معينة، لأنها قد تستخدم کوسيلة ترهيب وترغيب، کما أن تدفقها غالبًا ما يکون غير مضمون، وقد تستخدم کوسيلة لجمع المعلومات التي تضر بالأمن القومي للوطن.
  23. تحليل ومراجعة الروابط بين خطوات التنفيذ المتوازية من أجل ضمان التوافق الفعال بين جميع المبادرات؛ ويشمل ذلک اتخاذ بعض الإجراءات التي قد تکون ضرورية لضمان التطور السلس لجميع البرامج والإجراءات اللاحقة (مثل إقامة البنية التحتية لرعاية الطفولة المبکرة)، هذا إلى جانب البحث المستمر والتقييم المنتظم من قبل خبراء تربويين لرصد التقدم الذى يتم.
  24. زيادة قدرة المؤسسات القائمة وإنشاء مؤسسات جديدة في المجالات التقنية والهندسية والعملية. تدعيم العملية التعليمية عن طريق إعداد المعلمين المؤهلين ذوي الخبرة، بالإضافة إلى الاستفادة من التقنيات التعليمية الحديثة وأجهزة الحاسب الآلي لتحسين جودة التعليم بشکل عام. تحسين الإدارة وتطبيق برامج التدريب والتعليم عن طريق تعزيز القدرات الإدارية بالإضافة إلى تدعيم نظم التقويم والمراقبة. غرس القيم الإيجابية والاتجاهات السليمة وتشجيع التلاميذ على المبادرة والتواصل والمهارات التحليلية. تحسين أداء المعلمين عن طريق المراجعة الدائمة وإجراء البرامج التدريبية المختلفة لهم وتقديم الحوافز والمکافآت للمتميزين من هؤلاء المعلمين.
  25. تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجالات التعليم والتدريب، بعيدًا عن "توحش رأس المال المحتکر" بحجة أنهم يخففون الأعباء عن کاهل الموازنة العامة للدولة، بمعنى الابتعاد عن اختزال العملية الاستثمارية في المکسب المادي وإقامة مشاريع تعليمية توجه لکل طبقات المجتمع، وکذا عدم تبنى صيغ تعليمية أجنبية تضر بمستقبل الأجيال الحالية في المستقبل.
  26. عدم الترکيز فقط على لغة الأرقام وإغفال الجانب الکيفي، من منطلق أن الأرقام هي التي تکون محسوسة ومنظورة عند کتابة التقارير وإبراز الإنجازات؛ وذلک لأن الأرقام قد تکون خادعة ويصعب معرفة ما تخفيه وراءها في کثير من الأحيان.
  27. بناء السياسة التعليمية استنادًا إلى معلومات حقيقية، وانطلاقها من أهداف واقعية يمکن تحقيقها، ومراعاة الصالح العام وليس صالح فئة بعينها، والترکيز على کل المستويات الإدارية وعلى المشارکة الحقيقية، والاعتماد على نتائج البحوث العلمية، والمحافظة على الهوية والثوابت الوطنية، مع الحرص على أن تکون مستقلة ولها مرجعية وتتضمن المحاسبية وکيفية التقويم وتصحيح المسار.

 



[1]* کان استخدام هالسى لمصطلحي نخبوى ُElite وجماهيرى Mass استخدام مقصود به الإشارة لى مراحل تاريخية فى نمو التعليم الجامعى والعالى.

  1. المراجـع:

    1. إکرام عبد الستار محمد دياب (مارس 2018): تطوير السياسة التعليمية لمعلم القرن الحادي والعشرين في مصر في ضوء أفضل الممارسات العالمية، مجلة الإدارة التربوية، العدد السابع عشر.

    https://emj.journals.ekb.eg/article_92525_c0b9bc84a6b63d351af93d372a0756fd.pdf

    1. الهلالى الشربينى الهلالى: (2019)، کنت وزيرًا للتربية والتعليم، المنصورة، المکتبة العصرية
    2. الهلالى الشربينى الهلالى(سبتمبر 2004 ): الأصلالاجتماعيالاقتصاديلطلابجامعةالمنصورة, , المؤتمرالعلمىالأوللمرکزتطويرالتعليمالجامعى ، جامعةعينشمسالتعليمالجامعىفىمصر : تحدياتالواقعوالمستقبل, .
    3. اليونسکو: ملخص التقرير العالمي لرصد التعليم لعام 2020: التعليم الشامل للجميع: الجميع بلا استثناء

     https://www.gcedclearinghouse.org/resources/summary-global-education-monitoring-report-summary-2020-inclusion-and-education-all-means?language=ar

    1. سيف الإسلام علي مطر، وهاني عبد الستار فرج: خطايا السياسة التعليمية في مصر رؤية تحليلية ناقدة، http://montdatarbawy.com/show/122782
    2. مهني غنايم (2018): السياسة التعليمية والطبقية والمواطنة: المؤتمر العلمى العربى الثانى عشر (الدولى التاسع)، التعليم والمجتمع المدنى وثقافة المواطنة، جمعية الثقافة من أجل التنمية بالتعاون مع الاکاديمية المهنية للمعلمين بالاشتراک مع جامعة سوهاج، الأربعاء والخميس 25-26 أبريل.
    3. الأمم المتحدة (أغسطس 2020): موجز سياساتي: التعـليم أثناء جائحة کوفيد19 وما بعـدها

     https://www.un.org/sites/un2.un.org/files/policy_brief_-_education_during_covid-19_and_beyond_arabic.pdf

    1. أحمد اسماعيل حجي (2002)؛ اقتصاديات التربية والتخطيط التربوى، القاهرة: دار الفکر العربى.
    2. بيانات مستخرجة من ملفات إدارة الإحصاء، مرکز بحوث تطوير التعليم الجامعى، المجلس الأعلى للجامعات، 1992.
    3. بيکاس س. سانيال وميشيلا مارتن (1998)؛ استراتيجيات جديدة للإدارة المالية فى الجامعات، مجلة مستقبليات، المجلد 28، العدد 3، سبتمبر.
    4. تقارير اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة القومية لتطوير التعليم الجامعى والعالى (تقرير لجنة التمويل والاقتصاديات)، المؤتمر القومى للتعليم العالى، القاهرة 13 – 14 فبراير 2000.
    5. ضياء الدين زاهر (2000): الکلفة والتمويل فى نظم التعليم العربية : منظور مستقبلى ، من بحوث ندوة : المعالم الأساسية للمؤسسة المدرسية فى القرن الحادى والعشرين، المنظمة العربية للتربية والثقافة
      والعلوم ، الدوحة 7 -  10 مايو.
      1. Anderson, L. Briggs, A. & Burton, N. (2001); Managing Finance, Resources and Stakeholders in Education, London: Paul Chapmen Publishing.
      2. Bordieu P. (1977); "Cultural Reproduction and Social Reproduction" In Karabel, J. and A. H. Halsey: Power and Ideology in Education, Oxford University Press.
      3. Bell, Daniel (1976); the Coming of Post Industrial Society, New York, Basic Book. 16- Halsey, A. H., Heath, A. F. and Ridge, J. M. (1980); Origins and Destinations: Family, Class and Education in Modern Britain, Oxford: Clarendon Press.
      4. Hartman, W. (1998); Understanding Resource Allocation in High Schools, In: Willian T. Hartman & William Lowe Boyed ed.; Resource Allocation and Productivity in Education: Theory and Practice, London: Greenwood Press.
      5. http://www.gse.buffalo.edu/org/inthigheredfinance/pub/reformsfinman.html
      6. Johnstone, B., Arora, A. & Experton, W. (1998); Worldwide Reforms in the Financing and Management of Higher Education, the UNSCO World Conference on Higher Education. The Text is Also Available at:

    http://www.gse.buffalo.edu/org/inthigheredfinance/pub/reformsfinman.html

    1.  Marquis, C. (2000). Innovation Funds for Universities, A Paper Introduced to The Nigeria University System Innovation Project (Nusip). The Text is Available at:  http://www.worldbank.org/education/tertiary/fomec.htm
    2. Noonan, Richard and Saltzman, I (1982); "Some Notes on Comparing Changes in Educational Enrolment and Transition Rates, "Scandinavian Journal of Educational Research" No. 3.
    3. Bowles, Samuel and Gintis, H. (1970): Schooling in Capitalist America, New York: Basic Books.
    4. Jones, David R.(1983); A Century of Exoticism: Australian Universities 1850 - 1950,  Australia: Centre for  the  Study of Higher Education, University of Melbourne.
    5. National Education Policy 2020 Ministry of Human Resource Development Government of India: 

    https://www.education.gov.in/sites/upload_files/mhrd/files/NEP_Final_English_0.pdf

    1. UNESCO: Education in a post-COVID world: Nine ideas for public action, https://en.unesco.org/news/education-post-covid-world-nine-ideas-public-action
    2. Antoni Verger, Hulya K. Altinyelken, Mario Novelli (2012):Global Education Policy and International Development : An Introductory Framework, Available at: https://pure.uva.nl/ws/files/1540913/133115_verger_intro.pdf